السينما المغربية بلغت سنّ الرشد.
ليس بلوغ سن الرشد قيمة مضافة في حدّ ذاته فكل شيء وكل كائن لا بد أن
يبلغ سن
الرشد إن قيّض له أن يعيش طويلاً. ولكن في حال السينما في المغرب، يعني
بلوغ هذه
السنّ أشياء كثيرة، لعل من بينها أنه لم يعد منطقياً التعامل معها ككائن
هشّ تتعين
مراعاته والسكوت بالتالي عن هناته. كما يعني من ناحية أخرى أن
هذه السينما باتت من
النضج بحيث تزداد تنوعاً وتعبيراً وجرأة، ما يؤهلها لأن تتقدم نحو الآخرين
من دون
وجل لتقول ها أنذا هنا حاضرة قوية أقول أشياء كثيرة معظمها يكاد يكون
مفاجئاً أو من
الصعب قوله!
لقد كان من الممكن خلال السنوات الأخيرة رصد هذا الواقع السينمائي
المغربي وكيف
يتطور ويتدرج صعوداً عاماً بعد عام، منتقلاً من إنتاج خمسة أو ستة أفلام في
العام
إلى ما يقترب من 25 فيلماً طويلاً وضعفها من الأفلام القصيرة في العام
المنصرم
والذي أقيمت فيه الدورة الثالثة عشرة من مهرجان السينما في
طنجة لعرض معظم
منتجاته... غير أن ما كان يحكم النظرة إلى هذا النتاج إنما كان تعاطفاً
مسبقاً مع
سينما طموحة تحاول أن تشق طريقها... وتعرف أن ما ينتظرها دائماً هو قسوة
النظرة
المحلية إليها... مقابل التعاطف الآتي من الخارج... ولعل من
المفيد أن نوضح هنا هذه
النقطة ذات الأهمية المطلقة قبل مواصلة هذا الكلام. ففي المغرب نعرف أن
النقد
والحالة الثقافية المتمحورة حول الفن السابع، قد سبقا في الوجود صناعة
الأفلام
المحلية نفسها.
ونعرف دائماً أن الحالة الثقافية السينمائية – وكانت غالباً الحالة
الأرقى في
اللغة العربية – تبدت في حركة نوادٍ سينمائية ودراسات نقدية بدت في معظم
الأحيان
أكثر تقدماً بكثير من أن تهتم جدياً بإنتاج سينمائي كان منذ الستينات من
القرن
الفائت يدبّ خطواته الأولى وغالباً في أفلام تنحو نحو السينما
الشعبية المصرية. من
هنا كان التفاوت كبيراً بين مستوى النقد والتنظير السينمائي ومستوى الأفلام
المحلية. وعلى هذا النحو ظل المنظّرون يشعرون بهذا التفوق كحالة مستديمة
غير مدركين
على مرّ العقود أن الهوة عادت وضاقت كثيراً بين حالة إنتاجية
إبداعية سينمائية
حقيقية راحت تتجلّى في اضطراد وحالة نقدية تحوّل معظمها إلى مقالات صحافية
وظّفت
غالباً في معارك غير سينمائية... وعلى هذا ترسخت النظرة القاسية ليصبح أول
وأصعب ما
على السينما المغربية مجابهته... الوسط السينمائي الفني نفسه!
اطمئنان... موقت
طبعاً لا نريد بهذا أن نعمّم، نريد فقط أن نجعل من هذه الملاحظة سمة
لعلها
أساسية في رصد مسألة بلوغ سن الرشد هذه... ونعود إلى السياق لنقول هنا إن
هذا
البلوغ يتمثل في الأرقام أيضاً. ففي عام 2011 صنع السينمائيون المغاربة في
الداخل
والخارج 23 فيلماً طويلاً ونحو خمسين فيلماً قصيراً. لقد كان
من بين هذه الأفلام ما
أنتج بفضل أموال من الخارج (فرنسية غالباً) والبعض ساهمت فيه أموال خاصة
محلية
وعربية... غير أن معظم الأفلام – ولا سيما القصيرة منها – أنتج بفضل الدعم
السنوي
الذي يقدّم من طريق المركز الوطني للسينما الذي يديره الناقد
المعروف نور الدين
صايل منذ سنوات ويعود إليه - كما أجمع المتكلمون في حفل الختام - جزء كبير
من الفضل
في إحياء السينما المغربية أفلاماً ومهرجانات ومنشورات وعلاقات دولية
وعربية وما
شابه.
ولئن كان كثر في المغرب وخارجه يقرّون للصايل بهذا فإن ثمة من يبالغ
في رصد أي
خطأ يقع فيه هذا الأخير أو
يخترع له أخطاء كي يشن عليه حروباً غالباً ما «تتحالف»
في شنها الأضداد من سينمائيين غاضبين إلى متشددين إلى سياسيين إلى أصحاب
مصالح
مهنية وما إلى ذلك... واللافت في هذا أن هذه المعارك المتنوعة والتي تصبّ
في نهاية
الأمر في طاحون الكثر من أعداء السينما الراغبين في ألا تكون
هناك سينما في هذا
البلد أصلاً، تجد ذخيرة لها حتى لدى السينمائيين المبدعين الذين حين يحققون
أفلامهم
لا يريدون أن يأخذوا في الاعتبار الواقع الاجتماعي المغربي وتشعباته
فينهلون من
حرية معطاة لهم ويجعلون من كلّ فيلم سلاحاً تحارب السينما
نفسها من خلاله! والحقيقة
أن هذا البعد رصد بالملموس في الدورة الأخيرة من المهرجان الطنجاوي حيث
عرضت –
ونالت ما تستحق من جوائز – أفلام ستتناولها
الأقلام الراصدة لمحاربة السينما أكثر
فأكثر سلبيةً في الأيام المقبلة بالتحديد... ولعل خطورة هذا
الأمر تظهر مع التغيّر
الحكومي الأخير الذي أوصل إلى الحكم – من طريق صناديق الاقتراع طبعاً –
تحالفاً
يرأسه حزب أيديولوجي إسلامي عرف بمعاداته المبدئية للسينما ولحرية التعبير.
حتى
الآن لم يفصح الحزب الحاكم عن موقف واضح لكن الكلّ في الانتظار
القلق. انتظار قلق
إلى درجة أن غياب وزير الاتصالات (وهي الوزارة ذات الوصاية على السينما في
المغرب)
في حفل الختام المهرجاني الذي أقيم تحت
رعايته، فسّر بكونه موقفاً وإشارة قبل أن
يوضح نور الدين صايل الأمر ويطمئن المتسائلين قائلاً إن الوزير
اتصل به معتذراً
لأنه كان يحضر في الوقت نفسه مجلساً وزاريا لصوغ بيان الحكومة الجديدة.
أمام هذا
التوضيح تنفس كثر الصعداء وشعروا بالاطمئنان... ولو إلى حين.
جرأة وجرأة
في حالات وربما في بلدان أخرى، قد يبدو هذا الكلام ليس خطيراً، لكنه
هنا في
المغرب وفي ظلّ تغيرات سياسية مهمة ووسط محيط عربي يطرح «ربيعه» المتنوع
ألف سؤال
وسؤال... ووسط ديموقراطيات يرى كثر أنها توصل إلى السلطة من هم اعتى أعداء
الديموقراطة، يبدو مشروعاً مثل هذا القلق على سينما يرتبط
وجودها وتمويلها بإرادة
سلطة حاكمة تقدم ملايين الدولارات سنوياً لها. ونعرف أن هذا التقديم –
السخيّ إلى
حد ما في الحالة المغربية – هو الذي يقف، مباشرة بعد إرادة المبدعين
أنفسهم، خلف
تلك المعجزة الصغيرة التي جعلت من المغرب واحدة من أكبر الدول الأفريقية
والعربية
المنتجة للسينما... غير أن المسألة لم تعد فقط مسألة رقمية. إذ
حتى لو أشرنا هنا
إلى أننا في مهرجان طنجة لم نشهد هذا العام ما يماثل – في القوة التعبيرية
والتشكيلية والجرأة في تناول المواضيع – ما يضاهي الخمسة أو الستة أفلام
التي طبعت
دورة العام الفائت وتوقفنا والنقاد المغاربة والأجانب عندها
طويلاً، فإن علينا في
المقابل أن نلاحظ أن التفاوت، لئن كان في العام الماضي كبيراً، بين أعمال
مميزة (مثل «النهاية» لهشام العسري في مجال الفيلم
الطويل و «حياة قصيرة» لعادل الفاضلي
في مجال الفيلم القصير بين شرائط أخرى بالطبع) وأعمال وصـل
بـعـضها إلى سـطـحية لا
تطاق، فإن التمايز هذا لم يكن كبيراً هذا العام بين أفلام جيّدة – لا أكثر
- وأفلام
أقل جودة. كما قلنا لا أفلام كبيرة هذا العام تدهش وتفاجئ ولكن كذلك لا
أفلام
تغيظ!
ومن هنا بالتحديد بدت مهمة لجنة التحكيم التي ترأسها المفكر الفرنسي
الكبير
إدغار موران، شاقة. فمنذ البداية راحت الاختيارات تتبدل يوماً بعد يوم...
وحتى بعد
اختيار الفائزين في يوم العروض الأخير كان ثمة من بين أعضاء اللجنة من
يتساءل: أولم
يكن من الأفضل اختيار فيلم آخر لجائزة أو أخرى؟ ذلك أن
المستويات كانت إلى حدّ ما
متقاربة بين أفلام مثل «على الحافة» (الجائزة الكبرى) و «موت للبيع» (جائزة
لجنة
التحكيم) و«المغضوب عليهم» (جائزة العمل الأول) والأفلام التي نالت بقية
الجوائز
التقنية والفنية من جهة، وتلك الباقية التي لم تنل أية جوائز
(وسنتناول أهم هذه
الأفلام في ملاحق مقبلة) من جهة أخرى... ومن هنا، يمكن القول عن قرب إن
الاختيارات
كانت علامات عامة أكثر منها إشارة إلى تميّز واضح.
في انتظار الخارج
ومهما يكن من الأمر هنا، فلا بد من إشارة أساسية تتعلق بالعدد الأكبر
من الأفلام
المشاركة. وهي إشارة لن نكف عن التنويه بها عاماً بعد عام: ان السينما
المغربية
ومهما كان من شأن أفلامها وقوتها وطموحها التعبيري أو الجماهيري هي سينما
تلتصق
التصاقاً مدهشاً بالواقع الاجتماعي وتنهل مما يدور من حول مبدعيها من أحداث
ومن
مجريات الأحداث في العالم الراهن.
ولعل آية ذلك، التضافر في معظم أفلام هذا العام في التعبير عن اثنتين،
على
الأقل، من الهموم المغربية والكونية: التطرف والهجرة الاقتصادية. فنحن مهما
قلبنا
النظر بين الأفلام فسنجدنا مباشرة أو مواربة في خضم هذين الهمّين وأحياناً
نجدهما
مجتمعين في فيلم واحد (كما الحال على سبيل المثال لا الحصر في الفيلم
الشعبي الطريف «الطريق إلى كابول» الذي نال تنويهاً خاصاً
وهو ينطلق في بدايته من مشكلة هجرة
الشباب المغربي إلى الحلم الأوروبي ليصل بعد حين إلى أفغانستان وأصولييها
في قالب
فني شديد الطرافة)... وهذا الأمر ليس جديداً على السينما المغربية في
السنوات
الأخيرة على أية حال. وكذلك يمكن القول هنا عن البعد التجريبي
الذي يطغى على أفلام
كثيرة من بين التي نشاهدها عاماً بعد عام هنا في المغرب وفي شكل خلاق بصرف
النظر عن
المستوى الإبداعي العام للفيلم. سينمائيو المغرب، في شكل عام، ينظرون إلى
السينما
نظرة جدية وحتى حين يريدون منها أن تكون عملاً ترفيهياً يحقق
إقبالاً جماهيرياً
واسعاً... في الداخل على الأقل، في انتظار وصول الفيلم المغربي المستحق إلى
خارج –
عربيّ وعالميّ – بات لا بد من الوصول
إليه... وهذه ستكون بالتأكيد واحدة من المهام
الأساسية التي بات لا بد من القيام بها للانتقال بمسألة الوصول
إلى سن الرشد من حال
الاحتفال إلى حال الانطلاق.
للحافة الجائزة الكبرى وللباقين حصص نالت
تصفيقاً
كما قلنا في كلام مجاور، لم تكن مهمة لجنة التحكيم التي أعطت الجوائز
الأساسية
في الدورة الأخيرة لمهرجان الفيلم المغربي الوطني في طنجة يسيرة... فاللجنة
التي
كانت برئاسة إدغار موران وعضوية كل من عالم الاجتماع المغربي والمناضل
الحقوقي احمد
حرزاني والناقد المغربي أيضاً احمد فتوح وكاتب هذه السطور
والكاتبة سناء العاجي
اضافة إلى المنتج الفرنسي (لعدد من الأفلام العربية) تييري لونوفال والناقد
الفرنسي
مارسيال نايبل، هذه اللجنة وجدت نفسها في النهاية أمام 23 فيلماً معظمها
متقارب من
حيث الطرح والتعبير والأهمية...
ومن هنا - وفي استثناء الإجماع على اختيار الممثل محمد بسطاوي لجائزة
افضل دور
رجالي - لم تكن هناك أية إجماعات على الإطلاق بل إن منح بعض الجوائز
الأساسية احتاج
تصويتاً ومرتين أحياناً. وفي النهاية أتت على الشكل التالي الجوائز التي
حتى وإن
كان إعلان بعضها قد انتقد من قبل هذا الطرف أو ذاك، فإنها
اعتبرت في شكل عام،
متوازنة وتقترب من الاختيار السينمائي اكثر بكثير من اقترابها من الاختيار
الاجتماعي الذي كان البعض يخشى أن يطغى نظراً إلى وجود عالمي اجتماع، على
الأقل في
لجنة التحكيم: الجائزة الكبرى لفيلم «على الحافة» وهو العمل الروائي الأول
للمخرجة
ليلى كيلاني وكان قد عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» ولفت
الأنظار.
جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم «موت للبيع» وهو ثالث الأفلام
الروائية الطويلة
لفوزي بنسعيدي ومبني على غرار الأفلام البوليسية الأميركية حيث المرأة
والخيانة
والمدينة والجريمة إنما على خلفية اجتماعية رسمت صورة أخاذة - بدت غير
مقنعة للبعض-
لمدينة تطوان.
جائزة العمل الأول لفيلم «المغضوب عليهم» الذي كان اكثر أفلام
المهرجان إثارة
للاهتمام من ناحية موضوعه وتعبيره الفني على خلفية اختطاف ثلاثة أصوليين
لفرقة
مسرحية وأسرها في مكان مغلق. جائزة السيناريو للفيلم التجريبي «الشاعري»
النخبوي
بامتياز «موشومة» لحسن زينون. جائزة افضل ممثلة للفنانة جليلة
التلمسي عن دورها
المميز في فيلم «أندرومان» الذي فاز أيضاًًًًً بجائزة الموسيقى (المؤلف
محمد أسامة)
وجائزة افضل صوت. وذهبت جائزة التصوير
لكمال درقاوي عن فيلم « الابن الشيخ» لحميد
بناني. جائزة المونتاج لفيلم «السيناريو». وإذا كانت جائزة
افضل دور رجالي ذهبت إلى
الفنان المميز محمد البسطاوي عن فيلم «أياد خشنة» فإن جائزة افضل دور رجالي
ثان
ذهبت إلى أمين الناجي الذي شارك في ثلاثة من أفلام المهرجان بينما ذهبت
جائزة ثاني
افضل دور نسائي إلى ناديا نيازي التي أدت دوراً رائعاً في فيلم
نرجس نجار الجديد
«عاشقة
من الريف» المقتبس بتصرف عن أوبرا «كارمن» لبروسبير ميريميه وجورج
بيزيه.
الحياة اللندنية في
27/01/2012
«أسماء»
حالة إنسانية تكشف الانحراف
القيمي في المجتمع المعاصر
القاهرة – فريال كامل
رغم الإشادة العامة تقريباً، التي تصاحب عرض فيلم «أسماء» لعمرو سلامة
في
القاهرة والمهرجانات العربية، وهي إشادة اعتبرت الفيلم أهم فيلم مصري لعام
2011
وواحدة من علامات السينما المصرية على امتداد تاريخها، فضلاً عن فوز بطل
الفيلم
الفنان ماجد كدواني، بجائزة أحسن ممثل في مهرجان أبو ظبي الدولي، إلا أن
ذلك كله لم
يشفع للفيلم لدى شباك التذاكر، ربما لقصور الإعلام وانصرافه عن مؤازرة
الأعمال
الجادة، إضافة لاستغراق الجمهور في الأحداث المصيرية للربيع
العربي.
منح النص السينمائي الذي كتبه المخرج عمرو سلامة عن قصة حقيقية، فرصةً
ذهبية
للفنانة هند صبري، التي قدمت دوراً من أفضل أدوارها، خلال معايشة حالة
أسماء، تلك
الشابة الريفية ذات الذكاء الفطري والوعي بحقوقها كمواطنة وإنسانة، والتي
حين تنتقل
إليها عـدوى مـرض نقص المناعة «الإيدز»، تُضْحِي الشابة البسيطة ضوءاً
فاضحاً
لشخصيات تتفاعل معها في حياتنا اليومية، وكان يخيَّل إلينا
أولاً أنها شخصيات جديرة
بالتقدير، بينما هي في حقيقة الأمر شخصيات خانت القسم وجنحت عن القيم.
نسق مشوق
خلال الفيلم، يضع المخرج بطلته في عين الكاميرا ويتابعها بعدسات ضيقة
تغوص في
أعماقها، تكشف دواخلها، ولا تغفل عن رصد أحاسـيسها ومعاناتها، يصيغها
المخرج في
نـسـق حـيوي مـشوق من اللقطات القريبة، تصحب المشاهد عبر مراحل زمنية
متباينة من
حياة الشخصية. ومن اللافت عناية المخرج بتطعيم النص السينمائي
بمواقف باسمة تخفف من
حدة الدراما، ففي المطار تعاون أسماء سـيدة مـسنة لكي تلحق بالطائرة في
رحلتها إلى
مكة، وتسألها أن تدعو لابنتها بالزواج الموفق وتضيف أسماء: «قولي لربنا
زواج بنت
أسماء بسرعة».
في مرحلة الصبا تتعلم «أسماء» على يد والدها نـسج السـجاد على النول
اليدوي
وتحمله إلى السوق لتسِّقه، الأمر الذي يثير حقد المـنافسين. وفي فصل آخر من
الفيلم
نشاهد مولد الحب بين «أسماء» والشاب الـقـروي «مـسـعد»، ذلك الـحـب الـذي
يؤدي إلى
الزواج. وتدخل الدراما منحنى خطيراً على إثر الحكم على الـزوج بالسـجن
جـزاء إقدامه
على ضرب أفضى لموت قروي أهان زوجته الحبيبة في السوق، تتـبدل
مشاعر الزوج ويخرج من
السجن منكسراً مهزوماً وتفشل محاولة الحبيبة في تفريج كربته. وتشي الأحداث
بأن
فعلاً دنيئاً قد حطم كبرياء الرجل وراء القضـبان ما ترتب عليه إصابته بمرض
لا شفاء
منه. ولكن أســماء تصمم على الاحتفاظ منه بجنين قبل ان ينفصل عنها بالطلاق
ولكنه
ينهي حكايته بنفسه إذ تجده غارقاً في دمائه وقد فارق الحياة.
يفضح الفيلم -من دون
مشاهد فاضحة- ما يدور خلف القضبان من إهدار لحقوق الإنسان وامتهان لكرامته.
أوهام وأكاذيب
فـي المـشهـد الافـتتاحي، تـنـتاب الطـبيب حالـة من الخوف حين تفصح له
«أسماء»
عن إصـابتـها بمـرض الإيـدز، فيـحـجـم عن إجـراء جـراحة لـهـا لإزالة
المادة التي
تسبب لها آلاماً مبرحة ويتم إقصاؤها خارج الـمـستشفى، وهـنا تـســتـدعـي
الـذاكـرة
تحـفـة تـوفـيـق صالح «صراع الأبطال»، الـذي مـرّت خمسون عاماً
بالتمام على عـرضه
الأول لـيدرج على الـمـناهج الدراسـيـة لـطـلبة الـمـعـهد الـعالي للسينما.
وشتان بين طبيب أسقط القَسَم وبيـن شكري سرحان الذي تـسلح بالعلم
والالتزام والشهامة ليجابه الجهل والوباء، ففي فيلم توفيق صالح يتفشى
الوباء من المخلفات التي يلفظها معسكر جيش الاحتلال ليتغذى بها
المعدمون، ذلك بينما
يتفشى المرض في فيلم «أسماء» من قهر وامتهان كرامة الإنسان المصري داخل
وطنه.
في مستهل الفيلم يتم إعفاء البطلة من العمل كعاملة نظافة في مطار
القاهرة
وتسريحها من دون مورد لإعاشتها وأسرتها، ويستكمل الصيدلي منظومة الاستغلال
بأن يعرض
على «أسماء» مخدراً قوياً لتخفيف آلامها، ويختتم الفيلم باستغلالها
إعلامياً في
حـلقة مـن بـرنامـج يـقـدمه إعـلامي شـهـير من دون عناية
بكرامتها، وهنا لا يفوتنا
الإشادة بإبداع ماجد كدواني في تجسيد شخصية النجم الإعلامي الذي يستغل آلام
المواطنين ومعاناتهم لتغمره الرفاهية.
في اختصار، يـسـّر الـمـخرج المؤلف أحداث الفيلم لفضح أكذوبة رسـول
الرحـمـة
وقوانين حقوق العمال وفساد الذمم، ويخـتـتم منظـومته بـفـسـاد الإعلام التي
يـكـثفها في صيـحة يـطـلقها الإعـلامي الـشـهير «عايز فرقـعـة»، من دون
مـراعـاة
لإنـسانية الضيف وكرامـتـه. واقـع الأمــر أن طــرح حـالة «أسـمـاء» كما
قدمها
الفيلم ينذر بحتمية اندلاع الثورة، التي قامت بالفعل في 25 كانون الثاني
(يناير).
الحياة اللندنية في
27/01/2012
«إنشالله»
ادانة سينمائية كندية
لإسرائيل
مونتريال - علي حويلي
أبدت السينما الكندية في السنوات الاخيرة ولا تزال، اهتماماً ملحوظاً
بإنتاج
المزيد من الافلام المعنية بكشف الجوانب الانسانية والمأسوية التي يعاني
منها العرب
داخل كندا وخارجها. فمنها ما لا يزال يعرض مثل «السيد لزهر» لفيليب
فالارادوالذي
يتناول الهجرة الجزائرية غير الشرعية وينافس في اوسكارات افضل
فيلم اجنبي، و «حريق»
للمخرج دنيس فيلينوف الذي يكشف عن بعض عبثية الحرب الاهلية اللبنانية.
ومنها ما بات
قاب قوسين او ادنى من وصوله الى صالات العرض الكندية مثل «روميو11» للمخرج
ايفان
غربوفيتش الذي يعالج الآثار النفسية والاجتماعية للإعاقة
الجسدية او «وادي الدموع»
الذي يدين مجزرة صبرا وشاتيلا للمخرجة ماريان زحيل او فيلم الصور المتحركة
«الجدار
العازل بين فلسطين واسرائيل» للمخرج دايفيد هير وصولاً الى فيلم «إنشاالله»
احدث
الافلام الكندية الذي يندد بجرائم الاحتلال الاسرائيلي.
وفي ما عنى هذا الاخير فقد استغرقت ترتيباته الفنية والتصوير
والتحضيرات
اللوجستية فترة طويلة... وشملت عمان والقدس الشرقية وتل ابيب ورام الله.
وقام فريق
العمل الكندي ببناء قاعدة عسكرية في احدى ضواحي عمان يتماهى المشهد فيها مع
ما هو
قائم فعلاً على كلا الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني.
وشُيد لهذا الهدف جدار مماثل لجدار العزل الاسرائيلي بعلو ستة امتار
وطول 350
متراً وبناء تحصينات خراسانية ضخمة يعلوها علم اسرائيل ويتمترس خلفها جنود
اسرائيليون مدججون بالسلاح وهم في حالة من التوتر الشديد. اما في الجهة
المقابلة،
فيتجمع عشرات الفلسطينيين رجالاً ونساء وأطفالاً في انتظار السماح لهم
بالعودة الى
رام الله. ويشارك في الفيلم حوالى مئة شخص بينهم كنديون
وأردنيون وفلسطينيون
وجزائريون ومغاربة. واللغات المتداولة فيه هي الانكليزية والفرنسية
والعربية
والعبرية.
إدانة الاحتلال
«إنشاالله» فيلم روائي طويل من انتاج لوك داري وكيم ماكرو، وإخراج
الكاتبة
والمؤلفة الكندية اناييس باربو لافاليت. اما عنوانه فهو من اختيار اناييس
وهو كما
تقول في لقاء مع «الحياة»، «مرادف للامل»، مشيرة الى ان عبارة «إنشاالله»
شائعة لدى
شعوب الشرق الاوسط وتتردد غالباً في الظروف الصعبة. وتعني لدى الفلسطينيين
«الامل
بالعودة الى وطنهم والتخلص من الاحتلال الاسرائيلي».
وترى ان قصة الفيلم بمعانيها الانسانية هي «الاقرب الى نفسي من اية
قصة اخرى»
منوهة بصبر وصمود الفلسطينيين الذين «يموتون ولا يبكون وتبقى هاماتهم
مرفوعة».
ويتمحور الفيلم حول بطلته ايفلين بروشي (كلوي) ممثلة كوميدية كيبيكية
مشهورة
بوفرة اعمالها التلفزيونية والسينمائية، وهي تقوم بدور ممرضة في احدى
عيادات
التوليد الموقته في مخيم للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت اشراف
طبيب
فرنسي (مايكل). وتنشأ بحكم عملها علاقة صداقة مع مريضة
فلسطينية حامل بطفلها الاول
(راند)
اي صابرينا اوازاني وهي ممثلة فرنسية من اصل مغربي. كما تتعرف إلى أخويها
وتقع بحب الاكبرسنا (فيصل)، فيما الاصغر حطمته الحرب ودفع به الاحباط الى
التفكير
بالهروب خارج الحدود. وتشاء الصدف ان تتعرف كلوي الى سيفان ليفي (افا) وهي
مجندة
اسرائيلية تقيم في شقة مجاورة لها وتقوم بأعمال المراقبة
والتفتيش على حاجز قلنديا
في القدس الشرقية. في ظل هذه المشاهد تكتشف كلوي عن كثب كما تقول اناييس
«الواقع
المأسوي لحياة الفلسطينيين في المخيمات وعلى نقاط التفتيش المذلة وتعرضهم
لحالة
ممنهجة من التخويف والترهيب على الحواجز العسكرية الاسرائيلية». وفي
المحصلة
النهائية تؤكد اناييس ان الفيلم «يطرح رؤية انسانية» تلقي
الضوء على الواقع المأسوي
للفلسطينيين تحت الاحتلال الاسرائيلي. وتأمل ان تلقى مشاهدته في الشمال
الاميركي
فهماً افضل للقضية الفلسطينية العادلة.
الحياة اللندنية في
27/01/2012 |