حينما تخرج من صالة العرض، بعد فيلم «المرأة الحديدية» للمخرجة
فيليديا لويد، نكتشف باننا لسنا امام فيلم سياسي، كما كان في ذهننا ونحن
نلج الصالة، في عرض خاص لهذا الفيلم، بل نحن امام فيلم عن امرأة تعيش
قناعاتها الراسخة، حتى وهي تخسر السلطة والهوية.
لذا فنحن امام فيلم يتجاوز حدود السيدة مارغريت تاتشر رئيسة وزراء
بريطانيا السابقة، الى قصة عالمية تكون بطلتها امرأة، عاشت التحدي، فكانت
مسيرتها، فريجاً من الانجازات والاخفاقات.
ونترك الفيلم قليلاً لنشير، الى ان المخرجة فيليديا لويد، كانت قد
التقت النجمة الاميركية ميريل ستريب اثناء عملها سويا في فيلم «ماماميا»
ويومها تحدث بشكل مشترك عن رغبتها المشتركة في تصوير فيلمها عن «مارغريت
تاتشر» المرأة والانسانة.
وسرعان ما تلقفت الفكرة الثابتة الى مورغان التي كانت قد كتبت عدداً
من اعمالها من بينها «عار» و«تجارة الجنس» و«تسونامي» لتتحول حكاية المرأة
الحديدية الى فعل روائي، يسلط الضوء حول التضحيات التي قدمتها تلك السيدة،
من اجل الفوز بالسلطة... فكم من التضحيات قدمت، هذا ما ذهبت اليه ابي
مورغان، والفيلم ايضا وكأن ابي تعلن موقفها الصريح من السياسة والاحزاب
(المحافظين والعمال) وايضا التاتشرية على حد سواء.
حكاية امرأة استطاعت ان تذهب بعيدا، حيث مواجهة عالم الرجال، من خلال
دورها السياسي وقيادتها الحزب الذي خولها لاحقا الفوز في الانتخابات وقيادة
بريطانيا في مرحلة من اهم المراحل السياسية والتي تمتد من عام 1979 وحتى
مطلع التسعينيات، ولنا ان نتصور، كماً من النجاحات، وايضا الاخفاقات التي
مرت بها، وفي كل مرة، سواء في النجاح او الاخفاق، هنالك خسائر.. نفسية
واجتاعية.
فيلم عن الثمن الغالي الذي دفعته تلك السيدة، وهي تبلغ القمة، ثمن
يتعلق بهويتها وعلاقاتها الاجتماعية والانسانية، وايضا نسيانها لذاتها، من
اجل تلك السلطة، التي تعود وتخسرها.. في عالم السياسة والديموقراطية، رغم
كل التضحيات والانجازات. وهذا الفيلم يذكرنا بالنهج الذي راحت تسير عليه
مجموعة من الاعمال السينمائية البريطانية، ومنها فيلم «الملكة» و«خطاب
الملك» وهي الاعمال الاكثر شهر في «السنوات الاخيرة» حيث تحويل الشخصية
السياسية، الى وضعها الحقيقي والانساني فالملكة اليزابيث الثانية في فيلم
«الملكة» هي انسانة.. قبل ان تكون ملكة.
وهكذا هو الملك جورج الخامس في خطاب الملك يتعلثم ويبكي قبل ان يصدر
قراراته التاريخية التي شكلت جوانب من بريطانيا العظمى.
وفي هذا الفيلم المرأة الحديدية نرى امرأة صعدت دروب وسلالم السياسة،
لتضحي بكل شيء والذي يأخذ جوانب من حياتها وعلاقاتها التي تحيط بها وهي
تواجه اللاعيب السياسة.. وعالم الرجال وما يبطنون ويظهرون.
قوة هائلة، تبلغ السلطة، ولكن على حساب ماذا؟ وهذا ما نتعرف عليه،
لنرصد مفردات الالم التي تظل تحاصرها.. وتغرق بها.
رحلة لرصد حياة مارغريت تاتشر عبر مجموعة من المراحل، وقد جسدت دورها
وهي شابة الممثلة اليكسندرا روتش، ولكن من يستطيع تجاهل ميريل ستيربا،
ومقدرتها على التقمص.. وتفردها في معايشة الشخصية وتقليدها في النطق، انها
ممثلة غير تقليدية، وعبقرية فذة، تظهر في كل شخصية تقدمها، وهي هنا
الانسانة قبل السياسة، والزوجة قبل رئيسة الحزب ورئيسة الوزراء... وهي دعوة
للاستمتاع.. والتأمل.. والسفر البعيد في عوالم تلك الشخصية التي رغم بلوغها
السلطة وقمة الهرم السياسي فانها تخسر الكثير.
حكاية فتاة ابنة بقال، التي تقف الى جوار ادوارد هيث ثم تتسلم قيادة
حزب المحافظين في مراحل عامرة بالتحديات، من بينها اضراب عمال المناجم عام
1983، واعمال الشغب على 1990، والمواجهة في جزر فوكلان.. والايام العصيبية
الاخرى التي مرت بها.. حتى اصابتها بطلق ناري كل ذلك ضمن بحث يستحضر
السياسة، على هامش السياسي هو عذابات تلك المرأة، وتضحياتها وخسارتها
الفادحة في نهاية الأمر.
فيلم «المرأة الحديدية» عن مرأة وزعيمة سياسية، وهو فيلم يختلف مثلا،
عن تعاطف الجميع مع «الجنرال باتون»» في فيلم باكون او الموقف السلبي من
ريتشارد نيكسون في «نيكسون» شيء ما هنا بين التعاطف وعدمه بين الموقف
الايجابي والسلبي، ولكن حينما نذهب الي مارغريت تاتشر الانسانة، نكتشف كم
خسرت من اجل بلوغ السلطة، هذا ما يقوله فيلم «المرأة الحديدية» وعلينا ان
نشيد حتما بالاداء العبقري لميريل ستريب وايضا الممثل القدير جيم برادوبنت
يدور زوجها «دينس تاتشر» ويبقى ان نقول. سينما ترفض السياسة .. وتخلد
الانسان وهنا اهمية هذا الفيلم الذي يخلد المرأة وعذاباتها.
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
08/01/2012
في الفوز خسارة أيضاً
«محارب».. الأخوة الأعــــداء وفنون القتال المختلطة
زياد عبدالله - دبي
عليّ الاعتراف بداية بأنني لست على دراية كبيرة بفنون القتال التي
يقدمها فيلم
Warrior
(محارب)، وهو يضعنا أمام ما يسمى فنون القتال المختلطة، حيث يمكن
للمتصارعين على الحلبة استعمال جميع أنواع القتال من ملاكمة وكاراتيه
ومصارعة حرة أو مصارعة أميركية، كما كان علي أن أتابع ما تمضي عليه أحداث
هذا الفيلم المعروض حالياً في دور العرض المحلية، لكن على ما تقدم أن يوضع
في سياق درامي، وعلى شيء من تركيب بنية محكمة نمضي من خلالها إلى متابعة ما
ستفضي إليه هذه المنافسات التي ستحتل ثلث الفيلم الأخير حيث تعقد بطولة
يحظى الفائز بها بخمسة ملايين دولار، وعلى سيرة الدراما وما عليها استحضاره
فإن عنوان الفيلم أي «محارب» لن يكون إلا قادماً من التأسيس لشخصية تومي
(توم هاردي) التي لها أن تكون محملة بكل ما يجعلها على مقربة من الأسطورة
ونحن نكتشفها مع تتابع أحداث الفيلم، فتومي سيعود من حيث لا نعرف، ويلتقي
والده بادي (نيك نولتي)، ويسأله أن يمضي في تدريبه، لكن هناك ماضيا أليما
سرعان ما يستعيده وهو يواصل علاقته بهذا الأب الذي كان كحولياً وقد هجر
تومي وأمه وتركهما لتنال منهما نوائب الدهر.
وفي خط مواز سنتعرف على برندان (جويل ادغرتون) مدرس الفيزياء، الذي
سنقع عليه وهو غارق في مشكلات مالية تهدد حياته المصوغة بعناية رجل متمركز
حول عائلته، وليكون أول تهديد يطاله هو إمكانية قيام البنك الذي موّل شراء
البيت الذي يقطنه وعائلته بالحجز عليه كونه متأخراً عن سداد مستحاقته وقد
أضيفت إلى مصاريفه مصاريف معالجة كلية ابنته. براندان سرعان ما يعود إلى
ماضيه الذي سنكون جاهلين تماماً به، ويضعنا حيال كونه مقاتلا سابقا إذ إنه
سيخوض منازلة في أحد مواقف السيارات يحصل لقاء فوزه مبلغاً من المال، الأمر
الذي يصل إلى إدارة المدرسة فيوقف عن التدريس، وليقرر أن يواصل مضيه في خوض
غمار هذه المنازلات كونها توفر له مبالغ تتخطى بكثير ما يجنيه من التدريس،
ثم يعود إلى النادي الذي كان يتدرب فيه، ويقرر المشاركة في البطولة سابقة
الذكر.
كل ما تقدم هو فعل تهيئة لما ينتظرنا مع الثلث الأخير في الفيلم، حيث
لن يكون براندان إلا أخاً لتومي، وهذا الأخير العائد من العراق يحمل له
كرها كبيرا كون براندان أيضاً قد تخلى عنه وأمه حين كان صغيرا، والشيء
الوحيد الذي يتفق عليه براندان وتومي عدا كونهما مقاتلين في هذه النزالات
المختلطة هو كرههما لوالدهما الذي لن يشفع له أي شيء حتى وإن اصبح مدرباً
لتومي، وقد توقف عن الكحول واصبح انسانا متدينا كما سيرينا ذلك الفيلم من
البداية.
عشاق هذا النوع من المنازلات سيجدون متعة ما بعدها متعة في ما
سيشاهدونه من نزالات في تلك البطولة، سيكون تومي أقرب للساحر، وهو يحسم
النزال الأول الذي يخوضه بضربة واحدة، ثم يترك الحلبة ويمضي دون انتظار أي
تتويج، كما سيكون عليه في كل المنازلات، بينما سيكافخ براندان في منازلة
الآخرين، وستكون انتصارته على الدوام بعد جهد دائم عبر تناغم بين قوته
البدنية وعقله. حسنا ستكون المنازلات مصنوعة بحنكة عالية في هذا الفيلم
الذي أخرجه كيفن أوكونور، وللفيلم أن يحمل أطيافاً من «روكي»، لكنه سيكون
أقرب إلى فيلم دايفيد راسل
The Fighter (المقاتل) مع الانحياز إلى هذا الأخير من حيث القيمة السينمائية، لكن
وعلى صعيد قتالي تشويقي فستكون الغلبة لـ«محارب» مع إصرار الفيلم أيضاً على
ألا يكون الفوز قيمة بحد ذاته، بل إن النهاية ستقول لنا على سبيل التأويل
إن كل فوز يحمل شيئاً من الخسارة والعكس صحيح، خصوصاً حين يمضي الفيلم إلى
نهايته التي يمكن توقعها منذ منتصف الفيلم ألا وهي نزال الأخوة الأعداء، أو
الأخ العدو الذي يتجسد بتومي الذي يحمل غيظا وحقدا يكفيانه لتدمير العالم
بأسره، ولعل الطريقة التي يقاتل بها ستقول الكثير بهذا الخصوص.
هناك فيلم وثائقي شاهدته العام الماضي أثناء مهرجان أبوظبي السينمائي
حمل عنوان
Fightville
وهو يتناول تماماً ما شاهدتموه في «محارب» لكن في سياق توثيقي، ولنتعرف من
خلال هذا الفيلم الأميركي الذي أخرجه كل من بيترا ابرلين ومايكل تاكر إلى
العالم الحقيقي لفنون القتال المختلطة، ولنتعقب من خلال هذا الفيلم عوالم
لاعبي هذه اللعبة الخطرة المحملة بشتى أنواع العنف والبدائية. وضع هذا
الفيلم إلى جانب «محارب» سيكون مدهشاً بحق، ولن يكون أيضاً «محارب» بعيد
أبداً عن الواقع الذي قدمه «فايت فيل»، وهنا يمكن الحديث عن العنف في أعتى
تجلياته، وعشق البشر لهذا العنف، خصوصاً إن كنا نعرف أن هذه اللعبة كانت
محرمة وممنوعة، إلا أن عشاقها الكثر في أميركا والعالم يخرجون بها من
العوالم السفلية إلى دنيا الاضواء، ويمكن للرهانات الكثيرة التي تستجلبها
منازلات هذه اللعبة أن تكون استثماراً له أن يزداد حضوراً كما هو حال
الاستقبال الكبير الذي حظي به فيلم «محارب» حول العالم.
الإمارات اليوم في
08/01/2012
«إنهاك».. أمّ وحيدة بجناحين
زياد عبدالله
ما الذي ستكون عليه حياة أم وحيدة مع ثلاثة أولاد؟ هل عليها أن تلغي
الحياة من حياتها وتبقى تلهث موزعة بالتساوي بين أولادها وعملها؟ ثم هل
ستنجح في أن تكون أماً وعاشقة ورسامة وشم؟ أسئلة تسعى بيلين للإجابة عنها
في فيلم الألمانية فيرينا فريتاج
Burnout
«إنهاك» (ضمن أفلام ألمانيا في دائرة الضوء التي عرضت في الدورة الثامنة من
مهرجان دبي السينمائي)، وليكون هذا الإنهاك بادياً مع بداية الفيلم الذي
سيدفعنا لملاحقة المصائر التي ستؤول إليها حياة بيلين (مريم زارعي)، وهي
تستيقظ صباحاً وتعد الفطور لثلاثة أولاد وليمضوا معاً إلى المدرسة بينما
تبقى البنت الصغيرة لدى جارتها، ومن ثم تذهب هي إلى صالون متخصص في دق
الوشم.
يكفي أن تتلقى بيلين اتصالاً من المدرسة متعلقاً بأحد أبنائها لكي
يؤثر ذلك في عملها، وهذا أمر متكرر، كما أنها ومع اتضاح أن أبناءها من آباء
متعددين، فهي مع ذلك عالقة في علاقة غرامية سرعان ما سنكتشف أن من تحبه ليس
إلا مروج مخدرات، وفي الليلة التي يمضياها معها، ستستيقظ ابنتها الصغيرة
باكراً وتبدأ بتفتيش جيوب معطف عشيق أمها، ولتتناول من الحبوب المخدرة التي
يحملها، ومع هذا الحدث ستعيش بيلين مأزقها الدرامي الرئيس، حيث ستقوم
الشرطة بأخذ أولادها بعيداً عنها لأنها غير صالحة لأن تكون أماً بحق. لكن
بيلين أم بحق، وإن كان من مساومة ستخوضها بخصوص ذلك فإن أولادها يشكلون
الأولوية ولا مجال للمساومة عليهم، ولتحل هذه المشكلة بمساعدة موظفة
اجتماعية، لكن بشرط التحاق بيلين مع أولادها بمركز على الساحل الألماني له
أن يعيد تأهيلها إن صح الوصف.
صراع بيلين الرئيس سيكون بين أمومتها الطاغية ورغبتها في أن تعيش
بحرية أيضاً، إنها طائر حر ترغب في أن تواصل الطيران دون أن يتحول حبها
الكبير لأولادها عبئاً يجعلها مثقلة بالتزاماتها تجاههم فقط، كما أن هذه
الرفاهية، أي رفاهية التفرغ للعناية بأولادها ليست متوافرة، إذ عليها أن
تعمل أيضاً، بغض النظر عن عشقها لعملها الذي يضيء على الجانب الإبداعي من
شخصيتها ونحن نرى رسومها الجميلة لأوشام تبتكرها.
هذا ما ستكون عليه حياتها في ذلك المركز الذي لن تستسلم لقواعده
وشروطه، وستتعرف إلى شبان القرية التي يوجد فيها المركز وستسعى لرسم
الأوشام على أجسادهم، والاستمتاع بأوقاتها، وسيعاود حبيبها مروج المخدرات
الظهور لتخوض معه مغامرة جديدة، مع توافر كل المخاطر التي تهدد حياتها
وأولادها.
فيلم فيرنيا فريتاج متمركز حول بيلين، ومصوغ بإيقاع لا يستسلم إلا
لإملاءات تلك الشخصية وخياراتها، إنه عن أم بكل ما تعنيه هذه الكلمة لا تجد
في المغامرة والطيش ما يتعارض مع الأمومة.
الإمارات اليوم في
08/01/2012
مخرجون أكدوا استعدادهم لتقديم أعمال بهوية وطنية وطالـبوا
بالدعم
الفيلم الإماراتي.. غريب فــــي دور العرض المحلية
محمد عبدالمقصود - دبي
ثلاثة مهرجانات سينمائية، اثنان منها يصنفان بأنهما دوليان، هما «دبي»
و«أبوظبي السينمائي»، وثالث يوحي اسمه بأنه مظلة للافلام الخليجية،
بالإضافة إلى مسابقة عريقة هي «مسابقة أفلام من الإمارات»، ولايزال الفيلم
الإماراتي غريباً في دور العرض المحلية، بعد أن انحصرت الأفلام الشابة في
فئة الأفلام القصيرة والوثائقية، التي يتم تصنيفها مهرجانياً ضمن الأفلام
السينمائية، لكنها لا تحظى بأي فرص عرض حقيقية للجمهور.
المخرجون الإماراتيون أنفسهم، مع توالي دورات المهرجانات التي تعقد ما
بين دبي وأبوظبي، بدأوا هم أنفسهم في حوارات مع «الإمارات اليوم» بتقديم ما
يشبه كشف حساب ، أشاروا فيه إلى أنهم بحاجة إلى دعم حقيقي، وليس شكليا،
وإلى حالة مهرجانية تضيف إلى خبراتهم الغضة كي يستطيعوا أن ينهضوا ببناء
لبنة أولى في صرح صناعة دراما إماراتية لم تبدأ من وجهة نظرهم، وتخطي
الإصرار على تحويل المهرجانات إلى مجرد تظاهرة كرنفالية، أبطالها فقط هم
العابرون على سجادات المهرجانات الحمراء.
تركة هموم
«ليس لدينا مفردات صناعة السينما، وحراكنا لايزال بمثابة هرولة في
مكاننا، وهناك إشكالات بالجملة تواجه المخرجين الإماراتيين»، أول تعليقات
المخرجة نجوم الغانم، التي قدمت تجربتين هما «حمامة» و«أمل» في دورتي
مهرجان دبي السينمائي السابقتين على التوالي، وحصدت عنهما جائزتين، تخلت
فيهما عن أدوات الشاعرة التي تلازمها، لمصلحة أدوات المخرجة المهمومة
بتفاصيل محلية.
وأضافت الغانم، التي فضلت أن يتم تصنيفها في إطار فئة المخرجين
الشباب، باعتبار حداثة تجربتها: «كل المخرجين الإماراتيين شباب ومبتدئون،
فإذا كان المعيار هو مدى نضج الخبرة في العمل الإخراجي، فجميعنا تقريباً
نحمل تركة هموم قاسية من غياب الدعم، والاهتمام المؤسساتي، وبناء عليه لا
يجد المخرج الإماراتي سوى ان يدور في فلك الهواية».
وأضافت الغانم «المهرجانات السينمائية التي تحتفي بعناصر الإبهار
الإعلامي ليست هي الوسيلة المثلى لدعم انجاز أفلام إماراتية على مستوى جيد،
والأعمال العشوائية التي تقدم كتجارب ذاتية ستبقى مجرد محاولات مترددة
وخجولة، ما لم يتم تقديم الدعم الملموس والممنهج للمخرجين الإماراتيين،
وأول مظاهر هذا الدعم من وجهة نظري تتمثل في تقديم فرص جيدة لدراسة فنون
السينما، بما فيها الإخراج والكتابة السينمائية والإنتاج وغيرها».
ورفضت الغانم الإقرار بأن أحد فيلميها الفائزين بجوائز هو من قبيل
الأعمال الاستثنائية، مضيفة «سعيت أن أقدم أفضل المتاح في ضوء عوامل
الإنتاج المتوافرة، وهي هموم يشاركني فيها كل المخرجين الإماراتيين الذين
لا تتوافر لديهم عوامل انجاز أفلام عظيمة، لأن المهرجانات مع توالي دوراتها
غير قادرة على استحداث صناعة سينمائية بقدر ما تؤسس مكتبة متنوعة من
الأفلام السينمائية».
ثقة المؤسسات
المخرج الإماراتي حمد الحمادي الذي قدم في أحدث تجاربه فيلما قصيرا
بعنوان «آخر ديسمبر»، أكد أن هناك إشكاليات متعددة أمام المخرج الإماراتي
عموماً والشاب خصوصا، مضيفاً «سأتجاوز مشكلة التمويل إلى مشكلة اخطر من
وجهة نظري، وهي قلة ثقة المؤسسات التي يمكن أن تكون معنية بالسينما مثل
المؤسسات الثقافية وغيرها بالمخرجين الإماراتيين الشباب، فضلاً عن غياب دور
القطاع الخاص في هذا المجال».
وفي الإطار ذاته، اعتبر الحمادي أن الكتاب الإماراتيين حتى الآن لم
يجدوا محفزات لجذبهم نحو الكتابة السينمائية، مضيفاً «هناك ندرة في الكتاب
الجيدين، ومع هذه الندرة تبدو الكتابة للدراما التلفزيونية اكثر جذباً
واستمالة لهم، وهو أمر بحاجة إلى تدخل واعٍ من قبل جهات يجب أن تمتلك الخطط
الكفيلة بتجاوز هذه المعضلة، سواء من خلال التحفيز أو التدريب، وغير ذلك».
المخرج الإماراتي الشاب محمد فكري الذي يمثل الفيلم ثلاثي الأبعاد «أطفال»
أحدث إبداعاته، أكد أن السينما الإماراتية لم تعد بحاجة بذات القدر لعشرات
أو مئات من الأفلام الوثائقية والقصيرة التي تنتج سنوياً، بل هي بحاجة ماسة
إلى صناعة أفلام استثنائية معدودة، أو على الأقل فيلم واحد يبقى في ذاكرة
الجمهور والنقاد، مضيفاً «لا يمكن أن نعزل التطور السينمائي في مكان ما عن
البعد التجاري، وعندما اقوم بعمل يستوعب رأسمال كبيراً يجب أن يكون لدي
تصور مسبق لتسويقه، وهنا تبرز خطورة المراهنة على فيلم إماراتي ذي ميزانية
كبيرة، لكن يبقى رغم ذلك خوض تجارب محسوبة في هذا الإطار بمثابة خطوة يجب
ألا تغيب طويلاً عن أذهان المهتمين بتأسيس سينما إماراتية لاتزال غائبة حتى
الآن عن دور العرض».
تقصير إعلامي
المخرج الإماراتي ناصر العقروبي، من جهته، أشار إلى أن الإعلام المحلي
لم يقدم الدعم المطلوب منه لمساندة المخرجين الإماراتيين الشباب، مضيفاً
«حتى في تظاهرة مهمة مثل مهرجان دبي السينمائي يبقى هناك خفوت في تسليط
الضوء على المخرجين الإماراتيين، باستثناء الوجوه المعروفة إعلامياً، وهو
ما يعمق إشكالات السينما، رغم أننا، كشباب، قادرون على صناعة أفلام
إماراتية متميزة».
صاحب فيلم «رائحة الجنة» المخرج الإماراتي الشاب محمد سويدان، لفت إلى
أن المخرجين الشباب قادرون على صناعة أفلام سينمائية إماراتية متميزة، لكن
تبقى الإشكالية الأساسية في عنصر التسويق، مضيفاً «الإماراتيون لا يمثلون
سوى 15٪ من عدد السكان، وهذا يعني أنك تنتج أفلاما لعدد ضئيل جداً من
الجمهور، وفي حال غياب الدعم، كما هو قائم حالياً، سيبدو الأمر بمثابة
كارثة، لأنك لن تستطيع مع غياب تخصيص ميزانيات جيدة لصناعة الأفلام أن تنتج
أعمالا تحمل مقومات تسويقها للآخر الذي ينتمي لثقافات مغايرة عن ثقافتنا
المحلية».
تحدّيات
أجمع عدد من المخرجين الإماراتيين بأن التحديات التي تقف أمام انجاز
أفلام إماراتية سينمائية حقيقية وقادرة على جذب الجمهور كبيرة، ولم تقدم
المهرجانات السينمائية المتوالية دوراتها حلولاً لها، لكنهم رغم ذلك أكدوا
أن تلك الإشكالات أخرت زمن ميلاد صناعة أفلام إماراتية لم تظهر بعد، لكنها
لن تعوقهم عن الحاحهم على استيلاد أفلام سينمائية من رحم التحديات المحيطة.
وقال الكاتب جمال سالم الذي مزج تجربته الكتابية بأخرى إخراجية: «هناك
مشكلة كبرى في تمويل الفيلم الروائي، فرغم أن مهرجان دبي السينمائي يمول
الفيلم القصير، لكن من دون شك الساحة بحاجة إلى تقديم دعم حقيقي لأفلام
قادرة على الوجود في دور العرض، وهذا لن يكون إلا من خلال دعم الفيلم
الروائي، الذي لايزال غائباً بشكل ممنهج حتى الآن». طلال محمود القادم
ايضاً من خلفية الكتابة للمسرح من أجل إخراج أفلام سينمائية، أكد أن «طريق
الأفلام القصيرة والوثائقية مفروش بالورود، في مقابل تخوف وعدم ثقة بقدرات
المخرج المحلي لصناعة فيلم سينمائي طويل»، فيما طالبت المخرجة الإماراتية
الشابة سارة العقروبي بخطة واضحة تدعم فيها المؤسسات الرسمية المخرجين
الإماراتيين لتجاوز عقبات لاتزال تؤخر حضور الفيلم المحلي في دور العرض
السينمائية.
الإمارات اليوم في
08/01/2012 |