أهم ما يحرص عليه الفنان الموهوب صبري فواز هو تقديم أعمال تتسق مع
قناعاته، أو كما يقول هو تتوافق مع أصول الفن، كما يجب أن يكون كذلك تحقق
له نقلة جديدة وإضافة مختلفة، وهو لا يمانع أن تتكرر أعماله مع مخرج مثل
خالد يوسف طالما يحقق معه النجاح، وقد يرفض أعمالاً لا ترضيه، رغم احتياجه
المادي ويقبل أخرى بأقل من أجره لحماسته لها .
وقد كان صبري فواز شريكا في نجاح فيلم “كف القمر” مع خالد يوسف، وله
في التلفزيون تجربة مميزة خلال مسلسل “أشجار النار”، الذي انتهى من تصويره،
ونحاوره في هذا اللقاء .
·
كيف ترى ردود الفعل تجاه فيلم
“كف القمر”؟
- ردود الفعل طيبة للغاية وقد أفادني الفيلم
كثيراً، لأن الجمهور رآني بشكل مختلف عن تجربتي مع خالد يوسف في فيلمي
“دكان شحاتة” و”كلمني شكرا” والفيلم مختلف تماماً .
·
لكنك قلت إن دورك في “دكان
شحاتة” يشبه دورك في “كف القمر”؟
- وجه التشابه أن الدورين “صعيدي”، لكنني كنت
حريصاً جداً أن يخرج كل دور مختلفاً عن الآخر، وهذا ما اجتهدت من أجله .
·
وماذا عن الإيرادات هل هي مهمة؟
- بكل تأكيد، لأن السينما صناعة ولا بد أن نعمل
ألف حساب لمسألة الإيرادات، وقد نجح فيلم “كف القمر” مع النقاد، ولكنه
تراجع عن فيلمي أحمد حلمي وأحمد مكي، في موسم عيد الأضحى، لأنه عرض في
التوقيت غير المناسب، فقد كان موعد عرضه في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من
العام الماضي، ولو عرض في هذا التوقيت كان سيحقق نجاحاً أكبر .
·
هل تتحمس لأداء شخصية الصعيدي
مثلا لأنك تشعر معها بأنك أمام تحدٍ ما؟
- بكل تأكيد، ولو جاءني دور لا أشعر فيه بتحدٍ ما
لا أعمله ولا أقبله لأنني لا أشعر بارتياح وأنا أقدمه .
·
لكنك كررت أداء شخصية الضابط كما
كررت أداء شخصية الصعيدي؟
- المعيار هنا شكل تقديم الشخصية، وأنا أبحث دائما
عن الاختلاف في نفس الإطار، والتمثيل من وجهة نظري فن الدهشة، بمعنى أنه لا
بد أن أجعلك تندهش وأنت تراني في كل عمل .
·
لا بد أن هناك إيجابيات لعملك
تكراراً مع مخرج مثل خالد يوسف وسلبيات أيضاً؟
- بكل تأكيد وأبدأ بالسلبيات، وهي منحصرة من وجهة
نظري في عدم الثراء باختلاف الفكر، لكن الإيجابيات أنني أعمل مع مخرج أفهمه
ويفهمني، ونوفر الجهد والوقت وتذوب المسافات ويقل التوجيه، لأن هناك مساحات
كبيرة من التفاهم .
·
وهل الممثل مع خالد يوسف حر في
أن يعبر عن وجهة نظره ويضيف بعدا آخر إلى شخصيته؟
- بكل تأكيد حر بالمعنى الفني وليس بالمعنى
الهمجي، وخالد يوسف عندما يثق في ممثل معه يسمعه ويعطيه الحرية، وأنا أفهم
أصول المهنة، وهي أن المخرج هو المسؤول عن العمل ومن حقه أن يقدمه من وجهة
نظره ويضيف وينحرف على حسب رؤيته وقناعته وأنا كصبري فواز شخصياً أرتاح
جداً في التعامل مع خالد يوسف وأستمتع بالعمل معه .
·
هل ترى طرفاً خسر من العمل مع
خالد يوسف في تجربة فيلم “كف القمر”؟
- على الإطلاق، الجميع استفاد، وأنا أول هؤلاء،
ومثلاً وفاء عامر قدمت أفضل أعمالها، وهيثم زكي أراه بدأ من جديد في هذا
الفيلم، وحسن الرداد وجد طريقاً جديداً، وخالد صالح، والكل كسب أكثر مما
كسب خالد يوسف نفسه من الفيلم .
·
بعدما فتحت لك السينما أبوابها
هل تبحث عن فكرة التوازن مع التلفزيون؟
- أنا ممثل يمكن أن تُعرض عليّ أعمال كثيرة لكنني
لا أقبل إلا ما يتفق مع قناعاتي، ولا بد أن يقدمني خطوة إلى الأمام، وقد
أرفض أعمالا وأنا لدي التزاماتي المادية، وقد أقبل أعمالاً بأقل من أجري
لأنها تلقى ارتياحاً لديّ، وهذا ما حدث معي في مسلسل مثل “أشجار النار” .
·
وماذا حمسك لمسلسل “أشجار
النار”؟
- حمسني أنه عمل متميز على مستوى الفكرة والمضمون
ويقدم رسالة وقيمة وأقدم خلاله شخصية ثرية جداً، لأن “عمار” ابن عم أيوب في
العمل شخصية حاقدة وموتورة طوال الوقت ومستفزة لي كممثل.
·
ما رسالة العمل من وجهة نظرك؟
- هو عمل يدور في صعيد مصر عن أسطورة “أيوب
وناعسة”، وفيه إسقاط على الواقع العربي في فترة ما قبل احتلال فلسطين في
عام 1948 وقيام دولة الكيان الصهيوني على أنقاض دولة فلسطين، وأنا أشجع هذا
النوع من الدراما، لأنه قائم على نص جيد وممثلين يشبهون شخصياتهم وفق
الأصول الفنية، حيث يضم المسلسل مجموعة مميزة من الأبطال، منهم فتحي عبد
الوهاب وداليا مصطفى وعبير
صبري ومحمد نجاتي وسميرة عبد العزيز وإخراج عصام شعبان .
·
وماذا عن الجديد لديك؟
- أشارك في حلقات منفصلة متصلة بعنوان “بنات في
بنات”، تأليف محمود الطوخي وإخراج أمل أسعد مع رانيا فريد شوقي، وهو من
إنتاج قطاع الإنتاج بالتلفزيون .
الخليج الإماراتية في
13/12/2011
"المحاربة": رؤية سينمائية مفزعة عن اليمين المتطرف في
ألمانيا
يوخن كورتن (س ج) ـ مراجعة: منصف السليمي
حقق المخرج الألماني الشاب دافيد فنينت فيلماً عن موضوع الساعة في
ألمانيا بعنوان "المحاربة". ويتيح الفيلم للمشاهد الدخول بعمق في العالم
المُفزع لليمين المتطرف في الجزء الشرقي من ألمانيا.
لو كان فيلم "المحاربة" قد عُرض قبل شهور قليلة، لأصابته سهام النقد
وربما قيل إنه يبالغ في تقديم صورة نمطية لليمين المتطرف في ألمانيا. غير
أن الواقع اليميني تجاوز الخيال السينمائي، وهو ما يجعل الأنظار تتجه إلى
هذا الفيلم وصانعه، لا سيما أن الفيلم قد حاز حتى الآن على عدة جوائز دولية
ومحلية بعد عرضه في عدة مهرجانات، كان أولها مهرجان ميونيخ السينمائي
الدولي. وفي مطلع عام 2012 سيعرض الفيلم في صالات العرض الألمانية.
رموز نازية واعتداءات عنصرية
يحكي الفيلم حكاية الشابة ماريسا، وهي مراهقة تعيش في الريف الألماني
الشرقي، وتربطها صداقة متينة مع مجموعة من الأصدقاء الشبان من الوسط
اليميني المتطرف. تحيا ماريسا مع أصدقائها حياة ملؤها الكراهية والعنف تجاه
الأجانب، لا تجمعهم سوى الحماسة للأفكار والرموز النازية. وبعد شجار مع
لاجئين من أفغانستان، تفقد ماريسا السيطرة على أعصابها وتصدم شابين
بسيارتها وتصيبهما إصابة غير مميتة. ما يحدث بعد ذلك من الممكن أن نطلق
عليه عملية تطهير نفسي، إذ أن ماريسا تسعى لتقديم يد العون للشابين، بل
وتساعدهما على الهرب إلى السويد.
قبل سنوات عديدة قام المخرج دافيد فنينت برحلة إلى القسم الشرقي من
ألمانيا. كان هدفه من الرحلة هو تصوير المصانع المهجورة التي توقف العمل
بها. خلال رحلته، يقول المخرج، قابل شباناً عديدين من اليمين المتطرف. "في
قرى شرق ألمانيا يلح على المرء الانطباع بأن التطرف اليميني ظاهرة
جماهيرية. هذا شيء أصابني بالرعب، غير أنه أثار اهتمامي أيضاً"، كما يقول
المخرج. ولهذا بدأ فنينت بإقامة اتصالات مع يمينيين متطرفين، وخاصة مع
شابات، إذ أن اللافت هو تزايد نسبة النساء في اليمين المتطرف في الآونة
الأخيرة.
صورة شديدة الواقعية
يقدم فنينت صورة واقعية لاجتماعات الشبان المتطرفين، مظهراً إياهم وهم
يشربون الخمر ويغنون الأغاني التمجيدية للنازيين أو يشاهدون أفلام
البروباغندا النازية القديمة. ويضم الفيلم مشاهد تظهر اعتداءات النازيين
العنصرية على الأجانب في الترام أو في الشارع، كما يضفي المخرج سمات شخصية
على أبطاله، فيرى المُشاهد البيئة التي كبروا فيها، ويشعر بما يسيطر على
الآباء والأمهات من عجز. كل هذا يُكسب الفيلم ملامح واقعية تجعل المشاهد
يصدق ما يراه. الشيء الوحيد الذي يثير تساؤلات لدى المشاهد هو الكيفية التي
حدث بها تقارب بين ماريسا والشاب الأفغاني - إذ ما الذي يجعل الشاب يلجأ
للفتاة التي حاولت دهسه تحديداً باحثاً عن المساعدة؟ يظل المشاهد يبحث عن
إجابة عن هذا السؤال حتى نهاية الفيلم، ولكن دون جدوى. الشيء نفسه ينطبق
على تحولات ماريسا التي لا تبدو مقتنعة من الناحية النفسية.
بالرغم من أوجه القصور هذه فإن فيلم "المحاربة" يهز المشاهد من
الأعماق. نجح المخرج في مسعاه في تقديم فيلم يسلط الضوء على اليمين
المتطرف، ولكن بدون أن يتحول "المحاربة" إلى فيلم تربوي تعليمي، كما نجح
فنينت في تقديم صورة واقعية عن هذا الوسط المرعب ولكن دون أن ينزلق إلى
الصور النمطية. ينجح الفيلم في تقديم تفسير لأشياء تستعصي على التفسير،
مثل: لماذا تنتشر معاداة الأجانب في الجزء الشرقي من ألمانيا؟ لماذا يهجر
الشبان منازل آبائهم ويقبلون على الأفكار العنصرية؟ لماذا يقبلون على وشم
أنفسهم بالرموز النازية؟
في فيلمه يقدم فنينت إجابات عديدة على تلك الأسئلة. الفيلم يسلط الضوء
على المشاكل المنتشرة في الشرق مثل البطالة وانسداد الآفاق وقلة الفرص أمام
الشبان، كما يظهر الفراغ الإيديولوجي الذي انتشر بعد سقوط جدار برلين وأثر
ذلك في انتشار الأفكار المتطرفة. كل هذه الإجابات ليست جديدة، غير أنها
مقنعة، لا سيما وأن المخرج نجح في تقديمها في شكل درامي جذاب - مفزع في
واقعيته.
دويتشه فيله في
13/12/2011
مارتن سكورسيسي طفل حنون في
Hugo..
تخلى عن العنف والانتقام
قد تعتقد أنك قادر على تخيّل ما ستراه في فيلم مارتين سكورسيسي الجديد
Hugo. قد تظنّ أنك ستشاهد مشاهد عنف وعراك
وضرب، أو بطلة تفقد صوابها وينتهي بها المطاف في مصح للأمراض النفسية، أو
قصة عن الانتقام تنطوي على مشاهد إطلاق نار وطعن بالسكاكين.
لكن لا شك أنه لن يخطر على بالك أنك قد ترى في الفيلم طفلاً يتيماً
لطيفاً في طور البحث عن عائلة جديدة تتبنّاه.
ألقِ نظرة على أفلام مارتين سكورسيسي مثل
Godfellas
وRaging Bull
وThe
Departed وShutter Island
وCape Fear وGangs
of New York، وستجد صعوبة في تقبّل فكرة أن هذا المخرج نفسه
يقف وراء فيلم
Hugo
العائلي والثلاثي الأبعاد. في بعض النواحي، ساهمت اهتمامات سكورسيسي
الشخصية والمهنية في حثّه على إخراج عمل لطيف مثل
Hugo على رغم أنه يدرك تماماً أن الجمهور يرتعب من أفلامه السابقة.
يبلغ سكورسيسي التسعة والستين عاماً ولديه من زوجته هيلين موريس التي
تعمل في مجال نشر الكتب ابنةً تدعى فرانشيسكار (12 عاماً)، يقول: «أخرجت
هذه المرّة فيلماً طبيعياً لا يشبه سائر أفلامي، وقد جاء وليد تجربة الأبوة
مع طفلة تشاركني حياتي وحياة زوجتي».
تابع سكورسيسي كلامه مفسّراً الأمور التي جذبته إلى هذا المشروع:
«صُنعت أفلام رائعة كثيرة عن الأطفال، وثمة أفلام رائعة صوّرت من وجهة نظر
الأطفال أنفسهم. لكن ما هي الأمور التي يستطيع الأطفال فعلاً فهمها أو
إدراكها؟».
برايان سيلزنيك
اقتبس الكاتب السينمائي جون لوغان (كتب نص
The Aviator من إخراج سكورسيسي) قصة الفيلم عن كتاب برايان سيلزنيك للأطفال الغني
بالصور والألوان
The Invention of
Hugo Cabret.
فيلم سكورسيسي الجديد دراما مكتوبة على طريقة تشارلز ديكنز تحكي عن
صبي وحيد يبحث عن السعادة، وتتطرّق أيضاً إلى بعض المواضيع المحبّبة إلى
قلب هذا المخرج الحائز جائزة أوسكار، وأبرزها: تاريخ السينما وطرق الحفاظ
على الأفلام. إنه فعلاً فيلم درامي وتعبير عن حبّ المخرج لعالم السينما.
على غرار الرواية، يركّز
Hugo
على العلاقة القائمة بين هيوغو كابريه (آزا بوترفيلد)، صبيّ يحبّ الساعات
يعيش في محطّة قطار في باريس في ثلاثينيات القرن العشرين، وبائع ألعاب صعب
المراس (بين كينغسلي). في الفيلم، هيوغو يتيم الأب ويتركه عمّه المدمن على
الكحول (راي وينستون) يغرق في دوامة الفقر والجوع ويجعله يتعرّض لمضايقات
مفتّش المحطة الديكتاتوري (ساشا بارون كوهين) الذي يقرّر إرساله إلى دار
للأيتام.
خلال عمله كمسؤول عن الاهتمام بساعات محطّة القطار الضخمة، ينجح هيوغو
بإصلاح رجل آلي صغير يتبيّن أنه قادر على نقل رسالة من والد الصبي المتوفى.
كذلك يتبيّن أنه يحمل بيانات أخرى في ذاكرته الممحيّة.
في بادئ الأمر، تشكل هذه البيانات خطراً على العلاقة بين الصبي وبائع
اللعب، إلا أنها سرعان ما تعزّز العلاقة وتقويها. لاحقاً، يكتشف الصبي أن
بائع الألعاب هو جورج ميلييس الذي كان رائداً في مجال السينما والذي صنع
أفلاماً ناجحة قبل تحوّله إلى عالم بيع الألعاب. يُذكر أن كاتب الفيلم
سيلزنيك، قريب منتج فيلم
Gone With the Wind دايفيد أو سيلزنيك، استوحى فكره تأليف الكتاب بعد
مشاهدته الفيلم القصير والشهير الذي أخرجه ميلييس في عام 1902
A Trip to the Moon.
تندرج العوامل نفسها التي جعلت من
Hugo فيلماً مثيراً للاهتمام في إطار التحدي التجاري الذي واجهه هذا
العمل. فرواد السينما الذين يحبّون أفلام سكورسيكي الناضجة قد لا يتحمّسون
لمشاهدة فيلم عن صبي في الثانية عشرة من عمره. كذلك قد يلاحظ الأهالي
المنفتحون بما فيه الكفاية لاصطحاب أطفالهم إلى مشاهدة فيلم من إخراج
سكورسيسي علامات الملل والضجر على وجوه أطفالهم خلال العرض الذي يمتدّ على
ساعتين ويغوص في تاريخ إنتاج الصور المتحرّكة. يُشار إلى أن الفيلم يخوض
منافسة محتدمة مع أفلام للأطفال صدرت أخيراً مثلThe Muppets
وArthur Christmas،
و
Happy Feet 2.
لكن على الجمهور، من مختلف الفئات العمرية، أن يبدي أكثر من مجرّد
فضول لمشاهدة ما قام به أحد أهم المخرجين الأميركيين في فيلمه العائلي
الأخير، لا سيما أنه استعمل في تصويره كاميرات مجسّمة. وعلى غرار ميلييس
الذي بدأ مسيرته المهنية كساحر، برهن سكورسيسي في
Hugo
أنه لا يزال لديه بعض الحيل والخدع للقيام بها.
عندما أُرسل نصّ سيلزنيك في عام 2007 إلى المنتج غراهام كينغ الذي
تعاون مع سكورسيس في أفلام
Gangs of New York
وThe Aviator
وThe
Departed الذي حاز جائزة أفضل صورة، كان لدى كينغ تصوّر جديد للفيلم وبدا
لوهلة أنه مخرج العمل، فقد شعر أن كثرة الصور في النص الرامية إلى تقليد
نصوص أفلام الأطفال جعلته يحسّ أن
The Invention of Hugo Cabret يحصل أمام عينيه.
فهم كينغ أيضاً أن سكورسيسي، الذي كان قد انتهى لتوّه من تصوير فيلم
الحركة
The Departed
الذي يتحدّث عن رجال شرطة ويصوّر عمليات مطاردة، كان يبحث عن التغيير، وقال
كينغ: «عرفت أن مارتي كان ينوي القيام بعمل مختلف، فيلم يتعلّق بالأطفال».
في الواقع، كان هذا المخرج الذي لم يقم بأي أفلام للأطفال بعدThe
Age of Innocence الذي صدر في عام 1993، مهتماً في تلك الفترة ببدء
العمل على فيلم
Shutter Island.
في إحدى المراحل، تم اختيار كريس ويدج (مخرج فيلم
Ice
Age) لإخراج
Hugo إلا أن العمل لم يبدأ معه.
مع مرور الوقت، بدأ سكورسيسي يتقبّل الفكرة ويرحّب بها، لا سيما عندما
تلقّى من لوغان نسخة من نص الفيلم أثناء تصويره فيلم
Shutter Island. بعد انتهائه من إخراج فيلم الإثارة النفسية هذا، وأثناء انشغاله
بالعمل على فيلمه الوثائقي
George Harrison: Living in the Material
World، بدأ يفكر بمقاربة لفيلم
Hugo.
صحيح أن ابنتي المخرج اللتين أنجبهما من زواجين سابقين قد كبرتا، إلا
انه كان لفرانشيسكا تواجد كبير في حياته اليومية في مانهاتن وتأثير في
طريقة رؤيته العالم. في هذا الإطار، قال سكورسيسي وهو يضحك ويحرّك يديه:
«بدأت أنظر إلى كل ما حولي بطريقة مختلفة للغاية. عشت تجربة الأبوة مرّات
عدّة في حياتي، وفي مراحل مختلفة منها، وفي كل مرّة كنت شخصاً مغايراً إلى
حدّ معيّن. اليوم، أجد أن أموراً كثيرة مثيرة للاهتمام. في الواقع، لم أفهم
الأمر جيّداً إلى أن اضطررنا زوجتي وأنا إلى التعامل معه».
على غرار هيوغو، ابتكرت فرانشيسكا عالم الأحلام الخاص بها فأصبح
سكورسيسي لاعباً فيه، وقال: «عندما كانت ابنتي تبلغ عاماً ونصف العام كانت
ترى غرفاً خيالية في غرفتها وكنت أجاريها في لعبتها فأدّعي أنني أسبح في
مختلف أنحاء الغرفة. كنت أستمتع بذلك}.
كانت هذه التجارب أشبه بإجراء امتحان دخول للفيلم، لا سيّما وأن كتاب
سيلزنيك ونص لوغان كانا يعرضان حياة هيوغو الصاخبة والمحفوفة بالمخاطر. في
هذا الإطار، ذكر سكورسيسي: «جعلت مشاهد العنف، والمشاهد المضحكة، والمشاهد
التي تمنح فيها الحيوانات صفات إنسانية، الفيلم غنياً ولافتاً. كي يستطيع
الإنسان أن يكون حرّا وغير مقيّد بأي قواعد، عليه أن يراقب الأطفال، لا
سيما أولئك المبدعين، وأنا أعمد إلى مراقبة الكثير منهم لأنهم يجسّدون
الحرية المطلقة».
تابع سكورسيسي: «بقيت أتساءل عن المقاربة التي سأنتهجها في إخراج
الفيلم وعما إذا عليّ أن أظهر الطريقة التي يرى فيها الصبي الأمور. كان لا
بد من إلقاء الضوء على الوحدة التي يعيش فيها، فهي العنصر المفتاح الذي
جذبني إلى القصة».
على صعيد آخر، قال لوغان إن أحد أبرز التحدّيات كمن في أقلمة الرواية
لتصبح نصاً سينمائياً. صحيح أن الكتاب مليء بصور يمكن إبرازها في فيلم
سينمائي، إلا أنه اضطرّ إلى أن يترجم أفكار هيوغو الداخلية بحركة سينمائية.
لذلك، أضاف بعض الشخصيات الثانوية والمركّبة بغية ملء محطة القطار بالناس.
في الوقت عينه، بحث لوغان وسكورسيسي عن طرق لإضفاء عامل التوتر على القصة
من خلال إبراز آليات عمل الساعة.
نخبة الفنانين
بالنسبة إلى الميزانية،، لم يبخل سكورسيسي وكينغ في الإنفاق على هذا
الفيلم (يقول المنتج إن ميزانية الفيلم لم تتجاوز الـ150 مليون دولار). ذاك
أن المخرج حشد نخبة من مدراء الأقسام الذين فازوا بجوائز أوسكار: مصمم
الإنتاج داني فيريتي (The
Aviator،
Sweeney Todd)،
المصوّر السينمائي روبرت ريتشاردسون (The
Aviator, JFK)، المحرّرة ثيلما سكونمايكر (The
Departed, Raging Bull)، ومصمّمة الأزياء ساندي بويل (Shakespeare in Love, The Young Victoria)،
والمؤلف الموسيقي هاورد شور (The
Lord of the Rings, The Silence of the Lambs)
بعد عملية بحث مكثّفة عن الحياة الباريسية في الثلاثينيات، بنى فريق
الإنتاج محطة قطار كاملة داخل استوديوهات
Shepperton Studios
في بريطانيا ليستفيد بذلك من الإعفاءات الضريبية في برطانيا، ومن قرب البلد
من بعض المواقع الخارجية التي صور فيها الفيلم. لكن ما هي الطريقة المثلى
لتصوير فيلم
Hugo؟
كيف لطفل يتمتّع برؤية مبالغة إلى الأمور أن يترجم وجهة النظر هذه؟ كيف من
الممكن دمج رواد السينما في عالم هيوغو وجعلهم يختبرون صخب الحياة في محطة
القطار الباريسية هذه؟ أجاب سكورسيسي: «وجدت عملية ابتكار واقع غني
بالشخصيات والأحداث وجعل الجمهور يغوص فيه عملاً ساحراً». فعلاً، توصل
سكورسيسي إلى طريقة لجعل الجمهور يفعل ذلك. لقد كمن السرّ في اعتماد الصورة
الثلاثية الأبعاد.
ذهل ملييس، الذي توفي في عام 1938، عندما شاهد عرضاً للأخوين لوميير
يرقى إلى عام 1895، وكتب عندما شاهد أول الأفلام التي عرفتها السينما:
«جلسنا وأفواهنا مفتوحة من شدّة الدهشة. لم ننبس ببنت شفة». استطاع ملييس
باعتماده تقنيات كان يستخدمها في عروضه السحرية وباختراعه تقنيات أخرى، أن
يبتكر ويعيد تطوير تقنيات تصوير كثيرة لا تزال تستخدم حتى يومنا، ومن بينها
تصوير الفترات الزمنية المتباعدة، والمؤثرات الخاصة التي تسمح بالقيام
بتحويلات وتغييرات.
اليوم، بعد مرور قرن على ذلك، يبدو أن سكورسيسي الذي لو لم يصبح
مخرجاً سينمائياً لكان أصبح عميد كلية الدراسات السينمائية في إحدى
الجامعات، يتّبع خطى سلفه باستخدامه أحدث التقنيات وباعتماد التصوير
الثلاثي الأبعاد. فسّر سكورسيسي هذا الأمر: «كان ملييس يطمح إلى العمل بهذه
الطريقة، فثمة اليوم في فرنسا لقطات صوّرها بتقنية التصوير الثلاثي
الأبعاد».
لكن، تعدّ كاميرات التصوير الثلاثي الأبعاد المستخدمة اليوم ضخمة
وتتطلّب تقنيات إضاءة معقّدة. إضافة إلى ذلك، حدّت هذه التقنية من ساعات
العمل اليومية فلم يكن بوسع سكورسيسي العمل مع ممثليه الشباب سوى أربع
ساعات يومياً. كذلك كان يشتكي المخرج بين الحين والآخر من عدم التقاط هذه
الكاميرات لقطات دقيقة. لكن هذه المشكلة كانت تحّل ما إن يضع نظاراته
الثلاثية الأبعاد.
منذ اللحظة الأولى التي يبدأ فيها الفيلم، تلاحظ أن سكورسيسي يستخدم
كاميراته المجسّمة ليعطي العمل عمقاً محدّداً، وتظهر غالباً محطة القطار
مليئة بالبخار والدخان المتصاعد من مراوح حرارية ومن أنابيب ومن مركبات
وحتى من كعكات الكرواسان الساخنة، ما يساعد على الفصل بين المشهد الأمامي
والمشهد الخلفي.
تكنولوجيا التطوير
بينما يعمد سكورسيسي إلى إخفاء حقيقة أن تكنولوجيا التصوير الثلاثي
الأبعاد قد أساء البعض استعمالها، قائلاً: «هذه التقنية عرفت بعض الحيل على
مرّ الأعوام»، يقول من جهة أخرى أنه كان متأكداً بعد مشاهدة فيلم
Avatar لجايمس كاميرون أن خياره كان صائباً: «جمّعت كثيراً من الصور
الثلاثية الأبعاد على مرّ الأعوام. عندما كنت طفلاً، كانت لدي بطاقات
بريدية عليها صورتين. كنت أضعها في المجسام وأنظر إليها. لن أنسى في حياتي
صورة تيدي روزفلت وصورة فرقة
Rough Riders
وهذا النوع من الصور. عندما تشاهد فيلم
Hugo بتقنية الأبعاد الثلاثة، تشعر وكأنك مشارك في الفيلم. تشعر بأنك
موجود في الفيلم وقادر على لمس الغبار. يحملك هذا الإحساس إلى عالم آخر».
قال المنتج كينغ إنه يعي أن الجمهور في حاجة إلى بعض التوعية: «إخبار
الأهل أنهم يستطيعون إصطحاب أطفالهم لمشاهدة فيلم من إخراج سكورسيسي مهمّة
صعبة». في المقابل، يقول مخرج الفيلم، الذي يعترف بأنه لم يستطع أن يري
أياً من أفلامه الأخيرة لابنته الصغيرة، إلى الأهالي والأطفال على حدّ
سواء: لا تتردّدوا في مشاهدة الفيلم، فهو عملي الوحيد الذي يعتبر فيلماً
عائلياً، وقد أخرجته لإعجابي بالصبي».
بعد انتهاء سكورسيسي من عمله الأخير، لم يقرّر بعد في أي من المشاريع
يبدأ العمل. ختاماً، قال لوغان إنه مهما بدت أفلام سكورسيسي درامية، ثمة
عامل مشترك يجمع ما بينها: «مارتي شخص عالي الإنسانية. ما يحمّسه في عالم
السينما هو ليس العمل التقني وطرق التصوير فحسب، إنما أيضاً الرغبة في
الغوض في أعماق البشر. إذ قد يتحمّس لتصوير شخصية ترايفيس بيكل في فيلم
Taxi Driver أو شخصية هيوغو كابريه. قلماّ يهمّ ما يفعل. المهمّ أنه يبدع في ما
يفعل».
الجريدة الكويتية في
13/12/2011 |