"بوبي فيشر ضد العالم".. عنوان وثائقي المخرجة
الأمريكية ليز غاربوس يُعَبر لوحده والى حد كبير عن إستثناية ذلك الرجل
الذي أثار
إنتباه العالم وحفزه لمعرفة حقيقة الإلتباس والتعقيد الكامنيّن في شخصيته؛
فهو وعلى
مدى سنوات ممارسته اللعبة وصف بالعبقري واللاعب الأهم في تاريخ الشطرنج
وعلى ذات
القدر كانت صفتي اللاتوازن العقلي والنفسي لصيقة به، فيما ظل، دون هذين
الوصفين
المتناقضين والمثيرين، الجدل حول مواقفه السياسية وبخاصة موقفه السلبي من
اليهود
وبلده أمريكا دائرا حتى بعد وفاته في منفاه الآيسلاندي، وربما بسببيهما،
على
الخصوص، وجد نفسه وحيدا في مواجهة العالم؟ وربما لذات السبب وفي محاولة
منها لرسم
بورتريت سينمائي دقيق له، يبرر فكرة فيلمها وعنوانه!، سعت الى الإحاطة
بالظروف
السياسية والإجتماعية التي نشأ وسطها بوبي فيشر وأثرت به مع الذهاب في
تفاصيل الحدث
الذي إنشغل به العالم كثيرا عام 1972، حينما تحدى الروسي بوريس سباسكي
ودعاه الى
مباراة حاسمة للفوز بلقب بطل العالم للشطرنج لتتحوَّل المباراة بعدها من
رياضة الى
صراع سياسي وأيديولوجي ساخن بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة
الأمريكية أبان
فترة الحرب الباردة.
لقد تحولت تلك المبارة، كما أظهرت ليز غاربوس في وثائق
كثيرة جمعتها، الى نقطة إنعطاف حاسمة في حياة فيشر وبمقدار أكبر الى شهادة
تاريخية
نادرة أقرت إنتقال الهيمنة السوفيتية المطلقة على اللعبة الى الولايات
المتحدة،
والأخيرة أرادت لهذا الفوز بأي ثمن أن يعادل، إعلاميا وسياسيا، على الأقل،
هزيمتها
الوشيكة في فيتنام. المخرجة ليز غاربوس من بين الوثائقيين المهميّن في
الولايات
المتحدة، ويكفي التذكير بأن فيلميها "الحقل، 1988" والأخير "بوبي فيشر ضد
العالم"
قد رشحا لجوائز الأوسكار الى جانب فوز الكثير من
أعمالها الوثائقية بجوائز مهرجانات
مهمة ولهذا فمرجعيتها "الأمريكية" في صنع
الوثائقي، أهلَتها لتَقديم عمل بمستويات
تقنية عالية وبمجهود كتابي يمنح مشاهد العرض متعة إكتشاف الحقائق وقد تحولت
الى
مادة بصرية. طيلة الشريط لم نَتَعرف على حياة فيشر وفق تسلسلها التاريخي
ولا عبر
شهادات أشخاص عرفوه فحسب، بل عبر صورة واسعة للعالم وصراعاته.
لتحقيق
التوازن المطلوب لهذين الجانبين لجأت ليز
الى ربط الصور والتسجيلات الأرشيفية
الخاصة به بأصوات محرري القنوات
التلفزيونية والإذاعية وهم يعلقون على جوانب من
حياته وشخصيته أو ينقلون أخبارا عما يجري في البلاد وخارجها، لنكتشف بهما
سوية أن
بوبي فيشر ومع صمته وإنطوائه الشديدين كان متأثرا بالمناخ الذي أُحيط به
وأن بدا
ظاهرا متفرغا للشطرنج وغير عابيء بشيء أخر سواه. وعلى مستوى أخر أعادتنا
غابراس الى
حياته العائلية وأَثَر تربية والدته في تكوينه النفسي. فالأم ريجيتا تَبَنت
وطوال
حياتها أفكارا يسارية، وخوفا من ملاحقة أجهزة المخابرات الأمريكية لها
أنكرت
ديانتها اليهودية وأخفت عن وَلَدها شخصية والده الحقيقي. وعلى المستوى
النفسي تأثر
فيشر بإبتعادها عنه وتفرغها للعمل والنشاط السياسي لهذا وجد في الشطرنج
تعويضا عن
حرمانه العائلي، ومن خلاله أراد إعلان وجوده للعالم، فعوالم السرية والحيطة
التي
عاشها وَجَدت تطبيقاتها المكبوتة على رقعة الشطرنج، وفي المجد المُنتَظر
عَثَر على
التعبير الحقيقي عن وجوده ككائن لم يَهُزم تماما رغم عزلة طفولته ووحشتها
والتي
تكررت ثانية وأشد عندما قرر الإختفاء وترك اللعب بعد تتويجه بطلا للعالم.
هذا
السلوك ظَلَ غامضا وغير مفهوم وهو ما زاد اللغط حول غرابة شخصيته وشذود
تصرفاته.
في "بوبي فيشر ضد العالم" تُركت هذه الفترة من حياته غامضة، غموض قرار
رجل في ذروة مجده، الهروب الى الظل
والإختفاء لسنين طويلة عن أنظار الناس، بإستثناء
مقابلات قصيرة مع مقربين له تحدثوا عن إرتباك فظيع في تصرفاته وميل نحو
أفكار غيبية
ممزوجة بمخاوف أقرب ما تكون الى شيزوفرنيا، والغريب أن انقطاعها ترافق
مباشرة مع
تصريحات خطيرة أدلى بها للصحافة عَبَر فيها عن نقده لسياسة بلاده الداخلية
والخارجية وإشهار كراهيته لليهود معتبرا إياهم مصدر الشر في الأرض، مع أنه
يهودي من
طرف الأم. ثمة إشارات قصيرة الى أن إنسحاب فيشر قد وَفَر له فرص متابعة ما
يجري في
بلاده وأمريكا عبر نشرات الراديو ولكنها قطعا غير كافية لفهم وبشكل دقيق
مصدر
التحولات، إلا إذا قبلنا، وهذا ما نظن أن ليز غاربوس أرادته منا، العودة
الى
المباراة التاريخية مع سباسكي ثانية والإحاطة بكل تفاصيلها التي ستوصلنا
الى نتيجة
أن اللاعب الشاب قد شَعَر بعد مدة من إنتهائها إن عبقريته قد أستُغلت
لأغراض
سياسية، لعب مستشار الأمن القومي حينها هنري كيسنجر دورا كبيرا فيها،
وحالما إنتهت
لعبته أُهمل فيشر تماما.
هذه المعطيات تعطينا تفسيرا معقولا، الى حد ما، لأسباب
إنسحابه عن اللعب والعالم، ومن المنطقي كما يتوافق مع ما قدمه الشريط أن
تكون ردود
فعله عنيفة ضد السياسة الأمريكية وضد اليهود، يضاف اليها تربيته العائلية
المشبعة
بروح النقد للرأسمالية وسياستها. بعد هذة المرحلة من التصادم الشديد،
والتي وصلت
الى درجة رحب فيها بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، ينتقل الوثائقي الى
مستوى لعبت
فيه الكاميرا دورا أكبر بكثير من دور الأرشيف، متولية تسجيل مراحل الصراع
الطويل
بين فيشر والإدارة الأمريكية، التي استَغَلت مشاركته في مباريات حاسمة
للشطرنج نظمت
في يوغسلافيا وإعتبرتها خرقا قانونيا منه لقرار الأمم المتحدة بمقاطعة هذا
البلد،
ولهذا إضطر للبقاء خارج بلاده حتى اُلقي القبض عليه في اليابان بتهمة خرق
قوانين
الفيزا، وأرادت تسليمه الى بلاده ليحاكم فيها، لولا تدخل آيسلاندا وتقبله
لاجئا
عندها، فظل فيها حتى وفاته ملتزما بأفكاره وقناعاته وأن إختلط فيها الكثير
من
الهواجس والشكوك. من أكثر إضافات عمل ليز نباهة، تنويهها بأهميته التاريخية
في
الولايات المتحدة كونه الرجل الذي جَعَل من الشطرنح لعبة يمارسها الملايين
من
الناس بعد أن كانت شبه مجهوله عندهم، فيما سيبقى محبوها يتذكرون اسم بطلها
الأمريكي: بوبي فيشر، الذي وقف يوماً ضد العالم بسلاح لم يزد عن رقعة شطرنج
ونبوغ
إستثنائي!
الجزيرة الوثائقية في
03/01/2012
هل نُعاقب "عادل إمام" على مواقفه السياسية
الشعب يريد
سينما جديدة
صلاح سرميني ـ باريس
في الفيلم الروائيّ المصري "شعبان تحت الصفر" من
إخراج "بركات"، وإنتاج عام 1980، يُمثل "عادل إمام" دور"شعبان"، موظفٌ
بسيطٌ في
الإصلاح الزراعيّ، مسكينٌ، طيبٌ، ساذجٌ، وعاشقٌ لزميلته في
العمل "زينب"(إسعاد
يونس)، ولكنه لا يستطيع الزواج منها بسبب فقره، فيلجأ إلى "الغطريفي
بيه"(عماد
حمدي) الذي تربطه به قرابة بعيدة كي يقترض منه مبلغ 2000 جنيه تُعينه على
امتلاك
بيتٍ صغير، ولكن "الغطريفي بيه" يبخل بتقديم فنجان قهوة
لضيوفه، فكيف له مساعدة أحد
منهم ؟..وفي اللقطات التالية من أحداث الفيلم، يموت تاركاً ثروةً كبيرة.
من بين
الشخصيات الفاعلة، يحظى "جميل راتب" على دورٍ أكثر طولاً من أدواره في
أفلام أخرى
شاهدتها له حتى الآن (ماعدا "البداية" من إنتاج عام 1986 لـ"صلاح ابو
سيف")، ويمتلك
حضوراً مميزاً، بملامحه، صوته، وتعبيرات وجهه.
هو فاسدٌ، مُفسدٌ، انتهازيٌّ،
مُتملقٌ، سمسارٌ، وحتى قوّادٌ، لا يتوانَ عن فعل أيّ شيءٍ من
أجل المال، وأكثر من
ذلك، يُصيغ خطةً جهنميةً يقترحها على أقاربه الثلاثة المُتحفزين للاستيلاء
على
ميراث قريبهم "الغطريفي بيه" الثريّ البخيل، مُستفيداً من غياب ابنه "فريد"
الوريث
الوحيد الذي لا يستطيع الحصول على الميراث لأنه تورّط يوماً في قتل راقصة،
وحُكم
عليه بالإعدام، فهرب إلى فرنسا، ويُعتبر ميتاً في السجلات
الرسمية.
وانطلاقاً من
هذه الشخصية الحاضرة/الغائبة، يفكر "عبد الجواد" (جميل راتب) الاستعانة
بواحدٍ آخر،
وإقناعه بانتحال شخصية الابن "فريد"، ولا يجد أفضل من "شعبان" الذي حالما
يشمّ
رائحة الملايين، وقبل أن يمسكها بأصابعه، ويُحصيها بدقةٍ هوسية، يكشف بأنّه
ليس
طيباً، أو ساذجاً كما يتصوره الآخرون، حيث يوافق بسهولةٍ على
هذا العرض المُغريّ،
وأكثر من ذلك، يرفع حصته من 2000 جنيه كان يحتاجها إلى ثلاثة ملايين جنيه
نصف
الميراث، ويترك الباقي لأقاربه الأربعة، "جميل راتب"، وثلاثة آخرين، ومنهم
الشقراء
اللعوب "ناريمان" (ليز سركسيان)، وهكذا، يصبح بين يوم، وليلة ثرياً، ويتحول
إلى
فاسقٍ ينفق ثروته الطائلة، والطارئة في سهراتٍ حمراء تأخذ الحيّز الأكبر من
تفكيره،
ونشاطه، وفي زحمة النساء العابرات ينسى حبيبته "زينب" القلقة على مصيره، هي
التي
أوهمها بأنه سافر إلى القاهرة للعمل فيها.
وفي الثلث الأخير من الفيلم تظهر
شخصية كنا نتوقع ظهورها في أيّ لحظة، حيث يعود "فريد" الابن
الحقيقي للغطريفي بيه
مُستعيناً بجواز سفر مزور، ويطالب "شعبان" بالميراث، وعندما
يُواجهه بالرفض، يفاصله
على المبلغ بدون نتيجةٍ لصالحه، ولا يبقَ له غير الانتقام،
والإبلاغ عنه، وهنا،
تطفو على السطح الملفات القديمة للجريمة، ومن الطبيعيّ بأن تتوجه الأنظار
نحو "شعبان"
الذي أصبح "فريد" المحكوم عليه بالإعدام، وتورّط في جريمةٍ قتلٍ لم يحسب
حسابها.
هذا الكشف المُتوقع يُحوّل مسارات الحكاية، ويفرض عليه إقناع الآخرين،
وخاصةً القضاء، وتقديم الإثباتات بأنه ليس "فريد" المجرم الهارب، ولكنه
انتحل
شخصيته للحصول على ميراث أبيه.
لن يترك السيناريو "شعبان" يتحمّل هذا العقاب
الأقصى، فيقدم الحلول سريعة بالكشف عن "فريد" الابن الحقيقيّ لحظة مغادرته
المطار
هرباً مرةً أخرى من عقابٍ مُحتمل، ولن نسال أنفسنا لماذا لم ينتبه أحدٌ إلى
جواز
سفره المُزيف عند وصوله، طبعاً لو حدث هذا الاكتشاف في البداية
لما توالت الأحداث
التالية بنفس طريقة السرد التي ظهرت في الفيلم، وساعدت "شعبان" على التخلص
من تهمة
القتل.
وعلى الرغم من كلّ المُوبقات التي ارتكبها تظل "زينب" الفقيرة مخلصة
في
حبها له، وسوف تنتظره بصبرٍ حتى خروجه من السجن بعد أن يقضي عقوبة النصب،
والاحتيال، وانتحال شخصية، وهي أخفّ بكثيرٍ من حكم الإعدام الذي سوف يكون
من نصيب "فريد"
ابن "الغطريفي بيه".
في كلّ الحالات، نتوقع بأن يتعاطف الجمهور مع
"شعبان" مهما كان وضعه الاجتماعي، فقيراً شريفاً، أو ثرياً محتالاً(وهو
في اللاوعيّ
تعاطفٌ موجهٌ نحو "عادل إمام" نفسه)، وسوف يجد له مبرراتٍ كافية تمنح
الشرعية
لمُمارساته، بينما لن يرحم "عبد الجواد "(جميل راتب)، والآخرين.
بدون تحليلٍ
نقديّ مُعمّق، وهو ليس موضوعنا، يتضمّن الفيلم جوانب مُسلية، وترفيهيّة،
ولكنها،
ضمنياً، مؤذيةٌ، وخطيرة (التعاطف مع نصابٍ، فاسقٍ، ماجنٍ، منتحلٍ،
وكذاب،....).
لقد تمّ إنجاز الفيلم لعرضه على متفرجين مخدّرين ذهنيّاً لن يطرحوا
على أنفسهم أسئلةً كثيرةً، ومعقدةً عن السيناريو، الشخصيات، والبناء
السينمائي،
ومفرداته البسيطة، أكثر ما يعنيهم في هذا الأمر متابعة حكاية
خفيفة، وطريفة يحملها
النجم "عادل إمام" على كتفيّه، ويمضي بها مُتسلحاً بشعبيةٍ اكتسبها من
جمهور
متواطئٍ مع فساد صناعة سينمائية مصرية يُساهم في تدميرها
.
وانتهزها فرصةً كي
أتوقف قليلاً عند "عادل إمام" الممثل الذي أشاهده على الشاشة، ويجعلني
سعيداً،
ومبتهجاً بما يكفي، وأتساءل:
ـ هل يتوّجب علينا الامتناع عن مشاهدة أفلامه
القديمة، والجديدة لأنه في بداية الثورة المصرية أدلى
بتصريحاتٍ سياسية متعاطفة مع
النظام السابق، ولا تتوافق مع الظروف الراهنة ؟.
وبشكلٍ عام، أصيغ السؤال
كالتالي:
ـ هل يتوّجب علينا مقاطعة فنانٍ بسبب مواقفه الاجتماعية، والسياسية،
وحتى سلوكياته الشخصية ؟
إذا كانت الإجابة "نعم"، فهذا يعني التوقف عن مشاهدة
معظم الأفلام العربية، والأجنبية، لأننا سوف نجد في كلّ واحدٍ منها شخصاً
على
الأقلّ تتضارب أفكاره، ومواقفه مع أفكارنا، ومواقفنا الفردية،
أو
الجماعية.
دعونا نفترض عقاباً جماهيرياً صارماً ضدّ "عادل إمام"، وفي هذه
الحالة، ماذا نفعل عندما نشاهد فيلماً ما، ونجده يتصدّر الأحداث:
ـ هل نقتلعه
من الصورة ؟
ـ هل نضع على وجهه شريطاً أسود ؟
ـ هل نمسح حواراته ؟
ـ هل
نلغيه من تاريخ السينما، وذكرياتنا ؟
وإذا تمادينا في التصدي
:
ـ هل نُحرّض
الجمهور بكافة أطيافه على الامتناع عن شراء تذكرة دخول لمُشاهدة أفلامه،
وفي نفس
الوقت نجعل العقاب يسري تلقائياً على عشرات الممثلين، الفنانين، التقنيين،
والعمال
الذين يكسبون عيشهم من فيلم يمثله "عادل إمام"، أو غيره من
الفنانين الذين وضعهم
الثوار في قائمةٍ سوداء .
ـ هل تتوقف المحطات التلفزيونية العربية عن بثّ
أفلامه ؟
ـ هل نمتنع عن شراء الأقراص المُدمجة لأفلامه ؟
ـ هل يتوافق "الفعل
الثوريّ" الناضج مع رغبةٍ يمكن أن تُساهم في انهيار صناعة
سينمائية بكاملها ؟
الأسئلة،
والتساؤلات كثيرة، وسوف تتضاعف يوماً بعد آخر، ولكنّ حرية التعبير التي
تُطالب بها
الثورات العربية تمنحني الحقّ بأن أكون على خلافٍ مع بعض الآليات.
بالنسبة لي،
"عادل إمام"، ومهما تلوك الألسنة حكاياتٍ عنه، كان، وسوف يظلّ واحداً
من كبار
الممثلين في السينما المصرية، أشاهد أفلامه بمتعةٍ مهما كانت غارقةً في
جماهيريتها،
وأتحفظ في بعض الأحيان على نوعية الأفلام التي يُشارك فيها.
ببساطةٍ، سوف أستمرّ
في مشاهدة أفلامه مهما كانت أفكاره السياسية، متعاطفة، أو مناهضة، لأنّ
الأفلام
نفسها، جيدة، أو رديئة، وكلّ ما تحتويه من عناصر فنية، هي التي تعنيني في
المقام
الأول، أما الحياة الشخصية للممثل، أفكاره، سلوكياته،
أخلاقياته،..فهي تخصّه وحده
(مقولةٌ
مُنافقةٌ تلك التي تدّعي بأنّ الفنان ملك الجمهور).
يُخطئ من يمنح نفسه
"قداسةً ثورية"، ويسقطها عن آخرين، ويُخطئ أكثر من يضع نفسه "وصياً"،
وحامي حمى ما
يعتقد بأنه صواب.
من المُفترض بأننا شعبٌ ناضجٌ بما يكفي كي نخشى تأثيراتٍ
مُفترضة، أو مُحتملة من كلماتٍ، أو مواقف فنانٍ، نعتقد بأنها سوف تُحيدنا
عن الطريق
الثوريّ المُستقيم.
كان الأحرى بنا جميعاً، ومنذ سنواتٍ طويلة، التصدي لكلّ
الأفلام التي نهبت جيوبنا، وأساءت للذوق العام، وأفسدت أجيالاً بأفكارٍ
أقلها
التعاطف مع المجرم، السارق، النصاب، والمحتال،.. كما الحال
تماماً في "شعبان تحت
الصفر"، وأفلاماً كثيرة نشاهدها طوعاً، ولم نقف يوماً أمام صالات السينما
نرفع
شعاراتٍ كتبنا عليها "الشعب يريد سينما مختلفة"، رُبما كنا ساهمنا عن طريق
هذا
الفعل الاحتجاجيّ السلميّ البسيط في تغيير أشياء كثيرة فاسدة تراكمت مع
الزمن.
الممثل في أيّ فيلم جيد، أو رديء، يؤدي عملاً فنياً، هو على الشاشة
شخصية
سينمائية لا علاقة لها بالواقع، ولكنها مُستوحاة بشكلٍ ما من الواقع مع
الكثير من
الخيال، ولكنه في الحياة بشرٌ مثلنا، يُصيب، ويُخطئ، والسينما، منذ
بداياتها، وحتى
اليوم، ترتكز على فكرة الوهم، وعندما يؤدي الممثل دوراً ما،
فإنه يُوهم المتفرج
بأنه هذه الشخصية، أو تلك، ببساطة، هو يُمثل دوراً، يتقمص، ويجسّد عالماً
سينمائياً.
وليس من حقنا مطالبته بأن تتطابق حياته الشخصية مع تلك الأدوار
المُتعددة التي نراها على الشاشة، وإذا أردنا محاسبته على موبقاتٍ يرتكبها،
وهو ليس
دورنا، سوف تطول القائمة، وينفضّ الجمهور عن السينما، والتلفزيون، وقد أصبح
هذا
الأمر مستحيلاً.
وكما اكتشفنا منذ سنواتٍ سحر الماضي في السينما المصرية،
بالأبيض والأسود، أو بالألوان، وبدأنا نُعيد تقييّمنا لها، ولصانعيها، سوف
يأتي
يومٌ قريبٌ جداً نتذكر بكثير من الحنين "عادل إمام" الفنان،
وننسى مواقفه السياسية،
تماماً كما حدث مع فنانين آخرين من كلّ أنحاء العالم.
الجزيرة الوثائقية في
03/01/2012
السينما المصرية تخشى على حريّتها
القاهرة - ترجع بدايات صناعة السينما في مصر إلى ثلاثينات القرن
الماضي وشهدت عصرا ذهبيا في الأربعينات والخمسينات وظلت تتمتع باقبال كبير
في الداخل وفي دول المنطقة طوال تاريخها.
ويقول كثيرون ان قدرة معظم العرب على فهم اللهجة العامية المصرية ترجع
الى انتشار الافلام ومسلسلات التلفزيون المصرية في أنحاء العالم العربي.
وظلت الرقابة ملمحا رئيسيا صاحب السينما المصرية منذ بداية حكم الرئيس
الراحل جمال عبد الناصر الذي تولى السلطة في مصر رسميا عام 1956 ولذلك
ابتعدت غالبية الأفلام المصرية عن قضايا السياسة.
لكن السنوات القليلة الماضية شهدت انتاج عدد من الأفلام المصرية التي
تتناول الواقع الاجتماعي لاقى بعضها استقبالا طيبا في المهرجانات الدولية.
أخرج الفنان الشاب عمرو سلامة فيلمان روائيان هما "زي النهاردة" عام
2008 و"أسماء" الذي يعرض حاليا في دور السينما. كما أخرج سلامة سلسلة من
الافلام الوثائقية والقصيرة والاغنيات المصورة. وفاز سلامة بجائزة أفضل
مخرج عربي عن فيلم "أسماء" في قسم أفق جديد بمهرجان ابوظبي السينمائي
الدولي عام 2011.
ويتناول "أسماء" الذي يحكي قصة حقيقية في اطار درامي قضية شديدة
الحساسية في المجتمعات العربية هي مرض الايدز والمعاملة التي يلقاها المريض
في وسط متدين محافظ.
وذكر سلامة أن استخراج تصريح بتصوير فيلم يحتاج الى جهد وصبر حيث
ينبغي الحصول على موافقة من وزارة الثقافة ومن سلطات الامن وأحيانا من
السلطة الدينية اذا كان موضوع الفيلم يمس قضية دينية.
ثم تأتي مشكلة التمويل حيث يقول سلامة ان السينما المصرية لا تعتمد
على ايرادات شباك التذاكر بل على المبالغ المالية التي تدفعها قنوات
التلفزيون لشراء حق بث الفيلم مستقبلا. ومعظم تلك القنوات التلفزيونية
تملكها شركات مقرها دول خليجية محافظة دينيا واجتماعيا وتأثرت بالازمة
المالية العالمية. وذكر سلامة أن ذلك أدى الى تراجع الانتاج السينمائي في
مصر منذ عام 2009.
ورغم نجاح فيلمي عمرو سلامة الروائيين اتخذ المخرج الشاب خطوة جديدة
في عام 2011 يعتبرها كثيرون في صناعة السينما تراجعا الى الخلف حيث شارك في
اخراج فيلم وثائقي بعنوان "تحرير 2011" . لكن سلامة أوضح أن الفيلم
التسجيلي أداة مختلفة يستخدمها المخرج ليتناول نوعا مختلفا من الموضوعات.
وقال "صناعة الافلام التسجيلية ما هياش "ليست" خطوة للوراء لما الواحد
يعمل أفلام طويلة. كل نوع من أنواع الافلام له مذاقه وله هدفه وله نوعه.
ممكن تيجي لي فكرة أحب أعملها كفيلم طويل أو تيجي لي فكرة أحب أعملها كفيلم
تسجيلي أو فيلم قصير أو كأغنية مصورة أو حاجة. فكل حاجة على حسب الفكرة
اللي بتيجي الواحد عايز يعملها بشكل ايه. بعد الثورة ما حصلت كل المنتجين
كانوا بيكلمونا.. احنا عايزين لازم نعمل أفلام دلوقتي "الان" حالا عن
الثورة. يالا نصور.. يالا نعمل.. أنا حسيت أن صعب شوية أن أنا أطلع بنتيجة
أعملها في فيلم فيه تمثيل وفيه نتيجة. فيه حاجة احنا وصلنا لها لكن فيه
حاجات كثيرة قوي لسه ما وصلنالهاش "لم نصل اليها بعد" وما فهمناهاش "لم
نفهمها". بس الفيلم التسجيلي هدفه الاكثر أنه يوثق اللي "الذي" بيحصل وقت
ما بيحصل. المشاعر.. الاحداث.. الاسباب اللي أدت للاحداث."
ولا يحتاج الفيلم الوثائقي للحصول على موافقة للتصوير بل يتعين الحصول
على تصريح اذا كان الفيلم سيعرض عرضا عاما. ومع تزايد جودة معدات التصوير
والصوت وأسعارها التي أصبحت في المتناول بات المجال أكثر اتساعا لهذا النوع
من الافلام مقارنة بالافلام الروائية.
"تحرير 2011" هو أول فيلم وثائقي يعرض تجاريا في دور السينما بمصر في
تطور يعتبره سلامة علامة على قبول الجمهور لهذا النوع من الافلام. وبدأ عرض
الفيلم في نوفمبر تشرين لثاني وذكر سلامة أن ايراداته فاقت ايرادات بعض
الافلام الامريكية التي تعرض في نفس الوقت في مصر.
فيلم اخر لمخرج مستقل اخر هو أحمد عبد الله لاقى استقبالا طيبا في مصر
وخارجها هو فيلم "ميكروفون" الذي بدأ عرضه عام 2010 وحصل على خمس جوائز من
مهرجانات.
بدأ أحمد عبد الله مشواره مع الاخراج السينمائي بفيلم "هليوبوليس"
الذي أنتج بميزانية صغيرة. وكثيرا ما يستخدم عبد الله في عمله الاضاءة
والصوت الطبيعيين ويستعين بممثلين غير محترفين الامر الذي لا يحتاج الى
تمويل كبير للفيلم.
لكن المخرج أوضح أن العقبة الرئيسية في صناعة السينما في مصر هي
التوزيع وذكر أن الموزعين المصريين يعتبرون الفيلم منخفض التكاليف بالضرورة
منخفض الجودة. وأكد عبد الله أن الفيلم المصري المستقل قد يعرض في أرقى
وأهم مهرجانات السينما العالمية لكنه ربما لا يحظى بفرصة للعرض في مصر.
وقال "أعتقد أن المشكلة الكبرى هي مشكلة التوزيع. لان عدد كبير من
الموزعين يأبوا على أنفسهم أنهم يضعوا أفلام بميزانية ضئيلة.. حتى
الميزانية الصفرية.. زي فيلم حاوي.. فيلم ابراهيم البطوطي الاخير.. فيلم لم
يتكلف أي مبالغ مالية ومع ذلك واحد من الموزعين الكبار طلع في التلفزيون
وقال انه لن يوزع الفيلم لانه فيلم مش متكلف أي فلوس.. ميزانية صفر. فأعتقد
أن المشكلة هي في عقلية الموزعين والمنتجين الكبار اللي هم بيقفوا حاجز
تجاه توزيع الافلام المصرية."
ويؤدي دور البطولة في "ميكروفون" الممثل الناجح خالد أبو النجا الذي
اتجه في الاونة الاخيرة الى تجربة الانتاج. ويرى أبو النجا أن الموجة
الجديدة من صناع السينما المستقلين في السنوات الاخيرة بمثابة نهضة للسينما
المصرية. وقال ان فيلمي "ميكروفون" و"هليوبوليس" تنبأ بالتغيرات السياسية
التي شهدتها مصر في عام 2011.
وقال أبو النجا "أنا شايف أننا داخلين في عصر جديد.. ملامح العصر ده
ممكن نحاول نفهمها دلوقتي لان لسه داخلين فيه. لكن هو ملامحه ممكن قوي
ببساطة أن ما بقاش فيه حد ضعيف... أو أي حق من حقوقه. وما بقاش فيه حد عنده
القوة الكفاية أنه يفرض على الناس أن حقوقها تتاخذ "تؤخذ" منها. ويمكن دي
أول ملامح العصر ده. كمان ممكن نحس أن العصر ده أو ملامحه أن سلطة الناس
أصبحت لاول مرة قد "مساوية" أو أكبر من الناس اللي في السلطة. بقى ممكن أي
حد.. أي مجموعة من الناس اللي هي تتحد أنها تقف قدام الناس اللي في
السلطة."
ومع اجراء أول انتخابات ديمقراطية فيما تعيه الذاكرة في مصر تدور
حاليا مناقشات واسعة النطاق عن شكل الحكومة المقبلة. وبعد حصول أحزاب
اسلامية على أغلبية الاصوات حتى الان في الانتخابات يخشى كثير من
الليبراليين أن تسعى حكومة يشكلها اسلاميون الى تقليص مساحة حرية التعبير
في السينما.
لكن أحمد عبد الله يرى أن ذلك لو حدث فلن يكون أمرا جديدا على صناعة
السينما في مصر.
وقال المخرج "ما أعتقدش أنه مسألة التخوف من حكم محافظ أو حكم اسلامي
بالنسبة لي تعني لي الكثير كفنان لانه هي نفس الازمة دي احنا عشناها في وقت
حكم مبارك. كنا نحارب حكم مبارك اللي هو أيضا كان حكم يمنعنا من التعبير عن
ارائنا. في ظل الحكم العسكري.. متشدد وبيمنعنا من التعبير عن ارائنا.
باتصور لو جاء حكم محافظ أو حكم اسلامي.. نتمنى لا.. بس "لكن" حتى لو حصل ح
نستمر في نفس المعركة."
وأجاب عبد الله على سؤال عما اذا كان يمكن أن يغادر مصر قائلا انه لن
يترك بلده أبدا لانه لا يريد أن يصنع أفلاما الا عن حياته وعن المحيطين به
ولا يمكن تحقيق ذلك الا في اطار مصري.
"رويترز"
العرب أنلاين في
03/01/2012 |