غلّة وفيرة من الجوائز نالها سينمائيون وأفلام
فلسطينية في «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، (جائزة المهر
لأفضل فيلم عربي في
الروائي الطويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الروائي الطويل، وجائزة
أفضل
ممثل، وجائزة أفضل ممثلة، وجائزة أفضل موسيقى)، وحضور أكثر وفرة، حققتها
فلسطين في
السينما هذا العام. نعم!.. يحتاج المرء لقليل من النباهة، ولشيء من
الاطّلاع،
والقدرة على محاكمة الأمور، والنبش في المتواري خلف العناوين
المباشرة، ليصل إلى
نتيجة باهرة، وهي أن السينمائيين الفلسطينيين كانوا على قدر متميّز من
الفعالية
والحضور والإبداع، خلال العام 2011، تتوَّجت أخيراً بالجوائز الكبيرة في
«دبي
السينمائي»، وبالحضور الأكثر تميّزاً في غير مهرجان سينمائي،
وبتناسل أجيال
سينمائية فلسطينية جديدة، وورشة تدريب سينمائية ميدانية مميزة، فضلاً عن
قدرة عدد
ملحوظ من السينمائيين الفلسطينيين على استجلاب المزيد من فرص التمويل
والدعم
لمشاريعهم السينمائية الكامنة.
قافلة السينما الفلسطينية تتقدّم نحو الأمام،
وتنهض إلى الأعلى فنياً وتقنياً. وفعالية السينمائيين
الفلسطينيين تتوسّع باضطراد،
وترمي بطيفها على أمداء واسعة، حتى بات وجودهم يشكّل علامة بارزة في الكثير
من
المهرجانات، داخل الوطن العربي، وخارجه، وبات من النادر أن ينعقد مهرجان
سينمائي،
دون أن يكون لأحدهم وجوده، عارضاً فيلمه الجاهز، أو حاملاً
مشروعه قيد الإنجاز، أو
مشاركاً في لجنة تحكيم، أو ورشة، أو ندوة، أو ملتقى.. ومع هذا فإن سؤال
السينما
الفلسطينية، الذي يبدأ عند جنسيتها، هويتها، حدودها، تخومها، ولا ينتهي عند
صفائها!.. ما زال قائماً.
سؤال
السينما الفلسطينية
إنها إشكالية هوية السينما الفلسطينية،
المُرتبطة منذ البدء بإشكالية الواقع الفلسطيني ذاته؛ شتات
السينمائيين
الفلسطينيين، وتناثرهم في أنحاء العالم، وجوازات سفرهم المتعددة (بما فيها
جوازات
السفر الإسرائيلية)، وبحثهم الدؤوب عن تمويلات لتحقيق أفلامهم، من هنا
وهناك، داخل
العالم العربي وخارجه. وكذلك شتات الأفلام الفلسطينية، التي كانت تأتي، قبل
أربعين
عاماً، على أيدي مخرجين من العرب، وغير العرب، قبل أن يتولّى
الفلسطينيون بأنفسهم
صناعة أفلام السينما الفلسطينية، دون أن يمنع هذا استمرار مخرجين عرب،
وغربيين، من
تحقيق أفلام، ذات همّ فلسطيني، وإن كانت لا تنتسب للسينما الفلسطينية!..
وهي
أيضاً إشكالية الفلسطيني ذاته، ومنه السينمائي، وفي المقدمة طبعاً، ذاك
الذي بات
عابراً للهويات، متكئاً على هويته الفلسطينية، بدايةً، بحكم المولد أو
الأصل،
منطلقاً تالياً في مدىً أوسع، حاملاً همومه وقضاياه، مشتغلاً
على البعد الإنساني
فيها، المُتمازج مع هموم وقضايا إنسانية عامّة، خاصة بعد أن ذوت مستلزمات
التحريض
والتثوير والدعائية، في سينما القرن الماضي، وبات منفتحاً على مصادر
التمويل،
المتعددة الجنسيات، العابرة للقوميات؛ عربية وغير عربية،
مشاركاً في الهمّ
السينمائي العام، الذي يلفّ السينمائيين، في العالم، شرقاً وغرباً.
عربياً، لا يمكن للسينما الفلسطينية (وكذا السينما
المغاربية، واللبنانية)، أن تخضع للمقاييس الصارمة، في تحديد جنسيتها، كتلك
المتوفّرة في غيرها من البلدان (تبعيتها للمنتج). دائماً كانت
السينما الفلسطينية
هكذا!.. شديدة الالتباس، لمن يشاء التبسيط. ممكنة التحديد، لمن يريد
التبسّط،
والقبول بوجود عنصرين، من ثلاثة أساسية، على الأقل، لتحديد هويتها: مُنتج
فلسطيني.
مُخرج فلسطيني. همٍّ فلسطيني.. ومن أراد غير ذلك، فعليه أن يجرِّد
الفلسطينيين من
سينما ميشيل خليفي، ورشيد مشهراوي، وإيليا سليمان، وعلي نصّار، وهاني أبو
أسعد، ومن
أفلام مي المصري، وآن ماري جاسر، ونجوى نجار، وشيرين دعيبس، وربما من أفلام
إياد
الداود، وعلا طبري، علياء أرصغلي، وساهرة درباس، وساندرا ماضي،
وروان الضامن، وسوسن
دروزة، وماريز جرجور، وسامح الزعبي، وشادي سرور، وبلال يوسف.. ففي عموم هذه
الأفلام، ثمة مساهمات تمويلية، من قبل جهات إنتاجية عربية، وأوروبية،
وأمريكية.
سيفوز فيلم «حبيبي راسك خربان»، بجائزة أفضل فيلم في مسابقة «المهر
العربي للأفلام الروائية الطويلة». وسيفوز فيلم «الجمعة الأخيرة»، بجائزة
لجنة
التحكيم الخاصة، في المسابقة ذاتها. تلتبس الهوية هنا،
فالمخرجة سوزان يوسف، ليست
فلسطينية أبداً. ولكن فيلمها، المُتعدّد التمويل (الإمارات العربية
المتحدة،
هولندا، كندا، الولايات المتحدة الأمريكية)، تدور أحداثه في فلسطين، بأداء
ممثلين
فلسطينيين (ميساء عبدالهادي، قيس ناشف)، وحكاية وهموم
فلسطينية. بل إنها هي نفسها
شاءت أن تضع فيلمها ضمن سياق السينما الفلسطينية (انظر بطاقة الفيلم، في
موقع
مهرجان دبي السينمائي الدولي)، ربما وفاءً منها لما جرى تقديمه لها من
مساعدات، أو
تسهيلات فلسطينية، وستفوز بطلة الفيلم؛ الممثلة الفلسطينية
ميساء عبدالهادي، بجائزة
أفضل ممثلة عربية، عن دورها في هذا الفيلم.
أما فيلم «الجمعة الأخيرة»، الذي يحمل الجنسية
الأردنية، رسمياً، فهو كما مخرجه؛ أردني من أصل فلسطيني. بل إن
المخرج نفسه، هو أحد
شركاء الإنتاج، إضافة إلى المنتجة رولا ناصر، ومجد حجاوي، والهيئة الملكية
الأردنية
للأفلام. وسيكون من المُلفت أن بطله علي سليمان، الفائز بجائزة أفضل ممثل،
والأخوة
جبران الفائزون بجائزة أفضل موسيقى، هم جميعاً فلسطينيون، أو من أصل
فلسطيني، دون
أن ننسى الحضور المتألق للممثلة الفلسطينية ياسمين المصري، في
دور ملفت. كأنما في
هذا الفيلم نموذج للتمازج العميق، فيما بين الهوية الأردنية والفلسطينية،
وتلازمهما
في آن.
هذه فاتحة للكلام، تضع المشكلة، وتؤسِّس عليها، دون أن تتجاهلها. لن
نعثر
في تاريخ السينما الفلسطينية، على فيلم خالص الإنتاج فلسطينياً. بل بات من
النادر
أن نعثر على سينمائي فلسطيني، لا يحمل جنسية أخرى، غير الفلسطينية، أو
إضافة إليها.
والذين يتغنّون بأفلام إيليا سليمان، التي
تستمد في غالبيتها تمويلاً حكومياً من
إسرائيل، وتسهيلات إنتاجية منها، في وقت ينكرون أفلام ابتسام
مراعنة، ويتجاهلون
أفلام علي نصّار، ويقفزون فوق أفلام توفيق أبو وائل، وإسكندر قبطي، للسبب
نفسه،
عليهم أن يتواضعوا قليلاً، وينسجموا مع أنفسهم، ويتخلّوا عن هذه الانتقائية
العجيبة، التي لا تبرّرها القيمة الفنية للفيلم، مهما بلغت!..
بناءً على هذه
الفكرة، أو هذا المنهج، يمكن للمرء أن يستقصي حصاد السينما الفلسطينية،
وفعالية السينمائيين الفلسطينيين، خلال عام 2011، وينقّب في عشرات الأفلام،
التي أمكن له
مشاهدتها، أو القراءة عنها، وسماع أخبارها.
الجزيرة الوثائقية في
05/01/2012
"عوالم".. أسئلة فلسطينية بعيدا عن مركزية القضية
تسعة أفلام
روائية قصيرة من انتاج شاشات
سعيد أبو معلا - رام
الله
في مشروع "عوالم" السينمائي الذي تنفذه مؤسسة شاشات
نحن إزاء 9 أفلام روائية قصيرة لـ 9 مخرجات فلسطينيات، تلك الأفلام تعد
بمثابة أكبر
وجبة سينمائية فلسطينية تخرج للنور في العام 2011، ذلك العام
الذي يقارب على الأفول
تاركا وراءة الكثير من القصص والحكايات. وأفلام "عوالم" يتضمن أبرزها
وأكثرها غيابا
عن عموم وسائل الإعلام الفلسطينية.
الأفلام التسعة، التي أشرفت على انتاجها
المخرجة علياء ارصغلي، تعبر عن أمور مجتمعية كثيرة بعدسات تحمل
رؤى نساء فلسطينات
مبدعات، كما أنها تعبر عن حساسيات جديدة تجاه الواقع الفلسطيني الذي دوما
ما يحضر
عبر مفردات كبيرة مثل ثنائية القضية والاحتلال. ومع ذلك حضر الأخير
(الاحتلال) في
عملين هما: "فروتي دريمز" و"عالهوا" لكن من منظور مختلف أحدها
من باب الفانتازيا
والخيال كما في فيلم غادة طيراوي، والأخر حضرت فيه قضية
المقاطعة كموضوع ليس عليه
إجماع فلسطيني كامل كما في فيلم ليلى عباس.
في تلك الحزمة الدسمة من الشرائط
السينمائية نحن أمام قضايا فلسطينية خالصة بمعنى أنها قضايا
مجتمعية، وهي نتاج
لعلاقة المجتمع بمكوناته.. مجتمع مليء بكل ما هو إنساني من الهموم والقضايا
المسكوت
عنها والتي تشغل أبناءه مثل: كيف ينظر المجتمع لامرأة يتوفى زوجها؟ وكيف
يؤثر ذلك
على أحلام فتاة صغيرة تحلم بتعلم رقص الباليه؟ وما هي الهواجس
التي تدوخ فتاة تعرفت
على شباب عبر وسيط الفيس بوك؟ وكيف سيكون موقف فتاة أخرى عندما تكتشف أن
الشاب الذي
أحبته مختلف الديانة عنها؟ وكيف ينشأ فتى في ظل أسرة يغلب على علاقات
أفرادها
العنف؟... الخ من الهموم والقضايا التي هي جزء من حياة هذا
المجتمع الذي دوما ما
يتغافل عن نقاشها أو التعاطي معها لثقل الاحتلال على جميع تفاصيل حياته.
المجتمع مطاردا أحلام
أبنائه
في فيلم "قيد" للمخرجة "تغريد العزة" (خمسة دقائق ونصف)
نحن إزاء حكاية فاتن التي تبلغ من العمر 13 عاما والحالمة بأن تكون راقصة
باليه،
ذلك الحلم الصغير والمستحق تعترضه مجموعة من الصعوبات التي
تواجهها وتمنعها من
تحقيق حلمها حيث نكتشف لاحقا أن السر يكمن في وفاة والدها.. فكيف يتأتى ذلك
إذا؟
بجملة تنطقها الفتاة الحالمة "لو كان بابا عايش كان خلاني أروح"
تجعلنا
نتعرف على السر وراء رفض الأم لاستمرار ابنتها في تعلم رقص البالية. لتضعنا
المخرجة
على جوهر دقائقها الخمسة.
تلك الجملة تحيلنا على موقف المجتمع من المرأة التي
يتوفى زوجها بفعل نظرة المجتمع لها وترصدهم لكافة شؤون حياتها وهو ما يجعل
من
حياتها مثقلة بغياب الأب والزوج وبعيون البيئة المحيطة التي
تتفرس أدق تفاصيل
حياتها وتحاصرها بالنظرات والمترقبة والمليئة بالتوجس والشك.
في الفيلم بدت الأم
أكثر تزمتا وحذرا من قضية حلم ابنتها الصغيرة؛ فهي تريد لها أن تنجح في
درستها تارة
وأن لا تحلم في الرقص مرة أخرى، وهي تلك المهنة لتي يرفضها المجتمع ويتخذ
منها
موقفا سلبيا وليس هذا موقف الأم بالضرورة.
الفيلم يطرح ما هو أعمق من ذلك وهو ما
يتعلق بالحق الذي يمنح للمجتمع بالتحكم بحياة مواطنيه، ويشغل
المتلقي بسؤال: من أين
يستمد هذا المجتمع الحق الذي حرم ذاته (المجتمع) من الكثير أحلام أبناءه
ورغباتهم
المخالفة لما يعتاد عليه المجتمع ويتوافقون على صوابه.
حلم الفتاة الصغيرة ما هو
إلا حلم بسيط وهو رمز على كمية كبيرة من الأحلام التي تدفن في
عقول أصحابها حيث نرى
يوميا أحلاما تموت في أذهان أطفالنا لأسباب من بينها أن المجتمع يتخذ موقفا
سلبيا
منها حيث يكون للرقابة التي يمارسها علي مواطنيه أكثر الأثر لدرجة أن الناس
هم من
يحددون أقدار أفراده، والنظرة للمرأة التي يتوفي زوجها أحد
أكبر وسائل قتل تلك
الأحلام في مجتمع استشهد الآلاف من أبنائه المتزوجين.
الفيلم تميز فنيا عبر
استخدامه تقنية الفلاش باك حيث نكتشف لاحقا أن الفتاة التي حرمت في صغرها
من تعليم
رقص البالية قد كبرت وصبحت متزوجة فيما طفلتها الصغيرة تحلم بذات لحلم
القديم.
تتوقف الكاميرا أمام الفتاة بعد أن كبرت وتزوجت وأنجبت، نراها تحمل
ملابس الرقص فيما نسمع صوت طفلتها تسألها إن كانت قد وجدتها في خزانة
الملابس، ومن
ثم نذهب بعيدا إلى ماضي هذه الزوجة حيث ذكرياتها المؤلمة وحيث
حلمها الذي قتل سابقا
قد كتبت له الحياة على يد طفلتها الصغيرة.
علاقات افتراضية
أما في فيلم أميمة حموري المعنون بـ
"لقاء" ومدته خمسة دقائق نرى معالجة جميلة لموضوع مستجد وأصبح ينمو
باضطراد.
فـ"ريم" التي تعرفت على شاب عبر الفيس بوك وقد حانت لحظة اللقاء الواقعي
بعد عدة
لقاءت افتراضية طويلة كتب بفعلها قصة حب.
نرى ريم تجلس في مقهى وتحمل ملفا فيه
صور حبيبها الافتراضي فيما ترقب الباب بنزق وانزعاج من
انتظارها وهو ما يؤثر على
نادل المقهى الذي يحار من طلباتها المتغيرة.
نراها تحدق بكل قادم جديد وبين كل
قادم وآخر تدخل في تخيل يذهب فيها لمستقبلها مع هذا الشاب
الافتراضي.
ولأنه
افتراضي نرى في خيال ريم الخصب والتناقض، فتارة نراهما معا في لحظات
رومانسية،
وتارة أخرى نراها تكتشف خيانته لها، وتارة أخرى نشاهده ينسى ذكرى
زواجهما....الخ
وهي كلها صور متوقعه لشاب هي في حقيقتها لا تعرفه إلا افتراضيا.
الفيلم يستحق
التوقف في ظل حضور التكنولوجيا الطاغي في حياتنا وتحديدا وسائل الإعلام
الاجتماعي
والتواصل على شبكة الانترنت، لتشكل ملايين العلاقات الافتراضية التي غالبا
ما يكتب
لها الفشل لأسباب كثيرة يحتاج المجتمع العربي إلى بذل جهود كبيرة سينمائية
وفكرية
وبحثية لسبر أغوار هذه الظاهرة التي لم تعد مستجدة بل أصبحت
مكونا رئيسيا من مكونات
تشكل العلاقات بين الجنسين.
فيلم أخر يغزل من تكنولوجيا الاتصال الحديثة مادته
للمخرجة سلام كنعان المعنون "الأول كان الأخير (4.7 دقائق) حيث يصبح اللقاء
الأول
الذي جمع "نور" و"رامي" كان الأول والأخير وذلك بعد علاقة نسجت أطرافها على "الماسنجر".
العلاقة الدافئة على الماسنجر تتشح بالبرودة منذ لحظات اللقاء
الأولى والسبب صليب ظهر على رقبة "رامي" يدفع بنور للقول: "هل يمكن أن
نستمر
أصدقاء.. وفقط".. نكتشف لاحقا أنه حتى ذلك الأمر يصبح مستحيلا في مجتمع
يُفترض أنه
منفتح ومتسامح حيث تقطع نور علاقاتها بحبيبها "المسيحي" رامي وتتوقف عن
التواصل
معه.
هنا أيضا إضافة إلى التكنولوجيا الحاضرة بقوة في حياتنا يضعنا الفيلم
القصير في مصير العلاقة التي تجمع مختلفي الديانة حيث يكتب لها الموت في
مهدها.
من دون
حوار
فيلم "ممنوع وبس" للمخرجة فادية صلاح الدين نراه يطال
موضوعا في غاية الأهمية وتتعلق بتلك العلاقة التي تحكم الأسرة بفتاة تصل
مرحلة
البلوغ.
يضعنا الفيلم في حكاية فتاة تبلغ من العمر 12 عاما تنتقل من مرحلة
الطفولة إلى مرحلة المراهقة والبلوغ، ومن هنا يبدأ الصراع بينها وبين
والديها
لإحداث تغيير جذري في حياتها من دون أي كلام.
بخفه تضعنا المخرجة بتطورات الفتاة
حيث بقعه الدم على سريرها لحظة استيقاظها من النوم، ومن ثم
نظرات الأب والأم
الصارمة للفتاة التي تطرب على أغنية رومانسية، ومن ثم نرى الأم تحمل منديلا
وتقدمه
لابنتها الصغيرة التي نراها تلملم ألعابها وتغلق عليها جرارها.
كل ذلك يغير
تفاصيل حياة هذه الفتاة التي وصلت مرحلة المراهقة ومن دون أي حوار بين الأب
أو الأم
وابنتهم الصغيرة، حيث تنقلب حياتها رأسا على عقب دون أن تفهم شيئا مما جرى
ولا مبرر
له وله دلالاته.
الفيلم القصير اختار شكلا فنيا يعبر عن القضية التي يطرحها
ويتمثل في غياب لغة الحوار داخل الأسر العربية حيث جاءت دقائق الفيلم
الخمسة من دون
أي حديث أو تعليق.
مرة أخرى وفي عالم المراهقات حيث تحولات الزواج المغلف بأشياء
جميلة لكنها تخفي عبئا ومسؤوليات أكثر نراها في فيلم "ورود منسية" للمخرجة
راية
عروق.
في دقائق خمسة تنجح المخرجة في تناول قضية مهمة ومعقدة انطلاقا من
قضية
تقليدية وهي الزواج المبكر، التي لا يعالجها الفيلم إنما ينظر من خلالها
لموضوع
أكثر عمقا وهو مسؤوليات الزوجة وتحديدا عندما تكون صغيرة السن
وزوجها من شاب
ثلاثيني.
يضعنا الفيلم في حياة فتاة مراهقة قررت الزواج من شاب عمره 34 عاما
وحيث أن إجراءات الزواج وتفاصيله الجميلة والرومانسية بدءا بالذهب والفستان
الأبيض
والورد وليس انتهاء بالأغاني والرقص والفرح تنسي هذه الوردة
(الفتاة) ما ستكون عليه
بعد الزواج، فعلى حياتها أن تنقلب رأسا على عقب.
في لقطة تقوم أم العريس بسحب
العروس من ساحة الرقص وتطلب منها أن تحافظ على هدوئها واتزانها
لتبدأ لحظات جديدة
في حياتها وسط حيرة منها واستغراب فقد أصبحت امرأة في عز مراهقتها.
ولادة لديما أبو غوش
فيلم "ولادة"
لديما أبو غوش (9 دقائق) حالة جمالية خاصة، لا يبدو فيلما يتصدى لقضية أو
موقف، يعود بنا إلى السبعينات، حيث الطفلة فرح تعيش مع أمها "سارة" في إحدى
القرى
الفلسطينية.. الأب غائب من دون سبب واضح ومعلوم والأم حامل في شهرها
التاسع.
تضعنا الكاميرا على تفاصيل هذه المرأة والفتاة في منزلهما الصغير
والجميل وساحاته المبهرة فنيا، فتاة تلعب بسلحفاة تطعمها كل صباح وأم تضع
الشاي على
الغاز وفي لقطة أخرى تجلس على الأرض لتغزل صوفا لمولودها
القادم، وفي ليل ليلاء
تحين لحظة الولادة فيحتم على فرح الذهاب بعيدا لإحضار "داية" القرية.
فرح،
الطفلة ذات السبعة أعوام، تضطر للتغلب على خوفها من الظلام، وتذهب ليلاً
لتحضر
المساعدة لامها، تحمل سلحفاتها الصغيرة وتغني أغنية أمها الجميلة وتسير في
طريق
معتم إلا من الدفء والحنان والحب.
الفيلم كله دقائق غامرة بالأحاسيس الرقيقة
والمشاعر الدافئة بموسيقى ناعمة وغناء شفاف وجميل يجعلنا نحتفي
بالصورة والمشاعر
والتفاصيل الصغيرة ونأمل أن تضع الأم مولودها الصغير بعد أن تنجز تلك
الطفلة
الصغيرة مهمتها الكبيرة.
العنف
والعنف المضاد
فيلم "وفاء نصار" "صدى الصمت" يطال موضوعا شائكا
دوما ما كان من بين الموضوعات التي لا يجوز التطرق إليها وهو "زنى المحارم"
ذلك
الموضوع الذي يعتبر من تابوهات المجتمعات العربية.
الفيلم وبدقائقه السبعة يرينا
بشاعة ذلك الفعل الإجرامي الذي تتعرض له المرأة وبصمت شديد
ومطبق من الجميع وكيف
يؤثر في تكوين طفل صغير يعتاد على رؤية والده الذي يستغل تغيب زوجته من
البيت في
اغتصاب ابنته.
لا يبدو موضوع الفيلم هنا ظاهرة زنى المحارم فقط بل يضعنا إلى ما
هو أخطر من ذلك وتحديدا كيف تؤثر البيئة العنيفة في تكوين الأسرة حيث تتطور
مشاعر
الطفل الذي يشاهد والده إلى عدوانية وعنف تجاه أخته نراها من
خلال تدخله في
خصوصياتها وقص شعر عرائسها الجميلات ومن ثم إلى رسمه لوحه تعبر عن سلوك
محتمل قد
يقوم به تحمل صورة رجل مقطوع الرأس والرجلين.
المخرجة نجحت بتقديم القضية بألم
ووجع وأبدعت في اختيار ملابس الممثلين السوداء أو الكحلية أو
الرمادية وهو ما اكتمل
بلون الصورة التي كانت باهتة وقريبة للسواد ليكتمل المعنى في ذهن المشاهد
عن هذا
الفعل الإجرامي.
وللسياسة
نصيب
في فيلم ليلى عباس "فروتي دريمز" 5 دقائق نرى كيف يتحول
حوار بين زوجين حول شراء بوظة إسرائيلية لابنتهما الصغيرة إلى نقاش وجدل
عام داخل
سوبر ماركت يتدخل فيه الزبائن من خلفيات مختلفة.
في الفيلم يبدأ الجدل بين
الزوجين فيما الطفلة تنظر لوالديها ورويدا رويدا ليتحلق
المتسوقون من دون إذن
ليكونوا طرفا في النقاش الذي نرى من خلاله ذلك التنوع في المواقف والآراء
حول قضية
مقاطعة لبضائع الإسرائيلية.
في نهاية المشهد تنحاز المخرجة للطفولة التي لا تعلم
شيئا عن جدل المواطنين حيث تأخذ علبه البوظة وتذهب تلعب بعيدا مستمتعه
بالمذاق
الحلو.
في هذا الفيلم يحسب للمخرجة قدرتها على كتابة وإدارة حوار عفوي
وكوميدي
داخل السوبر ماركت بين مجموعة متناقضة ومختلفة من المواطنين وهو ليس بالأمر
السهل
حيث عكس الحوار عفوية الممثلين وكانوا تماما مواطنين وكأنهم جاؤوا ليقولوا
ما يقوله
رجل الشارع الفلسطيني...
وأخيرا فيلم "عالهوا" لغادة الطيراوي ومدته 6 دقائق
يأخذنا بعيدا إلى زمن لم يأت بعد وتجعلنا نتخيل أن الصراع العربي
الإسرائيلي قد حل
لصالح فكرة دولة ثنائية القومية ويصبح الجميع متساوين في
الحقوق والواجبات بغض
النظر عن العرق أو القومية أو الدين.
في الانتخابات يتنافس المرشحون "شارون"
و"ياسر عرفات" للفوز برئاسة هذه الدولة ووسط حمى التنافس وغداة الخروج
بنتائج
الانتخابات تقتحم الدبابات رام الله ومقر ياسر عرفات الذي رجحت كفتة وهي
النتيجة
التي لم ترق لشارون.
بعد هذا العرض بقي أن نقول أن ميزة الأفلام
الروائية القصيرة أنها مكثفة للغاية، وهو ما تجلى واضحا في
أفلام "العوالم" التسعة
التي بدت على درجة جيدة من الاحتراف، هي أفلام ناضجة فنيا وتمتلك بناصية
التمكن
الإخراجي مع اكتمال بقية عناصر العمل السينمائي، وهو ما يشي بأن لدى
مخرجاتنا طاقات
سينمائية كثيرة تستحق من يسندها ويدعم رؤيتها المختلفة.
تلك الأفلام - التي
تعتبر جزءا من برنامج WELOD (تمكين
النساء والتنمية المحلية) الذي تنتجه مؤسسة
شاشات الفلسطينية نيابة عن وزارة الخارجية الإيطالية- لا تطرح إجابات
إنما هي ترصد
وتصف وتحاول أن تجعل من عدسات مخرجاتها المحترفات هذه المرة وسيلة لتسلط
الضوء على
قضايا تطرح من خلالها أسئلة كثيرة أملا في وضعها على طريق
الوصول للإجابة وهو ما
يجعل من تلقيها ضرورة مجتمعية.
الجزيرة الوثائقية في
05/01/2012 |