انه زمن الرياح الموسمية في الهند. الرطوبة تكاد تجعل الأمعاء ينصهر
مع قميص البولو المصنوع من قماشة الفيسكوز. الأقمشة التي فيها بولييستر
تنبذها البشرة. وحده القطن الصافي يتمكن من امتصاص العرق الذي يتقهقر بيأس
من اعلى الرقبة الى اسفل البطن. مطرٌ ناعم يهطل على الرؤوس. "هذا الطقس
مكيّفنا المحلي بعد حرّ الصيف"، يقول سائقٌ متطفل، يريدني أن استقل عربته
الى جهة مجهولة.
"هيا، لا تخف، اصعد معي لأريك الجوار"، يردد مرة تلو أخرى. لا شيء
يضعف اقتناع الشاب العشريني واعتقاده بأني مهتم بمشروع سياحي نعرف كيف يبدأ
لكن نجهل أين ينتهي وكيف. لكن، بعد كل اصرار هناك استسلام، وها ان الأحياء
الشعبية في دلهي تشرع أبوابها أمامي، فأتسكع فيها برفقة جان كلود قدسي.
مدينة بطولها وعرضها تفاوض معي أسرارها ورائحتها وألوانها، مقابل أن
انتشلها بحواسي الخمس المستنفرة طوال الزمن الذي سيستغرقه المشوار.
كتلة بشرية في الشارع المقابل للقلعة المنتصبة في دلهي القديمة وضعتني
فجأة أمام حقيقة أنني فعلاً في بلاد مليار ومئتي مليون كائن بشري، معظمهم
يعيش في ظروف الفقر المدقع والمهين للكرامة البشرية. لا مزاح في هذا الشأن:
شوارع الحيّ الشعبي مكتظة بأعداد "مخيفة" من البشر، كثر منهم لا يعرف أين
يذهب وماذا يفعل وكيف يسدّ الجوع اليومي. الأشياء كلها يتداخل بعضها في
البعض الآخر؛ ظلال الناس بالأعمدة والأسلاك الكهربائية والفيلة فالكلاب
الشاردة والقردة. قد يموت المرء وهو يحاول العثور على درب له وسط الأرصفة
الممتلئة بالباعة. قد تصدمه سيارة أجرة او دراجة نارية. ما قيمة المواطن
هنا؟ ما الذي يمكن أن تفعله سفارة البلاد التي ينتمي اليها السائح سوى أن
تنقل رفاته الى أهله. واذا لم يمت نتيجة فعل طائش او حادثة قضاء وقدر، فقد
"يموت" من العار، وهو يكتشف ما يكتشفه، بعد يومين من الاقامة المريحة في
فندق كولونيالي فخم. هنا، أمام روتين البؤس، تصبح الأفكار اسرع من القدرة
على تدوينها على ورقة. فهي تتدفق الينا بالسرعة نفسها التي يتخلى فيها
المرء عن اقتناعاته الجاهزة. لا يشكل الـ"أي فون" والحال هذه، الا عيناً
ثالثة عند الصحافي الذي يريد ان يسترجع كل ثانية، عندما يجلس وحيداً امام
شاشة الكومبيوتر البيضاء ليلاً.
على الرغم من صخب الشرق والغبار الكثيف وزمامير السيارات، تمكنتُ
لدقائق معدودة من أن أعزل أفكاري وأدفش الزمن الى بيروت لأتذكر تلك الخلوة
التي كانت لي مع القنصل في السفارة الهندية. كنتُ أعتقد، عندما طرقتُ باب
السفارة، ان الحصول على تأشيرة للهند سيكون سهلاً الى درجة أنني سآخذها
وانا أروي للقنصل كليشيهات عن "التبادل الثقافي بين البلدين". كان في جيبي
ذلك اليوم، رسالة تتضمن دعوتي الى حضور مهرجان "أوسيان سينفان" للسينما
الهندية والآسيوية والعربية. لكن تبين ان الأمر يحتاج الى أن أعود اليوم
التالي كي أسحب الفيزا. تمنى القنصل أن أرسل اليه ما سأكتبه، محافظةً على
التواصل الثقافي بيننا، وربما ليرى كيف يتعامل مع "تأشيرتي" في المرة
المقبلة. بين لقائي به وموعد السفر، بضعة أيام مرت، علمتُ خلالها أن
السلطات الهندية تتعامل بحذر مع الصحافة الأجنبية، ككل بلد حريص على
"تلميع" صورته في الخارج. ولاحقاً بعد أيام، حين وجدتُ نفسي أمام نقطة
تدقيق الجوازات في مطار انديرا غاندي، سألني الضابط وهو ينظر الى الصفحة 13
من جوازي: هل انت صحافي؟ لم يكن هناك ما يشير الى أنني صحافي. لكن عرف
الموظف هذه المعلومة.
في الحافلة التي نقلتنا ليلاً من احدى الأمسيات الى الفندق، تبادلتُ
مع واحد من ابرز النقّاد الهنود، الذي نراه يقفز من قارة الى أخرى، خواطر
سياسية واجتماعية. أخبرني بأن اعلى مستويات التوتر حالياً هي بين الهندوس
والمسلمين، أي أكبر جماعتين في البلاد. طبعاً، هناك مسألة باكستان وكشمير
والنزاعات السياسية التي تعبث باستقرار الهند (واحد من آخر الاعتداءات
الارهابية في نيو دلهي يعود الى تاريخ 7-9-2011) مما يجعل العاصمة هذه أشبه
بمربّعات أمنية: كلما دخلتُ الى الفندق تعرضتُ للتفتيش، وكذا عندما أدخل
مركز المهرجان والأمكنة الأخرى. العيون كثيرة، في كل مكان. "سيستيم" أمني
يمنح الاحساس بأن كل تحرك مرصود، وبأن الجدران ليست تماماً في معسكر
الحياد.
تختلف المفاهيم كثيراً بين قارة وأخرى: في شبه الجزيرة، فقط ارتفاع
سعر البصل يُمكن أن يؤدي الى اشعال ثورة، وكل ما عدا ذلك تفاصيل! عام 1998،
اثر ارتفاع سعر هذا المنتوج المحبب لدى الهنود، خسرت الجبهة الشعبية
الهندوسية الانتخابات المحلية في دلهي، ما أدى الى سقوطها نهائياً. اليوم،
ثمة غليان في الباحة الخلفية لفندق "أمبريال"، ذي الطراز البريطاني العريق.
البقعة المخصصة للاحتجاج استقبلت وفوداً من المتظاهرين في مطلع الاسبوع
الحالي. خطباء اعتلوا المنصة وخلفهم لافتات تطالب بالكفّ عن الفساد. في
مكان آخر، ودائماً على الطريقة الهندية التي تعقد القران بين "السمك واللبن
والتمر الهندي"، رُفع ملصق: "تبرعّ بعينيك". على بُعد أمتار، مجموعة من
المسنّين يفترشون الأرض على غرار "أبي الوطن" غاندي في الفيلم المرجع الذي
انجزه ريتشارد اتنبورو عام 1982. مئات المصورين اكتسحوا المكان وغطّوا
كاميراتهم بمظلات لحمايتها من الرذاذ. لم افهم ما هي المطالب تحديداً، لكن
المشهد كان راقياً: شرطة تفتش كل مَن يدخل الى المكان وناس يرفعون صوتهم
لعل صداه يصل الى المعنيين. من الواضح أن الهند في طور التغيير، وهي تخرج
من "العناية الفائقة"، كما وصفها أحد المطلعين على الشأن الهندي. يكفي أن
نلقي نظرة على برنامج الأفلام المعروضة في المهرجان، والمدرجة في اطار
"حرية التعبير" لنتأكد ان ثمة انفتاحاً مقبلاً على هذا البلد: "سالو" لبيار
باولو بازوليني، الشريط – الفضيحة، و"ضاجعني" لفيرجيني ديبانت وكورالي ترين
تي، الفيلم البورنوغرافي الذي أثار ضجة لدى عرضه في فرنسا عام 2000. لم
تشهد الصالة الكبيرة التي تستقطب جمهوراً واسعاً أيّ صيحات استهجان عندما
أطلّ عليهم فيلم "جنس كوزميك" (أميتاب شاكرابورتي)، بمشاهده الساخنة التي
بين العري الجزئي والكلي ومصّ الثديين والاستمناء. عندما قابلتُ كبير
النقاد البريطانيين ديريك مالكولم في منزل مديرة المهرجان، مساء الأحد
الفائت، كان لنا حديثٌ مطوّل عن الهند وسينماها، من مرينال سنّ الى ريتويك
غاتاك. لكنه كان مفاجئاً وجود افلام مماثلة في سينما كانت حتى الأمس القريب
تحرّم القبلة!
دعونا لا ننسى الروح الثورية التي هيمنت على حفل الافتتاح مساء الجمعة
الفائت. هناك العديد حول العالم يجدون في السينما خلاصهم. "هنا، الشاشة
ديانة ثانية، انها أشبه بتنظيف الأسنان كل صباح، يعني شيء لا يمكن أن
تتجاهله"، قال أحد الذين مُنحوا الكلام، قبل أن يستقر على الاعلان السياسي
الآتي: لا يُمكن ان نبني شيئاً في الهند من دون أن نتعرض للاهانة. ثم كان
الدور لسيدة تحدثت لأكثر من 15 دقيقة، بنبرة عنفوانية عالية، قبل أن يضطر
مقدم الحفل الى ان يوجه اليها رسائل متعددة بضرورة اخلاء الخشبة. ضحك
الحضور وانتهت المسألة من دون التسبب بإحراج كثير. اطلالة هذه السيدة، وصدى
كلامها الذي حط في الضمائر، كانا مثالين على دور المرأة الفاعل في المجتمع
الهندي، والى أي مدى يمكن الاعتماد عليها لتأسيس الهند الحديثة. هي ليست
وجهاً ترويجياً لإعلان بوليوودي فحسب.
في الصالونات، الكثير من النساء العاملات في مجال السينما. واحدة
منهنّ ارونا فاسوديف، المديرة السابقة لمهرجان "أوسيان سينفان" وناقدة
معروفة تترأس اليوم جمعية "نيتباك" للسينما الآسيوية. خلال دعوة عشاء حميمة
في منزلها الذي كانت تستعد للانتقال منه بعد بضعة أيام، دعت صديقاتها
الثلاث، لتتحول الأمسية الى مرافعة ذات عناوين متعددة: سياسية، اجتماعية،
ثقافية وسينمائية طبعاً. تراوح النقاش بين أسباب وصول مرسي الى سدة الرئاسة
في مصر والأخطار التي تحدق بـ"الربيع العربي". احدى السيدات الحاضرات في
بيت ارونا، كتبت لي في طريق العودة من السهرة، اسماء اعلام الغناء في
الهند، وفي اعلى اللائحة اسم لاتا مانغيشكار، قبل أن تعلّق: "هي الآن في
الثمانينات من عمرها، بموتها قد تموت روح الشعب الهندي". نسيت أن تقول إنها
تكاد تكون الجامعة الوحيدة بين الباكستانيين والهنود!
في منتصف المهرجان، وصلت لعنة العتمة الى الهند وعاصمتها. 600 مليون
مواطن باتوا اسرى عطل تقني اغرق البلاد والعباد في ظلام دامس وشلّ حركة
السير. هذا انعكس على المهرجان سلباً، اذ أُلغي الكثير من العروض. عندما
وقفتُ أمام المشهد العريض الذي في قدرته ان يلهم أكبر التشكيليين، في الحيّ
ذي البناء العشوائي في دلهي القديمة، ساعات قليلة قبل ان أهم بكتابة هذا
المقال، أحسستُ بنوع من الامانة الاخلاقية والتحدي المهني. كيف لمقال صحافي
أن يُعبّر عن كل هذا التناقض البديع من دون أن يخون الاحاسيس البدائية التي
تعتمل في المؤلف؟ كيف تنتقل الجمل المشتتة الى نصّ فيه عناية وأناقة؟
الخوف، الدهشة، لحظات الصدمة التي لا يتآلف معها الوجدان بسهولة. كيف يدوّن
الروائح المنبعثة من جوف الأرض؟
هناك ألف كيف وكيف. يشرد الذهن أمام مشهد أبوكاليبتي الى هذا الحدّ،
ولا شيء، حتى السينما بقدرتها على استملاك اللحظة، يمكنه أن يحل مكان
العلاقة المباشرة مع الأمكنة التي تنبض بالحياة الى هذا الحدّ. السينما
سموّ بالحياة. ترفع من شأنها. ترفعها سلباً أو ايجاباً، لكن ترفعها الى
مصاف آخر، الى مرتبة اعلى. عندما تقف متأملاً أمام تجهيز بول ماكارثي
الشهير
Complex shit، لا بدّ أن تفكر: هاكم رجلاً يحول الخراء الى
فنّ، في حين أن كثراً يحولون الفنّ الى خراء. على المنوال نفسه يمكن الحديث
عن جزء واسع من السينما البوليوودية التي لا ترى في أفلمة القاع الهندي أيّ
منفعة اقتصادية ونفسية. عاصمة السينما الهندية (هي الآن في مومباي، لكن
هناك رغبة في نقلها الى نيو دلهي) غير قادرة على الارتقاء بالمعاناة
اليومية، الصلبة والكيدية. بيد ان الزخرفة التي تقوم عليها تلك السينما
(سواء عبر الموسيقى أو الديكورات والأزياء والغلامور والثوابت الفيلمية،
الخ)، يمكن أن يفهمها المرء عندما يزور الأزقة العفنة للمدينة شبه
المنكوبة. ذلك ان مَن يقبع في البؤس لا يريد في الضرورة أن يواصل علاقته به،
على الشاشة ايضاً. لهذا السبب، ينحصر طموح بوليود ببيع الأوهام، ولو من
طريق قصص الحب المكلومة، او عبر الخنجر الذي يحلّ به السيناريست كل مكبوتات
السيناريو وأبوابه المسدودة!
hauvick.habechian@annahar.com.lb
(*) "رحلة الى قاع السينما الهندية"، جزء ثانٍ، الخميس المقبل.
كريس ماركر سافر مع الرياح!
هـ. ح.
كيف نلخص سيرة رجل مثل كريس ماركر وأعماله في بضعة سطور؟ ماركر (1921
ــ 2012) واحد من مهندسي الصورة في القرن العشرين. السوفيات، تشيلي،
العمال، كوبا، أيار 68، كلّ هذا مرّ في وجدانه الحيّ، فترك أثراً بالغاً في
كل ما قاربه. بدأ حياته كاتباً، ثم مخرجاً لفيلم متواضع عن الألعاب
الأولمبية في فنلندا، عام 1952. كان أحد كبار الشهود على تقلبات العصر
الحديث وابرز محطاته، عمل بسرية كبيرة وبإلمام فظيع، بعيداً من الأنظار،
وكان فضولياً من الصنف النادر، يعتمد مجسّماً لقطّ كعلامة له، دائماً يبحث
عن العلاقات الخفية التي تربط الأشياء بعضها بالبعض الآخر.
La Jetté
عام 1962 كان بمثابة صدمة: باريس، اورلي، الحرب العالمية الثالثة... هذا
كله في 28 دقيقة لا تتضمن الا بضعة مشاهد متحركة، والباقي صور فوتوغرافية
يرافقها تعليق صوتي من نوع الخيال العلمي. الفيلم دخل معبد الكلاسيكيات،
واستلهم منه تييري غيليام "القرود الاثنا عشر" (1995). هناك حتى بار في
طوكيو يحمل اسم الفيلم، تحية لماركر. من المحطات المضيئة في مساره الحيوي
الذي امتد على أكثر من نصف قرن، مشاركته في العمل الجماعي عام 1967،
"بعيداً من فيتنام"، الى جانب غودار وفاردا وايفانز، ضدّ التدخل العسكري
للقوات الأميركية في "مستنقع فيتنام". انه زمن النضال والأدلجة، ولن يكون
ماركر بمنأى عن الأفلام الأشبه بالمنشورات السياسية التي حافظت دائماً، تحت
ادارته، على مذاق خاص، اميل الى الاعتقاد بأنها لا تقلَّد. شهدت السبعينات
ملحمة بديعة سمّاها "الفضاء لونه أحمر" (1977)، ثم بعده بخمس سنوات شاهدنا
له "بلا شمس": تسكعات شاعرية بين اليايان، فرنسا وايسلندا.
اختبر كثيراً، ولم يمل من عادته المفضلة وهي العبث بالصورة، صديقته
وحبيبته. الصورة هي العائلة التي احتضنت احلامه. ظلّ شاباً وقاوم التقليدية
والمحافظة، فدخل المنظومة التكنولوجية الجديدة مذ وجد فيها ما يخدم رؤيته
التي بقيت دائماً قيد البحث والتطوير. جعل من الانترنت حليفاً جديداً في
زمن نزلت الصورة الى أسفل المستويات ولم تعد لغة أو وسيلة تعبير، بل اداة
للإلغاء. ظلّ يُرينا الفرق من خلف الشاشة، كناسك متألم، كنوع من دكتور
مابوز. كان يواكب دائماً كل جديد، يقفز من تاريخ الى آخر، من حدث بات
قديماً الى آخر يحصل للتو، مستعملاً تقنيات الفيديو التي عرف دائماً كيف
يدفعها الى ذروتها لتكون فناً خالصاً. لم يكتف بالتصوير، بل راقب ايضاً
مجتمعه من دون أن يموت همّاً، وكان انتروبولوجيا في نظرته الى البشر. سافر
مع الرياح وعاد في بداية الموسم ليقطف أولى الزهور قبل أن تذبل. اصدقاؤه من
كوروساوا الى رينه فبازان وغافراس. رصيده نافذة مفتوحة على العالم. تحفته:
مسوّدة فيلمية لن تتحول أبداً الى قصيدة نهائية.
مهرجان الفيلم اللبناني يخاف إزعاج الرقابة
هوفيك حبشيان
مهرجان الفيلم اللبناني (سابقاً "نما في بيروت") يعود بعد غياب عام
الى حضن "متروبوليس" الدافئ، بدءاً من الثالث والعشرين من الجاري. رقم
الدورة: 10. لا نعلم لماذا غادر الحياة الثقافية فجأة، تماماً مثلما لا
نعلم الآن لماذا يعود. ما الذي حدث بين الزمنين: حربٌ أهلية، تسونامي،
مؤشرات جدية لنهاية الانسانية؟ ككل شيء آخر في جمهورية اصبحت مَضحكة
العالم، لا مَن يسأل ولا مَن يجيب. القيادات في لبنان تقدس الاعتباطية
والعمل المشغول شغلاً تقريبياً. مثلهم مَن يمسكون بزمام القرار في دنيا
الثقافة، أو على الأقل أولئك الذين يعتقدون أنهم يمسكون بها. علمنا في غضون
ذلك الغياب، أن الادارة تغيرت، وان الفريق القديم لم يعد في المقدمة، اذ
أحب أن يستثمر المزيد من الجهد في ميدان الانتاج. منذ الآن، هناك مَن يشتكي
من الوافدين الجدد: كريستوف كاراباش، المخرج اللبناني الشاب يعمل منذ بضع
سنوات في الهامش، مفعّلاً سينما تعيد الى الجرأة معناها المفقود، بعيداً من
التشويهات التي تعرضت لها هذه الكلمة في البازارات النقدية. انها دعوة الى
اعادة تعريف الجرأة في السينما العربية، المعدومة الخيال، الا في ما ندر.
افلامه، التي يحلو لي وصفها بـ"المحمولة على الظهر"، صعبة بالمفهوم
التجاري، ولا مجال آخر كي تلتقي الجمهور اللبناني بسوى عرضها في احد
المهرجانات التي تُعنى بالفيلم اللبناني.
ينجز كاراباش افلاماً لمتعته السينيفيلية أولاً (من أسياده: فاسبيندر)
لكن متعته الثانية هي أن تلتقي عينه عين المتفرج. في هذا، تكتمل النشوة.
بيد ان الفيلمين اللذين قدمهما الى ادارة المهرجان، "بيروت كاميكاز"
و"الكثير من الحبّ سيقتلك"، جُبها برفض قاطع وصدما المبرمج. في تظاهرة
ثقافية سيطربنا القائمون عليها عبر المنصات واللقاءات التلفزيونية بقصائد
زجلية من مثل "تشجيع الانتاج المحلي"، لم يكن التخلي عن الفيلمين، بحسب ما
يقول كاراباش، لأسباب فنية أو جمالية، بل لمبررات أخرى تتعلق بالرقابة، لا
بل حتى بالتسبيق عليها. أي ان الادارة خافت من أن يعكر الفيلمان
"المختلفان" صفو الاحتفالية التي من المفترض الاّ تحمل على عاتقها طمأنة
الساسة وأصحاب السلطة والحرصاء على السياحة. المهرجانات ليست صيدليات
لمداواة أوجاع الناس. "علينا أن نعمل بحذر والاّ نصطدم بالأمن العام كي
يتركنا وشأننا"، قال المدير الجديد للمهرجان لكاراباش في اتصال بينهما،
بعدما نشر الأخير خبراً في هذا الشأن على صفحته الـ"فايسبوكية". كلام يردّ
عليه كاراباش بالآتي: "هذا القرار الجبان يفتقر الى حسّ الشغف الذي على
المهرجان التمسك به. وأنا أعتبره شكلاً من أشكال الرقابة".
دائماً بحسب كاراباش، فإن جميع الأفلام التي من شأنها أن تحدث مشكلة
مع الرقابة استُبعدت عن قائمة المهرجان. هناك شيء واحد في العالم اليوم
أسوأ من رقابة السلطة ورقابة الذات: هذا الشيء اسمه "رقابة الممول" أو
"رقابة السوق" او "رقابة الباب الذي تأتيك منه الريح...".
النهار اللبنانية في
02/08/2012
جبال أرباح لكن عدد المُشاهدين يتراجع ومشاريع تجرّ كوارث
مالية
هوليوود تتجاهل المراهقين والمال يأتي من المنتوجات
المستلّة
من أفلامها
نديم جرجورة
«تُراكم الاستديوهات
جبالاً من الأموال. ذلك لأن النموذج المتخذ
لاشتغالاتها يعمل بشكل جيّد». بهذه
الكلمات، لخّص باتريك غولدشتاين (كاتب افتتاحيات في الصحيفة الأميركية
اليومية «لوس
أنجلوس تايمز») واقع الحال السينمائي الأميركي. الأرباح مرتفعة. هذا ما
أكدته «جمعية
صناعة السينما الأميركية» في تقرير لها أفاد أن هوليوود حقّقت، في العام 2011،
32
ملياراً و600 مليون دولار أميركي أرباحاً ببيعها بطاقات دخول إلى الصالات
السينما، علماً أن ثلثي هذا المبلغ تحقّق خارج الولايات المتحدّة
الأميركية. هذا
يعني ارتفاعاً في المبيعات بلغ 35 في المئة قياساً إلى أرقام العام 2007،
الذي شهد
مبيعات بلغت 26 ملياراً و200 مليون دولار أميركي. من جهته، قال المنتج مارك
فريدمان
إنه «في ظلّ هذه الظروف، ما من سبب يؤدّي إلى تبدّل الأحوال. السينما
الأميركية
باتت مركزة أكثر فأكثر، مستقطبةً من جهة أولى أفلام الـ«بوب كورن»، ومن جهة
ثانية
أفلام «الأوسكارات». ما هو مؤكد، كامنٌ في أن زمن أفلام الثريلر والكوميديا
الرومنطيقية قد انتهى».
أرقام
هذه صورة تختصر شيئاً أساسياً من واقع
السينما الأميركية حالياً. صورة لا تُخفي سؤالاً مطروحاً في أوساط الصناعة
السينمائية الهوليوودية: «هل بات مستقبل السينما الأميركية خلفها؟». في
تحقيق منشور
في المجلة الفرنسية الأسبوعية «لو نوفيل أوبسرفاتور» (19 تموز 2012)، كتب
أوليفييه
بونّار ما يلي: «في العام 2011، تراجع عدد مُشاهدي الأفلام في الصالات
السينمائية
الأميركية إلى مستوى منخفض لم يبلغه سابقاً منذ العام 1995». أضاف إن سوق
الـ«دي.
في. دي.» انهار بنسبة 44 في المئة في العام 2010، بعد أن شهد نموّاً
هائلاً. رأى أن
نجوم هوليوود باتوا عاجزين عن تسويق أفلامهم، بمن فيهم توم كروز الذي سقط
بطريقة
مروعة مع فيلمه الأخير
«Rock Forever» (2012)
لآدم شانكمان، إذ حقّق إيرادات دولية
بلغت 48،8 مليون دولار أميركي، في مقابل ميزانية إنتاجية بلغت 75 مليون
دولار
أميركي. هناك أيضاً توم هانكس وجوليا روبرتس، اللذان أُصيبا بهزيمة نكراء
بسبب «Larry Crowen» (2011)
لهانكس: «هذا أمر لم يكن مطروحاً أبداً قبل عشرة
أعوام»، كما
كتب بونّار.
في مقابل هذا، هناك إنتاجات ضخمة (Blockbuster)
اشتهرت بها
استديوهات هوليوودية كبيرة، تعرّضت بدورها لنكسات متتالية، منذ «BattleShip» (2012)
لبيتر بورغ، الذي أنتجته «يونيفرسال»، وبعد أن أدّى الفشل التجاري الذريع
لـ «John Carter» (2012)
لأندرو ستانتون إلى استقالة ريش روس مدير
استديوهات «ديزني».
باختصار، تبدو هوليوود كأنها باتت «صغيرة» الحجم. طبعاً، هناك
استثناءات متمثّلة
بأرباح هائلة: «ديزني» نفسها مثلاً حقّقت
نجاحاً تجارياً كبيراً بفضل
«Avengers» (2012)
لجوس ويدون، إذ بلغت الإيرادات الدولية
1،45 مليار دولار أميركي. أما
بالنسبة إلى «سوني بيكتشرز»، فإن «Spider-Man»
الجديد (2012) لمارك ويب لم يُضيّع
فضله عليها بعد، و
«The Dark Knight Rises» (2012)
لكريستوفر نولان هو «فوز مُعلن»
لدى شركة «وارنر إخوان».
طرح أوليفييه بونّار سؤالاً: هل «الصنيع المفخرة»
للمنتقمين المقنّعين
(Avengers)
هو الشجرة التي تخفي الغابة؟ يُجمع مطلّعون على
صناعة السينما الهوليوودية وخبراء اقتصاديون في أحوالها على أن «مشكلة
السينما
الأميركية كامنةٌ في تركيزها على المراهقين، كما يبدو». وذلك انطلاقاً من
تفسير
مفاده أنه إذا كان اهتمام المراهق قليلاً جداً بالنوعية، لأنه مستعدّ لفعل
المستحيل
للخروج من منزله، فإنه في الوقت نفسه مشغولٌ بألعاب الفيديو، أو بالتواصل
مع
الآخرين عبر «تويتر»، أو بـ«إنزال» أفلام عبر شبكة «إنترنت» بطريقة غير
شرعية: «هذا
كلّه لأنه مفلس». فهل نسيت الاستديوهات هؤلاء المراهقين تحديداً، عندما
صنعت
أفلاماً بتقنية الأبعاد الثلاثة، جاعلة منها عصب اشتغالها المهنيّ ومحور
تطوّرها
الصناعي، ما أدّى تلقائياً إلى رفع ثمن بطاقات الدخول إلى الصالات
لمشاهدتها؟
البالغون أثبتوا أن هناك أفلاماً مخصّصة لهم «قابلة للنجاح»، كما حصل مع «Magic Mike» (2012)
لستيفن سودربيرغ (عالم الرقص المتعرّي للرجال) و «Ted» (2012)
لسث
ماكفارلاين، كوميديا مبنية على علاقة صداقة
بين شاب ثلاثينيّ ولعبته المتمثّلة بدبّ
من قماش: «إنهما من الأفلام النادرة جداً المُنجزة خصيصاً بالصيف لمن هم
فوق
الثلاثين من أعمارهم»، بحسب مقالة بونّار. لكن، بحسب الممثلة ميلا كونيس،
بطلة «Ted»
و«Black
Sawn» (2010)
لدارن آرونوفسكي، هذه الأفلام استثنائية:
«يسألني
كثيرون لماذا، بعد «بلاك سوان»، لم أشارك في أفلام منتمية إلى
النوع نفسه. جوابي
لهم: لأنه لا يوجد. هكذا بكل بساطة. أمضى
دارن عشرة أعوام لإنجاز «بلاك سوان». لم
يرغب أحدٌ في فيلم ثريلر تدور حكايته داخل عالم الباليه. في غضون شهرين
اثنين،
وصلني نحو 40 أو 50 سيناريو. لم يشدّني أيٌّ منها إطلاقاً».
أرباح
أخرى
حقّق «بلاك سوان» 329 مليون دولار أميركي كإيرادات دولية، في مقابل
ميزانية إنتاجية بلغت 13 مليون دولار أميركي فقط. بشكل عام، من «Inception» (2010)
لكريستوفر نولان إلى
«The Artist» (2011)
لميشال هازانافيسيوس، مروراً
بـ«Despicable Me» (2010)
فيلم تحريك لبيار كوفن وكريس رونو و«Social Network» (2010)
لديفيد فينشر و
«The King’s Speech» (2010)
لتوم هوبر، بدا واضحاً أن
«الأصالة في كتابة الأفلام وصناعتها تمّت مكافأتها في الأعوام
الثلاثة الأخيرة».
بالنسبة إلى الممثلة ميريل ستريب، هناك مسألة أخرى: «في
الأعوام الخمسة الأخيرة،
أُنجزت خمسة أفلام موجّهة إلى الجمهور
النسائي، حقّقت أرباحاً بلغت 1،6 مليار دولار
أميركي». الأفلام الخمسة المقصودة هي:
«The Help» (2011)
لتايت تايلور،
«The Iron Lady» (2011)
لفيلّيدا لويد،
«Bridesmaids» (2011)
لبول فيغ،
«Mamma Mia!» (2008)
للويد أيضاً و
«The Devil Wears Prada» (2006)
لديفيد فرانكل: «كلّف إنتاج هذه
الأفلام جزءاً يسيراً من تكاليف إنتاج الأفلام الضخمة. «المرأة
الحديدية» (مثّلت
ستريب فيه دور مارغريت تاتشر) كلّف 14
مليون دولار أميركي، وحقّق إيرادات بلغت 114
مليون دولار أميركي». بحسب ستريب، يُعتبر هذا الأمر بمثابة «أرباح صافية».
وتساءلت
بحدّة: «لماذا إذاً لا تُنتج الاستديوهات أفلاماً كهذه؟». ردّ عليها تيم
غراي، رئيس
تحرير مجلة «فارايتي» المعنية بصناعة السينما الهوليوودية، بالقول: «لأن
الاستديوهات تخلّت عن التجاريّ في صناعة السينما من أجل ما يُعرف باسم «Tentpoles»،
أي تلك الأفلام المُنتجة بهدف تأمين أرباح من فوائد عائدة من تسويق منتوجات
استهلاكية مستلّة منها». في هذا الإطار، عرض البعض أمثلة أبرزها «ديزني».
فبحسب
الموقع الإلكتروني الرسمي للاستديو، تهتم الشركة بمجالات عدّة أبرزها:
«الإعلام،
أفلام الاستديو والمنتوجات الاستهلاكية». بهذا المنطق، فإن «Cars 2» (2011)
لجون
لاسيتير وبراد لويس، يُعتبر «أسوأ» إنتاج في عالم التحريك المصنوع في شركة
«ديزني/
بيكسار» على مستوى الإيرادات، لكنه كان «نجاحاً كبيراً»، لأن الهدف الأول
من هذه
التتمة كامنٌ في «صناعة ألعاب مستلّة منها حقّقت نحو عشرة مليارات دولار
أميركي».
شركة قادرة على زرع ذكريات افتراضية في فيلم المخرج وايزمان
«تذكّر
تام».. النسخة الثانية من رواية الخيال العلمي أفضل من
الأولى
بعد اثنين وعشرين
عاماً على الاقتباس السينمائي الأول، الذي
حقّقه المخرج الهولنديّ الأصل بول
فيرهوفن، بات يُمكن لمحبّي هذا النوع من
الخيال العلميّ مُشاهدة اقتباس ثان، بدءاً
من الثالث من آب المقبل. العنوان الأصليّ للاقتباسين السينمائيين ظلّ هو
نفسه: «تذكّر
تام» (Total Recall).
النصّ الأدبيّ حمل عنواناً مغايراً: «يُمكننا تذكّره
من أجل بيعك إياه بالجملة» (ترجمة حرفية للعنوان الإنكليزي: «We Can Remember It For You Wholesale»)،
للكاتب الأميركي فيليب ك. ديك (1928 ـ 1982). في العام 1990،
قدّم فيرهوفن (74 عاماً) نسخة سينمائية
أولى (تمثيل آرنولد شوارزينيغر وشارون
ستون). في العام 2012، قدّم لين راين
وايزمان (39 عاماً) نسخة ثانية (تمثيل كولن
فاريل وكايت بنكسال).
الممثل الإيرلنديّ كولن فاريل (36 عاماً) بات أحد أبرز
الممثلين الهوليووديين الشباب حالياً. التنويعات التمثيلية التي قدّمها
بدءاً من
العام ألفين، جعلته يتقلّب بين شخصيات متناقضة، وأحداث متفرّقة. من بينها: «الإسكندر»
(2005) لأوليفر ستون. اقتباسان سينمائيان عن عملين تلفزيونيين مشهورين
كثيراً: «سوات» (2003) لكلارك جونسون، و«ميامي فايس» (2006) لمايكل مان.
مثّل
بإدارة وودي آلن في «حلم كاساندرا» (2007) وتيري غيليام في «الفرقة
المسرحية
إيماجيناريوم الخاصّة بالدكتور بارناسوس» (2009) ودانيس تانوفيك في «عيون
الحرب» (2009)
وغيرها. مشاريعه الجديدة في العامين 2012 و2013، المُعلن عنها لغاية
الآن،
هي، بالإضافة إلى «تذكّر تام»: «سبعة مرضى نفسيين» لمارتن
ماكدوناغ و«سقوط رجل ميت»
لنيلز آردن أوبليف.
في «تذكّر تام»، يستعيد حيوية التشويق والخيال العلمي، الذي
اختبرهما مراراً في أفلام سابقة: «إنها المرّة الثانية التي تتيح لي فرصة
التمثيل
في فيلم نسخة ثانية»، بحسب قوله في حوار منشور في المجلة السينمائية
الفرنسية «بروميير»
(تموز/ آب 2012). المرّة الأولى كانت في العام الفائت، مع «ليلة مخيفة» (Fright Night)
لكريغ غيلّيسبي (النسخة الأولى وقّعها إدوارد بيرندس في العام
1947،
علماً أن هناك فيلماً أميركياً آخر حمل العنوان نفسه، أخرجه
توم هولاند في العام
1985): «الاقتباس الثاني لـ«تذكّر تام» يُشبه الاقتباس
الثاني لـ«ليلة مخيفة»:
إنهما مختلفان تماماً عن العملين الأصليين. أحبّ كثيراً فيلم
فيرهوفن. عنفه الأسود.
دعابته الغريبة. الـ«غمزات» الانتقادية لشوارزي. إلخ. هذه
كلّها جعلتني أقهقه
دائماً. النسخة الجديدة جدّية أكثر. أقرب
إلى قصّة فيليب ك. ديك، التي لا يذهب
دوغلاس كوايد فيها إلى كوكب مارس».
الحبكة الدرامية معقودة على حكاية دوغلاس
كوايد: تدور الأحداث في مستقبل بعيد، في آسيا جديدة. الرجل مفتونٌ بكوكب
مارس،
وحالم بزيارته. عندما أعلنت شركة «ريكال» قدرتها على منح زبائنها فرصة زرع
ذكريات
افتراضية، قرّر كوايد خوض المغامرة، طالباً زرع ذكريات عميل سرّي في مهمّة
خاصّة: «لن
يكون هناك عنف متطرّف أكثر من النص الأصلي. لقد تطوّر ذاك الزمن. اليوم، ما
من
أحد يستثمر 160 مليون دولار أميركي في فيلم تشويقيّ ممنوع على من هم دون
السادسة
عشرة من أعمارهم مشاهدته. نسختنا مخصّصة بالمشاهدين جميعهم. هناك مال كثير
تمّ
استثماره». في هذا الإطار، سأل الصحافي بنجامن روزوفاس الممثلَ فاريل عن
تمثيله
ثانية في فيلم مقتبس عن قصّة للكاتب نفسه ديك، بعد «Minority Report»، الذي أخرجه
ستيفن سبيلبيرغ في العام 2002: «في فيلم سبيلبيرغ، عثرتُ في
العالم الخيالي لديك
على تلك الفكرة الأورويلية (نسبة إلى جورج
أورويل)، التي أفادت أنه إذا السلطة
مُفسدة، فإن السلطة المُطلقة مُفسدة بشكل
مطلق. أعمال فيليب ك. ديك مُحرَّكة بهذا
المعنى البائس جداً لخيانة الشعب من قِبل السلطات الحاكمة. ناس السلطة
يظهرون في
أعماله أسياداً يتلاعبون، ويمسكون بخيوط الإنسانية عن غير قصد. هذه الثيمات
موجودة
في صلب فيلمي الجديد».
السفير اللبنانية في
02/08/2012
النّصان الوثائقيان «السفير» و«البحث عن شوكر مان»
البُعد الكوميدي والخروج من ميتة
ماكرة
زياد الخزاعي
(لندن)
لا يغدو الفيلم
وثائقياً ما لم تكن أولوياته مَحْكومَة
بالاستقصاء وصنعته ونباهاته. أي أن يشيد
النص بحثه وسرده سعياً إلى تراكم المَعْرفية لدى مشاهده. ولئن اختار العمل
الوثائقي
السينمائي المميّز مهمّة الاستخبار، مناقضاً بذلك نظيره التلفزيوني التجاري
الذاهب
نحو الإعلام، فإن الأول يريد أن يُعلِّم ويُغيِّر، معتمداً على فرادته
بالسؤال عن
حقيقة تتطلّب شجاعات نادرة في كشف مستورها، بينما يسعى الثاني إلى تداول
نبأ مُشاع،
يُصوغ التشويق حوله وعنه، مُشبعاً الفضول قبل العِرفان، كما هي حال البرامج
المتلفزة كـ«بانوراما» و«ديسباتشيز» و«هورايزن»، وأشرطة مثل «ملكة فيرساي»
(2012)
للورين غرينفيلد، أو»مسيرة البطريق» (2005) للفرنسي لوك جاك.
في النصّ الباهر
«بَرَكة» (1992) ومُكمِّله «سمسارا» (2012) للأميركي رون فرِك،
يتجلّى الفرق
المعرفي الذي يشعّ على الشاشات. ذلك أن النصّين من دون كلمة
واحدة، وغارا في قلب
الكَيْنُونة البشرية والكَوْن من حولها.
الزخم الصُوَريّ والموسيقيّ الخاطف
للبصيرة، عَقْلَنا تطوّر الإنسان، وصَوَّرا
انقلابات حيواته وعاداته وطقوسه
وإيماناته ومعماره وغيرها. عُدّ الفيلمان سِفْرين بصريين استهدفا ضمير
المرء القابع
في الظلمة. يزيده خبرة، ويُحسّن ذائقته، ويُعمّق إدراكه الوجود. في
المقابل، تترتّب
أفلام مثل «بروجكت نيم» لجيمس مارش (2011) حول الجهد العسكري الأميركي
السرّي
لـ«أنسنة» قرد من نوع الشمبانزي، و«حجمي السوبر» (2004) لمواطنه مورغان
سبورلوك عن
مخاطر شركات الوجبات السريعة، و«أخبار طيبة» (1991) للنمسوي أولدريش سيدال
عن
عبودية المهاجرين الآسيويين وإرغامهم على العمل سُخرةً خلال توزيع صحيفة
نافذة
وبيعها في شوارع فيينا، كانقلابات سينمائية استقصائية فريدة النزعة.
يُضيف
الفيلم الفذ «السفير» (94 د.) للصحافي
والسينمائي الدانماركي مادس بيرغر بُعداً
صاعقاً هو «كوميدية الوثائقي». فالرحلة الغريبة التي يرغمنا على مرافقته
فيها،
وصولاً إلى فساد نظم الدبلوماسية في أفريقيا، لا يستهدفان معلومة عامة
نعرفها
جميعنا عن أحوال حكومات قبلية ووصولية، مُفعمة بالتّجار ومتحيّني الفرص
واللصوص، بل
إلى مفارقة: كم سهلاً التنكّر لاختراق أكثر المناصب تشريفاً في السلك
الراقي:
السفير. يرتدي المخرج بيرغر طقم المستعمِر القديم: بزّة كاكية، وقبعة
محصّنة، وجزمة
عسكرية، من دون أن يغفل إكسسوار الأرستقراطي الأوروبي المتمثّل بالسيجار
الكوبي.
التمثيلية المُصاغة برسم المغامرة، تتحوّل إلى استقصاء للبشاعة الأفريقية
الحديثة.
الجميع متورّطون ومصرّون على نجاساتهم البشرية، بدءاً من السرقة، وانتهاء
بالاستزلام، ومروراً بالدعارة.
هذه مسلّمات عامة. لكن بيرغر يستهدف بؤراً مغلقة
يُراكمها. الدين معضلة، لأن الجميع يسرقون، وألسنتهم تلهج بالدعوات. الشرف
الشخصي
خط أحمر، بينما الجميع يرتشون ويقامرون ويزنون. الالتزام مرْتَهن بالمال،
والقفز
على الفاقة ملازم للعبودية الجديدة. لا يزوّر بيرغر حكاياته، بل يُصوّرها
بكاميرات
خفيّة، حين يلتقي محتالي الصفقات من الأوروبيين، أو مباشرة، حين يرافق
المسؤولين
الأفارقة وهم يتزاحمون على المال الحرام. عندما يشتدّ الطوق على عنقه،
يُصعِق
مُشاهدَه بالاعتراف أن عليه وقف الفيلم، لأن حياته أصبحت في خطر محدِّق،
إثر تجميع
المرتزقة معلومات تكشف حقيقته كصحافي راهَن على التقصّي، وكشف عار
الدبلوماسية
الماكرة.
على غِرار هذه النباهة الدانماركية، سعى السويدي الهويّة المغربي
الأصل
مالك بن جلول إلى تقصّي مصير مُطرب شعبي أميركي ذي أصول
مكسيكية يُدعى سكسو
رودريغيز. أصدر ألبومين واختفى. قيل إنه
انتحر. بيد أن وجوده ظل طيّ الكتمان منذ
السبعينيات الماضية، قبل أن يقرّر مهووسان من جنوب أفريقيا، حيث يُعَد
إيقونة
موسيقية تبزّ سمعة فرقة الـ«رولينغ ستون»، وأسموه «بوب ديلان الهسبانك»،
تعقَّب
مصيره.
في عمله الأخّاذ «البحث عن شوكر مان» (التعبير الأجنبي عنوان أغنية
شهيرة
له)، يكشف بن جلول أن الرجل يعيش بطمأنينة ورهبنة كعامل بناء،
وأن موسيقاه هواية
وعيشه مهنة. يقنعه بالعودة إلى جنوب
أفريقيا، حيث يوثّق انبثاق نجوميته مجدّداً.
شكّل بن جلول درامية مدهشة، تداخل فيها الحوار بالرسوم المتحرّكة والبيانات
والعائلة والمرجعيات الموسيقية والتواريخ. في قلبها، نتابع «التقمّص»
الجديد لأحد
أكثر مبدعي الموسيقى الشعبية غموضاً وفتنة. المفاجأة عنصر حيوي. الفيلم
مصنوع
كاستعادة منظّمة لـ«اصطياد» انكفاء الفنان. عندما تصوِّره الكاميرا خفية،
وهو يُطلّ
من نافذة شقته المتواضعة، نتيّقن أن الانقلاب حدث. موافقته على العودة إلى
الصورة
الكاملة إحياء ضد ميتة ماكِرة.
السفير اللبنانية في
02/08/2012
«العربية لغة بلا حدود» رحلة في عوالمها
استوكهولم - قيس قاسم
أنتج التلفزيون السويدي برنامجاً خاصاً باللغة العربية قدمته
الفلسطينية الأصل نادية جبريل، عبر ثماني حلقات، حمل عنوان «العربية لغة
بلا حدود» حاولت المقدمة من خلاله تعريف المشاهد السويدي بمستوى حضور اللغة
العربية في المجتمع ومدى أهميتها على المستوى العالمي وعمق تأثيرها
التاريخي والثقافي سيما وإنها اليوم واحدة من أكثر اللغات استخداماً في
السويد وفي بلدان أوروبية أخرى. ولهذا لسبب جعلت جبريل من برنامجها رحلة
حول عدد من البلدان التقت في كل واحد منها شخصيات عربية في شوارعها وفي
أمكنة استخدمت العربية فيها كلغة عمل، حاولت من خلالهم معرفة مدى تفاعل
العربية والعرب مع تلك المجتمعات وكيف تنظر هذه، بدورها، إلى اللغة العربية
بخاصة وأن الكثير منها له صلة مباشرة بها لأسباب تعود إلى التاريخ والدين
والثقافة.
حكاية الذات أولاً
بدأت نادية حلقتها الأولى متحدثة عن نفسها، بوصفها شابة من أبوين
فلسطينيين جاءا إلى السويد واستقرا في جنوبها، وهناك كبرت نادية وتعلمت
السويدية إلى جانب العربية التي كانت العائلة تستخدمها داخل البيت ولكن
مستواها ظل وحتى اللحظة أضعف بكثير من السويدية لقلة استخدامها ومن هنا
فكرت في إعداد برنامج عن مدى فعالية استخدام اللغة العربية في العمل، فكانت
تجربة مثيرة لها باعتبارها ولأول مرة تقوم بممارستها، خارج السويدية التي
اشتغلت بها في التلفزيون السويدي. ثمة شخص شهير قام بنفس الدور، في مجال
ثان، اسمه رامي شعبان، انه حارس مرمى المنتخب السويدي السابق وأحد الأندية
المحلية المشهورة ساعدته العربية التي تعلمها داخل منزله في السويد في
العمل حين قرر الذهاب للّعب في موطنه الأصلي: مصر. حديث رامي بدا ممتعاً
وقدم فيه صورة واضحة عن أهمية استخدام أكثر من لغة في شغله وكيف ساعدته
العربية على الاندماج في المكانين وحتى التفوق بفضلها في بعض النواحي
الفنية على أقرانه.
في مينة سودرتاليا الأكثر كثافة بالجالية السريانية التقت ناديا
أساتذة سويديين مختصين بالعربية وآدابها، وأكدوا لها أن العربية ورغم كثرة
مستخدميها في الحياة اليومية في المدينة لا ترتقي ولمدى زمني بعيد لمستوى
تصبح فيه لغة ثانية مثل الفنلندية والسامرية، والسبب أن الأجيال الجديدة لا
يتحدثونها كفاية وبالتالي تخسر اللغة قوتها وحضورها. هذه المعلومة دفعت
المقدمة لزيارة البلد الجار الدنمارك لتتقصى إلى أي درجة تستخدم العربية
فيها. لقد وجدت هناك صراعاً سياسياً يعيق نموها وحتى حق استخدامها، تقوده
أحزاب يمينية لا تعترف أصلاً بحق المهاجرين في تعلم لغتهم الأم فيتعلمون
الدنماركية كلغة وحيدة أساسية إلى جانب الإنكليزية وبالتالي فإن آفاق
انتشار العربية هنا، وبحسب مدرسة اللغة الأم هيلة نيلسن «ضعيفة في ظل موقف
سلبي من العرب والمسلمين وسياسة تربط بين اللغة والانتماء القومي. فاليمين
السياسي المتنفذ يحصر القضية بالتالي: إما أنت معنا وتتحدث لغتنا أو أنت
ضدنا وتتكلم لغة أخرى غريبة عنا!». وعلى عكس هذا بدا الوضع في إنكلترا؛
فالعربية لغة فرص للعاملين في الحقل الإعلامي والاقتصادي على وجه التحديد،
وهذا ما لمسته ناديا جبريل حين زارت صحيفة «القدس العربي» و»مكتب الجزيرة»
واستمعت إلى تجارب بعض العاملين فيها في العمل بلغة أخرى غير لغة الإنكليز
وعلى أرضهم.
في بيت الشاب خالد
وقد تكون الحلقة الرابعة من أكثر الحلقات متعة وإثارة لأسباب عدة من
بينها: أنها زارت فيها المطرب الشهير الشاب خالد في منزله وحدثها عن علاقته
بالعربية وكيف أستطاع المزج بينها والفرنسية في كثير من أغنياته التي لقيت
رواجاً عالمياً. وتبدو الحلقة مثيرة أيضاً للصدى الذي لاقته من بعض العرب
في شوارع باريس. فلقد رفض الكثير منهم التحدث إليها وأسمعها البعض كلاماً
قاسياً مشككين بدورها وغايتها من مقابلتهم. لقد كانوا خائفين من كل لقاء
صحافي، ومتوجسين من خطر يأتي اليهم في ما بعد منه، لكن الأمر اختلف عندما
سافرت إلى مدينة مرسيليا الساحلية، فالعرب هناك بدوا منفتحين ويستخدمون
لغتهم على نطاق واسع كما لو انهم يعيشون في بلدانهم الأصلية.
من هناك قادتها رحلتها إلى مالاغا الإسبانية لتنقل كاميرتها آثار ما
تركه العرب فيها من ثقافة وحضارة يصعب نكرانهما، فشواهدهما حاضرة في
الأندلس وغيرها حتى يومنا هذا. وحسب عالم اللغة خوسيه ميغال بويرتو
«استخدمت اللغة العربية الفصحى لثمانية قرون في المدن الإسبانية وبخاصة في
جنوب شرقي البلاد، كلغة رسمية في دوائرها وتداولها المثقفون في نشاطاتهم
اليومية». وعلى مستوى مقارب وجدت في اللغة المالطية الكثير من المفردات
العربية ولهذا السبب أصر العالم اللغوي البرت بوري ملاقاتها في «زقاق» ضيق
من المدينة القديمة لتسمع بنفسها الكلمات العربية التي يستخدمها الناس في
أحاديثهم اليومية. وقال «يستغرب بعض المالطيين حين نخبرهم بأن أصولنا عربية
وأن تأثيرات الدين الإسلامي قوية في حياتنا، لأنهم وببساطة يجدون أنفسهم
كاثوليكيين أقحاح، ولهذا نذكّرهم دوماً بمثل شعبي يقول: بأن المالطي
كاثوليكي أكثر من البابا وملكي أكثر من ملكة بريطانيا».
في إيطاليا كانت زيارة مكتبة الفاتيكان مفيدة لنادية جداً، فقد تصفحت
ولأول مرة في حياتها نسخاً أصلية من كتب ومطبوعات عربية وصلت اليهم عن طريق
المستشرقين من بينها كتاب «الأحياء». كما عرفت أن العربية من بين اللغات
التي تبث بها إذاعة الفاتيكان إلى مستمعيها في كل أنحاء العالم. أما في
البوسنة فقد وجدت ترحيباً بها وبلغتها. فالناس فيها يفخرون بتعلمهم العربية
ويعتبرونها جزءاً من هويتهم وتعترف نادية جبريل في حلقتها الخاصة بالبوسنة
والهرسيك بأنها وجدت نفسها في جو أليف كما لو كانت في بلد عربي.
الحياة اللندنية في
02/08/2012
الطيب والقبيح والشريرسيـــرة شخصــية علـــى
إيقاع الموسيقى
طالب فــرج
المتتبع والمشاهد لأفلام رعاة البقر (الكابوي)،
يلاحظ هذه النوعية من الأفلام إن لها بريقا ولمعانا خاصين، نكون مأخوذين
بهالتها ونزعتها القصصية لتكون ميزة واختلاف عن بقية الأفلام.. حيث تضعك في
أجواء
مختلفة وتسحبك إلى عوالم الماضي، وتجعلك بمقارنة مع الحاضر، أو حتى
المستقبل، ونلاحظ أن أفضل ممثلي العالم (هنري فوندا، لانكستر،
انطوني كوين، جون واين، جوليا نجيما، كيرك دوغلاس..الخ) كانت لهم مشاركات
مؤثرة
بهذه النوعية من الأفلام، وكانت لهم خصوصية طبعت عليهم، فهي تضفي ذلك السحر
والتأثير والحماسة على المشاهد، وتنقلنا إلى عوالم أخرى من الحياة
الغربية.. وتضعنا
في فضاء أوسع وأرحب، بعيدا عن أجواء المدينة وضوضائها..وقد كان لفيلم
الويسترن
الشهير "الطيب والقبيح والشرير" ذلك الأثر اللامع، في نتاجات هوليوود
السينمائية
عام 1966،
وكان عرضه عام 1967.. وهو من إخراج strqioleone
تدور احداثه بين ثلاثة
عناوين"الطيب والقبيح والشرير"مختلفة
المسدسات ومتشابهة بالبارود والدخان ضمن
المفهوم الواحد.. تدور رحى أحداثه تحت ناصية الطمع والجشع والاستيلاء
وإعطاء الشعور
بالبقاء للأقوى وفرض عنصر القوة أنى حلت ورحلت، وتقوم قوة (الكان) محل كثير
من
القيم والمبادئ الإنسانية في الغرب الأميركي.. الذي شدنا أكثر إليه هي
الموسيقى
التي قد رافقت أكثر أحداثه، فالفيلم شهد ثلاث شخصيات بثت جوانبها في
إرجائه، فأعطت
كل شخصية عنوانها..Eastwood
الممثل والمخرج الشهير بدور "الطيب" باسم
Blond
والذي
عانى هذا الأخير ما عانى من أحداث ومشاق
ومصاعب، وذلك عندما اجبر على قطع الصحراء
مشياً على الأقدام يصاحبه العطش وذلك تحت تهديد السلاح، من قبل شخصية
"القبيح
والغبي" والذي دائما يوقع بـ"الطيب"، وقد تلبس دور هذه الشخصية الممثل Eli Wallach
باسم
Tuco
وهذا "الأحمق" الذي كان طوال الفيلم يطلق على
شخصية "الطيب" باسم الأشقر
ذي البشرة الناعمة.. وفي مشهد ابتزازي عندما كان يعذبه ليتشفى به أكثر..
إلى أن مرت
بهما قافلة تحمل أشخاصا مقتولين، فقام هذا بسرقتها، وكان شخص فيها بالرمق
الأخير
يطلب بعض الماء من الأحمق.. مقابل معرفة مكان كنز مقداره 200 ألف دولار،
وعندما ذهب
هذا الأحمق لجلب الماء، قد سبقه إليه الطيب ليطلع على السر وحده.. فكانت
هذه
القافلة هي مرسال القدر لإنقاذه من القبيح.. وهكذا تدور أحداث الفيلم
لتشدنا إليه
أكثر فموسيقاه قد جلبت مشاعر الصحراء، وخاطت عناوين لها من الحياة
القاسية.. وان
هذا المكان وحده يناديهم بالانتماء إليه حتى يعكس توحشه، وعندما وقع هذا
الأحمق
ضحية الأسر في احد المعسكرات إبان الحرب الأهلية الأميركية التي كان يديرها "الشرير" كمتنفذ فطلب منه اسم الكنز، فقال: إن الذي يمتلكه هو الرجل
الطيب.. أما
دور "الشرير" فكان يقوم بأدائه الممثل
Lee Van Cleef
باسم
Sentenze
اوAnqle Eves ..
ولو رجعنا إلى موسيقى الفيلم نلاحظ أنها تبعث صيحاتها منادية للتعرف على
خطوات
الحدث، ولغة التعامل بالمسدسات وإطلاق البارود، فكانت مرة ترقب لنا
الأحداث، وتارة
تأخذنا إلى عمقها، وطوراً تعطينا تنبؤات عما يجري بها..كأن الفيلم يقول: إن
(روح
القتال في الزجاجة) وهذا ما جاء على لسان احد قادة الحرب الأهلية الأميركية
آنذاك،
يبين هنا أن روح المغامرة تتطلب السعي والتحرك والمجازفة والاتكال على
النفس.. أما
أن تكون أو لا تكون، فكانت الموسيقى الأخيرة قد استقرت عناوينها على
المقابر والجثث
والبحث عن الكنز بينهما.. أنغام موسيقية تمتلك حرارة المكان لتطوف بها مع
رائحة
الدخان وسفك الدماء مسجلة حوادث وشواهد بعيون برغماتية، تفّخر تربتها للحدث
حتى
تتكيف بطابعها وهالة انفعالاتها لتمثال الحدث.. فكانت بحق هي الراسم
والمصور
والمنبأ.. معطية صورة مقربة إلى النفس، قبل العين، فهي تطعم الأحداث
المنبثقة صورها
من هذا المشهد إلى مشهد آخر، حتى يأتي فتسبقه الموسيقى لتغطيه بفزعتها..
ويأتي مشهد
آخر ملتهماً بموسيقاه، فيكبر في صورته وصوته حتى يعطي تشويقا اكبر، بأبعاد
نفسية
تسرح بنا من هيوليتها حتى نكون جزءا من هذا الفيلم، ومتتبعين لصوت أقدام
جياد رعاة
البقر، حتى نشم رائحة دخان الأحداث ونتلمس التبكير المسبق قبل المواجهة بين
الأطراف.. اعتقد أن الفيلم أعطانا نوعا من التركيز والإلهام، ومن ثم
موسيقاه أعطتنا
ذلك الحدس والتخمين الذي رافقنا طوال الفيلم، ووجهنا الى أشكال جديدة من
قوانين
السيطرة والبحث المضني والمجهد ذي الاستقتال في سبيل البحث عن المال بأي
طريقة
كانت، فبالرغم على مرور إنتاج هذا الفيلم لأكثر من (46) عاما..
المدى العراقية في
02/08/2012
رحيل المخرج الفرنسي كريس ماركر
نجاح الجبيلي
رحل عن عمر 91 عاماً المخرج
الفرنسي كريس ماركر الذي يعد الأستاذ المبهم في السينما الفرنسية ذات
الاتجاه
اليساري. وهو معروف بفيلمه الوثائقي الحائز على الجائزة "بلا شمسSans
Soleil "
وفيلمه الدرامي الرائع " الرصيف البحري
La Jetée "
وهو يصف رحلة بحث عن الذاكرة في
أعقاب كارثة نووية.
ولد باسم كرستيان فرانسوا بوش فيلينوف وناضل مع
المقاومة الفرنسية ثم مارس الصحافة وأصبح ناقداً في المجلة المعروفة "دفاتر
السينما" (كاييه دو سينما) صنع أول فيلم له بعنوان "أولمبيا 52" وهو فيلم
وثائقي عن
الألعاب الأولمبية في هلسنكي عام 1952 واستمر كونه شخصية رئيسة
في حركة "سينما ضفة
اليسار" جنباً إلى جنب مع أصدقائه "أنيس
فاردا"، و" ألان رينيه". وأثار الجدل في
فيلمه الوثائقي "نعم كوبا" وفيه أطرى فيدل كاسترو وشجب أميركا وسرعان ما
حظر الفيلم
أميركا.
أما أفلامه الأخرى فتشمل "أ.ك AK"
وهو فيلم وثائقي عن المخرج الياباني
أكيرا كوروساوا صنعه عام 1985، وفيلم
"تكشيرة دون قطة" ويصور صراع الاشتراكيين في
الفترة التي سبقت انتفاضة الطلبة في باريس عام 1968. وعرف على نطاق واسع
بفيلمه
الناجح " بلا شمس" عام 1983 وهو تأمل موجز في الرحيل والذاكرة التي تبدأ من
اليابان
إلى أفريقيا بتذوق فيلم الإثارة "فرتيغو" -1958 لهيتشكوك. إن
فيلم هيتشكوك كما يقول
المخرج كان الفيلم الوحيد "القادر على
تصوير الذاكرة المستحيلة والذاكرة
المجنونة".
لكن يبقى فيلم "الرصيف البحري" المصنوع عام 1962 هو من أفضل أفلام
ماركر تأثيراً وهو دراما من 29 دقيقة يتعقب محاولة رجل في
استعادة صورة من ماضيه.
إن مزج ماركر الشعري والغني للكارثة الكونية مع الضعف الإنساني
استمرّ ليكون مصدر
إلهام للفيلم الدرامي المصنوع عام 1987
بعنوان " النظارات الحمراء" وفيلم تيري
غيليام الناجح عام 1995 " أثنا عشر قرداً
Twelve Monkeys".
إن الطبيعة اللولبية
الباعثة على القلق لأعمال ماركر تنعكس في
الرجل نفسه. فقد رفض المقابلات وكره الصور
الفوتوغرافية وادعى أنه ولد في "منغوليا" على الرغم من المصادر المتناقضة
التي توحي
بأنه كان من مواليد باريس. يقول الناقد السينمائي ديفيد ثومبسون:" كل ذلك
شجع على
فكرة كون ماركر شخصية غامضة إن لم تكن مثالية أو أمل وحلم أكثر منه شخصية
حقيقية"
ويضيف:" لقد كان شبحاً جوهرياً".
المدى العراقية في
02/08/2012
سينمائيات
متعة الصمت في زمن
الضوضاء
بقلم : مصطفى
درويش
خط السينما الصامتة في ربوع مصر،
أقل القليل. بل قل حظ
عاثر.فلا تقام عروض لافلامها في دور السينما، ولايتحدث عنها أحد في الصحف
والمجلات، وغيرها من وسائل الاعلام.بل وحتي »الفنان «المتوج
قبل بضعة
أشهر، بجائزة أوسكار أفضل فيلم،
فضلا عن جوائز أخري،
لم تتح له فرصة العرض
العام في أي دار سينما،
بربوع مصر، لا لشيء سوي انه فيلم صامت.
وليس ثمة ما يشير إلي انه علي وشك ان
يعرض في مستقبل
قريب.أقول كل هذا،
لانه حدث، قبل بضعة أيام، اثناء مكالمة هاتفية مع ابن
الشقيقة المقيم في المانيا،
ان اعتذر عن مواصلة المكالمة لانه علي موعد مع
فيلم،
مكان عرضه في احدي ضواحي مدينة
»دوزبورج« وتحديدا في أحد اجزاء مصنع حديد وصلب
ضخم،
بدلا من هدمه، تم تحويله إلي مركز ثقافي كبير،
متسع الارجاء، متعدد
المنافع والاغراض.
وأضاف ان عرض الفيلم، يصاحبه عزف لموسيقاه التصويرية،
يؤديه
اوركسترا الولاية السيمفوني.وعندما سألته عن اسم الفيلم،
اجاب بانه فيلم صامت،
اخراج وتمثيل »شارلي شابلن«
اسمه «الصبي» (1921)
وكم تمنيت، عند سماع اسم الفيلم،
لو ان ثمة بساط ريح، يطير
بي إلي حيث
يعرض »الصبي« علي شاشة كبيرة، لاشاهده مثلما شاهدته لاول مرة،
في مهرجان ڤينيسيا قبل حوالي أربعين سنة.
وليزداد استمتاعي به، لان عرضه هذه المرة مصحوب بعزف حي
لاوركسترا سيمفوني، فلقد سبق لي ان استمتعت بعرض مماثل في
نفس المصنع، وذلك
قبل حوالي سنتين.
ولكن استمتاعي كان مع فيلم صامت آخر لشارلي شابلن اسمه
»الاندفاع
نحو الذهب«.
ولان »بساط الريح«
ليس له وجود، حتي الآن، الا في «حكايات
الف ليلة وليلة»وجدتني،
مكتفيا باسترجاع بعض احداث
»الصبي« علي شاشة
ذاكرتي.
ولكن الامر كان عسيرا،
ولذلك وجدتني ابحث عن الفيلم مسجلا علي
اسطوانة مدمجة لاشاهده علي شاشة التلڤاز
الصغيرة وما ان وجدته، ضمن مجموعة افلام
شابلن الطويلة، المسجلة علي عشر اسطوانات،
حتي بدأت اشاهده، متذكرا،
مستمتعا بفيلم مشحون بحب الانسان، مسكون بالتعاطف مع المرأة فيلم له من العمر
واحد وتسعون سنة، ومع ذلك اكثر شبابا وحيوية من افلام هذه الايام،
ومعظمها عاجز
عن ان يقول شيئا مفيدا.
وتمتزج فيه الملهاة، بالدراما،
ولكن، كالمعتاد في افلام
»شارلي«
الاخري،
الدموع أقل كثيرا من الابتسامات حكاية الصبي، كما
يحكيها
سيناريو فيلم لاتزيد مدة عرضه عن ساعة واحدة من عمر الزمن، وكيف عثر عليه
المتشدد »شارلي«
رضيعا، لقيطا، فآواه، ورباه حتي
صار صبيا يشاركه
طريقه في كسب لقمة العيش،
ويالها من طريقة لا يتفق عليها الا من كان مثل
المتشرد »شارلي«.
حكاية اسرت قلوب الملايين،
علي مدي عشرات السنين، ولاتزال
تأسرها حتي يومنا هذا.
لماذا؟
لانها تعكس براءة مصر،
وتأخذ في الانحسار مع خروج السينما من
شرنقة الصمت إلي الكلام.
أخبار النجوم المصرية في
02/08/2012 |