حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم إيراني خانته جوائز «كان» الـ66

«المخطوطات لا تحترق» لرسول أف.. القتلة بين ضلوعنا

زياد الخزاعي (كانّ)

 

يمكن القول بثقة إن جديد المخرج الشاب محمد رسول أف «المخطوطات لا تحترق»، الذي عُرض في برنامج «نظرة ما» في الدورة الـ66 (15 ـ 26 أيار 2013) لمهرجان «كانّ» السينمائي وخانته جوائزه، هو سابقة سينمائية إيرانية. لا فيلم مشابهاً يحمل قوّة إدانته، وثقل تحامله السياسي ضد أشدّ أذرع نظام طهران عنفاً ودموية: وزارة الاستخبارات والأمن الوطني (سافاما)، وريثة نظيرتها «سافاك» الشاه السيئة الصيت. كسر رسول أف قيوداً كثيرة، وتجاوز اعتبارات رسمية لا حصر لها، في مقدّمتها حصانة المؤسّسة المرعبة في حجم عملياتها وسطوتها وقسوتها، من المثالب والانتقاد والفضح. نصّه أداة استراتيجية مهمّتها عزّة الجبهة الداخلية ومنعتها من السقوط والاختراق، تعتمد في ذلك على قساة قلوب وساقطي ضمير، مهمّتهم التربّص والتصيّد والتصفية.

يذهب رسول أف إلى أبعد من الشكوى التي ميّزت فيلمه الباهر «وداعاً» (2011)، من ناحية عجز بطلته نور، وإحالته إلى تهمة صارخة ضد المؤسّسة السياسية الحاكمة التي تقتنص معارضيها، وتُضيّق حرياتهم بقوّة وجَلَد قانونيين. نور حمّالة أسى انتمائيّ بالدرجة الأولى، فلا هي ناشطة من باب قرارها الشخصي، ولا هي ضحيّة للحزبية المغيّبة في الفيلم، بل استكمال لدرامية عسف الدولة من جهة، ورعب حملها من زوجها الناشط والهارب إلى نجاته، التي لن تدوم في بلد محاصر بزمر الأمن والمخابرات، من جهة أخرى. هكذا يكون حال ضحيتي «المخطوطات...»، وهما كاتبان صديقان أحدهما مقعد، يناوران ضد مصادرة مخطوطة كتاب، يعاند مسؤول أمني للوصول إليها قبل تهريبها خارج البلاد. الحاسم، أن مصيرهما التصفية في الأحوال كلّها

هذه ليست حكاية فيلم رسول أف (مواليد شيراز، 1972)، بل مراوغته الدرامية. الوحشان خسرو ومرتضى ديدن اتهاميّته. عميلان من أكثر الطبقات وضاعة. عبدان صاغران للأوامر. لن يقاطعا البتة بين المهمّات والعواطف. إمارة الاستخبارات مكان سرّي لن يصلا إليه. طبائعهما البشرية رهن بفرائض المهمّات السرية. قاتلان رسميان لأعداء لا يعرفان مكانتهم ومنابتهم وثقافتهم ومسؤولياتهم. قدرهما مرتبط، بشكل صارم، بعدم ارتكاب الهفوات. الدسيسة لديهما قوّة، والخرس نامُوس. المُدهش أن رسول أف لا يرتهن لمخافة ملل مُشاهد فيلمه من صمت الرجلين وعالمهما البطيء الإيقاع، ورحلاتهما الطويلة، وحواراتهما المبتسرة

الساعتان والأربع عشرة دقيقة مدّة الفيلم بناء سينمائي متين، يسعى إلى تقريب عالمي القاتلين وعزلتهما ومرارة معيشتهما. طبيعتهما الجسمانية ذات دلالة حاسمة على مفارقة القرار الأمني الساذج. الأول ضخم الجثة، لكنه قليل الحنكة. الثاني بائس الشكل نحيف القوام، لكنه كائن مجبور على ارتكاب البطش، وسهل ارتكاب الهفوات. الراتب لن يصل إلى حسابه البنكي، وعلاج ابنته يتأخّر بسبب بيروقراطية لن تلتفت إلى الجرائم التي يرتكبها باسم وليدته.

حكاية رسول أف المليئة بالمهانة البشرية تنأى بخطابها السياسي عن التهمة السافرة. تذهب إلى سيرورة نظام يملك طبائع أخرى من توتاليتارية أمنية تتساير مع ما تعرّضت له بطلة «وداعاً» وجنينها. بدلاً من اتهام مناوئيه بالخيانة والمحاكمة والاعتقال، يعمد ببساطة إلى التصفية الجسدية. هذا ما يتجلّى بعنف مقزز في مشهد «اصطياد» صبي راع شهد بالصدفة محاولة فاشلة لاغتيال الأديب. حينما يصير القرار إلى نقل الأخير إلى مكان آخر، نرى عودة العميل الضخم منظّفاً يديه بهدوء

تعمد رسول أف حماية فريقه، فأغفل ذكر أسمائهم في وثائق الفيلم، كما غضّ نظره عن مرجعية عنوانه، وهو «غمز سياسي» إلى الحقبة السوفياتية، وبالذات معاناة الكاتب ميخائيل بولغاكوف وفضيحة روايته الأثيرة «المعلم ومارغريت» (1967)، التي تحوّلت إلى هبة دولية ضد تهديد مبدع وقمعه، ما يدفعه إلى حفظ مخطوطته عن ظهر قلب. ذلك أن الورق يحترق، بينما الضمير أزلي وعنيد ضد رصاصات الغدر

السفير اللبنانية في

19/06/2013

 

«زوايا».. مارون بغدادي.. مصالحة أم تصفية حساب؟

نديم جرجورة 

لو تسنّى له أن يبقى على قيد الحياة فترة أطول، وأن يُكمل اشتغاله على السيناريو الأخير له «زوايا»، وأن يُعاين، يومياً، أحداث عشرين عاماً مضت بعد رحيله، تُرى ما الذي كان يُمكنه أن يفعل؟ بعض هذه التساؤلات طرحها الزميل إبراهيم العريس في ندوة «أصدقاء لمارون بغدادي عملوا معه»، في «مسرح المدينة» مساء 11 الجاري، في إطار «أيام مارون بغدادي السينمائية» (تنظيم «نادي لكل الناس»). بعضها الآخر منبثقٌ من قراءة «سيناريو لم يكتمل»، أصدرته «دار الفارابي» مؤخّراً، إلى جانب الطبعة الثانية من «الحلم المُعلَّق (سينما مارون بغدادي)» للعريس أيضاً (صدرت الطبعة الأولى عن «دار النهار» في العام 1994). «سيناريو لم يكتمل» عبارة عن 92 صفحة مكتوبة بقلم الروائي حسن داوود، بالإضافة إلى 4 صفحات لنص مطبوع على آلة طابعة قديمة ترسم الملامح العامة للمشروع الأخير لبغدادي ومعطياته ورؤية صاحبه، علماً أن العنوان الأول كان «ذاكرة للنسيان». في الكتاب نفسه، 42 صفحة خاصّة بالنصّ الذي وضعه بغدادي باللغة الفرنسية.

قيل الكثير عن مارون بغدادي وفيه، وعن سينماه التي عرفت تطوّراً لافتاً للانتباه، فنياً وتقنياً ودرامياً وجمالياً، بين فيلمه الأول «بيروت يا بيروت» (1975) و«فتاة الهواء» (1992). قيل الكثير أيضاً عن ارتباطه الوثيق ببلده ومدينته والتشعّبات المعقّدة والملتبسة والغامضة التي نسجها البلد والمدينة مع الناس والحروب والآفاق المنغلقة على نفسها، والتي صنعها البلد والمدينة في البؤر العميقة للخراب الإنساني والأخلاقي. قيل الكثير عن المفاصل الأساسية التي حدّدت المسارين الحياتي والسينمائي لبغدادي، العائد إلى بيروت من باريس للمشاركة في محاولة التأسيس لسينما لبنانية جديدة ومختلفة مطلع سبعينيات القرن الفائت، والمنصرف إلى الهمّ الإنساني البحت للبنانيين مقيمين في الهاوية، أو على جوانبها القاتلة، والمستعدّ لخوض معارك جمّة من أجل أن يقف وراء الكاميرا، وأن يُصوّر، وأن يُنجز أفلاماً لعلّ الحرب الأهلية المندلعة حينها فرضت عليه الاستعانة بالوثائقي لتأريخ اللحظات المنسلّة من بين أيدي أناس أدركوا حجم البؤس والموت منذ البداية. لكن الحرب الأهلية نفسها لم تحل دون اشتغاله الروائي، فكان «حروب صغيرة» (1982) مفصلاً ثانياً شكّل محطة أخرى لفهم تداعيات الخراب اللبناني، خصوصاً أن فيلمه الروائي الطويل الثاني هذا أُنجز عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان، تماماً كما أُنجز فيلمه الأول عشية اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية.

النص غير المكتمل لـ«زوايا» يؤكّد مجدّداً قوّة الارتباط القائم بين المخرج وبلده ومدينته، وبين المخرج والحرب الأهلية والذاكرة المُشعّة بألف خراب وسؤال معلّق. صحيحٌ أن «زوايا» مكتوبٌ بنَفَس مخرج سينمائي يُريد «إنهاء» هذه العلاقة المرتبكة والملتبسة والمعقّدة بينه وبين بلده. وصحيحٌ أن «زوايا» موضوعٌ بهدف «تصفية حسابات أخيرة»، أو «مُصالحة» أخيرة (كما قيل مراراً). لكن الأصحّ أن هذا النصّ عبارة عن نشيد للحب وفيه، يتوغل في ثنايا الحرب الأهلية بعين راهنٍ غير مُنجز، ويرسم تفاصيل جانبية شكّلت، أو ساهمت في تشكيل واقع، وخفايا هذا الواقع. عودة الطبيب مروان إلى بيروته قبيل رحيل الوالدة بدت كأنها منعطف إنساني أراده بغدادي لحظة تأمّل بما آلت إليه أحوال بلد خارج من حرب أهلية طاحنة، ومُقبل على سلم تكشّف سريعاً عن هشاشته القاتلة. مروان لا يزال مرتبكاً وقلقاً منذ مقتل والده قبل 18 عاماً. مروان لا يزال مُثقلاً بالأسئلة كلّها التي أنتجتها الحرب الأهلية، ولم تعثر على أجوبة. مروان تائه وضائع ومُتعب. يريد معرفة مصير قتلة والده، كأنه يرغب في الانقضاض على تلك الذاكرة المهشّمة والمهمّشة في آن واحد. يسعى إلى إعادة ترميم الماضي، بمآسيه وخيباته وجنونه، كأنه يرغب في الاقتصاص من مجهول ردّاً على المتاهة البشعة التي غرق فيها طويلاً.

«زوايا» مارون بغدادي غير المكتملة دعوة إلى إعادة رسم صُور تلك الذاكرة المثقوبة، والماضي الهائم على وجهه وسط خراب الآنيّ.

كلاكيت

ما بعد بغدادي

نديم جرجورة

تقرأ الندوة الأخيرة في سلسلة ندوات "أيام مارون بغدادي السينمائية"، التي نظّمها "نادي لكل الناس" (أُلقيت هذه الكلمة في تقديم الندوة مساء 14 حزيران 2013)، شيئاً من العلاقة القائمة بين المخرج الراحل وسينماه، وجيل أو أكثر من جيل من السينمائيين الشباب: إلى أي مدى أثّر مارون بغدادي وسينماه في السينمائيين الشباب؟ أو بالأحرى: هل أثّر مارون بغدادي وسينماه في السينمائيين الشباب؟

أودّ سرد قصّة قصيرة جداً قد تُسلّط ضوءاً على ما سبق: في تسعينيات القرن الماضي، طُلب من سينمائي لبناني إلقاء سلسلة محاضرات متعلّقة بالسينما العربية في إحدى الجامعات الخاصّة في بيروت. رفض الطلاّب. لم يشأ أحدٌ منهم الاطّلاع أو التعرّف على أي شيء مرتبط بالسينما العربية. اقترح السينمائي عنواناً آخر: السينما اللبنانية، أو السينما في لبنان. فكان الجواب واحداً وسريعاً: مارون بغدادي.

ما الذي يدفع طلاباً جامعيين، اختاروا الفن السابع دراسة ومهنة، إلى اختيار مارون بغدادي من بين الجميع؟ هل يتعلّق الأمر بوسامة المخرج، وحضوره الإنساني، وموته الصادم؟ أم أن قوّة عشقه للسينما جعل هؤلاء وغيرهم يرون في أفلامه نمطاً لبنانياً مغايراً للمألوف في الاشتغالات السينمائية؟ هل لمعان اسمه في أوروبا دافعٌ إلى هذا، أم أن اكتشافهم قدرة أفلامه على أن تكون مرايا مفتوحة على أسئلة جمّة، سببٌ لهذا؟ لا تنتهي الأسئلة. أما الإجابات فقد تكون عديدة.

كلُّ كلام الآن على موقع أفلام بغدادي في المسار التاريخي للسينما اللبنانية والعربية لن يُضيف شيئاً جديداً، على الرغم من أن هذه الأفلام محتاجة إلى قراءات نقدية لا تقف عند المضمون وحده، بقدر ما تتناول الشكل وتطوّره السينمائي، ولا تبقى أسيرة الارتباط بين السينمائي والاجتماعي والسياسي والإنساني، بقدر ما تعاين اللغة والتقنيات أيضاً. التأثيرات التي يُمكن لأفلام بغدادي أن تمارسها على من لحق به على هذه الطريق، محتاجة بدورها إلى أكثر من قراءة، وإلى أكثر من تفسير. هذا التفسير وتلك القراءة يُشكّلان النواة الأصلية لهذه الندوة، التي يتحدّث المشاركون فيها، إيلي خليفة وميشال كمّون وهادي زكّاك، عن العلاقة الشخصية بسينما بغدادي، وعن قراءاتهم الخاصّة بتأثيرات هذه السينما في السينمائيين الآخرين أيضاً. لكل سينمائي من الأصدقاء الثلاثة حكايته ورؤيته. صحيح أن غالبية أفلامهم منتمية إلى عوالم لا علاقة مباشرة لها بسينما بغدادي، باستثناء ميشال كمّون في "ظلال" (1995). لكن، يُمكن القول إن كلَّ واحد منهم له اتصال ما بمارون وبسينماه: الحفر العميق في الذات الفردية داخل حيّزها الجغرافي وبيئتها الاجتماعية. تصوير حالات وأمكنة بشغف وعشق. إلخ.

هذا كلّه، من دون تناسي أن المخرجين الثلاثة منحوا المشهد السينمائي اللبناني، كلٌّ بطريقته الخاصّة، عناوين وأساليب عمل ونتاجات جعلوها امتداداً لزمن مارون بغدادي ولعشق السينما والحياة معاً. جعلوها إضافةً إبداعيةً إليه أيضاً.

السفير اللبنانية في

20/06/2013

 

خوردوفسكي:

الساحر يعود بـ"رقصة الواقع" 2/2

أمير العمري 

تداخل الشخصيات

يذهب أليخاندرو إلى شاطئ البحر ذات يوم بحثا عن الحرية، عن هواء نقي بعيدا عن أجواء القهر البطريركي.. يلتقي هناك بالشحاذ الذي رسم على جسده كله وشمات غريبة. يلقي أليخاندرو بحجر في البحر، تطير آلاف الطيور، يصرخ فيه الشحاذ بحدة: لماذا؟ لقد أغضبت البحر. وفي مشهد سيريالي، يقذف البحر بآلاف الأسماك إلى الشاطيء، وسرعان ما تهبط طيور النورس الجائعة لكي تلتهمها، ويهرع أهل البلدة الفقراء الجائعين لكي يطردوا الطيور بعيدا حتى يحصلوا لأنفسهم على الأسماك. خودوروفسكي الذي يصاحبنا طوال الفيلم، يظهر أحيانا وهو في عمره الحالي، بشعره الأبيض الطويل وملابسه البيضاء، يرشدنا إلى الأحداث ويقودنا عبر الرحلة، يعلق على بعض التفاصيل، ويتوقف أمام المشاهد التي حفرت في ذاكرته طويلا. هنا يأتي تعليقه على هذا المشهد بقوله بصوته: لا أعرف هل أشعر بالغضب من تلك الطيور الجائعة، أم أشعر بالرثاء للأهالي البؤساء!

يمتلك الأب دكانا لبيع الملابس هو "كازا أوكرانيا"، وخاييم أيضا مناضل شيوعي يتزعم خلية شيوعية تناضل من أجل تغيير الأوضاع في البلاد، وهو في الوقت نفسه، قائد لفرقة الإطفاء في البلدة. إنه يبحث عن وسيلة لتحقيق "الإندماج"، حتى يتفادى ذلك الجو العدائي الذي يواجهه من حين إلى آخر كونه "يهوديا". وهو رغم قوته الظاهرية وتشبهه بستالين في شكله وطريقة مشيته وحديثه، إلا أنه عندما ينفرد بنفسه داخل الدكان، يتحسس الملابس الداخلية النسائية بتلذذ. إنه يشعر بالحرمان فهو يقمع رغباته الطبيعية وضعفه البشري باستمرار.

يريد خاييم دائما أن يثبت لنفسه وللآخرين ولابنه أنه قوي، مقدام، لا يخشى شيئا، فهذه وسيلته الوحيدة لاكتساب احترام الآخرين في أهالي البلدة، الذين يسخرون منه ومن ولده، ويعتبرونهم من الدخلاء على البلدة، فقد أتوا إليها من الخارج.. مهاجرين. وهو يتصدى ذات يوم لإطفاء حريق في منزل في أطراف البلدة مع فرقة الإطفاء، لكن أليخاندرو يصر على الذهاب معه. يلقى أحد رجال الإطفاء مصرعه أثناء إطفاء الحريق، يقيمون له جنازة حاشدة في البلدة.. يسقط أليخاندرو مغشيا عليه بعد أن تتراءى له جثة القتيل متفحمة، يشعر والده بالمهانة أمام الآخرين: سيقولون عن الولد أنه جبان وأنه ورث الجبن عن والده (اليهودي الجبان)!

يعود خاييم بابنه مسرعا إلى المنزل حيث يرقد الفتى ليومين. ولكي يدرأ عنه الإتهام بالجبن، يقرر الأب القيام بعمل يثبت فيه شجاعته، فيحمل أوعية ضخمة مليئة بالماء ينقلها إلى جماعة الفلاحين المصابين بالطاعون وأصبحوا معزولين خارج البلدة، وقد قدموا في مسيرة إحتجاج على إقصائهم وحرمانهم بالتالي من الطعام والشراب. رجال الشرطة يوقفونهم ويقيمون في وجوههم المتاريس إستعدادا لإطلاق الرصاص عليهم إذا ما حاولوا الزحف نحو البلدة. هناك خشية كبيرة من  أن ينقلوا العدوى إلى السكان.

يقود خاييم عربة تجرها الحمير، محملة بأوعية المياه، ويأخذ في توزيع الماء عليهم بنفسه.. تضامنا معهم في محنتهم.. يشربون الماء ثم يذبحون الحمير ويقطعون لحمها يأكلونه وسط صرخات خاييم: كفوا عن هذا.. كيف سأعود إلى البلدة الآن.. هذه الحمير هي التي سأستخدمها غدا في نقل المياه إليكم مجددا!

يأتيه الرد من أحدهم: تتحدث عن الغد بينما نحن جائعون الآن!

يشعر خاييم بإحباط شديد، يعود إلى زوجته وهو يسب ويلعن الفقراء الملاعين الذين لا يعرفون مصلحتهم.. إنه يرتجف ويسقط على الأرض. لقد أصيب بالعدوى. يأتي رجال الشرطة يريدون قتل خاييم قبل أن ينقل العدوى إلى الآخرين. لقد تقرح جسده كله وبدأ يتلوى من الألم. ساره تشعر بالفزع. تغلق باب البيت. يدق الجنود الباب يريدون تحطيمه. ترفع ساره ملابسها، تقف مشرفة بجسدها فوقه تدعو وتبتهل وتتضرع إلى الله أن ينقذه. تتبول على جسده ثم تمسح السائل بيدها تدلك به جسده. ينجح رجال الشرطة أخيرا في كسر باب البيت لكي يجدوا خاييم واقفا، مبتسما بعد أن زالت كل آثار المرض من جسده. لقد تحققت المعجزة!

رحلة نحو الإستنارة 

ينتقل خاييم إلى تنفيذ فكرة أخرى لإثبات شجاعته وثوريته، فيقرر إغتيال الجنرال إيبانزا، رئيس الدولة الذي يعتبره سبب كل ما يقع على الناس من ظلم. لكن شابا فوضويا غاضبا يأتي إليه يهدده بالقتل، فهو يرغب في قتل إيبانزا بنفسه إنتقاما لوالده الذي أعدمه الجنرال. يسايره خاييم ويعيد إليه مسدسه. في سانتياجو العاصمة، أمام القصر الجمهوري، يشهر الشاب مسدسه في وجه الجنرال الذي لا يهتز له جفن، يتدخل خاييم ويحول بينه وبين الجنرال، يتراجع الشاب الفوضوي، يعجز عن إطلاق النار على الجنرال، لكنه يطلق الرصاص على نفسه فيموت. يعجب الجنرال إيبانزا بشجاعة خاييم الذي انقذ حياته، يريد أن يمنحه مكافأة مالية ضخمة لكن خاييم يرفض ويطلب بدلا من ذلك، أن يعمل لديه مربيا لخيوله، يجعله الرجل مسؤولا عن أحب خيوله إلى نفسه، حصان أبيض رائع الجمال. يتخذ خاييم من هذه الوظيفة حيلة للانتقام من الجنرال فيترك الحصان يأكل تلك الأزهار الصفراء السامة التي سبق أن حذره منها مربي الخيول القديم العجوز الذي تقاعد وقرر إنهاء حياته تماما مثل الأفيال عندما يتقدم بها العمر. ففي مشهد سابق يطلب من خاييم أن يحفر له قبرا، ثم يدخل إلى القبر، يرقد في داخله ويطلب من خاييم أن يهيل التراب عليه

الحصان الأبيض الجميل الذي يحبه الجنرال حبا شديدا، يتلوى من الألم من أثر السم في جسمه.. يأتي الجنرال، يحتضنه ويبكي في لوعة. هذا الرجل لا يشعر بآلام الملايين لكنه يفقد كل جبروته وقسوته أمام ذلك الحيوان البديع. رصاصة الرحمة تكون هي الحل. يقتل الحصان ويصرف خاييم من الخدمة ويعرض عليه مكافاة مالية كبيرة لكن خاييم يرفض قبول المال ويقبل الانصراف، يعود في مشهد تال لكي يقتل الجنرال بالرصاص تتقلص أصابع يديه وتصاب فجأة بالشلل. وتتقبض وتتخذ لها وضعا ثابتا متقبضا تجعله يعجز عن القيام بأعمال تقليدية.

يلتقي برجل مسن.. نجار مسيحي مخلص، يصنع عددا كبيرا من المقاعد يعتزم التبرع بها للكنيسة. يقبل الرجل أن يساعده خاييم في إعداد الكراسي وصقل قواعدها، ينجز الإثنان المهمة ويحصل خاييم من الرجل على مبلغ كبير من المال لكي يعود إلى بلدته. أثناء طقس من طقوس التقرب إلى الله داخل الكنيسة يشارك خاييم بحماس شديد مع الآخرين ومن بينهم النجار العجوز.. لقد تغير من إنسان غليظ قاس، إلى رجل ورع، بعد أن شلت يداه. يسقط النجار ميتا أثناء الغناء والتهليل والرقص داخل الكنيسة. يجمع القس تبرعات من الحاضرين في الكنيسة لعمل جنازة للشيخ المتوفي، ما يجمعونه لا يكفي. يعطيهم خاييم كل ما أخذه من الرجل

يمر خاييم من الإلحاد إلى الإيمان، ثم يمر بتجربة التعذيب في مشاهد تستخدم فيها أقسى أساليب التعذيب: الحرق والكهرباء والضرب المبرح فوق الرأس، أمام الكاميرا مباشرة. إن العنف عند خودوروفسكي مفردة أساسية من مفرداته الشعرية. وهو يستخدمه كأداة للتطهير، مقابل الإنتقال من الصراع إلى السلام مع النفس، الخلود إلى اليقين. إنه يتلقى العذاب على أيدي الجماعات الفاشية في شيلي- التي تأسست على نمط النازية الهتلرية- ووصلت إلى السلطة خلال الثلاثينيات، إلى أن أطيح بها بعد الحرب العالمية الثانية. يتم تحرير خاييم ويكون مطلبه الوحيد منهم أن ينقلونه إلى بلدته حيث يلتثم شمله مع أسرته الصغيرة أخيرا. هناك تطلب ساره، الزوجة- الأم، من خاييم أن يودع صورته القديمة نهائيا، تمنحه مسدسا وتطلب منه أن يطلق النار على صورة ستالين وصورته التي يتشبه فيها به قائلة له" يجب أن تكون نفسك. تشتعل النيران في الصور. يبتعد مركب يقل خودوروفسكي وهو مسن في الزمن المضارع ومعه خودوروفسكي الطفل كما ظهر في الفيلم، الرجل يربت بيده على كتف الطفل بينما يقف في ركن المركب رجل يرتدي ملابس تجعله يشبه ملاك الموت.. فهو مثل هيكل عظمي، رأسه جمجمة، ملابسه سوداء. يردد خودوروفسكي كلمات تغلق الرحلة: رحلة المواجهة مع النفس، مع الأب، ومع الزمن. المركب يبتعد ويردد المخرج كلمات تقول لنا إنه أغلق الآن فصلا كاملا من فصول حياته. هل سيكون هذا هو فيلمه الأخير؟ لا ندري!

إحباطات

يقول خوردورفسكي في مقابلة صحفية حديثة معه: "إنني لست مخرجا تجاريا للأفلام. إنني لا أؤمن بأن الفن يجب أن يدر أرباحا. بل يجب أن ينفق المال من أجل الإبداع الفني دون انتظار للربح بل للخسارة. إذا حقق الفيلم أرباحا فلا بأس.. ولكن هذا ليس هدفي. إنني أسعى إلى التعبير عن نفسي عن طريق تقديم عمل فني. وهذا أمر صعب لأن المنتجين ليسوا فقط رجال أعمال، بل لصوص. إنهم يجمعون 100 مليون دولار لإنتاج فيلم ثم يضعون 20 مليون منها في جيوبهم قبل البدء في تصوير الفيلم. إنه "بيزنس" لسرقة المال عن طريق إنتاج الأفلام".

من المنطقي أن يشعر خودوروفسكي بذلك وهو الذي يمتلك موهبة من تلك المواهب التي لم يعد لها وجود في سينما اليوم، وبعد كل الإحباطات التي نتجت عن تعامله مع المنتجين الذين خذلوه، وبعد أن ظل خارج عالم صناعة الأفلام لنحو ربع قرن.

إنه يعود بفيلم يعد من أفضل أفلامه وأكثرها إكتمالا وكمالا، بل وسهولة ويسرا في المتابعة والفهم. ورغم ما فيه من رؤية سيريالية مذهلة، تمتليء بالقسوة الشديدة والعنف، إلا أنه يظل عملا ممتعا، على الصعيد البصري والسمعي. إن موسيقاه وحدها تكفي لتحقيق المتعة للأذن.. تلك الموسيقى ذات النفس الملحمي، بأجوائها السحرية التي تنتقل بك من عالم السيرك إلى عالم الأحلام، ومن دنيا الواقع، إلى عالم الخيال.

خودوروفسكي ينتقل في هذا الفيلم، من الذات إلى الموضوع، من الشخصي إلى العام، من الرفض إلى الإيمان، من الأب الفظ الغليظ، إلى الأم التي ترمز للنبع- للشجرة المعطاءة، للرقة التي تنساب من خلال صوتها الأوبرالي العذب، من النهار الساطع، إلى الليل المخيف، إلا أننا نتابع هذه الانتقالات كلها، بمتعة، وبدون أن يتوه منا الخيط الرئيسي للفيلم.

إنها قصة أليخاندرو الطفل – الرجل- الشيخ، الذي يرتد إلى الماضي، ويواجهه بقسوته، لكنه يضفي عليه الكثير من خياله، مما حدث وما لم يحدث. يقول خودوروفسكي إنه قام في الفيلم بتجميل صورة والده، بعد أن منحه أبعادا إيجابية وصوره وهو يصل في النهاية إلى نوع من الإستنارة، اليقين برحمة الله، ربما على العكس مما كان عليه في الواقع!

يعتمد الفيلم على التكوينات المدهشة، وعلى التشكيل بالألوان: الأحمر القاني بلون الدم (في كل أفلام خودوروفسكي يبرز اللون الأحمر برومانسيته وقسوته) إنه هنا لون الدم، لون القسوة ولون الغضب، لون الورد البديع، ولون الملابس الفاشية، وملابس رجال الإطفاء. وهناك الأصفر رمز التوتر والإضطراب، ثم الأبيض والرمادي.. مع خلفية من الخضرة، أو الزرقة.. زرقة البحر والسماء.

أجواء السيرك

تشيع أجواء السيرك طوال الفيلم وفي كل مكان وكل وقت حتى لتبدو البلدة وقد تحولت إلى ساحة سيرك كبير: راقصون يستعرضون أنفسهم في الشوارع، خيام ضخمة لممارسة الألعاب، يقف أمامها رجال ينادون على الزبائن لشراء التذاكر والدخول، أناس مقطوعو الذراعين يجلسون في ساحة البلدة، قزم يقف أمام دكان خاييم (كازا أوكرانيا) يعلن عن البضائع ويضرب بأحد المضارب الخشبية دمية بعد أخرى، مرددا "تعالوا وشوفوا كيف نحطم الأسعار"، كلب يرتدي ملابس رجال الإطفاء يرافقهم أثناء العمل، رجال رءوسهم عبارة عن جماجم عظمية مخيفة كما لو كانوا يرتدون الأقنعة (فكرة إستخدام الأقنعة عند خودوروفسكي متأصلة من زمن عمله في مسرح البانتوميم في باريس مع مارسيل مارسو)، مصارعة الكلاب التي تظهر مكسوة بالملابس، طيور بالآلاف تطير فجأة كأنها تخرج من اذن بطلنا الصغير.

يمنح خاييم ابنه حذاء أحمر لامعا لكي ينضم إلى فرقة الإطفاء. يتقافز بطلنا الصغير فرحا وهو يرتديه لكنه يقابل طفلا فقيرا حافيا، ماسح أحذية بائس يتمنى لو يحصل على الحذاء فيعطيه له، الفتى يترك صندوق مسح الأحذية ويتقافز سعيدا وهو يرتدي الحذاء الأحمر.. ينتظر أليخاندرو على أريكة خشبية طيلة الليل لكن الفتى لا يعود أبدا.. نعرف في الصباح أنه قد إنزلق على الصخور بسبب الحذاء المصقول فسقط وقضى نحبه. إنها أول صدمة كبرى في حياة أليخاندرو.. صدمة من الموت.. حقيقة أن الحياة يمكن أن تذهب في أي وقت، وفي لحظة عبثية تماما!

في "توكوبيلا" بلدة البطل، تريد الأم "ساره" أن تطمئن أليخاندرو على أبيه فتقول له إنه سيعود رغم أنه في الواقع خرج ولم يعد أبدا. تناوله حجرا.. تطلب منه أن يبصق عليه وأن يغمض عينيه ويكتب في خياله رسالة إلى والده، ثم تربط الحجر بمجموعة من البالونات. يهبط نسر، يلتقط البالونات ثم يطير بها مبتعدا. تقول ساره لابنها: إنه سينقل هذه الرسالة إلى خاييم. يرتفع النسر حاملا البالونات ويطير في أعلى السماء ويختفي. في اللقطة التالية نراه من زاوية مرتفعة يلقي بالحجر فوق المنزل الذي يقيم فيه خاييم!

التكوين، السحر، الحركة المحسوبة للكاميرا التي تضفي أجواء السيرك أحيانا حيث تستعرض إلى اليمين أو إلى اليسار في لقطات بانورامية، أو تتابع وتتسلل وتنفذ، وتتخذ زوايا غريبة تتناقض مع فكرة الواقعية، وتضفي ذلك الطابع السحري على الفيلم، مع تلك الموسيقى الساحرة التي كتبها أدان خودوروفسكي- إبن الفنان الكبير- بأجوائها اللاتينية الدافئة المميزة.

يقوم بالدور الرئيسي، دور خاييم الإبن الأكبر لخودوروفسكي "برونتيس" الذي سبق أن شاهدناه في دور الإبن وهو صغير في فيلم "الدماء المقدسة"، بينما يقوم الإبن الآخر لخودوروفسكي "أكسل"- الذي قام ببطولة فيلم "الدماء المقدسة"- بدور صغير في الفيلم، وتقوم بدور الأم باميلا فلورز التي عرفت بتخصصها في فن اليوجا وتقوم بتدريسه في نيويورك منذ سنوات.

لاشك أن مسابقة مهرجان مهرجان كان التي لم تعرف تحفا سينمائية هذا العام، قد خسرت فيلم "رقصة الواقع"، الذي نعتبره تحفة من الطراز الرفيع، يعيد إحياء سينما التأمل والسحر والخيال، كما يعيد إطلاق موهبة مخرجه الكبير.

لقد أخرج الساحر العجوز "رقصة الواقع" من جلبابه، فابتلع كل الافلام وحلق وخده فوقها!

الجزيرة الوثائقية في

20/06/2013

 

قصة مهاجرين: الوثائقي واشكالية اللاانتماء

طاهر علوان 

1

البيت هو اي بيت والزمن هو اي زمن واما الأنسان فهمه واشكالياته تتدحرج وتنمو وتكبر وتتحول الى فعل باتجاه مغادرة ذلك البيت / الوطن / الأرض بحثا عن زمن مستقبلي بديل يخفف عنه تلك الوطأة . انهم هناك امامنا نراهم يتكدسون اولئك المهاجرين الذي يلاحق حضوضهم واعمارهم غول الفقر والعنف وتحاصرهم السلطات وهم يذودون عن انفسهم بأحلام وامان بأوطان افتراضية .

اذا شئنا هاهو المثال امامنا مجرد 12 مليون انسان يحكي هذا الفيلم الوثائقي قصتهم والذي يحمل عنوان "الحياة الأمريكية غير الشرعية "، انهم المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في صراع مفتوح ولاينتهي مع السلطات ، سواء سلطات بلدانهم التي جاؤوا منها اوسلطات الولايات المتحدة وهو ماتبحر فيه المخرجة (ماريانا فان زيللر) وهي المخرجة التي امضت شوطا مهما من حياتها في مراقبة شقاء الأنسان ومكابداته متنقلة من العراق الى ايران الى افغانستان الى افريقيا الى امريكا اللاتينية وقدمت عشرات القصص الوثائقية ومنها مايخوض في جدلية اللاانتماء التي ترهص في كيان مجاميع بشرية كبيرة تتقلب على نار الهجرة وعذاباتها .

في كثير من الماعاته المؤثرة والمهمة يراقب العالم " ويلبر زيلنسكي " هذه الهجرات البشرية وانعكاساتها السوسيو- ثقافية وكيف يتعامل الكائن مع واقعه الثقافي – الأنساني – الأجتماعي البديل والجديد ، هذا العالم الكبير عني اشد العناية برسم خريطة الهجرات التي ضربت الولايات المتحدة منذ ظهورها واكتشاف القارة وصولا الى مأساة الجيران الفقراء والمعذبين القادمين تسللا من امريكا الجنوبية ومن اكثر حاضنات الفقر في المكسيك حيث الهجرات الأكبر من هناك .

2

"هذه ارضي... هذه لست ارضكم " ، ينطق هذا المعارض الشرس والمبغض للمهاجرين بلسان فصيح تتبعه صيحات استهجان مؤيدة له وليس ذلك الا في ولاية اريزونا الأمريكية حيث هي اكثر الولايات الأمريكية تشددا تجاه الأجانب وتجاه المهاجرين غير الشرعيين

من لوس انجلس الى كاليفورنيا الى اريزونا يتابع الفيلم وقائع القاء القبض على عشرات المهاجرين غير الشرعيين ويصرح حاكم احدى المقاطعات انه يحتجر قرابة 45 الف مهاجر غير شرعي هنا ، ويشير الى صندوق مقفل ، مبان مسورة وعالية يقبع فيها اولئك المهاجرين غير الشرعيين.

(السي) و(فيلمون) ليسا الا نموذجين ومثالين تختارهما المخرجة ليمثلا شريحة عريضة من المهاجرين ويشتركان مع الآخرين في ذلك الشقاء . "السي" تتحدث وعبر صور فوتوغرافية عن طفولتها ، لقد وصلت الى هنا وهي في سن الثالثة لاتفقه شيئا ، وهاهي اليوم طالبة جامعية متفوقة، حيث تسمح بعض الولايات لمهاجرين غير شرعيين جاؤوا صغارا او ولدوا في الولايات المتحدة بالألتحاق بالتعليم العمومي ، هاهي السي ، المحاورة اللبقة والنشيطة والشخصية الدمثة تعيش احلى لحظات حياتها وهي تتخرج مع افواج من الطلبة الأمريكيين في ولاية كاليفورنيا ...

لكن المخرجة وهي تذهب الى مدير شؤون الهجرة وتسأله سؤالا محددا :" انني اعرف فتاة اسمها السي وهي جاءت الى هنا بصحبة والديها وكانت في الثالثة من عمرها ولكنها اندمجت في المجتمع حتى تخرجت من الجامعة واصبحت عنصرا ايجابيا في هذا المجتمع فما حكمها في قوانينكم " ، فيرد ذلك المسؤول بدم بارد انه لايعرف بالضبط ملابسات قدومها وكيف وصلت الى هنا وفي كل الأحوال اذا كانت قد خالفت قوانين الهجرة وكانت مهاجرة غير شرعية فيجب ان تخضع للقانون وتحاسب وترحل الى بلدها ... 

هذا الرعب تعبر عنه السي قائلة انها تعيش في كابوس مرير يجسد عدم انتمائها لا الى هنا ولا الى هناك ، فهنا تجد نفسها مهددة بالترحيل ومقطوعة الجذور وان رحلوها فستكون في بلد مجهول لاتعرفه ولم تعش فيه الا ثلاث سنوات من عمرها.

تمضي المخرجة في تتبع اشكالية اللاانتماء التي تجتاح مهاجرين مغلوب على امرهم يلتزمون بالقوانين ولايبتغون سوى توفير القوت لعائلاتهم الفقيرة التي تركوها خلفهم خاصة في المكسيك....تقول السي اخيرا بألم لاحدود له :" لايمكنكم تصور حجم الكراهية التي تحيط بنا ".

3

نحن في مدينة " اوكسنارد" في كاليفورنيا ، حيث تنتشر اكبر مزارع الفراولة في الولايات المتحدة وحيث معقل المهاجرين غير الشرعيين والأيدي العاملة الرخيصة القادمة في غالبيتها من المكسيك والكل يخفي وجهه ولايريد التحدث لأحد ولا امام الكاميرا خوفا من الترحيل ...مشهد سريالي ، كلما عبأت صناديق فراولة اكثر تركض باتحاه مالك الأرض ليثقب الورقة التي تحملها وكلما كثرت الثقوب في الورقة فذلك يعني صناديق فراولة اكثر ودخل اكثر ..وهانحن وسط تلك الحقول الشاسعة وحيث 80 % من انتاج الفراولة في الولايات المتحدة يخرج من هنا بعائد سنوي مقداره 2 بليون دولار دون ان يعلم احد ان وفرة ذلك الأنتاج وتسويقه يعود الى جيوش من الملثمين الذين يخفون وجوههم اي  المهاجرين غير الشرعيين ، الأيدي العاملة الرخيصة بلا ضمان صحي ولا اجتماعي .ننتقل الى حيث يعيش  فيلمون ، المهاجر وعامل الفراولة ، بؤس حقيقي عمال يتكدسون في كرفانات وحجرات خشبية ليس لديهم الا البسيط من مستلزمات الحياة وهم يتنقلون من مزرعة الى اخرى.

في  الأمتداد اللامتناهي لمزارع الفراولة حيث العمل يدوي خالص ، سيفصل طريق سريع بين تلك المزارع وبين اكبر سجن في الولايات المتحدة خاص بالمهاجرين غير الشرعيين ، يصرح " جو اربايو " مفوض شؤون الهجرة موجها كلامه الى المخرجة والمحاورة  " لايهمنيي كم يكون عددهم  ، انت تقولين 18 مليون انسان ، لايهمني ، سألقي القبض عليهم جميعا " ...لننتقل منه الى كرنفالات الفرح ، انه مهرجان الفراولة في ولاية كاليفورنيا ، كل شيء فراولة ، لعب الأطفال ، الملابس ، مسابقات لالتهام الفراولة ولكن لااحد يعلم من اين جاءت الفراولة واية ايد مكدودة شقت لتوصلها الى اولئك المحتفلين الفرحين

4

تفاقم الأحساس باللاانتماء لايتجسم سلوكا ومعاناة لدى اولئك المهاجرين كما يعرضه الفيلم باستفاضة ملفتة للنظر بل في ردود افعال اخرى تسمعها من اناس عاديين وهاهي سيدة تستشيط غضبا امام الكاميرات ، سيدة امريكية عابرة بالصدفة ، تقول " ببساطة شديدة انهم يعاملون المهاجرين غير الشرعيين بمثل طريقة معاملة النازية " ...وسط هذا سيكتظ الناس من اجل الدفع باتجاه " قانون الحلم " لتصحيح اوضاع اللاجئين غير الشرعيين كمثل حالة السي والاف غيرها ممن عاشوا طويلا في تلك البلاد لكن القانون ينازع البقاء منذ العام 2001 والى اليوم .

تجربة ثرة وعميقة تخوضها المخرجة والصحافية البارعة " ماريانا فان زيللر " من خلال هذا الفيلم وسلسلة تتناول القصص الأنسانية المؤثرة المماثلة ...فبالرغم من طابع اليوميات الذي ترافق من خلاله ماريانا شخصياتها في مكابداتهم وعنائهم الا ان اشكالية اللاانتماء تجدها صارخة تجسدها مرة اخرى لدى توجهها لزيارة قرية مكسيكية كمثال على ذلك الهاجس المرير ، قرية هاجر جميع الرجال فيها الى مزارع الفراولة واعمال اخرى ليعيلوا عائلاتهم ولم يبق فيها الا اربعة رجال فقط ..

"ماريانا زيللر " كانت قد اثرت الذائقة الوثائقية بالعديد من الأفلام المميزة ومنها عن صراع المافيات في البرازيل وتجار المخدرات والمدمنين في ولاية متساتشوستس ثم الى افريقيا والصراعات الأثنية في اوغندا في فيلم التبشير بالكراهية ثم الى سري لانكا من خلال فيلم : ملاحظات عن الحرب والرعب وصولا الى ايران في صراعها المعلن وغير المعلن مع الولايات المتحدة وافلام اخرى .

الجزيرة الوثائقية في

20/06/2013

 

مهرجان الفيلم القصير والوثائقي في الدار البيضاء

زبيدة الخواتري

نظمت في مدينة الدار البيضاء خلال الفترة الممتدة ما بين 15 /22 يونيو فعاليات المهرجان الدولي للفيلم القصير والوثائقي في نسخته الثامنة  . وقد تضمنت لجنة تحكيم هذه الدورة المخرج المغربى إبراهيم الشكيرى والمخرج الإيرانى كاظم نزارى ومدير مهرجان الفيلم الشرقى بجنيف الطاهر حوشى، والإعلامى المصرى عاطف عبد اللطيف والإعلامى المغربى توفيق الناديرى وقد شهدت هذه الدورة مشاركة 15 فيلما قصيرا و10 أفلام وثائقية من سويسرا ومصر وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والسودان والجزائر وإيران بالإضافة إلى المغرب. كما تم عقد ورشات تكوينية وندوات ناقشت  موضوع الدورة حول السينما بين الإصلاح والثورة الرقمية بحضور سينمائيين مغاربة وأجانب .

تميز حفل الافتتاح بتكريم الفنان المصري يوسف شعبان والفنانة الشعبية فيفي عبده والمغربي عز العرب الكغاط ، وبعد حفل الافتتاح نظمت على هامش المهرجان مقابلة ودية في كرة القدم بين الفنانين ونادي القضاة في المغرب بملعب رحال في المدينة العتيقة والذي مر في جو من المتعة والتسلية حيث افتتحت الفنانة فيفي عبده المقابلة بشوتة على إيقاع "الوحدة ونص" جعلت القضاة المغاربة  يتحللون ولو للحظة من جو النزاعات القانونية والصراعات لجو من الفن والإثارة.

وبعد ذلك أقيمت ندوة صحفية أعرب فيها الفنان يوسف شعبان عن سعادته البالغة لتلقيه هذا التكريم من بلد يعتبر أكثر من شقيق حيث جاء في الوقت المناسب وأفاقه على حد قوله من كابوس أسماه الإخوان المسلمين حيث أشار أنه على الرغم من كونهم على مستوى عالي من التعليم والثقافة إلا أن هذا الأمر لم يشفع لهم للخروج من بعض الرغبات الدفينة التي لا تعكس بأي حال من الأحوال التحضر بل تعتبر حربا ضد الفن والفنانين على حد سواء حيث بدأ الصراع منذ توليهم زمام الأمور حيث قاموا بطرد عدد من الأطر الأكفاء كمديرة دار الأوبرا وغيرها .

وتلخصت كلمة محمد المشتري مدير المهرجان أن المهرجان الدولي للفيلم القصير والوثائقي انطلق سنة 2006 وكانت الدولة تعطي دعما بسيطا من المركز السينمائي ومن الدورة الثالثة إلى الخامسة  تحقق بعض الدعم خلال الدورة السادسة أما بعد وصول بنكيران بأسبوع اتصل بي مدير ديوان وزير الاتصال فأخبرني باستعداده لدعم المهرجان فوفجئنا بعدم وصول أي دعم وبعد وضع دفتر التحملات الذي أكد على أهمية وجود محاسب معتمد وعلى الرغم من ذلك لم نحصل على أي دعم .

بالمقابل أكد الفنان المصري يوسف شعبان أن الدراما المصرية تعيش على إيقاع أزمة حقيقية حيث تقلص الإنتاج من أربعين  مسلسلا تلفزيونيا سنويا لعشرة خلال هذه السنة ، والسبب هو محاولة أخونة الثقافة والإعلام وقد نجحوا في ذلك ولديهم الإمكانيات فهم يكرهون الفن 
لأنه يجعل الإنسان يفكر ومنفتح  . واعتبر يوسف شعبان التكريم أيضا أنقده من  حالة اكتئاب حيث آتي من أقصى شمال القارة الإفريقية في ظل ما أسماه حربا على الفيلم المصري الذي يؤرخ لأزيد من 100 سنة من العطاء في مجال الدراما فبعد أن كان الإنتاج غزيرا يضاهي السينما الايطالية والأمريكية أصبح عدد الأفلام التي تنتج سنويا يعد على أصابع اليد وأقفلت أبواب المسارح ومعها الأمل والتحضر والنجاح في العمل يتطلب مجهودا ووقتا ويجب أن يحترم عقلية المشاهد  .

أما الفنانة فيفي عبده فأكدت خلال الندوة أن مصر تستقبل العالم كله في أرضها وستبقى آمنة كما أعربت عن سعادتها للمشاركة  في 12 مسلسل و30 فيلم وللاشتغال كراقصة طيلة 25 سنة  ، وقد جمع بينها وبين يوسف شعبان عدة أعمال منها مسلسل الحقيقة والسراب الذي حقق نجاحا   كبيرا لجودته واعتبرت الفنانة فيفي عبده أن الصدق في حب العمل والتفاني فيه يجعله يفرض نفسه حتى ولو لم يعرض في شهر رمضان، واعتبرت الفنانة فيفي عبده أن  الرقص متشعب على مستوى العالم كله وأنها تحبه وتعتز بالرقص الشرقي والصدق في أي مهنة يحسس الإنسان بذاته ، ولولا العرب لما كان هناك دراما تركية لأن اللغة ساهمت في إيصال هذه اللغة .  

وقد أكد يوسف شعبان أيضا خلال الندوة أن اتجاهه ككل المصريين هو الرفض لحكم الإخوان اللذين طرح عليهم السؤال  لما يكرهون الفن والثقافة التي هي عنوان التقدم فأجابوا" أن من خلال الفن تلهون الناس عن ذكر الله" وهو حكم لا انتماء له لأنهم لا يعترفون بمصر لكن يدرجونها في سياق وحدة عربية إسلامية يحكمها خليفة واحد . وفي معرض سؤال له عن المسألة السورية وقرار الرئيس المصري إلغاء العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري أجاب أن الحكومة الحالية تأخرت كثيرا باتخاذها موقفا بعد مرور سنتين على حرب سورية وكان يجب أن يتخذ هذا القرار منذ مدة طويلة ونحن كأمة عربية أمة واحدة ولا أدري لما لا تتحد فعلا كل هاته الدول على غرار الاتحاد الأوروبي وأصف بشار الأسد بالسفاح ولا أدري كيف يقنع نفسه ببقائه على كرسيه بعد فناء الشعب السوري وهو مصيبة من مصائب العالم العربي التي يبررها بكونهم أناس جهاديين هم من دبر هذا الانقلاب .

وفي الختام أكد الفنان يوسف شعبان إن دراسة التمثيل والثقافة مهمة توسع مدارك الفنان لأن الفن ليس فقط التمثيل لأنه يجمع بين كل ما يحقق الخير والجمال للإنسان فالكلمة والإشارة والشعر والغناء والرقص وكلها مرتبطة بعضها ببعض.

الجزيرة الوثائقية في

20/06/2013

 

القاتل يعتذر بخجل أمام الكاميرا

حكايات لم تذكر عن الحرب اللبنانية في «ليالي بلا نوم» تؤكد على «عالم ليس لنا»

علا الشيخ - دبي 

بين قتلى ومفقودين ومشوهين، تشغل إليان الراهب كاميرتها على وجه الرجل الثاني في مخابرات «القوات اللبنانية»، أسعد الشفتري، أحد أبرز الأشخاص الذين كانوا وراء السبب الحقيقي لكل هذا الوجع والألم في الفيلم التسجيلي الطويل «ليالي بلا نوم» لتعود حكايات لم تذكر بعد عن الحرب اللبنانية، لكن هذه المرة بين شخص ملطخة يداه بالدماء يريد أن يعتذر عن كل هذا ويعترف اعترافات خجولة ليست كاملة كي لا يغضب القبيلة «المارونية» ربما، وبين «مريم» أم ثكلى تبحث بين الأنقاض عن قبر ابنها الذي ذهب في مجزرة .

هذا الفيلم الذي عرض أخيراً في الدورة 16 من مهرجان الاسماعيلية ونال جائزة «جمعية النقاد السينمائيين المصريين» وعرض في الدورة الفائتة من مهرجان دبي السينمائي، اثار مشاعر الحضور الذين وقفوا بين مشاعر مختلفة لها علاقة بمسامحة «الشفتري» على جرائمه، وبين لعنه بعد كل هذه الاعترافات، في المقابل كان هناك، بشكل غير مخطط، فيلم مهدي فليفل الذي نال جائزة افضل فيلم في المهرجان «عالم ليس لنا» الذي عرض سابقاً ونال جائزة «اللؤلؤة السوداء» في مهرجان ابوظبي السينمائي، في دورته الفائتة، كي يكمل هذه الحكاية بسخرية موجعة عن تناوله لعائلة تتكون من ثلاثة أجيال في مخيم عين الحلوة، تعيش حياتها عبر صور لا تخلو من قصص ملطخة بالدم اثر الحرب اللبنانية ايضا.

ليس تبريراً

للحديث عن فيلم «ليالي بلا نوم» ومدته ساعتان مليئتان بالمفاجآت المؤلمة، التي لها علاقة بالتركيز على شخص يظهر بمعالم وجه لا يمكن تفسيرها اذا كانت باردة أو خجولة أو نادمة، كيف لقلب أن يحتمل سماع كل هذا الموت بطريقة لها علاقة بسؤال لا يحضر الجواب الكامل دائماً لاعتبارات لها علاقة باحترام المذهب، «الشفتري» وهو الرجل الثاني في القوات، ينصاع لأوامر كاميرا الراهب ويحاول الهرب والإنكار قدر استطاعته، لكن تسجيل كلامه في مسجلة الراهب الخاصة كانت له بالمرصاد، يحكي التعاون بين القوات اللبنانية وبين «اسرائيل» في القضاء على الفلسطينيين والمسلمين بشكل عام، يحكي وهو يحاول أن يبدو عليه الندم، الزيارات الخفية بين الطرفين والاحتفالات على دماء كانت تسكب كل يوم، لأبرياء وأطفال ونساء، يحكي مستعيناً بنص اعتذاره الذي نشره في صحف لبنانية عن كل جثة تم القاؤها في البحر أو دفنها في مقابر جماعية أو اخفاؤها، يعتذر عن خسارة عائلات لأطفالها، يعتذر عن كل هذا ويطلب السماح، طوال الفيلم وهو يعتذر حتى إن ابنه الوحيد بطريقة باردة يستهزئ بهذا الاعتذار ويقول أمام كاميرا الراهب «بيكفي اعتذر مرة مش ضروري يضل يعتذر» فتضحك والدته معه، هذه الوالدة التي بعد انتهاء الحرب عاشت النزوح بسبب توازنات سياسية، والتي قالت كنت اريد أن اذهب الى الفلسطينيين واقول لهم «صرت نازحة متلكم».

البحث عن مفقود

مع كل هذه الاعترافات تظهر «مريم» والدة لثلاث بنات وشاب التحق بالقوات الشيوعية اثناء الحرب اللبنانية الأهلية، واختفى بعد مجزرة اطلق عليها «مجزرة كلية العلوم» هذه الأم ومنذ الحرب وهي تريد جواباً عن سؤالها «اين ابني؟ هل مازال على قيد الحياة أم استشهد؟ واذا استشهد اين قبره؟ فلدي من القصص ما أحكيها، ومن حقي أن أزوره وأضع الورد على شاهدة موته».

هي الثانية تظهر بمعالم وجه مختلفة بين غضب وحنين ومحاولة طي الصفحة بلا جدوى، قضت حياتها في قضية ابنها تسمع آراء من هنا وهناك، لا تريد تصديق أي منها، تريد شيئاً ملموساً كقبر تزوره كل فترة، وهذا ما وضع فيلم الراهب في المحك، فغاصت أكثر في التفاصيل محاولة البحث عن انتصار لـ«مريم» كان باستجماع خيوط كل الحكاية لتظهر شخصية بخيال وصوت يدلها على هذا القبر، وورود تحملها الأم لم تستطع أن تضعها، فلا شاهد على وجود هذا القبر المدفون تحت انقاض مبسطة الى جانب جثث عدة، تريد أن تعيش على الأمل أو بالأحرى أن تظل هذه القضية موجودة كي تجبر غير «الشفتري» في الاعتراف ربما. وهذه كان نهاية المشهد في الفيلم بخصوص قصة «مريم» التي سبقها مشهد لمعرض فني يضم صور مفقودين منذ الحرب الأهلية التي تشاء المصادفة حسب تأكيد المخرجة بالتقائها مع «الشفتري» في الموعد نفسه، ومع أن الفيلم ضم الكثير من المشاهد الأقرب الى الدرامية من التسجيلية، إلا أن هذا المشهد كان حياً ومباشراً، حيث وقفت «مريم» أمام «الشفتري» وأصابها انهيار عصبي مع صراخ وبكاء، يحاول «الشفتري» أن يحصل على السماح من قبل «مريم» فترد عليه «اذا كنت تريد أن تخبرني اين ابني فسأسمعك، غير هذا لا» فيخيم الصمت، وترحل من المعرض مع دموعها التي لم تجف يوماً.

الخسارة

«الشفتري» الذي أحرج والده أمام كاميرا الراهب عندما أراد أن يستعرض العلاقات الجيدة بينه وبين مسلمين في لبنان، اذ رد «الشفتري» عليه «هذا الكلام ليس صحيحاً، بحياتنا لم تكن لدينا علاقة مع الآخر المختلف عن ديانتنا»، فتركز الراهب على وجه الأب الذي بدا عليه الحرج، وتستمر حكاية اعترافات «الشفتري» فيؤكد أن الدولة اللبنانية كانت حلماً مثل الدولة الاسرائيلية، الحلم هنا مقرون بالدولة المارونية كمذهب يعتقد نفسه الأنقى حسب تعبير «الشفتري» لذلك كان هناك تعاون بيننا سقط مع اغتيال بشير الجميل، الذي كان رئيساً للبنان، ما أدى الى خلافات بين القوى وانقسام للقوات بين فريق سمير جعجع وفريق ايلي حبيقة الذي كان يتبعه «الشفتري» الذي هزم أمام جعجع، فوجد نفسه ورفاقه في زحلة واصبح حالهم مثل حال اللاجئين الفلسطينيين، فأحسوا لأول مرة بخسارة الحرب، وخسارة حلم الدولة المارونية اللبنانية، تقرر المخرجة ان تنهي قصة «الشفتري» وهو يرتدي ملابس المهرج، والمعروف عن المهرج أنه يضحك الناس لكنه حزين، مشهد له علاقة بانضمام «الشفتري» الى مؤسسة تدعو الى التخلص من الآثام من خلال الاعتراف بها، فوجد «الشفتري» أن أنسب طريقة له للتخلص من آثامه أن يكون مهرجاً.

البداية

انتهى الفيلم لكن بدايته تعود مع مشهد «أسعد شفتري» أمام كلية العلوم التي قضى فيها ابن «مريم» يقول: «بعد كل مرة أتحدث فيها عن الحرب أحتاج إلى أسبوعين لكي أشفى، أسبوعين مليئين بالقلق وليالٍ بلا نوم».

مقبرتان جماعيتان

في «ليالي بلا نوم»، استطاعت إليان الراهب الحصول على اعتراف من أسعد الشفتري، ومحارب آخر في «القوات» بوجود مقبرتين جماعيتين: الأولى في الكرنتينا، والثانية خلف فرع العلوم في الجامعة اللبنانية في الحدث.

اعتراف مسجل وموثّق، يُعَدّ بلاغاً للدولة التي يجب أن تتحرك لضم تلك المواقع إلى لائحة المقابر الجماعية التي اعتُرف بها عام 2000، وتعين حارساً لحمايتها، ثم المباشرة في التنقيب عن جثث المفقودين.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط .

الإمارات اليوم في

20/06/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)