حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم "الماضي" لأصغر فرهادي

أمير العمري

 

في أول فيلم له خارج إيران بعد أن حقق سمعة طيبة في الأوساط العالمية بفيلميه السابقين:"عن إيلي" ثم "إنفصال" الذي حصل على جائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي، يعود المخرج الإيراني أصغر فرهادي في فيلمه الفرنسي "الماضي" The Past إلى موضوعه المفضل.. أي إلى دراما المشاكل العائلية التي من خلالها تتفجر المشاعر، ويكشف الفيلم عن التناقضات الإنسانية وكيف تتكون أفكارنا عن الدنيا، وعن العلاقة مع "الآخر"، وهل من الممكن أن نحصل على ما نرغب من خلال الحب، وكيف يتحول الحب إلى درجة عالية من الرغبة في السيطرة وتطويع الآخر، وما ينتهي إليه من تصدع في العلاقة العاطفية والزوجية.

يتشابه فيلم "الماضي" كثيرا مع فيلم "إنفصال" رغم أن الفيلم الثاني (إنفصال) كان يدور في البيئة "الطبيعية" التي يعمل فيها أصغر فرهادي، أي المجتمع الإيراني الذي يعرفه جيدا، ويمكنه أيضا، بطريقته الخاصة، أن يوجه إليه سهام النقد ولو من زاوية خفية.

وإذا كان "إنفصال" يدور حول زوجين استحالت بينهما الحياة بسبب رغبة الزوجة في الهجرة ورفض الزوج الموافقة على هذه الفكرة وتشبثه بالبقاء بسبب اضطراره لرعاية والده العاجز المسن، ففيلم "الماضي" أيضا يدور حول "ثلاثي" آخر هو أحمد.. الزوج الإيراني المنفصل عن زوجته الفرنسية "ماري" الذي نراه يعود في بداية الفيلم من بلاده إلى باريس، بعد انفصال دام أربع سنوات لتسوية ما تركه خلفه والحصول على الطلاق، يقف بينهما "سمير" الصديق الجديد (العربي) لماري التي ترعى ابنتين من علاقة سابقة (لاحظ التركيز هنا على تجسيد الفرق بين نمط الحياة الفرنسية والقيم الإيرانية بشكل واضح تفسيرا لما يمكن أن يكون قد أدى إلى ذلك التناقض بين أحمد وماري من دون أن يشرح الفيلم ذلك بشكل مباشر) وسمير هذا هو الذي تريد ماري أن تتزوج منه رغم معارضة إبنتها الكبرى المراهقة "لوسي".

العبث بالأشياء وإصلاحها

لوسي تتوسل بشتى الطرق لكي تفسد العلاقة بين أمها وسمير الذي تجده انتهازيا نفعيا بل وفظا قاسيا وأيضا تحمله مسؤولية ما جرى لزوجته، وتحاول "ماري" أن تدخل أحمد طرفا في حل المشكلة القائمة بينها وبين لوسي التي تهجر البيت كثيرا احتجاجا على وجود "سمير" في حياة أمها. ويجد أحمد نفسه - وهو الراغب في إنهاء كل علاقة له بتلك المرأة الفرنسية وابنيتها- تدريجيا، متورطا، ليس فقط في محاولة إصلاح العلاقة بين الأم والإبنة، بل وفي إصلاح الكثير من الأشياء التي تتعطل (من أجهزة وأدوات وسيارات..إلخ) وحتى مساعدة سمير في تحسين علاقته بابنه الصغير فؤاد المشغول هو والابنة الصغرى لماري (ليا) في العبث بالاشياء في ذلك المنزل الذي تنتشر في أرجائه أدوات الطلاء حيث تسعى ماري الى اعادة طلائه وكأنها تخفي ملامح الماضي حينما كانت تعيش في نفس المنزل مع أحمد، وتتأهب لكي تبدأ حياة جديدة. إن أحمد- بهذا المعنى، يبدو مثل المنقذ وهو الرجل القادم من خارج المحيط.

وبينما كان الأب العاجز يلعب دورا مركزيا في فيلم "انفصال" رغم أنه لا يتكلم ولا يتداخل في الأحداث، كما يتسبب في وقوع مشكلة كبيرة لإبنه تصل للقضاء بعد أن يضطر الإبن إلى لاستعانة بامرأة تخدم والده وترعى المنزل أثناء غيابه وما ينتهي إليه من التشاجر معها بسبب إهمالها للرجل العاجز، مما يجعله يمد يده عليها ويسقطها فتصاب بالإجهاض.. إلخ هنا في "الماضي" توجد شخصية مشابهة هي شخصية زوجة سمير (التي يعتزم الطلاق منها) والتي ترقد في المستشفى في غيبوبة كاملة منذ فترة، بعد محاولة انتحار فاشلة بسبب ما تصورته من خيانة زوجها لها أو بسبب تعقيدات أخرى يكشف لنا الفيلم عنها تدريجيا، تقوم في جانب منها، على سوء التفاهم، وفي جانب آخر على التآمر من جانب خادمة (مغربية بالمناسبة!) تحاول حماية وجودها كعاملة في مغسلة الملابس التي يمتلكها سمير. إن شخصية الزوجة العاجزة موجودة حقا في خلفية الحدث، إلا أنها قائمة بشكل مركزي في ضمير الإبنة لوسي التي تعتقد أنها ضحية علاقة أمها بسمير، وتحكم بالتالي على أمها بالإدانة، وترفض وجود سمير في حياة الأسرة، كما أنها موجودة في ذهن الإبن فؤاد وفي ضمير الزوج سمير.

الطريف أن "أحمد"- كما أشرت، وفي السياق الدرامي المنسوج ببراعة، يصبح هو "المخلص" أي الرجل القادم من الخارج- من خارج تلك الثقافة التي من الواضح أنه يحتج عليها ويرفضها رغم حسه الإنساني الذي يجعله قريبا من كل الشخصيات، لا يكرهها بل يتعاطف معها- اي يصبح هو الشخصية الإيجابية الوحيدة في الفيلم التي تبدو متصالحة مع نفسها، فهو يصل إلى اليقين بضرورة الانفصال على الرغم من محاولات "ماري" في البداية الإيحاء بأنها ربما كانت قد استضافته في منزلها لكي تدخله مجددا إلى حياتها وتستعيده. وهو أيضا يقدم "خدماته" للجميع دون أن ينتظر أي مقابل، ينجح في إعادة لوسي إلى أمها، ودفع سمير للاهتمام مجددا بزوجته في غيبوبتها، وينتهي الفيلم بما يوحي بأن "سمير" قد يكتشف خطاه في الحكم على زوجته التي ترقد في المستشفى، وإنها أيضا ليست عاجزة تماما عن الشفاء بل ربما تشفى وتعود إلى استئناف حياتها معه بعد أن تتكشف الحقيقة، كما أن ماري ربما تكون قد تسرعت في علاقتها بسمير وتريد أن تخفف قليلا من ذلك الاندفاع وتعود للاهتمام بابنتيها.

بناء تقليدي

يعتمد الفيلم على البناء الدرامي التقليدي القوي المليء بالمشاعر في سياق محكم (ليست هناك مشاهد عودة للماضي رغم أن الماضي يظهر من خلال الكثير من الحوارات بين ماري وأحمد)، ويكشف الفيلم لنا من مشهد إلى آخر، عن تفصيلة جديدة أو جزء جديد من تلك "الحبكة" القوية البارعة التي تشدنا لمتابعة الصراع القائم بين الشخصيات، أحيانا في شكل صريح ومباشر، وأحيانا أخرى في سياق خافت، وأنت كمشاهد لا تملك في البداية سوى أن تكره كل هذه الشخصيات وتحتج عليها، ثم تعود لكي تفهمها تدريجيا وتحبها وتحنو عليها، تماما كما يفعل أصغر فرهادي نفسه تجاه شخصياته هنا بل وفي كل أفلامه. إنه لا يدين أحدا أو يقسو عليه، بل يسعى لفهم الجميع ووضعهم في سياقات حالاتهم النفسية وخصوصيات شخصياتهم وملامحها التي تجعلها تختلف عن غيرها. وهذه من معالم ذلك الطابع "الإنساني" لأفلام فرهادي.

ويعتمد أسلوب الإخراج على إدارة الممثلين جميعا واستخراج أقصى ما لديهم من قدرات، وفي مقدمة هؤلاء جميعا بيرنيس بيجو الرائعة في دور ماري، التي تعود لتفرض نفسها ملكة متوجة في هذا الفيلم بعد أن تألقت في دورها الرئيسي في فيلم "الفنان" الصامت. أما هنا فهي تستخدم كل طاقتها في التعبير بالوجه والحركة و الصوت والإشارة والصمت في ليونة مذهلة عبر مسارات الفيلم، تخرج وتدخل وتتحرك، وتتمادى في الشجار كامرأة واقعة بين شقي الرحى.. تعاني أزمة الاختيار والخوف المتجدد من الفشل، من ضياع الإبنة، ومن ضياع الزوج الذي كان، ومشروع الزوج الجديد، والعودة مرة ثانية إلى الوحدة والمعاناة بينما سنوات العمر تمضي.

وهناك أيضا الممثل الإيراني علي مصطفى في دور "أحمد" الحريص على التحكم في مشاعره رغم أنه، مثل سائر الشخصيات، يفقد أيضا أعصابه أحيانا.. لكنه في كل الأحوال يبدو في حالة تماهي رائعة مع ماري، يملك القدرة على فهم ما في داخلها من قلق وإن كانت هي ترفض – ظاهريا- أن تجعله يكشف ما يدور في أعماقها.

ويتميز أيضا الممثل  الجزائري- الفرنسي طاهر رحيم (بطل فيلم "نبي") في دور سمير، الذي يبدو سلبيا في البداية، عدوانيا لا يبالي، إلا انه يكشف تدريجيا عن كائن إنساني شديد الحساسية، يعاني الاضطراب الداخلي أيضا في صمت، يبدو أحيانا عاجزا أمام ابنه الصغير فؤاد، يشعر بالغضب الشديد من تلك الفتاة المغربية التي يتصور أنها خدعته وساهمت في تدمير حياته بنسج الأكاذيب واختراع المواقف، في حين أنها هي نفسها ضحية الواقع والظروف القاسية، وهو ما يدركه سريعا.

ولعل من أكثر من يميز الفيلم ويجعله من أفضل الأفلام الفرنسية التي شاهدناها أخيرا، تلك السيطرة الكاملة لأصغر فرهادي على كل التفاصيل الصغيرة، والتحكم في الإيقاع، متخلصا من الوقوع في التكرار. فقط تلك النزعة الخاصة في الانحياز للشخصية الإيرانية هنا ربما ترهق الفيلم قليلا، وتجعله على نحو ما، مائلا في اتجاه تأكيد الذات رغم موضوعيته الواضحة!

الجزيرة الوثائقية في

22/08/2013

 

"يامو" رامي نيحاوي وسر البيض والسمسم

درويش درويش 

"يامو". عنوان سلس. يرشقه "رامي نيحاوي" على مسامِنا فننساب معه على مدى ساعة وعشر دقائق.

هو يعلن بذلك ومن قبل البداية، انحيازه "إليه". البدء من ذاته وملازمتها و"الالتزام" بها في رحلة تركيب الذاكرة. استعادتها. أو "محوها". رحلة قد يضيع صاحبها في متاهات الماضي وأحداثٍ لا تخص رامي وحده، بل ربما تتعلق بما هوَ أكبر من وطن. هنا تغدو الذاتية والتشبث بها، بالنسبة إلى رامي الذي بلا ذاكرة، ملاذاً أخيراً وبوصلة في بحر من لا يقين.

يعود رامي إلى الأصل، الجذر، حيث عقدة الخيوط، الأم. من هنا يفكفك ويجمّع، يبني ويهدم، ويستعيد. قد تسرد أمه أمراً يخصه لا يذكره. يجادلها، واضعاً إياها تحت رصد "العدسة" فينقسم المشهد إلى جزئين، أحدهما أمام الكاميرا والآخر "خلفها".

ما ورد ذكره أعلاه ليس استنتاجاً تشي به –خفيةً- لغةُ الفيلمِ وأسلوبُه، إنما هوَ أيضاً التوجه المباشر والمعلن والمدرك، من قبل مخرجه دون مواربة. يقول رامي من البداية إنه بلا ذاكرة، معلقاً بلغة عربية فصيحة لا تهادن فيما تقصد رغم "شعريتها". وفي لحظات محددة و"مناسبة" يفاجئنا بلقطة "عكسية" تنقل الكادر إليه وهو يصور ضالته، "نوال"، فيصبح هوَ الموضوع، وتصبح الأم هي المترصدةَ والمتصيدةَ في لعبة تبادل للمواقع، لا نكون "نحن" بريئين منها.

أي ذاكرة هي ذاكرة نوال؟! اللبنانية المسيحية التي تزوجت في الماضي سورياً مسلماً، مسكوناً بفلسطين و"بعثيّته"، كما علق رامي. ستنبش نوال من ماضيها، وسينبش رامي مما يظن أنها ذاكرته، سنتابع سردين يتشابكان، يكمل أحدَهما الآخرُ، ليركّبا معاً صورةً عامة، لبلد قيض له أن يكون مركزاً ترجمَ تقلبات منطقة بأسرها في تلك الفترة.

فراغ الذاكرة عند الابن، تقابله ذاكرة مكتظة لدى أمٍّ لم يكن لطفولتها وشبابها من أفق وطموح كاللذين أتيحا لابنها فيما بعد كما تظن، في ظروفها تلك، و تخبط عائلي تؤججه سطوة ذكورية للأب/الجد.

الأب/الزوج. سيكون جزءاً من الذاكرة الضائعة لرامي نيحاوي. بذلك يكون الأب الغائب، الحلقةَ المفقودة وربما المحور، الذي تحضر بغيابه وتتكشف جملةٌ من الدلالات لا تقتصر على انسحاب اليسار اللبناني من "المشهد" ليحل محله اليوم في زمن الابن، حسب تعليقه أيضاً، ما يمثله "الحريري" ورأسماليته بوصفه "أباً للفقراء" وحزب الله "المقاوم"، من وقفت نوال إلى صفه رغم اختلافها أيديولوجياً معه أثناء حرب تموز، فالمفاضلة كانت بالنسبة إليها بينه (حزب الله) وبين إسرائيل. هي التي تعمل بالإضافة إلى مهنة التدريس في متجرٍ لبيع الكحول.

الأب الغائب الذي كان يوماً ما يسارياً، أو يُحسب على اليسار، لم يختلف كثيراً في الجوهر عن الجد، لا يقتصر تناقضه في العودة والارتداد إلى الدين بعد الحرب، بحسب وصف التعليق الفصيح: "العلماني الذي وبخني يوماً ليثنيني عن تعلم طقوس الصلاة فر إلى الدين"، بل سيذكر رامي أيضاً "منفعلاً" في جداله مع نوال، قصة البيض والسمسم وتلك العلقة الساخنة، عندما عنف الأبُ الابنَ لوضعه السمسم على البيض، ليكتشف "الصغيرُ" فيما بعد أن الأب من كان يقوم بهذا الفعل خلسةً. وترد الأم: كما قصة التلفزيون، عندما قال "اسألي أولادك عنه" ليكتشفوا أنه هوَ من باعه. المسلم الذي تزوج نوال في الكنيسة تبعاً لمعتقداته ما لبث بعد الحرب اللبنانية أن استنكر هذا الزواج "الحرام" واختفى من كل المشهد. كيف لا تنسحب إذاً قصة البيض والسمسم، على تجربة جيل بأكملها، وتيارات وأيديولوجيات آلت إلى ما آلت إليه؟!. 

يعيدنا رامي هنا ومن خلال التصاقه بذاته ووفائه للحقيقة، إلى تبسيط المعقد وتفسيره في آن، إلى البون الشاسع بين ما قال به جيل قصد الحداثة وادعى السعي إليها، وبين درجة تطوره "الإنساني" وواقع تكوينه المناقض لأبسط متطلباتها ومغازيها، يحاول هذا الشاب المخرج سبك الحكاية/الذاكرة، ليكشف عن مكمن الخلل وإزاحة أصوات "مدافع الحرب" التي طمست واحتلت وغطت كل ما عداها من ذكرى وماضٍ مراوغٍ مراوغةَ "أبطاله". رغبة رامي في فهم الماضي والانعتاق عنه كانت ستفشل ربما، لو أنه تناول القضية بمصطلحات ولغة الماضي، بأسلوب أبناء ذاك الجيل، ما يبدو أن رامي في مبارزة مرة معه، لكنه وبالعودة إلى الإنساني، العائلي والحميمي، كما تجلى أيضاً "بتصويره" لتفاصيل حياة أسرته اليومية في الماضي والحاضر وتناولها باسترخاء المنتمي إليها دون إهمال علاقة تلك التفاصيل بموضوعه، ناقض انسلاخاً عن الواقع وفصاماً، كان السمة المميزة لجيلٍ مضى، ليقترن التحقق السينمائي بإنجازه للفيلم، بتحقق آخر على المستوى الشخصي وارتباطاته بالكشف العام، ما حقق لنا أيضاً نحن المتفرجين، غنيمة مقارنة الماضي بالحاضر، بجيليهما، ومواجهة لغز أوديبي، يخصنا كلنا، موشكٌ على الحل.

الجزيرة الوثائقية في

22/08/2013

 

«لمّا شفتك» لآن ماري جاسر.. سؤال العودة

نديم جرجورة 

في رحلتها السينمائية، فيلمان روائيان طويلان فقط، وأفلام قصيرة عديدة. «كأننا عشرون مستحيلاً» (2003) أول لقاء سينمــائي لي مــع عالمــها الخــاصّ. فيــلـم قصــير (17 د.) يحاول أن يلتقط لحظة إنسانية مقيمة وسط احتلال تفـوق قسوته كل وصف ممكن. آن ماري جاســر (موالــيد بيت لحم، فلسطين المحــتلّة، 17 كانون الثاني 1974) قدّمت مشهداً سينمائياً عن معنى العلاقة بالأرض والهوية والانتماء

خمسة أعوام تمرّ، والنتيجة أول فيلم روائي طويل لها: «ملح هذا البحر» (2008). المشاهدة الأولى لم تجد متّسعاً من التواصل الحسّاس مع مضمون متركز على معنى العودة، وحقّها

المشاهدة الثانية أهدأ وأعمق وأجمل. السؤال المركزيّ نواة عمل سينمائي يتوغّل في ثنايا العلاقة الصدامية بين طرفين غير متساويي القوة المادية. مع هذا، امتلك أحدهما (الطرف الفلسطيني) قوة معنوية هائلة تدفعه إلى الاحتيال على الذات والآخر (العدو) من أجل متعة لقاء ممنوع. التاريخ؟ حاضرٌ. الجغرافيا؟ أيضاً. هناك رحلة داخل فلسطين، تمتدّ من مناطق الحكم الذاتي إلى «دولة» الاحتلال الإسرائيلي. الحساسية الإنسانية؟ جزء من خطاب العودة، ومن حبّ بين شاب (يريد الخروج نهائياً من دائرة الموت هذه بأي ثمن) وصبيّة (تعود إلى بلد لم تعرفه، لولادتها في الولايات المتحدّة الأميركية، محمَّلة بوفرة مشاعر ورغبات متعلّقة كلّها بأرض الأجداد وبلدهم).

سؤال العودة مستمرّ في دفع آن ماري جاسر إلى الاشتغال السينمائي. «لمّا شفتك» (2012)، فيلمها الروائي الطويل الثاني، مرتكز على هاتين الكلمتين أيضاً: سؤال العودة. السينمائية المقيمة في الولايات المتحدّة الأميركية (كالشخصية النسائية الرئيسية في «ملح هذا البحر») لا تملّ من طرح هذا السؤال. إنه الجوهر. إنه الحكاية الأصلية. إنه اللحظة المتوخاة. إنه الهدف. ليس سؤالاً عابراً، أو «كليشيه» مطروح بأشكال بصرية. هو جوهر الفيلمين، ومناخهما وفضاءاتهما المختلفة

«لما شفتك» منتقل إلى زمان ومكان آخرين تماماً: الأردن، مخيّمات اللاجئين الأول الواصلين توّاً من الضفّة الغربية، إثر «حرب الأيام الستة». هناك اختلاف آخر أيضاً: الثنائية في «لما شفتك» معقودة على أم وابنها. الثنائية في «ملح هذا البحر» معقودة على صبيّة وشاب. الصبيّة في الفيلم الروائي الأول راغبة في العودة من أجل أن تفهم وترى وتعيش شيئاً من ذكريات أهل وأجداد. نقيضها؟ شاب تضيق به الدنيا يوماً بعد يوم، في ظلّ احتلال طاغ في جوانب الحياة كلّها، فيسعى جاهداً إلى الهجرة، لكن من دون فائدة. في «لما شفتك» انقلب الوضع: أم لا تزال مصدومة بفجيعة حرب خاسرة، وبغياب زوج بدا واضحاً أنه «مفقود». 

هي، بهذا كلّه، لا تعرف طريقاً إلى العودة، ربما لأنها خائفة، أو منتظرة عودة غائب، أو تائهة وسط جنون اللحظة وخرابها. نقيضها؟ ابنها المرتبك والراغب في أبسط أمور الحياة اليومية: سريره وغرفته وحمّامه. يسأل عن الأب. يضيق به المخيّم. يتلعثم في الكلام. تصعب عليه علاقته بأم لا تقلّ ارتباكاً وقلقاً عنه. هناك صدام خفي ومعلن بينهما. يُصرّ على العودة، من دون أن يُدرك مخاطرها الجمّة في تلك اللحظة التاريخية الاستثنائية (التي تحوّلت إلى سنين مريرة من اللاعودة). تمرّده دافعٌ له إلى اكتشاف بديل عن أب غائب، متمثّل في فدائيّ يتدرّب ورفاقه في أحد المعسكرات القريبة من المخيم. يلجأ إلى المعسكر، وينتشي فرحاً بأولئك الرجال البواسل، و«يخضع» معهم لتدريبات وتمارين وحياة. البحث عن الابن دافعٌ للأم إلى بلوغ المعسكر، ومعاينة أحواله، و«الشعور» الخفيّ برغبة في البديل نفسه عن زوج ـ رجل غائب.

اللقطة الأخيرة جواب عن الســؤال الجــوهري للفيلم. الجانب السينمائي لم يبلغ جماليات «ملح هذا البحر». محتاجٌ هو إلى نقاش آخر. نواة النص السينمائي أهم. محاولة نقل النصّ إلى متتاليات سينمائية دونها مشاكل متعلّقة بكتابة وتمثيل ومعالجة

السؤال أهم. ذلك بأن الرغبة الدفينة في ذات المخرجة في طرح هذا السؤال أجمل من كل شيء آخر.

السفير اللبنانية في

22/08/2013

 

مرزاق علواش ينظر الى الجزائر من السطوح

هوفيك حبشيان 

بعد "حراقة" الذي عُرض في دورة 2009 من "موسترا" البندقية، يعود المخرج الجزائري مرزاق علواش الى جزيرة الليدو بفيلم "السطوح" بعد أيام قليلة، في مناسبة انعقاد الطبعة السبعين لأعرق المهرجانات السينمائية وأبعدها زمنياً. من الواضح ان المخرج الستيني انتقل الى ايقاع آخر في العمل منذ سنوات. فهذا هو فيلمه الرابع في اربع سنوات، وقد صوّره في أقل من اسبوعين، وذلك في اواخر العام الماضي، فيما كان فيلمه "التائب"، الذي انطلق من "اسبوعا المخرجين" في كانّ، لا يزال يلفّ المهرجانات. يتعاقب "السطوح" حكايات اناس يعيشون على سطوح المباني في الجزائر العاصمة، وتحديداً في حيّ باب الواد الشعبي، وهو المكان الذي سبق لعلواش ان استمد منه سيناريوات العديد من أفلامه السابقة. تتركز الحكاية على عائشة، الأم العزباء الفقيرة التي تضطلع بدورها آمال كاتب. لكن الى جانب عائشة، شخصيات اخرى يبدو ان مخرج "عمر قتلته الرجولة" أراد الانتقال بينها، موحّداً الحالة الاجتماعية التي تعيشها، ومانحاً "السطوح" طابع فيلم الـ"كورس"، بحيث تجتمع الكاراكتيرات كلها في مساحة زمنية واحدة، من دون ان تلتقي بالضرورة أمام كاميرا المخرج. علواش، وهو يُعتبر واحداً من أهم السينمائيين العرب، أراد في هذا الفيلم أن تتشابك خمسة مصائر، ملتقطاً اياها على امتداد يوم واحد لا غير، من الصباح الى المساء.

مهما يكن، فإن هذه الغزارة عند علواش اليوم تشير الى انه لم يعد يهتم بالمعوقات الانتاجية، ولا يبحث دائماً لأن تتوفر لديه كل مستلزمات التصوير كي ينطلق في مشروعه: موازنة شحيحة، موارد بشرية قليلة، التقاط مقتضب للمشاهد، الخ. هذا يختلف عن النحو الذي كان يعمل فيه سابقاً. اذ، على الأرجح ان واحداً من أهدافه في المرحلة الراهنة هو التوثيق لبيئة جزائرية تنعدم فيها الحلول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، اقله على المدى المنظور. يبدو ان فيلمه سيكون اكثر تفاؤلاً من أعماله الأخيرة التي اتسمت بسوداوية النظرة الى الواقع الجزائري، سواء عندما تناول الحاضر، عبر تصوير قوارب الموت التي تحمل أحلام المهاجرين غير الشرعيين الى الغرق، او عندما عاد الى "العشرية السوداء" ليصفّي حساباته الأخلاقية المحقّة مع الارهابيين في بلاده.

روى علواش لموقع "كل شيء عن الجزائر" الناطق باللغة الفرنسية، ان فكرة تصوير فيلم تدور حوادثه على السطوح طرقت مخيلته عندما كان يصوّر فيلماً قصيراً تحصل حكايته جزئياً على سطح موازٍ لمكتبه. حينها، أدرك التحول الذي كان بدأ يدخل الى المدينة والمتمثل في استخدام السطوح امكنة للسكن. "لم نصل بعد الى مرحلة يبدأ فيها الناس في السكن بين المقابر كما الحال في مصر، ولكننا لسنا بعيدين من ذلك"، يقول في اطار حديثه عن الفيلم. زار علواش نحواً من 60 سطحاً قبل ان يقرر التصوير في المكان الذي صوّره. ولم يكن الحصول على اذن التصوير سهلاً، ذلك ان من الصعب معرفة من هم مالكو السطوح. يؤكد المخرج ان السطوح من الأماكن المثيرة للعمل، اذ تعطيك الشعور بأنك في الداخل والخارج في آن واحد. وهذا يجعله يتفادى العمل في مكان مغلق او أن يُجبر على التصوير في مدينة مكتظة جداً كالجزائر العاصمة.

علواش الذي اعتدناه غاضباً وصريحاً في عباراته، اذ لا يوفر فرصة لتوجيه انتقاداته اللاذعة الى السلطات والصحافيين وحتى إلى الجمهور، قال انه لا يزال مع هذا الفيلم مصراً على كشف تناقضات المجتمع الذي خرج منه، علماً انه يعيش في فرنسا. في اعتقاده ان كثراً يلومونه لهذا السبب. ففي معظم النقاشات، هناك سؤال يوَجه اليه دائماً: "لماذا لا تظهر ما هو ايجابي في الجزائر؟". جوابه يكون دائماً: "أنا لا أعمل لمصلحة وزارة السياحة. أهتم بما ليس في حالة سليمة. عندما نطالع الصحافة الجزائرية، خصوصاً الحوادث العرضية، ندرك ان هناك اموراً فظيعة تحصل. لا يبدو ان هذا يثير عاطفة كثيرين. الا عندما نقرر تصوير هذه الحوادث. الجزائر لا تريد ان ترى نفسها".

hauvick.habechian@annahar.com.lb

تروفو/ سبيلبرغ: درسٌ في الزمالة والاخلاص!

هـ. ح.

كلود لاكومب؟ أيعني لكم هذا الاسم شيئاً؟ انه العالم الفرنسي الذي اضطلع بدوره فرنسوا تروفو في فيلم ستيفن سبيلبرغ، "لقاء الجنس الثالث"، عام 1977. عدد لا بأس من السينمائيين استعانوا في أفلامهم سواء بمخرجين آخرين او بنقاد كانوا أساسيين في تأهيلهم الثقافي والأخلاقي، ليوجهوا إليهم نوعاً من تحية تعبيراً عن امتنانهم، من غودار الى فيم فاندرز... بيد ان علاقة سبيلبرغ بتروفو مختلفة بعض الشيء. فسينما الأول مختلفة تماماً عن سينما الثاني، لا بل على نقيضها أحياناً، لكن أشياء كثيرة تجمعهما: "الموجة الجديدة"، السينيفيلية النهمة، الريادة. هناك حوار وجداني بين هذين السينمائيين وصل الى ذروته في "لقاء الجنس الثالث". بالاضافة الى ان كلاًّ منهما كان مأخوذاً بالسينما التي صُنعت في الضفة الاخرى للأطلسي: سبيلبرغ توحد مع "الأتراك الشباب" للسينما الفرنسية الذين انقلبوا على آبائهم غير البيولوجيين وأحياناً بانتهازية شديدة، وتروفو من خلال اعجابه بهيتشكوك، النابغة الذي تعذر عليه ان يجد مثيلاً له في بلاده.

يروي تروفو ان كل شيء بدأ في شباط 1976. كان جالساً في مكتبه في شارع ماربوف عندما تلقى اتصالاً من الولايات المتحدة. كان سبيلبرغ انطلق حديثاً في الاخراج، ولكنه انجز واحداً من أهم أفلامه: "مبارزة" (1971). وكان تروفو، الوافد الى السينما من النقد، يكنّ له شيئاً من الاعجاب. كان يعدّ فيلماً عن الصحون الطائرة ويريد من تروفو ان يؤدي فيه دور عالم فرنسي. ولما كان هناك فراغ في جدول اعماله، قبل مخرج "جول وجيم" الانضمام الى المغامرة التي خلصت الى واحد من اروع أفلام علم الخيال. لم تكن هذه التجربة التمثيلية الاولى لتروفو، ذلك انه كان قد وقف مرتين أمام كاميراه، مرةً عندما صوّر "الولد المتوحش"، ومرةً عندما أدى دوره الحقيقي في الحياة، دور المخرج، في رائعته "الليل الأميركي". لكن، في فيلم سبيلبرغ كانت تلك المرة الاولى التي يقف فيها امام كاميرا مخرج آخر، بيد انه شعر أنه قادر على تأدية دور لاكومب. كان يكفي أن يبقى طبيعياً، على حاله، مثلما فعل سابقاً في "الولد المتوحش"...

كان مسحوراً بفكرة مشاهدة تصوير فيلم، وهو جالس على كرسي، من دون أن يكون الشخص الذي يحرك الأشياء. كان يريد ان يكون الممثل المثالي الذي لا يتذمّر البتة، ولا يطلب شيئاً، حتى توضيحاً. كان ينفذ ما يأتيه من توجيهات من سبيلبرغ. عندما يسمع عبارة "اقطعوا المشهد"، كان ينظر اليه، مثل باقي الممثلين، ليرى إن كان سعيداً. في لحظة ابتهاج، كان عليه ان يهتف "اينشتاين كان على حق!"، وفي كل يوم، يقول انه سيطلب من سبيلبرغ الغاءها، لكن نوعاً من الجبن والتعاضد منعا من تنفيذ ذلك، الى ان سمع احد زملائه في الفيلم يقول "اينشتاين كان على حق"، فجنّ جنونه وقال في سرّه: "الحقير، اعطى جملتي لآخر!".

عندما ذهب الى اميركا للتصوير، حمل معه آلة الطباعة لكي يتقدّم في سيناريو "الرجل الذي يحبّ النساء" (1977). التعليقات التي كتبها تروفو عن مغامرته الأميركية تكشف اعجاباً كبيراً بمخرج لم يكن بلغ بعد الثلاثين، فقال إنه وجد لديه الحزم الذي لا ينوجد عند كثيرين. وهذا أمر قد يكون نادراً في أيامنا هذه حيث المنافسة وانعدام اخلاقيات الزمالة يمنعان الزملاء من أن يعترف ببعضهم بالبعض الآخر. صُوِّر الفيلم في ألاباما، منتصف الصيف، وبفريق عمل بلغ اعضاؤه 250 شخصاً كلهم من لوس انجليس. كان العمل يتواصل على مدار 12 ساعة يومياً، وذلك في سقيفة ضخمة من دون تبريد. على الرغم من ظروف التصوير الشاقة، لم يرَ تروفو مخرجه يفقد الشجاعة، حتى عندما كانت منتجة الفيلم تزعجه، ويحضر مصرفيو الـ"وول ستريت" الى مكان التصوير لكي يقرروا ما اذا كان الأمر يستحق انفاق 3 او 4 ملايين دولار اضافية للابهار.

عندما عاد تروفو الى مونبيلييه ليصوّر "الرجل الذي يحبّ النساء"، عاد سبيلبرغ ليطل مجدداً في حياته، طالباً منه، يوماً بعد يوم، أن يلاقيه في هذا المكان او ذاك لاكمال التصوير الذي تحول في غضون ذلك الى "تجربة لامتناهية"، بحسب تروفو: "كان بحاجة اليّ في بومباي، في الهند، حيث لم اتمكن من لقائه الا في آذار 1977، لأنه كان متعذّراً عليَّ ان اوقف تصوير فيلمي. نظّم سبيلبرغ، الدائم الابتسامة والذي لا يتعب البتة، مشهد حركة كبيراً مع قرويين هندوسيين، فقال لي ان فيلمه في مرحلة المونتاج وانه يحب ان يصوّر مشهداً او اكثر في المكسيك ربما او في مونومنت فالي، الصحراء التي اصبحت شهيرة بعدما صوّرها جون فورد. فأجبتُ انني موافق، وأحب فكرة التصوير اللامتناهي هذه. وقلت له: تعوّدت الاّ يكون هناك فيلم اسمه "لقاء الجنس الثالث"، لكنك رجل يقنع الآخرين انه يصوّر فيلماَ ويجمع اشخاصاً كثراً حول الكاميرا لتصديق نكتته هذه. وانا سعيد بالمشاركة في هذه النكتة، ومستعد للانضمام اليك بين وقت وآخر، في أيّ مكان في العالم، لكي "اتظاهر" بتصوير فيلم معك".

ثم كان اللقاء الأخير في الصحراء الكاليفورنية. هذه المرة، وجد تروفو النكتة مرّة. كان هناك اربع مراوح كبيرة تدور بلا توقف، قاذفةً الرمال على وجوه الممثلين. وفي لحظات، لم يكن أيٌّ منهم قادراً حتى على رؤية الكاميرا، وكانت تعليمات سبيلبرغ مبهمة. يروي تروفو ان البؤس أكله حينما كان يصور في الصحراء، لكنه شعر ان تعبه لم يذهب سدى عندما شاهد المشهد على شاشة كبيرة. أما زيارة تروفو لقسم التأثيرات الخاصة الذي كان يديرها الخبير دالتون ترامبو فجعلته متواضعاً، باعترافه الخاص. هناك فهم ان دور الممثل في فيلم كهذا يطلب ان نضع جانباً نظريات ستانيسلافسكي في مجال الفنّ الدراماتيكي. عندما رأى الفيلم في صيغته النهائية، ازداد احترامه لسبيلبرغ، فأدرك ان الامور التي كانت تبدو له ساذجة كانت في الحقيقة مهارات تُرفع لها القبعة.

خارج الكادر

سؤال بازان: ما هي السينما؟

هـ. ح.

في احدى المرات، قبل سنوات عدة، طرحتُ سؤالاً بسيطاً معقداً على عدد من المخرجين اللبنانيين الشباب الذين كانوا لا يزالون آنذاك في طور التكوّن. سؤال بازانيّ (نسبة الى الناقد الفرنسي اندره بازان) يسهل طرحه ولكن يصعب ايجاد جواب عنه: ما هي السينما؟ مرّت السنوات، بعضٌ من أصحاب هذه الردود وجد ضالّته في مهن موازية للسينما او هاجر الفنّ لأعمال أخرى. بعضهم الآخر ترك البلاد أو انقطعت اخباره نهائياً. الباقي، أعرف منهم مَن لا يزال يبحث، عن وعي او غير وعي، رداً منطقياً على السؤال الذي طرحته عليه ذات يوم. في الآتي، الردود التي وصلتني، أنشرها بسذاجتها وحماستها ومثاليتها وبشاعريتها:

السينما تفضح الأحاسيس المكتومة السائدة في المجتمعات المغلقة. في السينما أستطيع أن أفعل ما لا أستطيع فعله في الحياة. وأكثر ما يثير اهتمامي في المادة السينمائية، هي طريقة التعامل مع عامل الوقت، وإمكان التحكم بالاختزالات الزمنية. باختصار، السينما تجعل العلاقات أكثر إنسانية، وتزيد من أنسنة الكائن البشري.

السينما جوهرة بعيدة المنال، وإذا أتيحت لنا الفرصة لامتلاكها، فذلك تحت شروط الآخرين القاسية. لسوء الحظّ ان السينما على غرار وسائل الإعلام الأخرى، استخدمت ضد وجودنا القومي والعربي، من أجل تشويه صورتنا الصحيحة، ولتتحول آلة قمع وتشهير.

السينما ليس في إمكانها أن تكون محاولة لتغيير الواقع الأليم الذي يسود مجتمعنا العربي، أو الهرب منه، إنما هي وسيلة تعبير وقبول للظرف الذي نعيش فيه.

السينما هي ذلك المكان الذي أذهب إليه مرة كل أسبوع لأشاهد فيلماً وأتناول الـ"بوب كورن". السينما تحرر مشاعر الحب أو الخوف التي تسكن في الاعماق. وأسلوب التعبير السينمائي ينطلق من الذات، وبه نستطيع التحكم بالعالم.

السينما هي منفذ للهرب من واقع غير مستحبّ، أو تجسيد لأحلام حرص الواقع على تعطيلها وإفشالها، وهي تجسد صورة لواقع لم نعد نراه بسبب الروتين اليومي. في اعتقادي أن السينما نظارات ترى نظرات.

السينما في إطارها العام، وعلى غرار الفنون الأخرى، تبدو للوهلة الأولى فنّاً يهدف إلى التسلية، ولكن في الحقيقة، هذا الفنّ يعكس المشكلات التي يعيشها المجتمع ويظهر طريقة عيشه وتعامله مع الواقع. بالنسبة لي، السينما هي طريقة لإخراج الآلام الداخلية وتطهير النفس من الفوضى والمشاعر المكبوتة، وصعوبة التعبير عن الذات.

السينما هي الحياة، والحياة هي سينما. إنها رسالة توصلنا إلى نوع من الكمال من الصعب بلوغه، وكلما اقتربنا منه ابتعد عنا.

السينما عالم خاص يغني المرء عن أمور أخرى، وينسق المكان الذي يعيش فيه، ويستسلم تماماً للعالم الواسع، بحواسه، ليس بحواسه البصرية والسمعية فحسب، إنما بتلك التي تتيح لنا أن نتفاعل أو نفكر مع أشخاص لمدة وجيزة من الزمن. السينما؟ سأقول لك: أنا مصاب بمرض الربو، وهذا المرض يتسبب لي بضيق التنفس. لذا، أرغم على استعمال الـ"فانتولين"، الذي عند تناوله أشعر بارتياح. السينما لي، هي "فانتولين" كونها تعطيني الشعور ذاته. علاقتي بهذا الفنّ قوية، ولا أعرف إذا كنت أستطيع العيش من دونه، فالسينما هي الأمل الباقي.

السينما أسرار باطنية تنبع من أعماق المرء، هي الوحيدة التي تخرق الأفكار وتجردها من أحاسيسها ومشاعرها. هي صفحة بيضاء تبرز عليها الحقيقة، ويمكن أن تكون جارحة صارمة، وفي بعض الأحيان، مخلصة ودافئة. هي مشاعر حية عن ضمائر الأفراد، تكشف، تخفي، تهدف، تبني... صديقة أو عدوة.

السينما، في بعض الأحيان، تكون صادقة أو توهمنا بأنها كذلك. إنما في الحقيقة هي رؤية كاذبة لواقعنا. ومن نسج الخيال الإنساني. في ظروف أخرى تتحول السينما إلى مجموعة أوهام مترابطة بشكل أو بآخر. وفي أكثر الأحيان لي ولكثير من الناس، تشكل فسحة أمل كبيرة.

السينما هي جنّتي المرتجاة وعبرها أفرج عن صورة شخصيتي المهذبة. هناك أستطيع أن أصرخ وأقول: كل شيء وربما لا شيء.

النهار اللبنانية في

22/08/2013

 

سامح الصريطى:

الفنانون يتبنون حملات خارجية فى الغرب لتوضيح الإرهاب التى تشهده مصر

حوار ــ سهير عبدالحميد 

قال الفنان سامح الصريطى إن الفنانين المصريين عليهم دور وطنى مهم فى ظل هذه الأوقات العصيبة وموجة الإرهاب التى تشهدها مصر حاليا خاصة فى توضيح الصورة كاملة للغرب سواء فى الموقف الرسمى لنقابة الممثلين أو فى الحملات التى يتبناها الفنانيون بشكل شخصى والتى لهم علاقات خارجية جيدة عن هذا الدور يتحدث الصريطى فى الحوار التالى:-

ما الخطوات التى تقوم بها نقابة المهن التمثيلية لمواجهة الإرهاب؟

ــ نحاول أن ننقل للعالم الخارجى الصورة الحقيقية عما تشهده مصر من ارهاب وعنف وقتل للأبرياء وحرق للكنائس والمساجد والمنشآت العامة والخاصة من جانب الجماعة الإرهابية التى تريد حرق مصرفقد بدأنا هذه الخطوات بإصدار بيان موجه لكل فنانى ومثقفى العالم الشرفاء لكى يؤيدوا ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو والتى هى مكملة لثورة 25 يناير وخرج فيها أكثر من 33 مليون مواطن فى كل ميادين مصر للمطالبة بإسقاط النظام الفاشى الذى فشل فى إدارة البلاد على مدار عام كامل وينتمى لجماعة محظورة  أرادت الانفراد بكل شىء تحت ستار الدين وأقصت كل القوى السياسية وأشعلت الحرائق وقتلت الأبرياء وروعت الأمنين وقد تم ترجمة هذا البيان للغة الانجليزية ووزع على كل وكالات الأنباء العالمية فى المؤتمر الصحفى التى أجرته وزارة الثقافة الثلاثاء الماضى لشرح موقف مثقفى مصر تجاه ما تشهده مصر من أحداث عصيبة كما تم التنسيق مع وزارة الخارجية المصرية لتوزيع هذا البيان على النقابات الفنية المماثلة والمكاتب الثقافية فى كل دول العالم

وماذا عن الحملات التى يتبناها مجموعة من الفنانين بشكل شخصى لتوضيح الصورة للغرب؟

ــ هذه خطوة مهمة أيضا بجانب ما ذكرته حيث سافر أمس الفنان حسين فهمى بشكل شخصى للقاء أكثر من 250 فنان عالمى ممن تربطهم به علاقة صداقة لتوضيح لهم حقيقة ما تشهده مصر من إرهاب وعنف حاملا معه كل الفيديوهات والأفلام الوثائقية التى تدل الجرائم التى ارتكبها الإخوان فى حق الشعب المصرى منذ بداية حكمهم حتى هذه اللحظة هذا بجانب البيان الذى أصدرته النقابة والمترجم وذلك كموقف رسمى لفنانى مصر ونفس الحملة يتبناها فنانون أخرون فهذا واجب على كل فنان مصرى تجاه وطنه فى هذه الأوقات العصيبة

وهل يقتصر دور النقابة فقط على توضيح الصورة للغرب؟ 

ــ ليس هذا فقط وإنما يقوم وفود من الفنانين بزيارة الجرحى فى المستشفيات لرفع روحهم المعنوية ولا تتصورى مدى سعادة الفنانين بهذه الزيارات واتذكر زيارة كنت فيها مع مجموعة من الفنانين منهم إلهام شاهين وسميرة أحمد ومنال سلامة وصفوت غطاس وأحمد سخسوخ والاب بطرس دنيال لمستشفى الشرطة بالعجوزة وقابلت مجموعة من الضباط والمجندين المصابين منهم ضابط عمره 22 سنة قال لى أنه سعيد بزيارتنا وفخور بنا كفنانين مع أن العكس هو الصحيح فنحن الذين فخورين به وبزملائه الذين يقفون كالأسود لحمياتنا فهؤلاء هم الأبطال الحقيقون الذين يستحقون كل تقدير وحترام.

وكيف رأيت جريمة قتل واستشهاد مجندين الأمن المركزى بسيناء الاثنين الماضى؟

ــ جريمة بشعة لا يقرها أى دين أو شرع فما ذنب هؤلاء الشباب الذين هم زهور فى مقتبل العمر وقد أنهوا خدمتهم العسكرية ويريدون أن يعودوا لبلادهم ويبدأوا حياتهم فهل يستحق مرسى أو كرسى الحكم كل هذه الدماء التى سالت من دماء شبابنا لذلك أتمنى أن العالم كله يقف فى وجه الإرهاب لأن روح الانسان أسمى وأغلى عند الله من أى شىء.

وهل ستشارك فى لجنة صياغة الدستور؟

ــ لم يتحدد ذلك بعد حيث قام اتحاد النقابات الفنية بإجراء قرعة لاختيار من سيمثل الفنانين فى لجنة صياغة الدستور وقد حصلت أنا على 10 أصوات وحصل هانى مهنى على 7 أصوات وقد تم ترشيح الاسمين للمسئولين لاختيار واحد منهم ليمثل الفنانين والمبدعين فى لجنة صياغة الدستور

روز اليوسف اليومية في

22/08/2013

 

 

كياروستامي وأفلامه يحطان في الدوحة

الدوحة - الإمارات اليوم 

تحتفي مؤسسة الدوحة للأفلام بالمخرج السينمائي الإيراني عباس كياروستامي، فتعرض للمرة الأولى لجمهورها في الدوحة 14 فيلماً قصيراً وطويلاً من إخراج كياروستامي، في الفترة من 13 إلى 21 سبتمبر المقبل، في متحف الفن الإسلامي.

وسيحضرعباس كياروستامي بعض الأفلام شخصياً في الفترة من 13 إلى 16 سبتمبر، ويشارك الجمهور من مختلف دول الخليج العربي جلسات حوارية ونقاشية حول أفلامه وصناعة الأفلام بشكل عام. وستشمل العروض عدداً من أفلام كياروستامي المشهورة. وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدوحة للأفلام، عبدالعزيز الخاطر: «يسرّ المؤسسة أن تعرض هذه المجموعة الغنية من أفضل أعمال عباس كياروستامي في المنطقة للمرة الأولى، إذ نعمل دائماً على عرض أفضل إنتاجات السينما العالمية لجمهورنا في قطر، ونأمل في الوقت نفسه إلهام المواهب المحلية والإقليمية لتوسيع آفاق صناعة الأفلام التقليدية وتجربتها من خلال مختلف وسائل الإعلام والوسائط».

من جهتها، قالت مديرة قسم برمجة الأفلام في مؤسسة الدوحة للأفلام، لودميلا تشيكوفا، إن «كياروستامي يعد واحداً من صانعي الأفلام المعاصرين الأكثر إثارة للإعجاب، وهو مصدر إلهام للمواهب الصاعدة والمعروفة على حد سواء. ويتميز كياروستامي بأسلوبه الفريد في صناعة الأفلام، والذي غالباً ما يتحدى فيه التقنيات التقليدية ما يجعله نموذجاً يحتذى ومحل نقاش، وبالتأكيد ستوفر سلسلة عروض أفلام كياروستامي للجمهور، وكذلك لخبراء السينما في قطر فرصة نادرة لمشاهدة أعمال أستاذ السينما الإيرانية».

وتشمل قائمة أفلام كياروستامي، التي ستعرضها مؤسسة الدوحة للأفلام التالي: «الخبز والزقاق» (1970)، «وقت الاستراحة» (1972)، «تجربة» (1973)، «المسافر» (1974)، «أين يقع منزل صديقي؟» (1987)، «لقطة مقربة» (كلوز أب) (1990)، «طعم الكرز» (1997) الفائز بجائزة السعفة الذهبية، «الريح ستحملنا» (1999) الفائز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي، «إي بي سي إفريقيا» (2001)، «عشرة» (2002)، «خمسة» (2003)، «شيرين» (2008)، «نسخة طبق الأصل» (2010) وفيه فازت جولييت بينوش بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي، وفيلم «مثل عاشق» (2012).

ويعد كياروستامي أستاذ السينما الخيالية وأول صانع أفلام إيراني يفوز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي 2007. وصنع المخرج الإيراني المميز أكثر من 70 فيلماً، ما يجعله واحداً من أكثر السينمائيين شهرة في المنطقة. واعتبر من أهم صانعي الأفلام في التسعينات من القرن الماضي في اثنين من الاستطلاعات التي أجراها نقاد السينما المستقلين.

وكياروستامي مخرج وكاتب سيناريو ومنتج ومصور، وتمتد مهاراته الفنية إلى كتابة الشعر والرسم. ويقضي كياروستامي وقته في العمل مع صانعي أفلام صاعدين وتعليمهم أساليب النجاح، وكيفية تحقيق الامتياز في مسيرتهم المهنية، من خلال تقديم ندوات دراسيه خاصة.

الإمارات اليوم في

22/08/2013

 

بلاد الضباب تستذكر.. ساتياجيت راي عراب السينما الهندية

ترجمة: أحمد فاضل  

يستذكر الجمهور الهندي والعالمي هذه الأيام أحد أعلام السينما البنغالية في الهند ساتياجيت راي بمناسبة مرور 23 عاما على وفاته ، راي هو أول من أدخل الواقعية الجديدة  في السينما الهندية مستمدا قصصها من روائع الأدب البنغالي والعالمي ، وقد حاز على جوائز مهمة عن مجمل أفلامه التي أهمها " أغنية الطريق " و " عدو الشعب " و " صالون الموسيقى " وفيلمه الأخير " الزائر " . 

في عام 1948 كان ساتياجيت راي مجرد كاتب شاب بنغالي مغمور لم يتعرف عليه القارئ الهندي بعد ، ما جعله يتجه إلى الصحافة الفنية ليكتب مقالا في إحداها تحت عنوان "ما هو الخطأ في الأفلام الهندية" اتهم فيه إدارة بلاده بالفشل في فهم هذه الوسيلة الحضارية حيث قال في مقاله :

- إنه أمر لايصدق أن هذا البلد الذي أبهر العالم بفنه وشعره وموسيقاه يعجز عن تقديم فيلم واقعي يكون بعيدا عن كل هذا الإسفاف والتهريج الذي نراه حاليا .  

في غضون بضعة سنوات يقف ساتياجيت راي ليتحدى المعوقات التي تعترض تقدم السينما الهندية عالميا بعد دخوله عالم الإخراج السينمائي بإخراجه وبميزانية محدودة فيلما رائعا بعنوان "أغنية الطريق" كتب السيناريو له عن رواية بنفس الاسم تتحدث عن صبي يعيش في إحدى القرى البنغالية البعيدة يكافح من اجل حياة سعيدة له ولعائلته  ، الفيلم قوبل لدى عرضه عام 1955 باستحسان الجمهور وإعجابه اللامحدود به ثم ما لبث أن حاز على إعجاب النقاد في مناطق عديدة من العالم ومن العاملين في الفن السابع حيث أثنى عليه كوروساوا وسكورسيزي ، راي أخرج أكثر من 35 فيلما وحصل على أوسكار الإنجاز مدى الحياة قبل وفاته في عام 1992 ، وبالرغم من أن اسمه غير معروف في ولاية البنغال إلا أن شهرته عبرت إلى ولايات عديدة أخرى داخل الهند وخارجها ، فها هي القناة الرابعة اللندنية تعرض له في ذكرى وفاته مجموعة مختارة من أفلامه .

في وقت مبكر من حياته عمل راي في إحدى شركات تصميم الإعلانات وأغلفة الكتب ، وبسبب عشقه للسينما فقد أقام جمعية كالكوتا السينمائية حيث سهل مشاهدة أحدث الإصدارات له ولأصدقائه من فرانس كابرا إلى آيزنشتاين ، تغيرت حياته بعد هذه المرحلة حينما وقف مساعدا في عام 1949 للمخرج الفرنسي المعروف جان رينوار عند تصوير الأخير فيلمه " النهر " ، محققا رغبة كانت تلح عليه بالوصول إلى العالمية .

وهو يعد العدة لإخراج أول أفلامه اختار رواية لأحد الكتاب البنغال اشتهرت حينها هي باتربانشالي أو "أغنية الطريق" التي يقول عن ظروف تقديمها في فيلمه هذا :

- شعرت بأنني إذا أنجزت هذا الفيلم فإن تغييرا كبيرا سيطرأ على السينما البنغالية ولم يكن عندي شك في ذلك فقد أدركت بأنني وجدت الموضوع المثالي لفيلمي الأول ، في تلك الفترة كنت واقعا تحت تأثير الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية

قبل أن أنفذ الفيلم تحدثت مع عدد من الأشخاص المحترفين عن هذا المشروع ، لكنهم أخبروني باستحالة إخراج فيلم خارج الاستديو واستحالة إخراجه  بوجوه جديدة وقالوا انه من الصعب إنجاز فيلم دون الاستعانة بالمكياج والتحكم خارج الاستديو ، وهكذا نصحوني بالعدول عن محاولة إخراج الفيلم، لكنني أخرجته بعيدا عن سطوة الفيلم التجاري ما أتاح أمامي تجاهل توقعات المتفرج التقليدي وكان علي أن أحافظ على تقديري الشخصي لاحتمالات تقبل المتفرج لمشاهدة الفيلم .

الفيلم نجح نجاحا كبيرا وعند مشاركته في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 1956 حاز على جائزة مهمة فيه ، وفي عام 1957 شارك في مهرجان البندقية السينمائي الدولي وحاز الجائزة الكبرى فيه، اليوم تستذكره بلاد الضباب لتعرض بهذه المناسبة مجموعة من أفلامه الرائعة التي ظلت في أذهان جمهورها الذين عايشوا سينما ساتياجيت راي منذ خمسينات القرن الماضي وتجربته الفريدة في صنع الفيلم الهندي الواقعي برغم الإمكانات المحدودة آنذاك.

المدى العراقية في

22/08/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)