غالبا ما تتداخل الايديولوجية والسياسة فى السينما بشكل متعمد،ولكن
وفى بعض الاحيان، فان كل منهما يبدو منفصلا عن الآخر، وفي الواقع،وبالنسبة
للعديد منصانعي الأفلامذوى الميول السياسية، فانافلامهم تهدف الى
إظهاركيفتتشابكالايديولوجية والسياسة فى حياه الناس وكيف تؤثر علي اسلوب
حياتهم، لكن صناع افلام اخرون يرفضون هذا الربط ولا يقبلونه.
ولكى نستطيع ان نفهم دلالة ما هو أيديولوجى وما هو سياسى، فان ثمة
فروقا بينهما قد تساعدنا فى التعريف، ويشمل ذلك السينمات التى تظهر فيها
الايديولوجية كشئ ضمنى فى مقابل السينمات التى تظهر فيها الايديولوجية
يشكل دعائى، ان الذاتية تختلف عن الموضوعية ، كما ان الاطار السياسى يختلف
عن المحتوى السياسى.
في الاسبوع الاول، ذكرنا بشكل مقتضب ، كيف ان ظهور ثلاجة ممتلئة
بالطعام فى فيلم امريكى، من الممكن ان يراها المشاهد السوفيتى كنوع من
الدعاية السياسية، فان ملء الثلاجة يشير الى الوفرة الرأسمالية فى مقابل
سياسة التقشف الشيوعية. هذا المثال يوضح ما أعنيه بالايديولوجية الضمنية ،
فهو يعبر عن ملمح سياسى من وجهة نظر معينة، لكن هذه الايديولوجية الضمنية
تظهر بشكل عفوى ولا يمكن ان ننظر اليها على انها من الامور المتعمدة او
انها دعاية سياسية.
فى مجموعة المقالات النقدية التى كتبتها الناقدة جوديث ويليامسون
والتى تحمل عنوان (آخر المواعيد عند الفجر)، فانها تتصيد المضامين السياسية
التى تظهر عرضا وبشكل غير متعمد فى السينما، لكنهاتصوغ هذا الامر بطريقة
مضحكة، فهى تقول على سبيل المثال (سوف تصبح متهما لأنك تقرأ كثيرا فى
دلالات الأشياء. كيف تجرؤ وتظنان بعض الافلام الشعبية ذات طابع عنصرى، أو
أن التحف السينمائية التى انتجتها شركة والت ديزى ينتج عنها توجيه مبكر
للنشئ .
كذلك فان القراءة المتعمقة جدا فى فيلم ما يمكن ان ينتج عنها موقف
متشدد حول هذا الفيلم بعد عام من ظهوره، فعندما عرض ديفيد وورك جريفيث
فيلمه (مولد أمة) عام 1915، من المعروف ان الكثيريين استقبلوه على انه فيلم
عنصري، لكن ثمة حقيقة اخرى، هى أنه عرض قبل أربعين عاما من الغاء التمييز
العنصرى، كما أنه ايضا تم عرضه قبل 90 عاما من وصول رئيس من أصول افريقية
الى سدة الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد حقق هذا الفيلم نجاحا كبيرا ليس فقط فى الولايات المتحدة، ذلك ان
كارل براون فى كتابه (مغامرات مع ديفيد ورك جريفيث) يقر بأن فيلم "مولد
أمة" قد حقق نجاحا ساحقا خارج أمريكا.
دعونا نشاهد الفيلم الآن، وخاصة المشاهد التى يسيطر فيها الزنوج على
البرلمان، إن الكثير من اللحظات مثيرة للضحك، هذا الضحك ينبع من موقفا
المعاصر، فنحن نرفض بشكل قاطع الكلاشيهات قيما يتعلق بالزنوج، إننا نحتاج
فقط الى تذكرالأفلام القديمة التى يتأسس عنصر الفكاهة فيها على الضحك على
الزنوج، فهذا سيجعلنا نرى أن فيلم مولد ام’ كان فيلما قاسيا لكنه لم يكن
استثنائيا.
كذلك فان باميلا روبنسون ويجيك تقول فى (كتاب السينما ان فيلم "ذهب
مع الريح" هو من الكلاسيكيات السينمائية التى تثير حنق المشاهد المعاصر،
ليس فقط بسبب دعمه لجماعة (كو كلوكس كلان) ولكن أيضا بسبب طريقة تقديم
شخصيتين من الزنوج ، هما (مامى وبريسى) ، وتشير ويجيك هنا الى أن المشاهدين
البيض عامة لديهم مشكلة فى طريقة تقديم بريسى، لكن الجمهور من الزنوج فى
المقابل يميل الى النظر الى الشخصيتين معا كنوع من الكلاشيهات الممجوجة،
لكن ما يهمنا هنا ويجب ان نضعه نصب أعيننا، أن الانطباعات الشخصية كثيرا ما
تتداخل فى القضايا الايديولوجية.
اذا كان فيلم "مولد امة" قد تسبب فى الإضرار بكثير من الناس، لكنه
برغم ذلك حقق نجاحا كبيرا، بينما فيلم "ذهب مع الريح"، بغض النظر عن
المشاكل التى تسبب فيها، يظل أكثر تفضيلا من فيلم "مولد أمة" عندئذ فان
يكون لدينا شيئان يستحقان التوقف عندهما، أولهما هو المنظور الشخصى والثانى
هو المنظور التاريخى.
قلب شجاع
دعونا نتخيل على سبيل المثال ، لو ان فيلما مثل فيلم " قلب شجاع "
لميل جيبسون الذى يتميز بميله العدائى للانجليز، أصبح إطارا ايديولوجيا
لحركة قومية متشددة، وان آلافا من الانجليز قد تعرضوا الى الذبح جراء هذا
الفيلم، انه اذن لن يكون مجرد فيلم كلاشيهات تافه يتسبب فى الاساءة الى
الجمهور الانجليزى شديد الحساسية أو إلى الجمهور الواعى ايديولوجيا او
النقاد (النظرة الشخصية)، لكن العنصرية فى الفيلم سيتم تضخيمها وسوف تصبح
اطارا لحركة قومية (النظرة الجمعية).
ان هذا المثال يقربنا من فهم المشاكل التى نحن بصددها مع فيلم "مولد
أمة"، حيث تسبب هذا الفيلم فى ميلاد ثانى لجماعة (كو كلوكس كلان) فى عام
1915 وهى سنة عرض الفيلم، وهو يما ستوجب نقدا خلاقا أو ردا موضوعيا
لاستخراج مضمونه العنصرى. إن التاريخ يجعل هذا واضحا.
ان فيلم "مولد أمة"، مثله مثل فيلم "إنتصار الإرادة" الذى أخرجته ليني
ريفنشتال كفيلم دعائى نازى، وكذلك فيلم "المدرعة بوتمكن" لسيرجى أيزنشتين.
وتشترك الافلام الثلاثة فى كونها افلاما ايديولوجية مُعلنة، بينما معظم
الافلام الهوليودية والتى تظل الاكثر تفضيلا، يمكن النظر اليها على انها
تحمل ايديولوجيا مُتضمنة. وبناءا عليه فان فيلما مثل "هب مع الريح" يمكن
اعتباره بين بين، ان هذا الفيلم ساند الجنوب اثناء الحرب الاهلية الامريكية
على حساب الشمال الامريكى الذى كان يُطالب بتحرير العبيد، لكنه لم يكن
دعاية ايديولوجية مثل الافلام الايديولوجية الاخرى، وانه من المثير ان فيلم
"قلب شجاع" كان يحتوى على ايديولوجيا مُعلنة لدرجة ان الحزب القومى
الاسكتلندى اعتبره معبرا عن مشاعر القوميين.
ولكن إذا كانت أفلام "مولد أمة" و"انتصار الارادة" و"المدرعة بوتمكين"
و"قلب شجاع" هى افلام أيديولوجية مُعلنة، فإن هذه الايديولوجيا المُعلنة لا
تحتاج الى تصنيفها فى نفس الدرجة، فثمة شيئان على الاقل يمكن ان يجعلا
سينما الايديولوجيا المُعلنة مثيرة للمشاكل نوعا ما، اولهما يكون تأثيرها،
والثانى محتواها التاريخى، الا ان الاثنين قد يتداخلا معا.
واذا عدنا الى ما قالته وليامسون تعليقا على القراءة كثيرا جدا فى
مضمون الافلام، فان هذه المقوله قلما تنطبق على فيلم "مولد أمة" وفيلم "انتصارالارادة"،
فكلا الفيلمين كانا دعائيين وقادا الى ردود فعل وحشية، فالزنوج اُعدموا،
واليهود اُبيدوا، إنه قد يكون من غير الطبيعى ان يظن احد اننا نقرأ كثيرا
فى مضمون فيلم لا يؤدى لمثل هذه الاحداث، ولكن ومن ناحية اخرى، فان الانسان
المعاصر الآن تطور بما فيه الكفاية لكى يرى ان تقديم شخصيات معينة فى
الافلام كان كلاشيهيا وقاصرا.
ان التطور التاريخى الذى قاد الى المساواة بين البيض والزنوج يجعلنا
ننظر الى فيلم "ذهب مع الريح" الآن بنوع من التسامح، وإن الاشارة الى هذا
الفيلم مرة اخرى قد يقود الناس الى أن يقولوا إننا كنا نقرأ كثيرا في
مضمونه، ولكن ثمة افلاما كثيرة قد تؤخذ احيانا على انها اعتداء من وجهة
النظر الشخصية، ثم تؤخذ على انها اعتداء ثقافي بعد ذلك بعدة اعوام.
وقد يقول البعض الكثير فى أهمية كتاب ادوارد سعيد "الاستشراق" نظرا
لحرفيته فى اظهار ثقافة الكلاشيهات وبراعته فى دحض مثل هذه الكلاشيهات، إنه
عمل متعمق يمكن أن يساعد الإنسان المعاصر فى أن ينتقل من حالة الاستياء
الشخصى الى حالة الاحتجاج الثقافى.
وعلى أية حال، اذا كان فيلم "قلب شجاع" يبدو مثيرا للخلاف نظرا لوجهة
نظره الاحادية ، فانه قد يبقى بلا تأثير اجتماعى فيما يتعلق بعدائه لما هو
انجليزى، لأن الأمر يمكن النظر اليه على أنه بمثابة صراع بين ثقافة أقلية
مع ثقافة الأغلبية لكن ذلك كان فى الماضى وقد تكرر كثيرا، ومن الأمورالمتفق
عليها ان فيلم "قلب شجاع" هو من افلام الايديولوجيا المُعلنة، لكن الانسان
قد يظل يقرأ كثيرا فى طريقة تقديمه لما هو انجليزى، بيد أن لا شئ يمكن ان
نستخلصه من هذا التقديم، على عكس فيلم "مولد أمة".
وعلى ايه حال ، وكما اوضح كولين ماك ارثر فى "بريجادون، قلب شجاع
والاسكتلنديون" ان اكثر الأمور مدعاة للقلق فى فيلم "قلب شجاع"، هى أنه
بمثابة تحريض على إنشاء مجموعات فاشية جديدة ...... إن هذا الفيلم يبدو
شبيها لفيلم "مولد أمة" وفيلم "انتصار الإرادة" أكثر مما نظن للوهلة
الأولى، ومن جانب آخر، وبالطبع، فثمه أسباب جيدة وواضحة فى أخذ الشأن
السياسى على محمل الجد، لما له من تأثير قوى على حياه الناس، وباعتبار أن
الرأى الشخصى قد يصبح ثقافة سياسية، وهذا ما أشرنا إليه فى فيلم "انتصار
الارادة".
عن جيمس بوند
وعلى ايه حال ، فاننا اذا تحدثنا عن الايديولوجية المُعلنة، فان
نماذج كثيرة للايديولوجية المُتضمنة سوف تبرز لنا، وسوف يدعى البعض بان
النقاد يقرأون كثيرا فى دلالات هذه الافلام، ان افضل مثال هو افلام جيمس
بوند، ودعونا نطرح - جانبا ولوهلة - ان العديد من هذه الافلام كان بمثابة
ايديولوجية معلنة وخاصة تلك التى ارتبطت بالحرب الباردة. ان افلام جيمس
بوند لا تفرق بين العدو سواء كان ذلك القابع فى الكرملين او كان يعيش لاهيا
فى منزل منيف فى الباهاما ولا شأن له بالسياسة.
ان ما يهمنا فى هذه الافلام ، هو ما يدافع عنه جيمس بوند، وان هذا
الدفاع يبدو أنه موجه لأسلوب الحياه المليئة بالرفاهية اكثر من انه يدافع
عن قيم العالم الحر، واذا عدنا الى اول مشاهد فيلم "الاصبع الذهبى" فاننا
سنلاحظ حجم البذخ، حيث يبدأ الفيلم بلقطة تأسيسية من السماء لميامى، عندئذ
نرى لقطات قريبة متوسطة لجيمس بوند يتسلم خطابا، فالشئ الذى يتم التأكيد
عليه هو مستوى الرفاهية، ولعلنا نعود الى مثال الثلاجة الممتلئة الذى سبق
وعرضناه، فالامر مشابه تماما.
وعندما يقرأ جيمس بوند اسم العدو، فانه يقول انه يشبه طلاء اظافر
فرنسى، ان جيمس بوند ربما كان افضل جاسوس سينمائى فى حقبة الحرب الباردة،
الا ان اسلوبه يجعله اقل من ان يكون بطلا بالنسبة لجيله، ان افلامه تحتوى
على فخامة وحياه رغدة، وسيارات غالية وملابس جميلة، وسفريات فى اركان
العالم الاربعة، ويأتي تبشيره بالحرية بشكل اساسى من خلال استقطابه
للمشاهدين الذين ينبهرون بالمتع التى يشاهدونها على الشاشة، وهذا اكثر من
المثال الذى سقناه بخصوص الثلاجة المليئة.
الأفلام البريطانية
مثال آخر على الايديولوجيا المُتضمنة يمكن ان نجده فى كل الكوميديات
الرومانسية البريطانية، فهذه الافلام تخاطب جمهورها على انهم جميعا ينتمون
الى الطبقة الوسطى، ابتدءا من فيلم "جاك وسارة" الى ( نوتنج هيل ) ، ومن
"حب حقيقى" الى "يوميات بريدجيت جونز" وكذلك فيلم "عن صبى ".
وهنا فان القضايا الاجتماعية والاقتصادية تبدو كأنها غير موجودة او
انها قضايا قد حُلت، فالسيناريست ارفين ويلش يقول ان الواقع فى انجلترا لا
يظهر على حقيقته فى هذه السينما، وان ما نراه هو الكابتشينو الذى يشربه
ابطال الفيلم، او احتسائهم لخمر معتق تعبيرا عن احزانهم.
سيتزوج رئيس الوزراء البريطانى فى هذه الافلام من خادمته كما فى فيلم
"حب حقيقى"، او ان نجمة سينمائى تقع فى الحب مع صاحب محل كتب، كما فى فيلم
"نوتنج هيل"، او ان زوجا حزينا يقع فى الحب مع مربية طفله "جاك وسارة".
تبرز الايديولوجيا فى هذه الافلام (اللامشكلة)، انها افلام بهيجة لا
يهمها ان تعرض الواقع ومشكلاته، ان القضية الاجتماعية تبدو مختفيه تماما فى
هذه الافلام، ان هذه الافلام لا تهتم حتى بالمصداقية، ففى فيلم "نوتنج هيل"
سنجد ان لهجة هيو جراند تختلف كلية عن لهجة اخته ومع ذلك لا نجد تبريرا فى
الفيلم على هذا الاختلاف، ان هذه الافلام تعبر عن الضحالة الفكرية ولا تعبر
عن التعقيدات الاجتماعية.
ان الجمهور الواعى سيتسائل لماذا تبدو شخصيات هذه الافلام كانها قادمة
من خلفيات اجتماعية لا تمت بصلة الى الواقع، والسبب فى هذا لا يتم شرحه
عمدا لان المخرج والسينارست لا يريدا ان يعقدا فيلمهما بالاشكالية
الاجتماعية.
وثمة مثال آخر على الايديولوجية المُتضمنة سنجده فى فيلم "انثى بيضاء
عزباء" حيث من المفترض ان الشخصية المحورية تناضل لكى تحصل على حقها فى
السكن، لكن الشقة التى تسكن فيها تخص شخصا واسع الثراء ، ان الشقة تقع فى
بناية من بنايات مانهاتن العقارية، وهنا نلاحظ ان الفيلم لم يكلف نفسه عناء
المصداقية ، فالمكان لا يتوافق مع موضوع الفيلم.
لقد ذكرت فى بداية هذه الدراسة الفرق بين الاطار السياسى والمحتوى
السياسى ، وتحدثت عن الافلام التى ارادت ان تتصدى باشكال شتى لما انكرته
كثير من افلام الايديولوجيا، وهذا الامر يوضح بعضا من القضايا التى
ناقشناها فيما يتعلق بالبنيوية، مركزين على العديد من الافلام التى تم
انتاجها تحت مسمى السينما الثالثة، تلك التى جاءت من امريكا اللاتينية
وآسيا وافريقيا فى الستينات والسبعينات وبعد ذلك، وكان ذلك لاننا نحتاج ان
نجد اطارا يكون قادرا على احتواء ما هو سياسى .
واستشهادا بناقد مثل بول ويليام الذى اشار فى (كتاب السينما) ، هذه لم
تكن اول سينما مضادة تظهر كتحد واضح للسينما السائدة، انها كانت اطارا
لافلام تلتزم ببرنامج سياسى وجمالى، ان انصار السينما الثالثة، كانوا
يُعادون فقط السينمات السائدة اسلوبيا وايديولوجيا، لكنهم لم يوضحوا
الاساليب التى يرفضونها، ويمكن أن نجد امثلة على ذلك فى فيلمى "ذكريات
التخلف" و "العشاء الأخير" للمخرج جوتيريز اليا من كوبا، وفيلمى "فتاه
سوداء" و"زالا" (أو الحوالة) لعثمان سمبين من السنغال، وفيلمى "العصفور" و"اسكندرية
ليه ؟ " ليوسف شاهين من مصر .
ان السياسة فى هذه الافلام لم تكن محض هامش بل كانت سياقا، وان مُنظرأ
مثل جيليس ديليوز استشهد بكافكا للتعريف ببعض المصاعب التى تواجه صانعى
الافلام الموصوفين كأقلية، فكافكا فى يومياته يقرر ان الادب فى الاقلية
البلدان الصغيرة) يواجه الادب للاغلبية (البلدان الكبيرة) وان ما هو ذاتى
يمكن النظر اليه على انه سياسى ، وبناءا عليه ، فان الرجل البرجوازى فى
البلدان الكبيرة يمكن ان تكون له ازمة ويشعر بها بمفرده ، ولكن هذه الازمة
فى السينما الثالثة يمكن ان يكون لها بعدا قوميا.
هذه هى الحالة مع الشخصية المحورية العاجزة جنسيا فى فيلم زالا، ذلك
ان ابتعاد الرجل عن ميراثه الثقافى وتعاطيه مع السياسة الغربية قد يكون هو
المسؤول عن عجزه الجنسى، بينما سخط بطل فيلم ذكريات التخلف يرتبط بالثورة
الكوبية كنوع من السخط البرجوازى الذى بقى فى كوبا بعد استيلاء كاسترو على
السلطة، على الرغم من ان عائلته قد غادرت الى الولايات المتحدة الامريكية ،
هذه قد تكون امثلة لما طرحته فى بداية هذه الدراسة، ذلك ان صناع افلام
معينون يريدون ان يربطوا بين ما هو سياسى وما هو ذاتى.
ان هذا لم يصدق فقط على البلدان الصغيرة، لكن العديد من صانعى الافلام
الغربيين فى الستينيات والسبعينيات أرادوا ايضا ان يصنعوا افلاما ذات وعى
سياسى، وقد يندرج ذلك تحت مقولة "ليس مهما أن تعمل أفلاما سياسية ولكن ان
تعمل افلاما بطريقة سياسية".
ان فيلم "العدد اثنان" لجودار قد يكون المثال الاول، فهو يأخذ عائلة
فرنسية تقليدية ويعرض اضطرابها كنتيجة للرأسمالية، وهو طوال الوقت يعرض طرق
صنع الفيلم، وكذلك فان الناقد كولين ماك كابى فى كتابه (جودار) يقول (
باستخدام ممثلين غير محترفين وتقنية الفيديو عمل جودار فيلما منزليا
وبمقدار ما كان مختلفا تماما عن افلام النجوم وعصى على التصنيف بمقدار ما
كان سهلا على الانجاز).
ان جودار لا يوفر فقط تحليلا لاضطراب عائلة لينتقد الرأسمالية، لكنه
ايضا يناقش باصرار طرق صنع الفيلم. لقد قدم ذلك بتقنية الفيديو وليس بتقنية
السينما وكان مصرا على الاحاطة بهذه الطريقة لصنع الافلام ، ونراه فى احد
المشاهد مُلقى على الطاولة فى غرفة المونتاج بينما الفيلم الذى يصنعه
معروضا على شاشة تيفزيون صغيرة فى ركن الكادر.
ان ما ناقشته هنا هو الطريقة التى تتصدى فيه الافلام او تتنكر فيه لما
هو ايديولوجى ، الدرجة التى تكون فيها الايديولوجيا شيئا ذاتيا او ردا
جماعيا ، وكلاهما فى اطار دلالات الصور والشخصيات ضمن السرد ، وماهية الوعى
الذاتى لصانعى الافلام الذين يريدون ان يكونوا فى علاقة مع الشكل والمضمون
.
المصدر :
http://tonymckibbin.com/course-notes/film-ideology-and-political-theory
ملحوظة:
تم الحصول على ترخيص من المؤلف للسيد ممدوح شلبى للترجمة الى العربية
والنشر
عين على السينما في
19/02/2013
شيرلوك هولمز.. لا يزال حيا ويرفع
الدعاوى
ورثة المؤلف آرثر دويل يريدون وضع حد لما يرونه
استيلاء على الإرث والاتجار به
لندن: محمد رُضا
في السنوات الخمس الأخيرة عاد شيرلوك هولمز إلى الحياة بنشاط ملحوظ.
استفادت شركات الإنتاج؛ سينمائية وتلفزيونية، من حالة جوع لمشاهدين منتمين
إلى فئات متعددة، لمعرفة جديدة لشخصية مغوارة في علم حل القضايا والألغاز
البوليسية. لكن هناك مشكلة: ورثة المؤلف آرثر كونان دويل يريدون وضع حد لما
يرونه استيلاء على الإرث والاتجار به، وهم أيضا يريدون جزءا من الحلوى.
يمكن إرجاع إعادة الروح إلى أعمال الكاتب البريطاني الكبير، مبتدع
شخصية «شيرلوك هولمز» المختلفة عن شخصية أي محقق خاص أو عام آخر، إلى قيام
«وورنر» بالموافقة على تمويل مشروع تقدم به المنتجان جوول سيلفر وليونيل
ويغرام لتقديم «شيرلوك هولمز» في شكل جديد. وفي عام 2009 انتهى العمل على
هذا الشكل الجديد، فإذا به عبارة عن فيلم بعنوان «شيرلوك هولمز» بتشخيص من
روبرت داوني جونيور ويساعده (كالعادة) «دكتور واتسون» الذي يؤديه جود لو.
لكن «هولمز» الجديد لم يكن هو ذاته المعتاد في معظم ما تم إنجازه من أفلام
حول هذه الشخصية واقتباسا من الروايات العديدة التي نشرت حولها (نحو 182
فيلما من السنوات الصامتة وما بعد). هنا، ولجذب الجمهور الشاب لشخصية
كلاسيكية القوام في حكايات تقليدية المضمون، تم تحديث عناصر عديدة. صحيح أن
الفترة الزمنية بقيت في فترتها اللاحقة لبداية القرن العشرين، كذلك معظم ما
يرتديه الممثلون من ملابس وقبعات، إلا أن المتغير هو خفة المعالجة للحكايات
وميل الفيلم لتقديم شخصيات معاصرة كما لو كانت نابعة من الزمن الحالي
وعادت، بعربة زمنية، إلى ذلك القرن. بعض ما هو موحى به علاقة جنسية بين
الرجلين. وبعض ما هو واضح افتعاله تصوير هولمز فنان قتال يجيد حتى فنون
الدفاع عن النفس حسب النينجا والكونغ فو.
ما بين هذا الفيلم والجزء الثاني الذي أنتجته الشركة بعنوان «شيرلوك
هولمز: لعبة الظلال» (وكلاهما من إخراج غاي ريتشي) قامت راتشل غولدنبيرغ،
سنة 2010 بإنجاز فيلم يحمل الاسم الشهير توجه إلى سوق الفيديو مباشرة، كذلك
فعل فيلم من إخراج جورج أنطون بعد عام واحد. وكان فيلم ديجيتال من ألعاب
الفيديو ظهر سنة 2009 بعنوان «شيرلوك هولمز ضد جاك السفاح». سنة 2010 أنجزت
شركة أميركية صغيرة (ومن توزيع «وورنر» أيضا) فيلم أنيماشن من نحو ساعة لعب
فيه الممثل المخضرم مايكل يورك شخصية «هولمز» وضم، فيما ضم، مالكولم
ماكدووَل وجون ريز - ديفيز (في دور د. واتسون).
وفي مطلع سنة 2011 دخلت السينما الهنغارية على الخط بإنتاج فيلم
بعنوان «باسم شيرلوك هولمز»، كما تم تحقيق سلسلة تلفزيونية بريطانية تم
بثها بنجاح فائق. والعام الماضي، لم يشهد فتورا؛ بل واكبت النجاحات ما تم
تقديمه تلفزيونيا في حين أن الاستعداد جار لجزء جديد من «شيرلوك هولمز» حسب
روبرت داوني جونيور (زوجته سوزان انضمت إلى فريق الإنتاج من البداية).
هذا كله لم يعجب ورثة هولمز بالطبع؛ إذ يرون أنفسهم خارجي سياق الحقوق
التي يؤكدون أنها ما زالت سارية. ويوم الخميس الرابع عشر من فبراير (شباط)
الحالي أقدم هؤلاء على رفع دعوى يطالبون فيها بالتوقف عن الاعتداء على تركة
آرثر كونان دويل.
والدعوى الأولى اختبار، وإذا ما قضت المحكمة لها، فإنها ستكون فوزا
وبداية دعاوى منتظرة. الجانب المدعى عليه هو المؤلف لسلي كلينجر الذي كان
قام قبل عامين بوضع كتاب (نشره عبر دار «راندوم هاوس» الشهيرة) بعنوان
«دراسة في شيرلوك هولمز»، احتوى على مزيج من المؤلفات الأصلية والأخرى
المكتوبة حديثا على نسق القديم منها. والمؤلف ينوي نشر مرادف جديد بعنوان
«بصحبة شيرلوك هولمز» يقوم على المعالجة الحديثة - القديمة ذاتها.
شركة «راندوم هاوس» وهي من كبرى دور النشر العالمية تسلمت إنذارا
قانونيا من ورثة المؤلف بخصوص الكتاب الأول واستطاعت تسوية الموضوع خارج
المحكمة. لكن رسائل التهديد باللجوء إلى القضاء متبادلة اليوم بعدما دخل
فيها محامي كلينجر مدعيا أن حقوق الملكية سقطت بفعل مرور الفترة الزمنية
القانونية على استحواذها.
والحقيقة أن دويل نشر معظم رواياته في ما بين 1887 و1927، مما يعني أن
قانون القدم مطبق عليها، فكل ما سبق عام 1923 بات ملكية عامة. لكن هناك
قسما كبيرا من المؤلفات ظهرت في ما بين سنة 1921 و1927 مما يجعل أصحاب
الدعوى متشبثين بحقوقهم الملكية.
بناء على ما ستقضي به المداولات الحالية وما ستحكم به المحكمة
الأميركية، ستحدد «وورنر» موقفها من الجزء الثالث. وهي ليست وحدها المعنية؛
بل كذلك محطتا «بي بي سي» البريطانية و«CBS»
الأميركية. وقد تتجه هذه الشركات الثلاث إلى المصدر وتبرم اتفاقاتها مباشرة
إذا ما وجدت أن في ذلك حائلا يجنبها الدخول في متاهات القضاء.
الشرق الأوسط في
19/02/2013
هل غيّرت الثورات العربية من علاقتنا مع القرصنة
?
صلاح سرميني ـ باريس
تقدم لنا شبكات التواصل الاجتماعية أخباراً متلاحقة عن مبادرات عرض
أفلام عربية، وأجنبية، قديمة، أو حديثة في إطار جمعيات هواة، ومحترفين،
نوادي سينما، مهرجانات،.. بدون الحصول على موافقة من أصحاب الحقوق (مخرجين،
ومنتجين)، ويتضح بأنّ المُتحمّسين لها مبتهجين، وكأنها إنجازاتٍ عظيمة،
وربما يعرفون بأنها ممارساتٍ غير قانونية، ومع ذلك يختبئون خلف ذريعة أبدية
:
ـ لا يوجد لدينا غير هذه الطريقة لمشاهدة الأفلام..
وفي جلساتهم، الحقيقية، أو الفيسبوكية يستهجنون كلّ التحذيرات التي
تصلهم، ويعتبرونها نوعاً من التطاول على حرياتهم في استخدام الأعمال
السينمائية كما يرغبون (حرية القرصنة، وانتهاك حقوق المؤلف).
في العادة، نقاد السينما هم الذين يقدمون على هذه المبادرات بوعيٍّ،
أو بدونه، بحسن نية، أو خبث، وهم ينسون بأنهم تعرضوا يوماً لنشر مقالاتهم
في وسائل إعلامية بدون إذنهم مع الفارق الكبير في الجهد، والتكلفة ما بين
فيلم، ومقال.
لم تكن الأوضاع الجديدة في مصر (أو أيّ بلد ربيعيّ آخر) مُحفزاً
مباشراً لظهور هذا النوع من المبادرات التنشيطية السينمائية، حيث لم يمنع
أحد من تواجدها سابقاً غير الكسل، التكاسل، والتراخي، وأسباباً أخرى منها
شماعة الأنظمة الحاكمة.
قبل الثورات العربية، وبعدها، وحتى بدونها، يحق لكلّ من يعمل في
المشهد الثقافي السينمائي العربي بأن يتساءل:
ـ هل يعمد هؤلاء المنشطون السينمائيون إلى عرض الأفلام بموافقة
مؤلفيها، أم حالما يحصل أحدهم على نسخةٍ من فيلم ما، يعتقد بأنه أصبح ملكاً
له، ومن حقه عرضه في أيّ مكان، وزمان يشاء منتهكاً بحريةٍ صبيانية أبسط
المعايير الخاصة باحترام حقوق المؤلف.
من المفيد التذكير، والتأكيد أيضاً، بأنّ عرض أيّ فيلم ما خارج إطار
المشاهدة الشخصية، وبدون الحصول على موافقة مسبقة من المخرج، أو المنتج، هو
انتهاك صريح للحقوق المادية، والمعنوية.
الثورة في أبسط معانيها تعني التخلص من كلّ جوانب الفساد في المجتمع،
وعندما تنطلق خطوات الإصلاح، والتغيير انطلاقة خاطئة، فهي سوف تكرس
الأخطاء، وتبررها، وتمنحها الشرعية، وتحولها إلى أمر واقع، وسوف يتواصل
إنتاج، واستهلاك نفس الممارسات التي جاءت الثورة للتخلص منها.
بعد عودته من مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية، والقصيرة، التقيت
بالمخرج الفرنسي من أصل مصري "نمير عبد المسيح"، وكان يتذكر مع الكثير من
الدهشة وقائع برمجة فيلمه التسجيلي "العذراء، والأقباط، وأنا" في الجامعة
الأمريكية بالقاهرة بدون موافقته، وعندما أعلن عن اعتراضه، قال له أحد
المسئولين في الإدارة :
ـ الله، انتَ المفترض تكون فرحان عشان ح نعرض فيلمك فى الجامعة،....
وقتذاك كتب بياناً، ونشره في الصحافة، وتفادياً للفضيحة استجابت إدارة
الجامعة الأمريكية، ولم تعرض الفيلم.
من خلال مناقشات فيسبوكية، تبين لي بأن الكثير من المحترفين يستهترون
تماماً بهذا الحقّ الأدبي، والمعنوي، ويؤكد البعض منهم بأن الموضوع لم
يُحسم بعد في العالم.
إذا كان المحترفون يفكرون بهذه الطريقة، فلن نستغرب تفكير المواطن
العادي الذي لا يمتلك أي خلفية أخلاقية، وقانونية عن هذا الموضوع.
عندما تكون العقول ثورية بطبيعتها لن تحتاج مجتمعاتنا إلى أيّ ثورة
على الأنظمة، وكل الثورات الحالية سوف تضيع هباءً طالما تحكمها نفس
العقليات.
لا يكفي إسقاط رأس النظام، وأعمدته، كي ندّعي بأننا قمنا بثورة، بل
يتوّجب التفكير أولاً بتغيير أفكارنا، وتطويرها، وبدون ذلك لن تحقق الثورات
الحالية، أو المستقبلية أهدافها، ولن يتغير أيّ شيءٍ في المجتمع طالما أننا
في أعماقنا لا نريد أن نتغير، وسوف نحتمي خلف الحجج، والذرائع لتبرير
ممارسات تتناسب مع مصالحنا الانتهازية، وأكثر من ذلك، سوف نمنحها شرعية
ثورات لا ترتكز على الأفكار، ولكن على مشاعر الغضب.
قبل الثورات العربية، وفي معظم محاولات التصدي لممارسات السرقات في
الثقافة السينمائية، والقرصنة، وانتهاك حقوق المؤلف، كنت أسمع البعض يكتب،
أو يقول:
ـ وإنتَ مالك ؟
ولكن، بعد الثورات، من المُستغرب بأنني مازلت أسمع، وأقرأ نفس
الاستنكار من طرف نشطاء ثوريين.
وهنا من حقنا أن نتساءل:
ـ لماذا نتحمّس للثورة في بلداننا، وبالآن ذاته ندافع عن القرصنة.
عندما تتحدث عن هذا الموضوع مع مواطن أجنبيّ، يؤكد فوراً بأنه عمل لا
أخلاقيّ، وغير شرعي، ويفسد الاقتصاد،...
ولكن، من الغريب، والطريف حقاً، بأننا عندما نتحدث مع عربيّ، يقدم
طناً من الحجج، والأعذار، والذرائع، ويؤكد بأن القرصنة لم يُحسم أمرها بعد
في العالم.
فقط، كي يُبعد عن نفسه الإحساس بإرتكاب عملاً خاطئاً، ويشعر بالعظمة
لأنه يتحايل على القوانين.
بدل أن يقول ـ على سبيل المثال ـ
:
ـ نعم، القرصنة غير شرعية، وضارة في كلّ جوانبها الاقتصادية،
والأخلاقية، والاجتماعية،.....ولكن، لم يُحسم أمرها بعد في العالم....
ببساطة، المواطن الأوروبي لا يحتاج إلى القرصنة، وإذا وُجدت، فهي
حالات فردية للاستخدام الشخصيّ، ولكن، لن تجد أحداً ما يعرض هذه الأفلام في
أماكن عامة .
البعض من السينمائيين العرب العاملين في المجال الإنتاجي، والمستقلّ
أيضاً، وبدل الوقوف إلى جانب أصحاب الحقوق، يواجهون من يتصدى انتهاك
حقوقهم، وكأنهم مخلوقات نزلت من كواكب أخرى، ويطرحون أسئلة من نوع
:
ـ هل توجه هذا الطرح للسينمائيين في مصر فقط ؟
ـ هل هذا بغرض عمل تحقيق صحفي، أم لأيّ غرض آخر ؟
ـ هل تمثل شركة إنتاج، أو توزيع تعرضت لاستخدام أفلامها بدون إذن ؟
ـ لماذا أنت مهتم فقط بالأفلام الأجنبية التي تملكها شركات كبيرة ؟
الموضوع أبسط من عدم فهمه، ويهدف إلى لفت الأنظار نحو مبادرات تحدث
حالياً في مصر، وهل من الضروري بأن أمثل شركة أجنبية عُرضت لها أفلاماً
بطريقة غير قانونية في مصر كي أتحدث عن موضوع القرصنة، والعروض الغير
قانونية ؟
إنه موضوع للنقاش كي لا تصبح هذه الممارسات شرعية تحت حجة الظروف، وأي
حجة كانت، وهذه القراءة، هي دفاع عن فكرةٍ من المفترض بأن نجتمع كلنا حولها.
من المؤسف حقاً بأنه بدل الانضمام إلى مبادرات تدافع عن حقوق المؤلف
تكون الأجوبة من نوع:
ـ مسألة القرصنة غير محسومة في العالم كله،
.....
هذه القضية محسومة تماماً في أوروبا، وأدعو من يأتي إلى فرنسا، بأن
يكون بطلاً، ويظهر لموظفي الجمارك في المطار كمية من
أقراص مقرصنة، أو يحاول من جهاز كمبيوتر نسخ فيلماً لا يحق له
نسخه، أو يجرب من خلال جمعية ما أن يعرض فيلماً بدون موافقة أصحاب الحقوق،
المنتج، والمؤلف .
وحول هذا الأمر كتب لي أحد النشطاء في الثقافة السينمائية :
ـ أغلبنا ضدّ فكرة احتكار الفنّ أصلاُ، وندعم فكرة الرخص المفتوحة
بديلاً عن حقوق الملكية الفكرية، من وجهة نظري البسيطة، من المفروض بأن
نستهلك الفن بدون مقابل، نحن في معظم الحالات نعمل في مراكز ثقافية صغيرة
جداً، ولا يكفي التمويل الذي نحصل عليه، ونحاول بقدر الإمكان التواصل مع
أصحاب الأفلام المعروضة، ومعظم هؤلاء يرحبون بعرض أفلامهم بدون مقابل،
ولكني لن أحترم مخرجاً، أو منتجاً يطلب 2000 أو 3000 مقابل عرض فيلمه تحت
مسمى هذا حقي، أو ملكي، أنا ضد الاحتكار من أي نوع، يجب أن يكون الفن
للجميع.
تُوضح الإجابة السابقة، بأن كاتبها ـ ومع احترامي لنشاطه ـ لا يعرف
معنى النتاج الثقافي، ولا حقوق المؤلف المادية، والمعنوية، ولا حتى مفهوم
فكرة الاحتكار،
...
وعلى الرغم من صعوبة تشذيب أفكاره، وقناعاته، وتصحيحها من خلال قراءة
بسيطة، أجد بأن الإشكالية التمويلية التي أشار إليها قابلة للحل، حيث يكفي
بأن نُشمر عن سواعدنا، ونستلهم آليات عمل مؤسسات أجنبية، وحتى نسخها
تماماً، وإحدى هذه الحلول، بأن تتأسّس مؤسسة حكومية، أو مدنية، تهتم بتكوين
أرشيف فيلمي ـ كحال السينماتيك ـ من أجل عرضها لأهداف ثقافية، وعادةً يمكن
الحصول على الأفلام مجاناً أو بحقوق مادية رمزية مناسبة لكل الميزانيات،
وتقوم هذه المؤسّسة بتزويد المراكز الثقافية، والنوادي، والجمعيات،
والمهرجانات بما تحتاجه من أفلام.
الحلول متوفرة إذا كانت هناك رغبة في التخلص من فكرة القرصنة،
والمجانية، والفهم بأن الفيلم منتج ثقافي تعود ملكيته المادية، والمعنوية
لأصحابه، وهم المنتج، أو المخرج/المنتج.
وحتى لو افترضنا بأن المنتج ينجز الفيلم بدون ميزانية (وهذا مستحيل)، فمن
حقه بأن يحصل على الحقوق التي يرغبها، ولكننا نعرف بأن الأفلام غالية
التكلفة، والحقوق الثقافية، وغيرها واحدة من مصادر تمويلها، ودخلها.
هامش
:
هذه بعض المعلومات المفيدة للقارئ الذي يعتقد بأن هذه الأمور غير
محسومة في العالم، وهي مأخوذة من دليل بعنوان (تحت الضوء 2010، مستجدات سوق
السينما العالمية)، ويعود تاريخ رصدها إلى عام 2009، وهذا يعني، بأنه منذ
ذلك التاريخ وحتى اليوم فقد تمّ حسم معظم التفاصيل العالقة.
ـ القرصنة التجارية غير موجودة في فرنسا، وتقتصر على القرصنة الفردية،
أكان ذلك رغبة في تحدي القوانين، ونشر الفيلم على الأنترنت، أو بغرض
الاستخدامات الشخصية، وقد دخل المرسوم
HADOPI2
قيد التنفيذ في أكتوبر 2009 متوقعاً توقيف خدمة الأنترنت للتنزيل
الغير قانوني بقرارٍ من محكمة.
وبالمقابل، تمّ في السياق نفسه تخفيض منافذ الإصدار التي تُشرف عليها
الحكومة، والصناعة في فرنسا كي تجلب في عام 2009 خدمة الفيديو حسب الطلب مع
أقراص د ف د (بعد مضيّ 4 شهور على إصدار الفيلم في الصالات) إلى جانب تخفيض
هذه النوافذ للتلفزيون المدفوع (12 شهراً)، وللبث المجاني (22 شهراً). ـ
صفحة 19 ـ
ـ عمد الإتحاد السمعي/البصري الإيطالي لمكافحة القرصنة التي تشير
التقديرات إلى أنها تسببت بضررٍ وصل إلى 530 مليون يورو في عام 2009 إلى
رفع دعوى ضخمة مطلع العام 2010 يقاضي فيها شركة "تيلكوم إيطاليا" بسبب
الأضرار الناجمة عن فشلها في ردع عملائها عن التنزيل الغير قانوني . ـ صفحة
23 ـ
ـ تمّ تقديم مشروع قانون جديد لمكافحة القرصنة إلى البرلمان القومي
يسمح للمحكمة الفيدرالية في إسبانيا إلى إغلاق، أو حجب مواقع إلكترونية
تسرب محتوى سينمائي، وموسيقي، أو تسمح بتنزيله دون ترخيص، وسيتم بموجب هذا
القانون توجيه الشكاوي من خلال هيئة لحماية الملكية الفكرية ليتمّ تسويتها
في وزارة الثقافة. ـ صفحة 25ـ
ـ تدرس تركيا حالياً إجراء تعديل على تشريعاتها المتعلقة بمكافحة
القرصنة، والمستندة إلى النموذج الفرنسي الذي يقضي بجعل مزوّدي خدمة
الأنترنت يراقبون التنزيلات غير القانونية للأفلام، والموسيقى، وفصل
الاتصال بالأنترنت لمنتهكي هذا التشريع لمدة تتراوح بين شهرين إلى أثني عشر
شهراً . ـ صفحة 37ـ
ـ مع تأثر سوق 2009 سلباً بسبب أنفلونزا الخنازير، وأعمال القرصنة،
ويدعم هذا الافتراض التقرير الصادر عن غرفة التجارة، والصناعة الهندية في
العام 2009 والذي يفيد بتناقص العوائد الإجمالية للمحتوى الترفيهي المصور
بنسبة 19% من 109 مليار روبية(2.4 مليار دولار أمريكي) في عام 2008 إلى
89 مليار روبية (2 مليار دولار أمريكي) ـ صفحة 54 ـ
"سينما
الخوف والقلق"
كتاب جديد للناقد أمير العمري
الوثائقية - خاص
صدر مؤخرا كتاب "سينما الخوف والقلق" للناقد أمير العمري، ضمن سلسلة
"آفاق السينما" التي يرأس تحريرها الناقد د. وليد سيف، ويدير تحريرها
الكاتب عماد مطاوع، وتصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر.
يضم الكتاب مجموعة من المقالات والدراسات النقدية التي تتناول
بالتحليل عددا من الأفلام التي ترتبط بظواهر محددة، يجمعها كلها في بوتقة
واحدة أنها تتناول قضايا سياسية وإنسانية معاصرة تدور على خلفية الصراعات
والتناقضات والحروب وقمع الإنسان للإنسان ومحاولة التواصل، والبحث عن مخرج
من حالة الكآبة العامة التي تغشى العالم.
لم يشأ المؤلف- كا يقول في مقدمة الكتاب- أن يطلق عليها "أفلاما
سياسية" رغم طغيان السياسة على موضوعاتها بحيث لا يمكن تجاهلها، وتسيطر
الأحداث الجارية على معظمها بما يجعل أي مشاهد متأمل لها، يضطر اضطرارا
للعودة إلى فحص الخلفيات السياسية التي تعتمد عليها.
ويضيف العمري أن ما يجمع بين هذه الأفلام كلها، كونها تتناول قضايا
لها علاقة بالحاضر والماضي، بالنظر إلى الماضي من أجل سبر أغوار الحاضر، أو
بالتفتيش في الحاضر بحثا عن آفاق المستقبل. لكن هذا التطلع والتفتيش
يشوبهما خوف وقلق وتوتر، وكلما اكتشف السينمائي جانبا مما يبحث عنه، ازداد
شعوره بالخوف والفزع.
يضم الكتاب دراسات نقدية حول ستة من الأفلام الإيرانية التي لا تبتعد
عن السياسة رغم أنها تتنوع في أساليبها واتجاهات مخرجيها الفنية بدرجة
ملموسة.
كما يضم ستة من الأفلام الإسرائيلية التي لا يمكن أيضا عزلها عن
المحيط السياسي. وتتراوح الأفلام الأجنبية التي يضمها الكتاب، من الفيلم
السياسي المباشر مثل "جارهيد" و"روقب" و"معركة حديثة" و"حديقة العقاب"،
والفيلم الذي يقدم السياسة من خلال رؤية رومانسية مثل "البستاني المخلص"،
إلى أفلام الحرب في العراق، وبين أفلام تتناول صناعة "الإرهاب" مثل "مدينة
كافيتي" الفليبيني، إلى أفلام تنبذ العنف كلية وتدينه مثل "ويندي العزيزة".
لكن القاسم المشترك الأعظم بين هذه الأفلام يظل متمثلا في الخوف
والقلق والتوتر والرغبة في تسجيل "رؤية" تكشف وتوضح، أكثر مما تعكس موقفا
صارخا، يندد ويدين ويشجب.
يقول العمري: "هناك دون شك خوف كبير يسيطر على الإنسان في عالمنا،
لكنه ليس ذلك الخوف الوجودي الذي كان يسيطر على الإنسان في الخمسينيات، ولا
هو الذعر النووي الذي كان يسيطر على العالم في الستينيات، لكنه خوف من نوع
جديد، مصحوب بالقلق والتوتر والإحباط، بعد أن أصبح العالم يسير دون رقيب من
تلك القناعات الإنسانية التي كانت قد ترسخت بعد قرون من الصراعات الرهيبة
التي دفعت الإنسانية ثمنا باهظا لها".
ويضيف: لقد اهتزت هذه القناعات بشدة، وتلاشت فكرة الهدف الإنساني
للسياسة. وبعد أن كنا نتصور أن الإنسان قد بلغ "سن الرشد" وأصبح عاقلا،
يرتضي بأحكام ما اصطلح على تسميته بـ"القانون الدولي" و"العدالة الدولية"،
إذا بنا نجده وقد أًصبح مرة أخرى، يعيش كابوسا لا يبدو أن له نهاية قريبة.
هذا الكابوس يبدو وقد وسمه القهر والاستغلال والسيطرة وتبرير ممارسات
الماضي لضمان السيطرة بقبضة من الحديد على الحاضر.
ولعل مجموعة الأفلام التي يتناولها الكتاب تعكس كيف يرغب السينمائي
مجددا في أن يصبح شاهدا على عصره، وأن يتعامل مع التاريخ من منظور اليوم،
وأن يلقي بإسقاطاته الشخصية والخاصة عليه ويعيد قراءته بعيون جديدة.
"فلسطين"
وقع خاص!
ندى الأزهري- باريس
مثلي كمثل كثيرين، لاسم "فلسطين" وقع خاص. في فرنسا كذلك، "فلسطين"
عنوان يثير اهتمام ولهفة عديد من الفرنسيين، ويكفي احيانا لجذب جمهور يدير
وجهه في العادة عن السينما عامة وعن سينما الأطراف خاصة. حين توجهت إلى
معهد العالم العربي في باريس لحضور فيلم وثائقي عن فلسطين وصلت كالعادة
وأنا متأكدة من وجود أماكن مناسبة، فالقاعة المخصصة للعروض السينمائية
واسعة وثمة مكان ملائم دائما. لكن المفاجأة كانت عند الوصول في امتلاء
الأمكنة. فبدأ البحث والسؤال في "دهاليز" الأمكنة عن مكان "خال" قد يكون
حجز لمن لم يأت بعد وربما لمن لن يأتي أبدا، وهي عادة (اي الحجز) اعترف
بأنها تثير الغيظ... انتهى بي الأمر بايجاد مكان وانتهى بآخرين بحضور
الفيلم وقوفا أو جلوسا على الأرض.
المفاجأة الثانية كانت في الإعلان عن عدم حضور المخرج شخصيا للنقاش مع
الجمهور بعد الفيلم. بالطبع، فكيف له أن يحضر وهو "نزيل" سجن عراقي؟ بدأت
الأمور تتضح عند تقديم الفيلم، فنادر دندون مخرج" فلسطين" وهو فرنسي من أصل
جزائري، ذهب إلى العراق منذ أكثر من أسبوعين بتأشيرة صحفية كصحفي مكلف من
جريدة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، لكنه احتجز هناك واتهم بتصوير اماكن
حساسة، كمركز الاستخبارات وحواجز للأمن والجيش... ولكن بما ان فيلمه كان
مبرمجا في معهد العالم العربي منذ اشهر، فقد حافظوا على العرض وأجريت
الندوة بوجود مشاركين في الفيلم وأصدقاء له شكلوا لجنة للتضامن معه و
يقومون بحملة للتعريف بقضيته ولإطلاق سراحه.
نادر دندون صحفي و ناشط ملتزم و كان توجه عام 2003 للعراق كدرع بشري
لمنع الحرب التي كانت تحضر آنذاك، كما أنه كتب كتابا عنونه "رسالة مفتوحة
من ابن مهاجر" رد فيه على سياسات الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.
لم يكن لفيلم "فلسطين" أن يكون فيلما، فثمة جمعية في فرنسا تقوم
بتنظيم رحلات للتعريف بالقضية الفلسطينية وتصحب المهتمين في جولة على
الأراضي المحتلة و إسرائيل وتجري بوجودهم لقاءات مع سياسيين من الطرفين،
لاسيما مع إسرائيليين متضامنين مع الشعب الفلسطيني. في إحدى هذه الرحلات،
كما شرح أحد المنظمين والمشاركين في الندوة، اقترحت إحداهن دعوة " روث" وهي
صديقة لها فرنسية يهودية هاجرت إلى إسرائيل، لمرافقتهم في الرحلة المغامرة.
لم تكن "روث" تكن قد نالت بعد الجنسية الإسرائيلية، أمر يسمح لها ما هو
ممنوع على الإسرائيليين أي التجول بحرية وإمكانية زيارة الأراضي
الفلسطينية. من هنا جاءت فكرة الفيلم، فوجود " طرف آخر" سيغير مسيرة الرحلة
وسيسمح بالتعرف على وجهة النظر الأخرى اي الإسرائيلية بما تشاهده وتتعرف
عليه وجها لوجه للمرة الأولى.
الفكرة مثيرة حقا. فكيف يرى إسرائيلي نتائج ما ارتكبته إن لم تكن يداه
فسياسات بلده؟ قد تكون الإجابة واضحة لعربي لكن ليس لغربي.
إذا انطلق الفيلم من هذه الفكرة، وزارت المجموعة الفرنسية، وقسم لا
بأس به منها من أصول مغاربية، غزة والضفة الغربية والقدس والبحر الميت
برفقة "روث". وكانت رحلة "قاسية" لها فهي وحدها ليس فقط في مجابهة الواقع
الفج للفلسطينيين ولكن ايضا في مواجهة اسئلة المجموعة. وعلى ايقاع
اللقاءات مع مسؤولين من حماس ومن دعاة سلام إسرائيليين، ومواجهة أفراد
المجموعة أنفسهم للإجراءات الإسرائيلية في المطار وعلى الحواجز، وحوارهم
مع الفلسطينيين ورؤيتهم بأم العين معاناتهم، تعرفت المجموعة على اليومي
المعاش من قبل الفلسطيينين، من وقوف على الحواجز ومن تهميش وعزل يفرضه
الجدار والأسلاك الشائكة وأيضا أماكن في بلدهم ممنوعة عليهم... بيوتهم
مثلا! كهذه الفلسطينية في الخليل التي كانت تعتصم يوميا أمام بيتها الذي
طردت منه ليسكنه مستوطنون ، وعلى نحو أقل مأساوية هؤلاء الفلسطنيين الشباب
الذين ردوا على أعقابهم ومنعوا من السباحة في البحر الميت بسبب هويتهم
الفلسطينية... وعلى النقيض، شهدت المجموعة الرفاهية التي يعيش فيها
الإسرائيليون في تل ابيب وفي المستوطنات، والاهم من ذلك سلوكهم الذي لا
يعبأ بمعاناة الآخر وربما لا يعرفها أو بالأحرى لا يريد التعرف عليها.
واقع سمح لكل واحد بتشكيل مفهومه الخاص حول القضية وفرض "الانحياز" على
بعض أفراد المجموعة، فبدأت النقاشات(العقيمة؟) وخاصة ضد من تحلى بسوء نية
واضح في إدراك هذا الواقع العبثي أي " روث". فقد كان "لروث" نظرة
مغايرة...كان لافتا للانتباه و(متوقعا) محاولاتها الدائمة لتبرير ما يجري
وما يقوم به الجيش الإسرائيلي. وكان النقاش مع بعض لأفراد المجموعة يتحول
صراخا أحيانا لعدم قدرتها على رؤية ما يرون. لكنه نقاش سمح بسماع مختلف
وجهات النظر، وإن اقتصرت في الواقع على بعض أفراد المجموعة في مواجهة روث.
ربما كان على الفيلم أن يذهب أبعد، وأن يتيح نقاشا أعمق وأكثر شمولا وهو ما
افتقده المشاهد بعض الشيء، فصحيح أنه اعتمد على الصورة وهي أحيانا أكثر
تعبيرا من أي حوار إنما كانت هذه الصورة في بعض الأحيان غير كافية لمشاهد
لا يدرك تماما "متاهات" الوضع، لكنه بالتأكيد لن يخرج غير مباليا بما شهد.
الجزيرة الوثائقية في
19/02/2013 |