أتذكر منذ فترة طويلة وفى يوم واحد تصادف أن عبر ثلاث قنوات
تليفزيونية مصرية عرضت ثلاثة أفلام لمخرج واحد: «الرجل الذى فقد ظله»
(إنتاج ١٩٦٨، عن رواية فتحى غانم)، و«غروب وشروق» (إنتاج ١٩٧٠، عن رواية
جمال حماد)، و«شىء فى صدرى» (إنتاج ١٩٧١، عن رواية إحسان عبد القدوس).
المخرج كان كمال الشيخ (١٩١٩- ٢٠٠٤). من أول أفلامه «المنزل رقم ١٣» (١٩٥٢)
حتى آخرها «قاهر الزمن» (١٩٨٧) رسخ لنفسه أسلوبه الخاص رغم تنوع الأفلام،
سواء البوليسى أو الاجتماعى أو السياسى أو تجربته الفريدة مع الخيال
العلمى. أسلوب يعكس طباعه فى الحياة فكان دائما الهادئ المتأمل، قليل
الكلام وواسع الخيال. دخل عالم الإخراج مع رفيق مشواره صلاح أبو سيف من
بوابة المونتاج التى أهلت كلا منهما، كلٌّ بطريقته وأسلوبه وميوله، أن
يحفرا اسميهما فى تاريخ السينما المصرية. إذا كان يوسف شاهين برع فى
العلاقات العامة محليا وعالميا، فأبو سيف شق طريقه عبر واقعيته، وكمال
الشيخ حبذ الظل لينزوى تحته ويتأمل ما يدور حوله، مما يفسر بعده عن السينما
١٧ عاما منذ آخر أفلامه إلى وفاته. فى سنة من هذه السنوات اجتمعنا أنا
وعاطف الطيب وصلاح أبو سيف فى مكتبه لنبحث فكرة لم تتحقق وهى إنشاء جمعية
للمخرجين بهدف حماية حقوقهم المهنية والأدبية. وكلما التقينا بعد ذلك كنت
دائما أذكره بحاجة السينما إلى فنه، إلا أنه كان يبدو لى دائما حتى فى صمته
محبطا، وقد عبر عن ذلك فى إحدى المرات عن عجزه عن التعامل مع أى مشروع
فيلم، أجر النجم فيه يلتهم أكثر من نصف ميزانية الفيلم، ويؤكد لى فى نفس
الوقت أنه لم يهجر السينما بل هى التى هجرته. من الصعب تجاهل إنجازات كمال
الشيخ مثل خروج كاميرته إلى الشارع فى ثالث أفلامه «حياة أو موت»، أو رؤيته
السينمائية لروايات نجيب محفوظ سواء فى «اللص والكلاب» أو «ميرامار».
ونكتشف مثلا أن فيلمه «بئر الحرمان»، أعد قصته للسينما نجيب محفوظ عن رواية
لإحسان عبد القدوس، وكتب الحوار يوسف فرنسيس، وأنتجه رمسيس نجيب، دليل
أهميته كمخرج فى أعين كل من تعاون معه. تألقت النجوم فى أفلامه، فاتن حمامة
(٦ أفلام)، وسعاد حسنى (٣ أفلام)، ومولد مديحة كامل الحقيقى فى «الصعود إلى
الهاوية». فاليوم السينما قد تفتح الأبواب لأجيال جديدة لكنها ستظل مفتونة
ببصمات القدامى مثل كمال الشيخ الذى لم ولن يفقد ظله.
فيلم على ورق
محمد خان
April 18th, 2012 9:52 am
أعترف أن فى كتابة هذه المقالات الأسبوعية فرصة ذهبية لتسجيل خواطر
وذكريات وآراء لولا هذه المساحة المتاحة لذهبت مع الريح. وأعترف كذلك أن
هذه الكتابات تجمع مادة خصبة لكتاب فى يوم ما، سواء من تأليفى أو من تأليف
غيرى. فمشوارى السينمائى بطموحاته وأحلامه التى تحقق بعضها أو لم يتحقق،
إلى جانب كشف لمحات حياتية خاصة قبل أن تغرق فى بحر النسيان فى حاجة إلى
التوثيق. فهناك أفلام على ورق لم تر النور مثل «فراغ»، وهو أول قصة
وسيناريو أقوم بكتابته فى مصر عقب تخرجى فى «مدرسة لندن لفنون السينما»،
عام ١٩٦٣، الذى أثار إعجاب أعضاء قسم القراءة والسيناريو بالشركة العامة
للإنتاج السينمائى تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف، وبناء على تقارير
الأعضاء، ومنهم رأفت الميهى ومصطفى محرم وأحمد عبد الوهاب وهاشم النحاس، تم
التعاقد مع الشركة على الفيلم الذى تحمس له المخرج خليل شوقى، والتحقت
بالمجموعة كعضو جديد فى القسم. الحقيقة أنه فى مقابلتى الأولى مع الأستاذ
صلاح صاحب «الفتوة» و«ريا وسكينة» و«الزوجة الثانية» و«بداية ونهاية» شعرت
بالخجل أن أعبر عن ولعى فى أن أكون مخرجا، واكتفيت بأن ادعى رغبتى فى كتابة
السيناريو. وبالفعل مضيت ثلاثة أشهر أغزل سيناريو «فراغ» إلى أن قدمته إلى
الشركة كبطاقة
تعارف.
«فراغ» كان يدور حول تأثير وفاة شاب رياضى على عائلته وأصحابه حتى
يطويه النسيان. اليوم وبعد خبرة سنوات عديدة حينما أقيّم هذه التجربة،
أستطيع أن أحلل النظرة القاسية التى قدمتها فى السيناريو، وهى نظرة قد تصيب
معظم الأعمال الأولى، حيث موت أو قتل أو انتحار البطل أو البطلة ضرورى فى
غزل الدراما. ولكن مع تذوق النجاح تنمو نظرة أكثر رأفة فى قلب الدراما
المطروحة، وكأن كل مخرج يبدأ مشواره برؤية عجوز مرة للحياة تزداد حيوية
وشبابا مع ثقته بنفسه وثقة الآخرين به. فالشاب فى «فراغ» فى أثناء تمرينات
الجرى بأحد الحقول يصيبه الإرهاق ويودع الحياة فى هدوء جالسا تحت الشجرة،
بينما الحياة حوله تدب ومستمرة إلى أن يكتشف أمره. ومع مرور الوقت تقل
زيارات قبره وتستسلم الحبيبة لواقع غيابه ويصبح مجرد حواديت تحكى بين
الأصدقاء وحتى أغلى الحبايب تشغلها الحياة عنه. ومرت الأيام وارتبط خليل
شوقى بسيناريو فيلم «الجبل» الذى كنت من ضمن المتحمسين له بشدة فى
المجموعة.. أما «فراغ» فكان مصيره أحد الأدراج المغلقة.
المخرج الوهمى
محمد خان
April 11th, 2012 10:10 am
فى أثناء تصوير الفيلم الويسترن «موت مقاتل
Death of a Gunfighter»
إنتاج ١٩٦٩، نشب خلاف بعد ٢٥ يوم تصوير بين بطل
الفيلم ريتشارد ويدمارك، ومخرجه الجديد روبرت تروتن، فاضطر الاستوديو إلى
الاستعانة بمخرج آخر مخضرم، دون سيجال، لتكملة الفيلم، الذى اشترط أن لا
يوضع اسمه على الفيلم، خصوصا أن المخرج الأول نفذ شوطا كبيرا منه، وفى نفس
الوقت أصر المخرج الأول أن لا يوضع اسمه على الفيلم، خصوصا أن بقية المشاهد
والتوليف النهائى للفيلم تم تحت إدارة المخرج المخضرم. فى النهاية أحالت
الشركة المنتجة «يونيفرسال» المشكلة إلى منظمة المخرجين التى اقترحت وضع
اسم مخرج وهمى، وهو آلان سميثى، ومنذ ذلك الحين أصبح اسم آلان سميثى يوضع
كمخرج للفيلم كلما حدث خلاف بين مخرجه وشركة الإنتاج، وأصر على حذف اسمه.
أثار هذا العرف بعد عدة سنوات فكرة فيلم بعنوان «آلان سميثى»، اضطر منتجه
إلى اللجوء إلى هذا الحل حين تم خلاف بينه وبين المخرج، وبالتالى أصبح فيلم
«آلان سميثى» من إخراج آلان سميثى. الطريف أن الفيلم كانت أحداثه تدور فى
عالم السينما عن المخرج الذى يسرق نيجاتيف فيلمه ليحميه من تدخلات الشركة
المنتجة.
المرة الوحيدة التى طلبت حذف اسمى من على عمل
قوبل بلا مبالاة وتجاهل تام.
حدث هذا منذ سنوات حين عرض علىّ إخراج حلقتين من مسلسل بنيت فكرته على
١٥ حلقة منفصلة و١٥ شخصية مختلفة تؤديها نجمة واحدة «نجلاء فتحى». بعد
إتمام تصوير الحلقة الأولى عدا بعض اللقطات المتبقية والمهمة بالنسبة إلىّ،
بدأت فى تصوير الحلقة الثانية إلى أن تعثر الإنتاج «ناهد فريد شوقى» وتوقف
العمل تماما، دون استشارتى أو علمى تم مونتاج ومكساج الحلقة الأولى
والاستغناء عن تنفيذ اللقطات المتبقية وتحت إشراف المنتج نفسه، ليتم عرضها
رغم أنفى واعتراضى المباشر فى لقاء مع رئيس التليفزيون يحيى العلمى، معبرا
عن رغبتى حذف اسمى من على الحلقة. كم كنت فى حاجة إلى «آلان سميثى» مصرى
الهوية أو نقابة قوية تحافظ على حقوقى، مما يؤكد احتياجنا الفعلى إلى حماية
للمبدع وضمان حقوقه والحفاظ على كرامته. فإذا كان الرسام من حقه أن لا يوقع
على لوحته، والمؤلف من حقه أن يمزق الورقة التى كتبها، فأين هو حق المخرج
حين يحرم من اكتمال رؤيته أو الحماية من انتهاك هذه الرؤية. فعلى جبهة
الإبداع الحر أن تعمل من أجل الحصول على ضمانات قانونية تحمى حقوق المبدعين
فى كل المجالات.
إبداع تحت التهديد
محمد خان
April 4th, 2012 10:54 am
فاكس من منتج إلى مخرج فى أثناء تصويره فيلما خارج القاهرة كما يلى:
بعد مساء الخير..
لم أتمكن من الاتصال بكم.. لذلك أرجو إخبارى عن موقف العمل وضرورة
إنجاز الفيلم فى مدة ثلاثة أسابيع على الأكثر، حيث إن جميع الممثلين
موجودون معك، وذلك لضغط المصروفات الرهيبة الخاصة بالإقامة وخلافه. وضرورة
عمل فيلم جماهيرى وليس فنيا، فالفن لا يساوى شيئا إلا الخسائر، وأنت لا
ترضى حفاظا على أموالنا واستمرار الإنتاج.
مع أطيب التمنيات بالتوفيق والنجاح.
■
■
■
فاكس رد المخرج على المنتج كما يلى:
أعتقد أن اتفاقنا الأصلى هو ٤ أسابيع تصوير للفيلم كله.. ولا أعتقد أن
هناك أى تقصير متعمد من أى قسم من العاملين بالفيلم. مسألة جماهيرى وفنى
ومكسب وخسارة ومن يساوى أو لا يساوى.. مسائل أتركها لسيادتكم تقييمها.
وأذكر سيادتكم بما سميتوه بالفيلم الكبير، ومن هذا المنطلق انطلقنا
جميعا وهذا لا يعنى بالمرة عدم شعورنا بالمسؤولية واهتمامنا بمصلحتكم دائما.
■
■
■
فاكس رد المنتج على المخرج كما يلى:
الرجا للضرورة وللمرة الأخيرة ورحمة بالمبالغ الطائلة التى أهدرت
نتيجة عدم وجود برنامج محدد ومنضبط واستمرارا لعلاقتنا إنهاء هذا الفيلم
بحيث لا يتعدى ثلاثة أسابيع ونصف على أقصى تقدير، والاستغناء عن المشاهد
التى ليس لها أهمية، حتى لا أضطر آسفا لإيقاف التصوير مهما بلغت الخسائر
التى سأتحملها.
تتالت الفاكسات من المنتج وقرر المخرج عدم الرد وانتهى تصوير الفيلم
فى مدة خمسة أسابيع إلا يوما أى ٢٩ يوم تصوير فعلى (الأسبوع السينمائى ٦
أيام) وكان على المخرج الإبداع تحت التهديد.
ملحوظة: الفيلم هو «الغرقانة» (إنتاج ١٩٩٢) بطولة نبيلة عبيد ومحمود
حميدة وأحمد توفيق، سيناريو وحوار مصطفى محرم عن قصة لحسن شاه، إنتاج
إبراهيم شوقى وإخراج محمد خان، وتم التصوير فى شرم الشيخ ومنطقة الغرقانة
التى تبعد ٤٠ كيلومترا عن شرم.
التحرير المصرية في
04/04/2012 |