الف التوقعات فلا أحد كان يتصور بأن الممثلة التي كرهها معظم من
شاهدوها في الجزء الثالث من «الأب الروحي» ستحصل علي أوسكار أفضل سيناريو
في 2004 وتقتنص أسد فينيسيا الذهبي في 2010! من المعروف أن كون «صوفيا
كوبولا» ابنة المخرج الأيقوني «فرانسيس فورد كوبولا» كان هوالسبب الرئيسي
في ظهور صوفيا علي الساحة السينمائية منذ أن كانت رضيعة فظهرت وهي رضيعة
وطفلة بالفعل في فيلمين من اخراجه هما الجزء الأول والثاني من سلسلة
The God Father
«الأب الروحي» الشهيرة. ولكن ما قد لا يعرفه الحميع أن صوفيا شاركت صوتيا
في الفيلم التحريكي «فرانكينويني
Frankenwenee) عام 1984 والذي أخرجه المخرج الشهير فيما بعد «تيم برتون» وهوالآن
يكمل النسخة الروائية الطويلة منه التي ستخرج للجمهور هذا العام. وبعد ذلك
بعامين ظهرت بوجهها في فيلم أخرجه والدها «فرانسيس فورد كوبولا» «بيجي
سوتزوجت
Peggy Sue got married)
والذي كان من بطولة «كاثلين تورنر» وابن عم صوفيا الممثل الشهير «نيكولاس
كيدج». ولكن أداء صوفيا كوبولا المتواضع في هذه الأفلام جعل النقاد
يتساءلون اذا كانت تمتلك صوفيا أي موهبة حقيقية بجانب علاقاتها العائلية
ولكن دورها في الجزء الثالث من «الاب الروحي» كان كفيلا بأن ينهي عملها في
التمثيل نهائيا والتي حصلت فيه عن جدارة علي جائزتي «الأسوأ
Razzie)
كأسوأ ممثلة مساعدة وأسوأ ممثلة جديدة. اكتشاف النفس ولكن منذ عام 1996
بدأت صوفيا كوبولا في اعادة اكتشاف نفسها ولكن كمخرجة هذه المرة من خلال
تجربتين لفيلمين قصيرين قبل إن تصور عام 1999 فيلمها الطويل الاول كمخرجة
«انتحار العذراء
The virgin suicides).
والتي تدور أحداثه حول انتحار العذراء في إحدي ضواحي أمريكا في السبعينات
من القرن الماضي وفيه يحكي أحد الأولاد عن كل مااستطاعوا أن يعرفوه عن
فتيات عائلة "ليزبون" اللاتي انتحرن بسبب النظام المتدين الصارم التي تفرضه
عليه أمهم «كاثلين تورنر» بينما يقف الأب «جيمس وودز» قليل الحيلة. الفيلم
يستعرض حياة المراهقات داخل الأسر المحافظة خصوصا في فترة السبعينات
المتحررة يتم التركيز علي الملل والحدة الذي يصيبهم وكيف يحاولون الخروج
منه بالخيال. ولكن المختلف هنا أن الفيلم المأخوذ عن رواية «جيفري يوجيندز»
يدخل عالم المراهقات ولكن من خلال عيون الاولاد فالاولاد كثيرا ينشغلون
بحياة البنات وتفاصيلها الغامضة ونكتشف نحن تقريبا ما يكتشفوه هم من خلال
الراوي وهوأحدهم. ولكن يظل أبطال الفيلم هم عائلة «ليزبون» وتتألق في
الفيلم «كيرستن دانست» التي قامت بالدور الرئيسي والذي كان أشهر ظهور لها
بعد أن نضجت وهي التي عرفت وهي صغيرة من خلال أفلام «لقاء مع مصاص الدماء»
و«نساء صغيرات» في النصف الاول من التسعينات. ونري أيضا في الفيلم ظهور
مبكر للمثل الشهير «جوش هارتنت». الفيلم تجربة حالمة ومميزة وحزينة ويبقي
في الذاكرة طويلا خصوصا مع الموسيقي التصويرية الرائعة التي وضعتها فرقة
Air للفيلم وبات واضحا في هذا الفيلم تميز صوفيا كوبولا كمخرجة ذات احساس
عال. يعد النجاح النقدي لـ«انتحار العذراء» كان طموح «صوفيا كوبولا» أن
تخرج فيلما عن حياة «ماري أنطوانيت» من بطولة «كيرستن دانست» أيضا ولكن
نظرا لتعثر تمويل هذا المشروع اتجهت صوفيا لفيلم آخر شاء القدر أن يكون
هوأنجح وأشهر أفلامها حتي الآن. فبعد رحلة الي اليابان استلهمت المخرجة
الشابة من أجواء مدينة طوكيوومن الصور التي التقطتها بنفسها هناك روح
مشروعها التالي «فقد في الترجمة
Lost In Translation)
الذي أنتج عام 2003. تدور أحداث الفيلم حول ممثل أمريكي في منتصف العمر
"بوب هاريس" «بيل موراي» يمضي فترة في طوكيوأثناء تصويره اعلانا لأحد أنواع
الويسكي الياباني ونري كيف يشعر بالوحدة والملل وهوفي هذه المدينة الغريبة
عنه ويكون كل متنفسه هوالعلاقات العابرة. وفي خط مواز نري "تشارلوت"
«سكارليت جوهانسون» الزوجة الأمريكية الشابة لمصور حر وتعاني نفس مشاعر
"بوب" في الوحدة والملل الي أن يلتقي الاثنان وتتكون بينهما علاقة
أفلاطونية شاعرية يحاولان فيها ملء الفراغات لبعض. وبذكاء وبساطة نري
الاحساس المشترك بعدم جدوي الحياة لهذا الممثل الكبير الذي لديه ماض ناجح
هوليس سعيد به بشكل واضح بينما الامرأة وهي في ريعان شبابها تتشكك في
مشاعرها تجاه زوجها وتجاه حياتها معه. أضواء طوكيوالمبهرة وأجوائها وكاميرا
صوفيا كوبولا الحرة والأداء الحساس لكل من «جوهانسون» و«موراي» كانت عناصر
كفيلة بأن تجعل هذه التجربة المختلفة تستوقف النقاد ويثني معظمهم عليها
بينما تتكون جماهيرية خاصة للفيلم من الجمهور الذي شعر بالأحاسيس الكامنة
في الفيلم دون صراخ أومباشرة أوميلودراما. ومن هنا حصلت صوفيا علي جائزة
الأوسكار أفضل سيناريوعن هذا الفيلم من أصل خمسة ترشيحات للأوسكار رشح
الفيلم لها الأمر الذي سهل عليها العثور علي تمويل لمشروعها «ماري
أنطوانيت». مسابقة «كان» في عام 2006 شاركت صوفيا كوبولا في المسابقة
الرسمية لمهرجان «كان» بفيلم «ماري أنطوانيت» وهومشروعها الذي طالما طاقت
الي تنفيذه. وربما يوحي اسم الفيلم بأننا بصدد فيلم تاريخي ملحمي عن آخر
ملكات فرنسا وهوليس كذلك. فالفيلم يتناول حياة الملكة منذ أن كانت اميرة
مراهقة في النمسا الي أن تزوجت ولي عهد فرنسا الذي هجر فراشها فترة طويلة
مرورا بحياتها الصاخبة فيما بعد ونزواتها وصولا الي اعدامها ولكن كل ذلك من
خلال وجهة نظر شخصية ونسائية. فالفيلم ليس عن آخر ملكات فرنسا بقدر ماهوعن
فتاة تزوجت ممن لا تحب رغم أنفها والملل والفراغ الذي تعيش فيه الأمر الذي
أدي بها أن تعيش حياة نجوم الروكوكل هذه التيمات هي التيمات المتكررة في
أفلام صوفيا. أضف الي ذلك الموسيقي الحداثية التي استخدمت في الفيلم علي
عكس معظم الأفلام التاريخية. وتعترف صوفيا انها لم تكن مخلصة للحقائق
التاريخية هنا قدر ماكانت تبحث عن اطار فني لتقديم شخصية انسانية. ولكن كل
هذا لم يشفع عند النقاد بمهرجان «كان» الذين رأوا في الفيلم رؤية سطحية
خالية المعني والذي لم يبتعد عنهم كثيرا نقاد الولايات المتحدة الذين
اختلفت أرائهم حول الفيلم. وإن كنت أري أنها تجربة تسستحق الاهتمام لأن
المخرجة قررت أن تخالف كل المعروف وكل ما هومنتظر منها في فيلم عن شخصية
كهذه لكي تقدم رؤيتها الخاصة مع اداء متميز كالعادة من «كيرستين دانست»
وديكورات وملابس ليست فقط برائعة ولكن كانت مناسبة جدا لهدف المخرجة والذي
جعل الفيلم يحصد جائزة الاوسكار أفضل ملابس. ربما أسوأ ما في الفيلم
هوالممثل «جيسون شوارتزمان» الذي قام بدور الملك لويس السادس عشر فلم
يبدوفرنسيا أوملكا ولم يكن مناسبا للدور علي الاطلاق. في عام 2010 عادت
صوفيا كوبولا بفيلم جديد «مكان ما
Somewhere)
وعرض الفيلم لأول مرة بمهرجان «فينيسيا» السينمائي. يحكي الفيلم عن ممثل
امريكي مشهور «ستيفن دورف» يعيش بمفرده بأحد الفنادق ويعاني وحدة واكتئاب
خفي يحاول التغلب عليهما أونسيانهما عن طريق الحفلات الصاخبة والعلاقات
العابرة. الي أن تأتيه ابنته ذات الاحدي عشر ربيعا«إيل فانينج» لتمضي معه
بعض الوقت ويبدأ في تغيير نمط حياته من أجلها ثم يبدأ اكتشاف نفسه من جديد
من خلال علاقته به ويأخذها معه في رحلة لايطاليا لعرض فيلم له الي أن تنتهي
الاجازة ويكون عليه هواتخاذ قرارات في شكل حياته. بجانب أن كل تيمات الفيلم
تشبه أفلام صوفيا السابقة الي أن هناك تشابها كبيراً بينه وبين فيلم «فقد
في الترجمة» تحديدا. فتجد في الفيلمين الممثل المشهور الذي يعيش في فندق
ويعاني مللا وتأتي امرأة في حياته ربما الفارق هوالسن بين الشخصيتين وبين
شخصية الامرأة في الفيلمين. ولكن لا نستطيع أن نقول أن «مكان ما» يحمل نفس
قوة اوتأثير «فقد في الترجمة» فبرغم من وجود بعض المشاهد المميزة في «مكان
ما» الا أنك تشعر أنك تشاهد معاناة شخص مدلل ومسطح ولا يحاول أن يفعل شيئا
بحياته بل هوحتي لا يعرف كثيرا عن عمله فتجده يتلعثم في المؤتمر الصحفي
الخاص بفيلمه ولا تجد أي مبرر حقيقي للتعاطف مع هذا الشخص وهوجالس علي
سريره يشاهد راقصات الاستربتيز اللاتي جئن مخصوصاً من اجله! علي عكس «فقد
في الترجمة» الذي حمل معاني أكبر تجعله اكثر شمولية مثل الغربة والسن وأن
تعيش مع من لا تحب والشعور بالعزلة. وبرغم هذا حصل «مكان ما» علي جائزة
الأسد الذهبي من مهرجان فينيسيا لتكون صوفيا أول امرأة أمريكية تحصل عل هذه
الجائزة وإن حام حول هذه الجائزة الكثير من الجدل فبغذ النظر عن الآراء
المتباينة للنقاد تجاه الفيلم الا أنه بالتأكيد لم يكن أفضل ما في المهرجان
فضلا علي أن «كوينتين تارانتيونو» كان هورئيس لجنة التحكيم وهوكان علي
علاقة سابقة بصوفيا الامر الذي زاد الجدل حول استحقاق صوفيا لهذه الجائزة
من عدمه. تشير الأنباء الي أن فيلم صوفيا كوبولا القادم سيحمل عنوان
The Bling Ring
وهومأخوذ عن قصة حقيقية عن مجموعة من المراهقات تخصصن في سرقة بيوت
المشاهير ومن المقرر أن تقوم ببطولته «ايما واتسون» بطلة افلام هاري بوتر.
بالتأكيد لن يكون فيلم جريمة معتاد ولكن نستطيع أن نتوقع أن نري فيه أسلوب
صوفيا كوبولا المشخصن للقصص فبرغم من محدودية تيماتها الي أنها من خلال
أربعة أفلام استطاعت خلق اسلوب متميز يشبهها ويجعلها في مكانة فريدة.
جريدة القاهرة في
20/03/2012
توم كروز..
عودة المهمة المستحيلة
بقلم : آلاء لاشين
بعدأن توقفت سلسلة أفلام المهمة المستحيلة للنجم العالمي «توم كروز»
عاد مرة أخري بالجزء الرابع الذي يحمل اسم «بروتكول الشبح» ولكن هذا الجزء
له بريق خاص لأن الفيلم فيه نصف ساعة كاملة تم تصويرها في دبي . ويكفي أن
الفيلم يحتوي علي مشاهد من مدينة عربية نفخر بمشاركتها داخل الفيلم .
يتواصل دور العميل «ايثان هانت» توم كروز في اثبات تبرئة ساحته من انفجار
وقع في الكرملين اثناء تواجده مع مجموعته فيه للقيام بعملية ولم يكن
هومسئول عنه والذي أدي الي توتر العلاقة بين امريكا وروسيا مما حداه
بالعميل والفريق الذي يرافقه بالعمل متخفين لتبرئة القسم واثبات حسن
نواياهم . إبهار وتشويق الفيلم توفرت له عناصر النجاح من الإبهار والتشويق
والابتكار والحركة ولكنه قدم أكشن مبالغا وخارقا للطبيعة وهذا ما اعتدنا
عليه في سلسلة افلام المهمة المستحيلة بل إن هذا الأسلوب كان مستخدما بصفة
اساسية في المسلسل الأجنبي القديم الذي كان يحمل نفس اسم الفيلم وهذه
العناصر غير المألوفة لدينا هي التي جعلت الجمهور يحب ويتابع وينجذب لهذه
السلسة . والفيلم يذكرنا بما كان يحدث منذ ستين عاما بين امريكا وروسيا
إبان الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية والتي استخدمت فيها
السينما كسلاح في مطلع الخمسينات. وكما هومعتاد ولا نعلم لماذا .. بدأ
تصوير مشاهد دبي بمشهد لمجموعة من الجمال تسير بصحراء واسعة وكأنه يعلن عن
وصوله الي مدينة عربية فمن الواضح أن المدن العربية سوف تظل في اذهانهم
للأبد مرتبطة بهذا المشهد مهما بلغت من تقدم وتطور كالذي وصلت اليه دبي فهم
أرادوا عرض وجهة نظرهم من خلال القالب النمطي اللذين يرون فيه العرب. في
حين أن مجموعة المشاهد التي تم تصويرها تظهر مدي ما وصلت اليه دبي من
تكنولوجيا من خلال التصوير في برج «خليفة» أعلي برج في العالم وفي هذا
تناقض غير مبرر سوي أصرارهم علي وضع العرب في هذا النمط . واعتبر أن
الماستر سين «المشهد الرئيسي» في هذا الفيلم هوتسلق «توم كروز» لبرج خليفة
فهواطول برج في العالم ويصعب تسلقه لأن الوجهات جميعها زجاجية فهووجهة
مشرفة للدول العربية كما ان «كروز» تسلقه دون اللجوء والاستعانة للكومبارس
وهذا ما يعطي المشهد اهمية وقيمة لانه وضع في فيلم عالمي ويتسلقه نجم
ذواهميه فنية مما سيجعل العالم كله يشاهده. السيناريو كتب السيناريوكلا من
«آلي أندريه» و«جوش آبيليوم» وحاولا تجنب الأخطاء التي كانت في فيلم «نايت
آند داي» وهي المبالغة المفرطة في رسم شخصية العميل السري «ميللر» الذي جسد
دوره «توم كروز» والاحداث المليئة بالقصص الوهمية التي افتقرت الحبكة وهوما
تجنبوه في هذا الفيلم . توم كروز ظهر كما اعتدنا عليه في الاكشن وأثبت ان
التقدم في العمر لم يؤثر في لياقته تماما، فهويتميز بتجسيده للأدوار الخطرة
وهذا الفيلم جعل «توم كروز» يستعيد عرشه الذي اهتز في فيلم «نايت آند داي»
مع «كاميرون دياز» الذي كان يفتقر للدراما مع انه كان يلعب دورا شبيها لهذا
ولكنه في المهمة المستحيلة يكون له بريق خاص. التصـوير تم التصوير بكاميرات
«الآي ماكس» وهي كاميرات فائقة الدقة في التصوير ومزودة بتقنية حديثة تعطي
أفضل نقاء ووضوح للصورة. تصاعد درامي الموسيقي التصويرية ظلت كما هي
الموسيقي الا صلية للأجزاء الماضية التي وضعها كل من «مايكل جيانشينو»
و«لالوشيفرين» مع اضافة عدة مقاطع أخري في المشاهد التي شهدت تصاعدا دراميا
وهذا تصرف صحيح لانه من الصعب تغيير الموسيقي التي اشتهر بها العمل لانها
اصبحت مرتبطة به ومكملة له بل هي عنصر اساسي من عناصر النجاح التي اشتهرت
بها الاجزاء فهي علامة مميزة معلقة في ذهن واذن الجمهور فعندما يسمعها
المشاهد لا يأتي في ذهنه شيء سوي المهمة المستحيلة . تعدد المواهب المخرج
«براد بيرد» مخرج متعدد المواهب فهوكاتب سيناريووممثل في بعض الأفلام ويعد
فيلم «بروتكول الشبح» أكبر دليل علي أنه قد فاز بعودة نجومية «توم كروز»
واستعادته عرشه من جديد , كما أثبت المخرج قدرته وحرفيته في تنفيذ أفلام
الحركة فهولديه شهرة واسعة في أفلام الحركة في الرسوم المتحركة حاز عنها
جائزة الأوسكار أفضل اخراج عام 2008 م. والفيلم يعد تحديا حقيقيا لعودة
«توم كروز» فقد اراد في هذا الجزء ان تكون مهمته السينمائية مستحيلة فهذه
السلسلة بها خلطة سحرية وبريق يجعله يتصدر قائمة النجاح الجماهيري
الايرادات ومن اهم اسباب نجاح الفيلم تعدد اماكن التصوير من براغ
وموسكوودبي وفانكوفر بكندا ومومباي في الهند. «المونتاج» في هذا الفيلم كان
له دور في خلق ايقاع متصاعد مما جعل المشاهد في حالة انتباه شديد للاحداث
بطريقة قوية دون أن يمل كما أن التوافق الجيد بين الصورة والمؤثرات الصوتية
التي كانت تشكل عنصرا اساسيا في هذا الجزء ساهمت بشكل كبير في الاستحواذ
علي انتباه الجمهور لانها وضعت المشاهد في جوالاحداث كل هذه العناصر جعلت
الفيلم يسير في اتجاه جيد فالمشاهد لم يخزل في هذا الجزء بل راه مبهرا
يوافق كل التوقعات التي كانت بخياله واعتادوان يروا فيها هذه السلسلة.
جريدة القاهرة في
20/03/2012
مهرجان جمعية الفيلم.. عرس السينما المستقلة
بقلم : د.وليد سيف
قد يختلف البعض حول انتماء موجة كاسحة من أفلامنا الجديدة إلي ما
اصطلح عليه بالسينما المستقلة. قد يرويها بعيدة عن المعايير التقليدية
للمسمي الذي إرتبط أساسا بالاستقلال عن استوديوهات هوليوود الكبري التي
تخرج من رحمها جميع الأفلام المنتجة علي الطريقة الأمريكية التقليدية. لكن
ورغما عن الجدل فإنه بالتأكيد هناك أوجه شبه كثيرة بين تيار جارف من
السينمائيين تبعنا وبين أقرانهم ممن يسمون بالمستقلين في مختلف أنحاء
العالم. مع نهاية القرن الماضي بدأت تظهر لدينا علي استحياء أفلام مصورة
بكاميرا الفيديو لها طابع فني وتتيح لها طبيعة التقنية وقلة التكلفة حرية
أكبر في التجريب والتجديد. وظل هذا التيار ينمو يوما بعد يوم وعاما بعد عام
وتكاثفت الأفلام وتميز البعض وانتشرت في مواقع العروض الثقافية وتم تناقلها
عبر وسائط تكنولوجيا واتصال أحدث. وتطورت أساليب وقدرات صناعها كما تطورت
إمكانيات الكاميرات والمونتاج تقنيا وتوالي إدخال البرامج التحديثية عليها.
وحاز العديد من أفلامها علي جوائز كثيرة في مهرجانات محلية وإقليمية ودولية
مهمة. ومؤخرا بدأت بعض هذه الأفلام تغزو دور العرض المصرية حتي ولو بنجاح
محدود. وتنوعت مصادر التمويل ولكنها لم تأت غالبا من خلال شركات الإنتاج
المصرية الكبري والتي تمتلك دور العرض ولديها أقسام للتوزيع والتسويق
ويحتكر كل منها عدد من النجوم. وهؤلاء النجوم التي تنتج أفلامنا المستقلة
بعيدة عنهم غالبا, هم في الحقيقة آفة آفات السينما المصرية. وأحد الأسباب
الرئيسية لتدني مستوي غالبية أفلامنا التي يلهث صناعها لإرضاء سيادتهم
وتحقيق طموحاتهم ونزواتهم ورغباتهم الشخصية في أفلام تنتسب إليهم في الواقع
أكثر من انتسابها لمخرج أو رؤية. وهؤلاء النجوم يبتلعون ما يعادل ثلث أو
نصف ميزانية الفيلم فتتقلص كل إمكانيات الإنفاق الواجبة علي باقي العناصر
لتحسين المنتج وخروجه في أفضل صورة ، فضلا علي إنهم يتعاملون مع السينما
علي اعتبار أن واجبها الأساسي هو تدعيم نجوميتهم وشعبيتهم، وتثبيت صورتهم
المزيفة علي الشاشة التي احتلوها كأي طغاة يستأثرون بكل شيء ولا يتركون
للآخرين سوي الفتات ماديا وأدبيا. حاوي بطوط يأتي المخرج إبراهيم البطوط
كأكثر فناني هذا الاتجاه التزاما، بل وتطرفا في تجنبه التام للتعاون مع
النجوم بمختلف مستوياتهم. وهو في سبيله إلي صنع سينما تخصه وتعبر عن رؤياه
وتتيح له التخلص من قوالب أفلامنا التقليدية، يعتمد في الغالب علي وجوه
جديدة مع قلة من المحترفين، البعيدين تماما عن فكرة النجم وأيقونيته ومنهم
حنان يوسف. وهو قد يعتمد أيضا علي شخصيات حقيقية لتقوم بأدوار شبيهة بما
تلعبه في الحياة. وقد ينتج عن هذه المسألة اكتشافات بارعة مثل اختياره
للراقصة السكندرية المغمورة في دور حنان في فيلمه الأخير حاوي. ولكن
الاعتماد علي البعض من غير الموهوبين يكون سببا في فتور الأداء وضياع
الأثر. كما أن التفاوت في مستويات الأداء التمثيلي يسبب حالة من الارتباك
في مستوي بعض المشاهد. والحقيقة أن التمثيل مثل الرقص كما تصفه حنان في
حوارها بالفيلم لا يمكن أن يعلمه أحد لأحد ، فالموهبة والاستعداد هما
الأساس. ولا علاقة بين طبيعة الوجوه ومميزاتها وبين القدرة علي التمثيل.
وربما يكون التفاوت في مستوي أداء الممثلين هو أبرز عيوب فيلم «حاوي». ولكن
هذا العيب لا يبدد جهد المخرج الفنان الموهوب الدءوب ولا يخفي نزعته
التجريبية الجادة وارتباطها بفكر تقدمي يناسبها. وربما لهذا يستحق البطوط
وعن جدارة جائزة سامي السلاموني للابتكار والتجديد كأحد أهم جوائز مهرجان
جمعية الفيلم الذي كنت أحد أعضاء لجنة تحكيمه. وقد لفت انتباه اللجنة قدرة
البطوط علي التعبير الحر سينمائيا ليرسم بالضوء والإيقاع والدراما رؤياه
الصعبة عن بشر كالحواة أحيتهم الحيل والألاعيب من أجل البقاء علي قيد
الحياة وعن مجتمع في حالة تجذر وتفسخ. لذا تتماس شخصيات الفيلم وتتجاور
خطوطه، دون أن تتلاقي إلا نادرا.. يعجز الأب العائد عن مصارحة ابنته بأنه
والدها. ويتجنب الشقيق شقيقته الراقصة ويكاد يتبرأ منها، لكنه لا يستغني عن
نقودها لقسوة الظروف.. أما الأصدقاء الثلاثة فلا يلتقون إلا للحظات قرب
النهاية. وتأتي الأضواء متسربة وكابية والأجواء ضبابية، كواقعنا الذي
تعيشه. وتتجمع السحب وتتكاثف حتي نصل إلي مشهد النهاية الأقرب إلي تابلوه
درامي علي الكورنيش حيث تتجمع كل الشخصيات خلف العربة الكارو التي تعتليها
فرقة «مسار إجباري» الموسيقية لتصوير أغنيتها. هاهي السحب تتلاقي وتنذر
بالمطر. وها هي الشخصيات المنسحقة المختنقة تتجمع. أليس هذا نذير بثورة في
فيلم تم تصويره قبلها؟ جمال أسماء بطموح أقل في التجديد والتجريب يحصد عمرو
سلامة عددا من أهم الجوائز، منها السيناريو. ولكن الأهم في رأيي هي جائزة
جمهور جمعية الفيلم والتي تجاوزت في تقديرها للفيلم تقدير لجنة التحكيم.
ولتؤكد أيضا أن هذا النوع من السينما في طريقه للتواصل بقوة مع الجمهور.
كجدارية ضخمة ثرية بالتفاصيل ينسج المخرج المؤلف عمرو سلامة فيلمه من شظايا
لقطات تنطلق فور تلقي أسماء مريضة الإيدز للسؤال: "عرفي نفسك". تنساب بعدها
الأحداث بإيقاع سينمائي بارع وبقطعات محسوبة للمونتيرعمرو صلاح حيث ننتقل
من جلسات العلاج الجماعي بين زملاء المرض إلي حوار بطلتنا مع المذيع الشهير
محسن السيسي- ماجد الكدواني- .. إلي مشاهد من حياتها في بيتها الريفي ثم
شقتها في الحارة الشعبية بالمدينة.. الي عملها في نظافة المطار حتي يكتشف
زملاءها سرها. كما ننتقل في الزمن من ذكريات صباها إلي حكاية زواجها.. إلي
أزمة زوجها الراحل مع المرض، منطلقين الي الحاضر عن زميلها في العلاج
الجماعي الذي يسعي للزواج منها.. إلي حكاية ابنتها التي تكاد تتطابق قصة
خطوبتها مع قصة أمها. عبر هذه الانتقالات في الزمان والمكان لا تتكسر
الحكاية بقدر ما تتصل وتتكامل. ولا تأتي الانتقالات لتقطع السرد ولا لتوصله
وإنما لتشكل الحدوته وتشيد معمارها بالتناقض والتوافق بين الحالات
والأزمنة. أثناء مناقشة لجنة التحكيم لسيناريو الفيلم تحفظ البعض علي جوانب
من منطقية الحدث أو رسم الشخصيات وخاصة شخصية البطلة التي رأوها مفرطة في
المثالية. ولكن الحقيقة أن هذه المثالية نابعة من طبيعة خاصة ومبررة
بمنطقها الذاتي، رسمها السيناريو بلمحات وومضات كاشفة عن طبيعتها العفوية
والبريئة وتربيتها الحرة من أب طيب حنون ..وظروف حياتية جميلة جعلتها ترتبط
بمن تحبه وتعشقه بجنون. وتقبل منه أي شيء إلا أن يمنعها عن العمل الذي تشعر
بأنه جزء من ذاتها وكيانها. إن تصوير السيناريو لأسماء يعكس فهما حقيقيا
للشخصية وللواقع وللمجتمع الذي لم ينغلق كلية، فمازال به نماذج مضيئة
وتقدمية بالفطرة كشخصيات علي قدر كبير من الجمال والقوة.. قد تواجه بصلف
ورجعية وتيار متخلف عات. ولكنها قادرة علي مقاومته حتي آخر نفس كما رأينا
ومازلنا نري في ساحات التحرير والقضاء. ميكروفون الفرح بالنسبة لجائزة أحسن
فيلم كان هناك اتجاه من البعض لحجبها. كانت الأفلام التقليدية في نظرنا
معظمها دون المستوي. وكان البعض يري أن الافلام الجيدة كلها تدخل في نطاق
التجريب ولا تحقق التكامل أو الاكتمال في العناصر.. وكنت رافضا لاتجاه
الحجب علي طول الخط. فمن يري أن السينما تعود إلي الخلف ويرغب في إنذارها
لا يدرك هذه الجهود الكبيرة التي يقوم بها صناع الأفلام المستقلة لتحقيق
رؤاهم وفكرهم الجريء ولغتهم السينمائية المتطورة في مواجهة قوي السوق
المتخلف المسيطرة والمستشرية. كان من المستحيل أن تحجب أي جائزة أساسية في
مسابقة هذا العام التي تعد في رأيي الشخصي كعرس سينمائي حقيقي لجيل يكشف عن
مواهبه وقدراته ويستحق منا التكريم والتقدير والتشجيع. وبعد نقاش طويل جاءت
أغلبية الأصوات مؤيدة لحصول فيلم «ميكروفون» علي جائزة أحسن فيلم. وكانت
المفاجأة أن زعيم التيار الداعي لحجب الجائزة نفسه أعطي صوته مؤيدا معنا
للفيلم ومتراجعا عن فكرة الحجب التي كان هو صاحب الدعوة إليها. وهذا أجمل
شيء يمكن أن يحدث في لجان التحكيم الحضارية وهو أن يكون النقاش والحوار
سبيلا لإضاءة المناطق المعتمة في الأفلام والكشف عن تعانق الافكار مع
الأساليب والبحث عن مواطن الجمال وإدراكها والتحقق منها. وهو ما يؤدي إلي
إعادة الحسابات والتراجع من قبل أصحاب العقول المتفتحة والنفوس الكبيرة
القادرة علي تقبل الرأي الآخر. ثورة حتي النصر استطعنا خلال النقاش ان نكشف
عن أن الحالة التعبيرية لفيلم «ميكروفون» تسعي للكشف عن جيل بأكمله من شباب
المثقفين ومحبي الفن في حالة من العزلة والاختناق . إنهم يسعون إلي أي
وسيلة للتعبير عن أنفسهم حتي ولو بأغاني الهيب هوب بأسلوبها المستورد. ولكن
بقدرتها علي التعبير بسهولة عما يجيش في النفس من هموم، وكأنها الترجمة
الغربية لعديد النسوة في الأحزان أو غضب الرجال في المعارك. تتواصل محاور
الفيلم مع السعي إلي الإعلان عن هذه الفرق بأسلوب الرسم علي الحوائط عبر
المزج بين فن الجرافيتي والبوب والهيب هوب. من خلالهما أيضا تتكامل فكرة
كسر القواعد التقليدية في الفن فإذا كان فن الهيب هوب يتمرد علي فكرة
التطريب والقواعد الموسيقية والمعمار اللحني من أجل إتاحة الميكروفون لكل
الناس ليخرجوا ما في قلوبهم ببساطة، فإن هذه الفنون هي أيضا ثورة علي
الموروث التشكيلي، لإتاحة مزيد من الحرية والإنطلاق في التعبير . وعلي
الرغم من الأسلوب السينمائي البسيط والمتحرر أيضا من أي قيود شكلية إلا أن
المادة الثرية والشخصيات المتعددة والأسلوبية المتوحدة تتيح للفيلم أن
تتصاعد محاورة وتتكامل وحداته. وبتمكن هائل من المخرج أحمد عبدالله يوازن
بين العلاقات ويتابع الخطوط. وتبدو الحكايات كلها كإصداء وترديدات واستكمال
لبعضها. فمن حكايات الفرق الموسيقية ومشكلاتها وأزمات أفرادها نتابع صورا
متنوعة لجيل وشريحة تنعدم لغة التواصل بينهم وبين مجتمعهم بل وأسرهم وتنكمش
حياتهم ويضيق عالمهم. ولكنهم يستطيعون بروحهم الشابة أن يكسروا الحصار. في
مشهد بارع يقفز أحدهم من شرفة بيته المحتجز فيه لنجد أصدقائه يتلقفونه علي
ملاءة كبيرة. وفي النهاية ورغم تكاتف قوي الامن والرجعية علي منعهم من
الغناء يتمكنون أيضا من إطلاق أصواتهم. فيلم ميكروفون كان تأكيدا ثوريا قبل
قيام الثورة علي أن اصوات الشباب سوف تنطلق وتصدح، مهما كانت محاولات كبتهم
أو إخراسهم أو حرمانهم من أي ميكروفون.
جريدة القاهرة في
20/03/2012
ألا تستحق ليلي مراد متحفا لمقتنياتها؟!
بقلم : فريال كامل
بمناسة ذكري ميلاد الفنانة ذات الصوت الآسر ليلي مراد، أقامت الإدارة
العامة للنشاط الثقافي بدار الأوبرا المصرية برئاسة آمال سعد الدين،
بالاشتراك مع مركز تنمية المواهب برئاسة «عبدالوهاب السيد»، احتفالية فنية
قدم لها الفنان سمير صبري الذي جاء متكئا علي عصاه عناية منه لتقديم الحفل
نظرا لقيمة وقدر «ليلي مراد»، وأيضا الصداقة الجميلة التي ربطته بالقيثارة،
إضافة لصداقته مع ابنها «أشرف وجيه أباظة» الذي حضر الحفل بصحبة أخيه
الفنان «زكي فطين عبدالوهاب» وألقي كلمة قصيرة حيا فيها الجمهور الذي احتشد
في المسرح الصغير بدار الأوبرا. استهل الفنان «سمير صبري» حديثه لجمهور
الحفل بقوله الليلة سوف أحكي لكم حكايتي مع قيثارة الغناء ليلي مراد، والتي
شرفت بتقديم دور «أنور وجدي» في مسلسل إذاعي - عرض لمشوارها - أمام الفنان
«يسرا» التي قدمت شخصية «ليلي مراد»، ثم أضاف أن «ليلي مراد» بلدياتي، فقد
ولدت في مدينة الإسكندرية في 18/2/1920 لأب يعشق الموسيقي والغناء هو
المطرب والملحن المعروف «زكي مراد»، لقد أنجب باقة من البنين والبنات، لكن
لم يورث نبوغه الفني إلا لـ«ليلي» وأخيها «منير مراد». التحقت «ليلي»
بمدرسة للراهبات، فاكتسب صوتها الصافي ثقافة بمشاركتها لفريق التراتيل،
وكانت وهي بعد صغيرة تدندن بطقاطيق ذلك الزمان وتقلد أعمدة الغناء آنذاك
منيرة المهدية وفتحية أحمد وبالطبع أم كلثوم، كان يتسيد المشهد السينمائي
في مصر رائدات الشاشة عزيزة أمير وفاطمة رشدي وبهيجة حافظ، ولم يخطر علي
بال الأب «زكي مراد» ولا البنوتة الرقيقة «ليلي» الظهور علي الشاشة، ولكن
موهبة «ليلي» لم تغب عن أحد أهم رواد صناعة السينما المصرية «توجو مزراحي»
وكان يهوديا مصريا أخرج وأنتج أفلاما بطولة «علي الكسار» و«يوسف وهبي»
و«بهيجة حافظ»، كان «مزراحي» صائدا للمواهب ومكتشفا للنجوم فأقنع «بهيجة»
بطلة فيلم الضحايا الناطق عام 1939 أن تستعين بغنوة - من خارج الكادر -
بصوت الناشئة «ليلي مراد». وفي العام التالي كان «مزراحي» يحضر لفيلم
الموسم «يحيا الحب» الفيلم الثاني لساحر النساء «محمد عبدالوهاب» والذي
كتبه الأديب «عباس علام» ليخرجه «محمد كريم» وكان يبحث عن وجه جديد يتميز
بالرقة والرقي لتقف أمام «عبدالوهاب»، كانت «ليلي» في ذلك الوقت فتاة في
السابعة عشرة خجولة كحلم، رقيقة كطيف، حين قدمها «كريم» لعبد الوهاب، وجدها
ملائمة للدور، غنت «ليلي» في الفيلم باقة من أعذب الألحان، غنت: ياما أرق
النسيم، ويا قلبي مالك كده حيران، كما غنت مع «عبدالوهاب» دويتو «يادي
النعيم اللي إنت فيه يا قلبي»، ولم تكن الشابة اليافعة علي دراية بحرفية
الوقوف أمام الكاميرا إلا أن الفيلم نجح نجاحا كبيرا وكشف عن معدن صوتها
البلوري فأفسح مساحة «ليلي» علي خريطة السينما. مر عامان دون عمل إلي أن
دفع بها «مزراحي» لتقف أمام العملاق «يوسف وهبي» في فيلم «ليلة ممطرة» عام
1939 من إخراجه وإنتاجه، وفي ذلك الفيلم أبدت «ليلي» تفهما لحدود وأبعاد
الكاميرا بفضل توجيهات «مزراحي»، شدت «ليلي» في الفيلم بباقة من أعذب ألحان
كبار الملحنين كما رياض السنباطي وزكريا أحمد ومحمود الشريف، لفتت «ليلي»
الأنظار واستحوذت علي الأسماع بينما كانت علي قمة الفيلم الغنائي سيدات
الطرب أم كلثوم ورجاء عبده ونجاة علي غير منيرة المهدية. بعد نجاح «ليلي»
في ليلة ممطرة كممثلة ومغنية انهمرت عليها أدوار البطولة، وتعد «ليلي مراد»
هي الفنانة الوحيدة في السينما المصرية التي قدمت مجموعة من الأفلام تحمل
اسمها كما «ليلي بنت الريف» و«ليلي بنت مدارس» وغيرهما ولم يماثلها في ذلك
سوي الفنان الكوميدي «إسماعيل ياسين». في عام 1944 بدأ نجم «أنور وجدي»
يلمع في سماء الفن وقرر أن يخوض مجال الإنتاج وكانت الفنانة «أسمهان» قد
رحلت في حادث أليم فلم يجد سوي سندريللا السينما الغنائية لتشاركه بطولة
أفلامه فأخرج لها عام 1945 «ليلي بنت الفقراء». ووفر لها أكبر الملحنين كما
«محمد القصبجي» و«زكريا أحمد» و«رياض السنباطي»، غنت «ليلي» في الفيلم ليلة
جميلة يا محلاها وأغنية اللي في قلبه حاجة يسألني، كما غنت احنا الاثنين
والعين في العين. وعلي المستوي الخاص شعرت ليلي بفراغ كبير بعد رحيل والدها
وكان أنور وجدي قريبا منها فأحبته وتزوجته، ومن الطريف أن ختم الفيلم بمشهد
زواجهما في الواقع، كان «أنور» ينتمي إلي أسرة متدينة من أصل سوري، تعرفت
«ليلي» خلالهم علي بعض مظاهر الدين الإسلامي فرغبت أن تعتنق الإسلام
فاصطحبتها شقيقة أنور لتشهر إسلامها علي يد «الشيخ شلتوت». قدمت «ليلي»
خلال أفلامها شخصية الفتاة الخجولة ذات الصوت الهامس، فقام العبقري «أنور
وجدي» بإعادة صياغتها في قالب البنت المرحة الشقية التي تغني للحياة والحب
أغاني مفعمة بالتفاؤل والبهجة فأحبها الجمهور في صورتها الجديدة، عملت مع
«أنور وجدي» مجموعة من أجمل وأنجح الأفلام، كـ«ليلي بنت الأغنياء» عام 1946
و«قلبي دليلي» عام 1947 و«عنبر» عام 1948 و«حبيب الروح» عام 1951 و«بنت
الأكابر» عام 1953، ذلك كله إضافة لفيلم «غزل البنات» عام 1949 الذي استمر
عرضه 14 أسبوعا وقيمه النقاد واحدا من أهم مائة فيلم في السينما المصرية.
لقد شدت ليلي بأكثر من 2000 لحن، من منا لا تشجيه أغانيها كما اضحك كركر،
بتبص لي كده ليه، اتمخطري يا خيل، أبجد هوز، الحب جميل، مين يشتري الورد،
أنا قلبي دليلي، إضافة للدويتو الشهير مع «نجيب الريحاني» عيني بترف وراسي
بتلف. لقد ساعدت ليلي زوجها الفنان «أنور وجدي» علي تطوير أسلوبه الفني
بفضل سحر صوتها ولياقتها فتخطي حدود الأغنية الفردية والدويتو إلي
الاستعراض الغنائي الذي يعد له الديكورات الضخمة ويشارك فيه عشرات
الكومبارس ذلك الأسلوب يصل إلي ذروته في أوبريت اللي يقدر علي قلبي. لقد
أحب الجمهور ليلي في أدوارها المرحة وأغانيها المفعمة بالتفاؤل، فكانت أنجح
أفلامها مع «أنور وجدي» وأيضا أفلامها مع المخرج «هنري بركات» الذي أخرج
لها ثلاثة من أبدع أعمالها هي «ورد الغرام» وفي الفيلم قدمت مع «محمد فوزي»
الدويتو المشهور «شحات الغرام»، كما قامت ببطولة فيلم «من القلب للقلب» عام
1952 غير أنها في عام 1950 قدمت من إخراج «بركات» تحفتها «شاطئ الغرام» شدت
فيه بأبدع أغانيها «رايداك والنبي» وأيضا «بحب اتنين سواء» و«يا أعز من
عيني»، لقد مثلت «ليلي» 27 فيلما ياقية في ذاكرة ووجدان الشعب ويذكر أنها
تعاونت مع عدد من كبار المخرجين، كما «أحمد سالم» و«حسن رمزي» و«نيازي
مصطفي»، إضافة لـ«يوسف شاهين» إلا أنهم قدموها في حالة بائسة وصورة بائسة
فلم يقتنع بها الجمهور. وقد حدث أن فتر الحب وفسدت العلاقة بين «ليلي»
و«أنور» فقد كان «أنور» غيورا يريد أن يستحوذ علي فن «ليلي» فثار ثورة
عارمة حين انفردت باتخاذ قرار العمل مع النجم اللامع «أحمد سالم» في فيلم
«الماضي المجهول» وحين حاول «أنور» إعاقته طلب منه أجرا لها قيمته 12 ألف
جنيه ولم يكن المبلغ هينا عام 1946 مع الضائقة المالية التي يمر بها «سالم»
ولكنه احضر المبلغ وحقق الفيلم وهو ما لم يغفره لها «أنور»، غنت «ليلي» في
الفيلم باقة من أجمل الأغاني، غنت «أنا قلبي خالي واللا انشغل بك» و«حيران
في دنيا الخيال». لقد دأب «وجدي» علي الإساءة لـ«ليلي» إضافة لأنها كانت في
أوج نضجها وكانت تتوق لأن تكون أما وحين اكتشفت عدم قدرته علي منحها طفلا
قررت الانفصال عنه. أشاع أنور من فرط غيظه أن «ليلي» قد تبرعت بمبلغ 12 ألف
جنيه لإسرائيل تلك الشائعة التي كادت أن تحطمها نفسيا وفنيا، ولكن التفاف
صديقاتها من الوسط الفني حولها عاونها علي تحمل الصدمة. بعد قيام ثورة
يوليو 1952 شاركت «ليلي» في قطار الرحمة واتخذت من شعار الثورة عنوانا
لأغنيتها «الاتحاد والنظام والعمل» وقد شاء القدر أن يبتسم للفنانة الرقيقة
فالتقت الضابط «وجيه أباظة» سليل الأسرة العريقة وتزوجها لتنجب له ابنهما
«أشرف»، ولكن أسرته أبت عليه أن يتزوج بفنانة، رأت «ليلي» أن تخرج من حالة
اليأس بعد انفصالها بالعمل في فيلم «الحياة الحب» وفيه غنت مجموعة من أجمل
الأغاني، غنت «اسأل عليه» و«جواب حبيبي». وقد أراد «رمسيس نجيب» أن يجمع
بين «ليلي مراد» والنجم الصاعد «عبدالحليم» فكلف «إحسان عبدالقدوس» بكتابة
فيلم يجمعهما فكتب سيناريو «دعني لولدي» واستعدت «ليلي» للعمل كما استعد
«بليغ حمدي» بمجموعة أغنيات بينها أغنية «تخونوه» التي سلبها عبدالحليم
ليغينها في فيلمه «الوسادة الخالية» وقدمها للجمهور في حفل بحديقة الأندلس،
وهو الأمر الذي أغضب «ليلي» فأعادت السيناريو إلي المنتج وأخبرته أنها صدمت
في «بليغ وحليم». ويختتم سمير صبري حديثه بأنه التقي لأول مرة «ليلي مراد»
في المعمورة وفي بيت صفية المهندس وبابا شارو ليلتها غنت ليلي مراد بعض
أغنياتها الجميلة وكانت هناك سيدتان يتحدثان بصوت مسموع فلفت نظرهما «سمير»
فما كان من «ليلي» إلا أن همست له بالشكر علي فعله، وفي الثمانينات كان
«سمير» يحيي مع فرقته فرحا في الماريوت وكانت «ليلي» إحدي المدعوين ودعاها
إلي الغناء فأبدعت كأنها لم تنقطع يوما عن المغني وبعدها التقي «ليلي مراد»
بعد اعتزالها، وكان يصور فيلما في لندن فسألها أن تعود إلي السينما وكانت
في أبهي صورها إلا أنها قالت له: أحب أن يحتفظ لي الجمهور بصورتي الجميلة.
وفي ختام الحفل عرض «سمير صبري» مشهدا نادرا لليلي مراد وهي تغني في فرح
الماريوت وعقبه شدت الفنانة الشابة إيمان عبدالغني بباقة من أجمل أغاني
الفنانة الخالدة ليلي مراد لتعلو صالة المسرح بالتصفيق. لقد توفيت الفنانة
الخالدة «ليلي مراد» عام 1995، ولكن الإبداع الصادق لا يموت ولا يفني،
والآن ألا تستحق فنانة بقامة «ليلي مراد» أن يقام لها متحف يضم أعمالها؟!
ذلك مطلب جماهيري نرفعه إلي وزير الثقافة.
جريدة القاهرة في
20/03/2012 |