بدأت النجمة الفرنسية فانيسا بارادي (39 سنة) مشوارها الفني وهي في الخامسة
عشرة من عمرها، بأغنية عنوانها «جو سائق التاكسي» لاقت نجاحاً عالمياً أطلق
صاحبتها إلى فضاء الفن الغنائي الاستعراضي، وعندما بلغت الثامنة عشرة اتجهت
بارادي إلى السينما متولية بطولة الفيلم الجريء «عرس أبيض» الذي ظهرت فيه
في لقطات جريئة جداً على رغم حداثة سنها مسببة القيل والقال لكنها فازت في
نهاية المطاف بجائزة «سيزار» (الجائزة الفرنسية المرادفة للأوسكار
الأميركية) كأفضل أمل للسينما الفرنسية.
وعبر الأغنيات والأدوار السينمائية المتتاليــة إلى جوار أكبر نجوم
السينما، صنعت بارادي لنفسها شهرة مميزة ووقفت أمام عدسات أكبر مجلات
الموضة في العالم، غير أن المبتكر كارل لاغرفيلد منحها لقب سفيرة عطر
«كوكو» الذي تطلقه دار «شانيل» وصورها في قفص تغرد مقلدة العصفور الفرحان
بالعطر.
ومضت الأيام، وبعدما عاشت النجمة الشابة علاقتين عاطفيتين مع كل من
المغنيين فلوران بانــي وليني كرافيتز، التقت النجم الهوليوودي جوني ديب
وارتبطت معه بعلاقة جدية مستمرة منذ حوالى 14 سنة أنجبت خلالها ابنة عمرها
حالياً 13 سنة وصبياً عمره عشر سنوات.
وتوقفت بارادي طيلة خمس سنوات عن أي نشاط فني مكرسة وقتها لعائلتها
الصغيرة، إلى أن قررت معاودة الغناء أولاً ثم التمثيل السينمائي عن طريق
فيلم رومانسي كوميدي جميل، مبني على طريقة الأفلام الأميركية الفكاهية،
عنوانه «محطم القلوب» تقاسمت بطولته مع الممثل الفرنسي رومان دوريس، ومن
إخراج باسكال شوميي.
وفي الوقت نفسه عادت بارادي إلى تمثيل دار «شانيل» خصوصاً مجموعة الحقائب
اليدوية التي أطلقتها تحت شعار «كوكو كوكون».
وتقيــم بارادي مع عائلتها بين هوليوود في الولايات المتحدة والجنوب
الفرنسي، وهي تقاضت عن فيلمها «محطم القلوب» أجراً قيمته 300 ألف يورو
إضافة إلى مليون يورو بمثابة حقوق مقدمة على نسبة الإيرادات.
لمناسبة العرض الافتتاحي لفيلمها الجديد الكندي الجنسية «كافيه دو فلور»
للمخرج جان مارك فاليه التقتها «الحياة» وحاورتها:
·
يأتي سحر فيلمك الجديد من كونه
يختلف جذرياً عن الأعمال الفرنسية ويشبه إلى حد ما في حبكته الأفلام
الهوليوودية، فهل لهذا السبب وافقت على المشاركة فيه؟
- نعم، فأنا وقعت في غرام السيناريو فور أن قرأته إذ تخيلت نفسي أقرأ حكاية
هوليوودية بحتة، وكون الفيلم كندياً قد يفسر هذا الاختلاف، لكن الشيء الذي
دفع بي فعلاً إلى قبول الدور هو اللقاء الذي دار بيني وبين المخرج جان مارك
فاليه إذ إنه عرف كيف يجذبني حينما فسر لي نظرته إلى طريقة تصوير الحبكة
والمواقف الدرامية فيها. وعندما شاهدت الفيلم في ما بعد، تأكدت أنني أحسنت
الخيار، وأود إضافة نقطة في شأن شريكي في بطولة الفيلم، الممثل الكندي
كيفين باران، فهو فنان درامي من الدرجة الأولى وهذا ما سيكتشفه الجمهور
المعتاد رؤيته في أفلام فكاهية أساساً.
·
حدثينا عن هذا الفيلم؟
- أنه يروي حكاية أم ألعب أنا دورها، ابنها مصاب بعاهة عقلية مستديمة وهي
تكرس حياتها من أجل أن تؤمن له حياة طبيعية بقدر المستطاع، وبالتالي تضحي
بالكثير في سبيله خصوصاً أنها تربيه وحدها. وفي الوقت ذاته يسرد السيناريو
قصة موازية لشاب عشريني فقد أمه حديثاً ويروي لحبيبته كيف فعلت أمه كل شيء
من أجل أن يتحول من صبي يعاني من مشاكل كبيرة إلى رجل قادر على خوض حياة
طبيعية. وعلى المتفرج أن يربط بين الحكايتين ويستنتج إذا كانت الحبكة واحدة
أم إذا كان هناك فقط تشابهات معينة بين موضوعين مختلفين.
·
ماذا عن فيلم «دبي فلامينغو»
الذي تظهرين فيه والمصور في دبي؟
- سينزل إلى صالات السينما العالمية قريباً. وأمثل فيه شخصية امرأة شابة
تتعرف في دبي إلى رجل فقد رشده إثر فقدانه زوجته وتساعده في مهمته الخاصة
بالعثور عليها.
·
هل أعجبتك دبي؟
- نعم إلى حد كبير جداً، فأنا قضيت فترة تصوير الفيلم في جو من المرح
والدفء الإنساني وتمتعت بتذوق مأكولات لذيذة جداً. كنا سعداء جداً أنا
والممثل سيرجي لوبيز شريكي في بطولة الفيلم، والمخرجة ديلفين كرويتر وجميع
أفراد الفريق.
·
ما الذي دفع بك حديثاً إلى
معاودة العمل الفني في السينما وأيضاً الغناء، بعد اعتزال دام أكثر من خمس
سنوات متتالية؟
- أولادي لم يعودوا صغاراً، وهذا هو المبرر الأساسي لمعاودتي الاهتمام
بمهنتي الفنية. لقد كرست السنوات الأولى من حياتي العائلية للاهتمام بشريك
حياتي وللإنجاب ثم لتربية ابنتنا أنا وجوني (ديب)، ثم ابننا الأصغر منها
بثلاثة أعوام. لكنني لم أفكر إطلاقاً في الاعتزال النهائي على رغم الإشاعات
الكاذبة التي قرأتها في الصحف.
روبين هود
·
ما هو لونك المفضل في السينما؟
-أنا مولعة بأفلام الحب الدرامية التي تنتهي بطريقة مأسوية مسيلة للدموع،
وكذلك بالأعمال القديمة المبنية على الفروسية حيث كان البطل الشجاع، حال
روبين هود مثلاً، يخطف حبيبته فوق حصانه الأبيض في النهاية وينقذها من أيدي
الأشرار.
·
كيف تفسرين استمرارك في الساحة
الفنية علماً أن العدد الأكبر من النجوم المراهقين، وأنت منهم بما أنك بدأت
في الرابعة عشرة من عمرك، يختفي بعد بلوغهم الثامنة عشرة؟
- الفضل في بقائي يعود إلى حد كبير لعائلتي وللاتــــزان الكبيــــر الذي
يسودها، فأنا أتممــــت تعليمي المدرسي في ظروف عادية رغم شهــرتي كمراهقة،
ولم أقدر على فرض نزواتي في البيت وإلا عوقبت بصرامة. لقد تلقيــــت
المعاملة نفسها لأي فتاة عادية علماً أن المـــراهق النجم غالباً ما يدلل
أكثر من غيره، فمن ناحيتي لم أعرف معنى التمادي في التصرفات أو تبذير المال
أو البقاء خارج المنزل مع شلة الأصدقاء حتى ساعة متأخرة من الليل ووجدت
نفسي في بعض الحالات محرومة من مزايا استفادت منها أختي الصغيرة أليسون
لمجــــرد إنني كنت معروفة وهي لا في ذلك الحين. لقد شعرت بالظلم في أحيان
كثيرة وأدركت مع مرور الوقت ومع تقدمي في العمر أن تصرفات أهلي كانت تهدف
إلى حمايتي من السقوط في فخ أصدقاء السوء وتعاطي الكحول والمخدرات مثلما
يحدث مع النجوم الصغار حال ماكولي كالكين ودرو باريمور، علماً أن الأخيرة
ذاقت العذاب المر قبل أن تكسر الإطار المحيط بها وتتحول إلى شابة متزنة،
فأنا أقدرها وأحييها على شجاعتها وقوة إرادتها.
·
هل ستوافقين على احتراف ابنتك أو
ابنك الفن منذ سن المراهقة مثلك؟
- هذا سؤال حساس أواجهه أيضاً مع (زوجي) جوني (ديب) بين حين وآخر ولا أعرف
كيف أرد عليه فهو يسبب لي اضطراباً أكثر من أي شيء أخر.
·
لماذا؟
- لأنني لست متأكدة من قدرتي على نقل التربية الصالحة التي تلقيتها إلى
أولادي وبالتالي لا أعرف كيف سأواجه موضوع نجومية ابنتي مثلاً إذا حدث أن
اختارت احتراف الفن ونجحت.
سطحي أو رخيص
·
كيف واجهت عائلتك اللقطات
الجريئة التي ظهرت فيها وأنت بعد في الثامنة عشرة؟
- أؤكد لك إنني من الممثلات النادرات اللاتي يرفضن في شكل شبه دوري الظهور
في لقطات جريئة وأتحدى أي متفرج يقدر على ذكر عنوان فيلم سطحي أو رخيص مثلت
فيه.
·
لم أتكلم عن أفلام سطحية أو
رخيصة بل عن لقطات محددة في أفلام جيدة وقوية مثل «عرس أبيض»؟
- كل ما فعلته في هذا الفيلم هو التمثيل مجردة من بعض ثيابي وجالسة فوق
فراش في لقطة قصيرة. ولا أتذكر أن الموضوع سبب ضجة في البيت العائلي
بالمرة.
·
من تفضلين من نجوم هوليوود غير
جوني ديب بطبيعة الحال؟
- أنني مولعة بمشاهير أيام زمان. وفي قائمة الرجال أشعر بحنان خاص جداً
تجاه عمر الشريف لأنني قرأت عنه العديد من المقالات الجادة وبالتالي صرت
ملمة بمشواره مع السينما منذ بدايته في مصر إلى إقامته هنا في باريس مروراً
بنجوميته الهوليوودية والعالمية المرموقة. لقد ترك بصماته فوق عاصمة
السينما العالمية وتحول أسطورة حية مثلما أن النساء يعشقن صحبته ويحلمن
بحكاية عاطفية معه. وأنا شخصياً أجده في قمة الجاذبية مع أنه في الثمانين.
·
لكنك لا تتكلمين عنه وكأنه من
مشاهير أيام زمان؟
- أقصد أنه بدأ مشواره الفني في منتصف القرن الماضي حتى لو كانت نجوميته لا
تزال في محلها تقريباً.
·
ألا يعجبك براد بيت مثلاً؟
- آسفة ولكنه لا يناسب ذوقي وأتركه لحبيبته أنجلينا جولي.
·
ومن هن نجماتك المفضلات؟
- ميريل ستريب وغلين كلوز وشارليز ثيرون ثم نجمات القرن العشرين أيضاً حال
أفا غاردنر وديبورا كير وريتا هيوارث ومارلين ديتريش ومارلين مونرو بطبيعة
الحال.
·
ماذا عن علاقتك بدار شانيل؟
- هناك علاقة ودية مبنية على الإخلاص المتبادل بيني وبين كارل لاغرفيلد،
وهو لقبني سفيرة عطر «كوكو» في الماضي، قبل أن يعود إلى التفكير فيّ من أجل
أن أمثل أحمر الشفاه ثم الحقائب اليدوية التي تصنعها الدار وآخرها «كوكو
كوكون». أنا سعيدة بهذه العلاقة إلى أبعد حد لأنني أشعر بانتمائي الفعلي
إلى الدار أكثر من كوني مجرد ضيفة موقته عند لاغرفيلد.
الحياة اللندنية في
02/03/2012
من الحماسة إلى البوصلة
إبراهيم العريس (مقتطفات من مداخلة في الندوة الختامية)
لم يدرس المخرج الأميركي الكبير ستانلي كوبريك، الراحل قبل أكثر من عقد من
السنين، السينما في أية جامعة أو مدرسة مختصة، كذلك لم يفعل ألفريد هتشكوك
أو تشارلي تشابلن ذلك، ولا فعله انغمار برغمان أو صلاح أبو سيف أو جان -
لوك غودار... وعشرات غيرهم من كبار المبدعين في تاريخ الفن السابع، ويمكن
هذه اللائحة أن تطول. وفي المقابل كانت الدراسة في الجامعات والمعاهد
السينمائية الخلفية التي رسمت المسار الفني لعدد كبير آخر من المخرجين وغير
المخرجين. فيوسف شاهين وخالد الصديق ومارتن سكورسيزي وجيل سبعينات القرن
العشرين وعدد كبير ممن تلاهم من مبدعي السينما العرب وغير العرب، مرّوا
بالدراسة السينمائية، إخراجاً وغير إخراج، قبل أن يقفوا وراء الكاميرا
ليحققوا أفلامهم. والحقيقة أنني لم أشر إلى هذا إلا كي أقول – من ناحية
مبدئية - إن الإبداع السينمائي لا يحتاج بالضرورة إلى أن يمرّ بالدراسة
الأكاديمية كي يتجسّد. ولكن مهلاً هنا... فأنا لا أحاول أبداً أن أقول إن
الدراسة السينمائية يمكن الاستغناء عنها. ما أحاوله هو الانطلاق من حديث
التجربة الملموسة لمئات المبدعين في هذا المجال الذي نحن في صدد الحديث عنه
هنا، كي أصل إلى موضوعنا الذي نعالجه. وموضوعنا هو طبعاً: أثر غياب المدارس
السينمائية في الحالة شبه السلبية نسبياً التي تعيشها السينما في بلدان
مجلس التعاون لدول الخليج العربي. ومهما يكن من أمر، فأنا أتطلع هنا إلى أن
أقلب السؤال بتغيير صيغته فأجعل عنوان مداخلتي: الأثر الذي يمكن أن يكون
لوجود المدارس السينمائية في هذه المنطقة من العالم... لكنني سأبدأ تقديم
إجابتي في شكل موارب...
واقع السينما الملموس
ولعل من المفيد أن أبدأ في الحديث من واقع بات لا بد من الإقرار به وهو
حتمية وجود السينما بصفتها ترجمة بالصور المتحركة للأفكار والحكايات
والصور... انطلاقاً إما من رؤى تخص المبدع نفسه أو من مواضيع يعثر عليها من
حوله في الحياة أو صور يشاهدها... فالحال أن من يهتم بالسينما في زمننا
المزدهر بالصور هذا، يدرك تماماً أن في إمكان الفن السينمائي أن ينهل من أي
مكان وكلّ مكان عبر مرشّح أساسي هو رؤية الفنان المبدع... حيث نعرف أن
الفيلم – ومهما كان من شأن طوله ونوعيته – ينطلق دائماً من هنا، من صور من
أفكار من رؤى فردية الطابع سرعان ما تتحول إلى لقطات ومشاهد... في اختصار،
إلى فيلم تبدأ حياته العامة الحقيقية منذ أن يكتمل على شريطه (أو أسطوانته
المدمجة... أو في أي شكل آخر تحققه التقنيات). ونعرف أن رحلة الفيلم منذ
اللحظة التي يكون فيها مجرد فكرة أو صورة أو رؤية في ذهن صاحبه... إلى
اللحظة التي يكتمل فيها حضوره على شاشة ما، ليست رحلة بسيطة كحال القصيدة
أو اللوحة التشكيلية أو حتى الرواية وما شابه ذلك... فنحن هنا أمام مسار
شديد التعقيد والاتساع... أمام رحلة تشمل الكثير من الفنون والتقنيات، ولا
تعود مجرد إبداع فردي يتكل فقط تقريباً على ملكة الإبداع (...)
طبعا، لا يمكن القول هنا إن هذا كلّه – ناهيك بطبيعة الإنتاج السينمائي
كصناعة آلية وتجارة محلية وعالمية أيضاً – سيخطر بالضرورة على بال المبدع
وهو يفكر في صنع فيلم جديد له... ثم حين يخطّ أفكاره الأولى على الورق...
لكنه يخطر في أغلب الأحيان. غير أن الأهم من هذا هو أن تحديد تلك الخطوط
ليس في حاجة إلى أن يكون صاحب التحديد قد درس في جامعة أو معهد... هو عند
ذلك يكون أشبه بالشاعر أو القصاص أو حتى الناقد معتمداً في عمله على موهبة
ما، كما على معارف عامة وما أشبه. ومن هنا، تلك الحقائق التي بدأت بها هذا
الكلام من أن ثمة مبدعين سينمائيين كباراً درسوا السينما في المعاهد وآخرين
لم يفعلوا... ولكن الحال ستختلف إلى حد كبير منذ اللحظة التي تبدأ الأفكار
بالتحوّل من الورق وأعماق الفكر والذاكرة والرغبات الإبداعية إلى عالم
الشريط السينمائي (...).
نحن إذاً هنا أمام عالم شديد التشعّب والتنوع يضعنا في مكان بعيد جداً عن
المكان الإبداعي الفردي الذي كنا نرى المبدع الفرد يقطف فيه ثمار موهبته
ومعرفته وحبه للسينما. لقد قلنا أعلاه إن أولى الثمار ليس عليها أن تكون
أكاديمية الطابع عند الخطوات الأولى... غير أن هذا الكلام سيبدو لنا عند
هذا المستوى من الحكي خدّاعاً... وذلك لأنه ليس صحيحاً أبداً أن المبدع
السينمائي سيكون – من حيث المعرفة – أشبه باللوح الأبيض حين يبدأ التفكير
بمشروعه. المبدع هو في نهاية الأمر خلّاق ينتقل من المعلومات إلى المعرفة
ومن ثمّ إلى الإنتاج الإبداعي، غير أن المعلومات والمعارف التي يكون في
حاجة إليها لا تكون بالضرورة على علاقة بالدراسة السينمائية التقنية في حد
ذاتها. عند المستوى الأول هو في حاجة إلى مستوى علمي ودراسي يماثل ما قد
يكون الشاعر الحقيقي المثقّف أو الروائي أو حتى الرسام في حاجة إليه.
وطبعاً لا يلغي هذا الكلام خصوصية السينما ولا يحاول أن يقول إن كبار
مبدعيها، من الذين درسوها في المعاهد والجامعات أضاعوا وقتهم في تلك
الدراسة. لعل ما نقوله هنا هو أن الدراسة الأكاديمية لا تصنع مبدعين
كباراً... أما هذه الدراسة فإنها تكون إضافة حقيقية إلى الموهبة. ومع هذا
لا بد لنا من التنبيه إلى أن المبدعين «العصاميين» أكاديمياً، لا يأتون من
فراغ. إنهم في معظم الأحيان يأتون – إضافة إلى الموهبة كممرّ رئيسي
لتحولّهم إلى صانعين كبار للسينما – من إحدى المهن الإبداعية التي تصبّ هنا
في العالم السينمائي: بعضعهم يأتي من التصوير الفوتوغرافي (ستانلي كوبريك
مثلاً) بعضهم يأتي من الإخراج المسرحي (انغمار برغمان مثلاً) بعضهم يأتي من
التمثيل (يوسف شاهين درس التمثيل لا الإخراج في معهد باسادينا الأميركي)
بعضهم يأتي من الكتابة الأدبية (جان كوكتو بين آخرين)... والبعض من الفن
التشكيلي (جوليان شنيبل وبيتر غراناواي مثلاً) وهناك من يأتي حتى من الشعر
(مثل بيار باولو بازوليني ومواطنه الإيطالي برناردو برتولوتشي) ناهيك عن
الذين يأتون من الصحافة والسيرك... أما الغالبية العظمى فتأتي عادة من
المهن السينمائية في تدرّج متصاعد (عدد كبير من مخرجي مصر المعاصرين أتى من
العمل كمساعدين ليوسف شاهين أو صلاح أبو سيف وهذا الأخير أتى من غرفة
المونتاج في وقت أتى رمسيس رزوق مثلاً من التصوير السينمائي فيما أتى جان -
لوك غودار وفرانسوا تروفو وكلود شابرول من النقد)... أما بدءاً من نهاية
خمسينات القرن العشرين فقد أتى العشرات من المخرجين من عالم التلفزيون
لتأتي لاحقاً حقبات تتزايد فيها الهجرة المعاكسة من السينما نفسها إلى
التلفزيون...
قواسم مشتركة
على أي حال وكي لا نضيّع طريقنا لا بد من العودة هنا إلى السياق الذي
يهمنا، لنقول إن ثمة قاسماً مشتركاً بين كل ما ذكرنا وبين مئات مبدعي
السينما الآخرين – أي الذين تلقوا الدراسة السينمائية في المعاهد والجامعات
- هو أنهم جميعاً ولا سيما بعد انقضاء العقود الأولى من عمر السينما... أي
بعد زمن الفهلوة والبدايات، إنما يكمن – يتشاركون في ذلك القاسم المشترك -
في أن كل هؤلاء إنما أتوا في سياق تواصل لتقاليد سينمائية باتت مع الزمن
عريقة. بل وأكثر من هذا أتوا كاستمرار لنهضة بصرية مندمجة في نهضة علمية
تتواصل منذ قرون لا منذ عقود فقط. ومن هنا فإن تكوّن أصحاب الفنون المركّبة
(والسينما واحدة منها)، يأتي طبيعياً في مجتمعات نشأت على التفاعل مع
التراث السينمائي والمسرحي الموجود منذ أزمان سحيقة، بالفعل ومع تقاليد
بصرية تجعل من العمران والتفاعل مع الفن التشكيلي والمفاهيم المدنية وصولاً
إلى العلوم المتنوعة والتحليل النفسي بل حتى مفاهيم كالحرية والفردية
والتحليل النفسي وصراع الأجيال ومساءلة التاريخ، جزءاً من الحياة اليومية
للفرد سواء كان مبدعاً أو إنسانا عادياً... فما بالك هنا بالتقنيات
المتراكمة والتبادل في الخبرات وما إلى ذلك؟
إنه لمن المحزن بالطبع أن نقرّ هنا أن أشياء كثيرة من هذا كله لا تبدو كجزء
من تقاليدنا وتاريخنا... على الأقل لعقود قليلة منصرمة... في معنى أن
الإنسان العربي يبدو، وهو يدخل معمعة هذه الفنون والعلوم الأكثر حداثة في
التاريخ الإنساني، يبدو قليل العدة والعتاد غير مزود بما يحتاجه حقاً من
أسلحة كي يكون وجوده فيها صحيحاً وندّاً لند مع إنسان الخارج... ومع هذا
يمكن القول اليوم إن ثمة تفاوتاً بين مجتمعات عربية وأخرى في هذا السياق...
فمصر مثلاً باتت ذات تقاليد راسخة في مجال قيام علاقة صحيحة مع الفن الذي
نتحدث عنه، وتحديداً من خلال تراكم الإنتاجات على مدى ما يقترب من تسعين
عاماً. وفي المغرب وتونس خُلق تراكم مشابه من طريق عمل أفراد كثر في تصوير
أفلام غربية حققت في البلدين... ولبنان وفلسطين يملكان الآن مبدعين
سينمائيين تخرجوا في معاهد أجنبية... أما البلدان الخليجية – وهي، كما
تعرفون الموضوع الأساس لكلامنا هنا - فإنها في خضمّ رغبات عامة ومشروعة
للوصول إلى نهضة سينمائية، تبدو أحوج ما تكون في هذا السياق إلى الاتكاء
حقاً على مبدعين وطواقم عمل، تتوافر لها مؤسسات تعليمية وتدريبية، يستوي في
ذلك الذين يريدون أن يصبحوا مخرجين والآخرون الذين قد يفضلون مهناً
سينمائية أخرى. فالحال أنه لا مناص للخليجيين من أن يحرقوا المراحل... ولعل
في وسعنا أن نقول إن العدد المتواضع من الأفلام التي حققها مبدعون خليجيون
يشي حقاً: أولاً، بأن هناك سينما خليجية تستحق أن توجد. ثانياً، أن ما تحقق
حتى الآن يحمل وعوداً كبيرة واحتمالات مستقبلية أكبر. ثالثا، أن الرغبة في
حرق المراحل مشروعة تماما (...)
رغبات مشروعة
في اعتقادنا أن غياب التقاليد المعرفية والبصرية حتى العقود الأخيرة يفرض
عند زمن البدايات هذا، تكثيف عقود بل قرون من المعرفة في سنوات قليلة...
ونحن بعدما سرّبنا في ثنايا كلامنا هنا، أهمية الثقافة المعرفية في صنع
سينما حقيقية تتلاءم مع الطموحات البيّنة، وأهمية أن يولد تكثيف حقيقيّ في
هذا المجال... ولأن هذا التكثيف لم يعد قادراً على التحقّق من خلال العمل
المتراكم الذي سيحتاج إلى عقود طويلة قبل أن يكتمل ويتحول إبداعاً حقيقياً،
تُطرح أمامنا بقوة حاجة الرغبات الخليجية السينمائية إلى مدارس ومعاهد
وجامعات تكون مهمتها الأساسية، ليس فقط تعليم السينما وفنونها وتقنياتها
عبر برامج مكثفة، بل كذلك وفي شكل خاصّ تدريس برامج أكثر تكثيفاً تتعلق
بالكثير من الفنون والعلوم والآداب المتعلقة بالإبداع السينمائي وإنما
تنتمي إلى ذلك النوع من العلوم والفنون التي قد لا يجد الدارس الغربي نفسه
في حاجة إليه طالما أنها تشكل عنده جزءاً من التقليد التعليمي العادي، من
علم النفس إلى تاريخ الفنون والآداب مروراً بقواعد الفن التشكيلي وعلم
اجتماع الفنون ودراسة علم التشريح. وعشرات غيرها من المواضيع... ومن الواضح
هنا أننا أمام مهمات بالغة الصعوبة... ومع هذا ينبغي ألا يغرب عن بالنا أن
هذا كله إنما يبعث على عدم الاستخفاف المعهود إزاء هذا الفن الذي ننسى
دائماً أنه الفن الأخطر من بين الفنون كافة لأنه الفن الأكثر تأثيراً في
الناس في القرن العشرين وسيظل هكذا في القرون التي تليه. ففن القول من طريق
الصورة المتحركة سواء كان هذا القول من طريق الشرائط الوثائقية أو من طريق
أفلام التحريك، وطبعاً من خلال السينما الروائية، هذا القول خلق – كما يؤكد
عدد كبير من علماء الاجتماع في العالم كله - تلك «الطبيعة الثانية» التي
تجعل من الإنسان السينمائي شيئاً آخر تماماً – في المعرفة والوعي والإبداع
– مختلفاً عن الإنسان الذي لا تزوره السينما ونعماها إلا في شكل عابر.
الحياة اللندنية في
02/03/2012
أفلام وروّاد و... بحث عن جمهور
الدوحة - «الحياة»
كان لا بد لهذا أن يحدث يوماً...كان لا بد أن يكون لبلدان مجلس التعاون،
مهرجان سينمائي يقام مداورة عاماً بعد عام في بلد خليجيّ مختلف. وكانت
الدورة الأولى في قطر. وهذه الدورة اختتمت أول من امس بندوة مهمة تناولت
عبر مجموعة من الدراسات والمداخلات بعض اهم الشؤون المتعلقة بالفن السابع
وحضوره في هذه البلدان.
ولقد أتت الندوة في اليوم الأخير لتتوّج نشاطات تنوّعت بين عروض للأفلام
بشتى أنواعها من الروائي إلى التسجيلي، وتكريمات طاولت عدداً من الرواد
الذين كانت لهم أياد بيضاء آن وقت الاعتراف بها في بلدان لا تزال قضية
السينما فيها قضية متأرجحة بعض الشيء. وكان من أبرز المكرمين المؤسس خالد
الصديق، وصاحب الفيلم السعودي الأول عبد الله المحيسن - كرّم في غيابه -،
والرائد العماني خالد الزردجالي، والناقد الإماراتي المعروف مسعود أمر
الله، والفنان البحريني عبد الله السعداوي...
ولقد كانت لقاءات وذكريات مميّزة في لقاءات مع هؤلاء المبدعين أضفت على
سهرات المهرجان لمسات أليفة...وأتت هذه اللمسات لتطبع بروح ثقافية لافتة،
أمسيات تخللهـــا أيضاً ندوات تطبيقية حول ابرز الأفلام المعروضة أدارها -
في لقاءات مباشرة بين المبدعين والجمهور- عدد من النقاد المعروفين من
البلدان الخليجية وكذلك من مصر ولبنان...وهنا من دون أن نتوقف طويلاً عند
ما يسمّى عادة بأخطاء البدايات، لا بد من إشارة أولى إلى أن من ابرز
النواقص كان اقتصار الحضور «الجماهيري» على أعداد محدودة من المثقفين
والمهتمين وبعض السفراء والرسميين، ما طرح مسألة اجتذاب جمهور عريض في
الدورات المقبلة على بساط البحث...ومن هنا انطلق سؤال أساسي: لماذا لا يصار
في الدورات المقبلة توزيع دعوات الحضور على الطلاب والجمعيات مع إعلان
مسابقات حول الأفلام في ما بينهم مع حوافز وما يشبه ذلك؟
مهما يكن من أمر من الواضح أن وزارة الثقافة القطرية، منظمة هذه الدورة
الأولى، نجحت في هذا الرهان الجديد لمجلس التعاون جاعلة السينما جزءاً
أساسياً من الحياة الثقافية ما يطلق وعوداً مستقبلية مدهشة ومفاجئة...ولا
سيما عبر طروحات الندوة الختامية التي نستعرض هنا واحدة منها تطاول قضية
السينما وضرورة تحويلها مادة تعليمية في بلدان الخليج العربي.
الحياة اللندنية في
02/03/2012
مدارس
إبراهيم العريس
في واحد من النشاطات الأكثر اهمية التي تشكّل تميّز مهرجان افلام مجلس
التعاون الخليجي المقام هذه الأيام في الدوحة في قطر، سجال ومداخلات من حول
الدور الذي يمكن ان تلعبه المدارس السينمائية في المستقبل المنشود لأية
سينما خليجية تريد ان تنمو وتزدهر. في المقام الأول، لا بد من الثناء على
هذه المبادرة التي تربط مستقبل الفن السابع في بلدان بالكاد كان فيها تاريخ
حقيقي لهذا الفن، بضرورات علمية وتعليمية لا شك في ان الندوة المخصصة لذلك
ستركّز عليها.
موضوعنا هنا ليس هذه الندوة بالطبع وليس ما ستصل اليه من نتائج. موضوعنا
هنا يقترب مواربة من هذا الموضوع ليطرح سؤالاً للمناسبة: اذا كانت السينما
التي بالكاد تتجسد في دزينة من الأفلام الطويلة وأكثر من هذا قليلاً من
الأفلام القصيرة في هذه البلدان، ويعرف انتاجها ضموراً خطيراً في بقية
البلدان العربية في شكل عام، تحظى بمثل هذا الاهتمام وهي التي بالكاد تصل
الى جمهور عربي، أفلا يستحق «أخوها» التلفزيون لفتة او لفتات من هذا النوع؟
وطبعاً نحن لسنا هنا في حاجة الى تكرار الأسطوانة المعهودة من حول وجود
التلفزيون، محطات ارضية وفضائيات في الحياة العربية ومن حول واقع ان مشاهدة
الشاشات الصغيرة باتت خبزاً يومياً لعشرات الملايين من المواطنين العرب في
زحام يفوق ايّ تصوّر، ومع هذا يحار المرء حين يجد نفسه متسائلاً: من اين
يأتي هؤلاء الناس الذين يقدمون للملايين هذا الغذاء اليومي بغثّه وسمينه؟
من علّمهم؟ من درّبهم؟ كيف دخلوا عالم التلفزة وبأية افكار او قيم وتقنيات
او فنون تزودوا؟
ونحن هنا في الحقيقة لا نتحدث عن صحافيي التلفزيون الذين ربما يكونون أتوا
من معاهد الصحافة او من التجارب العملية نفسها، ولا نتحدث طبعاً عن الضيوف
او الممثلين... وربما ليس تماماً عن التقنيين وما شابههم، بل نتحدث عن اهل
التلفزة بصورة عامة كأناس امتهنوا فنون هذه التلفزة وفنون اتخاذ القرار في
عوالمها. نتحدث عن التلفزيونيين بوصفهم اصحاب عالم باتت له قضاياه
وخصوصياته التي تربط الفكر بالتقنية، والفن بالصناعة، والأيديولوجيا
بالتجارة وما الى ذلك... صحيح ان القائمين على هذه الأمور يؤدون اعمالهم
بأشكال لا غبار عليها وربما تتفاوت احياناً في مستوياتها... لكنها في شكل
عام تفي بالغرض منها. غير ان الواقع يقول لنا ان معظمهم اتى من آفاق وفنون
سابقة الوجود على ازدهار التلفزة وكان في امكانها ان تخرّج اهل تلفزيون
جيّدين. وهذا امر حسن طبعاً... ومع هذا نعتقد ان الوقت قد حان للاهتمام
بإقامة معاهد لتخريج اجيال جديدة من اهل التلفزيون تضاف الى القليل
والمتواضع – نسبياً – الموجود حالياً. فنحن نعرف جميعاً ان الإعلام المصوّر
يتوسع حضوراً بشكل مدهش بحيث ان «الفهلوة» لم تعد كافية لتكون مواكبة لهذا
التوسع فيما نعرف ان المؤسسات القليلة المعنية بهذا ليست كافية بأي حال.
المطلوب الآن اخذ العبرة من السينما والاهتمام الجدي والجماعي بـ «دراسة
التلفزيون» علمياً ونظرياً وعملياً وتاريخياً... في انتظار توسّع رقعة
حضوره وبالتالي احتياجه اجيالاً متتالية تأتي من علم التلفزة لا من ايّ من
العلوم الأخرى.
الحياة اللندنية في
02/03/2012 |