ليس من السهل الكتابة عن فيلم "دكتور جيفاغو" والصعوبة تكمن في كونه
فريدا، بسبب ما احيط به من ظروف سياسية وايديولوجية غريبة احيانا، وغموضه
احيانا اخرى، فشروط نشر رواية "بوريس باسترناك"1890-1960 و تهريبها بمساعدة
المخابرات المركزية، وطبعها حالا في اللغة الروسية في الغرب، ثم سرعة
ترجمتها الى عدة لغات في سرعة البرق لتدخل سوق "بيست سيلرز"الكتابي، وخلال
اقل من عام هذه تتوج بجائزة "نوبل" لعام 1958، الا يثير الانبهار هذه
السرعة؟، و هي الرواية التي لم تر النور في الاتحاد السوفييتي السابق. "باسترناك"كان
قد كتبها و أعاد كتابتها عدة مرات بين الثلاثينيات والاربعينات، و حاول
نشرها في مناسبات عديدة في كلها رفضت، بمعنى ان الرواية لم يقرأها اي مواطن
روسي، وهذا كان حدثا فريدا في نهج اكاديمية العلوم السويدية و تأريخها
الطويل في منح جوائزها رغم التأثير السياسي في معظمها، وهذا كان معروفا
ولكنها هذه المرة عبرت كل الخطوط الحمراء، وهذا أثار غضب الحكومة السوفييتة
وجعلها تضغط على الكاتب بشتى الوسائل كي يرفضها في برقية رسمية الى
الاكاديمية، و هو الذي بكى فرحا حال سماع فوزه الجائزة قبل ايام قليلة.
الحكومة السوفييتية أعتبرت الجائزة نوعا من الاهانة لنظامها، وبالتالي
أختلف المفكرين و الادباء في كل العالم في تقييم هذا الحدث الغريب، و حتى
العديد من الفلاسفة الغربيين تباينوا في التقييم، فالعديد منهم "اليساريين"
اعتبروا منح الكاتب الروسي هذه الجائزة كان بمثابة سلاحا جديدا يستخدمه
الغرب في هوس الكفاح ضد الشيوعية خصوصا بعد معرفة ان النسخة الاصلية كانت
على ضهر طائرة روسية أجبرت على الهبوط في جزيرة "مالطة" بحجة عطل تكنيكي، و
بعد افراغ الطائرة من المسافرين خلال ساعتين تمكن عملاء من المخابرات
المركزية تصوير النسخة الروسية بنفس سرعة الطائرة التي أقلعت بعد الاعتذار،
فأسرع هؤلاء بطبعها حسب تقليد المطابع الروسية كي تبدو و كأنها نشرت سابقا
في روسيا كي ترضي شرطا مهما من شروط الاكاديمية في منح الجوائز، و كما ذكرت
سابقا الرواية لم يقرأها حتى ذالك الحين غير "باستيرناك" و البعض من
أصدقائه، وبعد ذالك و بسرعة مذهلة ترجمت الى اللغة الايطالية اولا، ثم الى
عدة لغات أخرى، وهذه دخلت بسهولة في سوق "أحسن المبيعات" من الكتب في كل
العالم لتتوج لاحقا "بسرعة" في أرفع جائزة أدبية في العالم، وهذا أحرج
كثيرا الاكاديمية السويدية التي سرعان ما أتهمت بالتمييز في منحها الجائزة
ل"باستيرناك"، بسبب كل هذه الملابسات وليس بعدم جودة الرواية، فالرواية
كانت رائعة بحق، الاعتراض كان على الاسلوب الفريد و الغريب الذي سلكته، و
يقال انها، اي "الاكاديمية السويدية" في سياسة التوازن و حفظ ماء الوجه
منحت ذات الجائزة لكاتب روسي عظيم بعد 7 سنوات وهو "ميخايل شولوخوف"1905-1984
عن روايته الملحمية الرائعة "الدون الهادئ"، في عام 1965 –هنا نلاحظ ان
تأريخ هذه الجائزة يأتي في نفس عام عرض الفيلم، و الذي سيحصد 5 جوائز "اوسكار".
هل غرابة في في تناسب، و تعامد كل هذه الجوائز؟
الفيلم يغطي جغرافيا كل أراضي "روسيا" تقريبا، من حدودها الغربية
مرورا ب"موسكو" والسهوب الى جبال "الاورال" و "مونغوليا" معتبرا الشروط
الموسمية لكل أقليم، من ربيع زاهي الى شتاء قاسي البرد. و رغبة المخرج
البريطاني "ديفيد لين" 1908-1991 تصوير الفيلم على الاراضي الروسية أحبطت
بسبب رفض الحكومة السوفييتية طلبه هذا للاسباب التي ذكرتها سابقا، و ايظا
لم يفلح في التصوير في الاراضي اليوغسلافية بسبب العديد من العراقيل
البيروقراطية، و أخيرا وجد في اسبانيا البلد المناسب للتصوير لان تعدد و
تنوع طبيعته الجغرافية، و المناخية من سهول وصحاري و جبال. - كان "لين" قد
صور اكثر من نصف فيلمه الملحمي "لورنس العرب" 1962 في صحاري أقليم "الميريا"جنوب
أسبانيا - ثم ان اسبانيا كانت تملك بنية تحتية جيدة لصناعة السينما منذ
بداية الخمسينات، ففيها تم تصوير العديد من انتاجات هوليوود الكبرى، مثل
"55 يوما في بكين" و "ملك الملوك" و "سقوط الامبراطورية الرومانية"
و"السيد" و افلام اخرى لاتحضرني الان.
قدمت الحكومة الاسبانية "الفرانكوية" كل التسهيلات لتصوير الفيلم،
فوضعت تحت تصرف المخرج العديد من مؤسساتها العامة مثل محطات القطارات
وسككها الحديدية، و كذالك شركات النقل العام، لان الجنرال "فرانكو"كان قد
قرأء السيناريو قبل ذالك، و أعتقد انه بهذا سيساهم في مساعدة حليفته
"الولايات المتحدة" في حربها ضد الشيوعية، و هو كان يعتبر نفسه سوط
الشيوعية في جنوب اوربا ومعاداتها كان قلقه اليومي.
رغم الهوس و السرعة في انتاجه تأخر اعداد الديكورات أكثر من سنة، و
التصوير بعد ذالك دام اكثر من عام اخر، اما المونتاج فاستمر لمدة 8 أسابيع
في عمل متواصل وسريع و السبب هو حاجة شركة "مترو غولدين ماير" أدخاله
مسابقة جوائز "الاوسكار" للعام التالي، اي جوائز عام 1966. و هذا حصل، و
تمكنوا من عرضه عالميا في شهر ديسمبر 1965. و بنفس السرعة حاز على 5 منها،
وهذا بعد ترشيحه الى 10 منها، و هي كالتالي،
-
جائزة
احسن سيناريو للكاتب "روبرت بولت"1924-1995
-
جائزة
احسن تصوير للمصور اللندني "فريدي يونغ" 1902-1998.
-
جائزة
الموسيقى التصويرية ل"موريس جارري"1924-2009 الفرنسي الاصل.
-
جائزة
أحسن اخراج فني لثلاثة محترفين، "جون بوكس"، "داريو سيموني"، "تيرينس
مارش".
-
جائزة
ل"فيليس دالتون"على الازياء و الاكسسوار.
ولم يحالف الحظ "ديفيد لين"و لا مدير المونتاج "نورمان سافيج" رغم
استحقاقهما ذالك بأعتقادي، و لان "لين "منح الفيلم مشاهدا غاية في الغنائية
و العذوبة الشاعرية، و هو المخرج الذي لم يكن له جمهورا خاصا، فهو كان
الوحيد من اؤلئك العباقرة الذين لم يكن جمهوره محددا كما يحدث، أفلامه كانت
لمختلف انواع المشاهدين، و تعرض لنقد لاذع من اعدائه و من اصدقائه كما
سيحدث لاحقا مع الممثل الرائع "عمر الشريف" 1932.
اما طرائف تصوير الفيلم في اسبانيا فهي لا تحصى، مثلا اثنا التصوير في
مدريد التي لا تثلج عادة كما في مواقع تصوير اخرى أضطر المنتج "كارلو بونتي"
شراء الاف من اطنان الملح لينثرها في الشوراع والسطوح ليعطي انطباعا لمدينة
موسكو الشتائية، و هذا كان ربيعا بالنسبة لتجار الملح في أسبانيا، وفي
لقطات اخرى تضطر شركة الانتاج مرة اخرى شراء كل الشراشف البيضاء في اسواق
الاقمشة ونشرها على قمم التلال المحاذية اثناء التصوير في محافظة "سوريا"
شمال مدريد لعدم سقوط الثلج في تلك الايام،
ولكن من أجمل الطرائف المضحكة و المبكية في نفس الوقت كانت لقطة
القطار الذي يقوده "ستيرلينكوف"لمحاربة فلول الجيش الابيض، فكما يلاحظ ان
القطار كان مزينا بالاعلام الحمراء، و شعارات المنجل والمطرقة، والنجمة
الحمراء، في ذالك العام كان الافا من السجناء السياسيين، و معظمهم من
الشيوعيين المحكومين بالاعمال الشاقة، على جوانب الطرق الرئيسية، و السكك
الحديدية، هذا القطار يمر منتصرا حقول السجناء المدانين ليبدؤ الهتافات
بحياة الجمهورية الاسبانية، و تخيلوا لاؤل وهلة ان الجمهورية انتصرت من
جديد، وهذا الامل لم يدم طويلا لان حراس الفاشية اقنعوهم ان هذا ليس اكثر
من "بروفة" لتصوير فيلم جديد، و سرعان ما شعروا بالاحباط، الامل دام دقائق
لا أكثر، بعد 3 سنوات من أخراجه فيلم "لورنس العرب" كان "ديفيد لين" قد قرر
الاستراحة من العمل السينمائي لفترة، و في حقيبته كان يحمل سيناريو "بولت"الذي
كان يحاول تجنبه و عدم قرائته، ولكنه في ليلة استرخى و قرأئه، و بعد يومين
أتخذ القرار بأخراجه.
الفيلم كما هو في الرواية تقريبا يحكي قصة الطفل اليتيم "يوري جيفاغو"
بدئأ من مراسيم دفن والدته التي لا ترثه غير الة "البلالايكا "الموسيقية
التي احترفت عزفها، وهذا ينقل مع أقربائه الى موسكو ليبدأ حياة جديدة في
العاصمة بعيدا عن تلك الاقاليم الشرقية الباردة، القصة يرويها بعد سنوات
اخيه غير الشقيق الجنرال"ييفغراف" في بحثه الدائم عن ابنة "جيفاغو" و التي
كانت ثمرة الحب المستحيل من علاقته بوالدتها، هنا يلعب الممثل "اليك غينيس
"1914-2000 دور الجنرال هذا، و رغم ان ظهوره في الفيلم كان قصيرا و متقطعا،
كان يبدو تأثيره للمشاهد كواحد من عناصر الفيلم الرئيسية، و بحثه هذا كان
وعدا قد تعهد به اثناء مراسم دفن اخيه لعيشقة الدكتور، و هذا أخيرا يعثر
عليها بعد سنوات في احد مراكز العمل الاصلاحية و هي كانت قد فقدت في
طفولتها، و لا تتذكر شيئا خلال ذالك القصف الرهيب الذي تعرضت له مع والدتها
وهنا يتحرك الفيلم في "فلاش باك" بعيد في الزمن، هي لا تتذكر شيئا، ولكنه
يقتنع أنها ابنة أخيه بعد رؤيتها و هي تغادر المصنع و تعلق على كتفها تلك
الالة الموسيقية الروسية الشعبية على كتفها، وهي الالة التي لم يفارقها
"يوري "طوال حياته.
في ظروف سياسية و اجتماعية عصفت بروسيا منذ ولادته حتى وفاته، ظروف
هزت تأريخ العالم الى يومنا هذا. الطبيب، الشاعرالذي كان يداوي الام الروح،
يطبب جروح الجسد، و هذا يجربه بجلده الدكتور جيفاغو الذي يقوم بدوره الممثل
"عمر الشريف" 1932 الذي يحمل على اكتفه كل لقطات الفيلم تقريبا، و هذا ما
تعمده "ديفيد لين" قصدا، فهو اشتغل بجهد في تفريغ شخصية الممثل الرئيسي
ليعيد بنائها من جديد، وكان عمر الشريف على مستوى تطلعات المخرج الذي كان
يريده وديعا و طيبا في شخصية شاعر، وهذا دور جديد للممثل الذي لم يعتاده في
أفلامه السابقة، و يؤدي الدور بجدارة رائعة رغم انه اصبح بعد ذالك عرضة
لنقد غير عادل من الاصدقاء و من الاعداء على السواء، و منع الفيلم في
العديد من الدول العربية بسبب اشاعات لا صحة لها حول "صيهيونية" الممثل
العظيم.
"يوري جيفاغو" الشاعر المرهف الحس، العادل في تقييمه السياسي للنظام
القيصري في روسيا، المتضامن مع الطبقات المسحوقة الذي احيانا نراه اكثر
"بلشفية "من قادة الثورة في أيمانه بالعدالة والقيم الانسانية و لم يبكي
مصيره حينما انتزعت املاك عائلته، و حينما اجبر على العمل قسرا ليلا ونهار
في كل جبهات الحرب خلال تلك السنوات العاصفة، من الحرب الاولى مرورا بثورة
اكتوبر والى الحرب الاهلية، ولو نقارنه سلوكه هذا مع قادة المليشيات
الثورية نجده في الكثير من الاحيان اكثر منهم شيوعية، و كل الجروح التي
عالجها كانت تبدو جروحه، و طراوة روحه النقية تفتح دربا جميلا في أرض الشر
والعدوان حينما تختفي العدالة الانسانية، و رغم تشرده في فوضى الحرب يتمكن
من جمع فتات قلبه ليشعر بالحب مرة اخرى، حبه الثاني و الاخير، "لارا" دور
تقوم به البريطانية الشابة "جولي كريستي"1941 التي كانت تعي جيدا نوايا
مواطنها المخرج "لين" لتكون أساسا ثانيا في صناعة الفيلم، فهي تقوم بدور
فتاة مراهقة تنضج بسرعة، فهي كانت تعاشر عشيق امها المحامي الانتهازي
الفاسد "كوماريسكي"، شخصيته يمثلها الفنان المخضرم "رود ستايغر" 1925-2002.
"لارا" في اكتشافها زيف العلاقات الانسانية وهي الان امرأة كاملة تحاول قتل
المحامي الفاسد لتضع حدا لوضع اجتماعي محرج، ثم تتزوج صديقها الشاب الفوضوي
حينذاك"ستيرلينكوف" دور يقوم به "توم كورتيني"1937، و هذا كان معاديا
للبلاشفة في البداية لينتهي كواحدا من قاداتها القساة بعد انتصار الثورة،
انا لا اتخيل اي ممثلة اخرى غير "جولي كريستي" في امكانها اداء دور "لارا"
الصعب.
بعد وفاة والدة "يوري" و انتقال هذا الى موسكو مع اقربائه ينتهي طالبا
في كلية الطب، و رغم جدارته في البحث الطبي يختار هو مهنة العلاج الصحي
لانه كان يريد الاقتراب الى المرضى و معالجتهم لا الانغلاق في مختبر.
و السرد الحقيقي للقصة يبدأ فعلا في العلاقة الغريبة بين المحامي
الفاسد"كوماريسكي"و ام الفتاة المراهقة "لارا"، و مع هذه أيضا و التي تنتهي
في محاولة الاغتيال لهذا العشيق المزدوج في احتفال أرستقراطي بذخ في موسكو
بينما كان الشعب الروسي يتضور جوعا، هنا يتعرف "جيفاغو"على المحامي اثناء
علاجه له، ويعرف تأريخه في النصب والاحتيال، ولكنه رغم هذا لا يتورع في
معالجته من جروحه، و في تلك تبقى في ذاكرته صورة الشابة الجميلة "لارا"الى
ان يلتيقها بعد سنوات في جبهة اوكرانيا أثناء الحرب الاولى، ويعملا معا
ليولد عشق جديد لم يكن قد جربه الشاعر سابقا، ولكنه في نفس الوقت كان عاشقا
لزوجته "تونيا" –جيرالدين شابلن-1944، و بعد انتهاء الحرب يعود بيته الكبير
ليجد ان اللجان الثورية كانت قد صادرته لحساب الفقراء ويقبل هذا على مضض،
ولكنه كان يعي مرارة وقسوة تلك الايام، ولكن اخيه القائد في الثورة
المنتصرة يحميه من بعد، الى ان يقترح عليه مغادرة موسكو الى البيت الريفي
البعيد في الشرق. و هنا تبدأ رحلة قطار رهيبة يتذكرها كل عشاق السينما، و
كما يبدو تاريخيا ان السفر القطاري في روسيا كان و ما يزال بعيد المدى، ففي
هذا القطار، و تنوع مسافريه يتجمع كل الالم الانساني في معاناة التشتت و
الهجرة الاجبارية، و الظلم القاسي، هنا نرى الممثل الالماني الشهير "كلاوس
كنسكي" 1926-1991 في دور قصير ولكن مؤثر ففي لحظات حمقه، ونزاعه ضد الكل
يطرح الفكرة الفوضوية في خصامها الابدي مع كل نظام و تنظبم، فهو يعنف الكل
على السواء، الضعفاء بسبب خنوعهم، و الحراس قسوتهم، فهو لايترك رأسأ على
دمية، وكما يذكر، "الفوضوية" كانت تيارا مهما في الانجاز الثوري الروسي، في
عنفها الخطابي الساخر و اللاذع لكل الانظمة السابقة و اللاحقة، وكل هذا في
دور قصير يلبي نيات المخرج في عدم ترك أي تفصيل سياسي، او أجتماعي في سنوات
التحول العنيفة تلك.
بعد سفر متعثر و اليم يصل "جيفاغو"مع عائلته ليجد ان بيت العائلة
الكبير كان قد صودر ايظا من قبل اللجان الثورية، و يجبروا العيش في الكوخ
المحاذي للدار وسط لعنات والد زوجته "اليكساندر ماكسيموفتش" الذي يقوم
بدوره البريطاني ايظا "رالف ريدتشاردسون"1902-1983. وفي القرية تمر فصول
السنة في وحدة الكوخ، و بعد الحاح والد زوجته يزور الطبيب مكتبة المدينة
العامة، وهناك يلتقي مرة أخرى حبه القديم ليعيشه من جديد مع "لارا" في هدؤ
ذالك الاقليم الذي كان يغلي من جوانبه الشرقية لان الجيش الاحمر لم يتمكن
من السيطرة الكاملة عليه، يعيش الحب في كل تناقضه و المه، ويتفاقم شعوره
بالذنب أتجاه زوجته الطيبة "تونيا"، و يقرر فجأة قطع علاقته الغرامية هذه،
و بعد ابلاغ عشيقته "لارا" قراره العادل و المؤلم في لحظة مليئة
بالدراماتية وهو على حصانه في طريق العودة الى بيته تتصدى له مفرزة من
الجيش الاحمر الذي كان مازال في مناوشات عسكرية مع الجيش الابيض، ويجبر على
مرافقتهم كطبيب خلال عامين و في جبهات قتالية عديدة، و لا يدري مصير
عائلته، و لا ما حدث مع عشيقته، بعد ذالك يتمكن من العودة في حالة هذيان
معقدة عبر اميال من الثلج والبرد القاسي، مشاهد العودة هذه صورت في
"فنلندا"و قريبا من الحدود الروسية، يعود ليلتقي حبييبته "لارا" و منها
يعرف ان عائلته تمكنت من السفر الى "باريس".
تنتهي القصة بعد ظهور المحامي السيئ في محاولة محيرة لانقاذهما من خطر
على وشك الوقوع، ويرفضون عرض المساعدة اولا، ولكنه بعد تعيينه وزيرا للعدل
في الحكومة البيضاء المؤقتة يعود مرة أخرى للمساعدة، و هنا يقنع "زيفاغو"
ان قدره محسوم، و هو لا يريد مساعدة المحامي الدنئ، لكنه كان يريد انقاذ "لارا"
و أبنته و يقبل على مضض. و يتمكن من العودة الى موسكو، و بواسطة أخيه يعين
في احد مستشفيات العاصمة، ولكن جروح قلبه لم تكن لتضمد، وفي النهاية وكما
في بداية الفيلم وهو راكبا "التراموي" يرى "لارا" تمشى رصيف الشارع بأعتدال
كما دائما فيصيبه الهلع، وبين صعوبة ايقاف عربة النقل و محاولاته اثارة
انتباهها عبر زجاج النافذة و استحالة هذه تتفاقم فيه حالة "الفوبيا" التي
تتمكن من قلبه المريض، في المحطة يسرع خلفها و هي لا تراه، يناديها ولكن
صوته كان أصم بينما كان يقاوم ما تبقى من قلبه. هذه واحدة من اللقطات
المثيرة في الفيلم كما كابوس، يريد الاسراع ولكنه يبطئ، يريد الصراخ وصوته
أخرس، و هذه من أسوأ حالات الضعف المميت، و هكذا يموت وسط الشارع مجهولا.
"ديفيد لين"يصنع فيلما رائعا في غنائيته، و دور "عمر الشريف" ممثلا لا
يقارن بجودته، كما "جولي كريستي"فهما الاثنين اساس كل صناعة الفيلم، الذي
يؤرخ قصة حب طرية في شتاءات قاسية ومواسم ربيع مليئة بأزهى اللالون كما
يؤرخ مرحلة تحولات سياسية و اجتماعية تركت للتأريخ أرثا لا ينسى مايزال
يتفاعل مع الحدث اليومي الذي نعيشه الان..
إيلاف في
29/01/2012
بعد مرور عام على الثورة.. القوائم
السوداء للفنانين المصريين لا تزال تلقى رواجا
نقاد وجمهور لـ «الشرق الأوسط»: لن تمحى من
ذاكرة
الثورة والتاريخ لا ينسى
القاهرة: سها الشرقاوي
بعد مضي عام على ثوره 25 يناير واحتفال المصريين بذكراها الأولى، لا
تزال القوائم السوداء والبيضاء، التي صنفت الفنانين المصريين تحت مظلة
الثورة تلقى رواجا لدى الجمهور، خاصة أنها كشفت مواقف الفنانين من الثورة،
فمن هم «معها» احتفى بهم الثوار في ميادين مصر، ومن هم ضدها أدرجوا في خانة
«الفلول» من أتباع النظام الحاكم السابق الذي أطاحت به الثورة، والمفارقة
أن الكثير من هؤلاء كانوا من الفنانين المحبوبين لدى قطاع كبير من شباب
الثوار، وكانوا يأملون أن يساندوا ثورتهم، أو حتى يكتفوا بالصمت، بدلا من
مهاجمة الثورة، مثلما فعل البعض منهم.
في معسكر القوائم السوداء فقد الكثير من الفنانين شعبيتهم وخسر العديد
منهم أسهمه عند الجمهور العربي، ورغم أن آخرين منهم يحاولون تحسين صورتهم،
ما زالت الدعوات مستمرة لمقاطعه أعمال هؤلاء، وقد نجحت بعض هذه الدعوات في
التأثير على الجمهور. خاصة أنه تصدر القائمة السوداء عادل إمام وعمرو دياب
ويسرا وتامر حسني وحسن يوسف وإلهام شاهين وعفاف شعيب وغادة عبد الرازق. أما
القوائم البيضاء فتصدرها خالد الصاوي وعمرو واكد وتيسير فهمي وجيهان فاضل
وخالد أبو النجا وغيرهم ممن علت أسهمهم عند الجمهور.
«الشرق الأوسط» استطلعت آراء كوكبة من المتخصصين في الفن، وسألتهم كيف
يرون هذه القوائم، وهل ما زالت مؤثرة لدى الجمهور، بعد مرور عام على
الثورة؟
الناقدة ماجدة موريس تجيب قائلة: «إن الجمهور لم ولن ينسى أن نجومه
المفضلين خذلوه بآرائهم غير المتوقعة؛ بل كانت سببا في تضليلهم للوصول إلى
الحقيقة أثناء اندلاع الثورة، وعلى سبيل المثال كيف ينسى الجمهور ما قالته
سماح أنور مطالبه بحرق المتظاهرين، وأيضا آراء تامر حسني، مستندا على أن
لديه جماهير وطالب الناس بالرجوع إلى بيوتهم وترك الميدان. الجمهور لا يرحم
هؤلاء مهما مرت السنين، القوائم السوداء ما زالت قائمه ولم تنته ولم تتجاوب
معهم الجماهير، حتى مهما يفعلواحد من هؤلاء لتحسين صورته».
وأوضحت موريس أن ثوره 25 يناير، جعلت الجمهور يعيد تقييمه للفنان مرة
أخرى، وجعلتنا ننظر نظرة أخرى إلى شكل الفن بشكل عام وهذا كان واضحا في
الأعمال التي قدمت في الفترة الماضية، فظهرت على السطح أعمال درامية مميزه
كشفت عن وجوه جديدة لم تحظ بشعبية من قبل، وأن المعايير القادمة للفنان
ستتغير شكلا ومضمونا.
اتفقت مع موريس الناقدة ماجدة خير الله وأضافت قائلة: «القائمة
السوداء تعتبرها معنوية ولا توجد على أرض الواقع، بمعنى أن شركات الإنتاج
ما زالت تتعاون معهم، فالمنتج له مقاييس أخرى مع هؤلاء، وعلى المستوى
الشخصي مررت بذلك فلدي عمل من تأليفي سيتم إنتاجه قريبا، ورفضت ترشيح
روجينا لموقفها السلبي من الثورة؛ لكن المنتج أصر على ترشيحها فوافقت في
النهاية».
أما بالنسبة للجمهور فتقول خير الله: «الجمهور أطاح بهؤلاء الفنانين
من حساباته للأبد وقلت أسهمهم وهذا كان واضحا خلال الفترة الماضية، فعلى
سبيل المثال عمرو دياب الذي طرح ألبومه (بناديك) مؤخرا، لم يلق رواجا
جماهيريا وهذا غير طبيعي لأعمال دياب؛ بل تفوق عليه حمزة نمرة بألبوم
(إنسان) ونمرة ليست له جماهيرية بحجم دياب. وأيضا تامر حسني الذي لم يحقق
فيلمه الإيرادات المرجوة منه نتيجة مقاطعة الجمهور له؛ بل تفوق عليه فيلم
حمادة هلال «أمن دولت» رغم أن السيناريو ضعيف، ومن ثم، أنا أستعجب من حسن
يوسف وإلهام شاهين وعفاف شعيب، كيف يطلون بكل جرأة على الجمهور مره أخرى،
فالنظام لا يصنع نجومية».
وخالف الناقد محمود قاسم رأي موريس وخير الله، قائلا: «إن الجمهور
سينسى مع الوقت أخطاء هؤلاء الفنانين، مؤكدا أن مرور عام لا يكفي على تقييم
ذلك، وأوضح أن الشارع ما زال متذكرا أفعال هؤلاء الفنانين ولديه حاله
احتقان منهم، لا تمحى بسهولة من الذاكرة؛ لكن الزمن كفيل لكي ينسي الجمهور،
وأعطي مثالا، فمنذ زمن بعيد كان يوجد قائمة سوداء لدى العرب للفنانين
العالميين الذي يتعاملون مع إسرائيل وأبرزهم صوفيا لورين، وبعد معاهدة كامب
ديفيد تلاشى كل ذلك بل استقبلوا هؤلاء أحسن استقبال فيما بعد».
وتابع قاسم: «أعلم أن الموقفين مختلفين، وثورة يناير مختلفة عن كل
الثورات السابقة؛ لكن حال النسيان طبيعة الإنسان، فالشعب لديه هموم أكبر من
انشغاله بأمور الفنان».
ومن الجمهور تقول ماجدة محمود (موظفة بأحد البنوك): «التاريخ لا ينسى
أخطاء هؤلاء النجوم وسيسجل التاريخ ذلك وتكتب كشهادة على مر الزمن، خاصة
أننا كجمهور نعتبر الفنان ليس شخصا عاديا بل هو رمز نتأثر بآرائه، وحينما
نشاهده سلبيا تجاه مستقبل البلد، بالطبع سنبادله نفس الشعور، نعم هم سيظلون
موجودين على الساحة، لكن الجمهور سيتذكر ما فعلوه».
ويرى نور الدين أحمد (مهندس شاب) أن هؤلاء الفنانين سيظلون في القائمة
السوداء ولن يمحى من ذاكرة التاريخ ما صدر منهم، ولن ينسى الجمهور أنهم
كانوا المستفيدين من النظام السابق؛ بل كان منهم من هو صوت النظام سواء من
مطربين أو فنانين. وعلى العكس يتوقع نور الدين أن الفترة المقبلة ستمحو
اسماء هؤلاء الفنانين من على الساحة وستقل أعمالهم الفنية حتى تنقرض.
الشرق الأوسط في
29/01/2012 |