تجارة الجسد أقدم مهنة في التاريخ، وهي تجارة تعتمد في المقام الأول علي
جسد المرأة التي يطلقون عليها أسماء متعددة الكثير منها غير مهذب والمقبول
تداوله أنها بائعة هوي، أو عاهرة وهي تبيع جسدها لراغبي المتعة "الجنسية"
الحرام لمدة زمنية محددة مُقابل أجر، يقتسمه معها الوسيط، والغريب أن هذه
التجارة تنتشر في البلدان المُنتعشه اقتصادياً، التي تؤمن بالحرية الشخصية
بلاقيود ومنها الحرية الجنسية، كما تنتشر في البلدان الفقيرة، التي تمارس
كل ألوان القهر علي مواطنيها" السياسي والديني والشخصي"، وطرفي العلاقة
امرأة في حاجة للمال، ولاتجد سبيلاً للرزق غير المُتاجرة بجسدها، ورجل يريد
ان يفرغ طاقته الجنسية بشكل عابر، وهو في الغالب يعاني أزمات نفسية
وانحرافا سلوكيا، يمنعه من إقامه علاقة طبيعية في إطار مشروع! وقد اهتم
الأدباء والفنانون بشخصية العاهرة، وقدموها في عشرات بل مئات الأعمال
الفنية والادبية، في محاولة للغوص في الظروف القهرية التي تدفع المرأة إلي
إهانة جسدها، والحط من قيمة نفسها، وقد مالت معظم المعالجات الفنية إلي
التعاطف مع هذه النوعية من النساء علي اعتبار أن ظروفاً قهرية هي التي
دفعتهن إلي ذلك، ومن أشهر الأعمال الأدبية العالمية التي تناولت شخصية
العاهرة، غادة الكاميليا لالكسندر دوماس، والمومس الفاضلة "جان بول سارتر".
وفي أدبنا العربي قدم نجيب محفوظ شخصية العاهرة في اكثر من رواية كان
أشهرها "نفيسة" في بداية ونهاية، و"ريري" في السمان والخريف، أما السينما
فقد تعاملت مع نموذج المرأة العاهرة في أفلام عدة تفاوت مستواها بين الفني
الراقي الذي يقدم الحالة بدون ابتذال، وبين الفجاجة المُفرطة التي تكاد
تتشابه مع العهر نفسه، وللسينما المصرية باع كبير مع تلك النوعية من
الأفلام وكانت الميلودراما هي الإطار السائد لمعظمها، وربما يكون المخرج
حسن الامام صاحب ريادة في تقديم تلك الافلام واشهرها فيلم الجسد الذي قدم
من خلاله الفنانة الراحلة هند رستم، وإن كانت افلامه لا تخلو من موعظة
أخلاقية تؤكد أن النهاية "السودة"، هي النتاج الطبيعي" للمشي البطال"،
ولكنه لم يهتم في افلامه برصد الظروف الاجتماعية والسياسية التي تؤدي إلي
انتشار تجارة الجسد في مجتمع ما، غير أن الراحل صلاح ابو سيف من خلال
تعامله مع روايات نجيب محفوظ كان أكثر عمقاً وحرفية، وفي واحد من أروع
أفلامه "القاهرة ثلاثين" عقد مقارنة موضوعية بين تجارة الجسد ، وتجارة
المبادئ من خلال شخصية "إحسان" التي قدمتها سعاد حسني، وشخصية محجوب
عبدالدايم "حمدي أحمد". وفي هذا الفيلم يصعب أن تدين سلوك إحسان، دون أن
تدين المجتمع نفسه الذي أفرز تلك الشخصية، وحول فتاة جميلة وبرئية إلي
امرأة تبيع جسدها لرجل ثري مقابل أن تتمتع بحياة مرفهة تنقذها وأسرتها من
الفقر المُدقع! ويختلف أداء كل ممثلة لشخصية بائعة الهوي، باختلاف ثقافتها
ودرجة وعيها وموهبتها ، فمن تفتقد الموهبة تعبر عن الشخصية بفجاجة وقحة
تؤدي للتقزز والقرف، والعكس صحيح، فهناك ممثلات قديرات لعبن تلك الشخصية
بدون اي ابتذال، ولاتملك إلا أن تتعاطف مع شخصية نفيسة كما قدمتها القديرة
سناء جميل في بداية ونهاية، أما فاتن حمامة فقد قدمت تلك الشخصية في اكثر
من فيلم منها طريق الامل إخراج عز الدين ذو الفقار وبطولة شكري سرحان ورشدي
أباظة، ثم عادت وقدمتها بدرجة أكثر نضجاً و"شياكة" في فيلم الخيط الرفيع!
قبل الحديث مناسبة المقدمة السابقة كانت ضرورية قبل الحديث عن فيلم "ركلام"
للمخرج علي رجب، وهو الفيلم المُرتقب، الذي تضع عليه غادة عبدالرازق كل
أحلامها، معتقدة أنه سوف يدخلها تاريخ السينما من أوسع الأبواب ، ولكنه
غالباً سوف يكون سبباً منطقيا لخروجها منها بأسرع ماكانت تتخيل!وفي رأيي
الشخصي الذي ذكرته في أكثر من مناسبة، فإن غادة عبد الرازق تتمتع بموهبة
حقيقية، كانت تؤهلها لمكانة أفضل، ولكنها قررت بمحض إرادتها، أن تسير في
طريق بلاعودة، معتقدة أنها يمكن أن تكون النموذج المعدل من نادية الجندي،
دون أن تضع في الاعتبار فرق التوقيت، والمتغيرات الكثيرة التي حدثت في
المجتمع المصري، الذي يجعل من طريقة نادية الجندي في التمثيل مجرد فولكلور!
يشابه فن الأراجوز المُنقرض، بالإضافة لأن نموذج الانثي القاتلة
FEMM FATAL
قد انتهي من السينما العالمية فمابالك بالسينما المصرية، يعني نموذج المرأة
المثيرة لم يعد صوفيا لورين ومارلين مونرو، وجينا لولو، بأجسادهن الواضحة
التضاريس الانثوية ، لكن أنجيلينا جولي التي تشبه العصايا، أو جولياروبرتس
وآن هيثواي، ونتالي بورتمان فالإثارة تقدم في السينما المعاصرة بملامح
الوجه، والأمر لايحتاج للأحجام الضخمة، بتاعة زمان فقليل من اللحم يكفي،
إلا أن غادة عبدالرازق استهلكت موهبتها في اعمال تليفزيونية أقل من
المتوسطة فنياً، وأغراها بعض النجاح الجماهيري الذي صادفته في الباطنية
والحاجة زهرة بالاستمرار في تقديم تلك النوعية، وأعتقد أن دورها في كف
القمر أفضل مائة مرة من ركلام، رغم اعتراضها وغضبها علي مساحة دورها في
الأول، وإعجابها بدورها في الثاني، والأمر لايختلف مع رانيا يوسف التي
تجاهلت موهبتها التي أعلنت عن نفسها في مسلسل الحارة، وأعجبتها لعبة
الإثارة مُعتقدة أنها سوف تفتح عكا، بمثل تلك الأدوار التي لاتحتاج في
الحقيقة إلي موهبة في التمثيل، لكن إلي مجموعة من الملابس الساخنة، وشوية
رقص وماكياج صارخ! القلم السياسي واضح أن السيناريست مصطفي السبكي قد تأثر
كثيراً ببعض أفلام السينما المصرية القديمة، ولم يلحظ أن تلك الأفلام
يحفظها المشاهد عن ظهر قلب من كثرة مشاهدتها، وفكرة نقل مشهد من فيلم ناجح
مثل "غروب وشروق" يدل علي درجة عالية من الاستسهال، والاستعباط خاصة ان
ذاكرة المتفرج المصري لا يمكن أن يسقط منها مشهد إبراهيم خان وهو يدخل حجرة
نوم صديقة رشدي أباظة، ويجد زوجته سعاد حسني في فراشه، فتصيبه الصدمة بحالة
هستيرية تدفعه لسحبها من الفراش وهي بقميص النوم للشارع ويلقي بها أمام
والدها"محمود المليجي" مدير القلم السياسي "المخابرات" في سنوات ماقبل ثورة
يوليو! ولأن الموقف في فيلم ركلام مفتعل اصلاً، فلا يمكن أن تشعر بأي تعاطف
مع رانيا يوسف التي كانت تلعب شخصية فتاة متحفظة، تتمنع علي خطيبها ولا
تتركه يقترب منها أو يلمس يدها، فإذا بها تتحول إلي بغي، وتقضي ليلة في قصر
أحد الاثرياء الذي يعمل خطيبها سائقا لديه، ويكلفه الثري بأن يصطحب الغانية
إلي منزلها، فيصعد الخطيب إلي حجرة نوم سيده، حيث يجد في فراشه خطيبته
صاحبة الصون والعفاف تتقلب في الفراش محاولة تقليد سعاد حسني التي أدت نفس
المشهد ببراعة، وطبعا لايؤثر فيك هذا المشهد بأي درجه اللهم إنه يثير داخلك
كما هائلاً من الشفقة علي من اعتقد أنه يستطيع أن يحاكي واحداً من أهم
مشاهد السينما المصرية في عصرها الذهبي! ولا يكتفي السيناريست بالنحت من
كلاسيكيات السينما المصرية ولكنه أيضا يسرق مشهدا من فيلم امرأة جميلة
لجوليا روبرتس وريتشارد جير، وذلك عندما يلتقط صبري فواز رجل الأعمال غادة
عبدالرازق من الشارع، ويطلب منها أن تمكث معه ثلاثة ايام، فلا تمانع لكن
تقول له ببراءة محاولة تقليد جولياروبرتس أنا باخد في الساعة كذا يبقي لو
قعدت معاك ثلاثة ايام يبقي آخد كذا، فيضحك الرجل ولايمانع ويخرج كل ما في
جيبه، ثم يقدم الفيلم مشهدا خالقا ناطقا لما قدمته جوليا روبرتس في امرأة
جميلة وهو مشهد البانيو الذي ملأته بفقاقيع الصابون وأخذت تمرح في سعادة
وكأنها عمرها ما استحمت، أضف إلي ذلك مشاهد ذهابها مع الثري إلي أغلي محلات
بيع الملابس المخصصة للطبقات الراقية! ملاءة السرير تدور أحداث فيلم ركلام
حول أربع فتيات يتحولن إلي عاهرات، يعملن لحساب صاحبة ملهي ليلي "علا
رامي"، تعتبرهن بضاعة تتاجر فيها لتحقق اكبر المكاسب، وتبدأ الاحداث بالقبض
علي الفتيات في قصر أحد الاثرياء ويتم اصطحابهن وكل منهن ملفوفة في ملاءة
السرير الذي كانت تمارس عليه الرذيلة، وعن طريق الفلاش باك نتعرف علي طريقة
سقوط كل منهن، شادية "غادة عبدالرازق" يدفعها الفقر وتسلط زوج الأم إلي
الزواج برجل لا تطيقه وتنتهي علاقتها به إلي الانفصال وتخرج من الزيجة بطفل
يموت، ويترك في قلبها حسرة، ولاتجد أمامها سوي طريق الغواية، بعد أن ضاقت
بها الدنيا، وفي مشهد آخر منحوت بتصرف من فيلم ليلة ساخنة للمخرج الراحل
عاطف الطيب، تذهب "شادية " مع شاب يصطحبها في سيارته لقضاء ليلة حمراء،
مقابل مائة جنيه، وعندما تذهب لشقته تجد لديه شلة من الاصدقاء، فلا تمانع
في التعامل معهن بشرط ان يدفع كل منهم المائة جنيه، وعندما يفرغون منها،
ينهالون عليها ضربا وركلاً ويستولون علي نقودها ويلقون بها في الشارع! طبعا
لايمكن مقارنة هذا الموقف، كما جاء في ركلام، بالأصل الذي قدمته لبلبة مع
حسن الاسمر في فيلم ليلة ساخنة! أما رانيا يوسف فهي تتحول إلي عاهرة بعد أن
تلتقي بصديقة لها، كانت تعرفها من ايام الدراسة، فإذا بها تمتلك سيارة
فاخرة، وترتدي أغلي الثياب ، وعندما تسألها ببراءة من أي لك كل هذا، تخبرها
الصديقة أنها تصادق أحد الاثرياء، وتنصحها الصديقة بأن تعمل ركلام في احد
الملاهي الليلية، وتطمئنها أنها لن تخسر شيئاً وكل ماعليها أن تقوم تهز
وسطها هزتين اثناء غناء مطرب الكباريه! وطبعا تنزلق الفتاة إلي الخطيئة بعد
الهزتين عندما تكتشف ان المقابل المادي يستحق التضحية بالشرف! أما الفتاة
الثالثة فهي ابنة اسرة كانت ميسورة إلا أن والدها يتعرض لأزمة مالية فلا
تجد أمها "مادلين طبر" في ان تعمل هي وابنتها في الدعارة! وفي نهاية تتشابه
إلي حد كبير مع نهاية فيلم "إحنا التلامذة" للمخرج عاطف سالم تقف بطلات
الفيلم في قفص المحكمة بالملابس البيضاء ليستمعن إلي حكم القاضي الذي"
يطُُُسهن" أربع سنوات للواحدة! الجمال النائم كنت قد شاهدت مؤخرا الفيلم
الأسترالي "الجمال النائم" للمخرجة جوليا لي وبطولة "إيميلي بروونج" وهو
الفيلم الذي شارك في الدورة الاخيرة من مهرجان كان التي اقيمت في مايو
الماضي، وتدور أحداث الفيلم حول"لوسي" وهي فتاة جامعية، تتمتع بجمال ساحر
وبراءة، وتعمل في عدة أماكن لتجني بعض المال الذي يساعدها علي دفع مصاريف
الجامعة والشقة التي تشارك فيها إحدي زميلاتها، وذلك نظرا لفقرها الشديد،
وانفصالها عن أمها، وتستجيب لوسي لإعلان نشرته سيدة مجتمع تطلب فيه فتاة
لها مواصفات خاصة، وعندما تذهب لقصر السيدة تكتشف انها تدير مكان لممارسة
الدعارة، ولا يرتاده إلا رجال من علية القوم، معظمهم عجائز، وتقبل الفتاة
لوسي أن تعمل لحساب السيدة، ويتم تدريبها وكأنها تتلقي دروساً في كيفية
التعامل مع الكمبيوتر، مع ملاحظة أن الفيلم لم يقدم أية مشاهد تثير التقزز،
وتشترط السيدة ان تعطي الفتاة اقراصا منومة، حتي لا تتعرف علي شخصية الرجال
الذين سوف يتعاملون معها، المهم أن الفيلم الذي تدور أحداثه في مكان مُخصص
لمُمارسة الرذيلة، لايشعرك لحظة بأنك تريد أن تفرغ ما في جوفك، وهو الفرق
الكبير بين فيلم مثل "ركلام" وآخر مثل «الجمال النائم»!
جريدة القاهرة في
28/02/2012
الأحفاد ..
دموع جورج كلوني والبحث
عن العشيق
بقلم : د. رفيق الصبان
يعود الكسندر باين إلي الواجهة السينمائية هذا العام بفيلم يرشحه بقوة
لنيل أوسكار أحسن فيلم إلي جانب عدد كبير آخر من الترشيحات أهمها ترشيح نجم
الفيلم الأول «جورج كلوني» لجائزة أحسن ممثل وهي جائزة يستحقها تماما عن
أدائه المدهش لهذا الفيلم الذي امتلأ بعواطف متناقضة ومشاعر ملتهبة وأحاسيس
داخلية من الصعب أن تمضي. الفيلم يحمل اسم «الأحفاد» وهو عنوان يخفي في
طياته رموزا كثيرة ذات بعد سياسي واجتماعي، يمس تاريخ أمريكا ومجتمعها
واختلاط الحقوق والواجبات فيها. مستويان مختلفان الأحفاد الذين نراهم في
الفيلم يضعهم السيناريو علي مستويين مختلفين الأول هم الأحفاد الكبار ورثة
هذه الأرض الواسعة في جزر هاواي التي جاءتهم عن طريق زواج جدهم الكبير
المهاجر الأوروبي بابنة زعيم القبيلة الهندي الذي اختارته حبيبا وزوجا
ضاربة عرض الحائط بالتقاليد السائدة في بلدها آنذاك .. والذي أدت بهما هذه
الزيجة إلي أن يرث الأمريكي الأراضي الهندية الواسعة التي يمكن أن تتحول من
خلال مشروع سياحي واقتصادي إلي «بئر» تضخ الملايين بل المليارات من
الدولارات التي تلهف الأحفاد الكثيرون لهذه الزيجة القديمة بتقاسمها. أما
المستوي الآخر فهو مستوي «الأبناء» وعلاقتهم بأسرهم ومجتمعهم ورؤيتهم
للدنيا من خلال منظار شديد الاختلاف عن منظار أبويهم.. واستعدادهم لإصدار
أحكام أخلاقية صارمة وقاسية علي سلوك الآباء دون أن يتركوا لهؤلاء الآباء
الذين جرفتهم الحياة المدنية الحق في أن يصدورا أحكاما ضدهم إنها الهوة
الكبيرة التي تفصل بين جيلين والتي عرف «الكسندر باين» في عذوبة كبيرة
مختلطة بشجن عميق وبألم يمزق القلب أن يعبر عنها بهذا الفيلم البديع
والشديد التأثير. الأمور كلها تبدو نتيجة لحادث عابر تصاب فيه الزوجة أثناء
قيامها بالتزلق المائي مما يضعها في حالة بين الحياة والموت تفقد فيها
الوعي تماما. مجري الحياة هذا الحادث يجبر زوجها الغارق في أعماله التجارية
«جورج كلوني» من أن يعيد النظر في حياته ويكتشف أنه كان بعيدا تماما عن
مجري الحياة كما كان يدور في أسرته وبيته فهو منفصل تماما عن زوجته روحيا
وكذلك عن ابنتيه اللتين تعيشان حياة غير مستقرة، الأولي أودعتها أسرتها في
مدرسة داخلية بعيدة والثانية الصغيرة ابنة الثامنة تعيش مع أبويها ولكنها
تعاني عقدا نفسية تدفعها أحيانا إلي تصرفات عجيبة تستدعي قدوم أولياء أمرها
للتشاور. حادثة إصابة الأم تجبر الأب علي أن يترك أعماله المؤقتة وأهمها
بيع الأراضي الواسعة التي ورثتها الأسرة والانصراف إلي رعاية ابنتيه ويذهب
إلي المدرسة الداخلية لاصطحاب ابنته الكبري لزيارة أمها المحتضرة، وهناك
تقع المفاجأة الكبري التي ستقوم أحداث الفيلم كله علي نتائجها إذ ترفض
الابنة زيارة أمها وتتهمها بأشنع الألفاظ وعندما يحاول الأب معرفة السبب
تكشف له هذه الفتاة الصغيرة الشديدة التحرر «والتي أصرت علي أن يرافقها
زميلها المراهق في رحلتها الصغيرة هذه» عن السر الذي يدفعها إلي احتقار
أمها بل ورفضها.. لقد فاجأت أمها متلبسة بخيانة ابيها مع رجل لا تعرفه. هذه
الحقيقة المروعة تسقط «منزل الورق» الذي كان يعيش فيه الرجل إذ إنه يكتشف
أن حياته كلها قائمة علي خداع كبير وإنه ليس هناك من رابطة حقيقية تربط بين
أفراد هذه العائلة التي تبدو من بعيد سعيدة ومتماسكة ولكنها في الواقع
مجزأة مهترأة. عند هذا الاكتشاف المرعب لا يبقي أمام الزوج «مات» إلي أن
يبحث عن العشيق المجهول وأن يعرف السبب الحقيقي الذي دفع زوجته إلي خيانته.
وهنا يأخذ الفيلم إلي رحلة إلي أعماق الشخصيات الثلاث التي تكون هذه الأسرة
«السعيدة» والتي تقودنا إلي رؤية أصدقاء الزوجة الذين كانوا يعلمون
بالخيانة ويكتمونها عن الزوج .. وأهل الزوجة السادرين في وهمهم بأن ابنتهم
كانت شديدة الإخلاص والمحبة لزوج مهمل. ومن خلال أحداث مضفورة بعناية وصدق
شديدين يتوصل «مات» لمعرفة العشيق ويكتشف أنه زوج وأب سعيد وأن علاقته
بالزوجة المحتضرة لم تكن إلا علاقة جنسية عابرة رغم أنها كانت بالنسبة لها
هي عاطفة مدمرة كادت أن تقودها إلي الطلاق. متعة المشاهدة لا أريد أن أفسد
علي القارئ متعة مشاهدة هذا الفيلم البديع والمشاهد الرائعة التي عرف
السيناريو كيف يستخلصها من قصة تبدو عادية ومألوفة عن الخيانة الزوجية.
ولكن هناك مشاهد لابد للمرء أن يتوقف عندها معجبا مذهولا من رقتها
وشفافيتها وهذه القسوة الداخلية الممزوجة بحنان عاطفي شديد كمشهد مفاجأة
الزوج لزوجته المحتضرة وهو يقول لها إنه لن يسامحها علي ما فعلت به وهذه
الدمعة التي تسيل من بين جفونه والتي ربما يمكن اعتبارها من أدق وأجمل دموع
الرجال التي شهدتها السينما والتي ستكون وحدها ربما الجسر الذي سيقطعه
«جورج كلوني» للحصول علي جائزة الأوسكار. شاهد الصراع الداخلي والنار التي
اتقدت في صدر الزوج المخدوع وعلاقته مع ابنته.. وحديثه مع المراهق المخبول
صديق ابنته خصوصا من المشهد الذي يوقظه فيه ليلاً.. وقد استبد به الأرق
ليحدثه عن أزمته وليسمع منه ما كان يرفض أن يسمعه من هذا الجيل الذي تجاهله
طوال عمره. وكيف نسج السيناريو الحبال الرقيقة التي أعادت الصلة بين هذا
الأب المهزوم وابنته المراهقة المترددة ذات الألفاظ النابية والسلوك
المتحدي وابنته الصغيرة التي بدأت تعاني بوادر أزمة نفسية يمكن أن تعصف بها
تماما إذا لم تتدارك في الوقت المناسب. كل الشخصيات في الفيلم رسمت بريشة
رسام يعرف كيف يضع حولها الظلال وكيف يوجه لها الأنوار ومن خلال حوار قاس
بعض الشيء في بعض المواقف وشديد الرومانسية بعضها الآخر تتواصل الشخصيات مع
بعضها بما فيها بعض الشخصيات الثانوية التي كان يكفي مشهد واحد مثلا لكي
يرسمها بريشة من نار ويجعلها «تنشب أظافرها» في ذاكرتنا كشخصية أم الزوجة
المصابة بمرض نسيان الذاكرة أو الأب المتعصب المؤمن بأخلاقيات ابنته والذي
يعطي درسا في الأخلاق للزوج المخدوع متهما إياه بكل الصفات السلبية أو مشهد
زوجة العشيق براءتها وسذاجتها وقد عرفت بخيانة زوجها وجاءت لتودع
«المحتضرة» بعد أن رفض العشيق أن يزورها للمرة الاخيرة وهمسها لها أنها
تسامحها علي أنها أحبت رغم أنها كانت ستدمر لها حياتها الزوجية وتسعي إلي
خطف زوجها منها. مشهد رائع في تكوينه وفي أبعاده وفي أداء الممثلين فيه.
والحق أن الأداء إلي جانب السيناريو الماهر هو الذي اعطي فيلم «الكسندر
باين» هذه القيمة الفنية العالية.. «جورج كلوني» في تطور شخصيته من
اللامبالاة إلي الدهشة إلي الألم إلي الرغبة بالثأر إلي التفهم العميق إلي
التسامح، كل ذلك بأداء سلس وشديد الإقناع وشديد العذوبة وطبعا يتوج الأداء
كله بالدمعتين الرائعتين اللتين ذرفهما أمام جسد زوجته المتوفاه. درجات
النجومية «كلوني» يصل في هذا الفيلم إلي أقصي درجات نجوميته بل إنه يسعي
لأن يجعل وسامته الشهيرة تلعب ضده فهو يلعب دور الزوج المخدوع. ومن رجل لا
يدانيه بأي شكل من الأشكال .. شكلا وروحا. وتتباري بقية الشخصيات رغم أنها
لا تداني نجومية «جورج كلوني».. في تجسيد عواطف متعارضة ومتشابكة .. يصل
فيها تحدي الأجيال إلي مرتبة خطيرة دون أن يضطر المخرج إلي رفع الصوت أو
المبالغة في التعبير. وأخيرا هذه الخلفية التاريخية الشديدة الذكاء
والإيحاء والتي ربطت بين حقيقة التاريخ وحقيقة المجتمع الذي نعيش فيه وأن
زيف العواطف ثم استغلالها بشكل بشع لايزال قائما سواء علي المستوي الخاص أو
المستوي العام. كل شيء في فيلم «الأحفاد» يدعوك لتأمل التاريخ الأمريكي:
الأسرة الأمريكية، منظومة الزواج، علاقة الآباء بالأبناء، تمرد الجيل
الجديد الظاهري واخلاقياته المتشددة التي يبني حولها مستقبله. ثم هذا
الجمال الهندسي البديع الخارجي الذي يخفي اضطرابا عاطفيا داخليا لا شفاء
منه . الفيلم يدفعك رغما عنك إلي أن تأخذ موقفا يرفض منطقك وعقلك وتقاليدك
أن تأخذه لكن تيمة الفطرة وإمكانية البدء من جديد تبدو ماثلة في الأفق
ممكنة وإن كانت تظهر للعين شبه مستحيلة. لقد رمت أسرة «مات» رماد الزوجة
المحترق في ماء النهر الذي كان سببا في موتها، وعادت الأسرة لتجتمع مرة
أخري علي شزلونج طويل مريح تفكر بمستقبل لا تدري كيف سيأتي .. وعواطف لا
تدري كيف ستداركها وعلاقات يبدو الإصرار علي الاحتفاظ بها متنبأ رغم
اهترائها وصعوبة مقاومتها للزمن الزاحف.
جريدة القاهرة في
28/02/2012
«بنات
العم»..
رجال لا تعرف
المستحيل!
بقلم : د. وليد سيف
يرجع لقائي الأول مع الشبان الثلاثة أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو إلي
مايقرب من سبعة أعوام حين شاهدت علي أحد المقاهي ما يشبه حلقة من مسلسل
بعنوان «رجال لا تعرف المستحيل»، كانت الحلقة كوميدية ساخرة من أحد أفلامنا
القديمة المشهورة. كانت وجوه الممثلين غير مألوفة علي الإطلاق، وكان أداؤهم
متواضعا والصورة باهتة والتقنيات ضعيفة، ولكن ما لفت نظري هي قدرتهم
العالية علي كتابة المواقف المبتكرة والساخرة وبراعتهم في النظر من زاوية
جديدة إلي مواقف مختارة بعناية من أعمال فنية قديمة، كنا نعتبرها من
كلاسيكيات السينما المصرية، دون أن نتأمل ما فيها من مبالغة أو استخفاف
بالعقول أوطرح ساذج جدا لأمور جادة جدا. اعتقدت ساعتها أن هذا البرنامج
تبثه إحدي القنوات الفضائية الجديدة الفقيرة. لكن بعد فترة شاهدت علي
الإنترنت حلقات أخري، وعلمت أن هؤلاء الشباب يقومون بتصوير أعمالهم بأنفسهم
وبإمكانياتهم المحدودة ويسعون لتسويقها وعرضها . ولم يمر زمن طويل حتي
استطاع الثلاثة أن ينجزوا فيلمهم الروائي الاول «ورقة شفرة» ثم يواصلوا
نجاحاتهم في فيلمهم الثاني «سمير وشهير وبهير». والآن نلتقي معهم من جديد
في فيلم «بنات العم». وبداية فمن المؤكد ان استمرار الثلاثي يعكس نجاحا
لأعمالهم السابقة ودرجة من الثقة اكتسبوها لدي المتفرج مما جعل الرهان
عليهم مازال مستمرا. وفي اعتقادي أن هذا النجاح المستمر لا يعني سوي شيء
واحد وهوقدرة علي التجديد تجعل المشاهد لا يمل رؤيتهم. ويتفاءل دائما بأنه
سيري من خلالهم الجديد بالإضافة إلي الأسلوب أو علي الاقل قدرة علي التميز
بانتهاج طرق وألاعيب صنعت لغة مشتركة بينهم وبين جمهورهم وحققت لمشاهديهم
متعة المشاركة في اللعبة والتفاعل معها. عناصر اللعبة فهمي وشيكو وماجد
يحققون هذا بإمساكهم بعنصرين أساسيين في اللعبة أو العملية الفنية وهما
التأليف والتمثيل. وقد وصلوا إلي درجة من الإجادة في أعمالهم تجعلك تتساءل
هل قدرتهم علي الكتابة هي التي تتيح لهم التميز كممثلين أم العكس. وإذا كان
التأليف يتيح للفنان طرح أفكاره ووضع الأساس لخيال الصورة والكلمة فإن عنصر
التمثيل يتيح القدرة التعبيرية علي الشاشة وحيث تنعدم المسافة بين الكلمة
ووسيلة التعبير عنها فهي نابعة من فنانين يؤمنون بها و يعبرون عنها بأنفسهم
دون وسيط. يواصل الثلاثي في فيلم «بنات العم» من إخراج أحمد سمير فرج لعبة
العودة إلي الماضي ، تماما كما فعلوا في «سمير وشهير وبهير». ولكنهم يزيدون
اللعبة تعقيدا باللعب في جنس الأبطال فهم هذه المرة فتيات قد تحولوا إلي
شباب. ولكنهم في الحقيقة أمام تحد حقيقي في مسألة تحقيق التصديق في إطار من
المقدمات الفانتازية التي يزدحم بها العمل. لكن ما يساعدهم علي تحقيق هذا
هو حسهم الساخر العالي وكذلك الواقع الاجتماعي الذي يعبرون عنه والذي يستحق
بالفعل أن يجري تناوله بسخرية. نحن هنا مع حكاية ثلاث بنات من عائلة شنب هن
شوق وشاهندة وشيماء . تسعي الفتيات إلي بيع بيت العائلة الموروث رغم علمهن
بأن هناك لعنة تطارد من يبيعه. وعبر مشاهد فلاش باك طريفة أقرب لأفلام
الكارتون نري اللعنات التي أصابت ابناء الأجيال السابقة من جراء هذه
المحاولة. ولكن اللعنة التي ستصيب الفتيات هذه المرة هي أن يتحولن إلي
فتيان. ونظل نعيش معهن طوال الفيلم محاولات إزالة اللعنة واستعادة جنسهن
الأصلي. وفي النهاية يظل الهدف البعيد هو استعادة القصر نفسه. وهي في
الحقيقة فكرة عميقة ومبتكرة . وكانت تستلزم جهدا إضافيا لتنوير المشاهد
بأساليب فنية بأن استرداد البيت يساوي استرداد الذات الحقيقية. سخرية أم
ابتذال يمكن من هذا الملخص المختصر جدا أن نتأكد من قدرة السيناريو علي
التحليق في آفاق بعيدة من الخيال. وما يتيحه لممثليه الثلاثة من مواقف
كوميدية تساعد علي الإضحاك بسهولة. ويكفي أنها تنطلق من ثلاثة شبان بعيدين
عن الوسامة سيتصرفون علي طريقة الفتيات. وبالتالي فبالتأكيد سوف يكون
مظهرهم مثيرا للضحك. وهي منطقة من الكوميديا تتيح مساحات من الابتذال
والإسفاف سقط فيها الابطال الثلاثة أحيانا واستهوتهم واستدرجتهم إلي مناطق
من الضحك الرخيص لتتوه الأحداث عن خطها الرئيسي ويفقد الموضوع دلالاته
المعبرة ورسالته التي أراها في غاية الأهمية. ولكن حدود التهريج لا تنتهي
عند هذا الحد بل تمتد إلي انتهاج أسلوب البيرليسك اوالبارودي بفرد مساحات
كبيرة للسخرية من أفلام مصرية يأتي علي رأسها فيلم أولاد العم الذي يأتي
عنوانه نفسه كنوع من السخرية منه. وبصرف النظر عما يتسبب فيه هذا الجنوح
إلي حالة من الترهل الدرامي وتحول بعض المشاهد إلي اسكتشات منفصلة وليست
متصلة . لكن الحقيقة أن اختيار هذا الفيلم في حد ذاته للسخرية منه يعكس
ذكاء حقيقي ويعبر عن حس نقدي واع وعال لفيلم جدير بالسخرية بما تضمنه من
وطنية بلهاء وسيناريو ملفق وأفكار ملغمة وسخيفة ومستخفة بعقول الجماهير. في
سبيل الضحك بالعودة إلي بنات العم سنجد أنه ورغم طرافة فكرته ومواقفه
واجتهاد أبطاله فإن الإفيه هوالذي يقود الأحداث دائما. وبذلك سيصبح الايقاع
رهن رد فعل الجمهور واستجابته وليس مرتبطا بحركة حدث ونموه وتطوره.. مما
يؤدي إلي حالة من الترهل وإلي بطء شديد في الانتقال من مرحلة درامية إلي
أخري، بل إنه وبدون مبالغة فإنك لا تكاد تشعر بوجود الصراع إلا قرب نهاية
الفيلم، وهي مسألة لا أفهم كيف تغيب عن المؤلفين الثلاثة الذين تمرس معظمهم
في كتابة هذا النوع من الأفلام، بل إن أحمد فهمي تحديدا لديه خبرات كبيرة
في الكتابة لعدد معقول من الأفلام الناجحة والمهمة مقارنة بتاريخه الفني
القصير. ربما تتمثل أهم ميزات الفيلم في مزيد من الجرأة في الأداء التمثيلي
لأبطاله والتناسق الحركي والفكري بين الفنانين الثلاثة تحديدا. وأنت في
سبيل هذا قد تبتلع مساحات من الإغراق في الابتذال. لكن لن يصل الأمر إلي
تقبل أن تعبر بعض مواقف التحول إلي حدوث مواقف سحاق وهي مسألة لا تثير
الضحك ولا السخرية. ولكنها لا تؤدي إلا إلي الاشمئزاز. وهي مسألة يجب أن
ينتبه لها أبطالنا لأن الدخول لمثل هذه المناطق بهذا الاستخفاف لا يعني سوي
الابتذال الرخيص بل المجاني. ولا أعرف ما سر التمادي في الإيحاء بتقبل
المتحولين أوالمتحولات للجنس الجديد استمتاعا بالعلاقات الجديدة، خاصة وهي
مسألة تعرقل الدراما وتجعل هدف استرداد الهوية الجنسية منعدماً فتفقد
الدراما أي دوافع للصراع. رغبات مجنونة في اعتقادي ان الرغبة المجنونة في
التجديد والخروج عن المألوف وتحقيق مواقف وخيال غير مسبوق هوالذي يدفع
المؤلفين إلي هذا. ولكن هذه الرغبة الجامحة كفيلة بقتل أي دافع للمشاهدة أو
الانجذاب للمادة المعروضة. وهوأمر يجب أن يكون أساسيا في وعي صناع الفيلم.
وفي ظل هذه الأجواء نكاد ننسي موضوع الفيلم الرئيسي وحبكته الرئيسية التي
يدور في إطارها كل المواقف وتتوالي من أجلها الأحداث. والحقيقة أن الصراع
بين الفتيات الثلاث وعزيز- إدوارد- ابن العائلة التي تريد أن تنتزع البيت
هو الذي كان بإمكانه إثراء الدراما وتأجيج الصراع وصناعة مواقف كوميدية
عالية وتحقيق خيال أكبر للصورة بطبيعة شخصية عزيز الطفولية وأجواء حياته
الغريبة. ولكنها مسألة أفلتها الفيلم. وربما لولا نمطية إدوارد في أداء هذا
النوع من الشخصيات لأمكن لمشاهده أن تحقق حالة من التدفق والحيوية. ونفس
المسألة تنطبق علي آيتن عامر في دور الراقصة الذي أصبحت تؤديه بطريقة
الأكليشيه، وآيتن ممثلة مصممة علي قتل موهبتها واختزالها في حركات مبتذلة
وإذا لم تتنبه لضرورة معايشة الشخصية ورسم خط بياني لها والتفاعل معها دون
التمسك بحركات مكررة بعينها، فإن تاريخها سوف يتوقف عند حدود ممثلة الجملة
الواحدة من فيلم رامي الاعتصامي: "دي حاجة بنت كلب قوي". وفضلا عن هذا
يعاني الفيلم مشكلة هي في رأيي مصاحبة لأفلام الثلاثي ولكنها تبدوهنا أكثر
وضوحا. فالأفلام التي تعتمد علي أفكار خيالية تتطلب دائما جهدا أكبر في
خيال الصورة، وهي مسألة كان من المتوقع أن تتحقق بتقدم ملحوظ مع مخرج متمكن
مثل أحمد سمير فرج. لكن يظل فقر الصورة ملازما لأبطالنا بل إنه يزيد في هذا
الفيلم. ولا نستطيع أن ندرك بسهولة هل المسألة ترجع إلي محدودية خيال
المخرج والنص أم إلي حرص الشبان الثلاثة علي أن يكون العرض تمثيلياً
بالدرجة الأولي بعيدا عن أي عناصر إبهار أخري.. أم أنه فقر إنتاجي ربما
يكون نابعا من هامش محدود من الربح تحققه أفلام الثلاثي، يتيح لهم
الاستمرار دون أن يسمح بمغامرة غير مأمونة العواقب بالصرف بسخاء علي
أعمالهم.. وهو في رأيي ما يبدوالمبرر الأقوي، حيث نري أنه حتي مستوي
الملابس والديكورات في هذا الفيلم يتضاءل ولا يتناسب مع طبيعته ولا يوفر أي
جمال للصورة أودرامية أوحتي مصداقية. ربما يري البعض أن جمال الفيلم يكمن
في بساطته وفي قدرته علي التعبير عن أفكار صناعه بعفويتها كما هي. ولكني
أري أن السينما فن إبهار بصري بالدرجة الأولي وأن فيلماً يخترق بأحداثه
الزمن كان بإمكان صورته أن تكون أكثر جاذبية وتقدما وتحليقا في الخيال،
يتجاوز حدود خيال كتابها. ولكني في النهاية ورغما عن ملاحظاتي التفصيلية
علي السيناريو لا أملك سوي أن أحيي هؤلاء الشباب علي جرأتهم واختلافهم،
وأتمني لهم أن يقدموا أعمالهم في ظروف إنتاجية وتنفيذية أفضل، فقد أثبتوا
بالفعل أنهم رجال لا يعرفون المستحيل حتي ولو ارتدوا ملابس النساء.
جريدة القاهرة في
28/02/2012
«بنات
العم»..
فانتازيا ساخرة علي
غرار «سيما علي بابا»
بقلم : آلاء لاشين
تعجبت كثيرا لما قرأته في أحد المقالات التي كتبت عن هذا الفيلم
فالكاتب يري أن الثلاثي أحمد فهمي وشيكو وهشام ماجد يكررون أنفسهم ولم
يقدموا شيئا جديدا في هذا الفيلم وأن أفكارهم قد نفذت وأصبحوا يشكلون عبئا
علي الجمهور.. فعذرا لكاتب هذا المقال فما رأيته في دور العرض يتعارض مع
هذا الكلام بل ينفيه ومع احترامي لوجهة نظره فإنني أري انهم بمثابة عودة
ثلاثي أضواء المسرح وأنهم يحملون الكثير من الأفكار الخصبة التي تؤهلهم بأن
يصبحوا نجوما يتصدرون شباك التذاكر سويا وليس كل منهم علي حده.. فقد
ارتبطوا بالعمل معا كمؤلفين وأبطال لأعمالهم فهم يقدمون أفلاما تنتمي
لنوعية «الفانتازيا الكوميدية» التي تعتمد علي «الباروديا» المحاكاة
الساخرة و«الكولاج» أي الاقتباس من أعمال أخري وصياغتها بشكل جديد وهذه
السمات من أهم خصائص مدرسة ما بعد الحداثة التي تعتمد علي اسلوب اعادة
الاستخدام والابهار في عرض القصة برغم بساطتها. وهم يقدمون تيمة مختلفة عن
الأفلام الأخري المنافسة في السوق والجمهور دائما ينتظر الجديد وقد نجحوا
في تصدر شباك التذاكر في ظل الظروف العصيبة التي لا يتوقع فيها أحد أن
فيلما سينمائيا يحصد الجمهور وشباك التذاكر. قصـــــة الفيلـــــم ثلاث
فتيات بنات عم يعيشون مع جدتهم في قصر ورثوه عن أجدادهم ولكنهم لا يستطيعوا
بيعه لأن من يقوم ببيعه يصاب باللعنة ولكن مع مرور الزمن وضغط مصاريف
الحياة يضطررن لبيعه وتصيبهن لعنة تحولهن من اناث الي ذكور , ويحاولن
استرداد القصر لفك اللعنة. الفيلم يشبه قصص الأطفال التي لا تتوسع في تبرير
الحدث الدرامي فمثلا لانعرف سبب لعنة القصر!!. وهذا جعل القصة بسيطة خالية
من الأبعاد الدرامية , كما ان استخدامهم للجرافيك يغلب عليه طابع القصص
الخيالية كما نشاهد في افلام الرسوم المتحركة للتعبير عن وصول اللعنة اليهم
فيجب أن يتعود الجمهور أنه عندما يشاهد فيلم فانتازيا لا يتساءل ماذا يحدث
او ما مبرر الأحداث !!!!! لأنها لا تحاكي الواقع بل تكون من خيال المؤلف.
الفيلم قدم مشاهد مقتبسة من أفلام مشهورة ولكن في شكل جديد «الكولاج» فمثلا
المشهد الذي قدمه أحمد فهمي اثناء محاولته التخلص من الحمل بالقفز من اعلي
السرير عدة مرات مأخوذ من فيلم «الحفيد» مشهد الفنانة «ميرفت أمين» وأيضا
مشهد المرور من الليزر للوصول الي الخزنة مأخوذ من الفيلم الشهير الفخ
«لكاترين زيتا جونز» والمشهد الأخير وهو محاربتهم للاطفال الذين يحرسون
مخزن اللعب الذي يملكه عزيز الهانش «ادوارد» مقتبس من فيلم «أوشن 12» لجورج
كلوني وبراد بت فقد قاموا باقتباس أهم المشاهد التي تركت أثر في ذاكرة
المشاهد وأعادوا تقديمها بأسلوب «بارودي» ساخر في اطار كوميدي ليس به اسفاف
ولا ينفر منه المشاهد. الأداء أحمد فهمي «شوق» وشيكو « شيماء» وهشام ماجد
«شاهنده» حاول كل منهم سرقة الكاميرا من الآخر بتأدية أدوارهم بطريقة بسيطة
وطبيعية فأداؤهم في هذه الشخصيات كان مختلفا عما قدموه من قبل كما استطاعوا
ان يتقمصوا شخصية البنت من تعبيرات الوجه وأسلوب الحديث والأحاسيس والمشاعر
وتقديم الحياة اليومية التي تعيشها البنات بالفعل رغم تغيير أشكالهم الي
رجالا.. واستمروا في الحفاظ علي أداء شخصيات الفتيات التي كانوا عليها قبل
ان تصيبهم اللعنة فكانت مباراة تمثيلية جيدة تبادلوا فيها الاداء الذي يجذب
المشاهد فكل منهم يكمل الآخر وحاولوا بكل جهد الخروج عن المألوف وتقديم
أفكار جديدة حتي لا يكرروا أنفسهم من عمل فني لآخر. إدوارد لم يقدم جديدا
بل كان أداؤه مبالغا في هذا الدور علي الرغم من أن الدور به مساحة كو ميدية
جيدة ولكنهم لم يستغلوها بطريقة صحيحة فكان عليه ان يقدم اداؤه بتلقائية
وبساطة بدلا من هذا التكلف وكان من الممكن ان يصنع مع الثلاثي جوا مليئا
بالإفيهات الكوميدية تعلق في أذهان الجمهور أكثر من ذلك. أما الثلاث بنات
ويسرا اللوزي قدمن أدوارهن بشكل جيد برغم صغر المساحة الا انهم تركوا بصمة
وخاصة «شوق» آيتن عامر التي قدمت دورها بتلقائية فهي تستطيع التغير من دور
لاخر. الموسيقي التصويرية في بداية الفيلم كانت الموسيقي المصاحبة للاحداث
موسيقي طفولية تستخدم في اعمال الاطفال ولكنها كانت تعبر عن توقع حدوث شيء
ما ثم اقتباس موسيقي المسلسل التركي الشهير «العشق الممنوع» وتركيبها علي
مشهد دخولهم علي شوق اثناء محاولتها التخلص من الحمل فكانت ملائمة للحدث
كما انها اضفت روح كوميدية للمشهد اما عن الموسيقي في مجمل العمل فكانت
مناسبة لاحداث الفيلم. المخرج أحمد سمير فرج يشكل له هذا الفيلم نهج جديد
في الإخراج عما سبق وقدم من أفلام فهذة النوعية من الأفلام تجعل المشاهد
يتآلف ويقترب أكثر من صناع العمل بل تصبح بينهم ثقة متبادلة بأنهم لن
يخذلوه في الاعمال القادمة فقد قدم الثلاثي في شكل جديد ومختلف وتمكن من
تغيير أدائهم عن الفيلم السابق والحفاظ علي اداء البنات ومن الممكن يقدم مع
الثلاثي أعمال ناجحة اذا استمروا في العمل سويا. النهاية متوقعة ومناسبة
لهذه النوعية من الافلام فهم متمردون علي أوضاعهم منذ الفيلم الماضي , فهم
دائما يحاولون الخروج والعودة لطبيعتهم ولكنهم لا يستطيعوا. فهم مثل «أحمد
مكي» يقضون علي الشخصيات حتي لا تتم إعادة استخدامها وينحصر ذهن المشاهد
علي تلك الشخصيات وفي هذا الفيلم تم القضاء علي سمير وشهير وبهير من خلال
مشهد حكاية علاقة «عزيز الهانش» بالثلاثي وكيف قضي عليهم حتي لا يرتبط
نجاحهم بتلك الشخصيات فقط وهذا تصرف جيد حتي لايضعوا انفسهم في المأزق الذي
وضع محمد سعد نفسه فيه من خلال شخصية اللمبي. الفيلم نجح أن يسرق الجمهور
من همومه ولو للحظات في ظل هذة الظروف القاسية والأحداث المتوالية فقد
استطاعوا رسم الابتسامة علي شفاههم فصناع العمل أثبتوا أنهم متجددون من عمل
لآخر وأن لديهم المزيد من الأفكار التي لم تظهر بعد للتألق معا في أعمال
أخري ولكن سوف يتطلب ذلك منهم جهدا كبيرا للحفاظ علي هذا النجاح وتقديم
الافكار الجديدة التي لا يمل منها الجمهور لكي تظل الثقة متبادلة بينهم.
جريدة القاهرة في
28/02/2012 |