إنها تفيض بالنعومة والرقة وتزهو بالشجاعة، ورغم أنها احتفلت بعيد ميلادها
التاسع والثلاثين في 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلا أنها تحتفظ بتلك
الصفة المحببة إليها والتي التصقت بها منذ ظهورها على الساحة الفنية وهي:
“المرأة - الطفل” . إنها فانيسا بارادي التي ينساب الزمن بالنسبة لها كما
ينساب شعرها الأشقر فوق بلوزتها الصوف البوهيمية الأنيقة .
يبدو أن فانيسا احتفظت بكل مقومات الجاذبية والإغراء، فهي لا تكف عن مط
شفتيها امتعاضاً وترمقك بنظرات ثاقبة تحمل الفخر والتساؤل أو الاستفهام .
أما عن ابتسامتها فلا يمكنك إلا أن تصفها بالخجولة، في حين أنها تأسرك
بصوتها الشجي . وعندما تحاول أن تتخطى حدودك معها بالدخول في نقاش حاد،
فإنها تحاول من جانبها أن تكسر ذاك الجليد ولكن شريطة ألا تدخل إلى حياتها
الخاصة الحميمية لاسيما فيما يخص شريك حياتها (سيد القراصنة) جوني ديب
وطفليهما ليلي روز 12 سنة التي يصفها والدها بالجميلة جداً وذات الصوت
العذب، وجاك 9 سنوات، وعندما أجرت معها هذا اللقاء مجلة “إيل” الفرنسية، لم
تقدم فانيسا نفسها على أنها النجمة العالمية التي نجحت في كل أعمالها
الفنية والتي تتقاسم فيها حياتها بين باريس ولوس أنجلوس وجزر الباهاما، بل
كإحدى الممثلات اللواتي لا يترددن في المخاطرة باسمهن وشهرتهن عند تصويرهن
لأي فيلم جديد مع مخرجين جريئين إلى حد بعيد، وها هي تتحدث عن فنها في هذا
الحوار .
·
السؤال الأول الذي أحب أن اطرحه
عليك يتعلق بك كمغنية ناجحة جعلت كل الأجيال التي سمعتها تحلم بها، لماذا
أنت مترددة أو هكذا يبدو عليك؟
- إنها نفس الحكاية، فعندما أريد أن أغني على المسرح ينتابني هذا
الشعور لأنني لا أعلم إن كنت سأبدو أمام الجمهور في المستوى المطلوب، خاصة
أن مسألة اتقان العمل تؤرقني، حيث إنني أسعى إلى عمل شيء مختلف ومميز .
·
لندخل الآن إلى عملك السينمائي
الجديد، ففي فيلمك الجديد “مقهى دوفلور” للمخرج جون مارك فاليه الذي نال
جائزة الأوسكار عن فيلمه: “فيكتوريا ملكة في سنوات الشباب”، تجسدين قصة
امرأة تربي بمفردها ابنها المنغولي في العام ،1969 أي في ستينات القرن
الماضي، فما حقيقة هذه العودة المميزة إلى السينما؟
- عندما تذكر فترة الستينات، فإننا سريعاً ما نذهب بتفكيرنا إلى
“الميني جيب” أي التنورة القصيرة البوتين الجلد والفراء الطويلة المجدلة،
أما في هذا الفيلم فلا يوجد شيء من هذا، بل إن عنوان الفيلم “مقهى دوفلور”
لا يشير أبداً إلى ذلك المقهى الباريسي الشهير في تلك الآونة، بل يشير إلى
المقطوعة الموسيقية الكلاسيكية للموسيقي والمنتج الانجليزي ماثيوهربرت .
فهذه المقطوعة تربط بين قصتين متوازيتين، قصة أم تعيسة بائسة ومكافحة وقصة
موسيقي “دي جي” يتقاسم حياته بين حبه لأم أطفاله وامرأة جديدة في حياته .
·
هل كان هذا الدور مفصلاً لك
بالتحديد؟
- لا لم يكن معداً لي بشكل خاص، لكن في الواقع أحببت كثيراً فيلمي جون
مارك فاليه السابقين وسحرت بقراءة سيناريو الفيلم الجديد السلس والممتع،
واندهشت لعمق العواطف والحب اللذين ظهرا بوضوح في النص . وعندما جاء إلى
فرنسا ليقابل بعض الممثلات، التقيت به ثم تناقشنا بالأمر وكنت بالفعل
محظوظة باختياره لي لألعب هذا الدور .
·
هل يمكن القول إنه حب مهني من
النظرة الأولى؟
- نعم، يمكنك أن تقول ذلك فالحب من النظرة الأولى يسري على كل شيء
ولقد صرح جون مارك فاليه بذلك في إحدى المقابلات معه وأعتقد أن نقاد
السينما في كندا “كيبك” اثنوا كثيراً على تجربتي معه كما أن الفيلم حقق
نجاحاً كبيراً هناك .
·
هل لك أن تحدثينا قليلاً عن دورك
في الفيلم بشيء من التفصيل؟
- من يشاهد الفيلم، فإنه ربما سيصاب بالاشمئزاز أو النفور من صورة هذه
الأم الرثة التي تركها زوجها، ولذا فهي تلعب دور الأب والأم معاً بالنسبة
لابنها وتعيش معه بلا مورد مادي ودون أي دعم نفسي يعزز لها حياتها .
والواقع أن المخرج جون مارك، أرادها أن تكون امرأة قاسية تتجاهل نفسها
وأنوثتها كلياً ولذا كان علي أن أظهر بلا ماكياج، شاحبة الوجه، رثة الحال،
لتغطية شكلي الطبيعي القريب إلى الفتاة المدللة والمرفهة . ولقد عثر لي
المخرج على حذاء قذر للغاية من أجل أن يركز على الجانب الجسدي والنفسي
المدمر لهذه المرأة المتعبة التي تعمل بجد وتصعد السلالم على قدميها، وتعيش
بفقر مدقع خائفة على لقمة عيشها وهرباً من الجوع خاصة أنه في تلك الفترة
كانت نسبة الأمل في الحياة لطفل مصاب بمرض (المتثلث الصبغي) الذي يحول إلى
شخص يسمى بالمنغولي، تبلغ 25 سنة فقط، وفي هذا الجو تحاول هذه الأم أن
تتحمل نظرات الآخرين المتقززة منها حيناً والمشفقة عليها حيناً آخر كما
أنها تحاول دعم طفلها نفسياً وجسدياً لأنها تريده أن ينمو ويتطور أمام
عينيها وأن تجعل منه شخصاً يحبه الآخرون بأي ثمن، وهذا هو التحدي الكبير
بالنسبة لها .
·
هل نجحت في تحقيق رهانك في تأدية
الدور ببراعة وبنجاح هذا الفليم؟
- الأمر بالطبع يرجع إلى المشاهدين فهم الحكم في ذلك، لكن من خلال
مشاهدتي للفيلم أظن أنني استطعت تحقيق هذا الهدف خاصة أن الطفل الذي قام
بمشاركتي في الدور هو ماران جوريه وهو طفل ذكي وخفيف الظل، ولقد استلطفته
واستلطفني منذ اللحظة الأولى عندما تقابلنا في الاستديو، كما أن والديه
الرائعين منحانا الثقة الكاملة وقدما لنا كل الوسائل الممكنة لفهم شخصية
ولدهما من أجل التعامل معه بشكل مريح . وأعتقد أن هذا الأمر كان ضرورياً
لأنه ثمة لحظات يجب على الممثل وبالتالي على الولد أن يرتجل المشهد ولا
يكتفي فقط بالنص المكتوب .
·
هل ساهمت تجربتك كأم في تذليل
العقبات التي واجهتك أثناء تأدية الدور أو التعامل مع الطفل؟
- بالطبع هذا الأمر يخدم كثيراً في النواحي الجسدية كمعرفة كيفية
الاهتمام بالطفل وتغيير ملابسه أو الباسه الهندام وطريقة مساعدته في
الاستحمام والنظافة إلى غير ذلك من الأمور اليومية . وأعتقد أن الممثلة
الأم تتصرف بعفوية مع الموضوع أكثر مما لو كانت ممثلة عادية عزباء، لكنني
أعتقد أيضاً أن الإنسان يمكنه أن يصل إلى الانصهار مع الآخر من دون الحاجة
لمعرفته مئة في المئة والأمر يوجد في الصداقة أو حتى في الحب .
·
لاحظنا في الآونة الأخيرة أن حمى
التمثيل تملكتك بالفعل وغدوت لا تكفين عن التواجد في مواقع التصوير؟
- هذا صحيح فأنا اشتغلت على فيلم للمخرجة آن لوني بعنوان “كورنوال”
وهي مقاطعة في منطقة بريتني الفرنسية، وحالياً أقوم بتصوير فيلم من إخراج
سيسيليا رونو مع الممثلين جيلز لولوش وليا دروكير بعنوان “تضاءلت أمامها”،
وأقول للواتي لم يتعالجن لكنهن يبدين اهتماماً بالتحليل النفسي، أن مهنة
التمثيل هي طريقة للشعور بأنك أفضل، بل هي علاج للعديد من الأوهام النفسية،
وأنا أعتقد أن تجسيد شخصية ليست على قيد الحياة أو شخصية حية أو أن تكون في
ثوب شخص آخر دون أن يشعر أحد بك هو أمر رهيب بالفعل ويقترب من مرحلة
الجنون، ولاشك أن مسألة ارتداء ملابس الآخر وتصفيف الشعر بطريقة مختلفة
وترديد كلماته أو أن تكون في خدمة رواية ما وتظهر حقيقتها إلى النور، هذه
هي المسألة الإنسانية التي تجعل الإنسان يتقدم في عمله ويخدم الآخرين لأن
مفتاح نجاح أي عمل في حياة الإنسان يتمثل في التضحية من أجل الآخرين أو في
سبيل قضية ما .
الخليج الإماراتية في
15/02/2012
الرقابة "قبضت" على فيلمه 15
عاماً
بشير الديك: "المنصة" لا يجامل
أحداً
القاهرة - “الخليج”:
أبدى السيناريست بشير الديك سعادته بإفراج الرقابة على المصنفات الفنية
أخيراً عن سيناريو فيلمه “المنصة”، الذي كتبه قبل 15 عاماً، ودخول الفيلم
حيز التنفيذ، حيث بدأ الإعداد له مع المخرج منير راضي، في اختيار الممثلين
الذين سيشاركون في البطولة وبقية فريق العمل، واختيار أماكن التصوير ورصد
ميزانية له .
“الديك” أكد أنه لن يقبل وصاية من أية جهة على الفيلم الذي يتناول ضمن
أحداثه يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام ،1981 وهو اليوم الذي شهد
مقتل الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، فيما اشتهر باسم “حادث المنصة”، حيث
تظهر أحداث الفيلم كيفية الاستعداد لهذا اليوم ولتقديم العرض العسكري الذي
حضره السادات، وعلى الجانب الآخر يظهر الفيلم استعداد الجماعة التي خططت
لاغتياله خلال مرحلة التخطيط، وكيفية تنفيذ المخطط حتى تم اغتياله على
“المنصة” أثناء العرض العسكري .
ونفى بشير الديك أن يكون عرض سيناريو الفيلم على عبود الزمر، أحد الذين
شاركوا في حادث المنصة وتم الإفراج عنه بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني،
بعد أن أمضى ثلاثين عاماً داخل السجن، كما نفى أن يكون قد قرأ السيناريو
أشخاص أو جهات محددة أو أي شخص له علاقة بالحادث أو جرت مقابلات بينه
وبينهم، حتى لا يتأثر الفيلم بوجهة نظر معينة، وكي لا يجامل أحداً، نافياً
أيضاً أن تكون نتائج الانتخابات في البرلمان المصري سبباً لتغيير وجهة نظره
في إظهار دور التيارات الإسلامية من خلال الفيلم، مشيراً إلى أنه اعتمد في
كتابة سيناريو “المنصة” على أكثر من 10 مراجع، لعدد من كبار الكتاب منهم
محمد حسنين هيكل، وعادل حمودة والمحامي شوقي خالد .
بشير الديك قال إن أحداث الفيلم تبدأ يوم 30 سبتمبر/أيلول ،1981 عندما أصدر
السادات قراراً بالقبض على 1300 شخص من عقلاء وحكماء ومفكرين مصريين، من
بينهم البابا شنودة والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وغيرهما، وتستمر
الأحداث لتصل إلى يوم السادس من أكتوبر، ثم وقوع حادث المنصة وبعدها تبدأ
المحاكمات، وستشهد أحداث الفيلم دور التيارات الإسلامية التي لها علاقة
بحادث المنصة مثل “جماعة التكفير والهجرة” و”الجماعة الإسلامية”، لافتاً
إلى أنه كتب هذا الفيلم منذ ما يقرب من 15 عاماً، أي بعد اغتيال السادات
بخمسة عشر عاماً وأنه اعتمد في كتابته على مراجع موثقة، وأنه اتفق ومخرج
الفيلم منير راضي على عدم الاستماع لأشخاص، من أي طرف، حتى لا يتعرضوا
لآراء متناقضة .
وأشار الديك إلى أنه لن يكون هناك ممثل سيجسد شخصية السادات، وإن مشاهد
حضور العرض العسكري والاغتيال ستكون حقيقية من خلال مادة وثائقية، خاصة أن
أحداث المنصة متوافرة وثائقيا بالألوان، أما بقية أبطال الفيلم فسيجسدهم
ممثلون تم ترشيحهم للأدوار التي يتناولها السيناريو، حيث تم ترشيح الفنان
نور الشريف ليجسد شخصية المحامي شوقي خالد، وهو محامي خالد الإسلامبولي
المتهم الذي يعد الشخصية المحورية في الفيلم والذي حكم عليه بالإعدام، أما
بقية الأبطال فلم يتم الاستقرار عليهم حتى الآن .
وأضاف: هناك أسئلة مهمة جداً لن يجيب عنها الفيلم، أهمها عدم البحث أو
محاولة الكشف عن الجهة التي كانت وراء التحريض على مقتل السادات، بقدر ما
يحاول الإجابة عن الأسباب التي دفعت مجموعة من ضباط الجيش المصري لقتل رئيس
الجمهورية في ذلك الوقت، غير أنه ستتم الإشارة إلى ما ذكرته الصحف المصرية
عن زيارة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك للولايات المتحدة الأمريكية قبل
مقتل السادات بأيام، والمعاملة التي كان يلاقيها من الأمريكان على أنه رئيس
الدولة القادم، ولن يوجه الفيلم اتهاماً صريحاً للرئيس المخلوع بأنه من كان
وراء مقتله، كما صرح البعض بذلك، أو كما وجه له بعض الأشخاص اتهاماً صريحاً
بذلك .
يذكر أن فيلم “المنصة” كتبه بشير الديك منذ 15 عاماً كما قال، غير أن نظام
الرئيس الأسبق منع تنفيذ الفيلم من دون إبداء أسباب، وقد رفضته الرقابة على
المصنفات الفنية ثلاث مرات خلال 15 سنة، لدرجة أن الكاتب محمد حسنين هيكل
تعجب من موقف الرقابة هو والمخرج منير راضي، لأنهما ظنا أن هذا الفيلم كان
من الممكن أن يخرج إلى النور في ظل وجود مبارك ونظامه، غير أنه كان يلقى
الرفض في كل مرة، حتى أفرجت الرقابة على المصنفات الفنية عنه أخيراً .
الخليج الإماراتية في
15/02/2012
عين على الفضائيات
الرقابة الجديدة لا ترحم
مارلين سلوم
انبشوا في الدفاتر القديمة، افتحوا الملفات، فتشوا عن ثأر قديم أو قضية
“ساخنة” يمكن إثارتها الآن وفي هذا التوقيت بالذات، كي تلقى ردود أفعال
وتهيّج الشارع وتنجح في تفرقة الصفوف وإثارة الذعر بين النفوس .
افتحوا الملفات الشخصية لتحاسبوا الناس على ماضيها وعلى أعمالها، طالما أن
الساحة مباحة وكلاً يطالب بحقوقه، وينتهز الفرصة ليجد لنفسه مكاناً فيضمن
أن صوته سيلقى صدىً ويحدث نوعاً من البلبلة.
هذا هو الحال الآن في أكثر من دولة عربية، وكأن عدم الاستقرار السياسي
والاقتصادي والحياتي ككل غير كافٍ، ليأتي من يجعل القانون عصاً يهدد بها كل
من يخالف توجهاته . ولأن مصر تحاول أن تتلمس طريقها نحو التغيير، يبادر
أفراد وجمعيات وأحزاب ومنظمات إلى شدها من يدها كي تسلك المسار الذي يختاره
كل طرف لها، ولكي يصبح الغد ملكهم وحدهم، وتصبح “البلد” لينة تلبي مبادئهم
وتنهج نهجهم .
كثر خافوا على مستقبل الفن حين فاز حزبا “الحرية والعدالة” الإخواني
و”النور” السلفي في الانتخابات البرلمانية وحصدوا النسبة الأكبر من المقاعد
. لكن أحداً لم يخطر بباله أن يخاف على الماضي، وأنه سيأتي سريعاً من
يحاسبه عليه ويدفّعه اليوم ثمن ما قاله أو قدمه قبل 16 عاماً، مثلما حصل مع
الفنان عادل إمام الذي وجد نفسه فجأة متهماً ومحكوماً عليه بالسجن بسبب
“ازدرائه الدين الإسلامي” في أكثر من فيلم . هل هو انتقام وثأر نام عنه
أصحابه طوال سنوات قمعهم من قِبل النظام السابق، إلى أن جاءت ثورة 25 يناير
فقرروا تنفيذه؟
من الطبيعي أن يتعرض أي فنان للمحاكمة في قضايا وأن يدخل السجن، فهو إنسان
من الممكن أن يخطئ، ولا أحد فوق القانون، لكن هل من الطبيعي أن يأتي من
يحاسب الفن والسينما وأهلها على أعمال قدموها قبل سنوات طويلة ويطلب
محاكمتهم الآن لأنهم ما زالوا على قيد الحياة؟ ماذا كان مصير تلك الأفلام
لو لا سمح الله كان الفنان عادل إمام غادر الحياة قبل أن تولد الحرية في
25 يناير؟ هل كانت ستحرق أم تتلف من أرشيف السينما المصرية؟
نذكر أن الكنيسة القبطية استنكرت صورة الرجل القبطي المتشدد في فيلم “ألوان
السما السبعة” وشن البعض حملات ضده وحاولوا منع عرضه، لكنه رأى النور ووصل
إلى كل المشاهدين ومازالت القنوات الفضائية تعرضه بين الحين والآخر، وهو
يُعد من الأفلام القوية التي تم إنتاجها في السنوات الأخيرة . فهل يجب
محاكمة محمود حميدة وليلى علوي الآن على هذه الصورة التي قدما فيها الأسرة
القبطية، والتي بدت متزمتة وقاسية؟ أم هل من المفترض التحريض عليهما الآن
خصوصاً أن ليلى من أنسباء الرئيس السابق؟
القضية ليست محصورة بشخص عادل إمام وما تضمنته أفلامه المقصودة في التهمة،
بقدر ما هي قضية أشمل وأعم تنذر بموجة من “الرقابة” الآتية على ظهر الثورة،
تهدد الفكر والإبداع وحرية الرأي . موجة يبدو أنها تتسلل إلى الفن رويداً
رويداً، ليجد الفنانون أنفسهم أمام نوع آخر من النضال، وعليهم أن يقلبوا
البندقية إلى الكتف الآخر كي يكسبوا رضا أهل الحكم والسياسة الجدد، ولا
نعني المتربعين على كراسي البرلمان فقط، بل كل من يرفع رايتهم مهما “صغر
شأنه” . وإلا بماذا نفسر ما حصل في حرم جامعة عين شمس، حيث “اضطرت” إدارة
كلية الهندسة إلى فسخ اتفاقها مع أسرة مسلسل “ذات” وإعادة المبلغ المدفوع
لها مقابل السماح بتصوير بعض المشاهد فيها؟
ما هو “ذات”؟ هو مسلسل تنتجه شركة “أفلام مصر العالمية” عن رواية الكاتب
صنع الله إبراهيم، كتبت السيناريو مريم نعوم وتخرجه كاملة أبو ذكري . أما
لماذا تم طرد فريق عمله من الكلية؟ فلأن بعض الطلاب اعترضوا على ملابس
الممثلات فقرر عميد الكلية منع التصوير “حقناً للدماء” . ولعل أكثر ما يلفت
في الحادثة، انصياع العميد لرغبة طلاب الإخوان الذين اعترضوا على الملابس،
وخوفه من “الدماء” التي ستراق في الكلية إذا لم يستجب لمطلبهم، وإصرار
هؤلاء على منع التصوير “إلا إذا عدلت الأزياء لتستجيب لرغبات الجماعة” .
والمعروف أن أحداث المسلسل تدور في السبعينات، ومن الطبيعي أن ترتدي
الممثلات أزياء تلك الفترة . فهل ما حصل ينبئ بغدٍ لا يرحم، يسمح لأي كان،
حتى إن كان تلميذاً، أن يهدد بالفوضى والعصيان والقتل إذا لم تنفذ إرادته؟
وهل عيون الرقابة الجديدة ستلاحق السيناريوهات والروايات على الأرض لا على
الورق، لتقص و”تلزق” ما تشاء منها وتتدخل حتى في أزيائها بغض النظر عن
السياق الأدبي والفني للمسلسل أو الفيلم؟
حين بدأت تنتشر موجة مخاوف الفنانين من تشدد الإخوان المسلمين والسلفيين
وفرضهم شروطاً صارمة على الفن وأهله بما يحد من حرية الفكر والإبداع،
حسبناها أوهاماً وأحكاماً استباقية يصدرها الفنانون على “السياسيين الجدد”،
خصوصاً أن كبار “الجماعة” أكدوا وقتها أن لا أحد سيمس الفن، وفضيلة شيخ
الأزهر الدكتور أحمد الطيب أصدر، بالاتفاق مع القوى السياسية المختلفة،
وثيقة الأزهر المشهورة والتي تضمن حرية الرأي والإبداع الفني والأدبي في
مصر . لكن ما يحصل يعيدنا إلى حيث توقف الفنانون لنخاف مثلهم ونسأل معهم:
هل قدر الفن أن يُحاصر في كل العهود والأزمنة ليسيّره كل عهد وفق أهوائه لا
وفق ما يقتضيه الإبداع وما يتناسب مع الأخلاق والمجتمعات؟
هل مقبول في الوقت الذي تلوح فيه أفق التفاؤل من “فك أسر” فيلم “المنصة”
للسيناريست بشير الديك بعد أن “سجنه” النظام السابق 15 عاماً، لأنه يتناول
اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ويتوافق مع تطلعات “الجماعة”، أن
يعتقل الفنان عادل إمام وتتم محاسبته عن فيلمه “الإرهابي” الذي شاهده الناس
قبل نحو 16 عاماً؟
هل علينا أن نتفاءل ونصدق ما قاله قبل أسابيع مسؤولون في جماعة الإخوان عن
حرية الفكر والإبداع في مصر والتعهد بعدم المساس بهما وبكل أنواع الفن،
بينما نشهد “اعتقالات” فكرية من نوع جديد تبدأ من ملابس الممثلات في
الأفلام والمسلسلات (لا في الشوارع!) وتصل إلى المحاسبة على الماضي، ومن
المؤكد أنها لن توفر لاحقاً مضمون الأعمال وما تعرضه الشاشات خصوصاً في
رمضان؟
وإذا تحكمت “مجموعة من الطلبة” في قرارات عميد الكلية الآن وفي ظل الحرية
والثورة ومع بداية بزوغ فجر الديمقراطية، فكيف سيكون الحال غداً بعد أن
تحكم “الأكثرية” وتستكين الثورة؟
smarlyn111@hotmail.com
الخليج الإماراتية في
15/02/2012
الحكم بحبس عادل إمام أعاد فتح الملف الشائك
الفنانون يرفضون وصاية رجال الدين
القاهرة - حسن أحمد
من جديد عاد الصراع بين التيارات الدينية والمبدعين ليفرض نفسه على الساحة
الفنية في مصر بعد صدور حكم بحبس الفنان الكبير عادل امام ثلاثة أشهر
وغرامة ألف جنيه بتهمة ازدراء الدين الاسلامي في بعض أعماله وسخريته من
الجلباب واللحية في فيلمي «مرجان أحمد مرجان» و«الارهابي» ومسرحية
«الزعيم»، فهذه لم تكن المرة الأولى التي يقف فيها نجوم الفن أمام القضاء
لكنها تعيد فتح جراح حرية الابداع التي تواجه خطرا شديدا في ظل صعود
التيارات الدينية في هوليوود الشرق بعد ثورة 25 يناير.
فقبل حوالي 12 عاما واجه المخرج العالمي الراحل يوسف شاهين اتهامات
بالتكفير بسبب فيلم «المهاجر» وتقديمه لقصة النبي يوسف على الشاشة الفضية،
وكان عادل امام نفسه بطلا لقضية أخرى بشكل غير مباشر من خلال فيلم «طيور
الظلام» حيث رفع أحد المحامين المنتمين للتيار الديني دعوى قضائية ضد
الشركة المنتجة للفيلم بسبب مشهد تظهر فيه الفنانة يسرا عارية الساقين وهو
ما اعتبره صاحب الدعوى تحريضا على الفسق والفجور، وقبله وفي نهاية
الثمانينات من القرن الماضي واجه الفنان يحيى الفخراني والفنانة معالي زايد
اتهاما بالفعل الفاضح بسبب أحد المشاهد الساخنة التي تجمعهما في فيلم «للحب
قصة أخيرة» تأليف واخراج رأفت الميهي وخضعت معالي زايد وقتها للتحقيق أمام
النيابة العامة وانتهت القضية بالحفظ بعد الكثير من الجدل.
وفي التسعينيات واجهت معالي زايد أيضا اتهاما بالفعل الفاضح بسبب مشهد ساخن
يجمعها بالفنان الراحل ممدوح وافي في فيلم «أبو الدهب» وانتهت القضية أيضا
بالحفظ.
وأكد المخرج خالد يوسف انه يرفض الحكم الذي صدر بحبس الفنان عادل امام شكلا
وموضوعا موضحا ان قيام الفنان الكبير بالاستئناف على الحكم يعد محاولة
للخروج من هذا المأزق لكن يجب وضع معايير تحفظ حق المبدعين في تقديم
أعمالهم بعيدا عن أي شكل من أشكال الوصاية الدينية.
وقال خالد يوسف: ليس مقبولا ان يتم اتهام أي فنان بالاساءة للدين الاسلامي
لأن ذلك يعد تفتيشا في ضمائر الناس، كما ان انتقاد رجل دين يرتدي الزي
الأزهري أو جلبابا أبيض ولديه لحية كثيفة يعني السخرية من الدين الاسلامي.
وأشار السيناريست سيد فؤاد الى ان مثل هذا الحكم بمثابة تهديد لحرية
الابداع لأنه يضع محظورات جديدة أمام المبدعين مؤكدا ان التيارات الدينية
تتعامل مع الفن بمنطق غريب فليس كل رجل دين متطرف نموذج لرجال الدين
الاسلامي.
وأضاف فؤاد: لست متفاءلا بمستقبل حرية الابداع في ظل صعود تيارات دينية قد
تضيق الخناق على المبدعين في شتى المجالات وليس في السينما والمسرح فقط،
وأتمنى ان يوضع نص صريح في الدستور المصري الجديد يحفظ حرية المواطن في
التعبير.
وأوضح الفنان فتحي عبدالوهاب ان الفن المصري طوال تاريخه كان رمزا
للاستنارة وليس مقبولا ان يحدث به نوع من الردة بعد ثورة 25 يناير مؤكدا
تضامن كل الفنانين المصريين مع عادل امام في قضيته.
وكشف عبدالوهاب عن أهمية تكاتف الفنانين المصريين في هذه المرحلة في ظل
وجود تصريحات غير مطمئنة في الفترة الأخيرة من بعض قيادات التيار السلفي،
موضحا ان جبهة الدفاع عن حرية الابداع التي تشكلت مؤخرا لن تسكت على هذا
الوضع.
وقالت الفنانة جيهان فاضل: أعتبر اتهام عادل امام بالاساءة للدين الاسلامي
غريبا لأن انتقاد رجل دين على الشاشة ليس له علاقة بالدين الاسلامي من قريب
أو بعيد، فرجل الدين أولا وأخيرا بشر يخطئ ويصيب، كما ان بطل فيلم
«الارهابي» مثلا لم يكن رجل دين بل شخص عادي فهم الدين خطأ.
وأضافت جيهان: في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها مصر حاليا كنت أتمنى ان
تتضافر الجهود من أجل استكمال الثورة وتحقيق أهدافها بدلا من الخوض في أمور
ليس لها قيمة، وكنت أتمنى ان يطالب صاحب الدعوى بسرعة محاكمة رموز النظام
السابق بدلا من سعيه لحبس فنان بحجم وقامة عادل امام.
النهار الكويتية في
15/02/2012 |