خلطة عجيبة يقدّمها لنا السينمائي اللبناني الأميركي الشاب.
في فيلمه الأول، يضيء على قرية في الشمال عشية الحرب الأهلية،
والمواقف الطريفة التي تعكس بدائية تلك الحياة، ويوسف الذي جاء إلى المدينة
حالماً بأن يكون أفضل سائق تاكسي في بيروت
يمكن اعتبار التاكسي معبراً لنبش المدن، وسائقه ليس دوماً ترافيس
(روبرت دي نيرو) في «سائق التاكسي» (1976). إنه أيضاً يوسف في الفيلم
اللبناني «تاكسي البلد» لدانيال جوزيف (1979) في أولى تجاربه الإخراجية.
والأمر لا يقتصر على حركية هذا التاكسي فقط، بل على البلد أيضاً، إن كنا
نتتبع عنوان الفيلم وما سيرويه يوسف لامرأة أميركية اسمها جوردان (كارينا
لوغ). ما دام الحديث عن «تاكسي البلد»، فلكم أن تتوقعوا الكثير من التصوير
الخارجي في الشريط، لكن بعيداً عن التفاصيل التي تقرّبنا من الحياة
البيروتية. يمكن للتصوير الخارجي أن يكون معقّماً تماماً، أقرب إلى
الاستديو إن كان المسعى هو تناوب أشخاص على التاكسي الذي يقوده يوسف (طلال
الجردي). لكلّ شخص عالمه الذي لن نعرف منه إلا ما يطفو على السطح حين
يتحوّل التاكسي إلى فرصة لتقديم مفارقة، أو شخصية تذكّرنا بنموذج مسبق
الصنع في الأذهان. فهذا بذيء وفهلوي و«يتحرّش» بكل امرأة قد تمرّ في الشارع
بمحاذاة التاكسي، وتلك عازفة موسيقية تركب التاكسي إلى الجميزة، وأخرى عجوز
يقرّر يوسف أن ينزلها من السيارة حين يعلق في ازدحام، فيدخلان في مشادة.
لكن كل ذلك يخضع لمزاجية يوسف والكيفية التي يتلقى بها هؤلاء الركّاب، وما
يمثلون بالنسبة إليه. وفق ذلك، سيكون يوسف مركز الفيلم الذي يلتقي عنده
أشخاص كثر مكرّسون لتحقيق ادعاء الشريط بأنّه كوميدي. قصّة يوسف بدءاً من
طفولته في قريته في شمال لبنان والحياة الريفية على خلفية الحرب الأهلية،
ونزوله إلى العاصمة، تمثّل العمود الفقري في الشريط الذي يتنقّل في فلاش
باك بين هذه الطفولة وقصص الركّاب وحياة يوسف الحالية.
وحين يعود يوسف في الذاكرة مستجيباً لما تحرّضه لديه جوردان، ستكون
الكوميديا حاضرة أيضاً، أي سننتقل من شخصية إلى أخرى، ومن حدث «مهضوم» إلى
آخر «مهضوم» أيضاً. هذه الصفة يمكن اعتمادها نقدياً متى كان الرهان على
العودة إلى القرية التي ولد فيها يوسف، حيث يجمع مشاهداته الطفولية نابشاً
كل ما هو كوميدي في تلك المشاهدات: كارلو الذي لا يهزم الذي يأتيه متحدّون
من القرى والأماكن المجاورة، ووالده الذي «هجّ» من والدته إلى لاس فيغاس،
وسرقة يوسف المال من «مزارات العذراء» في القرى المجاورة، ومن ثم قصة حبّه
ومصيره العجيب كسائق تاكسي. كل ما سنتعرف إليه سيكون من خلال تلصّص يوسف
الطفل الذي يبقى خارج سياق الكوميديا سواء في صغره أو حين يكبر، وصولاً إلى
حلم يوسف نفسه الذي لن يكون إلا بأن يصير أفضل سائق تاكسي في بيروت.
لكن يوسف الذي لا يتحلى بأي صفة كوميدية، لن يكون إلا تحت رحمة مآزق
كثيرة. هو متوتر، سيعاني الفشل في الحب، وسوء فهم الآخرين لتطلعاته البسيطة
التي لا تتجاوز الجلوس خلف مقود التاكسي والتجوال في ليل بيروت. هو ليس بأي
حال من الأحوال شخصية كوميدية مع أنّ بنية الفيلم تريد أن تفرض عليه ذلك.
ومع البحث عن الكوميديا، فإنّ «الفلاش باك» الطويل الذي يعيدنا إلى قرية
يوسف وطفولته سيختلف عن حاضره في بيروت. مع ذلك، يصرّ الشريط على تقديم
الكوميديا من خلال الاستعادة الدائمة لكل الشخصيات الكوميدية في قرية يوسف،
مستعيناً بالأجواء القروية في السينما الإيطالية، وصيغة تجميع الأحداث من
هنا وهناك، ومن ثم تكون المدينة نقطة التحول لدى يوسف.
يتطلب منطق فيلم «تاكسي البلد» تبنّي صفات مثل البساطة والكوميديا.
تتحالف الصفة الأولى مع ما مفاده أنّ يوسف البسيط لا أحد يفهمه في بيروت
إلا الأميركية مدربة الرياضة، بينما يأتي التفاعل مع الكوميديا من باب
استحضار الماضي حين كان أخطر حدث يمكن أن يقع في ذلك الريف هو منازلة
يخوضها كارلو.
في النهاية، يفشل فيلم «تاكسي البلد» في الدراما والكوميديا إلا إذا
كان تعريف الكوميديا يتمثل في تجميع شخصيات بيئية واعتبارها كوميدية عبر
نقلها من موقف مفتعل إلى آخر، بينما تكون بيروت مختلفة تماماً، حيث
الافتعال أكبر. شخصية يوسف تحمل توصيف الشخصية البسيطة، وهنا البساطة مرادف
لرهانات تعجز عن أن تكون حتى ميلودرامية، وكما يقول أنطونيويني «لا بد من
وجود سبب لكل فيلم؟» وهو الأمر الذي يتعذّر العثور عليه مع «تاكسي البلد».
الريف أيضاً وأيضاً
ولد دانيال جوزيف في بنهران (شمال لبنان) عام 1979. سافر أهله مطلع
الثمانينيات بسبب الحرب الأهلية، فحطوا رحالهم في الولايات المتحدة قبل أن
يعود شاباً إلى لبنان وينفّذ باكورته. بعد «تاكسي البلد»، ينكبّ المخرج
اللبناني الأميركي اليوم على شريط ثان تدور أحداثه أيضاً في قرية لبنانية
لكن خلال الحرب العالمية الثانية.
الأخبار اللبنانية في
12/03/2012
لبكي سيندروم
بيار أبي صعب
في العنوان المتأرجح بين «بلد» وBallad، يكمن سرّ الفيلم وهويّته المهزوزة، ونظرته الضبابيّة إلى الواقع.
الـ
Ballad
نزهة سياحيّة داخل تاكسي طلال الجردي (اللافت في دور يوسف)، عبر
شارعين أو ثلاثة في بيروت، وحيّ مؤسلب تسكنه شخصيّات كاريكاتوريّة، يجسّد
القرية الشماليّة التي هجّ منها البطل. نهيم على غير هدى، مع المخرج
اللبناني الشاب دانيال جوزيف (1979)، في ذاكرة يوسف المستحضرة بطريقة
اصطناعيّة: تداعيات وحكايات وصور من الزمن السعيد (الطفولة) تتقاطع مع حاضر
غامض بلا أفق، في بيروت ما بعد «الإعمار». لكنّ تلك العناصر، الشاعريّة
حيناً، النقديّة والطريفة أحياناً (التي يخالجنا شعور بأننا رأيناها في
أماكن أخرى)، لا تنصهر تماماً في خطاب جمالي قويّ ومقنع. السيناريو قائم
على المراكمة والتجميع، والإخراج يدفع باللعبة الإيكزوتيكيّة إلى الذروة.
يوسف ليس سائقاً، والمرسيدس موديل ١٩٦٦ ليست تاكسي، والقرية ليست قرية،
وبيروت ليست بيروت، والأحداث لا تحدث. الإحالات إلى الواقع لفظيّة وشكليّة.
يعيد «تاكسي البلد» إنتاج القريّة الأبديّة إيّاها (كلا للأسف ليست
«أماركورد» فدريكو فلّليني)، على أساس نموذج تسويقي، استشراقي، لاواعٍ بجزء
منه على الأرجح. كأن هناك جيلاً كاملاً مصاباً بالعارض الإيكزوتيكي، أو
نادين لبكي سيندروم، مع فارق بسيط أنّ الأخيرة تعرف ماذا يجذب الجمهور في
هذه الاستعادة التسوويّة والسياحيّة للواقع (السياسة والجنس، الدلال
الرومنسي والتوابل الشعبيّة). أما دانيال جوزيف الهارب إلى بيروت الكليشيه،
فيبحث في الراهن المنهار عن نقاط ارتكازه. لكنّه يبحث في المكان الخطأ.
النتيجة فيلم لطيف تنقصه الرؤيا.
الأخبار اللبنانية في
12/03/2012
تاريخ لبنان في لقطة فيديو: شوفينية بجرعات كبيرة
روي ديب
مواد سمعيّة وبصريّة كثيرة أنتجتها البشريّة. لكن كيف يمكن أن نعود
إلى جزء من ذلك الأرشيف لإعادة قراءته، أو إعادة توليفه ليقدّم معلومة
جديدة؟ هذا ما فعله 12 طالباً في قسم السمعي ـ البصري في «جامعة القديس
يوسف» ضمن ورشة بقيادة Lieux Fictifs.
المجموعة التي تتخذ من مرسيليا مقراً لها، تهتم بإنتاج مختبر سينمائي
اجتماعي. أما المشروع الذي أتى بأعضائها إلى بيروت، فكان ورشة «المشاهدون»
الذي اشتركوا في تنفيذه مع جمعية «أمم» و«جامعة القديس يوسف» في بيروت.
في «المشاهدون»، أنجز المشاركون أفلاماً قصيرة من مواد أرشيفيّة
لـ«المعهد الوطني السمعي البصري» الفرنسي
(INA).
تعاون كل طالبين على إتمام فيلم قصير، مما أنتج ستة أفلام مختلفة
تستند إلى المواد الأرشفية ذاتها وعُرضت منذ أيام في «هنغار أمم» (حارة
حريك ـ بيروت).
تمحورت المواد الأرشيفيّة حول تيمة «التغيير» وتوزعت بين مشاهد لثورات
اجتماعيّة (الثورة الصينيّة، وأحداث 1968...) و«الكوارث الطبيعيّة»
(براكين، فيضانات...). وقبل تقديم نتيجة الورشة للجمهور في «الهنغار»، عُرض
فيلم قصير بعنوان «لبنان من خلال السينما» للمخرج هادي زكاك صاحب فيلم «درس
في التاريخ» الذي يستطلع فيه معرفة تلاميذ لبنان بتاريخه وسط غياب كتاب
تاريخ موحّد في المناهج التعليمية. قضية تحتل دائرة الضوء هذه الأيام
عاكسةً الانقسام المزمن بين اللبنانيين على خلفية كتابة تاريخهم. وفي
الإطار نفسه يندرج «لبنان من خلال السينما» (2003) الذي يستعيد مشاهد من
أكثر من 50 فيلماً صوّرت في لبنان منذ الخمسينيات. رحلة تستعير مشاهد من
تلك الأفلام لتحاول إعادة كتابة تاريخ لبنان عبر الأفلام الروائية التي هي
أساساً متخيّلة. بعدها، عُرضت نتائج الورشة التي أقامتها Lieux Fictifs
في بيروت. هنا، تنوّعت زوايا الطرح في معالجة الأرشيف. اختار بعضهم تقديم
قصة حرب لبنان، أو رواية متخيلة عن «أهل الكتاب» أصحاب الأبجدية في بيبلوس.
أتى الطرحان محمّلين بشوفينية سطحيّة، أُسقطت على المواد البصريّة. فيما
تبقى الطروحات الأخرى أكثر جديّة في محاورة المواد المتوافرة، إما عبر
إضافة نفس شاعري، أو اللعب على إيحاءات جنسيّة ترافق مشاهد الطبيعة والحشود
في الشوارع. وهذه الأعمال أبرزت تفاعل العلاقة بين المونتاج والصورة
والصوت، وحمّلت الصورة معنى جديداً حسب كل فيلم. إنتاجات هذه الورشة ستقدّم
في معرض في مرسيليا سيقام عام 2013 بعنوان «صور في الذاكرة، صور في المرآة»
في إطار الاحتفال بـ«مرسيليا عاصمة الثقافة الأوروبية».
الأخبار اللبنانية في
12/03/2012
ميريل ستريب أقوى من تاتشر
«المرأة
الحديدية» من لحم ودمّ
زياد عبد الله
ركّزت فيليدا لويد على المسار الحميم لامرأة استثنائية. أرادت شريطها
بورتريه شخصياً لـ«حيوان» سياسي بالفطرة، والنتيجة مرور سريع على المنعطفات
التي شهدتها المرأة الوحيدة التي ترأست الحكومة البريطانية
ينتمي فيلم «المرأة الحديدية» إلى أفلام السير. إنه عن مارغريت تاتشر
فقط. ولعل مقاربة شخصية تاريخية أو فنية أو غير ذلك تتم بطرق متعددة، قد
تتمثّل إحداها في التركيز على حدث مفصلي في حياة الشخصية، والانطلاق منها
إلى الخلف أو الأمام، أو المضي أفقياً بالزمن من الطفولة إلى الشباب
فالكهولة والموت.
الأسلوب الذي قدم فيه فيلم «المرأة الحديدية» لفيليدا لويد (1957) في
ثاني تجاربها الإخراجية بعد «ماما ميا» (2008) لا يركز على حدث رئيس في
حياة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، بل على أحداث متفرقة. ينتقل الشريط
من حدث إلى آخر من دون مسارات زمنية محددة، مع أنه يبدأ من الحاضر ويعود
بالزمن إلى تاتشر المراهقة والشابة، ثم الزوجة والأم والناشطة السياسية،
وصولاً إلى دخولها مجلس العموم البريطاني بوصفها أول امرأة تنجح في
الانتخابات عن حزب المحافظين، إلى أن تتولّى رئاسة مجلس الوزراء البريطاني
لثلاث ولايات متتالية (1979 ــ 1990).
يمضي العمل كأنّه «فلاش باك» طويل يحتلّ مجمل زمن الفيلم لكن من دون
أن يفارق حاضر تاتشر و«محرّضات» الذاكرة عبر الاتكاء دوماً على ما تعيشه
تاتشر العجوز (ميريل ستريب) في ما يشبه العزلة. يُفتتح الفيلم بها وهي
تشتري الحليب من متجر كأي سيدة لندنية، بينما كل من حولها هم من المهاجرين،
ثم سيكون طيف زوجها دينس تاتشر (جيم برودبنت) حاضراً على الدوام. تحاوره
وهو يمارس في أحيان كثيرة ما يشبه «الكورس» في المسرح الإغريقي وهو يعلّق
ويتدخّل في كل شيء. إنه الشاهد والمعاصر لكل ما مرت به هذه السيدة التي
كانت المرأة الوحيدة التي ترأست حزب المحافظين من 1975 حتى 1990. إنه الرجل
الوحيد في حياتها الذي لم يدخلها من باب السياسة، بل من باب الحبّ، ولعله
بشكل أو آخر أجمل ما حدث لها.
في الفيلم، تعيش تاتشر الذاكرة فقط. لا شيء يحدث في يومها سوى هذا
الفعل. على سبيل المثال، ستضع شريط فيديو وتشاهد ابنها مارك صغيراً. ومن
خلال ما يحرّضه شريط الفيديو في ذاكرتها من طفولة مارك، نعود إلى حملتها
الانتخابية، واللحظة التي تقرر فيها المجيء إلى لندن وانتصارها على حزنها
الكبير لمفارقة ولديها، ثم دخولها البرلمان وهي المرأة الوحيدة بين مئات
الرجال. سيحدث كل ذلك ضمن مسار يلغي الزمان والمكان، وفي اتباع منطق الحلم.
هذه الحركية في الذاكرة، ستكون منطق الفيلم الرئيس، كما هو الزمن
السينمائي أصلاً، حيث الماضي والحاضر يمضيان في زمن حلمي. والنتيجة في فيلم
«المرأة الحديدية» الذي كتبته آبي مورغان، مرورٌ على كل ما شكّل حياة تاتشر
السياسية والعائلية، لكنّه مرور سريع ينقلنا من أزمة إلى أخرى، ومن
اضطرابات إلى أخرى تعصف بوزارتها التي تترأسها، مثلما هي الحال مع حرب جزر
الفوكلاند (1982) وإضرابات عمال مناجم الفحم (1985) من دون إيلاء أي أهمية
للأحداث التاريخية. التركيز فقط سيكون على شخصية تاتشر، والكيفية التي
تعاملت بها مع تلك الأحداث السياسية التي يمكن لكل واحد منها أن يستحق
فيلماً، خصوصاً أن تاتشر والرئيس الأميركي رونالد ريغان، كانا ولا يزالان
المؤسسين لسياسية اقتصادية نعيش نتائجها في أيامنا هذه. هكذا سيبدو قرار
تاتشر إرسال قوات انكليزية إلى جزر الفوكلاند ومحاربة الجيش الأرجنتيني
قراراً وطنياً خالصاً، وليس تصديراً للأزمات الداخلية التي كانت تعيشها
«المرأة الحديدية» وغير ذلك من تفاصيل لن يشغلنا عنها شيء سوى الأداء
المدهش لميريل ستريب وهي تجسد شخصيّة تاتشر، وقد نالت عنه ثالث الأوسكارات
في مسيرتها التمثيلية الاستثنائية.
الأخبار اللبنانية في
12/03/2012
مرآة هوليوود | سقطة سودربرغ
يزن الأشقر
ستيفن سودربرغ مكثر هذه الأيام. بعد إخراجه الفيلم الوثائقي «وكل شيء
يسير على ما يرام» (2010) عن فنان المونولوج سبالدينغ غراي، وفيلم الإثارة
«عدوى» (2011)، يقدم السينمائي الأميركي فيلمين هذا العام. الأوّل كوميديا
بعنوان «ماجيك مايك» تنطلق عروضها الصيف المقبل، والآخر شريط «آكشن» بعنوان
«هايواير»، عرض في الصالات أخيراً. في فيلمه الأخير، يسلك سودربرغ، طريقاً
مختلفاً عن أفلامه السابقة، متجهاً نحو سينما تجارية بحت.
في «هايواير» الذي ينتمي إلى فئة الإثارة الجاسوسية، تؤدّي لاعبة
الفنون القتالية المتقاعدة جينا كارانو دور مالوري كاين، وهي قاتلة محترفة،
تعمل في شركة خاصة، وتؤدّي المهمات بالنيابة عن الحكومات وأجهزة
الاستخبارات. بعد مواجهة حاول فيها زميلها آرون (تشانينغ تيتوم) إلقاء
القبض عليها في أحد مطاعم نيويورك، تفرّ البطلة. وأثناء فرارها في السيارة،
تروي لسكوت (مايكل أنغارانو) الزبون في المطعم، ما حصل معها قبل أسبوع.
تتكشّف خيوط القصّة شيئاً فشيئاً، ليتبيّن أن مالوري أرسلت في مهمّة لإنقاذ
أحد المخطوفين في برشلونة. كلّفها بالعمليّة رئيسها وصديقها السابق كينيث
(إيوان مكريغور)، بعد اجتماع مع العميل الحكومي كوبلنز (مايكل دوغلاس) ورجل
اتصاله رودريغو (أنطونيو بانديراس). بعد نجاح مهمّتها الإسبانيّة، تطير
مالوري إلى دبلن، بطلب من كينيث، لتتخفّى بثوب زوجة العميل البريطاني بول
(مايكل فاسبيندر). هناك يتضح أنّ المهمّة الأخيرة لم تكن إلا فخاً نصبه لها
كينيث، فتبدأ عمليّة مطاردتها، قبل أن تعود أدراجها إلى الولايات المتحدة،
لتحمي نفسها، وعائلتها، وتنتقم.
تبدو القصة مستهلكة إلى حدٍّ كبير. لكن يبدو أنّ صاحب «ترافيك» راهن على
إبعاد حبكته عن كليشيهات «الآكشن» التقليدية من خلال طاقم تمثيلي جيد،
باستثناء عدم فاعلية جينا كارانو كممثلة مقنعة. استطاع سودربرغ أن يضبط
إيقاع الفيلم بشكل متوازن، لكنّ هذا لم يكن كافياً ليخرج بشريط قويّ، بسبب
الحبكة الخاوية. إذا قارناه بأفلام جاسوسيّة أخرى مثل «مهمة مستحيلة»، تبقى
النتيجة لصالح سودربرغ من دون شكّ. لكن رغم كلّ شيء، لا يمكن مقارنة مع
الأسوأ، أن تبرر لسينمائيٍّ بمستوى سودربرغ هذه السقطة. بعد إنجازه أعمالاً
تركت بصمتها على مكتبة سينما المؤلّف المستقلّة، يطالعنا هنا بشريط إثارة
لا يحمل أي أصالة أو عمق.
الأخبار اللبنانية في
12/03/2012
هل السينما المصرية ضحية غزل الحكومة للإسلاميين؟
أحمد ناجي ـ القاهرة ـ مراجعة: أحمد حسو
يقول بعض السينمائيين إن السينما المصرية تتلقى ضربات قوية من عدة
أطراف في محاولة للتضييق على ما يصفونه بـ "حرية الإبداع". الفنانون وبعض
المثقفين أيضا دقوا ناقوس الخطر محذرين من أن تكون السينما ضحية للصراع
السياسي في مصر.
أجلت المحكمة المصرية النطق بالحكم في الجنحة رقم 10109 لسنة 2011 جنح
العجوزة، المقامة ضد الفنانين عادل إمام، لينين الرملي، شريف عرفة، نادر
جلال وآخرين، إلى يوم 26 أبريل 2012. وهي القضية التي رفعها محام يتهم
مجموعة كبيرة من الفنانين المصريين بازدراء الدين الإسلامي والسخرية من
النقاب والحجاب وأصحاب اللحى بصفتها رموز إسلامية وذلك في عدد من الأعمال
السينمائية والمسرحية التى قدموها منها مسرحية "الزعيم" وأفلام الإرهابي،
والإرهاب والكباب وكلها أعمال من بطولة النجم المعروف عادل إمام.
رقابة بأثر رجعي
الحكم في هذه القضية ينظر له الكثيرون بصفته حكما مفصليا في مستقبل
حرية الرأي والإبداع. فإذا استجابت المحكمة للدعوة وأدانت الفنانين سيفتح
هذا الحكم الباب لمحاسبة الفنانين على كل الأعمال السينمائية التى ظهرت في
العقود الأخيرة وجزء كبير منها كان موجهاً ضد المد الإسلامي والجماعات
الدينية المسلحة التى انتشرت في مصر في سنوات الثمانيات والتسعينات.
لكن ليست هذه هى القضية الوحيدة، فمؤخراً قامت إدارة مهرجان الأقصر
السينمائي برفض عرض الفيلم المصري "الخروج من القاهرة" بدعوى إساءته لسمعة
وصورة مصر. وتصاعد الموقف مؤخراً بعد رفض وزير الأوقاف المصري إعطاء تصاريح
بالتصوير داخل المساجد ذات الطابع الأثري وهو ما حدث مع الفيلم المصري "فرش
وغطا" الذي يخرجه أحمد عبد الله.
التصوير في المساجد مخالف للشريعة
مثل أى فيلم مصري فقبل التصوير حصل عبد الله على موافقة جهاز الرقابة
على المصنفات الفنية، كما حصل على موافقة وزارة الداخلية ليتسنى له التصوير
في شوارع القاهرة، لكن المفاجأة كما يروى عبد الله كانت في رفض مدير مكتب
وزير الأوقاف إنهاء الأوراق والسماح لهم بالتصوير داخل أحد المساجد. يقول
عبد الله لموقع DW عربية:
"فوجئنا أن مدير مكتب وزير الأوقاف يرفض إنهاء الأوراق، ويؤكد أن التصوير
في المساجد “مخالف للشريعة الإسلامية” وحينما سألناه إن كان هناك ما يراه
مخالفا للشرع في السيناريو عامة أو المشاهد المصورة في المسجد تحديدا، أجاب
أنه قرار نهائي يسري على أي فيلم سينمائي. وأن المساجد ليست مكانا للتصوير
على العموم".
يؤرخ فيلم أحمد عبد الله لثلاثة أيام من حياة سجين يهرب من محبسه
أثناء أحداث ثورة 25 يناير ويحدث أن يبيت ليلته الأولى في أحد المساجد ذات
الأضرحة، وطبقاً للقانون المصري فيجب على طاقم الفيلم أن يأخذ موافقة وزارة
الأوقاف لتصوير هذه المشاهد وهو أمر طبيعي وروتيني كان يحدث بشكل تلقائي
قبل الثورة حيث لدى الوزارة قائمة بأسعار التصوير داخل كل مسجد على حسب
قيمته المعمارية والتاريخية.
الأزمة تنتقل للبرلمان
المفاجأة الثانية كانت حينما ذهب مدير إنتاج الفيلم لمقابلة وزير
الأوقاف المصري لبحث الأمر معه حيث تواجد مع الوزير نائب برلماني عن حزب
الحرية والعدالة (إخوان)، وحينما أشار مدير الإنتاج إلى أن الكثير من
الأفلام عبر تاريخ السينما المصرية تصور في المساجد منذ “قنديل أم هاشم”
مرورا بـ “أرض الخوف” حتى “واحد من الناس”، فكان الرد حاضرا: “هذا كان قبل
الثورة.. الآن لم يعد هذا ممكناً” كما رفض الوزير منحهم أى ورقة رسمية لهذا
الرفض.
ظهور نائب حزب الحرية والعدالة في الصورة منح القضية أبعاداً سياسية،
حيث تقدم نصر الدين الزغبي النائب في مجلس الشعب عن تحالف الثورة مستمرة
بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء ووزير الثقافة ووزير الأوقاف للوقوف على أسباب
رفض الأخير منح تصاريح للتصوير داخل المساجد.
الفنانون: القرار إهانة للتراث الحضاري الإسلامي
أثار القرار موجة رفض واسعة داخل أوساط السينمائيين أيضا، إذ وصفه
المخرج محمد كامل القليوبي بأنه محاولة "مغازلة مكشوفة". وأضاف القليوبي:
"يتصور بعض العاملين في أجهزة الدولة أو الوزراء بأنهم بمثل هذه القرارات
التى تضييق على حرية الإبداع يكتسبون أرضية سياسية لدى تيارات الإسلام
السياسي، لكن على الطرف الآخر فالقرار يعد إهانة للتراث الحضاري الإسلامي".
ويتساءل القليوبي في حوار مع DW عربية:
"تمتلك مصر تراثاً معمارياً يمثل جوهرة المعمار الإسلامي فكيف نرفض عرض هذا
التراث الذي يعكس واحدا من إنجازات الحضارة الإسلامية".
وكانت لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة، التي تعد أحدى الجهات
الرسمية المسؤولة عن وضع السياسيات العامة لما يتعلق بالنشاط السينمائي
المصري، قد أصدرت بياناً أعلنت فيه استنكارها الشديد لمنع التصوير داخل
المساجد وقالت اللجنة في بيانها : "إن هذه المساجد الشامخة التي تعد من
عيون الفن الإسلامي.. ، ستُمنع من التصوير على يد كهنة جدد متطوعين وخارج
نطاق مؤسسة الأزهر التي هي المؤسسة الدينية المرجعية الوحيدة في هذا الشأن،
ونوع من المزايدة الرخيصة المتملقة في غير موضعها لتيار الإسلام السياسي في
مصر".
دويتشه فيله في
12/03/2012 |