فيلم «المراقبة» هو كوميديا مع خيط من الخيال
العلمي، بالمعنى الواسع للكلمة، يقوم على فكرة وجود مخلوقات
فضائية حطّـت في الحي
الذي يعمل ويعيش فيه أبطال الفيلم الأربعة. وهو فيلم جديد تكلّـف شمالي
السبعين
مليون دولار ويبدو أن إنتاجه تم كما لو أن الشركة المنتجة (فوكس) تحوّلت،
ساعة
الموافقة على السيناريو الهزيل الذي كتبته عصبة من أربعة، إلى
جمعية خيرية يهمّها
أن يكسب صانعو الفيلم، وراء الكاميرا وأمامها، بضعة ملايين من الدولارات.
طبعاً
الوضع لم يكن كذلك، كان أخطر: هناك عقول لا تفهم في السينما تعمل فيها
وبعضها مزروع
في المكاتب التي تتّـخذ القرارات: ما الذي يتم إنتاجه وما لا يتم إنتاجه،
وهذا
الفيلم توسّم له البعض أن لا يفشل: أربع ممثلين، بينهم ثلاثة
نجوم، لكل منهم شغله
السابق في نطاق السينما الكوميدية هم بن ستيلر وجونا هيل وفينس فون… فلماذا
يجب أن
تعتقد فوكس، او سواها، أنه سيخسر.
لكن الفيلم خسر، وخسر بشدّة. ضاعت الملايين
السبعون وإذا ما كان هناك ذكي واحد في الاستديو الذي أضاء
النور الأخضر لهذا
المشروع، فإن عليه أن يدرك الخطأ الذي وقعت فيه الشركة حين أجازت سيناريو
يقوم على
فكرة محشوّة بالعبارات النابية والمواقف الأقل إثارة من متابعة شاشة
تلفزيونية
معطوبة.
لكن خسارة الفيلم، للأسف، قد يكون لها جانب آخر غير الفيلم ذاته
والأرجح
أنه سبب إضافي حتى وإن لم يكن أوّل. فقبل شهرين وقعت حادثة قتل أثارت الرأي
العام
الأميركي:
جورج زيمرمان كان يحمل بندقيّته عندما لاحظ فتى أسود (لاحقاً ما أعلن
أسمه) يتصرّف على نحو "مثير للشبهة". جورج زيمرمان قرر أن يلاحق الصبي
كونه، أي
جورج زيمرمان، مكلّف من أهل الحي في مدينة سانفورد في فلوريدا، بالمراقبة.
الوضع
الإقتصادي، على ما هو مؤكّـد، دفع البوليس لتقليص وجوده في بعض
المناطق، خصوصاً تلك
التي عليه أن يتواجد فيها أكثر من سواها، ما يثمر عن قيام أهل الحي بمراقبة
الحي.
وجورج كان، بدافع الغيرة على أهل حيّة، او
لأنه أبيض والصبي أسود، او لأي سبب آخر،
انطلق وراء الصبي ثم أطلق عليه النار. حين ألقى البوليس القبض
عليه قال
زيمرمان
أنه كان يدافع عن نفسه لأن ترايفون مارتن، الفتى الأسود، هاجمه.
قصّـته هذه مليئة
بالثقوب وهو الآن ينتظر انعقاد المحكمة من جديد ولو أن القرار لا يبدو
سيصدر قبل
العام المقبل وذلك لإجراء التحقيقات اللازمة.
علاقة تلك
الحادثة بالفيلم واضحة: أبطال هذا الفيلم الرديء (بالحادثة او بدونها) هم
أيضاً
أعضاء في مجموعة متطوّعة لحراسة الحي. بعض أبطال الفيلم ينخرطون في هذا
العمل
كوسيلة للهروب من
زوجاتهم والرابع (ستيلر) هو مدير متجر قريب لا يزال يجر قدميه
في
الحياة من دون هدف (تماماً كالفيلم). لكن ما يكتشفونه خلال ذلك أن الخطر
المحتمل
ليس آتياً من عصابات مسلّحة، بل من الفضاء، ذلك أنه- وبفعل الصدفة- يدرك
الرجال أن
الحي مُـداهم من قِـبل مخلوقات فضائية ما يستوجب الدفاع عنه فعلاً.
على الرغم
من أن العدو ليس بشراً، لكن الخط متشابه والعنوان السابق «مراقبة الجيرة»
كان
تأكيداً على ذلك التشابه. وما يؤكد وجود هذا التشابه هو الحذر الذي ساد
الشركة
المنتجة، ففي اليوم الثالث لوقوع الجريمة سارعت بسحب ملصقات ومقدّمات فيلم
بعنوان «مراقبة الجيرة»
Neighbourhood Watch
خشية أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الشعور بالعداء
لكل ما ينتمي إلى مثل هذا العنوان والوضع الذي يقترحه. هذا على الرغم من أن
الفيلم
يختلف في مضمونه عن مضمون الحادثة ذاتها. وأقدمت على تأخير
عرضه بضعة أسابيع
تجنّباً لإثارة المشاعر.
وهي سارعت أيضاً للتأكيد بأن الموضوع يختلف جذرياً عن
القضيّة الإجتماعية التي حدثت في سانفورد، فلوريدا، لكنها تشعر مع
المواطنين الذين
قد يعتبرون أن عرض هذا الفيلم في مثل هذه الظروف يتضمّـن قدراً
من اللا مسؤولية.
طبعاً الواقع أيضاً هو أنه إذا ما قرر الجمهور أن الفيلم سيذكّرهم
بالمشكلة
العنصرية القائمة تبعاً لذلك الحادث، فإنهم سيعرضون عن الفيلم مما سيعني
خسارة
تجارية أكيدة. الفيلم مقرر لعرض في الشهر السابع من العام، والغالب أن فوكس
لن
تسحبه من ذلك التاريخ (الا إذا تفاعلت الأزمة) بل ستخفف من
درجة الإعلان عنه في
الأيام القليلة المقبلة.
هذا النوع من
الرقابة الذاتية عرفته السينما من قبل.
حين أقدم الممثل (الراحل) فرانك سيناترا على اقتراح سحب فيلم «المرشّح
المنشوري» (1962)
من العرض مباشرة بعد اغتيال جون ف. كندي كونه يتحدّث عن محاولة اغتيال رئيس
الجمهورية الأميركي قنصاً.
وفي العام الماضي تقرر عدم عرض فيلم كلينت ايستوود «من الآن»، الذي يصوّر إعصاراً هائلاً يقع
في جنوب شرق آسياً، وذلك تضامناً مع
ضحايا الزلزال الكبير الذي ضرب اليابان حينها. لكن كلا هذين الفيلمين كان
جيّداً.
نقطة مبهرة كل في محيطه، على عكس هذا
الفيلم الذي كان يجب إعدامه من قَـبل أن ير
النور.
الجزيرة الوثائقية في
13/08/2012
"آخر
سيارة إسعاف في صوفيا"
قيس قاسم ـ السويد
لمدة عامين متواصليّن رصدت الكاميرات المثبتة على
سيارة إسعاف، أدق التفاصيل الفاصلة بين الحياة والموت في مدينة صوفيا
البلغارية،
وسجلت على مستوى آخر، تفاعلات العلاقة بين المهنة الصعبة وبين نظام اجتماعي
مريض،
أحوج الى علاج سريع، قبل انهياره أو حتى موته، والعنوان الذي
اختاره المخرج الشاب
ايليان متيف لفيلمه الوثائقي يشي الى حد بعيد بالآواصر المتفاعلة بين "آخر
سيارة
إسعاف في صوفيا" وفرصة النجاة الأخيرة لمجتمع انتقل من مرحلة اقتصادية
سياسية الى
أخرى دون تمهيد تاريخي، فضاع وسط الطريق وضاعت معه الكثير من القيّم وصار
الصبر على
تحمل تشوهات الإنتقال صعباً قد لايتحمله حتى من يشتغل في مهنة
إنسانية تشترط الصبر
والتَحمُل مكونات أساسية للعاملين فيها.
يكاد ينحصر الفيلم مكانياً داخل
السيارة، حيث يجلس طبيب الإسعاف كارسيمير يودانوف والى جواره
مساعدته ميلا
ميخائيلوفا والسائق بالمين سلافكوف، مركزين أنظارهم طيلة الوقت الى الأمام
يتبادلون
فيما بينهم حوارات قصيرة ومكثفة،
فيما وجوههم تحمل تعابير عميقة من مشاعر ممزوجة
بالحزن والقلق، وكأنهم وعلى الدوام قد ارتكبوا خطأً ما أو قصروا في
واجباتهم مع كل
إخلاصهم الشديد لمهنتهم، إلا في اللحظات التي كانوا ينقذون فيها حياة إنسان
ما
فعندها يتغيّر التعبير ذاك ويحل بدلاً عنه؛ الفرح، المعبر عنه
بنظرات العيون
البهيجة. تكسر الكاميرا في تركيزها على وجوههم، حيادية التعامل المهني،
فالكائنات
المنقذة تتفاعل مثل بقية البشر مع ما يحدث حولها، لكنهم يحاولون جاهدين
إخفاء
مشاعرهم أمام الآخرين خوفاً من نقل الخوف اليهم، وقد ينجحون في
ذلك، إلا أمام
الكاميرا فهي القادرة بإمتياز على خلع أقنعتهم المهنية القاسية بسهولة،
ولهذا السبب
يمكن وصف عمل متيف بالنفسي الإجتماعي، الباحث عن أرواح قلقة تشدها قوة
الواقع اليه
وتفصلها عنه رغبتهم الدفينة في التسامي فوق كل مصالح ومنافع مادية. انه عن
ملائكة
رحمة وسط خراب روحي ومادي. عن معذبين بآلام الآخرين وساعين نحو التخفيف
عنها.
لم
يصل الى هذا المستوى من التوصيف لسهولة توفير الكثير من النماذج "الجيدة"
لفيلم
يتعلق موضوعه بالمرضى والمسعفين، لقد أدرك صاحبه ذلك فتجنب الإفراط في زج
عينات
اجتماعية جاهزة ممكنة التحميل بمدلولات سياسية واجتماعية، وهذة
إحدى ميزاته المهمة.
لقد ركز على الشخصيات الثلاثة وعلى ما تنقله الكاميرا من مشاهد عامة، بخاصة
وانهم
في تنقل دائم، لقد نقلت اسعافهم صوفيا على الشاشة: شوارعها، أناسها،
والتحولات التي
تشهدها، دون ان نراها كلها بالضرورة، كما في احدى المرات حين
وصفت المساعدة ميلا
امرأة رأتها في الشارع، بأنها ذكية تعرف ما تريد أخذه من الحياة! وعندما
سألها
الطبيب كيف عرفت ذلك؟ قالت.. من ملابسها وأكسسواراتها!. بهذا الإسلوب
الدرامي
المقتصد أراد تصوير مدينته والتناقضات الداخلية فيها،
فالمسعفون يضطرون الى قبول
مناوبات ليلية كثيرة لأنهم بحاجة الى سد نفقات بيوتهم، وإدارة المستشفيات
ترحب
بطلباتهم ما دامها لا تملك إلا 13 سيارة إسعاف في عاصمة يقطنها قرابة
مليوني شخص،
وعليهم تلبية كل النداءات المستعجلة وغيرها، فبلد صار ناسه
يبحثون عن خلاصهم الفردي
لا يتوارى بعضهم عن إستغلال الدولة وممتلكاتها ولا يتورعون عن إشغال سيارة
إسعاف
لمصالح ليست لها علاقة مباشرة بالمرض بل بقضايا كان على الدولة معالجتها
وليس هؤلاء
اللاهثون للوصول الى مرضاهم قبل أن يسبقهم الموت اليهم. هذا
التبادل القلق وغير
المتوازن للمصالح يترك آثاره النفسية والجسدية السيئة على المسعفين، لهذا
يترك
الكثير منهم هذة المهنة لينتقل الى مكان أقل ضغطاً وتوتراً، فيما تنمو
طبقات
طفيلية، في أمكنة أخرى من البلاد، وتربح الملايين يومياً براحة
ويسر.
يمكن حصر زوايا
التصوير ومواقع الكاميرا طيلة زمن الفيلم بأربع؛ اثنتان ثابتتان: أمام
السيارة وخلف
المقعد الأمامي ومهمة الأخيرة تصوير الشوارع وما يقع أمام أبصار المسعفين،
والباقيتان خارجية تدخل أمكنة وبيوت المرضى وداخلية تصور الجزء
الخلفي من الإسعاف
حيث السرير الذي يرقد فوقه المريض. جمعيها كانت صورها مهتزة لسوء شوارع
العاصمة
التي تُشعر المشاهد بأن قوة ارتجاج الإسعاف ستلحق آذى بالمريض أكثر مما
يعانيه
أصلاً، وأن مستوى الإهمال في الخدمات وعلى نطاق واسع من
المدينة يعيق بإستمرار
حركتهم للوصول الى مرضاهم، وكل ما يرونه من مظاهر الترف يثير حفيظتهم
وشهيتهم
للتعليق على نوع الكائنات التي تسكن في قصور فخمة مسيجة لا يرون ما في
داخلها فيما
تعاني مناطق أخرى من إهمال لدرجة انهم وجدوا مرة ميتاً وقد تفسخ جسده، منذ
أيام دون
أن يلتفت الى غيابه أحد!
مجموع ما سجلته الكاميرات صنع فيلماً مدهشاً، نهايته
صادمة فالمشهد الأخير يظهر كرسي المساعدة الطبية فارغاً، لقد تركت العمل
بعد حادث
سير تعرضت له سيارتهم، وبعد أن شعرت بالخوف والرهبة من الموت
قررت الإنتقال الى
مستسفى ثانٍ تاركة الطبيب وزميلها السائق لوحيدهما في سيارة الإسعاف
الآخيرة في
صوفيا والتي لا نعرف ما إذا كانت ستبقى أم ستختفي كما أختفت سيارات إسعاف
أخرى
قبلها؟
• "آخر سيارة إسعاف في صوفيا" 75 دقيقة، فاز بجائزة
أفضل فيلم وثائقي
طويل، فوق 30 دقيقة، في الدورة 47 لمهرجان كارلوفي فاري
الجزيرة الوثائقية في
13/08/2012
الحدود الفاصلة بين ثنائية القبح والجمال
قراءة نقدية
في فلم
"L"
للمخرج حسن دحاني
عدنان حسين أحمد
تضمنّت مسابقة
الأفلام الروائية القصيرة في مهرجان الإسماعيلية الخامس عشر "21" فلماً من
بلدانٍ
عربية وعالمية مختلفة، ومعظم هذه الأفلام يستحق الدراسة والنقد والتحليل،
وعلى
رأسها "مطر غزير" للآيرلندية كلير ديكس، و "غوبل" للرومانية رالوكا ديفيد،
و "خلف
النافذة" للبنانية نغم عبّود، و "فصل ب" للإيراني محمد نصيري. وعلى الرغم
من أنّ
جائزة أحسن فلم قد ذهبت إلى "غوبل" لرالوكا ديفيد، فيما أُسنِدت جائزة لجنة
التحكيم
إلى فلم "الحاضنة" للنمساوي كريستوف كوشنيغ، كما نوّهت اللجنة ذاتها بفلم "إدويج"
للمخرجة الفرنسية "من أصل جزائري" مونيا مدور، وعلى الرغم من كل الجوائز
التي ذهبت
إلى مستحقيها في هذه المسابقة، إلاّ أنّ هذا التتويج لا يعني بأن الأفلام
الأخرى
التي لم تفز كانت غير جيدة أو دون المستوى المطلوب، ولعل فلم "L"
للمخرج المغربي
المبدع حسن دحاني هو خير أنموذج لما نذهب إليه.
وقبل الخوض في قراءتنا النقدية
لهذا الفلم لابد من التعريف بالمخرج حسن دحاني الذي درس
الرياضيات، وتخصص بها، لكنه
انساقَ وراء رغبته الحقيقية في الفن البصري، فسافر إلى ولاية فلوريدا
الأميركية
ليدرس السينما وينقطع إليها. وقد أنجز عدداً من الأفلام الوثائقية
والروائية
القصيرة نذكر منها "المغرب أرض العلوم"، "أنا أطير"، "من حذاء
لحذاء"، "أحبك ولكن.
.."،
"الخبز
المر" و " L "
الذي نال استحسان المشاهدين وبعض النقاد على حد سواء.
تناول
دحاني العديد من الموضوعات الحساسة منها ما يتعلق بالإعاقة البدنية كما هو
الحال في
فلم "أنا أطير"، والاضطرار لممارسة البغاء في "الخبز المر" والخيانة
الزوجية في فلم " L "
موضوع هذه الدراسة النقدية. يمكن تلخيص قصة هذا الفلم بأن المرأة "جسّدت
الدور بلغة تعبيرية عالية الفنانة المتألقة نفيسة بن شهيدة" تخون زوجها
الفنان
التشكيلي "لحبيب"، أدى الدور بحرفية كبيرة الفنان الهاني التهامي الذي
انقطع عن
الحياة العامة تقريباً، وفضّل الانسحاب إلى كوخٍ ناءٍ قرب بحيرة جميلة
معزولة بعد
أن انقلبت حياته العاطفية رأساً على عقب، وشعر بالإحباط النفسي
الذي ولّد في أعماقه
أحاسيس متضاربة أثرّت على طريقة تفكيره في معنى المظاهر الجمالية الخارجية
من جهة،
والمحمولات الجمالية الجوّانية التي لها علاقة مباشرة بالروح. وقد أسفرت
هذه
الأحاسيس المتناقضة عن خوض الفنان التشكيلي في ثنائية القُبح
والجمال، فما كان يراه
جميلاً من قبل قد أصبح قبيحاً
بفعل الخيانة التي هي في واقع الأمر أبعد من الخيانة
الجسدية، ذلك لأنها تمتد إلى الخيانة الروحية وما تنطوي عليه
من عناصر جمالية لا
يمكن التعبير عنها بالكلمات لأنها أكبر من كل التوصيفات التي يمكن لها أن
تلامس هذا
الموضوع أو تعبِّر عنه بشكل جزئي من دون الإحاطة بجوهر هذا الموضوع الفلسفي
الكبير.
يبدو أن الشخص الذي صمّم بوستر الفلم كان ذكياً بما فيه الكفاية لأنه
التقط روح القصة السينمائية وفحواها العميق، فبينما كان الفنان "لحبيب"
يحدق في وجه
زوجته السابقة، كانت هي تركِّز نظراتها في مكان آخر لتخبرنا بشكل صريح
بأنها منهمكة
بقصة عاطفية أخرى بعيداً عن هذا الفنان التشكيلي الذي منحها
حياته وفنه بدليل أنها
كانت ثيمته المفضّلة، وفكرته المهيمنة التي استحوذت على لوحاته كلها. أما
الآن فقد
تحولت هذه المرأة الخائنة إلى رمز
مهيمن للقبح، وربما كان سؤالها منطقياً حينما
استفسرت منه عن السبب الذي دفعه لأن يرسمها قبيحة بهذا الشكل، وكأنها لم
تعترف بفعل
الخيانة الذي ارتكبته بحقه. فلا غرابة أن ينتهي الفلم نهاية درامية مفجعة
حينما
يقرر إغراقها في حوض الاستحمّام.
لا
شك في أن الفلم هو خطاب بصري قبل كل شيء، ولابد من التوقف عند جماليات هذا
الخطاب
ودلالاته التعبيرية. وعلى الرغم من أن المادة المصوّرة قد أنجزت، على ما
يبدو،
بكاميرا رقمية ذات جودة عالية، إلاّ أن المونتير قد لعب دوراً
أساسياً في منتجة
المادة المصورة، وإظهارها بالشكل السلس والمناسب الذي قُدِّمت فيه القصة
السينمائية
للفلم القصير، إذ جاءت مشذّبة، مركّزة، وبليغة. كما أضفى المكان جمالية
مضاعفة على
الفلم بطبيعته الأخّاذة التي تجمع بين البحيرة والأشجار
والأطيار، هذا إضافة إلى
اللوحات التي استمدت "وحشيتها" من عنف الفرشاة و "القبح" الذي استبطنه
الفنان
التشكيلي من أعماق زوجته السابقة، آخذين بنظر الاعتبار أن التعالق الشكلي
والمضموني
بين الفن التشكيلي من جهة وبين السينما من جهة أخرى هو تعالق متشابك ورصين،
وقد لا
نضيف جديداً إذا قلنا بأن صورة "الكادر" في الفن التشكيلي هي
الأساس في اللقطة
السينمائية. لابد أن نشيد في هذا الصدد بمديرة التصوير الفنانة الرومانية
أنكوتا
لورداشيسكو التي قدمت لنا هذا الزخم من الصور المعبِّرة التي أسرَت
المشاهدين
ومنحتهم متعة بصرية مضافة. وفي الإطار ذاته لابد من التنويه
بموسقى نجيب شليح التي
استجابت لمضمون القصة السينمائية بما انطوت عليه من انفعالات وأحاسيس
متضاربة عكست
التوتر الداخلي للشخصيات الثلاثة التي ظلت تدور في مثلث الزوج والزوجة
والعشيق، هذا
إضافة إلى المعطى الثقافي الذي انضوى عليه المعرض بوصفه مكاناً
فنياً يحقق المتعة
البصرية للمتلقين.
الجزيرة الوثائقية في
13/08/2012
النجم الأكثر جدل .. شون بن في "فرقة العصابات !" *
ماري اليزابيث وليامز ــ ترجمة: أحمد
فاضل
الأفلام السينمائية بأجملها تمثل الهروب الحقيقي لدينا من واقعنا
الحياتي اليومي وتنفيسا لأزماتنا ، لكننا نقع في بعضها موقع الخوف والغضب
حيث نجعل منها في بعض الأحيان معنى لمن لا معنى له في أعقاب أكثر الأعمال
التي لا نجد تأثيرا قويا لها في نفوسنا وهو ما يواجه صناعتها الترفيهية
تحديا كبيرا لدى المشاهد ، لذا تسعى الجهات المنفذة لهذه الأفلام من تأسيس
مشاهد لها تأثير قوي ومباشر على الجمهور، حيث تقوم بالتقاط صورها بعناية
وقد تشتمل تلك المشاهد مرة واحدة على السعادة والفرح لتصبح بعد لحظات مأساة
وألم ، أو كلمة واحدة تؤخذ على غير قصد أو معنى تحدث بعدها أشياء فظيعة ،
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يتسنى لكل هذا الطرح الفني أن يكون قريبا جدا
وملامسا لروح المشاهد ؟ هذه هي القضية المطروحة في الفيلم القادم " فرقة
العصابات " الذي يتحدث عن واقع مرير عاشته بعض المدن الأمريكية عام 1940
شهدت فيها جرائم قتل مروعة من قبل بعض العصابات التي كانت لا تتورع من
اطلاق النارحتى في وضح النهار ما يذكرنا بآل كابوني وجيسي جيمس ، وسوف تكتظ
صالات السينما بالجمهور لدى عرضه في 11 يناير / كانون الثاني 2013 كما
تتوقع له وارنر بروس وهي الشركة المنتجة له بحسب خبرائها لأنه يضم نخبة من
ألمع نجوم السينما في هوليوود رايان جوسلينج ، إيما ستون و النجم الأكثر
جدلا شون بن ، الفيلم كان من المؤمل عرضه قبل هذا التاريخ لكن حادث اطلاق
النار الذي وقع فجرا في مدينة أورورا بولاية كولورادو من قبل شاب مهوس غير
سوي اطلق زخات من رصاص بندقيته باتجاه الجمهور في مسرح سنتشري بمركز أورورا
تاون خلال عرض فيلم " فارس الظلام يعود من جديد " ، مخلفا العديد من
الضحايا تحدثت وسائل الإعلام عن سقوط 10 قتلى بالاضافة الى عشرات الجرحى ،
هذا الحادث أجبر الشركة المنتجة وارنر بروس من تاجيل عرضه مع أنها قالت أن
خسائر مادية كبيرة سوف تلحق بها نتيجة لذلك التأجيل .
يتميز الفيلم عن باقي أفلام العصابات التي عرفتها المدن الأمريكية
بطرحه الواقعي لمجازر القتل الجماعية والجمهور الذي شاهد من قبل فيلم "
أولاد زنا حقيرون " الذي حاز على اعجابهم سوف يشعرون بأرق كبير وهم يشاهدون
لأول مرة كيف يجتمع القتل مع السياسة وهو ما دأب مخرجه روبن فلايشر
بالتعاون مع بن على تناول مثل هذه المواضيع الشائكة ، ومع أن ويل بيل واضع
السيناريو له أشار ببعض التصريحات عن فحوى قصته إلا أن وجود شون بن فيه يشي
بالكثير من تفاصيل العمل ، فهو واحد من الممثلين القلائل الذين عرفهم جمهور
السينما بتميز أعماله الفنية ومشاركته بكتابة سيناريوهات تلك الأعمال مبديا
فيها طروحات تكشف عن نشاط إنساني هذا إذا ما علمنا أنه من أشد المناوئين
للحروب ومناصرا قويا لإرادة الشعوب في تحررها من الدكتاتوريات كما لمسنا
مساندته لثورات الربيع العربي ، بن يتقمص شخصية ميكي كوهين رئيس احدى
المافيات اليهودية الذي يفرض سيطرته حتى على بعض الرؤوس التي تقود الشرطة
في لوس انجلس وكذلك على رجال السياسة هناك مما يسمح له ولعصابته من فرض
الأتاوات وقتل من يعارضهم .
حازشون بن مرتان على جائزة الأوسكار لأدواره في " ميستيك ريفر " عام
2003 و " الحليب " 2008 وكذلك حصل على جائزة الغولدن غلوب وجائزة نقابة
ممثلي الشاشة ، وهو عندما يخوض في مغامرة سينمائية من مغامراته العديدة فهو
يعلم سر نجاحها مع أنه يتناول لأول مرة موضوعا شائكا وحساسا هو المافيات
اليهودية الذي قد يعرضه والفيلم الى خسائر مادية كبيرة بسبب هيمنة اللوبي
اليهودي في امريكا على مناح عديدة من الحياة هناك ، لكنه يصر على تلك
المغامرة انطلاقا من مبادئه التي يتمسك بها دائما والتي يعرفها جمهوره جيدا
.
* عن مجلة
Salon
موقع "أدب فن" في
13/08/2012
رحلة العمر بين "كواليس" الجمعيات و"كوابيس" المهرجانات
محمود عبد الشكور
لدىّ مرضان قديمان ممتعان هما: قراءة الأفلام وقراءة الكتب. أحياناً
يمتزج المرضان عند قراءة الكتب التى تتحدث عن السينما وصناعها وعشاقها
وتاريخها وشهادتها على عصرها وزمنها، من المفيد أيضاً أن اذكر أننى أعتبر
الكتب والأفلام كالبشر سواءً بسواء، كل كتاب له من صاحبه نصيب، وكل فيلم
يكشف عن صنّاعه حتى إذا لم يقصدوا ذلك، وكلاً من الكتب والأفلام تأخذ سمات
بشرية تماماً كأن تكون ظريفة أو كئيبة ، عميقة أو سطحية، مهندمة أومعبرة عن
الفوضى ، ذكية أو غبية، مثيرة لليقظة أو دافعة للنعاس والشخير!
وهذا كتاب للناقد أمير العمرى يحمل عنوان "حياة فى السينما" لا تستطيع
أبداً أن تتركه إذا بدأت فى القراءة حتى تنتهى منه، ومنذ اللحظة التى
اشتريته فيها لم أتركه حتى أثناء ركوب المواصلات العامة والخاصة . بمعيار
الكتب التى تحمل صفات البشر أنت أمام رفيق يقظ حاسم قاطع لديه تجربة طويلة
يحاول أن يسردها بأسلوب سهل وعذب ولايخلو من السخرية ، والأهم من ذلك أنه
يحدثك عن سنوات شديدة الثراء هى فترة السبعينات من القرن العشرين ، كما أنه
يحكى عن الكواليس بشكل عام لدرجة أن الكتاب بأكمله يصحّ أن يحمل اسم "
كواليس " . يروى العمرى عن "كواليس" الجمعيات السينمائية التى انضم إليها،
و"كواليس" الجمعيات التى حاول أن يشارك فى تأسيسها، و" كواليس" المهرجانات
التى قام بتغطية أنشطتها وأفلامها، و"كواليس" لجان التحكيم التى شارك فيها،
والحكايات بأكملها معروضة من وجهة نظر ذاتية تماماً لاتزعم – فيما أظن –
امتلاك الحقيقة المطلقة، والسينما حاضرة طوال الوقت والسياسة أيضاً،
والإنتقالات فى الزمان والمكان وبين الشخصيات التى غيّبها الموت أوتلك التى
مازالت تواصل العطاء، كل ذلك يجعل من الكتاب رحلة ممتعة تستحق الإبحار
والإكتشاف، ربما لم يلتزم العمرى بأن يكون شاهداً كما قال فمارس دور القاضى
فى أحيان كثيرة، وكانت أحكامه صريحة أويمكن اكتشافها بين السطور، ولكنه
أعلن أيضاً فى المقدمة أنه لايستطيع أن يكون محايداً، ربماتنغص عليك
الأخطاء المطبعية صفو القراءة أحياناً، وقد تنزعج لخطأ فى تعليقات الصور
كأن يوضع اسم أحمد قاسم تحت صورة للمخرج الفلسطينى رشيد مشهراوى، ولكن
الكتاب يظل مع ذلك مختلفاً وباعثاً على المناقشة والجدل وتنشيط الذاكرة
والتفاعل معه أو ضده.
عرفت الناقد أمير العمرى من خلال كتاباته وخاصة ً كتاب "سينما
الهلاك"، كما كنت أقرأ اسمه فى مجلدات نشرة نادى السينما الشهيرة التى حصلت
على بعضها من خلا ل التردد على سور الأزبكية أدامه الله لدراويش القراءة ،
ولكنى عرفت العمرى شخصياً خلال الفترة القصيرة التى عاد فيها الى مصر بعد
سنوات طويلة قضاها فى بريطانيا، وكان وقتها قد انتخب رئيساً لجمعية نقاد
السينما المصريين، وأصدر مجلة صغيرة عن الجمعية تحمل اسم "السينما الجديدة
"، وأشرف فى تلك الفترة على تنظيم أسبوع لا ينسى لروائع الأفلام التسجيلية
على مرّ العصور حيث عُرضت بالمجلس الأعلى للثقافة أعمالٌ تحمل توقيع الكبار
مثل " دزيجا فيرتوف " و" لينى ريفنشتال " و" ميخائيل روم "، وفى الندوة
التى أعقبت عرض رائعة " لينى ريفنشتال " (انتصار الإرادة) تحدث العمري بحدة
وعنف تعليقاً على رأى قلته حول مدى دلالة الفيلم على تعاطف المخرجة مع
النازية، ولكن – لدهشتى الشديدة – نشر الرأى كاملاً ضمن مقال لى فى مجلة "
السينما الجديدة " على مساحة أربع صفحات ، بل إنه كان وراء طلب أن أكتب
للمجلة، وتحمّس كثيراً لمقالاتى لدرجة أنه كان ينشر أكثر من مقال فى عدد
واحد ، وللأسف توقفت المجلة بعد عشرة أعداد، وعاد العمرى الى لندن، وكان
انطباعى عن تجربته القصيرة أنه يمتلك فكراً ومشروعاً وطاقة للتنفيذ، ولكنه
لايمتلك صبراً يليق بوطن اخترع الزراعة والبيروقراطية و" الرحرحة " ومواويل
" هاتولى حبيبى"!
كتاب "حياة فى السينما "، وهو نفس عنوان مدوّنة يحررها العمرى، فسّر
لى أنه تقريباً استنفد الصبر فى سنوات السبعينيات الثرية والعاصفة معاً،
أقول ثرية لأنها شهدت العصر الذهبى لنوادى السينما وللمراكزالثقافية
الأجنبية، كما أنها سمحت لطالب الطب أمير العمرى أن يؤسس ويدير نادياً
للسينما فى كلية الطب جامعة عين شمس عام 1971، وأن يفتتح عروضه برائعة
فيسكونتى "الموت فى فينسيا"، ولو عُرض هذا الفيلم فى قلب الأوبرا هذه
الأيام لما توقف الجدل ، ولاتهم عارضوه بكل الموبقات.
شهدت تلك السنوات تأسيس جمعية نقاد السينما المصريين فى يونيو 1972
بمبادرة وجهود سمير فريد الناقد الكبير، ولكن بداية هذه السنوات شهدت أيضا
الإستقطاب السياسى الحاد، والتحول من اليسار الى اليمين ، وانعكس ذلك
بالضرورة على الحياة الثقافية والسينمائية ، ويصف أمير العمرى فى كتابه
وزير الثقافة الأسبق يوسف السباعى بأنه ضابط الأمن الثقافى للنظام الجديد،
وفى الجزء الأول من الكتاب يحكى مؤلفه عن بداية اهتمامه الجاد بالسينما
ومشاهدة الأفلام بعد مشاهدته لفيلم "الترتيب" بطولة كيرك دوجلاس وفاى دونا
واى وإخراج ايليا كازان فى سينما راديو، ويتحدث عن الخلافات بين النقاد فى
جمعية النقاد وخروج الناقد الكبير سامى السلامونى منها، كما يتحدث عن دعم
وزارة الثقافة لجمعية جديدة منافسة تحمل اسم (جمعية كتاب ونقاد السينما)
التى نظمت مهرجان القاهرة السينمائى، ويقدم ملحقا فى الكتاب يناقش فيه
النقاد سلبيات الدورة الأولى التى أقيمت برعاية فندق شيراتون (!!) ويشير
إلى كتاب أسود عن هذه الدورة كان من المقرر صدوره، ويتحدث عن تجربة إصدار
صحيفة سينمائية أسبوعية تحمل اسم(السينما والفنون) قام بدعمها وزير الثقافة
عبد المنعم الصاوى، وصدر العدد الأول منها فى يناير 1977، ورأس تحريرها
صاحب الفكرة الناقد سمير فريد، واشترك فى تحريرها أعضاء جمعية النقاد ،
ولكنها توقفت بعد ثلاثة وثلاثين عدداً.
يحكى العمرى بحنين واضح عن أحلامه التى لم تتحقق فيما يسمى "السينما
الثالثة" استلهاما ًلتجربة مماثلة فى أمريكا اللاتينية ، كما يسرد فشل
محاولته العمل مع شباب آخرين ضمن جماعة "سينما الغد " التى أسسها الناقد
الكبير مصطفى درويش . كل هذه التفصيلات- وإن قدمت وجهة نظر ذاتية تماما –
تسهم فى رسم ملامح سنوات السبعينات الثرية والعاصفة معا.
ولكن الكتاب حافل أيضا بالحديث عن شخصيات بعينها، عن رضوان الكاشف
وشلة المنيل، عن يوسف شاهين والراحل عبد الفتاح الجمل، عن المخرج التونسى
نورى بوزيد، عن المخرج الفلسطينى رشيد مشهراوى وعن المخرج السورى محمد ملص
الذى أقام لفترة ليست قصيرة بالقاهرة ، وفى الجزء الثالث من الكتاب يحكى
العمرى تجاربه فى لجان تحكيم مهرجانات مثل مهرجان أوبر هاوزن عام 1991 ،
ومهرجان طهران عام 2002 ، وينقل يوميات نابضة بالحياة لمهرجان تطوان عام
2005 ، ومهرجان فينيسيا عام 2008 ، ومهرجان قرطاج عام 2008، ومن خلال سرد
مركز ومشوق تعيش كواليس هذه التظاهرات السينمائية التى لاتخلو من الشد
والجذب، ولعل أهم ما تستنتجه من هذا الجزء أن الإشتراك فى لجنة تحكيم تضم
أشتاتا غير متوافقين يمكن أن يحول التجربة الى كابوس، ولعل أهم ما يصل إليك
من الكتاب كله أن الحياة الثقافية والسينمائية دفعت ثمنا غاليا بسبب
الإستقطاب السياسى الحاد فى سنوات السبعينات، كما أن العلاقات بين المثقفين
لم تكن دوماً على ما يرام لأسباب أيدلوجية أوسياسية أو بسبب اختلاف الطبائع
البشرية، كما يظهر بوضوح رفض صاحب الكتاب لكل المؤسسات البيروقراطية
المصرية.
يمكن أن تختلف مع رؤية أمير العمرى الخاصة لتلك الأحداث أو الشخصيات،
بل إن أهمية هذا الكتاب تكمن فى ضرورة أن يستفز فكرة الجدل والإختلاف
والشهادة المعاكسة. مازالت تلك الفترة – سنوات السبعينات – لم تُكتب بعد
على كل الأصعدة رغم أهميتها وتأثيرها فى حياتنا حتى اليوم ، وآمل أن نستكمل
الصورة عن تلك السنوات بشهادات لأسماء كبيرة عن المناخ الثقافى والسينمائى،
من هذه الأسماء مثلا: سمير فريد ومصطفى درويش ود. كامل القليوبى وهاشم
النحاس، ومهما كانت زاوية الرؤية ومنهج التناول فالفائدة مُحققة.
هذا حق الأجيال التالية قبل أن يكون حق كل هؤلاء فى اجترار "نوستالجيا"
أو حنين الى الماضى الذى صنع المستقبل!
عين على السينما في
13/08/2012
ساهم في إعادة «السينما الوطنية» إلى محرابها الوطني
رحيل «سيد الكاميرا السورية» جورج لطفي الخوري
أوس داوود يعقوب
ودعت دمشق يوم الخميس الماضي (التاسع من الشهر الجاري) ابنها المبدع
السينمائي الماهر المغامر جورج لطفي الخوري، المخرج ومدير التصوير والإضاءة
الأشهر في تاريخ السينما والدراما التلفزيونية السوريّة، عن عمرٍ يناهز
الثلاثة والسبعين عاماً.
والخوري من أبرز السينمائيين التقنيين في مجال التصوير والإضاءة،
الذين ساهموا في بناء سينما وطنية باتت جزءاً من ذاكرتنا ووجداننا، من خلال
أعمال صورها أو أخرجها منذ العام 1967م، وحتى آخر عمل ساهم في تحقيقه
تلفزيونياً كمدير إضاءة، وهو مسلسل «أرواح عارية» للمخرج الليث حجّو، والذي
يعرض حالياً في العديد من القنوات الفضائية. والراحل شقيق الفنّانة القديرة
السيدة نادين: (نادية لطفي الخوري)، التي تتقدم لها (أسرة تشرين) بهذه
المناسبة الأليمة بأحر آيات التعازي.
لم يتوقف إبداع الفنّان الراحل جورج لطفي الخوري عند عالمي التصوير
والإضاءة، ففي رصيده كمخرج اثنين من الأفلام الروائية الطويلة، من بينهما
أحد أكثر الأفلام السينمائية السورية المثيرة للجدل «أموت مرّتين وأحبك»،
المأخوذ عن رواية «من يحب الفقر» للروائي السوري عبد العزيز هلال. الفيلم
كان من إنتاج فايز سلكا وعبد الرزاق الغانم، وفي البداية تم إسناد مهمة
إخراج الفيلم للبناني سمير خوري الذي سبق له وقام بإخراج فيلم مثير للجدل،
هو «سيدة الأقمار السوداء» للمصريين ناهد يسري وحسين فهمي وعادل أدهم، لكن
اختلف منتج الفيلم مع سمير خوري لبطء الأخير في العمل، ما حدا بالمنتج إلى
إسناد مهمة إخراج الفيلم لمدير تصوير نفس الفيلم جورج لطفي الخوري، وكانت
البطولة للفنانة إغراء وناجي جبر والمصري عمر خورشيد وعبد اللطيف فتحي
ونجاح حفيظ.
«أموت مرتين وأحبك» فيلم جميل جداً، وفيلم سوري مهم في تلك الفترة،
وتُحسب له جرأته في ذلك الوقت، وهو الفيلم السوري الوحيد الذي حقق حضوراً
جماهيرياً كبيراً. أما الفيلم الثاني فيحمل عنوان «الصحفيّة الحسناء»، كذلك
كتب للسينما فيلم «القادمون من الأعماق».
وقد جاءت تجربته في الإخراج متأخرة - حسب قوله - لأنها «كانت مجرد
رغبة متممة وحالة إبداعية تجريبية في مجال السينما».
وفي المجال الدرامي يشهد له إسهامه الكبير في النهوض بالدراما السورية
في العقود الثلاثة الأخيرة، حيث تحمل العشرات من الأعمال الدرامية توقيعه
كمدير للإضاءة والتصوير.
والراحل من مواليد 1939م درس التصوير السينمائي على يد اختصاصيين
يوغوسلاف بين عامي (1960 – 1965م) ثم سافر إلى كل من بلغاريا ويوغسلافيا
لإجراء دورات تدريبية, وعند عودته اختار المؤسسة العامة للسينما للعمل،
فقام عام 1965م بتصوير فيلم سائق الشاحنة، الذي يعدّ باكورة إنتاج المؤسسة،
وهو من إخراج أستاذه المخرج اليوغسلافي (بوشكو فوتشينتش).
من هنا بدأت تتوارد إلى عدسته سلسلة من الأفلام الروائية الطويلة,
ليبني من خلالها خبرة فنية كبيرة، جعلته من أهم مديري التصوير المحترفين في
سورية والوطن العربي.
وقد استطاع صاحب «أموت مرتين وأحبك» (1976م) من خلال عدسته الساحرة
وإضاءته المتميزة أن يتفرد بشخصية خاصة جعلته يقف ساعات طويلة خلف كاميرته
لأجل أن يأخذنا في رحلته المتعة إلى عالم الخيال الذي يرسمه بمهارة بالضوء
والصورة معبراً به عن سينما واقعية لها خصوصية وحياة.
ومن أهم الأعمال التي ساهم الفنان القدير جورج لطفي في تحقيقها كمدير
للتصوير والإضاءة، والتي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما، نذكر: فيلم
«اللقاء» وهي عن ثلاثية «رجال تحت الشمس» إخراج مروان المؤذن (1970م)،
والفيلم الروائي الطويل «اليازرلي» (1974م)، للمخرج العراقي قيس الزبيدي،
والمأخوذ عن قصّة قصيرة بعنوان «على الأكياس» للروائي الكبير حنا مينة.
وكذلك فيلم «الأبطال يولدون مرتين» إخراج صلاح دهني (1977م)، و«الشمس
في يوم غائم» إخراج محمد شاهين (1985م)، و«صعود المطر» للمخرج عبد اللطيف
عبد الحميد (1995م)، و«الترحال» إخراج ريمون بطرس (1996م).
وفي عام 2008م يعود (بطرس) للتعاون مع فناننا الراحل فيحقّقا معاً
فيلم «حسيبة»، عن رواية حملت الاسم نفسه للروائي الكبير خيري الذهبي. ولهذا
التعاون قصة مؤثرة رواها (بطرس) ذات يوم، يقول: «في هذا الفيلم أردت إعادة
السينما الوطنية إلى محرابها الوطني»، مشيراً إلى أنه: «منذ سنوات بدأ بعض
السينمائيين السوريين بالاستعانة بخبرات أجنبية في مجال التصوير والصوت
وأنا لا أعترض على ذلك فهم أحرار. أما أنا فقد وجدت بعد دراسة مستفيضة لما
أنجز من أعمال سينمائية في السنوات الأخيرة مع مديري تصوير ومهندسي صوت
أجانب أو عرباً بخبرتي الشخصية المتواضعة أنه لم يظهر شيء جديد سينمائياً
مبهر وعميق وغني بصرياً إلى الدرجة التي تحفزني على أن أستعين بخبرة أجنبية
فوجدت بعد نقاشات طويلة مع الصديق ماهر كدو، أن أعود للتعاون مع الأستاذ
جورج لطفي الخوري مدير التصوير العتيد بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى
لخبرته وعينه الساحرة ويده التي لا تهون أمام كادر وبعد تعاوننا في
«الطحالب» و«الترحال» اتفقنا أن يكون «حسيبة تعاوننا الثالث.. فكان أسلوب
جديد في التصوير لأول مرة في تاريخ السينما السورية نلجأ إلى صيغة جديدة في
التصوير وهي صيغة (HD) أو (high
difintion) وهي كاميرا مصنعة مع الخام الخاص بها كي تتاح الإمكانية لنقل هذه
المادة الفيلمية إلى سينما (30 *20) لتعرض في صالة سينمائية فنحن أقدمنا
على هذه التجربة بعد دراسات مستفيضة لإمكانيات الكاميرا وهذه الدراسات تمت
مع الأستاذ جورج وساعدنا في عملنا مدير إنتاج الفيلم فايز السيد أحمد
والسيد مروان عكاوي...».
كما شارك الراحل في العام نفسه (2008م) في فيلم «دمشق يا بسمة الحزن»،
للمخرج ماهر كدو. وفي فيلم «حراس الصمت» للمخرج سمير ذكرى (2010)، سجل
الراحل آخر مشاركة له في عالم الفن السابع.
أما أشهر أفلام القطاع الخاص التي ساهم في تحقيقها كمدير للتصوير،
نذكر: فيلم «حبيبتي» للمخرج المصري الراحل هنري بركات (1974م)، و«عائد إلى
حيفا» إخراج قاسم حول (1979م)، و«النهر» إخراج كريستين دبغي (1993م).
كما ساهم الراحل في تحقيق عدد من الأفلام القصيرة، أبرزها: فيلم
«مؤتمر القمة» (1971م)، و«لؤلؤة على المتوسط» (1995م).
يعدّ مدير التصوير والإضاءة في أي عمل سينمائي أو تلفزيوني، أحد أركان
صناعة أي منجز بصري يسعى النجاح. مع كثرة تجاربه في مجال التصوير
التلفزيوني فإن «سيد الكاميرا السورية«لم ير اختلافاً كبيراً بينها وبين
تجاربه في مجال التصوير السينمائي، إلا أنه مازال يرى أن للسينما سحرها
الخاص وفي عالمها يكمن عالمه الشفاف وحياته المهنية وعشقه للإبداع والفن
السابع.
وعن طبيعة عمله مع المخرجين فإنه لا يميل إلى مخرج معين بل إنه يتعامل
معهم جميعاً بنفس المسؤولية المهنية، ويحترم آراءهم وخياراتهم، لكنه يفضل
المخرج المتعاون مع عناصره الفنية والذي يقوم بنقاشات وحوارات فنية أثناء
العمل، قاصداً إكسابه مزيداً من التوهج، ومساهماً في رسم صورة أجمل تتمتع
بشفافية خاصة، ميزت مجمل منجزه البصري.
وفي مجال التصوير التلفزيوني أنجز «شيخ كار التصوير السينمائي
والتلفزيوني» عدداً من المسلسلات التلفزيونية، إما كمدير للتصوير أو كمدير
للإضاءة والتصوير كذلك أخرج وصور الراحل لـ(المحطة الإخبارية السعودية)
تسعة أفلام تسجيلية تلفزيونية عن مدن المملكة تحت عنوان «ترنيمة مكان» عام
2004م.
كما أقام الفنّان الراحل خلال مسيرته الطويلة العديد من المعارض
المختصة في مجال التصوير الضوئي، وحصد العديد من الجوائز المحليّة،
العربية، والدولية.
أخيراً نقول: جورج لطفي الخوري.. وداعاً وسلاماً لروحك يا «سيد
الكاميرا السورية»، وصاحب «العدسة الساحرة»؛ يا من شاركت في إعادة «السينما
الوطنية» إلى محرابها الوطني.
Aws1948@gmail.com
جورج لطفي الخوري قبل رحيله:
حققت جزءاً من طموحي وأحلامي
«ليس هناك حدود للطموح خاصة في مجال الإبداع وإلا لكنت قد توقفت عن
العطاء في مرحلة ما من حياتي، فجميع الأفلام والمسلسلات التي عملت بها
تعنيني كثيراً وكل واحد منها قد حقق لي جزءاً من طموحي وأحلامي، خاصة وأني
أحببت مهنة التصوير منذ الطفولة منذ كنت أعمل بها أثناء عطلتي الدراسية
ولسنوات عديدة عند جار لأهلي يملك محلاً للتصوير الفوتوغرافي, وهذا ما حقق
لي علاقة معرفية حولها وصلة متينة مع الكاميرا والعدسة جعلتني أهوى تشكيلات
الصورة والضوء والخدع التصويرية، ومع الطموح والحب والإصرار على متابعة
مسيرتي المهنية استطعت الانتقال إلى المرحلة الأكاديمية والتقنية».
تشرين السورية في
13/08/2012 |