باتت التظاهرة في عامها الرابع (25 ـ 27 أيار 2012). اختار منظّموها
اسماً فرنسياً يحتمل أكثر من معنى، جاعلينه أساسياً في احتفالهم السنوي
بالفيلم القصير. تعبير
“Cabriolet”
مثير للخيال. ترجمته الحرفية إلى اللغة العربية،
تُقدّم أكثر من معنى: عربة بعجلتين أو سيارة ذات سطح قابل للطيّ، حنطور.
هناك أيضاً: صفد وقيد لليدين. الحدث اللبناني جعل التعبير سينمائياً:
"مهرجان كابريولي السينمائي للأفلام اللبنانية والدولية القصيرة". يُقام
سنوياً على "درج مار نقولا" في الأشرفية، المعروف بـ"درج الفن". في معاني
التعابير المستخدمة أيضاً، بدت كلمة "مهرجان" في غير محلّها. الاحتفال
متواضع. بساطته جزء أساسي من علاقة قائمة بينه وبين روّاده، المستعدين
للجلوس أرضاً أمام شاشة كبيرة منصوبة وسط الدرج، لمشاهدة أنماط متنوّعة من
الأفلام القصيرة، بعيداً عن كل ضغط يُسببّه هذا المهرجان أو ذاك. الأنسب
للتظاهرة كامنٌ في وصفه بالاحتفال: ثلاثة أيام من العروض المسائية جعلت
الحدث احتفالاً بالفيلم القصير.
الدرج، المؤدّي إلى شارع الجميّزة، مكان مناسب لعروض متتالية، لا
تتأثّر بصخب الشارع المعروف بغليانه الليلي أيام عطلة نهاية الأسبوع
تحديداً. مكان ملائم لحيوية شبابية متمثّلة بعدد من الجالسين أرضاً،
بأغراضهم المختلفة. هنا أيضاً يُمكن للخلوي أن يؤثِّر سلباً على المُشاهدة.
يُمكن للثرثرة العابرة أن تفعل ذلك بدورها. يُمكن لزجاجات الجعة ودخان
السجائر أيضاً. لكن المكان ليس مرتبطاً بطقوس السينما، لأنه مفتوح على
وافدين متحمّسين للسينما خارج شروطها المعتادة. الجالسون أرضاً قابلون بهذا
"الطقس" المغاير للعرض السينمائي داخل الصالات. قابلون لتمضية وقت أمام
شاشة كبيرة تأخذهم إلى أمكنة، وتضعهم في حالات، وتسلّيهم بألوان ومعطيات.
الفيلم القصير ملائم، بدوره، لعرض كهذا. اختيار بعض الأفلام من دون الأخرى
يُسهّل فعل المُشاهدة قليلاً. حرية التحرّك. الهواء الطلق. تفاصيل صغيرة،
لكنها بتضافرها بعضها مع بعض تجعل الأماسي الثلاث لحظات جميلة ومُسلّية.
شبّان وشابات "تسلّلوا" من شارع السهر إلى "درج الفن"، قبل أن يبدأ
الكرنفال الليليّ، بصخبه وجنونه وغليانه المتوتر. وجدوا أفلاماً تتيح بعض
الراحة، وإن حملت مزيداً من هموم وانفعالات ضاجّة بارتباكات أصحابها.
اختاروا مجموعة من دون غيرها بعشوائية، لأنهم ارتأوا تنويعاً تمنحه العروض:
"للعام الرابع على التوالي أتابع هذا المهرجان"، قالت شابّة لصديقها الجالس
قربها. "هذه هي المرّة الأولى بالنسبة إليّ"، أجابها بحماسة من عثر على
جديد يُريد تواصلاً معه. ردّ على سؤالي عن علاقته بالسينما عامة بقوله:
"أحياناً، أشاهد فيلماً في الصالة السينمائية. لكنّي أُفضّل مشاهدة الأفلام
على أشرطة "دي. في. دي."، لأن المنزل أكثر راحة وهدوءاً. هنا الأمر مختلف:
المكان والفضاء المفتوح يسمحان بحرية تحرّك ومشاهدة أكثر من الصالة".
بالنسبة إلى صديقته، هناك "شيء ما يثير متعة المُشاهدة. لا أعرف تفسيراً
له. الجلوس أرضاً، والشعور بحرية مطلقة في مكان مفتوح كهذا. ربما. بالإضافة
إلى إمكانية الاختيار، و"الدخول" المجّاني. الأفلام القصيرة لا تُعرض في
الصالات، واللبنانية منها تنتظر مناسبات أخرى لعرضها".
ليس نقاشاً. هذا تعبير عن رغبة في جمع أشياء عدّة في مناسبة واحدة.
هناك من قال إن الاحتفال بالأفلام القصيرة على "درج الفنّ" امتدادٌ
لمناسبات فنية أخرى تُقام في المكان نفسه: "أجد عرض الأفلام بهذه الطريقة
مناسبة لتواصل حميميّ أكبر وأهم مع الآخرين. أحياناً، تخرج من الصالة
السينمائية من دون أن تنتبه إلى من جلس قربك. هنا، أقلّه بالنسبة إليّ،
تعرّفت على بعض الأشخاص الذين تابعوا المهرجان سابقاً".
هذه نماذج قليلة، لا تكفي لمعرفة أشمل حول علاقة المُشاهدين بالاحتفال
بالأفلام القصيرة. نماذج قالت شيئاً من حيوية أناس قَدِموا إلى الدرج بهدف
المُشاهدة والتسلية معاً.
السفير اللبنانية في
28/05/2012
مخرجة دموع غزة بدأت العمل بفيلم عن مذبحة اوت اويه
نضال حمد – أوسلو
تنوي المخرجة النرويجية "فيبيكي لوكيبيرغ" التي قامت بإخراج "فيلم دموع
غزة" الشهير عن الحرب العدوانية "الإسرائيلية" على قطاع غزة نهاية سنة 2008
وبداية سنة 2009 إخراج فيلم عن مجزرة مخيم الشبيبة في جزيرة "اوت اويه"
النرويجية يوم 22 تموز- يوليو 2011
.
وجدير بالذكر أن اندرش بيرفيك الإرهابي اليميني النرويجي المتطرف هو الذي
نفذ المذبحة وكذلك التفجير في مجلس الوزراء. فيما تجري هذه الأيام في أوسلو
محاكمته أو محاكمة سفاح النرويج كما يحلو للصحافة تسميته. هذا ولوحظ منتصف
الشهر الجاري وعلى مدار يومين من أيام المحاكمة وجود المخرجة فيبيكي
لوكيبيرغ في قاعة المحكمة حيث حظرت بعض جلسات المحاكمة
.
وقالت المخرجة للصحافيين أنها شاهدت المحاكمة في التلفاز خلال الأيام
الفائتة وكانت بحسب قولها متعطشة لمشاهدة المحاكمة عن قرب من خلال التواجد
في صالة خاصة تتسع ل 250 شخصا خصصت للجمهور ولأهالي الضحايا والمعنيين
والمهتمين بالموضوع.
وقالت فيبيكي في حديث مع صحيفة "داغبلاده" اليومية النرويجية ثاني أكبر صحف
البلاد انها عندما شعرت بان عليها ان تشاهد المحاكمة عن قرب جاءت الى
الصالة المذكورة.
وكانت المخرجة فيبيكي لوكيبيرغ المعروفة بتعاطفها القوي مع الشعب الفلسطيني
وقضيته العادلة ومعاداتها للحروب ، والتي تعرضت وتتعرض لحملة تشويه من قبل
كيان الاحتلال "الإسرائيلي" ومؤيديه في أوروبا والعالم على خلفية فيلمها
دموع غزة ، الذي فضح جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال في القطاع
الفلسطيني المحاصر منذ عدة سنوات. كانت لوكيبيرغ كشفت قبل أسبوع لموقع
الصفصاف الإخباري العربي النرويجي في أوسلو عن نيتها عمل فيلم عن الجريمة
الإرهابية الكبرى التي ضربت وهزت النرويج. وأوضحت المخرجة أنها كانت منذ
فترة تفكر بعمل هذا الفيلم لكنها لم تكن متأكدة من ذلك. لكنها الآن طلبت
دعم مادي لمشروعها من قبل منظمة الكلمة الحرة النرويجية" فريت أورد". وكذلك
حصلت على دعم مادي من قبل معهد الفيلم النرويجي.
وتضيف المخرجة أنها تعتقد انه في المستقبل يجب أن نحصل على فيلم يبحث عن
الجذور التاريخية للحدث. وكذلك يجب أن يتم عمل الفيلم في النرويج. ولم تخف
ان هناك اهتماما عالميا متزايدا بهذا المشروع الذي سينتج عنه إعداد الفيلم.
وتقول المخرجة ان الفيلم عن العملية الإرهابية في النرويج سيضم مزيج من
الصور والوثائق الروائية عن هجمات 22 يوليو- تموز 2011 في النرويج.
لكنها رفضت الإفصاح عما إذا كانت تريد التطرق أيضا لتفجير مبنى مجلس
الوزراء ومجمع الوزارات الحكومية النرويجية في فيلمها.
وأضافت لوكيبيرغ أن هذا الفيلم سيكون جزء من ثلاثية أفلام عملتها ضد الحرب
كان أولها فيلمها دموع غزة وكذلك فيلمها الروائي " الحلفاء" الذي يتحدث عن
قصف منطقة "لاكسيفوغ" خلال الحرب العالمية الثانية. حيث قصفت طائرات
بريطانية أهدافا بحرية ألمانية وعن طريق الخطأ أصابت مدرسة نرويجية ومباني
مدينة مما أدى الى سقوط 193 مدنيا نرويجيا منهم 61 طفلا في مدرسة هولن.
قبل سنتين نال فيلمها دموع غزة الكثير من الاهتمام ، وسوف يتم عرضه قريبا
في دور السينما بأكبر المدن في الولايات المتحدة الأمريكية.
في حديثها عن السفر مع فيلم دموع غزة حول العالم حيث عرض في بلاد ومهرجانات
كثيرة ونال جوائز عديدة. تقول المخرجة انها اطلعت على ردود الفعل ونقاشات
الناس المختلفة. ومنها ردود وحشية في الفيس بوك. وبحسب قولها فأن تلك
الردود أعطتها فهما جديدا للوجه الفاشي وللواقع حتى وهي في سن النضج.
وعن جلوسها في قاعة المحاكمة والاستماع لشهادات الضحايا ووقائع المذبحة
قالت ان هذا شيء مروع. وأضافت انه لمن المخيف فعلا الاستماع الى شهادات
مروعة ولكنه من الضروري ان " أكون هنا وأشاهد عن قرب واستمع للشهادات وارى
ردود الأفعال وردة فعل المجرم عن قرب".
تروند بلاتمان رئيس مجموعة الدعم الشعبية النرويجية بعد مذبحة وتفجير 22
يوليو- تموز في النرويج يقول انه يجب ان يتعرض الفيلم ويشمل أدق التفاصيل
وان يأخذ بعين الاعتبار المتضررين. وأضاف انا على ثقة بان فيبيكي لوكيبيرغ
يمكنها عمل ذلك بالطريقة الصحيحة. ولكن كل هذا يتوقف على كيفية تقديم
الفيلم. وبأن ما حدث في الثاني والعشرين من تموز - يوليو يجب ان يقدم فقط
كما حدث على ارض الواقع وليس بطريقة مغايرة.
فيبيكي لوكيبيرغ وفي لقاء خاص مع كاتب هذه السطور ونتيجة صداقة تجمعه
بالمخرجة علم أن للمخرجة رأيها الخاص ونظرتها الخاصة في كل الذي حدث يوم 22
يوليو- تموز 2011 وبالذات في جزيرة "اوت اويه" حيث أن الإرهابي بريفيك خصص
في المانيفستو - البيان المؤلف من نحو 1000 صفحة والذي نشره قبل المذبحة
مكانا ليبدي فيه إعجابه بالكيان" الإسرائيلي" وقادته.
جدير بالذكر أن شبان وصبايا منظمة الشبيبة العمالية النرويجية الذي قتلهم
المجرم بريفيك في مذبحة جزيرة اوت اويه بغالبيتهم الساحقة من المؤيدين
للقضية الفلسطينية والمطالبين بمقاطعة كيان الاحتلال"الإسرائيلي". ومنهم من
أصيبوا في الهجوم وهم يضعون الكوفية والشال الفلسطينيين على أعناقهم. كما
تجدر الإشارة الى أن هناك وفودا شبابية فلسطينية دائمة المشاركة في هذا
المخيم السنوي، لكن تأخر طائرة الوفد الفلسطيني في مطار فيينا بالنمسا كان
سببا في عدم مشاهدتهم للمذبحة أو سقوط بعضهم ضحايا في هذا الهجوم الإرهابي
الوحشي.
ختاما يجب التذكير بأن المخرجة فيبيكي لوكيبيرغ أصرت الأسبوع الفائت على
التضامن مع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون "الإسرائيلية"
من خلال وقوفها مع رئيس الجالية الفلسطينية في النرويج أمام مبنى مجلس
الوزراء ومجمع الوزارات الذي تعرض للتفجير للتعبير عن تضامنها مع الأسرى ،
حيث حملت لوحة كتب عليها باللغة الانجليزية تضامنا مع الأسرى الفلسطينيين
في السجون "الإسرائيلية".
الجزيرة الوثائقية في
28/05/2012
راينر فيرنر فاسبيندر- موت في أوج الإبداع الفني
يوخن كورتن/ حسن ع. حسين
مراجعة: عماد غانم
رغم وفاته قبل ثلاثين عاماً إلا أن المخرج الألماني راينر فيرنر
فاسبيندر ما زال يعد من أهم السينمائيين الألمان، الذين عرفوا بالسينما
الألمانية في الخارج من خلال أفلامه التي تناولت ألمانيا ما بعد الحرب
العالمية الثانية.
عادة ما يتم إحياء الذكرى الثلاثين لوفاة فنان ما بمقال مطول أو قصير
في الصفحات الثقافية للصحف اليومية أو في المجلات المتخصصة أو أحد منتديات
الإنترنت. لكن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بالمخرج الألماني راينر فيرنر
فاسبيندر، فعلى الرغم من أن وفاته كانت في العاشر من حزيران/ يونيو 1982،
إلا أن ذكرى وفاته أحدثت صدى إعلامياً كبيراً قبل حلولها. وتبدو كل المتاحف
ودور السينما والمسارح منشغلة هذه الأيام بأحياء الذكرى الثلاثين لوفاة
فاسبيندر. دور السينما في داخل ألمانيا وخارجها تعرض الأعمال الكاملة
لفاسبيندر، فيما تستعد دور نشر لإصدار كتب جديدة تتناول حياة وأعمال الفنان
في الأسابيع القادمة.
مبدع مشهور خارج ألمانيا
يا تُرى ما هو سر هذه الشهرة؟ رفع فاسبيندر لواء السينما الألمانية في
البلاد وبنجاح في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وفي الدول
الأوروبية والولايات المتحدة يجسد فاسبيندر دون منازع السينما الألمانية
بعد الحرب العالمية الثانية. في دور السينما المتخصصة في السواحل الشرقية
من الولايات المتحدة يعتبر فاسبيندر "إيقونة" الفن السينمائي. أما مهرجان
كان السينمائي، وهو أهم مهرجان في العالم، فيبحث عن فاسبيندر جديد منذ
سنوات. وبسبب شهرة فاسبيندر عاقبت فرنسا، التي تعد أكبر منتج للأفلام على
مستوى أوروبا، السينما الألمانية من خلال إهمال الأفلام الألمانية.
ولم يواجه معاصرو فاسبيندر صعوبات في الخروج من ظل مواطنهم الشهير
فحسب، بل يجد المنتجون السينمائيون الشباب حتى يومنا هذا صعوبات في وضع
أقدامهم على بساط الشهرة الذي سار عليه فاسبيندر. ورغم الأعمال الكبيرة
والجيدة والتي حقق بعضها نجاحات تجارية كبيرة، بما فيها الحصول على جوائز
أوسكار لفنانين ألمان أمثال توم تيكفير ورولاند ايميريش وفلوريان هينكل فون
دونيرسمارك وفولفغانغ بيترسن، لم يصل أي منهم إلى شهرة عالمية يمكن
مقارنتها بشهرة فاسبيندر. تحول شخص فاسبيندر إلى أسطورة فنية أكثر من كونه
شخصية فنية مميزة في تاريخ صناعة الأفلام. وهناك طبعاً أسباب وراء هذه
الظاهرة، وربما يمكن الحديث عن سببين أساسيين، جعلا شهرة فاسبيندر منقطعة
النظير.
حياة مليئة بصخب الإبداع
من جانب ساهمت حياة فاسبيندر الصاخبة في صنع شهرته وتحوله إلى أسطورة،
إذ كانت رغم قصيرها مليئة بالعطاء الفني وبالإنتاج الغزير للأفلام. البعض
يسميها "نشوة الإبداع الفني"، أي إنتاج الأفلام الكثيرة خلاف فترة وجيزة.
ففي الفترة ما بين فيلمه الأول "الحب ابرد من الموت" عام 1969 وفيلمه
الأخير قبيل وفاته عام 1982 والذي كان بعنوان "كيفيريله"، أنتج فاسبيندر ما
لا يقل عن 37 فيلماً. كيف يمكن ذلك؟ أو بالأحرى كيف جرى ذلك؟ إذا أخذنا
بنظر الاعتبار أن فاسبيندر لم يحقق نجاحات تجارية بأفلامه الكثيرة. كما لم
يعتمد المخرج العبقري على منظومة متكاملة من الاستوديوهات، كما هو الحال في
هوليوود أو في فرنسا. لكن فاسبيندر، وعلى العكس من الكثير من زملائه في ذلك
الوقت، كان أكثر انفتاحاً أمام الإنتاج التلفزيوني، بيد أنه لم يكن صديقاً
لهيئات دعم الإنتاج السينمائي في ألمانيا.
ودفع فاسبيندر ثمن إنتاجه لسبعة وثلاثين فيلماً بجسده بكل معنى
الكلمة، إذ كان يتعاطى الكحول بكميات كبيرة إلى جانب إدمانه على المخدرات،
وخصوصاً على الكوكايين، بالإضافة إلى تناوله للحبوب المهدئة، بسبب قلة
النوم ومواصلة تصوير المشاهد دون انقطاع. كل ذلك رافق حياة فنان وصل بعطائه
الفني إلى أقصى الحدود الممكنة للضغط النفسي والجسدي. والحقيقة أن العجب لا
يكمن في غزارة إنتاجه السينمائي، بقدر تحمل جسده لكل هذه الضغوط. والعجب
الحقيقي هو كيف تحمل جسده كل ذلك طيلة 37 عاماً، فحياته القصيرة والصاخبة
والجامحة جعلت منه "أسطورة فنية".
مؤرخ التأريخ الألماني
أما السبب الثاني وراء شهرة فاسبيندر في خارج ألمانيا كمنتج للفيلم
الألماني، فصاغه الكاتب يورغن تريمبورن في كتابه عن حياة المخرج "الأسطورة"
بالقول: "المبهر في فاسبيندر أنه حاول عرض تاريخ ألمانيا الحديث وحاضرها في
أفلامه، كما فعل بلزاك في روايته الكوميديا الإنسانية". ويعدد تريمبورن
أفلام فاسبيندر وموضوعاتها: ففي فيلم "ديسباير" يتناول المخرج وضع ألمانيا
قبيل ظهور الرايخ الثالث. وفي فيلم " ليلي مارلين" صور شخصية نسائية في ظل
الدولة النازية. أما في "زواج ماريا بروان" و "لولا" فتناول الحياة
الألمانية في فترة ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة.
كما حاول فاسبيندر في فيلمين آخرين وهما "الخريف في ألمانيا" و"الجيل
الثالث" استعراض الحياة السياسية في البلاد في عصر بروز ظاهرة التطرف
اليساري والإرهاب. لقد كان فاسبيندر دوماً مع الحدث في المجتمع الألماني
وعن كثب. وحاول دائماً توثيق الأحداث الاجتماعية والسياسية في وقتها وقبل
أن يمضي عليها زمن طويل. لقد كان سينمائياً رائداً وكانت له رؤى فنية واضحة".
غالباً ما يتم الخلط بين حياة الفنانين الشخصية وبين أعمالهم الفنية
وبشكل مجحف، لكنهما في حياة فاسبيندر على ترابط تام. ولا يمكن النظر إلى
الأفلام بعيداً عن الشخص الجالس في كرسي الإخراج، فهذا الشخص يظهر في
الأفلام غالباً كممثل ولا يمكن فصله عن عمله الفني. فاسبيندر كان يحمل
دائماً أفكار أفلامه معه، لأنه كان يعيش معها. وكان يقضي الليالي والأيام
والأسابيع الطويلة مع طاقم عمله في شقق السكن الجماعي، هذا إن لم يكن يقضي
لياليه في باريس أو نيويورك أو فرانكفورت.
ظاهرة فاسبيندر فريدة من نوعها في تاريخ السينما الألمانية في مرحلة
ما بعد الحرب العالمية الثانية. واللافت في الأمر أن فاسبيندر يتمتع بشهرة
كبيرة في خارج بلاده أكثر من داخلها. عن ذلك يقول يورغن تريمبورن في كتابه
عن حياة فاسبيندر "في خارج ألمانيا لا يحتاج المرء إلى التعريف بشخص
فاسبيندر. أما في ألمانيا فبات ذلك اليوم أمر ضروري.
دويتشه فيله في
28/05/2012 |