اتفق النقّاد والجمهور على الترحيب بالشريط الروائي الطويل للممثّلة
الفرنسيّة المعروفة… العمل الحائز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان»
الأخير، ترك وقعاً إيجابياً بفضل نبرته الإنسانيّة.
polisse يصل إلى صالة «متروبوليس أمبير صوفيل»، محملاً بانشغالاته النفسيّة،
وقلقه الوجودي
باريس | في شريطها «بوليس» الحائز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان»
الأخير، تواصل الممثّلة والمخرجة الفرنسية مايوان (1976) سبر أغوار الجوانب
الأكثر قتامة وإشكالية في الطبع البشري. تنطلق عروض العمل التجارية في صالة
«متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية/ بيروت) في نهاية الشهر الحالي، بعدما
أتيح للجمهور البيروتي مشاهدة الشريط ضمن برنامج «مهرجان السينما
الأوروبيّة 18» الأخير... لكنّ عرضاً واحداً لم يكن كافياً للاطلاع على أحد
أهمّ اكتشافات الفنّ السابع في عام 2011.
تنسج مايوان (ابنة الممثّلة كاترين بلخوجة) في «بوليس» بورتريهاً
جماعياً لفرقة شرطة في «كتيبة حماية القاصرين» الباريسية، ضمن شريط مؤثّر
أبهر الكروازيت في أيار (مايو) الماضي (الأخبار ـ 14/05/2011). تستكمل
المخرجة الشابة ثلاثيةً نفسيّة مشحونة بالتوتر والقلق الوجودي، بدأتها مع
«سامحوني» (2006) و«حفلة الممثلات» (2009). أفلامٌ كرّستها كأحد أبرز
الوجوه النسائية في السينما الفرنسية خلال العقد الماضي. قوبلت هذه الأعمال
بحفاوة نقدية لافتة، وحظيت برواج شعبي متزايد، تُوّج بمليونين ونصف مليون
متفرج، شاهدوا «بوليس» منذ طرحه في الصالات الفرنسية أواخر تشرين الأول
(أكتوبر) الماضي.
يندر أن يتّفق النقاد والجمهور على سينمائي أو سينمائية ناشئة في بلد
«الأخوين لوميير»... فكيف إن كان الأمر متعلّقاً بمخرجة عرفت الشهرة كممثلة
في الأصل؟ وهذا تحوّلٌ يقابَل بالكثير من التحفُّظ في الأوساط السينمائيّة
الفرنسيّة عادةً، لكنّ مايوان مثّلت استثناءً. باكورتها «سامحوني» كانت
مفاجأة الموسم عام 2006، إذ رُشّحت لجائزتَيْ «سيزار» (أفضل «عمل أوّل»،
وأفضل «أمل نسائي»). ثمّ جاء عملها الثاني «حفلة الممثلات» (2009)، ليكرّس
مكانتها كمخرجة واعدة تحمل بصمات أسلوبية مميزة، ورؤىً إخراجية مغايرة عن
الرائج في السينما الفرنسية الراهنة. ومن ميزات شريطها الثاني، أنّه كسر
الهالة المحيطة بمايوان الممثلة، من خلال تفكيك آليات الشهرة الفنية، عبر
بورتريهات حميمة لـ 12 ممثلة قمنَ بأداء شخصياتهنّ الحقيقية على الشاشة، من
كارين فيار إلى جان باليبار، مروراً بشارلوت رامبرلينغ وجولي دوبارديو،
وصولاً إلى المخرجة نفسها. ثمّ جاء «بوليس»، ليمثّل العمل الأكثر نضجاً
واكتمالاً في ثلاثية المخرجة الصاعدة. بعدما صفّت في عملها الأوّل حسابات
(وعُقد) طفولتها المعذّبة في كنف والدتها الممثلة ذات الأصل الجزائري
كاترين بلخوجة، وبعدما فكّكت آليات ومطبّات النجومية والشهرة في عملها
الثاني، تطلّعت الأنظار إلى «بوليس» بوصفه أوّل عمل لمايوان خالٍ من
السيرة... لكنّ ذلك لم يمنعها من المزاوجة فيه بين التوثيق والتخييل، كما
فعلت في عملَيها السابقين. وبهدف استلهام قصة الفيلم عن عمل شرطة القاصرين،
طلبت مايوان من السلطات إذناً خاصاً لمتابعة عمل فرقة حقيقية، عايشتها
يومياً على مدى أشهر. ومن هذه التجربة اقتبست شخصية المصوّرة الصحافية
ميليسا، التي تقمّصتها بنفسها على الشاشة، وحمّلتها الكثير من شخصيتها
وتجربتها الذاتيّة. تبدو ميليسا في بداية الفيلم فنانةً فرنسيةً مثقفةً
وميسورةً، قادمة من عوالم اليسار المخملي الباريسي. وشيئاً فشيئاً، تتكشّف
أصولها المهاجرة الجزائرية البسيطة بعد ارتباطها بعلاقة عاطفية مع مفتش
الشرطة فريد الذي أبدع نجم الراب، جوي ستار، في أداء شخصيته الإشكالية
والقلقة. شخصيّةٌ تخفي وراء العنف الذكوري الظاهري، تمزّقاً نفسياً مؤثراً،
ونفساً إنسانياً يبرز إلى الواجهة حين ينهار أمام فشل فرقته في الحوؤل دون
فصل طفل أفريقي عن والدته التي فقدت بيتها وعملها، ووجدت نفسها مرميّة في
الشارع. نكتشف أنّ فريد عاش بدوره تجربةً طفولية مماثلة.
حسّ الشريط الإنساني، جعله محطّ حفاوة نقديّة كبيرة، لكنّ نقطة القوّة
الأساسيّة فيه كانت بنيته الأسلوبيّة. على صعيد الشكل، لفت الفيلم الأنظار
برؤية تصويرية متوترة، تشبه التحقيق التلفزيوني من خلال استعمال الكاميرا
المتحركة المحمولة على الكتف، يضاف إليها إيقاع سريع في المونتاج، ينضح
بالصخب والعنف. أما على صعيد المضمون والبنية الإخراجية، فيقف الفيلم ــ
ككلّ أعمال مايوان ـــ في موقع الوسط بين إرثين فنيين، يعودان إلى حقبة
الستينيات: «الموجة الجديدة» الفرنسية من خلال التخلّي عن السيناريو
والحبكة الحكائية التقليدية لإفساح المجال أمام التجريب والارتجال،
و«الواقعية الجديدة» الإيطالية في المنحى النفسي الذي يسبر أغوار الطبع
البشري، بهدف رسم بورتريهات اجتماعية تتقاطع وتتداخل، لترسم صورةً إنسانية
مؤثرة، تسائل انشغالات الراهن، وتعكس سمات العصر...
Polisse:
في صالة «متروبوليس أمبير صوفيل» (بيروت) نهاية كانون الثاني (يناير)
الحالي. للاستعلام: 01/204080
أمام الكاميرا أيضاً
قبل أن تخوض تجربتها الإخراجية الأولى في الثلاثين، عرفت مايوان
الشهرة كممثلة منذ كانت في الثالثة، إذ أرغمتها والدتها الممثلة كاترين
بلخوجة على خوض تجربة التمثيل. وأدت أول دور بارز على الشاشة في السابعة في
فيلم «الصيف القاتل» (1983) لجان بيكر، إذ جسّدت المعادل الطفولي لشخصية
الفيلم المحورية إليان (إيزابيل أدجاني). في عام 1991، رُشحت لـ «سيزار»
أفضل ممثلة واعدة عن دورها في «الصبية» لهيرفيه بالو. وخلال حفلة توزيع
الجوائز، تعرّفت إلى المخرج لوك بوسون، وتزوّجت به في العام الموالي، وكانت
لا تزال في السادسة عشرة. وبخلاف كلّ الممثلات اللواتي تزوجهنّ صاحب «جان
دارك»، لم تمثّل مايوان في أفلامه إلا دورين صغيرين في «ليون» (1994)
و«العنصر الخامس» (1996). بعد سبع سنوات من الإقامة في هوليوود، انفصلت عن
بوسون وعادت إلى فرنسا، ومن أبرز الأعمال التي مثّلت فيها «الباريسيون»
(2004) و«شجاعة الحب» (2005) لكلود لولوش.
الأخبار اللبنانية في
10/01/2012
«واحد متلي» في المخيّمات الفلسطينيّة
روي ديب
في «واحد متلي» (20 د)، يتبع المخرج فيليب بجالي الشاب اللبناني علاء
وهو يستكشف مخيّم برج البراجنة في بيروت، برفقة صديقه الفلسطيني عمر. يضيء
الوثائقي على حياة الشباب الفلسطيني، والتحديات التي تواجهه. الشريط الذي
يُعرض اليوم في «مسرح المدينة»، يندرج ضمن مشروع «الكرامة للجميع»، الهادف
إلى تقليص الهوّة بين اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين. وهو مبادرة
أطلقتها «الأونروا» بتمويل من «مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات
الإنسانية والحماية المدنية».
يقودنا الشريط إلى داخل المجتمع اللاجئ في برج البراجنة. نزور بيت
عمر، وأزقة المخيم، ونستمع إلى هواجسه، وتجربته في الاندماج داخل المجتمع
اللبناني. وبموازاة ذلك، تأخذنا الكاميرا خلف علاء في رحلته الأولى إلى
داخل مخيّم البرج، لنتوقّف عند وضعه المأساوي...
يحاول «واحد متلي» الإضاءة على تباين الآراء بين اللبنانيين إزاء
اللاجئين. تلتقط الكاميرا مقابلات في الشارع مع بعض المتعاطفين مع القضية
الفلسطينية، وأخرى مع الرافضين للوجود الفلسطيني في لبنان. «واحد متلي» كما
يقدّمه القيّمون عليه، يحاول تقريب وجهات النظر بشأن موضوع شائك كالوجود
الفلسطيني في لبنان، لكنّه في الوقت نفسه يثير قلقاً جدياً بشأن أسلوب
ومنطق الخطاب الذي يطرحه اليوم، إذ إنّ تركيبة العمل تُبقي الفصل الأساسي
موجوداً من دون تسميته، كأنّها ترسّخه من دون قصد. صحيح أنّ المجتمع
اللبناني منقسم حول الوجود الفلسطيني في لبنان، والآراء تتناقض بين المارّة
في شارع الحمرا، وساحة ساسين، رغم أنّ الفيلم تفادى الذكر الواضح
للمنطقتين... لكنّ دافع علاء، تلميذ «جامعة بيروت العربية»، والمناصر
للقضية الفلسطينية، إلى زيارة المخيم، لا يقدّم بدوره أي جديد. لماذا لم
يحاول فريق العمل دعوة أحد معارضي الوجود الفلسطيني في لبنان إلى زيارة
المخيم لمجابهة أفكاره المسبقة؟ هل يحكمون بذلك مسبقاً على استحالة الحوار؟
وكما نعلم للأسف، فجمهور الفيلم سيقتصر على الأرجح على مناصري القضية
الفلسطينية. لهذا، فهو لن يسهم في تعريف الآخر بمعاناة اللاجئ الفلسطيني.
ويبقى السؤال: لماذا تُصنع أفلام مماثلة؟ وإلى مَن تتوجّه؟ وهل تصوَّر
حصراً لتذكير من يعلم أنّ المأساة ما زالت قائمة؟ أم لتصفية ذمة المفوضية
الأوروبية؟ هذه أسئلة ملحة ومشروعة تنطبق على أعمال كثيرة تقارب هذه
القضية. اللافت أنّ الطرح منذ ستين عاماً ما زال يتفادى المواجهة. في صربيا
وإيرلندا وبلاد عديدة عاشت حروباً مريرة، استطاع الفن أداء دور طليعي في
تقليص الهوة بين الجلاد والضحية، ولم يحدث ذلك سوى عبر المواجهة. ألم يحن
الدور كي يؤدي الفن هذا الدور، ولو تحت مظلة الجمعيات المدنيّة ذات
الأجندات المعقّدة؟
«واحد متلي»: 6:00 من مساء اليوم ـــ «مسرح المدينة» (الحمرا/ بيروت).
للاستعلام: 01/744034
الأخبار اللبنانية في
10/01/2012
رحلة البحث عن (فيلم) الأمير عبد القادر
فائزة مصطفى
بعد سنوات من السجال والنقاش والوعود، لا يزال مصير الشريط الذي
يتناول سيرة مؤسس الجزائر الحديثة مجهولاً. بعضهم يرجّح أداء جورج كلوني
لدور الأمير، وآخرون يرون أن التأخير الرسميّ في إنجاز العمل متعمّد...
الأمر المؤكّد أن السيناريو قابع في الأدراج
الجزائر | بعد إسدال الستار على فعاليات «أيام الفيلم الملتزم» في
الجزائر العاصمة، و«مهرجان وهران للفيلم العربي»، تجدّد السجال حول غياب
السينما الجزائرية عن هذه التظاهرات رغم الدعم الذي تقدّمه الدولة. ويتركّز
الجدل حول مصير شريط «الأمير عبد القادر» الذي ما زال الكثير من الغموض
يكتنف ظروف تأجيل تصويره.
وبين الفينة والأخرى، ينشغل الوسط الثقافي والسياسي الجزائري بحديثٍ
عن منافسة حادّة بين جهات إنتاجيّة كبرى، للظفر بترخيصٍ لتصوير الشريط.
ويتركّز الصراع بين شركات إنتاج سينمائية أميركية وفرنسية، وحتى سورية قيل
إنّها تحاول ما بوسعها للفوز بالفيلم الذي يتناول شخصية مؤسس الدولة
الجزائرية الأمير عبد القادر (1808 ـــ 1883). ويحتدم الصراع على الأمير
ليس لحضوره الإنساني في تاريخ القرن التاسع عشر فحسب، بل لكونه أسهم في
التنظير لحقوق الإنسان، والحوار بين الثقافات، إضافة إلى شخصيته
الاستثنائية، وجمعه بين السياسة والأدب والفلسفة. كان الأمير عبد القادر
عالم دين، وداهية حرب. قاوم الاستعمار الفرنسي وهو لم يتجاوز الرابعة
والعشرين من عمره، وأبهر العالم طوال سبعة عشر عاماً من الجهاد، ببسالته
وشجاعته. استلهمت من توجيهاته صياغة معاهدة جنيف حول معاملة الأسرى،
واستنبطت من مواقفه الكثير من المواثيق دولية المتعلقة بالسلام، وحوار
الحضارات، والتقارب بين الشعوب. وينبع اهتمام هوليوود بإنجاز فيلم عن
الأمير الجزائري من كونه أحد أوائل الزعماء العرب الذين ربطتهم علاقات
دبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية. وتشهد على ذلك الرسائل المتبادلة
بين عبد القادر الجزائري وابراهام لينكولن عام 1860. أمّا فرنسا فقد
اعتبرته عدوّها الأول، إذ كبّدها الكثير من الهزائم طوال سبعة عشر عاماً من
حروبه الشرسة ضدها... ولم يكن أسرها له عام 1847 انتصاراً، إذ دعا كبار
المثقفين والقساوسة والبرلمانيين الفرنسيين إلى الإفراج عنه باعتباره شخصية
استثنائية، وقيمة إنسانية خلّاقة. ونظراً إلى أهميته في تاريخ فرنسا نهاية
القرن التاسع عشر، يتبارى المخرجون الفرنسيون على تناول سيرته في السينما.
وكانت الدراما السوريّة سبّاقة إلى تناول شخصيّته في مسلسلات عديدة،
نظراً إلى دور صاحب كتاب «المواقف» في إنقاذ مسيحيي الشام من المذابح
الطائفية عام 1860 خلال إقامته في دمشق التي اختارها منفىً له بسبب علاقته
الروحية بالعلامة ابن عربي... وهناك توفي عام 1883، ونقل جثمانه إلى
الجزائر عام 1966، ليدفن في المقبرة العليا. وإن كانت الجزائر المعنية
الأولى بإنجاز فيلم تاريخي عن مؤسس دولتها الحديثة، إلا أنّ المشروع لا
يزال محطّ جدل ونقاش على مستوى الهيئات العليا، حتى وصل صداه إلى الرئيس
الجزائري عبد العزيز بوتفليقة نفسه. ويقول نائب رئيس «مؤسسة الأمير عبد
القادر الثقافية» عيد بن عمر لـ«الأخبار»: «في اجتماعه الأخير مع مجلس
الحكومة، بلغنا أنّ بوتفليقة فتح ملف الفيلم، وسأل وزيرة الثقافة خليدة
تومي عن مستجدات المشروع». السيناريو محور الجدل كتبه رئيس المجلس الدستوري
السابق بوعلام بسايح، بعد تجربته الناجحة في إنجاز سيناريو الفيلم الشهير
«الشيخ بوعمامة» (1985) للسينمائي بن عمر بختي الذي تناول مقاومة أحد كبار
المجاهدين الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي في الجنوب الغربي الجزائري.
«النصّ الذي قدّمه بوعلام بسايح عن شخصية الأمير عبد القادر لم يكن في
المستوى المطلوب، خصوصاً أننا حريصون على أن يستجيب العمل للشروط والرؤية
التي نحدّدها نحن، وليس وفق النظرة الغربية لشخصية الأمير»، يقول عيد بن
عمر وهو أحد أحفاد الأمير عبد القادر لافتاً إلى أنّ «الممثلين والمخرجين
الأجانب يشترطون ميزانيات ضخمة، لا تقلّ عن خمسة ملايين دولار قبل الانطلاق
في تجسيد العمل فقط».
ويفسّر كثيرون سبب التأخّر في تصوير الفيلم بأنّ نهايته تثير امتعاض
البعض... إذ إنّ مؤسس الجزائر الحديثة يضطر إلى الاستسلام، بعد مقاومة شرسة
للاحتلال الفرنسي الذي مارس سياسة «الأرض المحروقة»، وخيانة بعض المقربين
له، ومحاصرته على الحدود. هذه النهاية التي لم يحبّذها كثيرون، قد تكون
دفعت إلى عرقلة مسيرة الفيلم الطبيعيّة. يجيب بن عمر: «هذا ليس صحيحاً. فلا
جدال حول شخصية الأمير عبد القادر وشجاعته ونبوغ فكره وعبقريته التي أنصفها
العدو قبل الصديق. وهناك كتب ومجلدات كتبها كبار المؤلفين والباحثين من
مختلف دول العالم يشهدون فيها على عظمته».
في موازاة ذلك، قدّم الروائي واسيني الأعرج مؤلّفه «كتاب الأمير،
مسالك أبواب الحديد» كمشروع سيناريو للفيلم المرتقب. صدر الكتاب بالتزامن
مع تظاهرة «الجزائر عاصمة للثقافة الإسلامية» العام 2007، وضمن المشاريع
الكبرى لتلك التظاهرة، طُرحت فكرة تحويله إلى فيلم، وأوكل إلى المنتج عبد
العزيز طلبي مهمّة إدارة العمل. ورُشِّح يومها السينمائي البريطاني ريدلي
سكوت لإنجاز الشريط، وإذا بالمشروع يتبخّر. ويقول صاحب «سيّدة المقام»
لـ«الأخبار»: «لقد جهّزنا آنذاك لكلّ شيء، لنفاجأ بأنّ بعض المسؤوليين
يطالبون المنتج بتضخيم الميزانية، ما أثار حفيظته. كذلك برزت تعقيدات شائكة
في العقود والاتفاقيات، إضافةً إلى سوء التنسيق بين الأطراف الرسمية الموكل
إليها متابعة المشروع، مما جعل الجميع يتيقن أن شخصية الأمير هي المستهدفة
لا الفيلم». ويتذكّر واسيني الأعرج: «حدّثتني شخصية رسمية في الجزائر على
هامش أحد الاجتماعات الخاصة بالفيلم، قائلةً إنّ ليس كل الناس يحبّون
الأمير عبد القادر ويفتخرون به، وحينها فقط أدركت المؤامرة». واليوم، يُعاد
طرح مشروع الفيلم ثانيةً بقوّة في المنابر الإعلامية الجزائرية، بالتزامن
مع الزيارة الأخيرة للمخرج الأميركي أوليفر ستون. هذا الأخير كان ضيف شرف
«أيام الفيلم الملتزم» التي احتضنتها الجزائر الشهر الماضي. وتسرّبت أخبار
عن لقاءات جمعت مسؤولين جزائريين بصاحب «دابليو» للتشاور معه في إمكان
إنجازه فيلم الأمير عبد القادر، ضمن المشاريع الكبرى لاحتفالية خمسين سنة
على اندلاع الثورة الجزائرية (1954). وأوفدت الجزائر الرسميّة فريقاً إلى
هوليوود للتباحث مع المخرجين والمنتجين وبعض النجوم الأميركيين في كيفيّة
تنفيذ الإنتاج الضخم... حتّى أنّه تمّ تداول اسم الممثل الشهير جورج كلوني،
بصفته مرشحاً بارزاً لأداء دور البطولة!
وفي لقاء أخير مع صحيفة «الخبر» الجزائرية، أكّدت وزيرة الثقافة خليدة
تومي أنّ مفاوضات تجرى حالياً مع مخرجين ومنتجين عالميين من أجل إنتاج
مشترك للفيلم. وبررت تأخّر التنفيذ بالرغبة في إنجاز فيلم ضخم، يليق بمقام
الأمير والقيم التي دعا إليها. «لا نريد إنجاز فيلم لنشاهده نحن فقط، بل
فيلماً عالمياً يشاهده الجميع، ويقدِّم صورة الجزائر في الخارج».
العالميّة؟ لم لا؟ يبقى ألا تغرق سيرة الأمير الغنيّة في استعراض هوليوودي
مسطّح ومشبوه.
على ضفاف بردى
في إطار ترميم بيوت دمشق القديمة وتأهيلها، تشرف «المفوضيّة
الأوروبيّة» بالتعاون مع السلطات المحليّة السورية على تأهيل بيت الأمير
عبد القادر الجزائري الواقع في ضاحية دمر (غرب دمشق). يقع مصيف الأمير على
ضفاف بردى، وسط حديقة كبيرة من الأشجار. ويبلغ عمر القصر أكثر من قرن ونصف
القرن، وقد سكنه الأمير عبد القادر وعائلته عام 1871.
الأخبار اللبنانية في
10/01/2012
... والنقيب يبشّر بـ «الفنّ النظيف»
محمد الخولي / القاهرة
في محاولة لتحسين صورته التي ازدادت قتامة بعد الانتخابات النيابية،
اقترح التيار الإسلامي في مصر إنشاء... دار أوبرا إسلامية! لا يبدو التصريح
مستغرباً عند مراجعة كل ما أعلنه مسؤولون في هذا التيار (السلفيون
و«الإخوان المسلمون») عن الفنّ في الأسابيع الأخيرة: من التأكيد أن السينما
«حرام» وصولاً إلى وصف أعمال نجيب محفوظ بـ«الإلحاد»، والتصوير الفوتوغرافي
بـ«المكروه». بينما الغناء والموسيقى فهما «من الكبائر» عند البعض، أو «غير
مستحبتين» عند الآخرين.
خلال الأسبوع الماضي، زار نقيب الممثلين المصريين أشرف عبد الغفور
مركز «الإخوان» واجتمع مع المرشد العام للجماعة محمد بديع، وسأله عن مستقبل
الفن في ظل الحكم الإسلامي المتوقّع. وجاء رد بديع بأنه مع «الفن الراقي
الذي يهذِّب طموحات الشعب وأخلاقه... وضد الفن المسف والمبتذل». وترك تعريف
كل هذا الكلام مفتوحاً، ومطاطاًً، فيضع ما يشاء في حيّز المتاح، وما يشاء
هو أيضاً في نطاق الممنوع والمحظور.
بدوره قال علي الغريب، مسؤول المسرح في اللجنة الفنية في الجماعة إن
اللقاء يهدف إلى «الوصول إلى نهضة الدراما المصرية، وفتح آفاق جديدة للحوار
مع المجتمع الفني...». أما منسق اللجنة الفنية في الجماعة سيد درويش، فكشف
عن الإعداد لـ«إنشاء مشروع لجنة موسيقية تضم ثلاثين من كبار الموسيقين
لتأسيس أوبرا جديدة».
من جهته، أعرب نقيب الممثلين المعروف بميله إلى التيارات الإسلامية عن
سعادته بما قاله هؤلاء عن الفن، رغم نواياهم الواضحة للتدخل وتقييم هذا
القطاع وفقاً لمعايير «أخلاقية». لكن أشرف عبد الغفور تجاهل ذلك، ربما
لتناسب هذا الكلام مع معتقداته، فخرج على الصحافيين بعد لقائه بديع ليقول
إن «اللقاء أزال بعض الغموض في رؤية الإسلام إلى الفن التي يتبنَّاها
«الإخوان المسلمون»». وأضاف: «مستقبل الفن في ظل الإخوان سيكون رائعاً
ومبهراً».
لكن هذا الكلام صدر عن النقيب من دون العودة إلى أعضاء نقابته. إذ
يعاني الوسط الفني حالياً من القلق بعد زيارات قام بها ممثلون عن التيارات
الإسلامية لمقر نقابتهم. وهو ما دفعهم إلى تشكيل لجنة «للدفاع عن حرية
الإبداع»، شارك فيها عدد من كبار الفنانين كداود عبد السيد، ورئيس «المركز
القومي للسينما» خالد عبد الجليل، ووزير الثقافة السابق عماد أبو غازي،
والفنانة ليلى علوي، والمنتجَان محمد العدل، وإسعاد يونس وغيرهم. أما الهدف
منها فهو «الحفاظ على حرية الإبداع، خصوصاً أنه لا مؤشرات تضمن قيام دولة
ديموقراطية سليمة...» حسب تصريحات داود عبد السيد، مضيفاً أنّ «الدولة هي
المنتج الأقوى للمسرح والموسيقى. وسيرث الحزب الحاصل على الأغلبية نظام
الحكم الشمولي نفسه، وسيتحكّم بالتلفزيون والإذاعة والجرائد الكبرى». أما
عماد أبو غازي فلفت إلى أنّ «الهدف من هذه المبادرة هو ضمان حرية الإبداع
والفكر في ظل التغييرات السياسية التي تطرأ على المجتمع ». يذكر أنّه منذ
تأكد فوز الإسلاميين بأغلبية البرلمان، تسود حالة من الجدل الوسط الفني
الذي انقسم إلى ثلاث فئات: الأولى تضم الفنانين الذين حاولوا ركوب الموجة
مبشّرين بأن الفن في عهد الإسلاميين سيكون أفضل. أما الفئة الثانية فاختارت
المواجهة، فيما التزم الفريق الثالث الصمت أو أعلن في لحظة يأس قرار الهجرة
إذا هاجم الإسلاميون الفن.
الأخبار اللبنانية في
10/01/2012
فنانو مصر يرفضون الوصاية على الإبداع...
محمد عبد الرحمن / القاهرة
الزيارة التي قام بها نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور لمرشد «الإخوان
المسلمين»، أثارت زوابع لن تنتهي قريباً. ها هم الفنانون يعلنون إطلاق جبهة
جديدة تهدف إلى حماية حرية الإبداع
ردود الفعل العنيفة التي اندلعت بعد اللقاء الذي عُقد بين نقيب
الممثلين أشرف عبد الغفور والمرشد العام لجماعة «الإخوان المسلمين» محمد
بديع انقسمت بين رأيين: الأول رافض للزيارة على نحو مطلق. أما الثاني، فذهب
في اتجاه آخر، إذ قرّرت مجموعة من العاملين في الوسط الفني إطلاق جبهة
للدفاع عن حرية الإبداع وحق المعرفة، في خطوة تعكس نية هؤلاء الإمساك بزمام
المبادرة، والتحرّك على الأرض لمنع وضع اليد على الفن. إذاً بالتزامن مع
الانتقادات الموجّهة إلى نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور بسبب لقائه مرشد
«الإخوان المسلمين»، أطلقت مجموعة كبيرة من الفنانين والسينمائيين، من
بينهم المنتجة والممثلة إسعاد يونس مبادرة لتدشين جبهة الدفاع عن الحريات
وحق المعرفة. وستعقد المجموعة مؤتمراً يوم السبت المقبل في نقابة الصحافيين
المصريين لإعلان المبادرة.
وكانت إسعاد يونس قد قالت إن هذه الجبهة تهدف على نحو أساسي إلى
المشاركة في اللجنة التي ستصوغ الدستور المصري الجديد لضمان عدم وجود أيّ
نصوص تحد من الحريات المتاحة للفنانين المصريين. وأضافت إن هناك تخوّفاً من
فرض قيود على الفنّ من قبل التيارات الدينية المتشددة، فيزيد ذلك من حدة
الرقابة على الإنتاج الفني والإبداع. وهي الرقابة التي ضجر منها الفنانون
أيام مبارك. وستضمّ هذه الجبهة فنانين ومثقفين من مختلف القطاعات، مثل
السينما، والشعر، والأدب، والفن التشكيلي، لضمان حماية حرية الإبداع
ومضاعفتها في مصر بعد «ثورة 25 يناير».
في الوقت نفسه، تواصل الهجوم على زيارة نقيب الممثلين لمكتب المرشد
العام. وهي الزيارة الأولى من نوعها في تاريخ «الإخوان». وبدا كأن هدفها
حصول عبد الغفور على تطمينات بأن الجماعة التي حصلت على الأغلبية في
البرلمان لن تحرِّم الفن. هكذا استمعنا إلى النقيب والمرشد يقولان إنهما مع
«الفن الهادف والمفيد للمجتمع» وغيرها من العبارات الفضفاضة التي تتيح لأي
جماعة أو حزب سياسي فرض قيود على الفن وفق رؤيته السياسية.
وهو ما لفت إليه الفنان سامي مغاوري، وكيل نقابة الممثلين، إذ صرح
بأنّ زيارة النقيب هذه تؤكد أن الفن بات خاضعاً لسياسة الحاكم «لو فاز حزب
سلفي أو ليبرالي بالأغلبية في الانتخابات المقبلة، هل نذهب للجلوس معه؟».
وكان مجلس النقابة قد أعلن في بيان رسمي أنه غير مسؤول عن زيارة النقيب
للمرشد، بل جاءت بمبادرة شخصية منه، ومن دون علم أعضاء المجلس. وجاء في
البيان أيضاً أن أيّ اتفاقات حصلت أثناء اللقاء «غير ملزمة لجموع
الفنانين».
كذلك واجه أشرف عبد الغفور عاصفة من الانتقادات في الملف نفسه خلال
ظهوره قبل يومين في برنامج «العاشرة مساءً» على قناة «دريم» مع الإعلامية
منى الشاذلي، إذ اتّصل عدد من الفنانين بالبرنامج منددين بلقاء المرشد
والنقيب. وكان عبد الغفور قد تعرض أيضاً لحملة انتقادات سبقت تلك الزيارة،
عندما امتنع عن الاستقالة من المجلس الاستشاري التابع للمجلس العسكري بعد
الاعتداء على المعتصمين في أحداث مجلس الوزراء خلال الشهر الفائت.
الأخبار اللبنانية في
10/01/2012 |