حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حوار مع الناقد السينمائي المصري أحمد شوقي

حوار : صلاح سرميني

 

كانت فكرةٌ قديمةٌ خطرت في بالي، إجراء حواراتٍ مع نقاد السينما العرب، صُناع الثقافة السينمائية، ولكن، كيف بالإمكان الحوار معهم عندما يكون المُحاور نفسه مُتورّطاً في نفس المهنة ؟، وماهي الأهداف المرجوّة منها ؟، وهل يمكن تحقيقها عملياً ؟،...والكثير من الأسئلة التي دارت، وتدور في ذهني، وحالت دون إنجازها في وقتٍ سابق، حتى جاءت الفرصة، الكتابة عن إصدار جديدٍ للناقد السينمائي اللبناني "محمد رضا"، وإستثمار تلك القراءة للتحاور معه حول أمور تتعلق بالثقافة السينمائية.

أعرف، بأنّ أيّ ناقدٍ يمتلك القدرة، والوسيلة الإعلامية كي يكتب ما يشاء، حيث تعتمد طبيعة مهنته في جوهرها على التوّجه إلى القارئ عن طريق الكتابة، أو القول، وأضيف أيضاً، نشاطه المنهجيّ للتعريف بالسينما (عروضٌ خاصة، جمعيات، نوادي، مراكز ثقافية، أسابيع أفلام، مهرجانات،...)، ولكن، فعلياً، وعملياً، أتخيّل بأنّ الناقد، ومهما كان إنغلاقه، أو إنفتاحه، لا يكتب، أو يقول كلّ شيئ، هناك دائماً خواطر، وأفكاراً يحتفظ بها لنفسه على الرغم من الحريات المُنضبطة، أو المُنفلتة التي سمحت بها وسائل التواصل الإجتماعية، والمواقع، والمُدونات الشخصية .

ومن هذه الملاحظة، تنطلق رغبتي في محاولة فتح أبواب، ونوافذ الغرف السرّية للناقد العربي، وإكتشاف بعض ما تُخبئه من كلماتٍ لم يكتبها بعد، أو يخشى كتابتها.

في هذه الحوارات، لا/ولن أدّعي، بأنّ كلّ ما سوف نقرأه الآن، ولاحقاً، جديدٌ، ومتفرّد، ولكن، رُبما أستطيع إيقاع هذا، أو ذاك في أفخاخ، ومصائد كثيرة منتشرة في خفايا الأسئلة، والأجوبة، أو نعثر على زلات لسانٍ، فضفضة، حالات إنفعالٍ، أو حتى غضب، ..الطموح الأهمّ، أن تكون هذه الحوارات مفيدة، شيقة، ومختلفة.

كانت البداية مع الناقد السينمائي اللبناني "محمد رضا"، وتتواصل اليوم مع المصري الشاب "أحمد شوقي" الذي شمّر عن ساعديّه، وترك أصابعه تنتقل بحريةٍ بين أزرار لوحة الكتابة، وكتب بسرعةٍ أحسده عليها للردّ على أيّ سؤالٍ عاديّ، أو إستفزازيّ وهميّ إخترعته من خيالي، ولا ينطبق عليه، هو الذي أعرف بأنه مشاهدٌ نهمّ، وفيسبوكيّ سليط اللسان

الإشكالية المُؤقتة التي تخطر على بالي حالاً

هل يتوّجب عليّ محاوراً بأن أبقى مُحايداً ما أُمكن في تعريف القارئ بالناقد ؟، وهل يحتاج أصلاً إلى هذه الخطوة المُجامِلة، والتجميليّة إلاّ إذا كان يعيش في مجراتٍ أخرى لا تصل كتاباته إلى كوكب الأرض

بعد ثواني من التفكير، وجدتُ بأنّ الحل الأمثل (والأسهل طبعاً)، ترك القارئ يُكمل مسيرته معه، أو التعرّف عليه بنفسه إن كان فعلاً بحاجةٍ إلى تعريف، والطريقة المُثلى متابعة نشاطه النقديّ، هذا يعني، بأنني سوف أتصنّع الموضوعية، أزايد عليها، وأتاجر بها، وأغلف هذه الحوارات بذاتيةٍ مزدوجة من الطرفين، وهل يمكن السكوت بعد اليوم عن توصيفيّن مُزيفيّن : نقدٌ موضوعيّ، وآخرٌ علميّ، حيث يبدو لي، بأنّ الأول خرج من الحياد المُطلق، والثاني من المخابر

رُبما يبقى هذا الحوار مُنفرداً، وتتوقف السلسلة كما عادة معظم مشاريعنا، أو ـ من يدري ـ يُضاف إليه حواراتٍ مع نقادٍ آخرين من كلّ الأعمار، والخبرات، والتوجهات، لن أدغدغ مشاعر الشباب منهم بحجة التشجيع، ولن أتملق من هم أقلّ شباباً، في البداية، سوف أعتمد نموذجاً مُوحداً من أسئلةٍ قابلة للتعديل، الزيادة، أو النقصان، أو حتى الإزدراء، والإهمال، والنسيان، الهدف، كما سوف يتبيّن لنا تدريجياً، إثارة الجدل، وحتى المُناظرات الفكرية النقدية، ورُبما المعارك البنّاءة، أو الهدّامة، لا فرق..
سوف تتطوّر الأسئلة، والأجوبة من خلال التواصل المُتبادل، تتوقف، تُؤجل، أو تتجول في طرقٍ عريضة، معبّدة، ومريحة، وأحياناً، في دروبٍ ضيقة، متعرّجة، وحتى مسدودة.

·        أحمد شوقي، أنت سعيدٌ لأنني أصفك بالناقد الشاب، ويُحاورك ناقدٌ أقلّ شباباً، مش كدة..؟.

 ـ أعترض على وصفي بالناقد الشاب، أو إلحاق وصف الشاب بأيّ مهنة، أو الإدّعاء بأنّ هناك ما يدعو إلى دعم الشباب، أو تشجيعهم، أو تمكينهم، أو كلّ هذه المُصطلحات التي أصبحنا نسمعها يومياً، ويتعامل معها البعض بإعتبارها مسلماتٍ غير قابلة للنقاش.

مهنياً : الناقد الجيد حتى وإن كان مراهقاً، وسوف يبقى السيئ سيئاً حتى بعد عقودٍ من الزمن.

فنياً : هناك من تجاوز السبعين، ويقيت روحه أكثر شباباً من أبناء العشرين، السنّ أمرٌ "مورفولوجي" لا أكثر، أحب أن أُوصف بالناقد، وأتمنى أن يراني البعض ناقداً جيداً، أما التصنيف العمريّ، فلا يهمّني منه سوى أنني صرت قادراً على قيادة السيارات، وتوقيع الشيكات، وصرفها، ودخول الحانات، وكلّ الأشياء المُشابهة.

·     ولكن، هناك مزايدات على موضوع الشباب، من الطرفين، الشباب أنفسهم، والأقلّ شباباً، وهذه ظاهرة لا تخصّ السينما وحدها، وإنما كلّ مجالات الحياة، وتدعمها الخطابات الثورية التي سوف تتحول مستقبلاً إلى مصيدةً يقع فيها الشباب أنفسهم، ماعلينا، هل لديك تعليق على المُقدمة ؟

ـ جيدة جداً،.... لا أجد ما يُقال غير أني مقتنعٌ بما هو مكتوب، وأتمنى إستمرار الحوارات، وعدم توقفها في محطتي، ولعلها تثير، أو لا تثير المعارك النقدية.

·     طيب، .. يبدو بأنّ النقاد العرب يعيشون حروباً فيما بينهم، ماهو تفسيرك لهذه الأجواء العدائية، وهل تخفي خلفها مبرراتٍ شخصية، أو إحترافية.

ـ أعتقد، بأنّ الأمر لا يقتصر على النقاد فقط، ولكن، يمكن تعميمه على أبناء حرفة أخرى، هناك دائما تنافسٌ داخليّ يصفه المثل الشعبي المصريّ "عدوك إبن كارك"، المنافسة تخلق الحب، الغيرة، التوازنات، والعداوات، أضف إلى ذلك حقيقتين : الأولى، التنافس في "مكاسب" عالم النقد واضحٌ، وجليّ للجميع، لا أقصد الفنية، ولكن المالية، والمعنوية، المهرجانات ـ على سبيل المثال ـ تدعو عدداً محدوداً، ويعمل في تنظيمها عدد محدود، إن لم تكن منه، فأنت خارجه، وهذه برأييّ أسهل طريقة لتكوين جماعاتٍ، وتزكية صراعات.

·     لم أقتنع بالردّ، تعالَ نفكر معاً، هل يخشى "محمد رضا" من منافسة أحد، وهو الذي لا يتوقف عن العمل في هذه المؤسّسة الصحفية، أو تلك، هل يقلق "سمير فريد" من منافسةٍ ما، وهو الذي قضى عمره عطاءً نقدياً، وإنسانياً ؟

وهل تعتقد بأنّ المكاسب المالية من النقد وفيرةٌ إلى هذه الدرجة ؟ مازلتُ أتذكر تلك المبالغ الهزيلة التي كنتُ أحصل عليها من كلّ الصحف، والمجلات التي تعاونتُ معها، كما أتذكر سنوات، وسنواتٍ من الكتابة التطوعية في إحدى الصحف العربية المُهاجرة، حيث نعرف بأنّ مهنة النقد غير مربحة، في يوم من الأيام فتحتُ محل بقالة في باريس، وكنت أكسب منه أكثر مما أكسبه اليوم، أما عن الجانب المعنويّ، هل تعتقد بأنه فعلاً مصدر منافسة ؟، من يجتهد، ويعمل، يحصل على ثمرة إجتهاده، وعمله، ومن يجلس في بيته يندب حظه، سوف يحصد الهواء..

·     فيما يتعلق بالمهرجانات، وأنت الذي تتعاون مع بعضها في مصر، وتعرف بأنه، وبسبب الميزانيات، من الطبيعي أن تدعو عدداً محدوداً، وتختار ضيوفها بناءً على آلياتٍ تخصّ كل مهرجانٍ على حدة، ومن لم يُدعى إلى هذا المهرجان، سوف تصله دعوة من مهرجانٍ آخر، وكما تعرف أيضاً، من الطبيعي أن يكون فريق العمل محدوداً، وإذا لم تكن واحداً منه، فأنت خارجه حتماً،...أعتقد بأنّ الأسباب تتخطى ما ذكرتَه في إجابتكَ، ورُبما تكون أبسط من ذلك بكثير، تتعلق بشخصية، ونشاط، ونزاهة، ومصداقية كلّ ناقد.

ـ السؤال ضخمٌ جداً،.. وصلتُ إلى نهايته، ونسيتُ أوله، لكن، سوف أحاول تجميع بعض الأفكار..

أولا: لا جدال في محدودية المكاسب، والدعوات، وما شابه، ولكنه أمرٌ يدعو إلى التنافس، وليس إلى إنعدامه، الركاب يمزقون بعضهم من أجل ركوب سيارة أجرة حقيرة ينحشرون فيها كالسردين،.. إنها "أخلاقيات الندرة" الكريهة،.. والتي تظهر دائماً لدى الغير متحقق،.. أما المُتحقق كالأساتذة الذين ذكرتهم،.. فرُبما حمتهم مسيرتهم من هذا الدافع،.. كالذي يمرّ بسيارته المُكيفة بجوار نفس "الميكروباص" !

ثانيا: ما سبق، يتعلق بالجانب المادي، أما الفني فلا علاقة له بالسنّ، أو التحقق لمن هو موهوب بالفعل،.. حسب فهمي المحدود للعالم، يظل الموهوب قابلاً للغيرة حتى لو صار الأنجح في العالم،.. يظل لديه هذا النوع من التمييز بين الجيد، والسيئ، وتكوين آراء من نوعية : هذا الكاتب ضعيف، ويأخذ أكثر من حجمه، وهذا جيدٌ مهضوم حقه، هذه الكتابة جيدة أتمنى لو كنتُ أنا صاحبها، هذه كتابة ردئية لا أفهم كيف يمكن أن تُنشر، أو تُعجب البعض،.. كلّ هذه في رأيي مواقف لا علاقة لها بالعمر، أو الخبرة، أو التحقق،.. هي أمورٌ إنسانية، وإبداعية تظلّ مع الإنسان حتى مماته، والتخلص منها علامة سيئة، وليست جيدة.

أما ما ذكرته أنتَ عن الشخصية، والنشاط، والنزاهة، والمصداقية، فهي متواجدة بالطبع، ومرتبطة بما ذكرته في الفقرة السابقة، فمواقف الشخص أمرٌ أعقد بكثيرٍ من حصره في عامل مؤثر واحد، هي مزيج من كلّ ما سبق.

·     على فكرة، لم يكن سؤالاً من طرفي، كان تعقيباً، وحسناً فعلت بإضافة إجابة أكثر إسهاباً، الآن، هل تعتقد بأنّ هناك حروباً، وصراعاتٍ مُماثلة عند النقاد الأجانب ؟

ـ لا أعرف، ولا أستطيع أن أجزم، أو أعتقد، لأنني لم أعايش الوضع، لكن قناعتي، بأنه طالما هناك عمل، سوف يبدأ التنافس، وطالما تضمّن العمل جانباً إبداعيّاً كلما زادت فرص الغيرة، والصراعات.

·     لم أقتنع بالجزء الثاني من الإجابة، وبغضّ النظر عن علاقتي مع "النقابة الفرنسية لنقاد السينما" التي أنتمي إليها، ولم أسمع، أو أقرأ يوماً عن صراعاتٍ داخلية، أو خارجية بين الأعضاء، لا يوجد، من وجهة نظري، مبررات خلافاتٍ بينهم، لأنّ الناقد الفرنسي مدللٌ جداً، حيث يتوفر له ما يشاء من إمكانيات المُشاهدة، والعمل في الصحف اليومية، المجلات المُتخصصة، قنوات الإذاعة، التلفزيون، المهرجانات، المدارس العليا، الجامعات،..ويصبح نظام البطالة بديلاً مادياً في حالات التوقف المُؤقت عن العمل.

ـ يُجيب على ذلك النصف الأول من إجابتي،.. فأنا قلت : بأني لا أعلم، ولا أجزم،.. أنت تعيش هناك، وشاهدت بعينيك (ومن زاويتك بالطبع).. لكني لا أؤمن بأيّ يوتوبيا،.. وأنت من أشرت إلى عناصر الشخصية، والنشاط، والنزاهة، والمصداقية.. وكلها أمور متواجدة لدى كلّ إنسان مهما دللته الظروف.

·     في السنوات الأخيرة، عمد معظم النقاد العرب إلى إنشاء مُدوناتٍ شخصية، ماهو رأيك بها، وهل حققت أغراضها ؟

ـ بالنسبة لي، أنشاتُ مدونةً شخصية، لكنها مختلفة عن المقصود من السؤال، لأني أسّستها كهاوّ قبل إحتراف النقد، وبالتالي، كانت أول بوابة لي للتعبير قبل أن تنفتح أمامي بواباتٍ أخرى، ولكن، فيما يخصّ كبار النقاد، أعتقد بأنّ الأمر يتعلق بالتناقص النسبيّ في عدد المطبوعات المُتخصصة، بل، وفي المساحة الممنوحة للسينما عموماً، وللنقد خصوصاً، بالتزامن مع إرتفاع عدد مستخدمي الأنترنت، وحرية النشر التي يكفلها من حيث المضمون، والمساحة، وفيما إذا تمّ إنشاء أيّ مدونة لهذا الغرض، فقد حققت أهدافها، أما لو كان لصاحبها أهدافاً أخرى، فهو وحده القادر على تقييم تحققها من عدمه.

·     ماهو المقصود بكبار النقاد ؟ وماذا تعني بأهدافٍ أخرى ؟، هل يؤسّس ناقدٌ سينمائيّ مدونة من أجل تحقيق (أهدافاً أخرى) غير الكتابة عن السينما، ونشر الثقافة السينمائية ؟

ـ لا أقصد السنّ بالطبع،.. ولكن التفريق بين من كان هاوياً يسعى إلى العثور على مساحةٍ، فأنشأ مدونة للتعبير، ومن كان بالفعل ناقداً معترفاً به يمتلك منصاتٍ مطبوعة ينشر فيها كتاباته، لكنه فضل إنشاء منصة إليكترونية إضافية.

وأنتَ من ذكرت "الأغراض" بصيغة الجمع، فجعلتني أتسائل عن باقي القائمة،.. في رأييّ الحديث عن السينما هو الغرض الوحيد،.. وبإفتراض أهدافاً أخرى لا أعرفها، فأصحابها هم واضعوها، وهم القادرون على قياس مدى تحققها،.. أما مدونتي، فقد أنشأتها من أجل الهدف الأول فقط.

·     أراد الناقد اللبناني "محمد رضا" أن يكتب عن الناقد الحقيقي، والمُزيف، من وجهة نظره طبعاً، ولكنه لم ينفذ فكرته، وأفهم الأسباب، وأنا أعرفك أكثر جرأةً منه، هل هناك حقيقيّ، ومزيفٌ في النقد السينمائي؟

ـ كلّ عمل يمتلك جانباً إبداعياً، وبالطبع، هناك الحقيقيّ، والمُزَيَف، وأيضاً المُزَيِف، هذا التقييم نسبيّ تماماً، لديّ قائمتي الخاصة لنقادٍ أراهم حقيقيين، وآخرين مزيَفين، ومزيِفين، وهي خاضعة لقناعاتي، وتفضيلاتي فيما أقرأه، وما أشاهده، ولا تخصّ أحداً غيري،.. قائمة يمتلك مثلها، ولو بشكلٍ غير واعٍ، كلّ ناقد، بل، وكلّ قارئ، وأجزم بأنني، بالنسبة للبعض، حقيقيّ، ومبدع، وبالنسبة للبعض الآخر، مزيَف، ومزيِف.

·     ولكن، إنطلاقاً من قائمتكَ الإفتراضية، من هو الناقد الحقيقيّ، والناقد المُزيف، أقصد هل يمكن أن يكون الناقد حقيقياً، أو مزيفاً، كيف، ما هي المعايير الشخصية التي جعلتكَ تعتقد، أو حتى تتأكد بأنّ هذا حقيقي، والآخر مزيف، متى، وكيف تشعر بالحقيقة، أو الزيف ؟ 

ـ  أؤمن بالنسبية، وبإختلاف التقييم من قارئٍ لأخر، فلا توجد قائمة رسمية للحقيقة، والزيف، ويستحيل تصوّر الإجماع على تقييم ولو فرداً واحداً.

أما عن قائمتي الشخصية، فالحقيقي فيها هو، ببساطة، من يمتلك القدرة على إيجاد "مدخل إبداعي" للحديث عن الفنّ، بحيث يصبح ما يكتبه أيضاً عملاً فنياً، يتضمن فكرة جديدة، أو تناولاً جديداً، أو إشارة تضيئ في ذهني زاوية معتمة،.. الحقيقي هو من يمتلك منطقاً واضحاً، ومتسقاً حتى وإن اختلفتُ معه، وأشعر بأنه بذل مجهوداً فيما كتبه، ولم يعمد فقط إلى تسويد الصفحات،.. شخصياً أعاني من أجل كتابة ألف كلمة كلّ أسبوع، بينما يمكنني بسهولة أن أكتبها كلّ يوم بدون بذل أيّ مجهود،.. الحقيقيّ هو من يحترمني مثلما أحاول إحترام من يقرأ لي، فلا يملأ ثلاث أرباع مقالته بسرد حكاية الفيلم كحال ربة منزل تروي الفيلم لصديقتها.

الزائف، هو، ببساطة، عكس ما سبق..

·     في يوم ما أنشأ مدونةً متخصصة تهدف إلى كشف السرقات الأدبية في مجال الثقافة السينمائية، هل أثمرت تلك الجهود في التقليل منها ؟

ـ بالرغم من المجهود الذي بذله هذا الناقد في المدونة، وأهمية هدفها، ولكن، لا أعتقد أن من يُقدم على سرقاتٍ سينمائية فجة مثل التي كنا نراها في المدونة، سوف يهتمّ كثيراً بما يُقال عنه، الفاسد لا تؤلمه تهمة الفساد، أما على صعيد التقليل.. فلا تعليق!

·        هل أجري معك حواراً كي تكتب لي : لا تعليق، وإشارة تعجب، وبعدين معاك ؟ 

ـ أنتَ من أعطيتني الحقّ في الإمتناع عن التعليق، فإستخدمته،..ولكن، عموماً عدم التعليق هنا ليس موقفا من السؤال، ولكن، من الوضع،.. لست بحاجة للتعليق كي أؤكد حقائق مؤسفة، مثل إستمرار لصوص متلبسين في التعايش، والتعامل مع الجميع بدون أيّ محاسبة مهنية، أو قانونية.. وضعٌ كهذا، أقلّ ما يُقال عنه.. لا تعليق !

·     في تلك الفترة، كتب البعض، بأنها ليست وظيفته الكشف عن سرقات الآخرين، ومبادرته تلك ليست أكثر من تصفية حسابات، بعد تلك المُواجهات، توقفت المدونة، ولا أعرف مصير مؤسّسها، قرأتُ وقتذاك بأنّ البعض قدم شكاوى، وقضايا ضده في المحاكم العربية، والأوروبية بتهمة التشهير، ورُبما يقضي اليوم عقوبته في زنزانة أوروبية ؟

ـ لا أدخل في نفس أيّ شخص، ولا أستطيع الحكم على غرض من يكشف عن السرقة، قد يكون هادفاً للمنفعة، أو راغباً في تصفية حسابات، لا يهمّني هذا كثيراً.. الأهمّ، هو وجود واقعة مثبتة : سرقة بالتواريخ، والنصوص، أعرف منها بوضوح أنّ هذا الشخص سارق، وآثم.. وسواء كان الكشف بغرض المصلحة العامة، أو تشويه الفاعل، فهو في الحالتين غرضٌ نبيل، والسارق ليس من حقه إتهام أحد بتشويه سمعته، أو تصفية الحسابات معه، فكلاهما أمر محمود !

أما الجزء الثاني من السؤال، أقترح بأن تسأل صاحب المدونة، حيث كنت وقتها مجرد قارئ، ومتابع هاوّ..

·     أجد هناك إزدواجيةً في شخصية الناقد السينمائي العربي، كيف يمكن أن يكون ناقداً، ولا يتقبل النقد ؟ 

ـ يتضمّن السؤال تعميماً مرفوضاً، ويُفترض مسبقا أن شخصية الناقد العربي لا تتقبل النقد، هذا إتهام قد يصدق عند البعض، ويكذب عند البعض الآخر، لكن الصياغة الحالية لا أقبلها.

·     عندما عمد ثلاثة من النقاد العرب إلى تأسيس "إتحاد دوليّ لنقاد السينما العرب"، فجأةً ظهرت عوائق، وإشكالياتٍ من بعض الأشخاص في مصر، وكانت لديهم إعتراضاتٍ على التسمية نفسها "دولي"، ولماذا يتأسّس من طرف نقاد المهجر، والأهمّ، بأنهم يؤسّسون هذا الإتحاد لأغراضٍ شخصية، ومصالح، ومنفعة، ومن ثمّ توقف المشروع تماماً ؟

ـ لم أتابع التفاصيل كي أحكم بشكل قاطع، ولكني أؤمن بحق أيّ شخص في أن يفعل أيّ شيء، وبالمُقابل حقّ أيّ شخص آخر أن يقيّم التجربة وُفق ما يراه.

·        ماهو تقييمك الصريح للمهرجانات السينمائية العربية، وفي الخليج تحديداً ؟

ـ يمتلك كلّ مهرجان أجندة أهدافه الخاصة، ودرجة نجاحه فيها، وبالتالي يصعب تقييم المهرجانات العربية بشكلٍ عام، بعضها ناجحٌ جداً، وبعضها فاشلٌ جداً، وبعضها لا أعرف عنه شيئاً، أما مهرجانات الخليج، فإستمرارها دليل على النجاح، ودعمها لصناعة الأفلام، وليس الاكتفاء بعرضها أمر كاف وحده لدعمها في ظل الظروف الإنتاجية الكارثية، وبدء الحراك السينمائي في منطقة الخليج، ولو كانت الصناعة لا تزال تحبو، يردّ على السخرية التي كانت قبل أعوام تطول فكرة إقامة مهرجان في بلاد لا تعرف السينما.

·     لو كنتَ في لجنة تحكيم، وأردتَ أن تمنح جائزةَ لناقدٍ سينمائيّ عربيّ، من هو هذا الناقد، وماهي مبرراتكَ، طبعاً لا يمكن أن تمنح الجائزة لنفسكَ، أو لمن يُحاورك الآن.

ـ يمكنني أن أجيب إجابةً دبلوماسية، أو أمتنع عن الإجابة، ولكنني سأنحاز إلى جيلي، وأختار منح جائزة تشجيعية لكلٍ من "هوفيك حبشيان"، و"رامي عبد الرازق"، لدأبهما، ونشاطهما في المتابعة، والكتابة أولاً، ولجودة ما يكتبانه ثانياً.

·     ها أنت بتلقائيةٍ تعود إلى فكرة الأجيال، ولا أعرف إن كنت تُحابي أصدقاء لك ؟...طيب، سوف أصيغ السؤال بطريقةٍ أخرى : دعنا نفترض بأنّ أحد المهرجانات العربية إعتمد جائزةً سنويةً لناقدٍ عربي، ماهي المواصفات التي يجب على إدارة المهرجان، أو لجنة التحكيم أن تأخذها بعين الإعتبار لمنح هذه الجائزة إلى هذا الناقد، أو غيره ؟

ـ إن وُجدت جائزة كهذه، يجب أن تحدد المعايير وُفق الهدف : هل هي تكريمية ؟ أم تشجيعية ؟ أم هي عن عمل نقديّ بعينه (دراسة، أو مقال)؟ ولكل إختيار مواصفاته، ومعاييره.

·        هناك خلافٌ حول الصحفي، والناقد السينمائي، هل يتميّز أحدهما عن الآخر ؟

ـ كلّ ناقد صحفي، ولكن، ليس كلّ صحفي ناقداً، الصحفي وصفٌ عام لمن يعمل في الصحافة، والناقد وصفٌ خاص لمن يمارس النقد.

·        هناك بعض النقاد العرب لديهم حساسية مفرطة تجاه السينما المصرية ؟

ـ لا أعرف، إذا كان المقصود إيجابية، أم سلبية، شخصياً، أميل كثيراً للسينما المصرية، وعندما طُلب مني إختيار أفضل 10 أفلام عربية، إخترتُ منها ثمانية أفلام مصرية، وبالتالي لا أحجر على حقّ أحد بأن يكون مثلي، أو العكس مني، الموضوعية أمرٌ أسطوريّ، ولكل منا تفضيلاته، وهو أساس تلقي الفن بشكل عام.

·        هناك آخرون يتذمرون من كلّ شيئ : السينما المصرية، العربية، النقد السينمائي العربي،.. 

ـ هم أحرار، ولكني لست منهم.

·     أحد المُغرضين أفشى لي معلوماتٍ خطيرة عنكَ، وقال لي حرفياً، بأنك تتابع الكثير من المهرجانات السينمائية في مصر، ولا تشاهد أفلاماً، وتقضي وقتك كله في غرفتك، أو في مسبح الفندق، والأخطر، بأنك طوال الوقت تجلس خلف الكمبيوتر تتحدث عن قطتك، وتثرثر مع أصحابك عن طريق الفيس بوك.

ـ أنا لا آخذ نفسي على محمل الجدّ، وبالتالي لا ألزم أحداً بأن يفعل ذلك معي، أمارس ما يحلو لي في الوقت الذي أحبه، ألتزم بالمعايير المهنية أحياناً وأتركها أحياناً، أشاهد خمسة أفلام في يوم واحد أحياناً، ويمر شهر بدون أن أشاهد أفلام اًحياناً، أتحدث مع شخص ما بأدب، وتهذيب أحياناً، وأسبّ (....) أحياناً، من يريد تقييّمي بينه، وبين نفسه حرّ، لأني أفعل ذلك بالطبع تجاه الآخرين، ومعياري الوحيد أن أكون راضٍ عن نفسي، وعما أفعله.

·     بعد هذه الأسئلة، هل تعضّ أصابعك ندماً لأنك قبلتَ أن نتحاور، ألا يستحق الأمر بأن نعلن الحرب بيننا ؟، ألا تعتقد أيضاً بأنّ هذا الحوار ثرثرةً لا معنى لها نستحق عليه العقاب بدل المكافأة ؟

ـ أحتاج إلى أسئلةٍ أكثر قسوةً كي أعلن الحرب على صديق، وأنتَ قلتَ بأنني مثلك،.. نقضي معظم وقتنا نثرثر على صفحات الفيس بوك،.. فلن نخسر شيئاً بمزيدٍ من الثرثرة.

·        حاولتُ إستفزازك بقدر الإمكان، ولكن، يبدو بأنني فشلت، ماهو السؤال الذي يمكن أن يستفزك ؟

ـ السؤال الغبي، وأنت لم تطرح سؤالاً غبياً.

الجزيرة الوثائقية في

15/08/2013

 

حساسية الثيمة في الفلم الوثائقي

عدنان حسين أحمد

اشتملت مسابقة الأفلام الوثائقية للدورة الثالثة لمهرجان مالمو للسينما العربية على ستة عشر فلماً وثائقياً طويلاً وقصيراً. وقد تميزت غالبية هذه الأفلام بحسّاسيتها المرهفة، ودقة موضوعاتها، وإشكالياتها الفكرية التي تبتعد عن القشور لتلامس لُباب الأمور، وتحاول قدر المستطاع أن تفكّك بنيتها العميقة بطريقة موضوعية محايدة بعيداً عن الإثارة والانفعالات السحطية العابرة. وأول هذه الأفلام الناجحة هو فلم "الهجّان الآلي" للمخرج جيمس روسون الذي يكشف من عنوانه أن صانعه قد انتبه إلى ثيمة مهمة جداً يتسيّد فيها الجانب الإنساني قبل كل شيئ. فمسابقات الإبل معروفة وشائعة في دول الخليج العربي ولها جمهورها الواسع مثل بقية المسابقات الأخر، غير أن اللمسة الإنسانية للمخرج تتجسّد في التقاطه لعملية المُتاجرة غير القانونية بالأطفال الصغار الذين يستعملونهم كفرسان هجن يقودون الجِمال المتسابقة. ومن اللافت للنظر أن بعض أصحاب الإبل المتنافسة أو بعض منظمي السباقات يجوِّعون هؤلاء الأطفال كي تكون أوزانهم خفيفة جداً بحيث لا تؤثر سلباً على الجمل المتنافس. ولابد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الخليجية الأولى التي أصدرت عام 2002 قانوناً يحرِّم استعمال الأطفال تحت سن الخامسة عشرة كهجّانة، ثم تبعتها قطر وأصدرت تحريماً مماثلاً في عام 2005، ثم أردفتهُ بقرار آخر عام 2007 ينص على أن يحلّ الروبوت محل الصبيان الذين يتعرضون إلى تجويع قاس يجرح الكرامة البشرية ويشوّهها.

انتبه المخرج المصري أمير رمسيس إلى قضية "يهود مصر" شبه المنسية وأخرج عنها فلماً حمل عنوان "عن يهود مصر" حيث أعادنا فيه إلى النصف الأول من القرن العشرين حتى الخروج الكبير الثاني بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1950 ليكشف لنا عن وجه مصر الكوزموبوليتاني المتحضر الذي لا يفرّق بين دين وآخر، ولا ينحاز على أساس اللون والقومية والمذهب. ثم ينعطف بنا إلى بداية الألفية الثالثة متساءلاً: كيف تحوّل اليهود المصريون في أعين الشعب المصري من شركاء في الوطن إلى أعداء؟ هذا سؤال جوهري تقوم عليه بنية الفلم الداخلية ويحتاج إلى إجابة موضوعية هادئة تضع الأمور في نصابها الصحيح من دون ضجيج مفتعل ومشاعر مشوّشة. جدير ذكره أن أمير رمسيس هو من مواليد القاهرة عام 1979 وعمل مساعد مخرج مع يوسف شاهين في عدة أفلام. وهو صاحب رواية "نشيد الإنشاد". 

حلم الكرامة الحب والأمومة

أثار فلم "رقص الخارجين على القانون" للمخرج المغربي محمد العبودي الكثير من الجدل فقد رفضت الجهات الفنلندية النرويجية تمويله أول الأمر بحجة أن الفلم لا يعالج ثيمة تهم المجتمع الأسكندنافي المرفّه، ولكن دأب المخرج المتواصل أقنعهم بأن الثيمة إنسانية وأن الأسكندنافيين هم جزء من هذا العالم وأن قيمهم الثقافية والاجتماعية والأخلاقية لا تمنع من رصد مشاكل المجتمعات الأخرى وتحليلها بهدف إيجاد بعض الحلول لمشكلاتها المستعصية. الفلم بنسخته العربية ينضوي تحت عنوان "نساء بدون هُوية" وهذا التوصيف هو الأقرب إلى فكرة الفلم الرئيسة. فـ "هند" هي امرأة لا وجود لها على الأوراق الرسمية المغربية، والسبب في ذلك أنها أُغتُصبت وطُردت من المنزل، وظلت تعيش بلا هُوية رسمية تشير إلى "مواطنتها" لذلك وجدت نفسها تمارس البغاء، وتمتهن الرقص في حفلات الأعراس. وعلى الرغم من كل الصعاب التي تواجهها "هند" أو مثيلاتها إلاّ أنها ترفض التخلي عن حلمها في الكرامة والحب والأمومة. هذه القصة لها جذر واقعي لكن المخرج لم يقدّم لنا المرأة الحقيقية المُنتهَكة خشية أن يجرح مشاعرها الإنسانية لكنه أراد من صميم قلبه أن يُسمع أصوات النساء المُنتهكات والمُهمشات في آنٍ معا.

الجدار العازل

ثمة موضوعات تتكرر كثيراً لكنها لا تفقد رونقها وبريقها ففلم "فوتوغراف" للمخرج بشار حمدان يقوم على فكرة التصوير، هذه الهواية أو المهنة التي توثّق مَشاهد لا تُحصى من الوجوه التي تتحرك في سياق الزمن الفيزيائي الذي نعيشه، لكن "تغريد" الصحفية الغزاوية تعتقد أن وراء كل صورة تلتقطها قصة معينة لها تأثير خاص عليها في الأقل. فهي تمحض التصوير حُباً من نوع خاص، لذلك جمعت أكداساً من الصور الفوتوغرافية التي تنطوي على قصص وحكايات لا حصر لها. يتمحور حلم المصورة "تغريد" في كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. لابد من الإشارة إلى أن المخرج بشار حمدان قد أنجز العديد من الأفلام الوثائقية التي تمتلك نفَساً احترافياً واضحاً نذكر منها "عندما يُستهدَف الصحفيون"، "تاكسي باريس"، "الحريق لا يزال مستمراً" و "هموم ساخرة". يعالج فلم "متسللون" لخالد جرّار موضوع الجدار العازل أيضاً ونقاط التفتيش الإسرائيلية وتحويلات الطرق والكيفية التي يترصد فيها السوّاق الفلسطينيون ثغرة ما للنفاذ من هذه الفخاخ المنصوبة على الدوام. لا يبتعد الفلم الوثائقي الدرامي "طريق بيروت- مولهولاند 150 ألف كم" لفجر يعقوب عن الهمّ الفلسطيني العام، لكن المفارقة هذه المرة أن الفلسطينيين -السوريين يهربون إلى لبنان بسبب الحرب التي اندلعت في معظم المدن السورية وأن ما ينتظره اللاجئون الفلسطينيون- السوريون قد يتعدى مسافة الطريق المفضية إلى لبنان لأن مولهولاند تبدو مكاناً مستحيلاً يتعذّر الوصول إليه. كما أن دورة الشتات الفلسطيني تبدو مستمرة لا نهاية لها هي الأخرى. يميل بعض المخرجين في هذه المسابقة الرسمية إلى توثيق بعض الطقوس والتقاليد الاجتماعية مثل فلم "رمضان في الدنمارك" للمخرج ماهر حشاش الذي يرصد فيه حياة المسلمين في الدنمارك، وكيف يصومون لأكثر من عشرين ساعة ثم يفطرون في نهاية المطاف على ما صنعته أياديهم من طعام لذيذ يعود غالبيته إلى طقوس البلدان الإسلامية التي غادروها بسبب الفقر، والقمع، وغياب الحريات. وفي السياق ذاته يشترك المخرج السعودي فيصل العتيبي بفلم "الزواج الكبير" الذي تدور وقائعه بجزر القمر الذي كتبنا عنه مقالاً مطولاً وهو يدور، باختصار شديد، على الزواج الثاني الذي لابد منه من المرأة نفسها لكي يتمكن العريس من تحمّل الواجبات الدينية والاجتماعية بين شرائح المجتمع القمري. لقد حضر العراق في هذه المسابقة من خلال فلم وثائقي قصير جداً يحمل عنوان "أطفالنا" للمخرج "يد الدين" ومدته ثلاث دقائق فقط يناقش فكرة محددة حيث تعود الناشطة رويدا مصطفى إلى كوردستان بهدف رعاية الأطفال الأيتام وضمان معونة مادية لهم أسوة بالمعونات المادية والاجتماعية الموجودة في البلدان الأوروبية والعالم الغربي المتحضر.

الجزيرة الوثائقية في

15/08/2013

 

الأربعة العربية في خمسة أفلام وثائقية تحضّ على التفكير وإعمال الذهن

عدنان حسين أحمد  

انتقى مهرجان مالمو للسينما العربية في دورته الثالثة "16" فلماً وثائقياً طويلاً وقصيراً تميّزت بثيماتها الحسّاسة التي تستحق الرصد والمتابعة والتحليل من قبل النقّاد السينمائيين لأنها توفر لمتلقيها المتعة والفائدة، وتحفّزه على التفكير وإعمال الذهن. وقد توزعت ثيمات هذه الأفلام الوثائقية على محاور عدة أبرزها ظاهرة الأربِعة العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، ومعاناة الشعب الفلسطيني سواء في الأراضي المحتلة أم في المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان والأردن. لم يدخِّر بعض المخرجين وسعاً في رصد موضوعات قديمة مرّ عليها أكثر من نصف مثل "يهود مصر" الذين غادروا أرض الكنانة واستقروا في إسرائيل. فيما ينطلق مخرجون آخرون من ثيمات صغيرة لمعالجة قضايا كبيرة مثل الحصار وجدران العزل العنصري. انتبه البعض الآخر إلى موضوعات حسّاسة جداً مثل المتاجرة بالأطفال الصغار وزجهم في مسابقات الهجّانة. إضافة إلى موضوعات أخرى مثل الطفولة، والصداقة الإنسانية العابرة للحدود أو بعض العادات والتقاليد الاجتماعية في هذا البلد العربي أو ذاك. ونظراً لكثرة هذه الموضوعات سأجد نفسي مضطراً لتناول بعض المحاور الأساسية التي تعطي فكرة شاملة للقارئ الذي يحب هذا النمط من الأفلام في أطر ثقافية واجتماعية ونفسية.

الأربِعة العربية

لابد أن تحتل الأربِعة العربية مساحة كبيرة من المحور الوثائقي لأي مهرجان سينمائي عربي على وجه التحديد، بل أن هذا المحور لم يفت المخرجين السينمائيين الأجانب الذين تناولوا موضوعات الأربِعة العربية من وجهات نظرهم الخاصة فلا غرابة إذاً حين تتضمن مسابقة الأفلام الوثائقية لوحدها خمسة أفلام متنافسة وهي "عيون الحرية . . طريق الموت" لأحمد صلاح ورمضان صلاح، و "عام بعد الربيع العربي" لعبدالإله أولي، و "لا" لهشام عبد الحميد، و "سنبقى صامدات" لهاجر بن نصر، و "حكايات حقيقية عن الحُب والموت وأحياناً الثورة". يتناول فيلم "عيون الحرية. . طريق الموت" الأحداث التي وقعت في شارع "محمد محمود" عام 2012 حيث يقع مبنى وزارة الداخلية. كما يتناول الفيلم قصة المناوشات التي اندلعت بين العناصر الأمنية والمتظاهرين، هذه الحالة التي تكررت عشرات المرات ولا تزال تجد طريقها إلى الطرفين كلما هبّت ريح الغضب العمياء وأطفأت مصابيح العقول. سبق لمخرجَي هذا الفيلم أن حصلا على تنويه من لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان مالمو السينمائي عام 2011. وفي السياق ذاته يتجه فيلم "لا" للمصري هشام عبد الحميد إلى الربيع العربي أيضاً بالرغم من عدم ورود هذا التعبير في سياق الفيلم الذي استمر لمدة "70" دقيقة. فالفيلم صامت ويعتمد كلياً على فن التمثيل الإيمائي للتعبير عن الظلم والاستبداد، وقمع الحريات الخاصة والعامة، والتطرف الديني، والاحتكاكات الطائفية التي تحرّك الفتن النائمة. كما يستعين المخرج ببعض الصور والمَشاهد الوثائقية ليكشف في نهاية المطاف عن الأسباب والمحفِّزات التي تدفع المواطن العربي لقول كلمة "لا" بصوت مدوٍ أول الأمر ثم تتبعها الثورات الجارفة التي لا تُبقي ولا تذر. وقد صرّخ المخرج غير مرة بأن فيلمه لا يهدف إلى الإمتاع، وإنما يحّض على التفكير. بالرغم من دمويّة الربيع السوري إلاّ أنّ هناك أفلاماً تحاول أن تنقل الحقيقة كما هي عليه من دون رتوش وفيلم "حكايات حقيقية عن الحُب والموت وأحياناً الثورة" للمخرج نضال حسن الذي تدور أحداثه بين دمشق وكوبنهاغن يتحدث عن مُخرجَين من ثقافتين مختلفتين يحاولان أن يرويا قصص الحُب والحياة والموت الحقيقية في عمر الثورة. لم يخطر ببال نضال وليليبيث بأن يوم وصولها إلى دمشق في 16 مارس / آذار سيكون اليوم الذي يُسبق إعلان الانتفاضة في سوريا. يحمل نضال كاميرته ويصوِّر الحياة اليومية للسوريين بما تنطوي عليه من تناقضات شديدة تتوزع بين بشاعة الظلم وتباشير الأمل بغدٍ مشرق جميل. من الجدير ذكره أن نضال حسن مخرج مستقل وقد سُجن مرتين خلال تصوير هذا الفيلم المناهض لنظام الأسد وقد طُرد بسببه من المؤسسة العامة للسينما السورية. ومن أبرز أفلامه "بشرة مالحة" الذي يُعد حجر الزاوية في السينما السورية المستقلة. أما الفيلم الرابع فهو "سنبقى صامدات" للتونسية هاجر بن نصر الذي نتابع فيه الصراع ضد الدكتاتورية من خلال مشاركة عدد من النساء التونسيات اللواتي ينتمينَ إلى خلفيات ثقافية وطبقية مختلفة تمتد من قائد حزب معارض إلى مطربة لتنتهي بامرأة بسيطة سُجن ولدها بطريقة تخلو من الشفافية والاحترام. كما يكشف الفيلم عن مخاوف النساء اللواتي يواجهنَ تهديدات جديدة في تونس ما بعد الثورة التي لم تعرف إلى الاستقرار سبيلا. نختتم باقة أفلام الأربِعة العربية بفيلم "عام بعد الربيع العربي" للمخرج المغربي عبد الإله والي المقيم في هولندا حيث يتجه هو وزميلته الصحفية الهولندية أسميرالدا فان بون إلى خمسة من بلدان الربيع وهي بحسب تسلسلها في الفيلم مصر، تونس، ليبيا، المغرب واليمن آخذين بنظر الاعتبار أن الفيلم يركِّز على تظاهرات طنجة التي يطالبون فيها بالتغييرات في المجال الدستوري، وانتخابات سابقة لأوانها، ومحاربة الفساد والبطالة المقنّعة، وتأمين فرص العمل، وتعزيز حقوق المرأة وهو من أجمل الأفلام الوثائقية التي عالجت موضوع الربيع العربي لأسباب عدة من بينها درجة المصداقية العالية، وطريقة الأسئلة الدقيقة التي كانت تتوجه بها الصحفية الهولندية أسميرالدا فان بون وتستنطق المواطنين والمسؤولين الذين التقهم في خمسة بلدان عربية، كما اسهم هذا التنّقل في البلدان بكسر طابع الرتابة الذي تتميز فيه الكثير من الأفلام التي عالجت الربيع العربي على وجه التحديد.

المدى العراقية في

15/08/2013

 

عباس كياروستامي يناقش ألغاز فيلم "مثل عاشق"

ترجمة: نجاح الجبيلي  

هناك الكثير من السياقة والأحاديث في فيلم "مثل عاشق" وهو آخر نتاج المخرج الإيراني عباس كياروستامي، لكن ذلك ما وراء  السطح فقط. بعد أن جاء فيلم "نسخة مصدقة" التي تدور أحداثه في توسكاني بإيطاليا فإن الفيلم الجديد الذي عرض في المسابقة الرسمية لمهرجان كان الأخير في أيار وعرض في مهرجان نيويورك السينمائي – نجد فيه المخرج يعرض طبقة مختلفة شاسعة لطوكيو وبكادر ياباني كامل. لكن حتى وهو بعيد عن وطنه فإن كياروستامي يبقى هو كياروستامي.

وقصة الفيلم بإيجاز تتعلق بأكيكو الشابة العاهرة التي تقوم بمهمة زيارة رجل أكاديمي متقاعد هو "تاكاشي". في الصباح التالي يؤدي تاكاشي دور الأب وهو يجول بالمرأة في البلدة ويساعدها في تحاشي خطيبها المتقلب المزاج ويناقش معها فلسفة الحياة. إن الفيلم هو لغز ساحر منتج بوعي عميق لحركة الكاميرا وتصميم الصوت والأداء. في مهرجان نيويورك السينمائي وهو يروج لفيلم جديد لأول مرة على مدى عقد كامل فإن المخرج الذي يبلغ الثانية والسبعين كان يجلس مع محرري مجلة "آنديوير" كي يناقش مقاصده في فيلم " مثل عاشق" ولماذا فضل العمل خراج إيران وكيف يتطلع إلى التحديات الجديدة.

·        خارج التصوير في اليابان ما الذي شعرت بأنه جديد بالنسبة لك حول هذا الإنتاج؟

إنه جديد كأي فيلم حين يبدأ. إضافة إلى أن اليابان كل شيء فيها جديد. الناس والوجوه والطعام.

·        دون فهم اللغة كيف استطعت أن تخبر الممثلين إذا أدوا الأداء الذي ترغب به؟

هدفي من جانب واحد لا أن أتدخل في ثقافتهم وخصوصياتهم لكن في الوقت نفسه لا أن أترك أي عرض للثقافة اليابانية في فيلمي. اهتمامي كان أن أكتشف إن كان هناك أي صفات كونية فيهم كشخصيات

·     قد تكون أجنبياً في اليابان لكن السينما اليابانية ليست أجنبية بالنسبة لك. ففيلمك المصنوع عام 2003 باسم "خمسة مهداة إلى أوزو" يشير إلى ذلك كثيراً. أتساءل إن كان هناك أي جانب في السينما اليابانية ألهمك حين حملت تصوراً لهذه القصة؟

الأفلام اليابانية التي في ذهني هي كلاسيكيات السينما اليابانية والتي اعتدت أن أراها. لكن بعدئذ حين تطلب الأمر العمل في اليابان بدأت أشاهد الكثير من الأفلام اليابانية الجديدة كي أرى الممثلين واختارهم. وأدركت أنهم لم يكن لهم علاقة مطلقاً بذاكرتي ومعرفتي بالسينما الكلاسيكية اليابانية. ووجدتهم أكثر أمريكية بطريقة ما. لذا صنعت فيلمي حسب رؤيتي الخاصة وأخبرني بعد ذلك العديد من الناس بأن فيلمي كان أكثر يابانية من السينما اليابانية الآن.  

·        هل يعني ذلك نجاحاً لك؟

ذلك هو بالضبط وعدي الوحيد لمنتجي. قلت أن المرء لا يستطيع أن يلتزم لشخص آخر في صنع فيلم جيد- إنك لا تستطيع أن تقول إن كان فيلمك جيداً أم لا- لكن الالتزام الوحيد الذي أقبل به هو حقيقة أن فيلمي لن يظهر كونه قد صنعه أجنبي أو من خارج اليابان. وأظن أني نجحت في ذلك الجانب.

·     في الوقت نفسه ولأن هذا الفيلم وفيلم "نسخة مصدقة" يشتمل على علاقة غامضة بين شخصيتين فمن السهل جدا رؤية أن أحدهما مقطوعة مصاحبة للآخر. فما هو رأيك بهذه المقارنة؟

لن أتدخل في رؤيا المشاهد لفيلمي أو التحليل النقدي له لذا أقبله كونه وجهة نظر. لكن يتوجب عليّ القول بأنه بالنسبة لي فإن ذلك الرابط لم يكن متعمداً على الإطلاق. ولم أكن أعنيه ولم أكن واعياً به. غير أن كليهما نتاجان للخيال نفسه. لذا لا بدّ من تكون ثمة علاقة بينهما.

·     في الواقع إن أفلامك تتطلب من المشاهدين أن يعملوا أذهانهم ويفسروا مقاصدك. غير أنه في حالة أفلامك الأولى- مثل "كلوز أب"- فإن الكثير من ذلك التأويل يتعلق بالظروف الدقيقة للمجتمع الإيراني. هل ما زلت تشعر بأن جذورك تشي بعملك؟

مرة أخرى أقول أني لا أستطيع أن أخبرك بالضبط كيف أني أستطيع أن أكون مفهوماً أو كيف أنك كمشاهد أو كناقد تستطيع أن تدرك حقيقة أني صنعت فيلمين في مجتمعين مختلفين. لكني اعتقد أنك لو أخذت شخصيات الفيلم كما هي وإذا لم تحاول أن تضعها في قوالب وتتدخل كثيراً في طبيعتها فإن كل تلك الشخصيات يكون لها لغزها وغموضها الخاصين. لذا فإنهما ليس لهما علاقة بأي هوية خاصة أو بلد. اعتقد أن العلاقة الحالية بين شخصية فيلم "كلوز آب" وآخر فيلمين لي هو أنهم كلهم لديهم شيء يريدون أن يفصحوا به لكنهم كانوا يمتلكون ذلك الجانب غير المصرح به أو الملفوظ جداً من شخصياتهم. ولا أستطيع أن أعبر عن ذلك. اعتقد أن كل الشخصيات لديها مثل هذه الطبيعة الإنسانية المعقدة التي هي أقرب إليك مما إلى الحقيقة واشعر أنا بالتعاطف مع اللغز ولا اعتقد أني حاضر هنا كي أكشفه.

المدى العراقية في

15/08/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)