أندهشُ كثيراً من تلك الأفلام التى يغيب عن مؤلفها النوع السينمائى الذى
يعمل عليه، هناك أنواع نقطة تفوقها فى بساطة الحبكة، ولكنك تجد المؤلف قد
أجهد نفسه فى تعقيد الحبكة، أو فى إضافة حبكات موازية، وفى النهاية، لايجد
نفسه قادراً على إنقاذ الموقف، فتضطرب منه الخيوط والخطوط.
هذه بوضوح مشكلة فيلم "غشّ الزوجية" الذى كتبه لؤى السيد، وأخرجه أحمد
البدرى، وقام ببطولته رامز جلال، الخط العام للقصة يمكن أن يصنع كوميديا
رومانسية خفيفة، ولذلك لم تكن الحكاية فى حاجة الى أى نوع من التعقيد.
التيمة نفسها صنعت أفلاماً لا تنسى فى عالم أفلام الأبيض والأسود: الشاب
الذى يتورط لأسباب مصلحيّة فى الزواج من فتاة أبعد ما تكون عن فتاة أحلامه،
ولكنه بعد فترة يحبها بالفعل، ويتخلّى عن لقب "الدون جوان " فى سبيل سعادة
الحب.
يقدم الفيلم حكايته وبطله فى البداية بصورة معقولة: مخرج إعلانات (رامز
جلال)، يعيش حياته بالطول والعرض، له تأثير قوى عن النساء، يرفض دوماً
نصيحة والده (حسن حسنى) بأن يتزوج، الأب هو نفسه صاحب شركة مستحضرات
التجميل الضخمة التى يعمل فيها الابن.
فجأة يكتشف الأب أنه فى حاجة للحصول على قرض، يقترح عليه رئيس الشئون
المالية (إدوارد) أن يقترض من بنك جديد، لأن القرض هو الوسيلة الوحيدة،
للحصول على توكيل من شركة مستحضرات تجميل جديدة.
تقع مصادفتان عجيبتان ونحن مازلنا فى بداية طريق بناء السيناريو، الأولى أن
رئيس البنك الجديد (يوسف فوزى) هو بالصدفة زميل سابق لصاحب شركة المستحضرات
التجميلية، والثانية هى أن رئيس البنك لديه ابنة مسترجلة، فقيرة الجمال (إيمى
سمير غانم)، هوايتها لعب كرة القدم النسائية.
يُفترض أن تقود هاتان المصادفتان الى قرار غريب، وهو رغبة رجل الأعمال فى
تزويج ابنه (الدون جوان) من ابنة مدير البنك المسترجلة، وهو قرار يتجاهل
عدة أمور أساسية، منها أن رجل الأعمال لايحتاج للتضحية بابنه من أجل قرض،
كما أن الابن نفسه، متعدد العلاقات مع الفتيات، ولا يفوته أن يبحث عن واحدة
ثرية وجميلة، إذا أراد الزواج.
ولكن السيناريست "عايز كدة"، وهكذا يوافق الابن على الإشتراك فيما يقترب من
عملية النصب والتدليس على رئيس البنك وابنته، وسنرى كيف أدى هذا التركيب
الشاذ للحبكة الى مشكلات واضحة، تراكمت فى الثلث الأخير من الفيلم حتى بدا
كما لو أن السيناريو لايعرف كيف يحل المشكلات التى صنعها.
التناقض الحاد، والاختلاف الجذرى بين الشاب الدون جوان، وزوجته المسترجلة
عاشقة كرة القدم، هما سبب بعض الضحكات التى ستجدها فى الفيلم، ولكن قبل أن
تصل إليها، لابد أن تسأل نفسك: إذا كان الشاب مضطرّ للتضحية من أجل حصول
والده على قرض، فما الذى يدفع الفتاة الى الموافقة على الزواج، وهى التى
كانت ترفض الفكرة تماماً ؟
الإجابة عند صنّاع الفيلم هى أن الفتاة ( التى نراها قوية الشخصية جداً بل
وعدوانية) تأثرت بحيلة ساذجة من الأب، بعد أن أقنعها أنه مريض بالقلب،
ويريد أن يفرح بها قبل أن يموت، وشاركت فى الحيلة الأم (مها أبو عوف).
ما علينا، يريد السيناريست أن يتم الزواج، وأن يجعل رجل الأعمال يعيش مع
العروسين فى نفس الفيلا، ثم ينضم رئيس البنك وزوجته، ليبدأ ما يقترب كثيراً
من حلقات "الست كوم" التليفزونية، مجموعة من المواقف بين الشاب وعروسه،
لمجرد أنه يريد، بدافع من أسرته، وأسرة زوجته، الحصول على حقوقه الشرعية،
مع أنه لايرى فى الفتاة الشرسة، إلا ما يشبه لاعب الكرة" سيد معوّض"، أو
المغنى والملحن "عصام كاريكا".
استطرد السيناريو فى هذه المواقف طويلاً، وبدرجة جعلتنا أقرب ما نكون الى
الكوميديا الجنسية، خصوصاً عندما يشرب رجل الأعمال عقاراً منشّطاً عن طريق
الخطأ، ويحاول أن يغتصب خادمة المنزل، وكذلك فى المشاهد المفتعلة التى يذهب
فيها الشاب، دون أن يدرى، الى طبيبة الذكورة (رجاء الجداوى)، لكى تختبر
قدراته وإمكانياته.
ولكن لحظة الإنقلاب من علاقة غش بين الزوجين الى علاقة حب لم تكن مقنعة على
الإطلاق، وخصوصاً أن شخصية الشاب مغامرة للغاية وعملية تماماً، وهو أيضاً
ناجح فى عمله ، وليس فاشلاً كما أراد السيناريو أن يقنعنا بذلك، كما أن
ملامح شخصية الفتاة غائمة، فتارة يفسّر السيناريو رفضها للزوج بأنها لاتريد
أن تحمل فتبتعد عن الكرة، وتارة نسمع أن أسرتها كانت تعاملها كالذكور،
فماتت الأنثى بداخلها، وتارة ثالثة تبدو مشكلتها فى الغيرة على زوجها،
وتارة رابعة تظهر مشكلة اكتشافها أنها كانت ضحية لعبة مشتركة من رجل
الأعمال وابنه.
حدث تحوّل مفاجئ جعل الشاب يكتشف أنه يحب زوجته، بدأ يحضر مباريات زوجته،
وفى الثلث الأخير من الفيلم، احتاج كاتب السيناريو الى معجزة لحل عدة
مشكلات متراكمة، أولها: حكاية خاتم أهداه رجل الأعمال الى ابنه، وثانيها:
حكاية ظهور فتاة من الماضى تهدد وتطارد الشاب "الدون جوان"، وثالثها:
اكتشاف الفتاة لحكاية تآمر الشاب ووالده من أجل إتمام الزواج، استناداً الى
فكرة الحصول على القرض المطلوب، ورابعها: محاولة الفتاة أن تحلّ مشكلتها مع
جنس الرجال، وأن تعود الى أنوثتها المفقودة.
لم يكن الفيلم الكوميدى الرومانسى فى حاجة الى كل هذه المشكلات، ولم يكن من
المطلوب أبداً أن تختفى الكوميديا تماماً مع ظهور هذه المشكلات، حتى حلّ
المشكلات جاء ساذجاً للغاية، يكفى أن تعرف أنه لكى يزيل السيناريست عن بطله
وصمة النصب، أعلن والده رجل الأعمال، أنه حصل فعلاً على الأموال المطلوبة
عن طريق آخر، ومع ذلك أصرّ الرجل على توريط ابنه فى الزواج، لأن هذه الفتاة
هى القادرة على تربية ابنه، وإعادته الى الطريق المستقيم!
تراكمت الخطوط فوق بعضها، وأضيفت أغنية تعبر عن مقتضى الحال، وذهبنا الى
"شرم الشيخ" وراء الفتاة الغاضبة، التى رفضت أكثر من مرة أن تعود الى بطلنا
التائب، ولم تنقذنا فى النهاية إلا حكاية مفتعلة: الشاب يدّعى الإصابة،
والفتاة تتعاطف معه فى المستشفى، فجأة، يتخلص الشاب من القطن والأربطة ،
ويحاول الحصول على حقه الشرعى من زوجته، وهو يصرخ على طريقة مجنون ليبيا :
"حانت ساعة العمل.. الى الأمام .. الى الأمام" !
"رامز جلال" ممثل خفيف الظل إذا أراد، ولكنه مازال يتأرجح فى اختياراته،
كما أنه تقريباً لايخرج عن شخصية محددة دون إضافة أو تطوير، حكاية تورطه فى
فتاة غريبة الأطوار من أجل والده موجودة بالنص فى فيلم سابق له بعنوان "
أحلام الفتى الطائش"، وكان يقوم بدور والده أيضاً "حسن حسنى".
" إيمى سمير غانم" موهوبة جداً، كوميديانة بالفطرة، ولها حضور جيد على
الشاشة، المشكلة أن أداءها لشخصية الفتاة المسترجلة لم يخل من الإفتعال،
كما لم تكن مقنعة وهى تلعب الكرة بسبب وزنها الزائد، وكلا المشكلتين
مسؤولية المخرج أيضاً.
"حسن حسنى" يتفوق دائماً كلما اتيحت له فرصة أداء دور الأب المودرن
المتصابى، أصبح هذا الدور مرتبطاً به، تتفاوت اختياراته فى إطار هذه
الشخصية، التى تذكرنا على نحو ما بشخصية مماثلة احتكر تمثيلها الراحل
الكبير "سليمان نجيب".
"إدوارد" له حضور جيد، ولكنه أصبح "محلّك سر"، لم يتقدم الى البطولة، ولم
يرجع الى البدايات، ولكنه لن يستمر طويلاً معلّقاً هكذا، أخشى أن هذه
الحالة ستقوده حتما للعودة الى الخلف.
هناك عناصر لافتة مثل ديكورات "سامر الجمال"، وملابس "مها بركة" و" خالد
عبد العزيز"، ولكن كل ذلك لم يستطع أن ينقذ الفيلم من الترهل فى ثلثه
الأخير، خاصة أن هناك مواقف طالت فيها الحوارات، كما أن تحولات الشخصيات لم
تكن مقنعة، تعقيد بلا ضرورة أفضى الى أزمة وحيرة، بداية حاولت أن تفتح
الباب الى كوميديا رومانسية خفيفة، ووسط يقترب من حلقات "الست كوم"، ونهاية
رومانسية مفتعلة غابت فيها الضحكات، وهكذا تحولت قصة غشّ الى حكاية حب،
و"العاقبة عندكم فى المسرات"، و"يابخت من وفّق رأسين فى الحلال".
عين على السينما في
25/07/2012
فيلم "كازابلانكا":
هل أصبح تراثا إنسانيا؟
من مدينة غرناطة الاسبانية كتب محمّد الخطّابي لجريدة "القدس العربي"
بتاريخ 18 يوليو، المقال التالي عن فيلم "كازابلانكا" الشهير الذي يعد احد
أشهر الأفلام الرومانسية في تاريخ السينما بمناسبة مرور سبعين عاما على
ظهوره حينما عرض للمرة الأولى عام 1942...
الفيلم الأسطوري الذي يزيده مرورالأيّام إشعاعا وتالّقا، وبهاء ورونقا
"كازابلانكا" الذي قام ببطولته همفري بوغارت، وإنغريد بيرغمان والذي عرض
لأوّل مرّة عام 1942 ما زال يلهب مشاعر المشاهدين، وعشّاق الفنّ السابع في
مختلف أنحاء العالم، وينال إعجاب الناس وإقبالهم عليه بشكل ليس له نظير في
مختلف فنون الخلق والإبداع الأخرى، حتى أصبح هذا الفيلم في عرف النقّاد، و
صنّاع السينما، والمغرمين به بمثابة كتاب السينما المقدّس في تاريخ هذا
الفنّ الساحر الجميل.
يتساءل الناقد السّينمائي الإسباني خابيير كورتيخو كيف يعقل أن فيلما كتب
بطريقة عفوية إرتجالية، قد تحوّل إلى 'كتاب السينما المقدّس'، وكيف يمكن
لفيلم ولد من رحم عمل مسرحي، إذ هو مستوحى من مسرحية ' الجميع يؤمّ مقهى
ريك 'لموراي بارنيت وجون أليسون أن يتحدّى مرور الزمن، وأن يتأقلم مع مختلف
تقاليع الموضة، والتيّارات والميولات المستجدّة والمتواترة، بل وحتى مع بعض
التأويلات الملتوية ليخلد في ذاكرة تاريخ السينما في العالم..؟
كيف أمكن لموسيقاه أن تظل خالدة ولايمرّ عليها الزمن..؟ و كيف أمكن لنبل
المشاعر، ونبض الاحاسيس التي تترى بدون رتابة أو ملل في هذا الشريط وأن تظل
نصب أعيننا إلى اليوم..؟
كيف أمكن لوجه إنغريد بيرغمان أن يظلّ مشعّا وضّاء، سمحا وساحرا على مرّ
السنين..؟
الأمر يبدو كما لو كان قد مسّته مسحة أو مسّ من سرّ أو سحر، أو غلفته معجزة
مّا . ماذا وراء هذه الفرجة لمرئية الحالمة المثيرة..؟ هذه الميلودراما
التي تحفل بالومضات والجمل التي لايمكن محوها من الذاكرة، والتي لا نتعب أو
نملّ من مشاهدتها أو تردادها المرّة تلو لأخرى. ربما هذا هو السبب الذي حدا
بالعديد من النقاد والمشتغلين بالسينما في العالم عند حديثهم عن هذا
الفيلم، وعن النجاحات الكبرى المتوالية التي حصدها على امتداد العقود
السبعة التي مرّت عليه، إلى القول ان هذا الفيلم قد أصبح في عرفهم "تراثا
إنسانيا للبشرية جمعاء".
إجتماع الأضداد
يعتبر فيلم "كازابلانكا" من أجمل الأفلام الفريدة في تاريخ السينما
الأمريكية التي جسّدت الرومانسية الحالمة لقصّة حبّ عارمة إبّان الحرب
العالمية الثانية، وقد جمع الشريطبين نعومة ورقّة إنغريد بيرغمان، وخشونة
وغلظة همفري بوغارت، وأصبحت العديد من الجمل والتعابير التي نطقها البطلان
في الفيلم تشكّل إرثا حيّا في الثقافة اللغوية الشعبية داخل أمريكا
وخارجها، مثل عبارة "إعزفها يا سام" أو عبارة: "دائما تبقى لنا باريس"،
دخلت هذه الجمل والتعابير واستقرّت في لغة الإستعمال اليومي في العالم
الناطق باللغة الإنكليزية، وسواها من اللغات الأخرى. وأصبح لها كيان أو
هويّة لغوية ذات دلالات خاصة بها بعيدا عن سياق استعمالها في الشريط، ففي
مناسبتين مختلفتين ومتباعدتين من الفيلم يطلب البطلان من 'سام' (ديلي
ويلسون) كل واحد منهما على انفراد عزف نفس المقطوعة الموسيقية الساحرة (إنسياب
الزمن أو مروره) على 'البيانو'
الذي يتوسّط مقهى 'ريك' في قلب مدينة الدار البيضاء المغربية، ففي المناسبة
الأولى تطلب البطلة (بيرغمان) من "سام" العزف كما ترجو منه بأن يغنّي
استذكارا واستحضار اللزمن الجميل الذي ولّىّ وانقضى ولن يعود.
وفي مناسبة أخرى يطلب البطل (بوغارت) من سام عزف المقطوعة ذاتها حيث قال له
وهو يستشيط غضبا: 'لقد عزفتها لها، والآن عليكأن تعزفها لي أنا كذلك، إذا
كانت قد استطاعت أن تتحمّل ثقل الوطأة عليها، فأنا بمقدوري أن أتحمّل ذلك
أيضا'. ثم تنطلق الموسيقى تصدح في فضاء المقهى الكبير.
دائما تبقى لنا باريس
ومن أشهر العبارات التي ما فتئت تستعمل جيلا بعد جيل وتلوكها الألسن حتى
اليوم عبارة: "ودائما تبقى لنا باريس" التي تستعمل كناية عن اللحظات
الحلوة، و الهنيهات السعيدة المعاشة، وهي العبارة التي ينطق بها ريك'(بوغارت)
الى إلسا (بيرغمان) عندما يهمّ لوداعها معبّرا عن حسرته وألمه لفراقها،
لفراق هذا الحبّ المستحيل الذي نما وترعرع في فرنسا في ظروف وملابسات صعبة
ومريرة إبّان غزو النازيين لهذا البلد حيث تعرّف البطل على خليلته في عاصمة
النور باريس. وكانت 'إلسا' تشعر بالحيرة والضياع بين حبّها لزوجها زعيم
المقاومة التشيكية وتعلقها بريك.
معهد السينما الأمريكية أثبت في مناسبات شتّى (6 مرّات) فيلم "كازابلانكا"
ضمن قائمته كأحسن الأفلام التي تضمّنت أجمل العبارات، وأرقّ الجمل في تاريخ
السينما الامريكية وفي مقدّمتها عبارة "إعزفها يا سام" بل إن المخرج 'ودي
آلن' قد وضع فيلما عام 1972 يحمل عنوانا بنفس هذه العبارة ،حيث يتلقّى
البطل في هذا الشريط النصائح من 'همفري بوغارت' خيالي. إلا أنه أوردها كما
يلي: "إعزفها مرّة أخرى يا سام".
قصيدة حبّ مصوّرة
"كازابلانكا" كان يبدو في البداية كشريط يدور موضوعه عن الحرب والجاسوسية
لإثارة الحماس وتأصيل وبثّ حبّ الوطن لدىالمواطنين الأمريكان في زخم الحرب
العالمية الثانية، حيث يظهر البطل (بوغارت) وكأنّه
في البداية لا يريد أن يحشر نفسه في هذا النزاع إنطلاقا من مدينة الدار
البيضاء (كازابلانكا) إلا أنه في الأخير يتخلّى عن محبوبته لصالح مناهضة
الفاشية.
على الرغم من مضمون الشريط الأيديولوجي ومحتواه الحربي إلا أنّ فيلم
"كازابلانكا" يتذكّره الجميع كفيلم يدور موضوعه عن الرومانسية وتباريح
الجوى والصبابة والحب الحالم، وكانّ الفيلم قد غدا قصيدة حبّ مصوّرة يحفظها
العشّاق عن ظهر قلب (وعن ظهر عين) من جيل إلى جيل في مختلف أنحاء المعمور.
فلا عجب إذن إذاإحتلّ هذا الفيلم الرتبة الأولى في قائمة المعهد الامريكي
للسينما كأعظم قصّة حبّ في تاريخ السينما الأمريكية.
كما يحتلّ هذا الشريط المرتبة الأولى كذلك كأحسن سيناريو سينمائي حسب نقابة
كتّاب السيناريو في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تفوّق "كازابلانكا"
حتى على أفلام عالمية شهيرة مثل "العرّاب" و"شينا تاون" و'مواطن كين'. هذا
الشريط الذي هو من إخراج مايكل كرتيز حصد ثلاث جوائز الأوسكار منها أوسكار
كأحسن فيلم، وأحسن إخراج، وأحسن سيناريو، حتى وإن لم يحصل أيّ من الممثلين
العمالقة الذين شاركوا فيه على هذه الجائزة الكبرى في عالم الفنّ السابع.
وبمناسبة مرور سبعين سنة على هذه التحفة السينمائية الرائعة هذا العام 2022
أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخّرا فعاليات الاحتفال بالذكرى
السبعين لعرض فيلم كازابلانكا لاوّل مرّة عام 1942 بتقديم هذا الشريط في
مسرح وارنر التابع للمتحف التاريخي الأمريكي بواشنطن. كما أخرجت مؤسّسة 'وارنر
بروذرز' طبعة خاصة جديدة محدودة من هذا الفيلم وطرحتها في مختلف المدن
الامريكية مصحوبة بشريطين وثائقيين حوله يتمّ عرضهما في الأسواق لأوّل مرّة
كذلك، بالإضافة إلى كتيّب فنّي يتضمّن صورا ومشاهد لم يسبق رؤيتها من قبل
حول هذا الفيلم.
مقهى ريك يفتتح أبوابه
المقهى الأسطوري 'ريك' الذي دارت بداخله أحداث فيلم كازابلانكا العاطفي
المثير لم يعد خيالا في مخيّلة المشاهدين الذين شاهدوا واستمتعوا بهذا
الفيلم الأمريكي منذ سبعين سنة خلت والذي ما زال يعيش بين ظهرانينا حتى
اليوم، بل إنّ هذا المقهى قد أصبح حقيقة ماثلة نصب أعيننا بعد أن قرّرت
مواطنة أمريكية تدعى كاثي كريغر عام 2004 افتتاح مقهى كبير في قلب مدينة
الدار البيضاء يحمل إسمالمقهى الرومانسي 'ريك' الذي كان يمتلكه ويديره في
فيلم كازابلانكا مواطن أمريكي وهو بطل الفيلم ريك (همفري بوغارت). وكانت
هذه المواطنة الأمريكية تعمل من قبل بسفارة بلادها في المغرب، وبعد انتهاء
مهمّتها في السلك الدبلوماسي قررت القيام بهذه المغامرة الإستثمارية الكبرى
التي كلفتها ما يناهز المليون دولار.
المقهى الذي رآه المشاهدون في الفيلم كان قد أقيم في الحقيقة في أحد
إستوديوهات هوليوود.. وكان
السيّاح الأوروبيون وبشكل خاص الأمريكان الذين يزورون الدار البيضاء لا
يجدون أثرا لهذا المقهى للإستمتاع بأجواء هذا المكان الامريكي السحري
الحالم الذي رأوه في فيلم كازابلانكا وهاموا به، وها هي ذي الأسطورة تصبح
حقيقة وها هو ذا مقهى 'ريك'
الجديد قد عاد وفتح أبوابه مرّة أخرى على
نفس شاكلة المقهى القديم، محتفظا بأجوائه ورونقه وبهائه، وأصبح يؤمّه
العشرات من الزوار كل يوم، ولا عجب إذا كان معظم زوّاره أو روّاده في
المقام الاوّل من المواطنين الأمريكان، كما يؤمّه زوّار من جنسيات أخرى من
مختلف أنحاء العالم.
عين على السينما في
25/07/2012
جماليات سينمائية جديدة:
تأثير الثورة الرقمية فى بناء الحقيقة
دراسة : اليزا هانسل ـ ترجمة : ممدوح شلبى
الملخص
الفن السينمائى فى عمومه من مرحلة الانتاج انتهاءا بمرحلة العرض الجماهيرى،
هو شكل من اشكال النشر، وهذه الدراسة تناقش كيف ان المعلوماتية وتكنولوجيا
الاتصالات فى السينما قد ساعدت فى بناء جيل جديد من الواقعية السينمائية فى
عالم السينما.
وهذه الدراسة تركز فى الاساس على فيلم (عشرة) الذى اخرجه الايرانى عباس
كياروستامى ، وهذا البحث سيدلل على ان ظهور التكنولوجيا الرقمية غيرت
التقاليد الراسخة فى عملية انتاج الفيلم وما بعدها من مراحل كما جعلت توزيع
الفيلم وعرضه ابسط اجرائيا ، ان ظهور التكنولوجيا الرقمية منح صناع الفيلم
المستقلون الوسائل لخلق الحقيقة بجماليات الواقعية.
مفاتيح الدراسة
صناعة الاقلام الديجيتال – الواقعية السينمائية – الدمقرطة – الانتاج وما
بعد الانتاج السينمائى – المونتاج – العرض السينمائى – ايران – الصناعة –
عباس كياروستامى.
ان عام 2000 سيشهد بدء سينما متحررة من المونتاج التقليدى ، وسوف تستعيد
نظرية ( فن الحقيقة ) ارضيتها ما يجعلها تقفز الى اعلى ذروة ، حيث ستصبح
ولاول مرة ( الحقيقة تخلق فنا.
هذه هى النبوءة الاخيرة من المنظر السينمائى اندريه بازن وكان قد كتبها فى
عام 1948
( ماثيوس 1999 )
الواقعية السينمائية فى ابسط تعريفاتها وكما عرفها اندريه بازن هى
(الاستحضار الكامل والكلى للحقيقة) وهو استحضار لما هو (موجود فى المسافة
بين الحقيقة والمشهد المأخوذ عنها)
( مانوفيتش 2001 صفحة 187 )
هذه الدراسة ستقدم تحليلا يتعلق بان ظهور تكنولوجيا الفيلم الرقمى ساعدت فى
تجذير مفهوم الواقعية السينمائية لخلق صورة للحوار الاجتماعى الثقافى الذى
يشغل المجتمعات ، عبر اطارات تنظيرية لطبيعة الواقعية السينمائية الممتزجة
بمستحدثات التكنولوجيا فى انتاج الفيلم ومراحل ما بعد الانتاج فى اطار
الثورة الرقمية ، وهذه الدراسة سوف تتناول نموذجا هو المخرج الايرانى عباس
كياروستامى لتشرح هذه الاطارات التنظيرية.
ان الدراسة ستركز بصفة اساسية على استخدام كياروستامى للتكنولوجيا الرقمية
لخلق صورة للواقع الايرانى بنوع خاص من السرد فى فيلمه (عشرة)
ان الجدل المتزايد والمتنامى فى عالم السينما عن المزايا التنافسية ،
يتمحور حول منح الناس الفرصة لتقديم حكاياتهم الخاصة بعيدا عن القبول
والتسليم بما تفرضه هوليوود وامثالها من سينمات تجارية.
ان الكاميرا الرقمية ولانها صغيرة الحجم ومناسبة ورخيصة الثمن وسهلة الحمل
والتطويع لمقتضيات البيئة المرغوب تصويرها وكذلك قدرتها على التسجيل وحفظ
الصور فى مساحة تخزينية كبيرة وعالية الجودة اكثر من اى نوع كاميرات آخر ،
كل هذا يساعد الكاميرات الرقمية فى ان تلعب دورا حاسما فى هذه المزايا
التنافسية .
ومع ظهور تيار من الانتاج الفيلمى الرقمى فثمة ميل فى جماليات الفيلم
الواقعى الى السرد الفيلمى المعتمد على الواقع.
وكذلك، فان ظهور تكنولوجيا المعلومات قد خلق جيل من السينما الرقمية فى
العالم كله يقودها مخرجين معروفين يستخدمون تقنية الفيلم الرقمى.
نظريات الواقعية السينمائية
تتعدد الرؤى حول تعريف الواقعية السينمائية. وكان بازن يرى، على عكس
تعريفات منظرى السينما امثال كومولى او باردويل اوستيجر بان الواقعية
السينمائية هى اللصيقة اكثر بالواقع .
ان رؤاه تتأسس على حقيقة ان ثمة حاجة الى الثقة فى الصورة والثقة فى الواقع
، ذلك ان عمق الميدان والذى تم تقديمه بريادية اخراجية كما فعل المخرج الفذ
اورسون ويلز ، قد منح المشاهدين الفرصة لاستعراض فراغ الصورة السينمائية
بحرية (بازن 1967).
ان نظرية بازن يتم الاعتماد عليها فى هذه الدراسة كاطار نظرى فهو يرى ان
الصورة السينمائية فى اكثر اشكالها تجردا ، هى رؤية مبسطة ومثالية لقدرات
الصورة على تصوير الواقع ، وهذا فى مقابل عزل الصورة عن محيطها الخارجى
الذى يؤثر على نقاءها .
وفى المناخ الحالى من صناعة الافلام ، فانه من المهم ان ننشغل بالتعريفات
البديلة التى تترسخ وتقدم وجهات نظر جديدة للحركة ، وكذلك الماهية التى
تُضيفها هذه التعريفات الى جمالات السينما المعاصرة .
لقد تحدث مانوفيتش عن تحامل كورنولى على طبيعة الواقعية السينمائية عندما
قال انها تستهدف (مُضاعفة الرؤية) عن طريق تثبيت وتحديث واقعيتها ( 200 :
186).
ولقد تحقق هذا من خلال التأثير الذى تم ابتداعه بواسطة الاضافات الفكرية
ذات الصلة والبدائل التى تحققت فى التكنولوجيا والتقنية . ( 200 : 186)
والاكثر من ذلك، فان مانوفيتش كتب عن بوردويل وستينجر انهما دعما وجه النظر
التى تؤكد على ان نظرية صناعة السينما تتأثر بالطريقة التى يقوم فيها
المخرج بتصوير اللقطة وبالطريقة التى يقوم فيها مشاهدى الفيلم بالتعاطى مع
هذه اللقطة ودلالاتها . (2001 : 186) .
وهذه من الامور التى يتم التركيز عليها من خلال الاحتياج الحالى الى صناعة
افلام تكون اكثر فاعلية ، وتقدم وسائل انتاج جديدة وتدعو الى جودة قياسية
للفيلم
ان توظيف هذه الامور فى الانتاج الرقمى ينعكس على صناعة الافلام ، وهذه
التعريفات والشروح التى تتعاطى مع طبيعة الواقعية السينمائية يجب ان تُوضع
فى الاعتبار عندما نفكر فى جماليات جديدة صارت امرا واقعا فى عالم السينما.
وكأن نقول ان صناعة الفيلم الرقمى والتكنولوجيا ساعدوا فى (مُضاعفة الرؤية)
لان هذه من الامور المستحدثة التى سمحت لصانعى الافلام بالمقابل بان يبدعوا
نوعا جديدا من الصورة.
وكذلك فان سياسات صناعة السينما والمهرجانات بشكل عام تمتلك القدرة بحيث
تفرض اسلوبا معينا على الطريقة التى يُعرض بها فيلم وكذلك الصورة التى تصل
الى المشاهد.
وعلى سبيل المثال، فقد اختار مهرجان كان السينمائى فى عام 2000 فيلما
للمخرجة الايرانية سميرة مخملباف، انه فيلم (السبورات) وهو يحكى قصة مدرسين
ايرانيين علقوا سبورات المدرسة على ظهورهم وبحثوا عن التلاميذ لكى يعلموهم
اثناء الحرب الايرانية – العراقية.
ان هذا يوضح ان ثمة عوامل لها تأثير على ترشيحات المهرجان وقد قيل ان
السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية تضع الموقف السياسى فى الشرق
الاوسط على قمة اولوياتها.
ان عملية اختيار افلام المهرجانات يمكن بالتأكيد ان يعكس صدى الاهتمام
السياسى الاجتماعى فى حقبة ما. والحقيقة ان هذا ما يحرص المشاهدون على
مشاهدته وهذا شائع فى كل حقبة.
انه من الثوابت ان العوامل الخارجية للصدى السياسى الجتماعى تؤثر على طريقة
تصوير اللقطة وعلى طريقة السرد الفيلمى وعلى طريقة مشاهدة الفيلم من قبل
الجمهور وهذا تحدى لفكرة بازن عن ان السينما ستكون فى التحليل النهائى
(الحقيقة تخلق فنا).
وبالاضافة الى ذلك، فلابد من الاخذ فى الاعتبار بوجود (الحقيقة تخلق فنا)،
وعلى ايه حال فلابد من وجود الاهتمام بالعوامل الخارجية التى تُشارك فى
بنية الصورة والطريقة التى تُعرض بها هذه الصورة.
الانتاج الرقمى ومراحل ما بعد الانتاج فى بناء الحقيقة
احد تعريفات الفيلم الرقمى انه ( ظاهرة تكنولوجية حيث يمكن تصنيع السينما
بها وتقطيعها وتوزيعها عبر الوسيط الالكترونى الرقمى ، وكذلك فانه نوع من
السينما التى اتت لتبقى عبر هذه المتستحدثات).
( جانز وخاتيب : 2006 : 21 ) .
ان الحدث المباشر فى وقتنا هذا يمكن ان يُسجل فى فيلم او فيديو او بصورة
مباشرة فى نسخة رقمية.
( مانوفيتش 2006 : 5).
وفيما يتعلق بالسؤال عن الاختلافات بين صناعة الفيلم على شرائط السلولويد
والتسجيل الرقمى؟
فان ماك كيرنان يقدم تعريفا للاسلوب الرقمى بانه يرى ذلك كما لو انه اسلوبا
يستطيع به جهاز الكومبيوتر ان يعالج المعلومة ويقوم بتصغيرها الى لغة
الكومبيوتر على نحو 01 – 01 ( 2005 ).
ان التسجيل الرقمى يمنح جودة فائقة للصورة عن طريق التقاط المعلومات فى مدى
زمنى لموجة الصورة والقيام بتحويل هذه المعلومات الى كود (ماك كيرنان:
2005).
ان القدرة على تقليل الحيز من خلال الادماج الرقمى يجعل المادة المصورة
سهلة فى المعالجة والنسخ والمونتاج ، وهذا عكس اسلوب الفيديو الذى يستخدم
التصحيح العمودى ، فان الاسلوب الرقمى يعتمد على التصحيح الافقى. ( ويير :
2001).
ومع ظهور صناعة الفيلم الرقمى ، فان اللقطات المُصورة يمكن الآن تخزينها فى
ملفات الكترونية مما يقلل من تكاليف طباعة النيجاتيف فى فيلم السلولويد ،
وبالاضافة الى ذلك فان التصوير بالاسلوب الرقمى هو تطوير غير مسبوق لتصوير
اللقطات فى عامنا المعاصر.
وفى صناعة الفيلم التقليدى، فان العلاقة بين الشخص الذى ينظر الى شئ ما
والموضوع الذى ينظر اليه هذا الشخص ينتج عنها لقطتان يتم تصويرهما على حدة.
ويركز كل من جانز وخاتيب على فكرة انه حينما نصور بالاسلوب الرقمى فيوجد
عدة كاميرات وليس مجرد كاميرا واحدة.
لقد كتبا ( توجد غالبا كاميرات متعددة، وثانيا لوجود امكانية الاعادة
وتغيير المسافة الخلفية والامامية للكاميرا، فان المجال فى الدراما الرقمية
شديد السعة ). ( جانز وخاتيب 2006 : 22 )
ان الصورة الرقمية حقيقة واقعة ، وعندما ننظر الى تلك الصورة شديدة الوضوح
، فاننا نلاحظ الحدود المكانية والابعاد وهى من الامور التى كانت مهملة فى
السينما التقليدية ، وبناءا عليه ، فان هذا يؤثر على طريقة استقبالنا لهذه
الصورة .
ان هذا تم تطبيقه من خلال التقنية الرقمية التى استخدمها عباس كياروستامى ،
وهذا الموضوع سوف نعيد بحثه لاحقا فى هذه الدراسة.
ومع استحداث تقنية الانتاج الرقمى ، فان مراحل ما بعد الانتاج فى صناعة
الفيلم التقليدى يتم اعادة هيكلتها ، فبدلا من حدوث مراحل ما بعد الانتاج
فى نهاية صناعة الفيلم ، فيوجد الآن امكانية رؤية ومونتاج واعادة عمل ملف
الفيلم اوتوماتيكيا بعد تصوير اللقطات وهذه الامور تفتح آفاقا جديدة فى
عالم المونتاج السينمائى .
ان كلا من جانز وخاتيب يدعمان هذا الرأى بقولهما (ان التحول من منظومة
البناء التقليدى فى انتاج السينما يؤدى الى دمج مراحل ما قبل الانتاج
والانتاج وما بعد الانتاج ، كل فى خطوة واحدة.
وكذلك فان تحقق اسلوب المونتاج الحادث الآن والذى لا يعتمد على مونتاج
شرائط السلولويد ، فان هذا المونتاج المعاصر يسمح بادخال اى اطار مُختار
ضمن اللقطة بعمل نقرة واحدة بفأرة الكومبيوتر يقوم بها مونتير الفيلم
باصبعه وهذا يوفر فرصا جديدة لعملية صناعة السينما.
ان السلولويد غالى الثمن ، كما ان اجراء المونتاج عليه واستبعاد بعض
اللقطات منه يعنى خسارة مادية.
وباتباع برامج مونتاج الكترونية مثل (افى سينث) فقد اصبح بمقدور الانسان
العادى ان يلج الى صناعة السينما بعد ان كان هذا محظرا على امثاله ولوجها
فى السينما التقليدية نظرا لوسائلها القديمة فى المونتاج.
ان طريقة الانتاج الرقمى وتقنيات ما بعد الانتاج التى تقدم التسهيلات لخلق
واقعية سينمائية ذات خصائص معينة تقود الى جماليات ، ذلك ان التصوير الرقمى
يعنى بالضرورة تكلفة منخفضة للانتاج.
هذه التكلفة تعتمد على نوع الكاميرا المستخدمة ، لكن المعنى المقصود هنا،
انه مع استحداث الفيديو الرقمى ، فان اى صانع افلام اصبحت لديه القدرة على
امتلاك معدات التسجيل ليخلق جمالياته الخاصة به . ( ماك كيرنان : 2005).
ان الفيديو الرقمى – بجودته المتاحة للمستخدمين – يوفر واقعية لا يستطيع
الفيلم السلولويد بجماله ان يصل اليها.
ان صانعى الافلام يستطيعون بميزانيات منخفضة ان يعملوا افلامهم وان ينفذوا
اعمالا كثيرة فى فيلمهم مثل التصوير وكتابة السيناريو والاخراج والمونتاج.
لقد انفتحت الآفاق بالفعل فى انتاج الفيلم الرقمى ومراحل ما بعد الانتاج
وهذا مكن صانعى الافلام من تجسيد رؤاهم الفنية.
واقع المشاهدة
يجب التذكير بان الدخول الى عالم التقنية الرقمية والقدرة على صناعة
الافلام لا يعنى بالضرورة ضمان الحصول على جمهور.
وهذه المقولة دعمها كل من بوردويل وستيجر فى بحثهم ، ذلك ان الممارسات
المتنامية التى تولدت فى صناعة الافلام تؤثر على الطريقة التى تُصنع بها
الصورة والطريقة التى تُشاهد بها هذه الصورة.
ان المهنية والخبرة لصانع الافلام ومدى شهرته فى عالم السينما يكون لها
الاثر فى مشاهدة افلامهم.
ان سياسة مهرجانات السينما تُظهر انحيازا فى عملية الاختيارات تضرب عرض
الحائط بالطبيعة الديمقراطية للفيلم الرقمى.
ويناقش داباشى استحواذ فيلم المهرجانات على ميل الى استحضار السينما
الغريبة ذات الطابع القومى مثل ادراج السينما الايرانية فى مهرجانات
السينما العالمية بما تتميز به هذه السينما من سمات سرد سينمائى غريب، بما
يمكن فهمه على انه انحياز من جانب هذه المهرجانات لاسباب اجتماعية وسياسة (
2001 : 245 ).
وبناءا عليه ، فثمة عملية اختيار غير عادلة تعتمد عليها هذه المهرجانات فى
اختيار او استبعاد الافلام.
وبالاضافة الى ذلك ، فان التكاليف مسؤولة عن انتشار العرض الرقمى كما انها
مسؤولة ايضا - بصورة او اخرى - عن اعاقة وصول الافلام الرقمية الى الجمهور.
ان دور العرض السينمائى مازالت فى حاجة الى تقديم ضمانات فعالة باعتبار ان
نشاطها مالى ، بما يعنى ان دور العرض هذه يجب ان تدفع نفس الاسعار –
كتعريفة موحدة - لاى ملفات للافلام الرقمية.
( كيرة: 2003)
وبشكل اساسى ، فان توزيع الفيلم الرقمى وتقنيات العرض له مازالت مرهونة
بعملية الربح والخسارة وهى نفس الامور التى تؤثر على اختيارات المهرجانات
السينمائية ودور العرض والميل العام للسينما.
وعلى ايه حال ، فان القدرة على استثمار وسائل العروض الاقليمية والمستقلة
مازالت فى طور التطوير فيما يتعلق باستثمار تكنولوجيا الاقمار الصناعية
والعروض التليفزيونية الفضائية.
اضافة الى هذا ، فان الشئ الاكثر اهمية وتأثيرا فى ظهور الوسائط الرقمية،
هو ان الوسائل التقليدية فى توزيع الافلام اصبحت بلا جدوى.
لقد اصبح الانترنت هو المنافس الاول فى معركة تغيير وسائل توزيع الفيلم.
وقد كتب لوجرناير ( ان ظاهرة اليوتيوب هى افضل مثال ، فالناس وبمجرد ان
يمتلكوا كاميرت رقمية يستطيعون ان يؤسسوا استديوهات منزلية ويبدأون فى نشر
اعمالهم بانفسهم.
ان القدرة على تحميل المحتوى الفيلمى على الانترنت زود صانعى الافلام
المستقلين بالادوات لعرض اقلامهم بدون الحاجة الى وسائل التوزيع التقليدية.
وعلى ايه حال، فان القدرة على عرض الافلام الروائية الطويلة باسلوب الوسائط
الرقمية لم يلق نجاحا كبيرا على عكس الافلام القصيرة التى اصبحت تشكل ركنا
من اركان صناعة السينما فى العالم وخاصة السينما الايرانية.
العقيدة السينمائية الايرانية
لكى نستطيع تصنيف افلام عباس كياروستامى ، فمن الضرورى ان نلقى نظرة على
تاريخ الموجة الجديدة فى السينما الايرانية ، فبعد ثورة 1979 فان السينما
الايرانية حققت سبقا عالميا .
ان الفضل فى هذا يرجع الى ظهور الكاميرا الرقمية والحكومة الاصلاحية التى
مهدت الطريق لاعتبار ان السينما وسيط لصناعة الثقافة . ( فازيرى 2002 )
ومثلها مثل الواقعية الايطالية الجديدة التى بدأت فى خمسينات القرن العشرين
، فان الموجة الجديدة للسينما الايرانية انتجت العديد من الافلام الايرانية
الناجحة .
ان السينمائيين الايرانيين وُصفوا بالتميز خلال مشاركاتهم فى مهرجانات
السينما العالمية ، وبصورة خاصة مهرجان كان السينمائى ومهرجان نيويورك
السينمائى .
ان مخرجى الموجة الجديدة الايرانيين الذين اشتهروا عالميا مثل عباس
كياروستامى ومحسن مخملباف وابنته سميرة مخملباف ومؤخرا ايضا جعفر باناهى
المسجون .
لقد سُجن جعفر باناهى لاخراجه افلاما يعترض فيها على الانتخابات الايرانية
الرئاسية الاخيرة .
ان هذا يوضح وجود قوانين صارمة فى الرقابة على السينمائيين الايرانيين
ويكشف عن وجود ضغوط على صانعى الافلام الذين يعملون داخل ايران لكى يقوموا
بتنقيه افلامهم السينمائية من الرؤى السياسية .
وقد علقت موروزى على طبيعة السينما الايرانية وكتبت ( ان السينما الايرانية
التى جاءت بعد الثورة ، قد استرعت انتباه الحركة النقدية السينمائية فى
الخارج، وفى داخل ايران فقد اثارت جدلا ثقافيا وسياسيا وتقنيا ، وفى ظل
القيود السياسية للجمهورية الاسلامية ، فان الفيلم اصبح واحدا من اهم
الاشكال التى تتطرق بحذر وحساسية الى موضوعات الساعة التى تشغل المجتمع
الايرانى . ( 1999 : 52 )
وكحال العقيدة السينمائية الجديدة فى الدنمارك والتى تزامنت مع ظهور الثورة
الرقمية والتى ركزت على الحقيقة والتبسيط الثقافى بفصل نفسها عن جماليات
السينما الهوليوودية ، فان عباس كياروستامى ايضا اتبع نفس الطريق فى غالبية
افلامه . ( بادلى و آل : 2006 )
ان التحول فى العقيدة السينمائية نحو الواقعية الاجتماعية كان يعكس تحولا
نحو الواقعية السينمائية فى افلام كيلروستامى الايرانية .
بينما توجد اختلافات بين النظريتين الجماليتين ، من حيث الخصائص والتقنيات
المختلفة لهما كعقيدتين سينمائيتين ، الا انه توجد سمات اصيلة مشتركة
بينهما .
ان المقولات مثل ( تحمل المخاطرة – اعملها بنفسك – صناعة الفيلم على
مسؤولية صاحبه ) لقد تم الترويج لهذه المقولات فى العقيدة السينمائية وهى
بلا شك دليل على معاصرة افلام كياروستامى .
ان فيلم (عشرة) يحكى قصة امرأة ايرانية تحمل فى سيارتها عشرة مسافرين
مختلفين عن بعضهم بعضا ، ومن بين المسافرين ابنها الصغير واختها وكذلك مومس
التقطتها من الشارع .
ان الفيلم يحتوى على عشرة مشاهد يتم تقديمها باسلوب السرد غير التصاعدى ،
وهذه المشاهد تستكشف تيمات الحب والالم والامومة والانسانية. ( هايز : 2002
: 1 )
ومع طبيعة هذه المشاهد المتقشفة ، فان فيلم ( عشرة ) يستكشف الحوارت
المتعمقة بين الممثلين المبتدئين الذين يوظفهم عباس كياروستامى ويستكشف من
خلالهم ما يُقال فى ايران ، انه بهذا يقدم سينما معاصرة تعكس الواقع
الايرانى المعاصر .
ان عباس كياروستامى بتوظيفه للكاميرات الرقمية يكشف دائما عن جانبى السيارة
، واضعا اربعة اشكال من السرد غير التصاعدى والواقعى وهذا ينتمى الى
الواقعية السينمائية .
ان كياروستامى كمخرج يبقى بعيدا عن هؤلاء الممثلين الغير محترفين والذين
يجدون الحرية فى عرض عواطفهم فى لقطات الفيلم، ان كياروستامى لا يتدخل
بتوجههم وفرض رأيه عليهم .
ان هذا الحضور يقدم بدوره ( بمُضاعفة الرؤية ) بدون مقاطعة من صانع الفيلم
.
ان هذا الاسلوب فى صناعة الافلام يدعو المشاهدين الى عزل انفسهم عن شخصيات
الفيلم .
والحقيقة ان الكاميرا الرقمية تلعب دورالشخصية الصامتة فى السرد الفيلمى،
او تلعب دور العارف ببواطن الامور - اذا كان هذا يروق لك –
ان سينما واقعية جديدة قد ظهرت من خلال هذا المثال .
اضافة الى ذلك ، فان هذه النظرة الانسانية الى حياة النساء فى ايران تقدم
وجهة نظر لنرى من خلالها القضايا الاجتماعية والسلوك فيما يتعلق بايران وقت
تصوير الفيلم.
ان هذا الاسلوب يختلف عن التقنية التصاعدية والجمال الذى يتوفرفى فيلم
السلولويد ، اما فيلم كياروستامى فانه يساعد فى بناء الحقيقة .
فى الختام
ان اندرية بازن ربما ما كان ليصدق بان تمنياته فيما يتعلق ب ( الحقيقة تخلق
فنا ) قد تحققت من خلال جماليات الفيلم الرقمى . ان الانتاج وتقنية ما بعد
الانتاج التى تحققت فى التكنولوجيا الرقمية منحت الحياة لموجة جديدة من
صناعة الافلام، مع التركيز على الحقيقة ، تحت مظلة من التحديات لقضايا
اجتماعية وسياسية تجتاح عالم السينما اليوم .
ان هذه الدراسة ناقشت الطريقة التى من خلالها يستطيع الفيلم الرقمى ان يقدم
الحقيقة.
من خلال المعطيات التكنولوجية المستحدثة ، والجماليات وصانعى الافلام الذين
اختاروا ان يستخدموا هذا الوسيط ليقدموا رؤاهم ، وبشكل خاص المخرج الايرانى
عباس كياروستامى .
وفى المقابل فان جماليات جديدة فى الانتاج السينمائى قد برزت فى الاسلوب
السردى لعدد من الافلام الهامة .
وبشكل اساسى ، فان عملية صنع الافلام اصبحت ديمقراطية بالرغم من ان عروض
الافلام مازالت تخضع لعوامل سياسية واجتماعية تشغل العالم .
References
Andrew, G. (2005), 10, London: BFI.
Badley, L. et al (2006) Traditions in World Cinema :Edinburgh University
Press
Bazin, A. (1967) What is Cinema? Universityof CaliforniaPress
Belton, J. (2002) “Digital Cinema: A False Revolution” in OCTOBER 100,
Spring 2002, pp. 98–114 MIT Press
Currah, A. (2003) “Digital Effects in the Spatial Economy of Film’ in
Area, Vol. 35, No. 1 pp. 64-73: Blackwell
Publishing
Currah, A. (2007) ‘Managing creativity: the tensions between commodities
and gifts in a digital networked
environment’, Economy and Society, 36: 3, 467 — 494
Dabashi, H. (2001) Close Up: Iranian Cinema: Past, Present and Future
Verso: London: New York
Dabashi, H (2007) Masters and Masterpieces of Iranian Cinema Library of
Congress
“Digital Cinema System Specification V1.2” (2008) Available at:
http://www.dcimovies.com/
DCIDigitalCinemaSystemSpecv1_2.pdf Accessed 13th April 2010
El-Assyouti (2004) “Citizen K” in Al-Ahram Weekly June 2004 Issue 694
Available at http://weekly.ahram.
org.eg/2004/694/cu5.htm Accessed 16th April 2010
Ganz, A. & Khatib, L. (2006) “Digital Cinema: The transformation of film
practice and aesthetics” in New
Cinemas: Journal of Contemporary Film 4 (1) p21-36: Intellect
Hayes, E. (2002) ‘10 x Ten: Kiarostami’s journey into modern Iran’ in
Open Democracy Accessible at http://
www.opendemocracy.net/content/articles/PDF/815.pdf Accessed: 20th May
2010
King, G. (2005) AmericanIndependentCinemaIndianaUniversityPress:
Bloomingtonand Indianapolis
Lugmayr, A. et al (2008) “E = MC2 + 1: a fully digital, collaborative,
high-definition (HD) production from
scene to screen” in Computers in Entertainment (CIE) 6 (2) p1-35
Manovich, L. (2001) The Language of New Media MIT Press
Manovich, L. (2006) “Essays: What is Digital Cinema? Available at:
http://www.manovich.net/TEXT/digital-
cinema.html Accessed 12th April 2010
Matthews, P. (1999) “The Innovators 1950-1960: Divining the Real” in
Sight and Sound August 1999 Accessible
at: http://www.bfi.org.uk/sightandsound/feature/176
McKernan, B (2005) Digital Cinema: The Revolution in Cinematography,
Post-Production and Distribution
McGraw Hill
Mir-Hosseini, Z. (2001) “Iranian Cinema: Art, Society and the State” in
Middle EastReport, No. 219 (Summer,
2001), pp. 26-29
Moruzzi, N.C.(1999) “Women’s Space/ Cinema Space:
Representations of Public and Private in Iranian
Cinema” in Middle East Report No. 212, Pushing the Limits: Iran’s
Islamic Revolution at Twenty (Autumn,
1999), pp. 52-55: MERIP
Naficy, H. (1995) “Iranian Cinema Under the Islamic Republic” in
American Anthropologist New Series, Vol.
97, No. 3 (Sep., 1995), pp. 548-558: Blackwell
Semati, M. (2008) Media, Culture and Society in Iran: Living with
Globalisation and the Islamic State
Wheeler, P. (2001) Digital Cinematography Focal Press: Oxford: MA
Vaziri, P. (2002) “Iranian Documentary Cinema: Between Reality and
Fiction” in Middle EastReport No.
225 (Winter, 2002), pp. 53-54
عين على السينما في
25/07/2012
المصرية في
25/07/2012
المصرية في
25/07/2012
المصرية في
25/07/2012
|