عزيزي القارئ قد تتساءل ولك كل الحق، ما العلاقة بين فيلم ركلام لعلي
رجب بالمخرج حسن الإمام؟ وما وجه ارتباط سعدالصغير بفيلم لا يظهر فيه وتقوم
ببطولته غادة عبدالرازق؟. في الحقيقة أنا نفسي وبأمانة لم أكن اعرف بصورة
محددة العلاقة بين ركلام والإمام والصغير حين فكرت في هذا العنوان. حالة
نادرة وهي حالة نادرة جدا ان يخطر علي بالي فيها عنوان لمقال قبل أن أشرع
في كتابته. ولكن لابد أنه حدثت حالة من تداعي الأفكار بعد تراجع سعدالصغير
عن حملته الهزلية للترشح كرئيس للجمهورية وإعلانه في برنامج تليفزيوني أن
حضرته أراد أن يكشف للمواطنين المهزلة التي نعيشها وأن كل من هب ودب من حقه
يرشح نفسه. ومن أجل هذا "المورال" الوطني العظيم تكبد حضرته مشقة هذه
الحملة ليقدم لنا الموعظة أو الدرس الذي أثني عليه بكل أسف ناس محترمون
ومثقفون وكتاب كبار. ولكن حقيقة الأمر أن سعد الصغير لم يكشف غير ذاته
المغرضة مثل غيره من معدومي الوعي والاحترام لبلدهم.. والذين لا يدركون أن
احترام قيمة بلدهم لا تحتاج لقانون ولا شروط رئاسة.. لكنها تحتاج بالأساس
لحدود دنيا من الإحساس بالمسئولية والانتماء للوطن.. هذا الاحساس الذي قتله
عهد مبارك.. ليصل بنا الأمر ليقوم شخص يصف نفسه بالفاشل والتافه لأن تتوقف
حدود تفكيره عندالدعاية لنفسه فقط. فيرسم تمثيلية كاملة وينهيها بموعظة
ساذجة.. لا أعيب علي رجل يمثل بذاءة وسوقية ونفعية عهد مبارك ان يفعل هذا
ولكني ألوم كل من انطلت عليه لعبته وقبل علي نفسه أن يأخذ الحكمة من افواه
المتمصلحين. تحديث النمط فيلم ركلام أيضا في معظمه ينتمي إلي أعمال الهلس
والتهريج وخداع الزبون ومحايلته في النهاية بموعظة أخلاقية لتوصيل رؤيته
التقليدية النمطية التي قدمها حسن الإمام في أفلامه عشرات المرات عن فتيات
الليل اللاتي دفعتهن الظروف الصعبة وقسوة المجتمع إلي طريق الرذيلة. وهو
يحقق رؤيته إما عن طريق المبالغة الممجوجة بتعقيد هذه الظروف بأسلوب
ميلودرامي أو بإهمالها تماما لتأتي الانتقالات حادة وفجة وميلودرامية أيضا.
ولكن الحقيقة أن الجهد الذي يبذله السيناريست مصطفي السبكي في هذا الفيلم
يتمثل في سعيه نحو تحقيق ما يمكن وصفه بحداثية النص. وهو يحقق ذلك بتضفير
عدة حكايات لمجموعة من الفتيات أبرزهن أربعة وهن شادية التي تستأثر
بالمساحة الأكبر ولعبت دورها طبعا غادة عبدالرازق ودولت بأداء رانيا يوسف
والتي عاني دورها من إهمال شديد مما تسبب في خلافات بينها وبين المخرج
مازلنا نتابع حلقاتها في الصحف.. ثم تأتي صاحبة الوجه الجديد دعاء سيف
الدين في دور شكرية والذي حظي باهتمام مقبول وأتاح للممثلة أن تستفيد من
الفرصة إلي حد كبير وخاصة في بعض مشاهدها التي تحققت بعناية من المخرج.
نتيجة لهذا البناء الفسيفسائي للنص تواجه علي رجب مشكلة الانتقالات بين
شخصيات أربع بكل ما يسببه ذلك من تشتت الحكايات رغم وحدة النتائج. وعلي
الرغم من الاجتهاد في الإيقاع والربط في كثير من مناطق الفيلم. فجهود
المونتيرة دعاء فاضل واضحة في السعي إلي تحقيق حالة من الانسيابية والتواصل
البصري بين المشاهد واللقطات بصرف النظر عما تضمنته هذه المشاهد واللقطات
من مادة درامية أو حوار. انفلات درامي كما أن المونتاج تميز أيضا في
أسلوبية توزيع الأغاني والرقصات علي الأحداث بدلا من تكثيفها في مناطق
معينة مما أضفي نوعا من الوحدة الشكلية علي البناء البصري والصوتي للفيلم
ككل الذي حققت موسيقي تامر كروان له روحا مميزة ومعبرة. لكن الأمر المؤكد
هو أن الخطوط تفلت والحسابات تختل مما يؤدي إلي خلل في الإيقاع يسبب حالة
من الملل لا تعوضها الوجوه النسائية الغالبة ولا أجواء الكباريه، فجاذبية
الصورة إذا كانت متحققة في حدود مقبولة إلا أنها لا تغني بأي حال عن ضرورة
التماسك والتواصل الدرامي. وهذا الانفلات الدرامي في الحقيقة هو السبب في
حالة الهبوط الإيقاعي والملل الذي يعتريك أثناء متابعة الفيلم. وهي مسألة
لا ترجع علي الإطلاق لوفرة توظيف عناصر الطبيعة وتحديد جغرافية المكان
وملامحه البيئية والطقسية وهي امور أوغل علي رجب في التركيز عليها لتكثيف
الإحساس وفرض الأجواء البصرية علي الحالة الدرامية للفيلم. وعلي مستوي
الشكل أو التشكيل الجمالي والدرامي ينجح ديكور كريم شاتيلا في تحقيق
التواصل بين المشاهد الخارجية والداخلية. وتتكثف الحالة الدرامية للشخصيات
عبر هذا التواصل. والحقيقة أن علي رجب يحقق في هذا الفيلم خطوة متقدمة في
التعبير عن روح المكان وعلاقته بالشخصيات عن تلك التي حققها في فيلمه
المميز صايع بحر. وبعيدا عن مشكلات السيناريو فإن الفيلم أتاح لمديرة
التصوير نانسي عبدالفتاح أن توظف بمهارة تفاصيل الأضواء والظلال والألوان
للتعبير عن الحالة العامة للفيلم وعن الحالة الجزئية للمواقف والشخصيات في
أزماتها وتفاعلاتها وتحولاتها. فالألوان النارية والساخنة التي تشكل الروح
الأساسية لاجواء المكان لا تشكل عائقا امام قدرة الصورة علي التلون تبعا
للدراما بدرجات اللون المختلفة أو بمساحات الإضاءة والإعتام التي تتغلغل
إلي قلب الصورة لتكشف عن روح الشخصية. بناء متشظ والحقيقة أن اللجوء
لأساليب حداثية في السرد بما يفرضه من بناء متشظ وانتقالات في المكان
والزمان فإنه يتطلب أيضا فكرا حداثيا وفهما جديدا للواقع ومعالجات مبتكرة
وشخصيات جديدة وهو ما غاب عن هذا الفيلم الذي يزعم أنه اعتمد علي حكايات
حقيقية ولكن حتي إذا كان هذا صحيحا فإنه يبقي فن الاختزال وأسلوب العرض
والاختيار غائبا. وهكذا يصبح أي فيلم في هذا المجال لحسن الإمام رغم بساطته
وسذاجة تفاصيله حبكته أكثر إمتاعا وقدرة علي جذب المشاهد وإمتاعه إذا كان
من هواة هذا النوع من الأفلام. والسيناريو علي الرغم مما يكتظ به من مواقف
وأحداث وحكايات إلا أنه لا يتورع عن إعادة مشاهد شهيرة من تاريخنا
السينمائي مثل المشهد الاشهر من فيلم غروب وشروق ولكن باداء وتنفيذ رديء
وإيقاع فاتر وقاتل. ولا تتوقف حدود اقتباس الفيلم من السينما المصرية بل
إنه يقتبس من الفيلم الأمريكي الشهير «امرأة جميلة» سلسلة مشاهد متصلة بين
غادة عبدالرازق وصبري فواز. وهو أحد كلاسيكيات الأفلام العالمية التي تدور
حول شخصية فتاة الليل. والغريب أن الفيلم لم ينقل أو يتأثر أو حتي يقدم
مشهدا أو لقطة كتحية لحسن الإمام أستاذ هذا اللون في السينما المصرية. ولكن
الشيء المشترك والخطير بين هذا الفيلم وأفلام حسن الإمام هو هذا التناقض
الغريب بين الأجواء الماجنة التي يغرقك بها الفيلم في معظم أحداثه وبين
نهايته الوعظية الجافة الجادة المباشرة.. وأيضا بين السعي بكل السبل نحو
تبرير الخطيئة بظروف قهرية وقدرية واجتماعية ثم العودة في النهاية إلي
فلسفة العقاب تجاه الشخصيات التي سقطت في الرذيلة مضطرة علي مرأي ومسمع
منا. تلك هي المشكلة التي لم ينجح الإمام ولا علي رجب في حلها. وذلك ببساطة
لأن تلك هي المعضلة التي يعيشها جمهور هذه الأفلام. ابتذال ومواعظ إن
جمهورنا يرغب بشدة في أن يري نساء تتعري وأن يستمع إلي حوار بذيء موح
بالجنس ولكنه يريد في النهاية أن يقنع نفسه بأنه شاهد فيلما كله مواعظ
لإدانة هذه المظاهر السلبية وكأنه يداري عورة ما شاهده. هذه هي إحدي
تناقضات مجتمعنا الذي كلما تزايدت فيه مظاهر الدين السطحية وكثر فيه الحجاب
والنقاب والسواك والسبح واللحي كلما تزايدت فيه ظواهر التحرش الجنسي وهتك
الأعراض وحوادث الاغتصاب وجرائم السرقة والنصب والرشوة والفساد. يري البعض
أن فشل فيلم ركلام تجاريا يرجع إلي مقاطعة الجمهور لبطلته التي شملتها
القوائم السوداء كفنانة معادية للثورة ومؤيدة للنظام البائد إن شاء الله.
فلا أحد يصدق أن يفشل فيلم عنوانه ركلام ويضم أفيشه صور أربع سيدات جميلات
يحلو من علي حبل المشنقة وتشمل دعايته صورا وحوارات مثيرة وجريئة. ولكن
الحقيقة أن الفيلم فشل ليس لأنه لا تتصدره فقط بطل من الفلول ولكن لأنه
يحمل فكرا فلولياً عن المجتمع الذي نحمله وحده كل الموبقات وعن البنات
اللاتي تنسد أمامهن كل السبل فلا يجدن إلا طريق واحد هو الرذيلة وعن مجتمع
مصري قديم لم يمسه أي تغيير ولم تلوح عليه أي مظاهر جديدة منذ نصف قرن. ولا
يمكنك أن تميز تاريخ إنتاج هذا الفيلم إلا من خلال موديلات السيارات
والملابس وأجهزة المحمول. فشلت غادة عبدالرازق في السينما لأنها قدمت للناس
وجبة قديمة دون أي تجديد بينما نجح سعد الصغير في الواقع لأنه قدم التيمة
القديمة بمعالجة جديدة شربها ناس كثيرون وابتلعوها. عزيزي القارئ ستعود
وتتساءل ما علاقة هذا بذاك.فأعود لأجيبك وما علاقة أي حاجة بأي شيء في
واقعنا الذي نعيشه اليوم الذي تختلط أوراقه بفعل الظروف وبفعل فاعل أيضا
مصمم علي أن يعود بالبلاد إلي الوراء لأنه لا يملك أي معالجة جديدة للواقع.
فيسعي لإعادة إنتاج الماضي بغبائه وتخلفه ونفس وجوهه الكئيبة المستفزة.
جريدة القاهرة في
17/04/2012
حكاية «سنووايت» الألفية الثالثة!
بقلم : ماجدة خيرالله
سنوات طفولتنا ملأتها حكايات وقصص خيالية جميلة كانت لنا زاداً،يخفف
غلاسه الذهاب اليومي للمدرسة وحشو رءوسنا بمقررات لا متعة ولا فائدة منها،
ولولا أن الاهل كانوا يحرصون علي محايلتنا بحكي قصص توارثوها عن ابائهم
لكانت سنوات الطفولة سلسلة من النكد السقيم، كان "لهانز كريستيان" أشهر من
الف روايات للأطفال دور كبير في تنمية خلايا التفكير والإبداع لدي ملايين
الاطفال علي امتداد الكرة الارضية، حكاية سندريللا واميرها الجميل الذي
انتشلها من الذل ووضعها جواره علي عرش بلاده بعد أن امتلكت عرش قلبه، ظلت
حكايتنا المفضلة طوال سنوات الطفولة، البنات كانت كل منهن تحلم أن تكون
سندريللا، والبنين كانوا يحلمون بدور الأمير الفارس الذي يخطف فتاته علي
ظهر حصانه، أو دراجته !! "الاخوين جريمز" قدما للإنسانية قصة "سنووايت"
الأميرة الثلجية ذات البشرة الناعمة والشعر الفاحم المنسدل علي كتفيها ،من
فرط جمالها اثارت غيرة وحسد زوجة ابيها الملكة الشريرة، ولانها كانت تريد
أن تظل أجمل امرأة علي الأرض قررت أن تتخلص من سنووايت، التي كانت تفوقها
جمالا، فأوحت لاحد حراسها بأن يصطحب الفتاة الجميلة إلي الغابة ويقتلها
هناك، ولكن الحارس رق قلبه للاميرة، فلم يقتلها، وتركها في الغابة، فالتقت
بسبع من الاقزام عاشت بينهم في أمان وسعادة، وكانت للملكة الشريرة مرآة
مسحورة، تقف أمامها تختال بجمالها وتسألها في غرور يامرايتي يامرايتي ،مين
احلي مني فتخبرها المرآة أنها سنووايت، وقد تكرر قول المرآة حتي بعد أن
اعتقدت الملكة أنها قد تخلصت منها، فجن جنونها وتأكدت ان الحارس لم يقتل
الاميرة الصغيرة، فقررت ان تذهب لتقتلها بنفسها، وحتي لاتأخذ الفتاة حذرها.
قبلة الحياة ذهبت الملكة الشريرة إليها وهي ترتدي ملابس سيدة عجوز، تحمل
سلة تفاخ، واعطت" سنو وايت" تفاحة مسمومة تؤدي إلي وفاتها المؤقتة، وفاة لا
تفيق منها الا بقبلة صادقة من شخص يحبها فعلا، وعاد الاقزام إلي الغابة
ليجدوا سنووايت فاقدة الحركة وقد بدأت اوصالها تتجمد، فحزنوا من اجلها اشد
الحزن، واثناء ذلك يمر في الغاب أمير جميل يشاهد الفتاة ويفتن بها، رغم
وفاتها ويقترب منها يقبلها فتدب فيها الحكاية مرة اخري، كنا نشاهد هذا
الفيلم في طفولتنا وننتظر تلك القبلة بفارغ الصبر، ولم نكن ننظر للقبلات
كفعل فاضح، أو حرام لأنها كانت في الغالب قبلة يعقبها زغاريد وافراح
و"الشيخ مأذون" يكتب الكتاب ويعلي الجواب، فكانت القبلة تعتبرعربون محبة،
أو بداية فتح كلام بين العشاق قبل أن يتحولوا الي أزواج وتدب بينهم
الخلافات والخناقات،ويمتنعون عن تبادل القبلات لبقية أعمارهم،وطبعا كان كل
الاطفال يلاحظون أن آباءهم لايتبادلون القبلات بتاتاً "أبسلوتلي"،وهذا
ماكان يزيد اعتقادنا ان القبلات بداية للحب والزواج يمنع تداولها،ماعلينا
المهم ان السينما قدمت قصة سنووايت في اكثر من فيلم سواء عن طريق الرسوم
المتحركة، أو بممثلين من البشر،افلام وعروض مسرحية يصعب حصرها. سنووايت
صاحبة الجلالة وهذا العام تقدم السينما الامريكية فيلمين عن حدوتة
سنووايت،الاول من بطولة جوليا روبرتس،والثاني من بطولة تشارليز ثيرون،وقد
بدأ عرض الاول في القاهرة منذ اسبوع تقريبا وهو باسم "MIRROR MIRROR"
أو" يامرايتي يامرايتي"وهو من اخراج الهندي "تارسيم سينج"وقد كتب السيناريو
للقصة التي نعرفها كل من "ميليسا والاك"و"جاسون كيللر"وقد التزم السيناريو
ببعض تفاصيل الحدوتة، ولكنه لم يلتزم بتفاصيل الشخصيات، فالاميرة سنووايت
التي لعبت دورها "ليلي كولينز"وهي صحفية شابة درست التمثيل وتحولت الي
نجمة، ليست كما جاءت في القصة مجرد فتاة جميلة، تتعرض لمكائد زوجة ابيها،
ولكنها فتاة "روشة" روشان السنين والتنين، تصارع الامير وتضربه، وتكفيه علي
وجهه إذا دعت الحاجة، أما الامير الذي لعب دوره"آرمي هامر" فهو يعاني بعض
بلاهة، رغم كونه أميرا وسيماً، وابن ناس وثري، أما الأقزام السبعة فهي
عصابة تلبد في الغابة، لتقطع الطريق علي الرايح والجاي، وتشبه عصابات
الدائري اللي بتثبت الناس وتستولي علي سياراتهم وكل ما يمكن سرقته! وطبعا
في الغابة كما في الطريق الدائري وبقية ربوع مصر، لاتجد اثراً لرجال الأمن،
ويبدوا إنهم مقموصون زي بتوع الداخلية عندنا وسايبين البلد تضرب تقلب! وقد
اضيف للفيلم بعدا اجتماعيا وسياسيا، فالملكة الشريرة"جولياروبرتس" التي
استولت علي عرش البلاد، نهبت ثرواتها، لتكون لنفسها جيشا من رجال الامن
يقومون بحمايتها، واسرفت في بناء القصور، وشراء المجوهرات والملابس
الفاخرة، وخصصت لنفسها اراضي الدولة، وعملت كل مافعله سكان بورتو طرة، وكان
ناقص تحتكر الحديد، المهم ان اسرافها الشديد علي نفسها وجمالها،أدي الي
إفلاس خزينة البلاد، وبالتالي فرضت علي شعبها المزيد من الضرائب، فتحول إلي
شعب من الجياع، يعانون الفقر والمرض والحاجة، ولما عاشت الاميرة سنووايت مع
الاقزام السبعة، قررت ان تحولهم إلي عصابة محترمة تسرق من الأغنياء لتساعد
الفقراء، أو تسرق اموال الضرائب وتردها إلي الشعب مرة اخري، فنالت حب
الجميع، أما الملكة الشريرة "جوليا روربرتس" فلم تجد مخرجاً من أزمتها
الإقتصادية،إلا سبيلا واحداً، وهو الزواج من الأمير الوسيم، وطبعا حتي يتم
لها ذلك، فكان لابد لها من استخدام السحر،"تعمله عمل يعني"وفي حفل زفافهما
تحضر سنووايت مع عصابة الاقزام وتعمل علي فركشة الفرح،وخطف الامير لتتزوجه
بدلا من زوجة ابيها الشريرة" بت جدعة فعلا" وتنتهي الأحداث كما معظم
الافلام الهندية برقصة يُشارك فيها الجميع!عانت جوليا روبرتس في السنوات
الخمس الاخيرة من تكرار الفشل، فقد لعبت بطولة ثلاثة افلام لم يحقق اي منها
نجاحا هي ازدواج مع" كليف اوين" ،الحب والصلاة والطعام امام الاسباني
"خافييه بارديم" واخيرا فيلم "لاري كراون" امام توم هانكس، ويبدو أن هذا
الفشل جعلها تعيد حسابتها وتدرك انها لم تعد تصلح لأدوار فتاة الاحلام،
ووجدت ان تغير نمط ادوارها قد ينقذ مستقبلها المهني، فراحت للنقيض وهو
ادوار الشر الممزوجة ببعض السخرية، وكان دور الملكة الشريرة في فيلم
"يامرايتي يامرايتي"هو طوق النجاة وقد لعبته بمفهوم مختلف، وان كانت قد
أخذت كثيرا من أداء الممثلة "هيلينا بونهام كارتر" التي لعبت شخصية الملكة
الشريرة في فيلم «أليس في بلاد العجائب»، ولكن علي كل حال فقد حاولت إنقاذ
نفسها، وحقق فيلم «يامرايتي يامرايتي» نجاحا ملحوظا،لعله ينقلها الي مستوي
مختلف ويفتح امامها طريقا لنوعية متنوعة من الادوار تناسب عمرها الذي تخطي
الاربعين!
جريدة القاهرة في
17/04/2012
«حظ
سعيد».. في المرة القادمة
بقلم : آلاء لاشين
هذا ليس فقط عنوانا للمقال بل ما سوف يشعر به الجمهور عندما ينتهي من
مشاهدة احداث الفيلم. وبما أن (كلمة حظ سعيد) لم تستخدم في الفيلم الا
للسخرية وذلك لتعاسة حظ البطل. فانا ايضا قد أستخدمها للتعبير عن اول
انطباع لي عن الفيلم فلم أكن اتوقع أنني سوف أفجع في سينما (ما بعد الثورة)
فالفيلم لم يقدم أي شيء جديد علي الاطلاق ! بل أعاد تقديم وتمثيل أحداث
الثورة من جديد داخل فيلم سينمائي. فاذا كانت هذه هي سينما مابعد الثورة
فلنكف عن تقديم تلك النوعية من الأفلام التي تبرز مدي التشويش والإفلاس
الفكري الذي وصلنا اليه. سعيد (أحمد عيد) شاب يسعي جاهدا لاتمام زواجه من
الفتاة التي يحبها سماح (مي كساب) وينتظران الحصول علي شقة من اسكان الشباب
التابع للمحافظة ولكنه يفاجأ بانه لم يحصل عليها فيقوم بالاتفاق مع صاحب
المشروع الذي يقوم ببناء هذه الوحدات علي أن يعطيه شقة ومبلغاً مالياً
مقابل اقناع زملائه بالتنازل عن شققهم لدي المحافظة. وبعد الحصول علي
موافقتهم تقوم أحداث 25 يناير وهو ما منعه من تحقيق حلمه لهروب صاحب
المشروع. السيناريو تأليف (أشرف توفيق) وهذه هي المرة الأولي التي يخوض
فيها تجربة كتابة فيلم سينمائي ولكنها مع الأسف تجربة ليس بها جديد. لسنا
بحاجة الي اعادة تقديم أحداث ثورة (25) يناير في فيلم سينمائي لأن ما يقدم
سوف يكون أقل بكثير مما شاهدناه وعاصرناه وحتي الآن لم يسدل الستار بعد لكي
يقدم فيلم عن الثورة. توثيق الثورة ومن المفترض حينما تقدم السينما فيلما
يوثق احداث الثورة يكون هذا بعد مضي فترة بعيدة من الزمن لكي يتعرف عليها
أجيال لم يعاصروها. فحتي القفشات الكوميدية باتت مصطنعة وسخيفة. كما ان وضع
الفيديو الخاص بتصريحات الفنان (طلعت زكريا) عن الثورة ضمن أحداث الفيلم
ماهــو الا للتشهــير به وتصفية حسابات بطريقة غير مباشرة لأن رأيه كان
مخالفا لرأي بطل الفيلم. فأبطال الفيلم كانوا متواجدين بصفة دائمة في ميدان
التحرير أثناء الثورة وما قاله طلعت زكريا كان مخالفا لآرائهم السياسية،
وحتي لو ظل طلعت زكريا متمسكا بآرائه الي هذه اللحظة فكان لابد من عدم عرض
هذا المقطع داخل فيلم سينمائي كي لا نشعل مشاعر الجماهير ونذكرهم به كلما
عرض الفيلم. فهذا الاتجاه التوثيقي نحن لسنا بحاجة اليه الان لأننا مازلنا
نشاهد الجديد كل يوم علي الفضائيات والواقع. ولعل هذا المقطع يأتي بالفائدة
علي الفنان طلعت زكريا فنحن لا نعلم ماذا يحمل لنا الغد !!! حيرة شعب أحمد
عيد جسد من خلال أحداث الفيلم الحيرة التي كان يعانيها الكثير من أبناء
الشعب حيث انه لم تكن له هوية سياسية من تلك المظاهرات فالبعض كان لم يتأكد
بعد انها ستكون ثورة حقيقية ولا يعرف هل يستمر أم ينسحب الي أن وضحت
الرؤية. اما الافيهات فكانت مصطنعة غلب عليها الطابع المسرحي وغاب عنها
الأداء التمثيلي فهو يحاول حشو الفيلم بالقفشات والافيهات حتي يحافظ علي
تصنيفه كفيلم كوميدي وكانت الضحكات تنتزع بالقوة مما أخل بالبناء الفني
للفيلم...... ولا أعلم لماذا قبل أحمد عيد هذا الفيلم فهو ليس بحاجة لركوب
الموجة ولا لتبرير موقفه من الثورة فمنذ الوهلة الأولي وهو مع الثوار
وتصريحاته كانت ضد النظام فلماذا يقدم فيلماً لم يقدمه بشكل جديد ولن يؤثر
في تاريخ السينما...فالفيلم يعيد تقديم أحداث الثورة بطريقة كوميدية وليس
اكثر وهذا يجعلني أقول إن فيلم (أنا مش معاهم) أفضل بكثير من (حظ سعيد).
(مي كساب) لم تخرج من ثوب (شوقية) الذي اعتاد عليها الجمهور فيه وجعلته
(تميمة حظها) مثل محمد سعد في دور (اللمبي) فلم تقدم الجديد هنا ويبدو أنها
احترفت دور الفتاة الشعبية..... ولكن آن الأوان أن تخرج من ذلك الثوب لتقدم
أدوارا جديدة حتي لا يعتاد عليها الجمهور في هذا القالب ويمل من تلك
الشخصية. عادل (أحمد صفوت) كان الدور جديدا عليه فلقد اعتدنا عليه من أبناء
عائلة الدالي ولم نره ثورجياً من قبل فكان (اللوك) الشكل الخارجي جديداً
والأداء مختلفاً فهو يسير في نهج جيد يتقدم من خلاله للأمام في كل عمل فني.
وضعها (مصطفي الحلواني) لم تكن مناسبة لبعض مشاهد الفيلم فأصبحت الموسيقي
التصويرية لدينا (لازمة) تتكرر طوال أحداث الفيلم فكانت في الماضي الموسيقي
التصورية توظف علي المشهد الذي يعقبه حدث مهم أو بديلة للتعبير عن حدث
بعينه وليس كما يقولون بالعامية (تستخدم عمال علي بطال) فهذا يؤدي الي خلل
في أحداث الفيلم ويفقد الموسيقي التصويرية دورها الهام الذي اعتدنا عليه.
حركة الكاميرا المخرج (طارق عبد المعطي) قد سبق وأخرج فيلم (عجميستا) ولكن
في الحقيقة عجميستا كان اقوي فنيا , فقد غاب تماما في هذا الفيلم الثراء
الفني للشاشة من خلال استخدام زوايا الكاميرا وتحريك الممثلين والمونتاج
وكل هذا لم يراعه المخرج أثناء التصوير. فالإفيهات وحدها لا تصنع فيلما وقد
كان شغلهم الشاغل الاعتماد علي الافيهات التي يلقيها أحمد عيد وهذا وحده لا
يكفي.. فالسينما ليست القاء افيهات ولكنها عبارة عن حركة كاميرا وحركة
وأداء ممثلين فهي قائمة علي الصورة وليس الصوت فقط. أما بخصوص المشهد الذي
كان احمد عيد يحاول فيه الاختباء من الجيش ويدخل شقة دعارة بالخطأ فهو مشهد
غير منطقي وليس به ترابط درامي لأنه عندما دخل الشقة شاهد عرض فيلم مخل ثم
يفاجأ المشاهد بقطع هذا الفيلم وعرض خطاب الرئيس بالرغم من ان هذه النوعية
من الافلام لا تعرض علي القنوات العاديه حتي يقطعها مشهد خطاب الرئيس ثم
فجأة نجد البطل يجري الي الميدان ويبدو ان هذا المشهد كان للحشو فقط كما أن
مونتاج هذا المشهد كان به خلل وأدي الي حدوث فجوة غير مفهومة في الأحداث.
الفيلم قدم فكرته الاساسيه في المشهد الأخير و هي وجهة نظر لصناع العمل حيث
قدم الأحزاب المختلفة التي ستصنع القرار السياسي في البلاد من خلال أبنائه
الثلاثه الذي أنجبهم فالأول يرمز(للحرية والعدالة) والثاني (للسلفيين) حزب
النور والثالث (ليبرالي) وقد رتب قوة الأحزاب بترتيب أولاده فالأكبر اخوان
و الاوسط سلفي والأصغر ليبرالي وهذا بحسب سيطرة الأحزاب في الحياة السياسية
التي نعيشها الآن. أما مشهد محاكمة الرئيس السابق فهو يري ان المحكمة سوف
تسوّف القضية و تؤجلها من جلسه الي اخري لدرجة أن أجيالا قد ولدت دون أن
يصدر الحكم بعد وينتهي في عام 2041 م آخر تأجيل للمحاكمة ويموت البطل عند
سماع خبر التأجيل وهو يريد بهذا ألا يحكم في القضية. وأخيرا نستخلص أن
البطل كان يريد صنع فيلم يظل متواجدا به علي الساحة ليس أكثر من ذلك..
وجعلنا نصاب بخيبة أمل في سينما (ما بعد الثورة).
جريدة القاهرة في
17/04/2012
ومازال فيلم الأطفال غائبا
بقلم : محمود سامي عطا الله
انتهي مهرجان القاهرة السينمائي لأفلام الأطفال واستمرار غياب الفيلم
المصري أو العربي الروائي الطويل للأطفال عن المهرجان لعدم وجود إنتاج -
تكون هناك كلمة لابد منها.. تهتم هذه الدراسة بمدي أهمية وجود إنتاج
سينمائي مصري وعربي للأطفال - مصريين وعرب - وبمدي خطورة غياب مثل هذا
النوع من الإنتاج السينمائي عن الساحة المصرية والعربية. وأبدأ الدراسة
بسؤال مهم.. إلي متي سنترك أطفالنا يكوّنون ثقافتهم ويجمعون مفرداتها من
وسائل أجنبية بينها سينما لا تنتمي إلينا وأفلام يصنعها غيرنا؟ وأما آن
الأوان لكي نهيئ نحن لأطفالنا هذه المفردات عن طريق سينما وطنية وإنتاج
سينمائي وطني يخاطبهم ويدعم فيهم قيمنا وتراثنا؟ عقلية الطفل ومن المعروف
أن السينما وخاصة بعد ظهور التليفزيون الذي أوصلها إلي كل بيت أصبحت تلعب
دورا مهما ومحوريا في صياغة عقلية الطفل وتكوين ثقافته، وهي بذلك يمكنها
إما أن تكون الحلم الوردي الذي نستهدفه لأطفالنا وإما أن تتحول إلي سهام
مسمومة تغتال هذا الحلم مع الأيام. ولأننا مازلنا للأسف نعيش ضمن دائرة
النموذج الغربي للحضارة فإننا لا نزال نستورد لأطفالنا كثيرا من الأشياء
وبينها أفلام الأطفال التي تأتينا في الأغلب من أمريكا.. وهي أفلام تنتج
وتصنع لأطفال ينتمون لمجتمعات تختلف تاريخا وعقيدة وثقافة وتراثا حضاريا عن
مجتمعاتنا العربية. وهي تروج في أغلب الأحيان إلي أفكار مغايرة وقد تكون
متناقضة مع قيمنا وعقيدتنا وتراثنا الفكري والحضاري بما يؤثر سلبا في
منظومة سلوكيات الطفل العربي. وقد كانت هذه الوسيلة - أي الحكي أو القص -
وستظل دائما أحد الأساليب الرئيسية لتكوين ضمير الطفل وثقافته ومكونات
انتمائه الوطني.. وفي تراثنا عدة وسائل كانت تستخدم في الحكي للأطفال
وطالما ارتبطوا بها وتعلموا منها، فمن ينكر دور كل من الاراجوز وصندوق
الدنيا وخيال الظل في صياغة ضمير أطفالنا منذ بدء تفتحهم علي الحياة. ومنذ
ثمانية عقود طاف ابن دانيال قري مصر وبعض البلدان العربية في المشرق
والمغرب حاملا أجهزة خيال الظل وحكاياته عن سيف بن ذي يزل والفارس الشاعر
عنترة بن شداد وأبوزيد الهلالي سلامة وجحا الشخصية العربية المرحة الذي
يخرج من كل مأزق مبتسما وهو يبلور الحكمة الإنسانية وقد ارتبط بها أطفال
ذلك الزمن واخذوا من حكاياته الكثير من زادهم الثقافي. هذه الفنون كانت
تملأ حياتنا ورغم محاولات إحيائها التي تحدث من آن لآخر فإن دورها قد انتهي
تماما وتحولت بحكم التطور التكنولوجي إلي أفلام سينمائية ومسلسلات كرتونية
في السينما والتليفزيون والفيديو والإنترنت.. وقامت هذه الأجهزة الجديدة
باحتلال حياة أطفالنا ومحاصرتهم بما تقدمه من مواد تشدهم وتجذبهم إليها،
واختفت تماما من الحكايات كل الشخصيات العربية التي كانت تمثل مجتمعاتنا
وتؤكد قيمنا وتراثنا ليحل مكانها ميكي ماوس ودونالدداك وبيتربان وبينوكيو
وتوم وجيري وغيرها من الشخصيات الغربية التي تمثل مجتمعات غريبة عنا وتبشر
بثقافات وقيم تختلف عن قيمنا وثقافتنا وقد تتناقض معها. وتركز الدراسات
الاحصائية التي اجرتها منظمة اليونيسيف والمجلس العربي للطفولة أن الطفل
العربي يمضي أغلب ساعات فراغه في مشاهدة برامج وأفلام الأطفال والمسلسلات
الكرتونية التي تعرضها شاشات التليفزيون والسينما والفيديو والإنترنت.
التأثير الأكبر مما يؤكد أن هذه الأفلام قد أصبح لها التأثير الأكبر في
تشكيل مفاهيم الأطفال وصياغة عقولهم.. بل وأصبحت تستحوذ علي عقولهم بما
تملكه من وسائل تقنية ومن خدع سينمائية مبتكرة متقنة الصنع تبهر الأطفال
وتشد انتباههم وتؤثر فيهم بقوة. وتشير الاحصائيات أيضا إلي أن مؤسسة والت
ديزني الأمريكية وشركات السينما والإنتاج التليفزيوني الأمريكية تنتج وحدها
ما يمثل 40% من جملة الإنتاج العالمي من أفلام الأطفال.. بينما تنتج الدول
الأوروبية وكندا ما يمثل 35% من جملة الإنتاج.. وتقوم دول جنوب شرق آسيا
والصين بإنتاج ما يمثل 15% من الإنتاج.. أما نسبة الـ10% المتبقية فتشارك
في إنتاجها باقي دول العالم بما فيها دول أمريكا اللاتينية والدول
الافريقية والدول العربية. ومؤدي هذا أن الدول الغربية تنتج ما يعادل 75%
من جملة الإنتاج العالمي من أفلام الأطفال وهذا الرقم يعكس سيطرة مذهلة
وشبه كاملة للإنتاج الغربي من أفلام الأطفال علي عقلية الطفل العربي وهذا
أمر يؤسف له ويجب بذل كل الجهد للاسراع في تداركه. حركة نشطة والسؤال الذي
يفرض نفسه الآن: أما آن لنا أن نفيق ونصحح الأوضاع وتكون لنا مبادراتنا في
هذا المجال ويصبح لدينا إنتاج سينمائي في مجال سينما الأطفال؟ وأن يكون لنا
إنتاج منتظم ومستمر في مجال سينما الأطفال وتكون لدينا حركة نشطة في هذا
المجال وننتج أفلاما لإثراء مجتمع أطفال العرب الذين يمثلون ثلث المجتمع
العربي؟! وفي هذا السياق أذكر أن في تراثنا الغنائي كانت هناك مبادرة مهمة
قام بها أحد كبار الملحنين والمطربين وهو المرحوم محمد فوزي الذي بادر
بتقديم أغنيتين للأطفال حققا نجاحا كبيرا.. ثم تبعته بعد ذلك الدكتورة عفاف
راضي وقدمت هي الأخري مجموعة من أغاني الأطفال. فهل يقوم مخرج سينمائي كبير
ويحذو حذوهم ويبادر هو الآخر بإخراج فيلم للأطفال يكون البداية؟! ودخول اسم
المخرج الكبير في هذا المجال سيشجع بالقطع المنتجين لاستثمار أموالهم في
هذا النوع من الإنتاج، فاسم المخرج الكبير يؤكد لهم الجدوي الاقتصادية وإن
كانت الجدوي الاقتصادية مضمونة، حيث إن جميع محطات التليفزيون العربية
وجميع الفضائيات العربية سترحب كثيرا بمثل هذه الأفلام العربية إنتاجا
ومضمونا. نقص شديد يأتي بعد ذلك الحديث عن دور اتحاد الإذاعة والتليفزيون
بقطاعاته المختلفة وبالاخص قطاع الإنتاج في المبادرة بسد هذا النقص الشديد
في الإنتاج السينمائي.. والمعروف أن العائد الأساسي لإنتاج التليفزيون هو
العرض علي شاشات القنوات الوطنية المختلفة أرضية وفضائية وهو عائد مضمون
مائة في المائة.. وفوق هذا فإن البيع مضمون مائة في المائة أيضا ويكون
عائده قيمة كاملة مضافة، وأن السوق العربية مشتاقة بل شرقانة إلي مثل هذا
النوع من الأفلام التي تعاني قصورا كاملا في إنتاجها علي مدي المنطقة
العربية. فلنبدأ بفيلم.. وفيلم وراء فيلم نحقق حركة أفلام نشطة ورائدة في
هذا المجال.. ومن هذا المنطلق ينبغي التوصية بوجوب تحقيق جزء مناسب من
الميزانية السنوية لقطاع الإنتاج وتوجيهها لإنتاج أفلام روائية طويلة
وقصيرة للطفل يشارك في اخراجها بعض كبار المخرجين. وماذا لو قرر المسئولون
في اتحاد الإذاعة والتليفزيون أن تخصص كل ميزانية قطاع الإنتاج في العام
القادم الذي يبدأ في يوليو 2012؟ وذلك لإنتاج سلسلة من أفلام الأطفال فقط
وهذا يمكن تسميته «المشروع القومي لإنتاج أفلام للأطفال» وهو: مشروع قومي
نوصي بأن يتبناه اتحاد الإذاعة والتليفزيون لا شك سيكون مبادرة قومية مهمة
وجريئة وسيحسبها التاريخ للقائمين علي العمل. هذا اقتراح أعتقد أنه سهل
التنفيذ يحتاج فقط إلي قرار جريء.. وهناك اقتراح أعتقد آخر.. لماذا لا ينشأ
ضمن قطاع الإنتاج إدارة مركزية جديدة لأفلام الأطفال تقوم بإنتاج أفلام
روائية طويلة وقصيرة للأطفال ولعله من الأفضل أو الاجدي أن يتم انشاء قطاع
جديد لإنتاج أفلام وبرامج الأطفال فالطفل هو مستقبل الأمة والاهتمام
بمستقبل الأمة يعادل الاهتمام بحاضرها الذي تعطيه مختلف قطاعات اتحاد
الإذاعة والتليفزيون النصيب الغالب من اهتماماتها فلا أقل من أن يكون
للمستقبل متمثلا في الأطفال قطاعا يتولي تقديم كل ما يخصهم من أفلام
وبرامج. واقتراح أن يضم هذا القطاع الجديد هيئة استشارية عليا تضم أساتذة
في العلوم الإنسانية من المختصين في أدب وثقافة الطفل تضع السياسات العامة
ومتابعة ما يقدم للطفل من دراما وبرامج وأفلام وهذا اقتراح سهل التنفيذ
أيضا ويحتاج فقط إلي قرار. وأختتم دراستي بتقرير أن الذي دفعني إليها هو
حبي للطفل المصري الذي أؤمن أن العناية به هي عناية بالمستقبل وتأهيل للوطن
لمواجهة القادم من الزمن القادم.
جريدة القاهرة في
17/04/2012
شم النسيم في السينما..
«سلم لــي علي كـــل المواضيـــع»
بقلم : محمود قاسم
احتفل المصريون دوما بأعياد الربيع علي الشاكلة نفسها منذ أن تعارفوا
مع فجر التاريخ وحتي الآن، وربطوا الربيع دوما بالاحتفالات الاجتماعية
والدينية، وخرجوا إلي نهرهم العظيم والحدائق من حوله كي يستمتعوا بما حبتهم
الطبيعة من خيرات. وقد انعكست علاقة المصريين بهذه الأعياد من خلال ما كان
يقدمه الفنان المصري للطبيعة من إنتاجه في مجال الرسم، والنحت، والغناء
والموسيقي، بالإضافة إلي فنون الكتابة، وقد انحصر هذا الاحتفال غالبا من
خلال يوم واحد يخرج فيه المصريون إلي الطبيعة يأكلون ويثرثرون ويلتم شمل
العائلات، وذلك باعتبار أن الربيع علي غير العادة في بلاد العالم، ليس هو
الفصل الأفضل، حيث تملأ الأتربة والخماسين أنحاء البلاد طوال هذا الفصل كي
يبقي الخريف هو الفصل الأكثر تميزا، لكنه للأسف لم يحتفل به أحد. وعلي كل،
فالربيع هو فصل خروج البتلات من منابتها وأزهار الثمار واخضرار الأشجار
والطبيعة وهو عودة ميلاد الكائنات الحية، خاصة النباتات كي تبدو في أحسن
صورة، لذا فإن الفنان المصري احتفي بهذه الظواهر دوما، وعبر عنها، وقد حدث
ذلك في السينما منذ أن نطقت هذه السينما لأن السينما الناطقة في مصر كانت
تعني في المقام الأول أن يغني كبار المطربين وعلي رأسهم أم كلثوم
وعبدالوهاب. ثومة ووهاب وفي الأفلام الأولي لهذين العملاقين غني كل منهما
للربيع، وباعتبار أننا أمام صورة، فقد تم تصوير هذه الأغنيات وسط طبيعة
خلوية، خاصة في الريف ومع الفيلم الأول لأم كلثوم «وداد» إخراج فريتز كرامب
عام 1936، وقفت أم كلثوم وسط الطبيعة وقد أحاطتها جميع معالم الربيع كي
تغني ما هو معروف باسم «انشودة الربيع» من كلمات أحمد رامي، وتلحين رياض
السنباطي وراحت المطربة الشابة التي كان يطلق عليها «الآنسة» في تلك الفترة
تتمايل مع الأغصان وهي تقدم احتفاءً حقيقيا في قصيدة طويلة استغرق عرضها في
الفيلم قرابة الدقائق العشر، وهي تردد: حيوا الربيع عيد الزهور عيد التهاني
والسرور الطير في افنانه ترنما واعلنا قرب الهنا الزهر في أفنانه تبسما لما
دنا يوم المني حيوا الربيع.. هيا علي ظهر الجياد وتسابقوا إلي العلا
تلاحقوا هيا إلي نيل المراد تضامنوا تساندوا وتعاونوا حيوا الربيع أما محمد
عبدالوهاب فقد غني في فيلمه الأول «الوردة البيضا» للورد أبرز مظاهر قدوم
الربيع، وجعل زهرته بيضاء ناصعة، وهو يمسكها بين يديه ويردد «يا وردة الحب
الصافي. تسلم ايدين اللي سقاكي»، وذلك دون أن تكون هناك إشارة ما إلي أن
الربيع قد حل باعتبار أن الورد من النباتات الدائمة الخضرة، حيث ينمو في
أغلب فصول السنة، ويزدهر أكثر في الربيع، ومن خلال أفلامه لم يتوقف
عبدالوهاب عن الغناء للورد خاصة الأبيض منه، وقد فعل هذا في فيلم «بورسعيد»
1940 من كلمات حسين السيد، كما فعل ذلك أيضا في فيلم «دموع الحب» عام 1935،
ففي هذا الفيلم راح يغني مع حبيبته «نجاة علي» أغنية ما أحلي الحبيب من
كلمات أحمد رامي وفيها يقذف كل منهما إلي الآخر أجمل المفردات اللغوية
المرتبطة بالربيع والنسيم، حيث يردد عبدالوهاب أولا: هو: آدي النسيم يشكي
غرامه والغصن يسمع منه يسيل والطير يغني وكلامه يخلي دمع الزهر يميل يا هل
تري لما أشكي لك من نار حبي يا هل تري لما احكي لك عاللي في قلبي وافهم لغا
الطير الشاجي لما يغني واعرف كلام النسيم فترد عليه نجاة قائلة: هي: اسمع
حفيف الغصون تبكي بدمع الغمام لما شجاها النسيم باحت بسر الغرام والموج في
حضن الموج نايم علي شط النيل ورغم أنه ليست هناك إشارة إلي الربيع، لكن
الحبيبين اديا هذا المشهد وسط الطبيعة، وعلي مقربة من نهرنا العظيم، وبدا
مدي شغف عشاق السينما بالمفردات التي يزيد الحديث عنها أكثر أثناء فصل
الربيع، مثل كلام النسيم، ولما شجاها النسيم.. وقد عاد عبدالوهاب إلي اللغة
نفسها من خلال «يوم سعيد» وهو يغني للورد، حيث نسمع المفردات نفسها خاصة
بالطبيعة، وهو يغني بمفرده، وقد ارتدي أجمل ملابسه، وهو يخاطب الورد أثناء
الربيع ووسط النسيم العليل وهو يقول: يا ورد مين يشتريك وللحبيب يهديك يهدي
إليك الأمل والهوي والقبل ابيض غار النهار منه خجول محتار باس الندا خده
جارت عليه الأغصان راح للنسيم واشتكي جرح خدوده وبكي والأغنية طويلة
استغرقت مدة عرضها علي الشاشة ست دقائق ظل فيها الشاب يناجي الورد ويناغيه
وسط تعبيرات شاعرية، مرتبطة بالخجل، وجرح الشفايف وحاور الورد الأصفر
والروض والزهر والأنهار.. وهذه الأغنية ليست فيها إشارة مباشرة إلي الربيع،
أو إلي شم النسيم، لكن المخرج محمد كريم الذي يعشق الطبيعة صور هذه الأغنية
وسط أجواء تتناسب مع الصورة الشعرية التي تخيلها المؤلف، وهو يقول «يسأل
عليك الروض والزهر والأنهار». وفي عام 1942 عاد المطرب لتحية الربيع من
خلال أغنية قصيرة للغاية في فيلم «ممنوع الحب» للمخرج نفسه، وهو يقول: هليت
يا ربيع هل هلالك متعت الدنيا بجمالك نبهت الورد وكان هايم فوق عرشه الأخضر
والطير جمعته وكان هايم في الروض متحير والزهر نقشته بجمالك والطير من
فرحته غنالك هليت يا ربيع هل هلالك ومن الواضح أن المطرب قد تفاءل بالورد
بعد نجاح فيلمه الأول، فكرر الغناء للورد وللفصل الذي يمثله، فظل يغني لهذه
الأجواء الشاعرية، ويملأ الآفاق صروحا للطيور، والأغصان والورود بجميع
أشكالها. مين يشتري الورد؟ ولعل ليلي مراد هي الأكثر تأثرًا بالورد والربيع
خاصة في الأفلام الأولي التي أخرجها لها توجو مزراحي، ومنها علي سبيل
المثال فيلم «ليلي» ثم «ليلي في الظلام».. ففي الفيلم الأول ارتدت ليلي
ملابس بيضاء مثل الورد الذي تعرضه علي حضور حفل خيري، وبدت بملابسها أشبه
بالوردة البيضاء، وهي تغني من ألحان محمد القصبجي: «مين يشتري الورد مني..
وأنا بانادي واغني»، ويكون حسنها في هذا الحفل الربيعي سببا في أن يقع فريد
في غرامها. ومن المعروف أن المطربة قد غنت سبع أغنيات في هذا الفيلم لا
يتردد منها الآن سوي هذه الأغنية التي عبرت عن استقبال المصريين لفصل
الربيع، فالناس يشترون الورد من ليلي بدافع البر من ناحية، وتعبيرا عن
إعجابهم بالفتاة الوردة من ناحية أخري.. وقد صنعت المطربة أجواء من البهجة
وقامت بإشعاع الحب إلي من حولها لدرجة أن فريد يحبها من النظرة الأولي ومن
أول وردة. أما شم النسيم، عيد الربيع عند المصريين فإن أول ظهور له علي
الشاشة علي حد علمي، كان في المشهد الأول من فيلم «ليلي في الظلام» لمزراحي
عام 1944، حيث الريف المصري بشكله التقليدي الذي كانت السينما تعشقه بشكل
ملحوظ، وفي هذا الريف يقيم عبدالرحمن باشا وزوجته أمينة احتفالا بعيد شم
النسيم، ويحضر الاحتفال صديق العمر وشريك الثورة عبدالمجيد باشا وزوجته.
وفي هذا الاحتفال الريفي نري قصة حب تتولد بين ليلي الصبية الصغيرة ابنة
عبدالرحمن باشا وبين الصبي حسين ابن الصديق، ودليلا علي حبه لها فإنه
يهديها وردة حمراء، ليكون ذلك علامة علي ميلاد قصة حب عظيمة ووسط الاحتفال
بشم النسيم هذا فإن بعض رجال القرية تغيظهم تلك العلاقة الحميمة بين
الصديقين فيتآمرون للايقاع بينهما وينجحون في ذلك حيث فصل الحبيبان لسنوات
طويلة، حتي يلتقيا من جديد عندما صارا شابين، ويكون اللقاء في حديقة،
وأثناء احتفالات الناس بالزهور والربيع، دون إشارة إلي شم النسيم. فيلم شم
النسيم وقد علق صلاح طنطاوي في كتابه عن ليلي مراد حول التعامل مع شم
النسيم في هذا الفيلم معبرا عن دهشة أن أبناء القرية قد احتفلوا بشم
النسيم، وأنه كان من الأفضل أن يتم الاحتفال بواحدة من المناسبات الدينية
التي تتعاظم في القري مثل ميلاد الرسول، أو ما شابه ولعل هذا يعكس إلي أن
حد كانت السينما تحتفل بالربيع وغنت له، لكن المخرج الإيطالي فرينتشو، هو
الوحيد الذي احتفل بهذااليوم كاملا في فيلم يحمل العنوان نفسه «شم النسيم»
عرض عام 1952 وهو فيلم غريب الشكل والمعالجة، كتب قصته وانتجه زربا نللي،
وكتب له الحوار سيد بدير، وعلي غلاف دفتر الفيلم هناك إشارة إلي وجود ستة
وثلاثين ممثلا قاموا بالبطولة في الفيلم ولعل هذا أمر واضح للغاية، فطالما
أننا أمام قصص متفرقة عم يحدث لهذا العدد من الأشخاص في يوم واحد، فلابد
أننا أمام قصص متشابكة، أو منفصلة تتقاطع فيما بينها ولا يجمع هذه القصص
سوي وجود الحدائق والأماكن الخضراء، والمناسبة الاجتماعية السنوية التي
يحتفل بها المصريون، حيث إننا أمام مجموعة من الاسكتشات، وهي معالجات لم
يعتد المتفرج المصري عليها وسط القصص التقليدية ولعل هذا الفيلم هو الثاني
من نوعه الذي يتعامل مع الاسكتشات دون أن تتشتت الحواديت، أما الفيلم الأول
فهو «البحر بيضحك» لأمين عطا الله عام 1928، وهو يدور في أيام صيفية علي
شاطئ الإسكندرية، من هذه القصص فتاة تخطط للايقاع بين عروسين جديدين، بعد
أن توهمت أنها تحب العريس، إلا أن العريسين من خلال حبهما يتمكنان من أن
يزيحا الفتاة، ويكون الخروج لشم النسيم سببا في أن يتسأنفا الحياة الزوجية،
وقد امتلأت مشاهد الفيلم بمظاهر شم النسيم، حيث يخرج الشباب فوق مركب نيلي،
للغناء معا لهذا المركب من كلمات فتحي قورة وغناء المجموعة وألحان أحمد
صدقي. ومن الممثلين اللذين قاموا بأدوار البطولة المشاركة هناك سميرة أحمد
في أول أدوارها الكبري، ثم شكوكو، وحسن فايق، وزينات صدقي، ومحمود عزمي،
ومحمد توفيق، والنابلسي وبرلنتي عبدالحميد أيضا أول بطولة لها ورشدي أباظة
وعبدالغني قمر، وقسمت شيرين، وسيد بدير وجورج جوردانيس وسناء جميل وكيتي
وسليمان الجندي، وغيرهم وقد تم تصوير أغلب الأحداث وسط الطبيعة وعلي أكثر
تقدير فإن الفيلم تم تصويره أثناء شم النسيم في هذا العام، ولم ينتظر
المخرج أو المنتج لعرضه في شم النسيم من العام التالي بل إنه عرض في العاشر
من نوفمبر من العام 1952. هذا الفيلم الذي اختفي تماما من خريطة السينما
ولا نعرف أين توجد نسخته الأصلية، حيث طال بحثنا عنه لم يشفع له هذا العدد
من المشاركين فيه أن يحقق نجاحا فهكذا كانت أفلام الإيطالي فرنيتشو موضوعات
ساذجة للغاية ولعل هذا اعطي تحذيرا لصناع السنيما بعدم التعامل مع هذه
القصص، والعودة مرة أخري إلي أفلام الفواجع، والمأساويات، وبدأت مسيرة
شبابية جديدة في السينما المصرية، لكننا لم نجد أحدا يغني للربيع بنفس
الطريقة التي غني بها عبدالوهاب وأم كلثوم. الربيع في الاستديو لقد صدمنا
المخرج هنري بركات في فيلمه «عفريتة هانم» عام 1948 وهو يصور أغنية
«الربيع» لفريد الأطرش وسط ديكورات اصطناعية في الاستديو، ولم يفكر في
الخروج إلي الطبيعة مثلما فعل كل من مزراحي وكريم في الأفلام المشار إليها،
ورغم جمال الأغنية، وأهميتها فإن تصويرها داخل استديو، وليس وسط الطبيعة،
جعل منها أشبه بالورد الاصطناعي، ليست لها رائحة ولا جاذبية، رغم أن هذه
الأغنية ظلت بمثابة الايقونة لصاحبها، يغنيها في الحفلات العامة التي تقام
في الربيع وخاصة في ليلة شم النسيم، كما كانت المحطات الإذاعية لا تتوقف عن
بثها ابتداء من الحادي والعشرين من مارس ولمدة شهر علي الأقل، ولا شك أن
بركات الرومانسي النزعة كان ينقصه حسن الاستعراض الغنائي، فلم يبرع فيه
طوال حياته رغم أنه عمل مع بعض أقطاب الكوميديا الموسيقية مثل فريد الاطرش
ومحمد فوزي. تنبه المخرج إبراهيم عمارة إلي مكانة الربيع في قلوب المصريين
وفي فيلميه «لحن الوفاء» عام 1955 و«ربيع الحب» عام 1956، قام بإخراج
العاشقين إلي الطبيعة، يغني كل عاشقين ثنائيا وسط الطبيعة، والحدائق
الغناءة في أجواء ربيعية، حين غني كل من شادية وعبدالحليم حافظ دويتو
«تعالي أقول لك»، وبالآلية نفسها غنت شادية أمام كمال حسني دويتو «لو سلمتك
قلبي واديت لك مفتاحه»، والاغنيتان من تلحين منير مراد، والملاحظ أن المخرج
كان يحاول عمل فيلم مستنسخ من «لحن الوفاء» لتقديم كمال حسني بالطريقة
نفسها التي قدم بها عبدالحليم حافظ، وبالنسبة لهذا الأخير فإن بركات قد
اخرجه إلي أجواء الطبيعة والربيع في عدد من الأفلام التي اخرجها له ومنها
«أيام وليالي» و«موعد غرام» و«بنات اليوم» في ثلاثة أعوام متتالية، حيث غني
«أنا لك علي طول» و«صدفة» ثم «كنت فين» وقد بدت هذه الأغنية أقرب إلي أغاني
الطبيعة، فهناك مجموعة من الشباب يرتدون ملابس «في سيزون»، ويخرجون في نزهة
فوق مركب نيلي، يغنون ويمرحون بالطريقة نفسها التي يخرج بها الشباب إلي
النيل في الربيع بشكل عام، وفي شم النسيم علي وجه الخصوص. وفي السينما
المصرية ارتبط الاحتفال بشم النسيم بالغناء، والبهجة والخروج إلي الطبيعة،
ولم تهتم هذه السينما قط بالباقين في بيوتهم الآن الحال يقول إن ملايين
المصريين يخرجون من البيوت في هذا الاحتفال وأن هناك ملايين أخري يبقون في
بيوتهم. سعاد حسني وليست أمامنا حالات بارزة للاحتفال بأعياد الربيع في
سنيما الستينات من القرن العشرين، لكن الأغنية التي شدت بها سعاد حسني في
فيلم «أميرة حبي أنا» لحسن الإمام عام 1974 صنعت ظاهرة عامة في حياة
المصريين فهي أغنية مليئة بالبهجة والسعادة والشقاوة عكس أغنية «الربيع»
لفريد الاطرش المرتبطة بأحزان صاحبها الذي يعاني من أن الحبيب قد رماه من
جنة الحب إلي ناره لذا صارت هي الأغنية الرسمية للاحتفال فيما بعد وحتي
الآن بقدوم فصل الربيع وخاصة شم النسيم والحقيقة أن هناك عدة أسباب لهذا
الاحلال، أولها أن أغنية الاطرش ظلت مسيطرة في أكثر من ربع قرن علي
احتفاليات الربيع إذاعيا وكان لا أحد قادرا علي أن يقدم أغنية بديلة أو
إضافية، أما السبب الثاني فهي أنها أغنية قصيرة مليئة بالبهجة والاستعراض
ثم تصويرها سينمائيا في الحدائق وربما يوم شم النسيم أو ما يوحي بذلك أما
السبب الثالث فهو الحيوية الفائقة لدي سعاد حسني، حيث أدتها في إطار
استعراضي وليس داخل ديكور اصطناعي ويمكن أن نقول أيضا إن الأغنية قد صورت
ملونة في بداية انتشار السينما الملونة في مصر. الأغنية كما نعرف من تأليف
صلاح جاهين ومفرداته تختلف تماما عما يكتبه مأمون الشناوي مؤلف أغنية
الاطرش، وفي الفيلم الذي اخرجه حسن الإمام هناك إصرار علي عمل فيلم فيه
استفادة من نجاح «خلي بالك من زوزو» نفس طاقم العمل، وأجواء من الرقص
والغناء حتي وإن كانت أميرة موظفة في شركة حكومية فإنها تؤسس فرقة
استعراضية في الشركة تقدم من خلالها غنائية منها استعراضات معروفة لسيد
درويش. وتقوم فكرة الأغنية علي أساس أن الموظفة الجديدة أميرة تسعي إلي كسر
حدة الروتين في الشركة التي التحقت بها، ويكون أول نشاط له أن يقوم الزملاء
بعمل رحلة يوم شم النسيم وتلقي معارضة، لكنها تنجح في اقناع الموظف الكبير
مجدي أن يشترك في الرحلة ويخرج الجميع إلي الحديقة الكبري، ومعهم كل ما
يحمله البسطاء من أطعمة، وأشياء نستعملها في هذا اليوم لكن أميرة يهمها أن
تغني علي الطريقة الآتية: الدنيا ربيع والجو بديع قفل لي علي كل المواضيع..
ما فيناش كاني ومافيناش ماني ماني ماني إيه.. الدنيا ربيع ومع حبنا الشديد
لخفة دم صلاح جاهين، وعباراته الشعبية القريبة إلي القلوب، والأكثر بقاء
فإن هناك مساحة شاسعة بين رصانة عبارات أحمد رامي، وحسين السيد في
الثلاثينات والأربعينات، وبين كاني وماني في السبعينات من القرن العشرين،
لكنها هي التي بقيت ولا يكاد أحد من الأجيال الحالية تكاد تسمع عبدالوهاب
أو أم كلثوم حين غنيا للربيع، أما أغنية فريد الأطرش السينمائية، فقد ظلت
تكافح في البقاء لأطول فترة ممكنة، مع الصعود سنويا لأغنية سعاد حسني، ولا
نكاد الآن نسمع في المحطات الإذاعية أو في منوعات المحطات التليفزيونية ما
ردده فريد الاطرش يوما. آدي الربيع عاد من تاني والبدر هلت أنواره وفين
حبيبي اللي رماني من جنة الحب لناره
جريدة القاهرة في
17/04/2012 |