ينفتح فيلم "نصف ثورة" على وجه الرئيس المخلوع مبارك على شاشة
تليفزيون يلقي أحد خطاباته الأخيرة. الصورة تم التلاعب بها بتكبيرها إلى حد
التشوه، وصوته الرتيب الخامل تم التلاعب به قليلا فبدا كما لو كان قادما من
فوهة قبر.
كثير من الأفلام الوثائقية التي صنعت عن الثورة تبدأ بخطابات مبارك،
وتعتمد على أرشيف من مواد الفضائيات واليوتيوب والمواقع الاليكترونية
والصحف، ولكن "نصف ثورة" لا يستعين بأي مواد خارجية فيما عدا تلك اللقطات
لخطاب مبارك وبعض اللقطات السريعة على شاشة تليفزيون عن موقعة الجمل.
المخرجان عمر الشرقاوي وكريم الحكيم، اللذين قاما أيضا بتصوير مشاهده،
بمساعدات من بعض أصدقائهما أحيانا، تجنبا الاستعانة بالمواد الأرشيفية حرصا
على حقوق الملكية غالبا، على عكس الكثير من الأفلام المصرية التي لا تراعي
هذه الحقوق، وتقتبس من المواد الأرشيفية دون أدنى تردد، وبافراط يؤثر سلبا
على العمل أحيانا كثيرة.
"نصف ثورة" انتاج دينماركي بحكم جنسية شركة الانتاج، وانتماء
أحد مخرجيه. عمر الشرقاوي فلسطيني دينماركي الجنسية، بينما مخرجه الثاني،
كريم حكيم، مصري أمريكي الجنسية. الشرقاوي وحكيم وجدا نفسيهما بالصدفة في
قلب الثورة المصرية...قبلها بأيام أو شهور كانا يخططان للبقاء والعمل في
مصر، فالاثنان لديهما ما يشبه العائلة في القاهرة. كريم متزوج من سماهر أخت
عمر ولديهما طفل صغير سيكون له دور كبير في مصير الشخصيات. عمر خاطب لفتاة
مصرية، وكل من كريم وعمر محاطان بالأصدقاء والأقارب من المصريين والمخلطين
الجنسية، حيث يلتقي الجميع في شقة مؤجرة هي محل إقامة كريم وزوجته وطفلهما،
وهي قريبة جدا من ميدان التحرير، وتحديدا تطل على مقهى البورصة أحد مواقع
تجمعات المثقفين والنشطاء قبل الثورة وخلالها وبعدها.
الهوية المزدوجة التي يتمتع بها كريم وعمر أعطتهما، وفيلمهما
بالتبعية، خصوصية مميزة. من ناحية تحتاج الأفلام الوثائقية إلى نظرة
موضوعية غير مستغرقة في الأحداث وقدرة على التحليل والتأمل، ولكن من ناحية
أخرى تمثل هذه الهوية المزدوجة ضعفا تراجيديا، ذلك أنها ستدفع صناع الفيلم،
وفيلمهما بالضرورة، إلى نقطة تصادم وذروة مؤسفة يتصادف أنها ستكون مصير
الثورة نفسها في المستقبل...وسوف يتضح معنى الكلام السابق لاحقا حين أتعرض
لمضمون الفيلم.
كنت أقول أن الهوية المزدوجة لمخرجي "نصف ثورة" أكسبتهما خبرة مزدوجة
وقدرة على النظرة المتأملة الموضوعية حتى في ذروة اشتعال الأحداث والعنف
خلال الأيام الأولى للثورة، ولكنها من ناحية ثانية حالت دون اندماجهما
الكامل في الأحداث، بل وكانت وراء اضطرارهما إلى الفرار من مصر كلها مع
احتدام الصراع بين الثورة ونظام مبارك الذي نشر بلطجيته وأشاع الذعر من
الأجانب خلال الأيام الأخيرة من حكم مبارك.
هذه الهوية المزدوجة هي أيضا سر جمال هذا الفيلم وتأثيره على المشاهد.
وإذا كان "الغموض" أو "الالتباس" – كما يرى بعض فلاسفة علم الجمال- هو سر
الشحنة الجمالية في أي عمل فني كبير، وفقا لبعض نظريات النقد الأدبي
والفني، فإن ما يعطي هذا الفيلم "التباسه" الفني هو هوية صاحبيْه، الحائرين
بين الانخراط التام في الثورة والمجتمع المصري والتي تمتد أيضا إلى باقي
شخصيات الفيلم بدرجة أو أخرى.
يبدأ "نصف ثورة" بجزء من خطب مبارك الأخيرة ثم ينتقل إلى شقة كريم حيث
تلتقي شخصيات الفيلم الأساسية، والتي نتعرف عليها من خلال عناوين على
الشاشة.
بالإضافة لكريم ووالده وزوجته سماهر وطفلهما وعمر نتعرف على فيليب،
اللبناني الفرنسي المصري الإقامة واللهجة، وإسلام، المصري الذي نشأ وعاش في
الكويت قبل أن يعود إلى مصر شابا، ورشا، الشابة المصرية التي تعاني هي أيضا
من اغترابها وهويتها المزدوجة ثقافيا.
بالنسبة لهذه الشخصيات، بالضبط، يمثل يوم 25 يناير قفزة إلى المحيط من
فوق قمة جبل عال... قفزة داخل الهوية المصرية التي تشكل نواة كل منهم رغم
أطياف الهويات المتتابعة فوق وجوههم وألسنتهم. سواء في مشاهد الالتحام
بالجموع التي غطت الميادين، أو لقاءات شخصيات الفيلم وأحاديثها حول ما يجري
لهم وحولهم، تكتشف الشخصيات هويتها وإحساسها الوطني الذي يدفعها في لحظات
ما إلى تعريض حياتها للخطر في سبيل الجماعة والبلد.
الاندماج في الجماعة هو أول مظاهر الثورة الشعبية، ولكن الاندماج
والتوحد لا يعنيان دائما أن يفقد المرء فرديته وعقله وثقافته. والهوية
المزدوجة التي أشرت إليها ربما هي التي حمت شخصيات الفيلم من الوقوع في
أوهام الجماعة. ومن الغريب أنه في الوقت الذي كانت تنادي فيه "الجماعة" –
الأغلبية- بنزول القوات المسلحة يوم 28 يناير، وفي الوقت الذي كانت ترتفع
فيه آيات التهليل والتكبير بنزول الجيش، كانت عدسة عمر وكريم ترصد شيئا آخر
تماما: مصفحة الجيش التي دهست أحد المتظاهرين في ميدان التحرير، وزميلتها
التي قامت بتوصيل الذخيرة الحية إلى قوات الشرطة الرابضة بين وزارة
الداخلية والميدان، وقيام المتظاهرين باحراق إحدى المصفحات العسكرية في
الميدان. هذه المصفحة التي اختفت تماما في اليوم التالي، بعد أن قرر الجيش
أن يدعي الوقوف على الحياد!
عمر وكريم سيضطران بعد أيام إلى الرحيل من مصر كلها...عندما يرسل
مبارك ورئيس وزرائه الجديد أحمد شفيق بلطجيته لقتل المعتصمين في الثاني من
فبراير – في موقعة الجمل الشهيرة، ستتحول المناطق المحيطة بالميدان إلى
مصائد للثائرين، حيث يتجول البلطجية بالأسلحة بحثا عن أي مشتبه فيه، خاصة
لو كان أجنبيا.
تليفزيون مبارك كان يردد أن الميدان يمتلئ بالعملاء الأجانب من إيران
وإسرائيل وأمريكا...والأجنبي الذي كان يقع في يد مؤيدي مبارك كان ينكل به،
أو بها. الأجهزة الأمنية المصرية معتادة على استهداف الأجانب والنساء،
والنساء الأجنبيات بوجه أخص، لضرب المعارضة في مقتل، وهي سياسة ستستمر ما
بعد مبارك بشهور طويلة، ولكن "نصف ثورة" يتصادف له أن يمر بهذه المحنة
مبكرا جدا...وتحت الخطر المحدق بهم من جحافل البلطجية في الشوارع المحيطة،
وتعرض فيليب، اللبناني الفرنسي، لإعتداء كاد أن يفقده حياته، يتسلل كريم
وزوجته وطفلهما وعمر صباح التاسع من فبراير، قبل تنحي مبارك بيومين، للفرار
بجلودهم وابنهم الرضيع من خطر الموت أو الاعتداء أو الاعتقال.
هل كان من الأفضل لو بقيا قليلا، ولو مختبئين في بيتهما؟
أعتقد أن الحظ الطيب للفيلم كان يكمن أيضا في رحيلهم المبكر، فقد نجوا
من الفرح الزائف الذي أعقب تنحي مبارك لأسابيع أو شهور قليلة، قبل أن تتكشف
ملامح الخدعة الكبرى.
بالنسبة لكريم وعمر، فقد غادرا وهما يحملان ندبات هذه الخدعة
في قلبيهما. لقد شاهدا جرائم الجيش المبكرة، وتم خطفهما من قبل أعوان
النظام، وتعرضا لخطر القتل على أيدي البلطجية...ومن الزاوية التي رصدا بها
أحداث الثورة، فقد رصدا قوة ووحشية هذا النظام، ولم يكن من السهل أن تنطلي
عليهما الحيل التي انطلت على غيرهما. أعتقد أن "الهوية المتعددة" ساهمت في
هذه القدرة على فهم الأمور، كما أن امتزاج الذاتي بالموضوعي والشخصي بالعام
يتجاوز هنا مسألة مشاركة صانع الفيلم في الثورة كواحد من المحتجين. بالنسبة
لشخصيات "نصف ثورة" الأمر يتعلق بالبحث عن الذات نفسها وسط الأجساد والدماء
والغازات المسيلة للدموع وأغاني المتظاهرين. وهم معا يشكلون صورة لهذه
الهوية المعاصرة المتعددة والمتحررة التي تحلم بها مصر، ولكن تخشاها. وهذه
الهوية هي النقيض التام لحالة رهاب الأجانب ورهاب الفوضى وعدم الاستقرار
وكل مصادر الخوف التي لعب عليها النظام القديم قبل وبعد خلع مبارك، والتي
ساهمت مع قوى الرجعية الدينية في إعاقة إكتمال هذه الثورة.
بناء الفيلم، من هذه الزاوية، هو أهم نقاط قوته، فهو يحقق ما يوصف
عادة بالعضوية بين العناصر: المضمون مع الشكل، والخط الرئيسي مع الخطوط
الثانوية. هنا لا تستطيع أن تفرق بين قصة الثورة، وقصة أسرتي كريم وعمر
ومجموعة الأصدقاء المقربين منهما.
يرحل صناع الفيلم هاربين، وينتهي العمل بهذا الاحساس المسيطر بالخوف
من انتقام النظام...لذلك يعد "نصف ثورة" من الأفلام القليلة التي أدركت
وعبرت عن طبيعة الصراع غير المحسوم، والمستمر، بين قوى الثورة والرجعية في
مصر، وذلك على الرغم من أنه انتهى فعليا – من ناحية الزمن الذي جرى خلاله
تصوير الفيلم- قبل تنحي مبارك، ومن ناحية الانتهاء من بناءه وتوليفه، يعد
من أوائل الأفلام التي صنعت عن الثورة.
إن تعقيد وفنية وتأثير "نصف ثورة" يدحض الفكرة القائلة بأن الأحداث
التاريخية الجسيمة تحتاج إلى وقت طويل لتختمر فنيا...فالمسألة لا تتعلق
بالوقت بقدر ما تحتاج إلى عقل نقدي مركب ومتأمل، أما الوقت وحده فلا يكفي
لجعل التفكير السطحي عميقا، أو العكس!
الجزيرة الوثائقية في
21/05/2012
عودة الى كلاسيك السينما (16):
الساموراي السبعة
حميد مشهداني من برشلونة:
في الواقع، نيتي كانت الكتابة عن فيلم “العظماء السبعة” 1960 للمخرج
الاميركي”جون ستيرغيس” بسبب اهميته و تأثيره الكبير في جيل الستينات من
هواة و محبي السينما في بغداد، خصوصا بين الفتيان والشباب الذين تعلموا
الكثير من جمل هذه الافلام المشهورة باللغة الانكليزية خصوصا تلك التي
اعتادت عليها أفلام “الغرب” او “رعاة البقر”. صغارا كنا نسميها أفلام
“العصابة”، و كنا نلعب ادوار بعضها في درابين أحيائنا الشعبية الجميلة، و
نقول جملا مثل “هانزاب” اي أرفع يديك مع حركة يد سريعة تشهر مسدسا
افتراضيا، أو “شاراب” بمعنى “اصمت،،، ” التي كان يكررها “جون واين” في
العديد من افلامه. وبينما كنت أكتب السطور الاولى فاجاني فيلم “الساموراي
السبعة”على قناة الافلام الكلاسيكية فتركت الكتابة و عدت مشاهدة الفيلم
للمرة الخامسة خلال 30 سنة، المرة
الاولى كانت في لندن في مهرجان عن السينما اليابانية في “الناشينال فيلم
تياتير”و بصراحة لم تربط ذاكرتي علاقة الفلمين و بعد سنوات عدت مشاهدته
مرات اخرى في اماكن و مناسبات مختلفة.
فيلم “الساموراي السبعة”1954 اليدوي الصنع الذي ابدعه “أكيرا
كوراساوا” 1910-1998 يعتبر من الافلام الكاملة الصنع في كل مكوناته على مدى
تأريخ السينما، و من أكثرها روعة وثراء في بحثه روح الانسان المعقدة
التركيب و انفعالات هذا في سنوات الحروب و الازمات و القحط، في تقنية يحسد
عليها رغم بدائيتها في تصوير خارجي دائم حيث الطبيعة و الشخصيات تمتزج و
تتوحد في غنائية رائعة لا تخفي اهوال الحروب، و الجفاف و الزمن القاسي، تلك
التي مرت بها اليابان في اواخر القرن السابع عشر على مدى عقود و اول
ضحاياها كان الفقراء من الفلاحين بين ضرائب الامبراطور الظالمة، و قسوة
اللصوص و قطاع الطرق واليأس قاد الكثير منهم الى الانتحار الجماعي، ولكنهم
كانوا قوت الارض ايضا وأصحابها.
المخرج الياباني الذي كان قد اخرج فيلما رائعا اخر قبل سنوات من هذا
“راشامون”1950 الذي قلدته السينما الاميركية فيما بعد وضع بداية فيما نسميه
اليوم بأفلام “الاكشن”التي تحدث في ارياف اليابان البعيدة في أسلوب ملحمي
يسطر حالة البؤس الفلاحي في البلد الاقطاعي و لا يترك تشريح الشخصيات في
انفعالاتها الشخصية بين الفقراء و بين محاربي الساموراي فهم شركاء في نبل
قضيتهم، فهؤلاء هم في اصلهم نبلاء في اعتبارات الشجاعة و العدل و الاخلاق و
بدورهم أصبحوا من ضحايا فساد الامبراطورية و تدهور ادارتها، و هنا يحلل
كوراساوا الشخصيات كلها في انفعالات مختلفة و متناقضة امام مواقف الشجاعة و
الجبن، و امام المأزق الانسانية في سرد جميل و خالي من الغوغائية فمصيبة
الفقراء هي الخوف من السلطة الظالمة، الرهبة من القسوة التي تجعلهم جبناء
في طبعهم، فهم اعتادوا الضيم و هذا لا يتفق مع روح الساموراي الذي لقن
الشجاعة و الاخلاق منذ صغره، و هنا تتصادم الاهواء، والمخرج يطرحها كما هي
مما يعطي الفيلم واقعية فريدة. و في كثير من الاحيان محيرة في شرط الانسان
المتغير، و لا يترك جانبا تفاصيل العلاقات الانسانية من المشاعر اليومية من
الحب و الوفاء والشجاعة و الاحترام، و حتى الخيانة.
المخرج العظيم يصنع فيلما جديرا ب“ساموراي”محترم وهذا صار منذ انتاجه
أشارة مهمة في تأريخ السينما العالمية، ومنه أخذ العديد المخرجين الاميركان
في تطبيق يكاد يكون حرفيا في هذه المهنة، مثل فيلم “العظماء السبعة”الذي
أشرت عليه في بداية المقال، و الذي يتبناه المخرج “جون ستروجر” بحذافيره.
قصة الفيلم تتحدث عن قرية فلاحية في يابان القرن السابع عشر الاقطاعي
الذي دمرته حروب الامبراطور وحاشيته الفاسدة، التي ستحاول قمع المحاربين
الساموراي الذين قاوموا الفساد الاداري، في هذا الاطار ينتشر النهب و السلب
من قبل عصابات لصوص محترفين وقساة، وهذه القرية كانت مثلا لما يحدث في زمن
الحروب، فهي تقع تحت سطوة واحدة من هذه العصابات التي اعتادت زيارة القرية
بعد كل موسم حصاد، و بالقوة و العنف تصادر كل المحاصيل و حيوانات المزراعين
بجانب اغتصاب نسائهم و بناتهم، و أخيرا يطلبون نصيحة شيخ القرية الحكيم و
هذا يامرهم الذهاب حالا الى المدينة القريبة في محاولة العثور على بعض من
بقايا الساموراي و التعاقد معهم لحماية القرية من اللصوص و أقترح ان 4 منهم
يكفون في تنفيذ هذه المهمة، مقابل طبقين من الرز في اليوم و سقف تحته
ينامون، و في المدينة يلتقون الساموراي المخضرم الحكيم، ”كانبيي”الذي يؤدي
دوره “تاكاشي شيمورا”1905-1982، و هذا يبدأ في تجنيد عددا من من الساموراي
العاطلين عن العمل بعد التصفيات، و لايملكون غير أزيائهم العسكرية و سيوفهم
و الاهم من كل هذا، أخلاقهم الرفيعة، و أباء المحارب العادل، و يتمكن من
جمع 6 من هؤلاء الذين يمثلون مزاجات مختلفة، اما السابع منهم فهو ليس من
اصل ساموراي، فهو شاب غريب الاطوار من أصل فلاحي فقير ولكن تغيرات مزاجه، و
مرحه يضيف للشريط عنصرا هاما كان “كوراساوا”قد اهتم به بشكل خاص، فهو يختار
“توشيرو ميفوني”1920-1997، و هذا من ممثلي المخرج المفضلين، وشارك في معظم
أفلامه، و هنا يؤدي دور “كيكوتشيو” الفتى الشبه معتوه. و مشاكس و مرح، و في
تغير نفسي دائم بين الفكاهة والغضب و الصراخ ليكون عرضة للسخرية على طول
الفيلم ليفاجئنا في النهاية في شجاعته و ندرة معدنه الانساني حيث يقضي في
محاولة انقاذ طفل كان قد أختطفه أحد اللصوص، و بأعتقادي كان هذا من أجمل
مشاهد الفيلم التي تثير العطف و الانفعال، فهو ليس من ملة الساموراي في
أصله، و لكنه يصير واحدا منهم بعد تضحيته من أجل انقاذ طفل برئ، لان الموت
من أجل قضية عادلة كان من مبادئ هؤلاء المحاربين الاولى.
الطرح يبدو بسيطا، فمجموعة من الساموراي يجدون فرصة فريدة لتطبيقهم في
الاخلاق و الشجاعة، ويتفقوا على الدفاع عن مزراعين أنهكهم الجوع و ويلات
الحروب، من هذه البساطة يبدأ المخرج في صنع فيلما “ملحميا” بارعا مليئا
بالحركة و الانفعال الجدي و المصيري، و لا يترك في نفس الوقت تزينه بنوع من
الفكاهة و التهكم، التي بدورها كانت تغني الفكرة الاساسية لهذا. و هي أبراز
القيم الانسانية، ففي ريف اليابان الاقطاعي كان الفلاح ينتمي الى ادنى
الطبقات الاجتماعية، و معرضا للقسوة و الظلم من كل جانب، و عدم الامان كان
شرطا للعيش امام تدهور اخلاق النظام الامبراطوري و فساده، و الحل في
النهاية يأتي من حكمة شيخ القرية و من شجاعة الساموراي السبعة.
الاداء الرائع للممثلين الذي يتبلور بطيئا مع تقدم الفيلم، و تعاطف
المشاهد في نفس الوتيرة حيث التواصل العاطفي في المشاعر لا يترك لحظة من
التوقع و الارتقاب و في حالة صعود تدريجي الى ى ان تظهر عصابة اللصوص في
النهاية و مرارة المواجهة في المعركة النهائية و الانتصار في الاخير يتركنا
بدون شك امام واحدا من أهم 10 أفلام صنعت على مدى القرن العشرين، و بمناسبة
الحديث عن الاداء اود التركيز على “تاكاشي شيمورا” الذي يقوم بدور “كامبيي”
المحارب الحكيم اولا و الشجاع ثانيا، فيه يعطي درسا رائعا في الاداء و
سيترك اثره في العديد من الممثلين العظام مثل “مارلون براندو”في حركات تبدو
عفوية ولكنها في تفاصيلها تمنح الممثل فرصة التحول البطئ و الحميمي و تجعله
اكثر انسانية كما مسح رأسه الحليق في هدوء الحكيم، و لمس اذنه كل مرة فيها
يسمع حديث الاخرين وحينما ينوي نصيحة أحدهم، وهذه الحركات البسيطة في
الاداء صارت فيما بعد “عكازة” العديد من الممثلين، ف “الساموراي” كامببي
بعد رسمه خطة مواجهة العصابة الشريرة في ذهنه ايظا كانت نيته في توريط
المزارعين و المساهمة في الدفاع عن حقوقهم، لان مشكلة هؤلاء ليست الحدث
المحدد مع اللصوص، و انما حالة الذعر و الجبن الذي سكن قلوبهم على مدى
أجيال، و ربما الانتصار و لو لمرة واحدة ربما سيوقض في ارواحهم المتعبة قيم
الشجاعة و العدالة، و احترام الذات، ، و انتشالهم من حالة ذل وكبوت متراكم،
فدرس القيم المثالية الذي يطرحه “كوراساوا” يصبح في غاية الاهمية و السمو
بالنسبة للمزارعين الفقراء الذين أعتادوا الظلم، و عدم العدل كأنه مصيرا
ابديا،
اخيرا، نشاهد فيلما مشوقا في مغامرات و توقعات لا تنتهي على طول
الفيلم، و لايد من الاشارة الى ممثلين رائعين اخرين مثل “دياسوكي كاتو”
1910-1975 الذي يؤدي دور الساموراي المخضرم “شيشيروجي” وهذا كان رفيق سلاح
قديم لكامبيي “مينورو جياكي” ”1917- 1989 الساموراي الحطاب.
يستمر تصوير الفيلم اكثر من سنة و يتجاوز الميزانية المحددة مما جعل
من شركة الانتاج التفكير جديا في تصفية المشروع و تسريح كل العاملين في
الفيلم، ولكن “كوراساوا” الذي كان يقول في شبابه أنه يتمنى ان يصير “جون
فورد” حينما يكبر، أصر على المواصلة، و بمساعدة مصور افلامه “أساكازو
ناكاي” أبتكر أسلوبا جديدا في التصوير في استخدام 3 كاميرات لكل لقطة خصوصا
لقطات “الاكشن” التي كانت باهظة التكاليف، و هذا صار تقليدا في كل افلامه
اللاحقة، يمكن القول ان هذا العمل الاسطوري في كله هو نتيجة جهد المخرج
الذاتي، كان نوعا من التحدي الفلسفي لسينمائي مثقف و ملهم، و صار فيما بعد
مدرسة في صناعة السينما على طول تأريخها، حيث قامت هوليوود بأعادة تبنيه في
سلسلة طويلة من الافلام مثل “عودة العظماء السبعة”مع “يول براينر”و “غضب
العظماء السبعة” و“تحدي....” الخ، ناهيك عن عدد كبير من المسلسلات
التليفزيونية.
فيلم رائع يفتتح عالمية “كوراساوا” بفوزه جائزة الاسد الفضي في مهرجان
“فينيسيا” لعام 1954. ورشح لعدة جوائز عالمية ايضا منها ترشيحان لجائزة
الاوسكار عام 1955، انصح القراء مشاهدته، وأكثر من مرة.
إيلاف في
22/05/2012
المخرج السينمائي محمد خان أحد المشاركين فى المهرجان
وفد مصري في ضيافة مهرجان مرتيل
للسينما المغربية والإيبيرو الأمريكية
مرتيل- المغرب - أ ش أ : يشارك وفد سينمائي مصري في فعاليات الدورة
الثانية عشرة من مهرجان "مرتيل" للسينما المغربية والإيبيرو الأمريكية،
الذي يقام في شمال المغرب خلال الفترة من 27 مايو الجاري إلى 2 يونيو
المقبل .
وقال أيوب الأنجري البغدادي، مدير مهرجان "مرتيل" السينمائي: إن من
بين الأسماء المصرية التي أكدت مشاركتها في المهرجان، الممثلة جيهان فاضل
كعضو في لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية القصيرة التي يرأسها المخرج
المغربي جيلالي فرحاتي، والناقد المصري أشرف البيومي كعضو لجنة تحكيم
مسابقة الفيلم الوثائقي التي يرأسها المخرج الفلسطيني ميشال خليفي .
ويشارك المخرج السينمائي الكبير محمد خان يشارك في ندوة بعنوان
"السينما كشاهد على العصر" التي تحمل هذا العام شعار "شهادات سينمائية على
سنوات الرصاص
".
وقال الناقد المصري أشرف البيومي، عضو لجنة تحكيم مسابقة الفيلم
الوثائقي": إن أهمية هذا المهرجان تكمن في إحداث حراك فني وسينمائي يساهم
في إشعاع مدينة مرتيل، هذه المدينة الصغيرة التي تستقبل سنويا بهذه
المناسبة، العديد من مهنيي السينما من أمريكا اللاتينية وإسبانيا والمغرب،
وبلدان أخرى، ولذا وجب ارسال تهنئة إلى منظمي المهرجان على نجاحه في فرض
نفسه إن على المستوى الوطني والعربي والدولي، كما يدل على ذلك المشاركة
المميزة للبلدان الأجنبية، خاصة إسبانيا ومن أمريكا الجنوبية، إضافة إلى
الدور البارز في الحفاظ على سينما الريف بالمدينة في إطار إنقاذ دور العرض
السينمائي والمسرحي التي تواجه خطر الانقراض في العديد من المدن العربية
وليس في المغرب فقط
.
وأضاف بيومي، إن المشاركة المصرية تأتي في إطار استضافة بعض ثوار
ميدان التحرير المصري كضيوف للمهرجان الذي احتفى في دورة العام الماضي
بالثورة المصرية من خلال مشاركة المخرجين خالد يوسف وشريف البنداري، وعرض
مجموعة من أعمال شباب السينما المصرية التي مهدت للثورة.
وتأسس نادي "مرتيل للسينما والثقافة" عام 1995 بمبادرة من مجموعة من
الشباب بالمدينة ونظم النادي عدة لقاءات ثقافية حول محاور السينما بالمغرب
وعلاقتها بالتربية والأدب وحقوق الإنسان كما نظم دورات تكوينية في
السيناريو والمونتاج والتصوير والاقتباس ومكونات السرد واللغة السينمائية
بالإضافة إلى أنشطة محلية ودولية
.
الشروق المصرية في
22/05/2012 |