تبدأ «جمعية متروبوليس»، بعد ظهر اليوم، تجربة سينمائية جديدة،
متمثّلة باختيار ثمانية أفلام لبنانية حديثة الإنتاج لعرضها في إحدى
صالتيها في «أمبير صوفيل» (الأشرفية) لغاية السابع والعشرين من حزيران
المقبل. ثمانية أفلام، موزّعة على روائي طويل واحد بعنوان «طيب، خلص، يلاّ»
(2010، 93 د.) لرانيا عطية ودانيال غارسيا، وعلى سبعة أفلام وثائقية،
بإضافة فيلم وثائقي آخر بعنوان «بيروت عالموس» لزينة صفير، يُعرض لمرّة
واحدة فقط، في اليوم الأخير، في ختام «دفاتر يومية: شهر السينما اللبنانية»
(تمّ تنظيم هذه العروض بالتعاون مع «أم. سي. للتوزيع»). تجربة جديدة تُضاف
إلى لائحة الاختبارات المتنوّعة لجمعية ساعية لمنح «السينما البديلة»، أو
«سينما المؤلّف»، حيّزاً خاصّاً بها. تجربة جديدة تولي صناعة الفيلم
اللبناني اهتماماً يستحقّه، خصوصاً أن الأعوام القليلة الفائتة شهدت نموّاً
إبداعياً على مستويي الشكل والمضمون، أنتج أفلاماً ناقشت أحوالاً وحالات،
وطرحت أسئلة إنسانية وجمالية وبصرية متفرّقة، وتوغّلت في شؤون الفرد
والجماعة، وصاغت صُوَراً متعلّقة بالذاكرة والراهن. ولأن الأفلام المختارة
في «الدورة الأولى» لـ«دفاتر يومية» لم تعثر على صالات محلية لعرضها منذ
إنجازها، بينما فُتحت أبواب مهرجانات محلية وعربية ودولية عدّة أمامها،
ارتأت الجمعية إتاحة الفرصة لعرضها أمام مشاهدين مهتمّين بصناعة متجدّدة
لسينما لبنانية مختلفة.
تواصل
يكمن الهدف الأول لـ«دفاتر يومية» في منح الأفلام اللبنانية «الجدّية»
فرصة التواصل مع مشاهدين مهتمّين. فعلى الرغم من أن صالات تجارية عدة بدأت
تعرض أفلاماً متفاوتة الأهمية الدرامية والجودة الفنية والتقنية، إلاّ أن
الأفلام المغايرة للسائد التجاري تعاني الأمرّين على مستوى العرض العام.
لكن «دفاتر يومية» لم تكن التجربة اللبنانية الأولى لـ«جمعية متروبوليس»،
لأن هذه الأخيرة حوّلت صالتيها الاثنتين إلى فضاء مفتوح على الاختبارات
السينمائية اللبنانية، روائياً ووثائقياً، مرّات عدّة، وخارج إطار
المهرجانات السينمائية المُقامة في بيروت. بهذا المعنى، تستكمل الـ«دفاتر»
مشروعاً ثقافياً وسينمائياً للجمعية، متمثّلاً بتقديم كل مساعدة ممكنة
لصناعة سينمائية لبنانية متميّزة بلغة إبداعية، وبجماليات مثيرة لنقاشات
نقدية جدّية.
إلى جانب الفيلم الروائي الطويل «طيّب، خلص، يلاّ» (يبدأ عرضه في
الرابع عشر من حزيران المقبل) و«بيروت عالموس»، هناك سبعة أفلام وثائقية:
«القطاع صفر» لنديم مشلاوي، الذي يفتتح الـ«دفاتر» بعد ظهر اليوم، و«الحوض
الخامس» لسيمون الهبر بدءاً من العاشر من أيار الجاري، و«اختفاءات سعاد
حسني الثلاثة» لرانيا إسطفان بدءاً من 17 أيار 2012، و«أبي لا يزال
شيوعياً، أسرار حميمة للجميع» لأحمد غصين بدءاً من 24 أيار 2012، و«كل هذا
وأكثر...» لوسام شرف بدءاً من 28 أيار 2012 و«مارسيدس» لهادي زكّاك بدءاً
من 31 أيار 2012 و«يامو» لرامي نيحاوي بدءاً من 7 حزيران المقبل. (هناك
إمكانية لتمديد عرض أي فيلم يلقى تجاوباً من المشاهدين).
باستثناء «اختفاءات سعاد حسني الثلاثة» و«طيّب، خلص، يلاّ»، غاصت
الأفلام الأخرى كلّها في الهمّ اللبناني العام، سياسياً واجتماعياً. تناولت
التاريخ والذاكرة الجماعية من خلال قصص فردية. طرحت أسئلة العلاقات
الملتبسة أو المفتوحة أو المعلّقة بين المخرجين والأهل، أي بين جيل شبابي
باحث عن أجوبة، أو راغب في بعض المعرفة على الأقلّ، أو ساع لطرح أسئلته
الخاصّة (الفكرية والإنسانية والجمالية)، وجيل الأهل المتورِّط في حكايات
البلد والبيئة الاجتماعية والأمكنة السياسية، أو المُشارك في صناعة جزء من
التاريخ الفردي، والذاكرة الشفهية.
أدوات
معظم الأفلام ارتكزت على علاقة المخرج بأحد أفراد عائلته (أب، أم).
لكن التاريخ والذاكرة وأحوال الراهن حاضرة كلّها في أفلام أخرى، من خلال
أدوات مختلفة: سيارة الـ«مرسيدس»، بأنواعها وتطورّها وأشكالها، وبعلاقة
اللبنانيين بها، باتت، في فيلم هادي زكّاك، أشبه بآلة حفر في أعماق هذين
التاريخ والذاكرة كـ«مصدر» للآنيّ، أو كمسبّب له. البقعة الجغرافية، بناسها
المفقودين وحكاياتها المخفيّة، جعلت «القطاع صفر» مرآة مدينة مغيَّبة
(الكرنتينا) وبلد وتاريخ وتربية وسلوك نفسي وأنماط حياة. مرفأ بيروت، في
«الحوض الخامس»، تحوّل إلى مختبر لسرد بعض قصص الماضي، والتقاط نبض حياة
ولّت. أشرطة الـ«كاسيت»، المتضمّنة بوحاً عاطفياً ورسائل حب وانفعال ورغبات
وحكايات بين والديّ أحمد غصين، شكّلت ركيزة درامية لإعادة تصويب المسار
العائلي المُصاب بغياب الأب عن الصورة، وداخل يوميات كل فرد من أفراد
العائلة. الأم أساسية في «يامو»، لأنها المحور والإطلالة على أزمنة وأمكنة
وحالات، والأب محور «بيروت عالموس»، والإطلالة الإنسانية على تاريخ بلد
مشلّع على خرابه الدائم. الراهن اللبناني أقوى حضوراً في «كل هذا
وأكثر...»، الموغل في انتقاده الساخر هذا الراهن، وذاك البلد.
يُمكن القول إن رانيا إسطفان «متغرّبة» عن زملائها المشاركين في
«دفاتر يومية»، لاختيارها شكلاً سينمائياً آخر في مقاربتها التاريخ الشخصي
والسينمائي للممثلة المصرية الراحلة سعاد حسني. المونتاج جوهر الشغل كلّه.
اللقطات المختارة من أفلام كثيرة لحسني تحوّلت، بين يديّ إسطفان، إلى سرد
بصري لسيرة امرأة.
العلاقة بأحد أفراد العائلة محور الفيلم الروائي الطويل، لكن على
مستوى الشخصيتين الرئيستين في البنية الدرامية: شاب مقيم مع والدته في
منزلهما في طرابلس. أي أن القصّة الأساسية معقودة على العلاقة بينهما
أولاً، وعلى علاقة الشاب بالمدينة ثانياً، وعلى أحوال المدينة نفسها
ثالثاً. السياسة، بالمعنى المباشر لها، غائبة هنا. جوهر النصّ مرتبط
بالاجتماع والسلوك التربوي والفردي. اللغة السينمائية المعتَمدة في تحقيق
هذا الفيلم السينمائي مبسّطة وعميقة في آن واحد. لاحقت الكاميرا الشاب،
كشخص وكمتلصّص عفوي على الانفعال والحالة الإنسانية والحصار الواقع فيه.
حمل الفيلم حساسية إنسانية في سرده حكاية ذاك الشاب، خصوصاً في اللحظات
اللاحقة لاختفاء الأم فجأة من المنزل، ومن حياته. حساسية نابعة من قوّة
الصورة في تفكيك البنائين الجسدي والنفسي للشاب، المُضطر لمواجهة الدنيا
وحيداً، ولفهم الدنيا وحيداً أيضاً.
السفير اللبنانية في
03/05/2012
هل زيّف بونويل الواقع في فيلم "أرض بلا خبز"؟
نجاح الجبيلي
"Las Hurdes" (
أرض بلا خبز أو الأرض اللاموعودة) هو فيلم وثائقي صنعه المخرج الأسباني
الكبير لويس بونويل (1900- 1983) عام 1932 ويدور حول سكان قرية معزولة في
شمال غرب أسبانيا وبعد مرور 80 سنة على صنع الفيلم قام المخرج الوثائقي
رامون غيلنغ بزيارة القرية وأخذ رأي السكان بالفيلم...
"لقد تاجر بالتاريخ وزيّفه بشكل مخز ٍ .. فيلمه بأكمله كذبة
كبيرة.. كان في منتهى القسوة حيّن وصفنا بشكل مزر ٍ بتلك الطريقة. اعتقد
أنه فيلم تافه".
تلك هي قلة من ردود الأفعال الأكثر اعتدالاً من السكان الحاليين
لمنطقة ".." وهي قرية نائية في شمال أسبانيا تجاه الفيلم الوثائقي الذي
صنعه لويس بونويل في قريتهم عام 1932. يرسم فيلم "أرض بلا خبز" عالماً من
الفقر والمرض وتلتقط كاميرا بونويل صوراً عن النساء المصابات بتضخم الغدة
الدرقية والشيوخ المتلفين والأطفال الميتين والأقزام المشوهين والمعاقين.
ويظهر الفيلم منطقة دون خدمات رئيسية مثل الطرق والكهرباء.
إن معظم الأوردانويين، كما يزعم بونويل في الفيلم، لم يروا قطعة من
الخبز. وقد قام مخرج الأفلام الوثائقية رامون غيلنغ بتعقب خطوات أقدام
بونويل إلى لاس أوردوس" وكانت خطته في عرض فيلم "أرض بلا خبز" في إحدى قرى
المنطقة وأخذ رأي سكان المنطقة حول الفيلم الذي أصبح رمزاً لها. وما أن وصل
المخرج إلى هناك حتى تلقى تهديدات بالقتل.
يتذكر غيلنغ قائلاً:"رجعت إلى هناك بقنبلة تحت ذراعي ولم أعرف فيما
إذا كانت ستنفجر أم لا. بعض الناس رحبوا بي وقالوا : رجاء صف منطقتنا بشكل
جميل وإيجابي. لكن معظمهم كانوا يحملون الشك وأخبروني: لا تحاول أن تصنع
مثلما فعل بونويل وإلا قتلناك".
إن عدم ثقة الأوردانويين خفت حين أدركوا أن غيلنع لا يحاول أن يوجه
إليهم اللوم. يقول:" كنت شغوفاً ببونويل لكني أستطيع أن أفهم الناس الذين
ما زالوا غاضبين على الفيلم. وفي فيلمي استطاع ناس المنطقة نفسها أن يعبروا
في الواقع عما كان في أحاسيسهم".
كان غيلنغ خائفاً من الكيفية التي كان يظهر بها الشباب والشيوخ على
حد سواء من الأوردانويين غاضبين من فيلم "أرض بلا خبز". وبعد مرور سبعين
سنة كانوا ما زالوا تلفهم الحسرة سواء رأوا الفيلم أم لم يروه. ولديهم
السبب الكافي كي يكونوا مستائين. فقد قدم فيلم بونويل الوثائقي للجمهور
كثيراً. انظر عن كثب للمشهد المشهور الذي يصور السخلة المرتعشة وهي تموت
وسترى نفثة من الدخان عند يمين الكادر. ويزعم بونويل أن جبال "لاس أوردس"
كانت خطرة جداً إذ أنه حتى الماعز لا يستطيع أن يقهرها لكن حين فشل حيوان
ما في السقوط من الجرف بنفسه ساعده بواسطة بندقية.
وكان مشهد الحمار الذي يهاجمه النحل ويغرز أبره فيه حتى الموت مثار
جدل أيضاَ. ويزعم أحد السكان أن صانعي الفيلم مسحوا جلد حمار مريض بالعسل
ثم ضربوا خلايا النحل المحمل بها على جانبيه. أما بالنسبة للطفلة الميتة
فإن الشك يدور فيما إذا هي نائمة فقط. ورغم كل تحريفات الفيلم فإن غيلنغ
مقتنع بأن "أرض بلا خبز" له تأثير إيجابي على حياة سكان"لاس أورداس".
جرى صنع فيلم "أرض بلا خبز" في فترة الحكم الجمهوري في أسبانيا
التي تشهد أثناء ذلك فترة من التقدم. وكان السياسيون من اليساريين مستاءين
منه في عام 1932 كما هو شأن الفاشيين في السنوات اللاحقة .
يقول جون هوبويل رئيس مكتب مجلة "فاريتي" في أسبانيا ومؤلف كتاب"
السينما الأسبانية بعد فرانكو":" لقد أصيبوا بالاستياء منه لأنه صُوّر في
الوقت الذي حاولوا فيه أن يؤسسوا المجاري الصحية لـ"لاس أوردس" كان الفيلم
من بعض النواحي سريالياً وثائقياً إذ أن مجازه درامي ومدروس".
ينظر إلى فيلم "أرض بلا خبز" كونه الجزء الثالث من الثلاثية السريالية
الكبيرة التي بدأها بــ" كلب أندلسي" - 1928 بالتعاون مع سلفادور دالي
و"العصر الذهبي"- 1930. وخلافاً لشريكه السابق كان بونويل يمتلك وعياً
اجتماعياً. وفي عام 1932 انفصل عن جماعته السريالية والتحق بالحزب الشيوعي
الأسباني.
وفي أثناء ذلك قرأ كتاباً عن "لاس أوردس" كتبه مدير المعهد الفرنسي في
مدريد. وكما أخبر كاتب سيرته كان مفتوناً جداً بفكرة الأرض الخراب الجبلية
التي أهملها القرن العشرين. وجاء تمويل الفيلم الوثائقي من صديقه الفوضوي
"رامون أثين" الذي وعد بإنتاج الفيلم إذا ما فاز باليانصيب. كتب بونويل:"
بعد شهرين فاز باليانصيب ونفذ وعده".
وسرعان ما نفدت الميزانية على منضدة بمطبخه في مدريد. ووصل الفيلم إلى
بريطانيا عام 1937 وقام بمراجعته الروائي "غراهام غرين" في مجلة "نايت أند
دي" المختصة بالفنون ووصفه كونه "فيلماً صادقاً يصف البشاعة ".
وبغض النظر عن آراء سكان "لاس أوردس" الذي التقاهم غيلنغ حول الفيلم
كان الفيلم في منتهى الصدق. يقول "هوبويل" :" لقد صوره بونويل تقريباً من
المشاهد الواردة في الكتاب الذي قرأه عن "لاس أوردس". كان فيلماً وثائقياً
؟؟؟؟؟؟" ومع ذلك يعتقد العديد بأن تمثيله للاس أوردس كان دقيقاً. فهو صوّر
طبيعة المنطقة أيضاً.
يقول أحد الذين التقاهم غيلنغ "إنه وسّع الواقع". كان غيلنغ مصدوماً
بسبب الظروف التي لا يزال يعيشها في الوقت الحاضر بعض سكان المنطقة. يتذكر
زيارته الأولى إلى قرى لاس أوردس الشاهقة قائلاً:" كانت لديّ الفكرة بأني
عدت خمسين سنة إلى الوراء. ما يزال الناس يعيشون بشكل وضيع جداً". يظل
المكان الآن باقياً في أذهان الزائرين بسبب أنه ناءٍ جداً وقديم. يقول أحد
المرشدين السياحيين:" الزمن لم يقف ساكناً تماماً لكنه بالتأكيد بطيء الآن".
المفارقة واضحة هنا. قضى الأوردانيون سبعين سنة يشكون من "الأسطورة
السوداء" التي خلقها حولهم بونويل لكن هيئة سياحتهم تريد أن تخلد الأسطورة
هذه بأن هذه في الواقع هي الأرض التي نسيها الزمن. يبدو عنوان فيلم غيلنغ
الوثائقي ملائماً على نحو رائع. "سكان لاس أوردس ما زالوا أسيري بونويل".
المدى العراقية في
03/05/2012
الذهاب
إلى السينما
سعد محمد رحيم
جذبني لقراءة كتاب (الذهاب إلى السينما) اسم مؤلفه سيد فيلد، حيث سبق
لي وأن قرأت له كتابه الممتع (فن كتابة السيناريو) في التسعينيات بترجمة
الراحل سامي محمد. وهذا الكتاب الجديد الصادر عن سلسلة الفن السابع/ دمشق
2011، بترجمة أحمد الجمل يحكي الرحلة الشخصية للمؤلف في عالم السينما خلال
أربعة عقود،
مثلما يخبرنا على غلاف الكتاب.. يقول في المقدمة:
"يبدو الأمر وكأنني أمضيت معظم حياتي جالساً في صالات سينما
مظلمة، أحمل في يدي كيساً من البوشار، سابحاً في الخيال، محدِّقاً بالصور
التي تُعرض، من الأضواء المتدفقة من الشاشة العملاقة".
تصوّرت للوهلة الأولى أن موضوعة الكتاب هي عن ارتياد صالات السينما،
وأجواء تشغيل الأفلام وعرضها على الشاشة، وممارسة طقوس المشاهدة وما
تخلِّفها من انطباعات ومسرّات، ومشاعر تتقلب مع تقلبات الأحداث الجارية في
القصص المصوّرة، غير أن استرسالي في القراءة غيّر من تصوري ذاك، لأن المؤلف
ناهيك عمّا ذكرت كان يسرد سيرة حياته في علاقتها بالسينما وصناعتها،
وبهوليوود مكاناً نشأ فيه وعانى وعمل بدأب حتى أصبح واحداً من شخصياته
المعروفة كاتباً للسيناريو ومدرساً لفنه ومؤلفاً لبضعة كتب تعد اليوم مراجع
كلاسيكية للدارسين والمؤلفين في مجال كتابة السيناريوهات السينمائية. من
هنا يصطحبنا المؤلف إلى دهاليز تلك المملكة الإبداعية ليعرِّفنا على
قوانينها المكتوبة وأعرافها وتقاليدها وحكاياتها وأسرارها، وتلك التفاصيل
الدقيقة الخاصة بصناعة الأفلام وتسويقها. والتطورات التقنية التي حصلت في
مضمار تلك الصناعة خلال نصف قرن. وقد شكّل هذا كله خلفية بانورامية لصعود
نجم المؤلف الشخصي في هوليوود وتحولات معرفته وإبداعه، لاسيما في مجال
كتابة السيناريو ونقد الأفلام.
لاحق فيلد، عبر معايشة يومية مباشرة، وطوال خمس وثلاثين سنة "كيف
أصبحت السينما ليست فقط جزءاً مكملاً لثقافتنا، جزءاً من تراثنا، إنما كيف
باتت تشكل أسلوب حياة، يوسم العالم كله. فما أن يجلس الجمهور في عتمة صالة
السينما، حتى ينضم إلى كيان واحد يرتبط عبر وحدة من مشاعر وجدانية لرابطة
خفية وعميقة لروح إنسانية، توجد في ما وراء الزمان والمكان والمحيط".
تعرّف فيلد على المخرج الفرنسي جان رينوار في ربيع العام 1960 فشعر منذئذ
بأن حياته قد اتخذت اتجاهاً مغايراً.. كان رينوار أستاذه الأول، هو الذي
جعله يُغرم بفضاء السينما، فبات يتعامل مع الأفلام برؤية جديدة، وعميقة،
حيث يمكن أن يدرسها ويحللها في أشكالها، وبناها، ويستنبط منها المعاني
والرؤى والدلالات. وهكذا صارت السينما، الشطر الأهم لحياته، ووسيلة كسب
عيشه.
علّمه رينوار كيف يراقب العالم والطبيعة، وكيف يتجنب الكليشيهات ليكون
منصفاً إزاء الشخصية والموقف. وإذا كان الفن بحسب رينوار "شكلاً جديداً من
أشكال الطباعة ـ شكلاً آخر من أشكال التحول الكلي للعالم عبر المعرفة" فإن
الفن هو ما تجلس وتصنعه (بالممارسة) مقدِّماً للمشاهد فرصة الاندماج مع
المبدع. وحين انخرط في حصة كتابة السيناريو في الجامعة غرست المخرجة دوروثي
آرزنر في نفسه الاستعداد لقبول ارتكاب الخطأ كما يقول.. وما عليه سوى
الاستمرار في الكتابة، وإعادة المحاولة مراراً وتكراراً، إلى حين الوصول
إلى إنجاز نص سيناريو جيد، ممكن تحويله إلى شريط لافت يستقطب المشاهدين.
علّق من كتابه (فن كتابة السيناريو) في ذاكرتي عبارة: "اخلق شخصية
تصنع قصة". وفي كتابه (الذهاب إلى السينما) يشتغل على هذه الفكرة
ويطوِّرها. مستفيداً من كشوفات النقاد الكبار في حقل السرديات. لاسيما في
ما يخص مفاهيم، وجهات النظر وأنساق السرد والحبكة وفعل الشخصية وبنية
القصة، الخ. مدركاً أن الأفلام ليست سوى "قصص تُروى بالصور. وفي حين أن
الحدث والحوار هما جزءان مكملان للسيناريو، فإن خط القصة يتكشف بصرياً من
خلال الصور".
يتفحص فيلد مجموعة من الأفلام، فهو لا يكتفي بمشاهدتها وإنما يسعى
للحصول على نصوص السيناريوهات المعتمدة من قبل المخرجين في أثناء تصويرها،
فيقرأها ويقارنها بما يجري على الشاشة. مركِّزاً على الشخصيات وأدوارها
وصراعاتها.. يجعله فيلم (النهر الأحمر لهوارد هوكس/ بطولة جون واين) يكتشف
أن الحاجة الدرامية للشخصية هي مصدر الصراع "يولِّد الإطار الدرامي لخط
القصة". فيعرّف الحاجة الدرامية بأنها ما تريد الشخصية الرئيسة أن تحققه
وتكسبه وتحصل عليه. وتحديد هذه الحاجة هي مفتاح خلق الشخصية القوية في أي
فيلم. وهذه هي الخطوة الأولى. ويبقى السؤال قائماً عمّا يجعل شخصية ما على
الشاشة جذابة؟ يعود لمشاهدة فيلم ( كازبلانكا ) فيجد السر في خصائص شخصية
ريك (همفري بوغارت) ذلك "التركيب في الطبيعة الأساسية للشخصية التي يلعبها،
وإطلالته على الشاشة والدور الذي يُعطي بوغارت مكانة ميثولوجية هنا...
شخصية قاسية وجريئة، ذات مركز أخلاقي قوي".
إن ما يبحث عنه فيلد هو شخصية البطل.. بطل
متمرد، له مُثله العليا، وقواعده الخاصة، لا ينحني لأعراف
المجتمع، ويتصف بالشجاعة والإيثار، يهب نفسه، من غير تردد، لشيء يظنه أكبر
من نفسه.. يقول: "من خلال ريك تعلمت أن الفعل هو الشخصية، وما يفعله الشخص
يدل عليه. الفيلم سلوك". فالشخصية تظهر، لا عبر ما تقول، وإنما عبر ما تؤدي
من دور فاعل في محيطها. وما "لم يُقل عن الشخصية قد يكشف الكثير مما قيل"،
ولابد من أن تكون الشخصية ثلاثية الأبعاد، على حد تعبيره، أي غير مسطحة.
حيث يساهم السياق الدرامي والمكان في عكس الحالة الجوانية/ الوجدانية لها.
وفي النهاية يجب أن يجري نوع من التكافؤ في الكتابة بين الكلمات وبين
الحدث.. وبين الحدث والشخصية. ولذا فإن شرط الفيلم الناجح الأول وجود
سيناريو متقن ومتماسك يتضمن "قصة جيدة، وحدثاً قوياً، وشخصيات مثيرة،
وحواراً ذكياً".
مثّلت تجربة المؤلف في العمل مع مؤسسات لها علاقة بصناعة السينما
مصدراً غاية في الثراء للمعلومات عن هذه الصناعة، استثمرها في عمليتي
التعليم والكتابة. وقد أُنيط به، غالباً، وظيفة قراءة السيناريوهات وتقديم
النصيحة بشأنها لمن يهمهم الأمر.. يقول: "في فترة العامين ونصف التي كنت
فيها رئيساً لقسم القصة في سينيه/ مويايل، كنت أبحث عن مادة لتقديمها
لشركائنا الماليين. ولهذا قرأت أكثر من ألفي سيناريو، وأكثر من مائة وخمسين
رواية، ومن بين تلك النصوص الألفين ونيّف وجدت فقط أربعين نصاً صالحاً
يمكنني تقديمها". وبقي يبحث طوال الوقت عن شيء لم يقرأه، ولم يره من قبل..
أي عمّا هو مبدع وأصيل ويثير الانتباه.
حاول فيلد وضع نموذج تعليمي للسيناريو الناجح، مقسِّماً قصة الفيلم
إلى استهلال ومواجهة وحل يتصل بعضه ببعض لتمثيل خط القصة، وهو ما يعبّر عنه
بمصطلح البنية الدرامية. محدداً الوقت الذي تجري فيه الانعطافات المهمة
التي تدفع بالقصة إلى الأمام. وقد واجه هذا النموذج اعتراضات عديدة، لكن لا
غنى عنه للدارسين الجدد وهم يلجون عالم كتابة السيناريو.
جرّب سيد فيلد كتابة السيناريو، وقام بتعليمها للآخرين في حلقات
دراسية، والتي كان يحضرها أحياناً بعض محترفي الصناعة السينمائية من مخرجين
وممثلين ومنتجين وكتّاب سيناريو. وكان يحرص على أن تكون تلك الحلقات مناسبة
لحوارات معمقة، لذا كان يتعلّم وهو يعلِّم. وفي كتابه هذا: (الذهاب إلى
السينما) يقدم خلاصة خبرته في هذا الحقل المدهش، والمنطوي على وعود فنية
ومعرفية لا يحدها حد.
المدى العراقية في
03/05/2012
الديوانية تحتضن مهرجان سينما الشباب للأفلام القصيرة
خالد ايما
كيف يمكن لنا أن نكون إزاء الحلم الجميل (السينما الشابة) المتخمة
بذكريات لا تنسى ...ذكريات انصهرت بالهم والوجع والأنين العراقي ...هذا
الوجع الذي ما زال ينخر في وعينا ...الوعي المعتق بالأمنيات والأحلام
المؤجلة والهذيانات التي تصل إلى حد اللعنة؟ كيف يمكن لنا أن نكون إزاء هذه
التجربة الشابة التي خرمت بوعيها ومعرفتها الجميلة الكثير من الرؤى
والأحلام والتطلعات نحو مقدس آخر أكثر عشقاً وجمالاً للحياة ...أنها
السينما التي لا يمكن أن نكون من دونها.. فمنها نكون ومن اجلها أتينا حيث
هي أينما تكون نكون بسحرها وجمالها وعطرها الذي لا ينضب ...أنها السينما
المعطرة بأحلام مجموعة من الشباب التي ارتأت ان تدخل عالم السينما بمنطق
المجنون الذي جن جنونه وراح يبحث عن الحقيقة ...حقيقة فن السينما حيث
السيناريو والإخراج والتصوير والإضاءة والمونتاج والصوت هو كل ما يحلمون به
في هذا العالم.
إذن هي دعوة إلى أن نحب ونعشق ، ونهتم بتجربة ومواهب هؤلاء الحالمين
(الشباب) الذين سيصيرون حياتنا في قابل الأيام ضحكا، ولعبا ،وحبا
،وجداً...عش أيامك...عش لياليك...خلي شبابك يفرح بيك، هكذا تكلم مهرجان
سينما الشباب للأفلام القصيرة الذي نظمته مديرية الشباب والرياضة في
الديوانية والذي كشف لنا عن مواهب وقدرات شابة لا يمكن أن تأتي من فراغ ...
مواهب قلما نجد مثلها بدليل ما قدم من أفلام سينمائية اخترقت وعينا
وذائقتنا لما تحمله من قدسية للسينما أصرت على أن تحفر في الذاكرة وتبقى
جدلاً أثار الكثير من التساؤلات ...تحياتي لكل خطوة ساهمت في بلورة هذا
المشروع الذي تكلل بالنجاح على الرغم من إمكانياته البسيطة لكن هكذا هم
(الحالمون) يبدأون من حيث تنتهي الأشياء.
الحالمون
أحلام وأمنيات شابة طرحت نفسها لتكون ضمن هذا الكرنفال السينمائي الذي
عدّ عدته بقراءة (مشاهدة) جميع الأفلام من قبل لجنة مختصة بالسينما ومن ثم
تقييمها وفق إستراتيجية وضوابط وضعت من قبل اللجنة المتمثلة بالدكتور فراس
شاروط وخالد ايما وزهير هداد لتكون المعيار الحقيقي في ترشيح ثلاثة أفلام
سينمائية من مجموع عشرة أفلام كانت تحت المراقبة (المشاهدة) لكن ما أقرته
اللجنة بعد مشاهدتها لهذه الأفلام مجموعة من التوصيات ألقاها "الشاروط" وهي
:ــ تثمن اللجنة دور مراكز الشباب ومديرية الشباب والرياضة لرعايتها هؤلاء
الشباب، وتعرب عن سعادتها بهذا الكم الهائل من الأفلام، وكذلك أوصت اللجنة
بعدم استخدام ألقاب مثل الشاب ،المنتمي، اللامنتمي...الخ، وعدم مشاركة
الأفلام التي عرضت في المهرجانات السابقة، كما أوصت اللجنة بالاستخدام
الأمثل لتقنيات الصوت، فضلاً عن إقامة دورات في فن السينما من قبل مختصين
في السيناريو والإخراج والتصوير والإضاءة والمونتاج والصوت لغرض تنمية
قدرات ومواهب الشباب، بعدها أعلن "ايما" الجوائز التي أسفرت عن فوز فيلم
(مواطن في سطور) بالجائزة الأولى للمخرج الشاب حسين الشباني ، وفيلم(مرسى
الأمان) بالجائزة الثانية للمخرج سامر الجنابي ، وفيلم (امرأة من
نيبور)إخراج جعفر القرني، وجائزة تقديرية خاصة بفيلم (صرخة حياة) للمخرج
محمد إسماعيل.
المدى العراقية في
03/05/2012 |