لكنّنا نستعيده هذا الأسبوع في «متروبوليس». المخرجة رانية اسطفان
المفتونة بأيقونة «هوليوود الشرق» تقدّم هنا فيلماً جريئاً يرتكز على مواد
أرشيفية من ذاكرة السينما المصرية
كيف يمكن الحديث عن العصر الذهبي للسينما المصرية من دون التوقف عند
جمال وإغراء ورقّة سعاد حسني؟ ومن منّا لم يُعد مشاهدة أفلامها الساحرة
مرات عديدة على أشرطة الـVHS
قبل أن تغزو الأقراص المدمجة عالمنا؟ المخرجة اللبنانية رانية
اسطفان، واحدة من هؤلاء الذين فُتنوا بذلك العصر الجميل وبأبطاله. في
فيلمها الطويل الأوّل «اختفاءات سعاد حسني الثلاثة» (68 د)، تحتفي اسطفان
بـ«سندريلا الشاشة العربية». شريط لا يخلو من نوستالجيا لزمن مضى، علّه
يعود ليمحو هذا التزمّت الديني الذي بات يلفّ عالمنا العربي اليوم.
الفيلم الذي نالت صاحبته جائزة «أفضل مخرج للأفلام الوثائقية» في
«مهرجان ترابيكا الدوحة» (2011)، وجائزة
Renaud Victor
في «المهرجان العالمي للأفلام» في مرسيليا (2011)، قُدّم للمرة الأولى
في «بينالي الشارقة» ونال جائزته الكبرى، قبل أن يُعرض في غاليري Serpentine
في لندن، وفي «متحف الفن الحديث» في نيويورك، وفي برمجة «أشغال فيديو ـــ
2011» في لبنان.
اليوم، يعود الشريط إلى لبنان، ليحط رحاله في صالة سينما «متروبوليس
أمبير صوفيل» ضمن برمجة «دفاتر يومية: شهر السينما اللبنانية». لن تجدي
محاولات تصنيف الفيلم بين خانة الوثائقي، أو الفيديو، أو التجريب. إنّه
خليط من كل تلك اللغات السينمائية التي ولّفتها اسطفان على طريقتها الخاصة.
إذن، نحن أمام شريط يرثي ثلاثة اختفاءات: اختفاء سعاد حسني، واختفاء
العصر الذهبي للسينما المصرية، واختفاء أشرطة الـVHS.
بدأ رحلت رانية اسطفان مع سعاد حسني من خلال أطروحتها التي قدمتها عن
«زوزو» لجامعة «لاتروب» الأسترالية. لكنّ خبر وفاة الـ«سندريلا» في لندن
عام 2011، كان السبب الرئيسي الذي دفع اسطفان إلى إنجاز فيلمها. هكذا،
انهمكت المخرجة اللبنانية في مراجعة 82 فيلماً مثلت فيها سعاد حسني. بدأت
مع أوّل أدوارها في «حسن ونعيمة» (1959)، مروراً بعشرات التجارب المهمّة
مثل «الكرنك» (1975) و«موعد على العشاء» (1981)، و«حب في الزنزانة» (1983)،
وانتهاءً بآخر أدوارها في «الراعي والنساء» (1991).
بعد بحث عميق وشاق في أرشيف الفنانة الراحلة، خلصت اسطفان إلى توليفة
من 65 فيلماً، نسختها على كاسيت
VHS، وقسمتها إلى ثلاثة فصول، كما هي الحال في
التراجيديا الإغريقية. مواد أرشيفية اختارتها اسطفان، وعالجتها بالمونتاج،
من دون إضافات في الصورة أو في الصوت. هكذا، تفتح اسطفان الباب للراغبين في
رحلة استكشافية في تراث سعاد حسني التي عملت إلى جانب العديد من أجيال
السينما المصرية ونجومها، بدءاً بعبد الحليم حافظ وانتهاء بأحمد زكي.
لم تهتم صاحبة «حرب لبنان» (2006) بتفاصيل حياة حسني، أو حتى
بالأحاديث التي حيكت حول موتها. أرادت أن تسلط ضوءاً وحيداً على سعاد حسني/
الممثلة بأدوارها التي اختلفت بين الابنة، والأخت، والحبيبة، والأم. كأن
«اختفاءات...» يستعيد نموذج المرأة العربية في الستينيات والسبعينيات من
خلال شخصية حسني المنفتحة.
خلال التحضير للفيلم، أقامت المخرجة لفترة في شارع Edgware Road
في لندن، على مقربة من الشقة التي أمضت سعاد حسني آخر سنوات حياتها فيها.
كررت اسطفان زيارتها لمكان سكن حسني، دون أن أن تصوّر أو تجري مقابلات مع
الجيران الذين عايشوا الفنانة الراحلة. المشاهد التي اختارتها صاحبة
«قبيلة» (1993) في شريطها، تظهر التحولات التي طرأت على الشخصية الفنية
لسعاد حسني، والتطور الذي رافق أفلامها.
هكذا، سنقع على البراءة والحبّ العذري في المشاهد الأولى، لننتقل بعد
ذلك إلى الرغبة الجنسية والحضور المكثف للجسد، مروراً بمعاركها مع الحياة،
وصولاً إلى المأساة والمعاناة، فالانتحار. إنها مرثية سينمائية لأيقونة
تمثّل عصراً بأكمله، بدأ في الخمسينيات وانتهى في التسعينيات. مرثية تشمل
أشرطة الـVHS
التي كانت الوسيلة الوحيدة لتداول الأفلام خارج صالات السينما. وعلى
طريقتها، تثني رانية اسطفان على جمالية تلك الأشرطة الفريدة. «اختفاءات
سعاد حسني الثلاثة» فيلم جريء في اعتماده الأول والأخير على مواد أرشيفية،
انتقتها المخرجة بتأنٍ وشاعرية، لتقدم أجمل إهداء إلى سعاد حسني، الفنانة،
وإلى زمن سينمائي لم يحظ بحقه من التقدير رغم أنّه «فتننا» وشكّل جزءاً
أساسياً من صورة «المحروسة».
«اختفاءات سعاد حسني الثلاثة»: ابتداءً من 17 أيار
(مايو) الجاري ــــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ــ بيروت) ـــ
للاستعلام: 01/204080
سيرة
درست رانية اسطفان (الصورة) السينما في جامعتي «لاتروب» الأسترالية
و«باريس 8» الفرنسية. أخرجت عدداً من الأفلام الوثائقية مثل «القبض على
المنارة» (2003)، و«البور» (2005)، و«يدخنون على الماء» (2007)، وعملت في
المونتاج وهندسة الصوت. كما وقفت كمخرجة مساعدة أولى إلى جانب سينمائيين
عالميين، مثل سيمون بيتون.
الأخبار اللبنانية في
14/05/2012
الحملة على «تنورة
MAXI»
جو بو عيد… مكارثيّة
بيار أبي صعب
يتعرّض فيلم جو بو عيد لحملة مكارثيّة
بلغت ذروتها مع طوني خليفة الذي قدّم في برنامج«للنشر»،
قراءة سطحيّة وتحريفيّة لعمل روائي قائم على الخيال، ولا يقصد «الاساءة إلى
معتقدات» أحد. نعم، الاعلامي الـ trash
الذي اعتاد النبش في قاذورات الحياة الشخصيّة للآخرين، والتلصص من ثقوب
الأبواب، أخذ يدافع عن الدين بحدّة لا يتوقّعها المشاهدون عادة من وسيط
مهمّته طرح القضايا وادارة النقاش. وقد استدرج طوني «الورِع» بعض الإكليروس
إلى قراءته الاختزاليّة لفيلم لم يشاهده، مستعملاً خلال النقاش مصطلحات لا
يفقه معناها على الأرجح.
الأب «الفنّان» فادي تابت تحدّث عن «قباحة الغرب التي لا ينبغي نقلها
إلى الشرق». لعلّه يقصد بالقباحة أفلام فيلليني وبازوليني والأخوين
تافياني! أما الأب اتناثيوس شهوان الذي يفهم في اللاهوت بلا شكّ، لكنّه لم
يسمع ربّما بالمجتمع المدني ودولة القانون، فقام بقفزة عجائبيّة فوق
الجميع، داعياً «رئيس الجمهوريّة، شخصيّاً، إلى التدخّل فوراً لوقف عرض
الفيلم». النتيجة حلقة غير متوازنة، قمع فيها منتج الفيلم نصار سمراني.
حلقة تفتقر إلى أبسط المعايير المهنيّة، وتشكّل شتيمة لذكاء المشاهدين،
واعتداءً سفيهاً على الحريّة. على فكرة، لو اعتمدنا المعايير «الفكريّة»
للاعلامي ذي الوعي «المذعور» وضيفيه، لشطبنا نصف تراث الفنّ السابع على
الأقلّ، بدءاً بالسينما الإيطاليّة المعروفة باستحضارها النقدي والكوميدي
للكنيسة ورموزها.
«تنّورة
ماكسي» الذي
أجازته الرقابة (مع تحفّظنا المبدئيّ على دورها من أساسه)، قد لا يكون
علامة فارقة في السينما اللبنانيّة الجديدة. إنّه واحدة من تلك المحاولات
التي فتحت لها الطريق نادين لبكي، بمقاربتها «النوستالجيّة» المستلبة
للواقع اللبناني المشروخ… لذا ترى تلك التجارب مصابة بشكل أو بآخر ـــ مع
تفاوت في النضج التقني أو الوعي السياسي، بين عمل وآخر ـــ بما يمكن تسميته
عارض نادين لبكي أو «لبكي
سيندروم».
القاسم المشترك بينها هو الاستحضار المثالي و/ أو الغيبي، المنمّط في كلّ
الأحوال، لواقع متخيّل مبالغ في تنميقه وأسطرته، أو أدلجته، على خلفيّة
تداعيات أوتوبيوغرافيّة أحياناً، وفي ديكور محاصر غالباً بذاكرة ريفيّة
طاغية. لكن، إذا كانت لبكي تستند في «هلق
لوين؟» إلى
سيناريو متماسك قائم على معايير تسويقيّة دقيقة تحقق الاجماع السياسي
بتعميميّتها… وإذا كان دانيال جوزيف قد هرب في «تاكسي
البلد» إلى
حكاية ذاتيّة بعيداً عن أي تماس مباشر مع الراهن… فإن جو بو عيد اختار
المواجهة مع الواقع، في باكورته الروائيّة التي تشكو للأسف من سيناريو
مهزوز يفلت من كاتبه ويمضي في كل الاتجاهات. لقد ابتعد السينمائي الشاب عن
التعميم، ليسمّي الأشياء بأسمائها في سياق سياسي متوتّر، مقدّماً نظرة
سلبيّة إلى «القوّات اللبنانيّة» الأمر الذي أزعج بعضهم بتقديرنا أكثر من
الاستعراضات الخرافيّة الهاذية في الكنيسة، أو شخصيّة طالب الكهنوت الذي
استبدّت به الشهوة، على طريقة «سانت أنطونيو» (وهو مشهد كلاسيكي في السينما
الايطاليّة وغيرها). بهذا المعنى تلتقي «تنّورة» بو عيد مع «شارع
هوفلان» فيلم
مارون نصّار ومنير معاصري الذي يأخذ موقفاً أيضاً، لكن في الموقع السياسي
النقيض. كما اعتمد بو عيد لغة سينمائيّة جريئة، قوامها الفانتازيا والمرح،
مسلّطاً الضوء على مجموعة من العيوب الأخلاقيّة والاجتماعيّة للبيئة التي
ينتمي إليها… وتلك الفاتنازيا هي التي أسيء فهمها، ما يكشف عن درجة متردّية
من الوعي والنضج الفكري والمعرفي، عند بعض «النخب» الثقافيّة والاعلاميّة.
باختصار، من المخجل اليوم أن يسحب «تنّورة ماكسي» من الصالات بتدخّل
سياسي. وعلى كل المدافعين عن حريّة التعبير، من اعلاميين ومثقفين ومبدعين
وجامعيين ومناضلين وناشطين في المجتمع المدني، أن يحولوا دون هذه المهزلة.
إذا كانت لدى «المجلس الكاثوليكي للاعلام» اعتراضات مشروعة حكماً ـــ كما
أوضح بهدوء الأب عبدو أبو كسم في اتصال هاتفي مباشر، مقاوماً المزايدات
الديماغوجيّة لمحاوره الهستيري ـــ فعليه أن يأخذ طريق المحكمة، كما تقتضي
الأصول الديموقراطيّة، لمقاضاة الفيلم وأصحابه. وليأخذ الخلاف عندذاك شكل
نقاش فكريّ وعلميّ وقانونيّ هادئ، يشترك فيه جميع اللبنانيين. وإلا، فسنترك
لأصحاب الوعي التقريبي أن يرسموا حدود الحريّة، ويحددوا وجهة النقاش
الفكري. وسنسمح لبعض الغلاة أن يعيدونا إلى زمن «محاكم التفتيش» والـ Index
Librorum Prohibitorum (دليل
الكتب المحرّمة).
وسينجح طوني خليفة، حامي الفضيلة والدين، في
استدراج الرأي العام (المسيحي تحديداً، إذا صحّ مثل هذا التصنيف) إلى
استنساخ ممارسات ظلاميّة غريبة عن تقاليده النهضويّة، وممارساته المنفتحة،
منذ وجد لبنان؟
الأخبار اللبنانية في
14/05/2012
«أفلام
الطلّاب» على هوى الراهن
محمود الحاج محمد
إنّه ذاته «مهرجان أفلام الطلاب»، لكن مع إضافات جديدة، لم تقتصر على
تحويل اسمه إلى «مهرجان الفيلم العربي القصير». في نسخته العاشرة التي
تنطلق اليوم، يبدو المهرجان أكثر «إغراءً» من النسخ السابقة. انخفاض كميّة
الأشرطة المشاركة، واختلاف تجارب المشاركين ومشاربهم السينمائية، وخروج
أغلب الأعمال من إطارها الذاتي إلى محاكاة راهنها الاجتماعي والعربيّ... كل
هذه النقاط تدوَّن في السجلّ الإيجابي لدورة هذا العام. «أزعجنا جداً مشهد
خروج الجمهور من الصالة قبل انتهاء العروض في السنوات الماضية» يقول نجا
الأشقر مدير «نادي لكل الناس» المنظم للمهرجان.
ومن أجل حلّ هذه المشكلة، رفضت لجنة قبول المشاركات عشراتِ الأفلام
«الضعيفة»، لتستقرّ على 38 (مقابل 50 في برنامج العام الماضي). وبينما تبدو
أغلب الأعمال المشاركة مثل بيان أوّل لأصحابها في عالم الفن السابع، تتفاوت
قيمتها الفنية والفكرية. مثلاً، يبدو «زيارة يومية» للمصري ماجد عدلي،
و«أرض الأبطال» للعراقي سهيم عمر خليفة، من أكثر الأفلام المشاركة حرفيةً.
وعلى العكس، يخرج «ملح» للبنانية ليا حدود خاسراً من لعبة المونتاج التي
حاول الاشتغال عليها. كذلك كان يمكن لشريط «من ورا الشباك» للبنانية نغم
عبود، أن يكون من أفضل مشاركات المهرجان، لولا اقتران فكرته على نحو وثيق
بفكرة
Malèna
لجوزيبّي تورناتوري.
تختلف الأعمال المشاركة بين روائية ووثائقية وأفلام تحريك، إلا أنها
تشترك في كونها قصيرة (دون 30 دقيقة)، باستثناء وثائقي «اللون الأحمر» (37
د) للسورية لميا أبو الخير. إضافة إلى هذه الأشرطة التي أنجزها طلاب وخريجو
وهواة السينما في لبنان والوطن العربي، ستعرض شاشة «مسرح المدينة» أربعة
أفلام (خارج المسابقة) لأربعة من أعضاء لجنة التحكيم. وستختار اللجنة في
اليوم الرابع (الختامي)، أفضل فيلمين لبنانيين، وأفضل فيلمين عربيين، بينما
سينتقي الجمهور فيلمه المفضّل. وتتألف اللجنة هذا العام من المخرجين إيلي
خليفة وزينة صفير، وشريف البنداري، ورشيد بن تونس، والصحافية فيكي حبيب.
كل هذا يتمّ في ظل غياب الدعم والرعاية المالية للمهرجان الذي يحاول
منظموه تمويله من عائداته. إضافة إلى تذاكر الدخول، أعدّت الجمعية 3 DVD
تحوي 18 فيلماً فازت في الدورات السابقة وستكون متاحة أمام الراغبين
بشرائها.
*
مهرجان الفيلم العربي: بدءاً من اليوم حتى 17 أيار
ـــ «مسرح المدينة» (الحمرا، بيروت) ـــ 03/888763
الأخبار اللبنانية في
14/05/2012
Bel Ami...
كل هذا الجنس
روي ديب
في تجربتهما السينمائية الأولى، اختار البريطانيان ديلكان دونيلان
ونيك أورمرود رواية غي دو موباسان الشهيرة، فإذا بهما يفرغانها من عمقها
وأبعادها، مقدمين عملاً مليئاً بالمشاهد السطحية الباذخة
في فيلمهما الأول، اختار البريطانيان ديلكان دونيلان ونيك أورمرود
رواية الكاتب الفرنسي غي دو موباسان
Bel Ami
وتحويلها إلى فيلم قائم على مشاهد الجنس، حيث غاب العمق في مقاربة
تعقيدات المجتمع الفرنسي في القرن التاسع عشر، وتحديداً خلال العصر الجميل La Belle Epoque.
إنّها ليست المرة الأولى التي تقتبس فيها الشاشة الكبيرة «الصديق الجميل»
التي صدرت عام 1885، وكانت الرواية الثانية لغي دو موباسان.
الفن السابع احتضن تلك الرواية منذ العام 1919 بنسخة أولى بالأبيض
والأسود للمخرج الإيطالي أوغوستو جينينا، وتوالت الاقتباسات في السينما
الألمانية، والسويدية، والفرنسية، والأميركية، والبريطانية، وغيرها، ليبلغ
مجموعة الاقتباسات نحو ثلاث عشرة نسخة سينمائية من الرواية، يضاف إليها
فيلم ديلكان دونيلان ونيك أورمرود الذي نزل أخيراً إلى الصالات اللبنانية.
وقد يكون السبب الرئيسي الذي دفع عدداً كبيراً من المخرجين إلى اقتباس
تلك الرواية، إضافة إلى قيمتها الأدبية، أنّها تندرج ضمن تيار الأدب
الواقعي الذي تجري أحداثه في سياق سياسي وجغرافي قريب جداً إلى الواقع،
وتتضمن تفاصيل سردية ووصفية واقعية كثيفة لمشاعر الشخصيات وخصوصاً حاجاتها
ونزعاتها، مما يسهل اقتباسها إلى شكل السيناريو السينمائي.
أما المخرجان ديلكان دونيلان (1953) ونيك أورمرود (1951) فقد التقيا
للمرة الأولى في عمل مسرحي في العام 1972، ليشكل ذلك بداية قصة حب وشراكة
فنية حتى اليوم. في العام 1981، أسّسا معاً فرقة مسرحية في لندن حملت اسم Cheek by Jowl
واشتهرت في تقديم أعمال مسرحية كثيرة لكبار المسرحيين مثل شكسبير، وتشيخوف،
وكورناي، وصولاً إلى المعلّم البريطاني بيتر بروك. أما ما دفع المخرجين
المسرحيين إلى انتقاء رواية Bel Ami
لاقتباسها في فيلمهما الأول، فكان التشابه الكبير بين العلاقة الوثيقة
والنفوذ الذي كانت تمارسه الصحافة على السياسة آنذاك، ودورها اليوم في
بريطانيا، إضافة إلى اهتمامهما بإبراز تلك اللعبة الجنسية التي يستغل فيها
الطرفان ـ الرجل والمرأة ــ بعضهما سياسياً واقتصادياً. لكن رهانهما على
روبرت باتيسون الذي عرفناه مجسّداً دور المراهق ومصاص الدماء بامتياز في
سلسلة أفلام
Twilight، فقد جاء خاسراً. يؤدي الممثل البريطاني الدور
الرئيسي في الفيلم. إنّه ذاك الشاب الوسيم جورج دوروا العائد من الحرب في
الجزائر إلى باريس في أواخر القرن التاسع عشر. من البؤس، والفقر المسيطر
على حياته، يقرر دوروا دخول صالونات البورجوازية الفرنسية، وتسلق سلّم
النفوذ وجمع الثروة والمال من خلال إغواء زوجات رجال السلطة. نصيحة تسديها
له مادلين فوريستييه (أوما ثورمان) امرأة صديق قديم عرفه في الجزائر، وصار
صحافياً مهماً في جريدة La Vie Française.
وبدلاً أن ترضخ فوريستييه لمحاولة دوروا إغوائها، تقرر أن تساعده
للوصول إلى مبتغاه. تكتب له المقالات السياسية التي تخوّله دخول عالم
الصحافة، ثم ترشده إلى إغواء البورجوازية البوهيمية كلوتيلد دو ماريل
(كريستينا ريتشي) التي تصبح عشيقته طوال الفيلم. ثم تقوده إلى المدام
فيرجيني وولتر (كريستين سكوت توماس) صاحبة جريدة La Vie Francaise، كي يضمن مكانته في الجريدة. وثأراً من زوجها، يغازل ابنته،
ويتزوجها. حتى فوريستييه، سوف تتزوج من دوروا عند موت زوجها، لكنها سوف
تخونه باستمرار مع عشيقها القديم.
من امرأة إلى أخرى، ومن الأم إلى الابنة، يعود الفيلم إلى مشاهد الجنس
التي تصبح إلى حد ما المادة الوحيدة للفيلم، خصوصاً أنّ باتيسون لم ينجح
إطلاقاً في تجسيد شخصية دوروا الوصولية، والقذرة والجذابة في الوقت نفسه.
لقد قدم شخصية باهتة الملامح، ومفرغة من النضج والتلاعب الذي يميز شخصية
رواية غي دو موباسان. أما النساء الثلاث، فأدين أدوارهن بطريقة أكثر
إتقاناً، وتميزت كريستين سكوت توماس في مشهد الشهوة في الكنيسة. لقد نجحت
الممثلة البريطانية الفرنسية في تقمّص شخصية تلك المرأة المتقدمة في السن
التي لم تخن زوجها سابقاً، ولكنها تتخبط في الاستجابة إلى إغواء شاب يافع
وسيم.
تبقى التجربة السينمائية الأولى للمخرجين الآتيين من عالم المسرح،
ركيكة جداً، ولم تستطع بلورة ترجمة سينمائية للأبعاد السياسية والاجتماعية
والنفسية الدقيقة التي يتناولها غي دو موباسان في عمله. رواية Bel Ami
التي تشكّل قراءة نقدية للسياسات الاستعمارية الفرنسية في نهاية القرن
التاسع عشر حيث تتجاور الرأسمالية، والصحافة، والسلطة، والسياسة، ودور
المرأة المظلل آنذاك في المجتمع الباريسي في لعبة محفوفة بالجنس والرغبات،
تُختزل هنا إلى شريط مليء بمشاهد جنسية، وأخرى سردية وسطحية ضمن ديكورات
باذخة وثياب فخمة.
* Bel Ami: «سينما سيتي» (01/899993)، صالات «أمبير»
(01/616600)
الأخبار اللبنانية في
14/05/2012
قريباً في الصالات :
«الديكتاتور» المحبّ
يزن الأشقر
الشهر المقبل، سيتجدّد الموعد مع ساشا بارون كوهين (1971) الذي يعود
بفيلم «الديكتاتور». لا يحتاج الممثل البريطاني إلى المزيد من النجومية.
احتلّ مكانة مرموقة في عالم الكوميديا منذ ظهوره مع أولى شخصياته التقمصية
الساخرة «علي جي» (1998) على التلفزيون البريطاني. كانت الشخصية ذكية
بالفعل، واستثمرها كوهين معتمداً على تصديق الناس لها، لتتطوّر إلى برنامج
«ذي علي جي شو».
إضافة إلى الكاراكتير القديم، قدّم كوهين في برنامجه شخصيتين جديدتين،
هما المقدم المثلي «برونو»، والصحافي الكازاخستاني «بورات» وارتكز على
إجراء العديد من المقابلات مع شخصيات مشهورة من نجوم ورياضيين وحتى سياسيين
ومثقفين من العيار الثقيل، مثل نعوم تشومسكي وبطرس غالي. الحبكة التي
استخدمها «علي جي» كانت بارعة بالفعل. بعد ضمان حجز المقابلة، يذهب «علي
جي» إلى الموقع حاملاً المعدات مرافقاً شخصاً مهذباً يرتدي بدلة كاملة،
فيظن الضيف أنّ مقابله سيكون الشخص المهذب، بينما يجرب كوهين المعدات ويلقي
بعض الأسئلة التحضيرية على الضيف الذي تنطلي عليه الحيلة. والنتيجة مقابلات
ساخنة ومضحكة وفضائحية أيضاً.
نجاح البرنامج كان كفيلاً باقتباس شخصياته الثلاث إلى السينما. بدأ
ذلك مع «Ali G Indahouse» (2002)
الذي حقق نجاحاً جماهيرياً رغم تقويمه النقدي السيئ. لاحقاً، اقتبست شخصية
«بورات » (2006) في شريط وثائقي ساخر وفضائحي. وفي ثالث الاقتباسات، سنقع
على المقدّم النمساوي المثلي «برونو» (2009) في رحلته إلى أميركا بعد طرده
من البرنامج. وها نحن نشاهد قريباً «الديكتاتور» للاري تشارلز الذي أنجز
أيضاً «برونو» و«بورات». الفيلم الجديد كوميدي خيالي. هنا، يتقمّص ساشا
كوهين شخصية «الجنرال علاء الدين» ديكتاتور جمهورية خيالية في شمال
أفريقيا، بمظهره مستوحى من شخصية القذافي. ثم يذهب إلى نيويورك ليمنع مجيء
الديموقراطية إلى جمهوريته التي لطالما «اضطهدها بحبّ».
رغم شعبية كوهين، إلا أنّه لم يسلم من كمّ هائل من الانتقادات
والقضايا المرفوعة ضده. ما يدّعيه في أعماله، هو تقديم نوع من النقد
الاجتماعي الساخر عبر الكوميديا. يبدو الطريق إلى الإضحاك في أعمال كوهين
محاولة سطحية ومتعجرفة للتهريج على الناس، بينما يكرّس أعماله للسخرية من
الصور النمطية السائدة عند الناس، متجاهلاً نقْدَ الهياكل السلطوية والنظم
العالمية القائمة.
الأخبار اللبنانية في
14/05/2012
نجوم مصر: حمدين صباحي
For president
محمد عبد الرحمن/ القاهرة
عندما ساند العديد من الفنانين حسني مبارك في أول وآخر انتخابات
رئاسية خاضها عام 2005، لم تكن تهمة النفاق مناسبة لهؤلاء النجوم، إذ لم
يكن أمام مبارك منافسون حقيقيون حتى يتهم الفنانون بسوء الاختيار. كذلك
أسهم إهمال الشارع للانتخابات في أن يعلن بعض الفنانين دعمهم لمبارك من دون
أن ينتبه لهم الجمهور. غير أنّ الوضع اختلف تماماً بعد الثورة، والقائمة
السوداء التي تحوّلت إلى كابوس في حياة من دافعوا عن مبارك ظل تأثيرها
مستمراً حتى اقتربت الانتخابات الرئاسية (22 أيار/ مايو الجاري)، لأنّ طاقم
مبارك ــ كما يرى معظم المصريين ـــ لا يزال في حلبة المنافسة.
والمقصود هنا المرشحان عمرو موسى (الأمين العام السابق لجامعة الدول
العربية)، وأحمد شفيق (آخر رئيس وزراء في عهد المخلوع). اعتبر مؤيدو الثورة
ترشّح الرجلين قضاءً عليها لكونهما من «فلول» النظام السابق. بالتالي، لم
يكن غريباً أن يكون النجوم الداعمون لموسى أو شفيق، ممن أيدوا بقاء مبارك
وأبرزهم حتى الآن، إلهام شاهين، وطلعت زكريا، وهالة صدقي وغادة عبد الرازق،
ونيللي كريم. أما عبد المنعم أبو الفتوح العضو السابق في جماعة الإخوان
المسلمين الذي يتمتع بشعبية في مصر (نال تأييد ايناس الدغيدي قبل أسابيع)،
فلم يحظَ باهتمام الفنانين المصريين إلا قليلاً. أعلن أحمد عيد، وحنان ترك،
والمخرج عمرو سلامة، والسيناريست محمد دياب وبلال فضل تأييدهم له، باعتباره
قادراً على التوفيق بين التيارات السياسية المتصارعة في مصر الآن. كذلك نال
أبو الفتوح تأييد السلفيين وبعض الليبراليين واليساريين، بالإضافة إلى
تعاطف قطاع كبير من الإخوان معه. مع ذلك، يمكن اعتبار المرشح المحسوب على
التيار الناصري حمدين صباحي صاحب الحظوة الأكبر لدى الفنانين، خصوصاً في
الأيام العشرة الأخيرة.
توالت إعلانات تأييد صباحي باعتباره سيكون أميناً على حرية الابداع.
شكّل صباحي لمؤيديه نموذج الرئيس المدني الذي سيعيد إلى مصر مكانتها التي
كانت عليها خلال عهد جمال عبد الناصر، خصوصاً في مجال الفنون مع تأكيده على
نيته تجنّب أخطاء المرحلة الناصرية، خصوصاً في التعامل مع رجال الأعمال
الفئة الأكثر تخوفاً من حمدين. والجدير بالذكر أنّ مقر الحملة الانتخابية
الرئيسية لصباحي هو مكتب المخرج السينمائي خالد يوسف. وتضم قائمة مؤيدي
صباحي الفنانين: الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، صلاح السعدني، خالد الصاوي،
وخالد النبوي، وعمرو عبدالجليل، وصبري فواز، وإسعاد يونس، ونشوى مصطفى،
ونبيل الحلفاوي، والشاعر جمال بخيت، والشاعر هشام الجخ، والمنتج محمد
العدل، ومعه معظم مؤسسي «جبهة الإبداع المصري». مما دفع الجبهة إلى إصدار
بيان تؤكد فيه أنّ تأييد معظم أعضائها لصباحي موقف فردي وأنّ الجبهة كجبهة
تهدف إلى حماية الإبداع، لا تفرض مرشحاً محدداً على أعضائها. أما المرشح
الخامس والأخير الذي نال تأييداً من الفنانين، فهو المرشح الرسمي لجماعة
الإخوان المسلمين محمد مرسي، لكنّه لم يحظ حتى الآن سواء بأصوات كل من وجدي
العربي وهو فنان معتزل ومقرّب من الجماعة، والفنان حسن يوسف، وهو أحد الذين
خسروا كثيراً بسبب موقفه المؤيد لمبارك خلال الثورة.
وبعيداً عن هؤلاء الخمسة، لم يحظ باقي المرشحين الثمانية بدعم يُذكر
من الفنانين، حتى أصحاب الأسماء المعروفة مثل المستشار هشام البسطويسي،
وأبو العز الحريري، والمحامي خالد علي.
ومن المستبعد أن تحدث تغييرات كبيرة في مواقف الفنانين المصريين على
بعد 10 أيام تقريباً من صناديق الانتخاب فيما المصريون في الخارج بدأوا
التصويت بالفعل. لكنّ التركيز سيكون على هؤلاء الذين لم يعلنوا بعد تأييدهم
لمرشح معيّن سواء بسبب الحيرة في الاختيار مثل خالد النبوي، أو بسبب الرغبة
في تفادي الانتقادات مثل محمود ياسين الذي نسبت له تصريحات مؤيدة للمرشح
المستبعد عمر سليمان، فقرر أن لا يكرر الإعلان عن مرشحه المفضل. وهو الأمر
الذي سار على نهجه عادل إمام، ومحمود عبد العزيز، وهاني شاكر، وأحمد رزق
وعدد غير قليل من الفنانين. وسط ذلك، يقف المخرج الكبير محمد خان على
الحياد، هو الذي لم يحصل بعد على الجنسية المصرية رغم الحملات التي انطلقت
لهذا الهدف بعد الثورة والوعود التي تلقّاها محبّوه من الوزراء والمسؤولين
من دون جدوى.
الأخبار اللبنانية في
14/05/2012 |