تمكنت السينما الفلسطينية في الآونة الأخيرة من حصد العديد من الجوائز
في مهرجانات عربية وأجنبية، يرجعها المختصون إلى كونها سينما قضية تعبر عن
تطلع شعب للحرية واسترجاع أرضه المسلوبة، صاحبها ظهور سينما نسوية بقوة
لمُنتِجات ومخرجات فلسطينيات، ساهمن في كسر ذلك الحاجز والتردد الذي تبديه
المرأة الفلسطينية في الظهور أمام الكاميرا. وللحديث عن ذلك وعن واقع
السينما الفلسطينية كان لقاء مع المنتجة رما ماري.
·
قبل كل شيء نود التعرف عليكم
وعلى مؤسستكم السينمائية ؟
¯ أتواجد هنا في الجزائر لأول مرة بصفتي منتجة بمؤسسة ''شاشات''
الفلسطينية غير حكومية، مقرها رام الله لها فروع بنابلس وبيت لحم تقوم بدعم
سينما المرأة ومساعدة كل الفلسطينيات المهتمات بالإنتاج والإخراج
السينمائي، يتكون مجلس إدارتها من نساء ورجال ناشطين في مجال الثقافة
والإعلام، شاركنا في عدة مهرجانات بعدة أفلام لمخرجات فلسطينيات مقيمات
بفلسطين وخارجها، تتناول قضايا المرأة الفلسطينية في حقب زمنية معينة.
·
نفهم من كلامكم أن المؤسسة تركز
في إنتاجاتها على المرأة الفلسطينية؟
¯ فعلا فمؤسستنا اغلب مؤسسيها وعامليها نساء تتعامل مع مخرجات، تحاول
تشجيع المرأة الفلسطينية على الظهور عبر الشاشة للتعبير عن كل انشغالاتها
وواقعها وإبراز وجهات نظرها. في بادئ الأمر كانت فيه صعوبات، لكن مع مرور
الوقت وجدنا تجاوبا منهن وحققنا الهدف الذي كنا نطمح إليه، وهو تمكين
المرأة من التعبير عن قدراتها ودورها المهم في المجتمع مثلها مثل الرجل.
·
وما ذا عن مستقبل مؤسستكم وأهم
مشاريعكم في ظل ظروف الاحتلال؟
¯ رغم كل الصعوبات والعوائق التي يفرضها الاحتلال، إلا أن مؤسستنا
بقيت وستبقى تشتغل خدمة للسينما النسوية الفلسطينية، ونحن بصدد إنتاج أعمال
لمخرجات يعشن في رام الله وخارجها إضافة إلى تدريب نساء في مناطق عديدة على
العمل السينمائي، وبفضل مؤسستنا ودعمها تمكنت المرأة الفلسطينية من كسر
حاجز التردد في الظهور أمام الكاميرا، ويسعدنا أن نقول لكم أن اغلب الأفلام
التي أنتجت مؤخرا كانت بفضل دعم مؤسستنا، خاصة منها الوثائقية وهذا ما
سيشجعنا على مواصلة العمل.
·
هل ترون أن إنتاجاتكم تلقى
الاهتمام من طرف المشاهد الفلسطيني؟
¯ بالتأكيد، المؤسسة تكبر من سنة لأخرى أفلامها تخاطب المشاهد
الفلسطيني التواق إلى الأعمال التي تعبر عن وجوده، لأنه في فترة معينة وجد
نفسه أمام أعمال موجهة أكثر إلى المشاهد الخارجي، فمؤسستنا تحاول أن تكشف
حقائق الحياة داخل المجتمع الفلسطيني والمرأة ماهي إلا عينة لنقذ الذات.
·
يلاحظ في الآونة الأخيرة حضورا
متميزا للسينما الفلسطينية في عدة محافل عربية وأجنبية وحصدت عدة جوائز،
إلى ماذا ترجعون ذلك؟
¯ فعلا السينما الفلسطينية تطورت في العقد الأخير وبرز العديد من
السينمائيين بأعمال قيمة كالمخرج ميشيل خليفة، الذي يملك أعمال جيدة والشيء
المميز في السينما الفلسطينية أنها مدرسة تعتمد على الروايات لها طابعها
الخاص، وأنا أرى أن تطور السينما الفلسطينية في العقد الأخير هو نتاج
لعملية البحث في الذات الفلسطينية والوعي بقضية الشعب الفلسطيني، فهذا
البحث افرز قراءة أخرى لتاريخنا وتقييم للمجتمع بمختلف أطيافه وإعادة
دراسات للمفاهيم والوقائع، أي أنها أصبحت تحاكي الواقع الفلسطيني بكل
سلبياته وايجابياته.
·
هل يمكن الحديث عن تأثير هذه
الأعمال على الجمهور الإسرائيلي؟
¯ السينما الفلسطينية هي دائما في خدمة قضية الوطن، تحاول إسماعها في
جميع المحافل، لكن إن كانت قد أثرت على الإسرائيليين فأظن أن ذلك صعب بحكم
السياسة التي ينتهجها العدو في مواجهة كل ما هو فلسطيني بما فيها السينما،
لكننا نحاول بكل الإمكانيات المتاحة لنا للوصول إلى جميع المشاهدين في
العالم بترجمة الأفلام التي ننتجها للغات أخرى منها اللغة العبرية.
·
وما رأيكم في الأفلام المشتركة
والأعمال الفلسطينية الممولة أجنبيا؟
¯ مع الأسف هناك تمويل أجنبي للكثير من الأعمال الفلسطينية، إضافة إلى
إنتاجات أخرى مشتركة مع أوروبيين وأمريكيين وهذه إشكالية تطرح في كل مرة
فهي لا تراعي قيم مجتمعنا وتعتمد على التضليل وتشويه الوقائع والأحداث
فالتمويل الأجنبي شئنا أم أبينا سلبياته أكثر من ايجابياته.
·
وماذا عن الأعمال المشتركة مع
منتجين ومخرجين عرب؟
¯ في الآونة الأخيرة شهدنا دعم خليجي مهم للسينما الفلسطينية خاصة من
دولة الإمارات وقطر إضافة إلى مصر وهذا أمر مشجع وايجابي لان التمويل
العربي يساهم في إيصال الصوت الفلسطيني الحقيقي غير المزيف فالتمويل
العربي عامل أساسي في تقديم إنتاج هادف يخدم القضية الفلسطينية والذي نتمنى
أن يتعزز مستقبلا.
·
هل كانت لكم مشاركات في مهرجانات
عربية و أجنبية؟
¯ مؤسستنا تحصلت على عدة جوائز محلية كما كانت لها مشاركات عبر
الأفلام التي أنتجتها في مهرجانات عربية عديدة منها مهرجان أبوظبي، دبي،
الدوحة والقاهرة كما كانت لنا مشاركات في مهرجانات أجنبية واهم شئ يمكن
استخلاصه من هذه المشاركات أن الفيلم الفلسطيني يلقى الصدى والفضول.
·
وماذا عن صدى مشاركتكم الأولى في
مهرجان بالجزائر الدولي؟
¯ صراحة نحن سعداء بتواجدنا في الجزائر إذ وجدنا الترحاب من الجميع
وكان هناك حضور متميز للجمهور لمشاهدة أعمالنا وتفاعل كثيرا معها كما كان
لنا نقاش مفيد مع الإعلاميين والمختصين وساهمت مشاركتنا في الاحتكاك أكثر
بالسينمائيين الجزائريين والتعرف على الجمهور الجزائري.
·
ما هو الهدف من مشاركتكم في
المهرجان؟
¯ أهم هدف هو الاحتكاك ورسم علاقات مع السينمائيين الجزائريين وربط
اتصال بين المنتجات والمخرجات الجزائريات والفلسطينيات إضافة إلى إيصال
وجهة نظر المرأة الفلسطينية للمشاهد الجزائري من خلال الأعمال التي
أنتجناها.
·
في نيتكم تجسيد أعمال مشتركة
جزائرية فلسطينية؟
¯ إن شاء الله آمل أن تكون فيه إنتاجات مشتركة جزائرية فلسطينية كما
أتمنى أن تكثر الأعمال المشتركة بين الدول العربية خدمة لقضايانا وثقافتنا
العربية الأصيلة بعيدا عن التمويل الأجنبي.
·
المنطقة العربية تشهد حراكا مس
جميع مناحي الحياة هل سنرى أعمالا من إنتاج مؤسستكم عن هذا الوضع الجديد؟
¯ صراحة لا أريد الحديث عن ما يجري حاليا في الوطن العربي ما أريد أن
أقوله أن الفلسطينيين بشكل عام يتساءلون في خضم ما يحدث عن موقع قضيتهم من
كل هذا كما أنهم في عملية إعادة قراءة الأمور والأحداث التي تحيط بهم
بواقعية دون الدخول في صراع مع هذا أو ذاك.
·
لكن حسب رأيكم هل سيكون لهذه
الأحداث تأثير على المشهد الثقافي الفلسطيني؟
¯ الأمر سابق لأوانه لكن الملاحظة الأولى أن الأعمال التي أنتجت بمصر
ما بعد الثورة كانت نابعة من الشارع بغض النظر عن قيمة هذه الأعمال فلأول
مرة اشعر أنها مضامين صادقة مستمدة من الواقع الذي يعيشه المصري وهذا أمر
إيجابي لأن السينما أساسا تقوم بنقد الذات وبعد الاحداث الاخيرة تخلى
المنتجون والمخرجون عن استنباط الأفكار والمشاهد من الأعمال الأجنبية
وأصبحت تراعي الوضع العام للمجتمع العربي الذي أصبح يؤمن أكثر بذاته ويبحث
عن من يعبر عنه بعيدا عن المفاهيم والقراءات المستوردة انطلاقا من هذا أرى
أن ذلك سيأثر لا محالة على السينما الفلسطينية التي هي أصلا سينما ثورية
نضالية.
·
ما هي مكانة الفيلم الملتزم
بفلسطين؟
¯ نظرا لخصوصية الوضع في فلسطين والظروف الداخلية نجد أن جل الأفلام
المنتجة هي أفلام ملتزمة لا تخرج عن نطاق خدمة القضية والنضال من اجل تحرير
الأرض ومواجهة المحتل كما تعبر عن هموم ومشاكل الفلسطينيين وتعكس الواقع
فالأفلام التجارية أو الهابطة لا مكان لها في فلسطين.
·
ألا ترون أن المشاهد العربي أصبح
اليوم أكثر ميلا للأفلام التجارية؟
¯ فعلا هذا واقع موجود في كل دول العالم فسوق السينما اليوم أصبحت
سوقا تجارية فأقلية تقبل على الأفلام الملتزمة أما الأكثرية فتميل لأفلام
المتعة كما اسميها أنا وهذا موجود حتى في الأنواع الفنية الأخرى لان الربح
المادي أصبح أهم هدف لشركات الإنتاج.
الشعب الجزائرية في
10/12/2011
ما
تنفرد
الشعب
بنشره:
فيلم
«صور
متواترة»
للحبيب
المستيري: قراءة
متأنية
لتاريخ
سينمائي
متوثب
ناجي
الخشناوي
إلى
وقت
قريب
كنت
واقعا
تحت
سطوة
فكرة
أننا
في
تونس
لا
يمكننا
أن
نتحدث
عن
سينما
تونسية
وإنما
علينا
أن
نتحدث
عن
أفلام
تونسية
فقط،
وكانت
هذه
الفكرة
تتغذي
برافدين
اثنين
الأول
يتمثل
في
تلك
»القطرات«
السينمائية
التي
تأتينا
من
حينا
لآخر،
على
غير
موعد،
من
هذا
المخرج
أو
ذاك،
وكل
واحد
منهم
في
واده
يهيم،
والثانية
من
افتقادنا
لوثيقة
تاريخية
تسجيلية
من
شانها
أن
تؤطرنا
وتفتح
أعيننا
على
ماضي
السينما
في
هذه
البلاد...
الفكرة
التي
تمكنت
بي،
رأيتها
تتهاوى
أمامي
وأنا
أتابع
جزءا
مهما
من
فيلم
»صور
متواترة«
Images Saccadژes
للمخرج
الحبيب
المستيري،
بعد
أن
خصني
هذا
الأخير
بمشاهدة
»حصرية«
وأولى
لمنجزه
السينمائي،
وهو
فيلم
وثائقي
طويل
يدوم
قرابة
75
دقيقة
من
إنتاج
الحبيب
المستيري
وراضي
تريمش.
هذا
الفيلم
الذي
مازال
قيد
الانجاز
يربك
الساكن
فينا
ويحثنا
على
طرح
تلك
الأسئلة
»المطرقية«
على
حد
تعبير
نيتشة،
والتي
صرنا
نفتقدها
اليوم
بشكل
لافت
للانتباه.
أسئلة
يمكن
أن
نجملها
في
ثلاث
نقاط
استفهام
مفصلية.
·
هل
نحن
بحاجة
لمثل
هذا
الفيلم؟
نعم
نحن
في
اشد
الحاجة
إلى
مثل
هذا
الفيلم،
هذا
الفيلم
الذي
يصور
حقبة
مفصلية
لا
في
تاريخ
السينما
التونسية
وإنما
في
تاريخ
الثقافة
الوطنية،
تلك
التي
تأسست
مع
فورة
شباب
الجامعة
التونسية
للسينمائيين
الهواة
الذين
أنتجوا
أكثر
من
ستة
مائة
فيلم
تم
عرضها
للجمهور،
إلا
أن
الأفلام
المتوفرة
حاليا
لا
يتعدى
عددها
المائة
والكثير
منها
لا
يمكن
عرضه
أو
نسخه
لان
النسخ
الوحيدة
المتوفرة
أصبحت
غير
قابلة
للاستعمال
بفعل
التلف
الذي
حصل
لها.
نحن
بحاجة
لمثل
هذا
المنجز
السينمائي
الآبق،
لأن
خزينة
الأرشيف
بقمرت
تزخر
بأعداد
كبيرة
من
النسخ
السلبية
لأفلام
الهواة
التي
أنتجت
باستعمال
عيار
16
مليمتر
ولا
شك
أنها
هي
الأخرى
في
حالة
سيئة
وفي
حاجة
ملحة
إلى
الترميم
والصيانة.
كما
أن
هذه
الأفلام
تشتمل
على
وثائق
نادرة
وطريفة
مثل
بدايات
عدد
كبير
من
السينمائيين
التونسيين
مثل
فريد
بوغدير،
سلمى
بكار،
احمد
الخشين،
الحبيب
شبيل،
رضا
الباهي،
الحبيب
المسروقي
وغيرهم
...
والكثير
من
هذه
الأفلام
فقدت
أو
أتلفت
نسخته
الوحيدة
أما
ما
تبقى
منها
فخطر
الإتلاف
يتهددها.
نحن
بحاجة
لمثل
هذا
الفيلم
وبمثل
هذه
الرؤيا
لأن
الشعوب
التي
لا
تنظر
إلى
ماضيها
لا
يمكنها
أن
تبني
مستقبلها.
·
كيف
صور
هذا
الفيلم؟
من
خلال
مشاهدتي
الأولى
لمشروع
هذا
الفيلم،
ومن
خلال
حديثي
مع
المخرج
الحبيب
المستيري
ومركب
الصور
كريم
حمودة،
عمل
فريق
الفيلم
على
تجميع
حد
أقصى
من
الشهادات
والوثائق
لشخصيات
من
مختلف
الأجيال
التي
تواترت
في
مسيرة
حركة
السينمائيين
الهواة
لإثبات
أن
هذه
المنظمة
كانت
بالفعل
بوتقة
للطاقات
والمواهب
التي
جمع
بينها
حب
السينما.
القليل
منهم
واصل
المشوار
ليحترف
السينما،
لكن
الكثير
شقوا
طرقا
أخرى
فمنهم
العامل
والطبيب
والمعلم
والوزير
والنائب...
ورغم
التفاوت
والتباعد
فلا
زال
يربط
بينهم
خيط
رفيع
هو
حب
السينما
وغيرتهم
عليها
فالكثير
منهم
لازال
يحتفظ
بالة
تصوير
قديمة
أو
أجزاء
من
شريط
أو
قصاصة
صحيفة
ويفخر
بامتلاكها
وكأنها
كنز
أزلي،
وقد
لا
تشعر
بحضور
هؤلاء
الأشخاص
في
النشاطات
المعتادة
للسينمائيين
الهواة،
لكن
يكفي
أن
تمعن
النظر
في
الوجوه
التي
تغص
بها
مدارج
مسرح
مدينة
قليبية
كل
صائفة
خلال
انعقاد
المهرجان
لتكتشف
أنهم
كثيرون
وان
الشيب
الذي
غزا
مفارقهم
لا
يثنيهم
على
تلبية
هذه
الرغبة
الجامحة
في
حضور
المهرجان.
·
لماذا
هذا
الفيلم
بالذات؟
سيمثل
هذا
الفيلم
خطوة
أولى
في
مشروع
متكامل
لإنقاذ
ما
تبقى
من
أشرطة
السينمائيين
الهواة
حتى
نحتفظ
لذاكرتنا
الجماعية
بأحد
مكوناتها
وهي
تلك
الصور
الصادقة
والتلقائية
التي
حاولت
أن
تعبر
عن
اهتمامات
وتفاعلات
الشباب
مع
التطورات
الاجتماعية
التي
شهدتها
بلادنا
منذ
الاستقلال
وتأسيس
الدولة
الفتية
الى
حاضرنا.
الصورة
الآن
هي
تلك
الأيقونة
التي
لا
غنى
عنها
في
تأثيث
مدونة
الحضارة
لأي
شعب
في
العالم،
الصورة
التي
مازلنا
هنا
في
تونس
نتجاهلها
ونمعن
في
الاستخفاف
بها...
»صور
متواترة«
منجز
سينمائي
تفتقده
السينما
التونسية
وتحتاجه
في
الآن
نفسه.
الشعب التونسية في
10/12/2011
«اغتيال
الدوق دو غيز»:
بدايات السينما
التاريخية في فرنسا
إبراهيم العريس
على رغم أن عمر السينما كان في ذلك الحين قد تجاوز السنوات، وبدأ هذا
الفن في
فرنسا كما في الولايات المتحدة وغيرها، يجتذب كبار فناني المسرح وبعض
الكتاب
والفنيين الآخرين، فإن النظرة إلى السينما كانت لا تزال نظرة دونية. إذ أن
الفنانين
الحقيقيين انفسهم، حين كان يقيّض للواحد منهم أن يخوض مغامرة
سينمائية، كان يعتبر
الأمر مجرد تزجية للوقت وفترة استراحة ساذجة، وسط مشاغله الحقيقية في
ميادين الفن
الأخرى. لكن الفيلم الذي حققه المخرجان الفرنسيان لي بارجي وكالميت معاً،
في العام
1908
ولم يزد طول شريطه على ثلاثمئة متر (15 دقيقة عرض)، قلب المعادلات،
تماماً
مثلما كان فعل فيلم «رحلة إلى القمر» للفرنسي - أيضاً - جورج ميلياس قبل
ذلك بستة
أعوام، إذ برهن على أن السينما يمكن لها أن تكون فناً مستقلاً عن المسرح
وعن تصوير
الحياة اليومية العادية.
>
أما الناحية التي قلب بها فيلم لي بارجي وكالميت (أولهما في
إدارته
للممثلين والثاني في إدارته للكاميرا)، قواعد العلاقة مع الفن السينمائي
فكانت في
تحويله الشريط السينمائي إلى عمل فني حقيقي. وهكذا قدّر لفيلم «اغتيال
الدوق دو
غيز» أن يكون أول فيلم ينتمي إلى سينما «الفن والتجربة» في
تاريخ الفن السابع.
ويكفينا للبرهان أن نذكر أن كاتب السيناريو كان هنري لافيدان، عضو
الأكاديمية
الفرنسية في ذلك الحين، وأن ممثليه الرئيسيين، مثل ألبير لامبر وغابريال
روبين،
كانوا من كبار فناني «الكوميدي فرانسيز»، ناهيك عن أن الموسيقى
التي وضعت لمصاحبة
عرض الفيلم كانت من تأليف الموسيقي الفرنسي الكبير كاميل سان - سانس، ما
جعل هذا
الفنان يدخل تاريخ فن السينما باعتباره أول موسيقي يؤلف موسيقى لفيلم
سينمائي،
ونعرف أن مساهمة سان - سانس في «اغتيال الدوق دو غيز» كانت هي
ما شجع زملاء كباراً
له مثل هنري فيفييه وداريوس ميلو وآرثر هونيغر، على ارتياد الفن نفسه، ما
جعل
للموسيقى الحقيقية حصة في نهضة السينما.
*إذاً، كان عملاً فنياً حقيقياً ذلك الفيلم الذي جمع مبدعين من ذلك
الطراز، وإن
كانت عودتنا اليوم إلى مشاهدة ذلك الشريط التاريخي، ستجعلنا نبتسم لسذاجته،
ولأن
السينما التاريخية تجاوزته في شكل هائل خلال العقود التالية من الزمن. غير
أن
ابتسامتنا هذه لن يكون من شأنها أن تقلل من أهمية «اغتيال
الدوق دو غيز»، الذي قال
عنه، في العام 1922، غريفيث، احد مؤسسي السينما الأميركية، بكل جدية حين
سئل عن اهم
ذكرياته السينمائية: «افضل ذكرياتي في السينما؟ حسناً، إنها المشاعر التي
أحدثتها
لديّ منذ دزينة من السنين مشاهدتي لفيلم رائع هو «اغتيال الدوق
دو غيز». لقد كان
الأمر بالنسبة إليّ اكتشافاً ما بعده اكتشاف. آه، لو أن الفرنسيين تابعوا
في ذلك
الحين إنتاج أفلام مشابهة له (آخذين، طبعاً، في الاعتبار المناهج والأساليب
التقنية
والفنية الجديدة) فإن السينما الفرنسية كان من شأنها أن تكون اليوم أول
وأهم سينما
في العالم».
>
تدور أحداث فيلم «اغتيال الدوق دو غيز» في فرنسا في العام 1588
في أيام حكم
الملك هنري الثالث، الذي وجد لزاماً عليه ذات يوم أن يتخلص من خصم عنيف له،
ومزعج
في منافسته على الحكم هو هنري دي لورين، المعروف بالدوق دو غيز. فلا يكون
منه إلا
أن يدعوه إلى زيارته في قصره العامر في مدينة بلوا، جنوب
باريس. ويقبل الدوق
الدعوة، على رغم توسلات عشيقته المركيزة نورموتييه، التي كانت تعلم أن ثمة
في الأفق
مأساة تدبّر في شكل خفيّ. إن المركيزة، وفي مشهد أساسي في الفيلم، لا تريد
لعشيقها
أن يذهب إلى قصر الملك متوجسة من تلك الزيارة شراً. بيد أن الدوق لا يعبأ
بتوسّلات
حبيبته، فهو اكثر شجاعة من أن يستنكف عن زيارة الملك جبناً.
كما انه ليس من شيمة
أمير أو دوق أن يتخلف عن زيارة الملك، إن هو دعاه إلى ذلك. وهكذا ينتهي
الأمر
بالدوق إلى تلبية الدعوة، وهو واثق من أن له من الهيبة والسلطة والقوة، ما
يجعله في
منجى من مؤامرة تحاك ضده. بل انه، وفي زاوية خفية من نفسه، كان يرى أن
التحدي الذي
يمثله قبوله زيارة الملك، في مثل تلك الظروف، يضفي على قوته قوة، ما يعزز
من مكانته
في حمأة المنافسة مع الملك. وهناك في القصر، وتحديداً في القاعة المسماة
«الديوان
العتيق» يخيب فأل الدوق المتهوّر، إذ أن المؤامرة المحاكة ضده
تنفذ بحذافيرها.
ففيما يكون الملك مختبئاً خلف ستائر القاعة يراقب ما يحدث، تقوم مجموعة من
الحراس
التابعين له، بضرب الدوق بالخناجر حتى يلفظ أنفاسه. وبعدما
يتيقن الملك من ذلك،
يخرج من بين الستائر طالباً من رجاله أن يحرقوا جثة الدوق «لأنه يتبدى لي،
في موته،
اكبر منه حتى في حياته». وهكذا تنتهي فصول حياة الدوق دو غيز، فيما
المركيزة غارقة
في حزنها ودموعها.
>
واضح أن أهمية «اغتيال الدوق دو غيز» لا تنبع من موضوعه البسيط
هذا، والذي
كان في ذلك الحين الخبز اليومي للأعمال المسرحية الشعبية الناجحة، بل تنبع
من كونه
دلّ السينما إلى طريق جديدة تسلكها للحصول على مواضيع اكثر جديّة مما كانت
تقدم في
ذلك الحين. إذ حتى ذلك العام كانت الميلودرامات المبالغة
والأفلام الهزلية
التهريجية (التي كان كبار النقاد يطلقون عليها، على خطى لو روكا وبيلا
بالاش صفة «الترفيه عن الحمقى») تغزو شاشات السينما
مستقطبة المتفرجين بعشرات الملايين. وفي
ظل ذلك المناخ أتى يومها منتجان حصيفان هما الأخوان لافيت
وأسسا شركة «أفلام الفن»
التي أخذت على عاتقها مهمة النهوض بفن السينما. وهذان الأخوان كانا هما
منتجي فيلم «اغتيال الدوق دو غيز» وصاحبي فكرة
الاستعانة بفنانين كبار حقيقيين للعمل في نتاجات
الفن السابع. ولقد كانت التجربة ناجحة حقاً في ذلك الحين. إذ
بعدما حقق «اغتيال
الدوق دو غيز» من النجاح ما لم يكن متوقعاً، راح الفنانون الفرنسيون
الآخرون يخوضون
التجربة. وهكذا، مثلاً، رأينا خلال السنوات التالية، فنانين من طرز لويس
نالباس
يحققون أفلاماً جادة، كما رأينا سارة برنار سيدة المسرح
الكبيرة، تخوض تجربة العمل
السينمائي، في فيلم مقتبس عن «غادة الكاميليا»، كما شاهدنا مثقفين من طينة
آبيل
غانس (صاحب «نابوليون» لاحقاً) يتجهون إلى العمل في الفن السابع. وهذا ما
جعل
السينمائي والناقد الفرنسي لوي ديلوك يكتب في ذلك الحين
قائلاً: «انه لمن دواعي فخر
فرنسا، أن يكون الفنانون الفرنسيون قد سبقوا فناني الأمم الأخرى في إدراك
أن
السينما ستكون فناً حقيقياً».
>
ولعل افضل ما يمكننا أن نختم به هذا الكلام عن «الفيلم الفني
الأول في
تاريخ الفن السابع»، هو ما كتبه الناقد فيكتوران جاسيه في العام 1911
محللاً: «إن
كل القواعد والأسس التي كنا رصدنا وجودها من قبل، تبدو لنا الآن غير ذات
جدوى.
فاليوم (في فيلم «اغتيال الدوق دو غيز») ها نحن أمام ممثلين يمثلون من دون
أن
يتراكضوا هنا وهناك. أمام ممثلين يقفون في أماكنهم أمام عدسة الكاميرا
تاركين
للتكثيف الدرامي المتصاعد مهمة الحصول على التأثير المطلوب.
وإن كان في إمكاننا أن
نلتقط أخطاء فنية ومهنية هنا أو هنالك، فإن هذا لن يمنعنا من أن نقول إن
المخرج لي
بارجي قد رسم الشخصية الرئيسية (أي شخصية الدوق المغتال نفسه) عبر تفاصيل
إضافية
ومتميزة. ولقد أتى هذا كله تجديداً، يستند إلى مبادئ فنية
جديدة، وإلى أسلوب يصلح
تماماً لبناء مستقبل حقيقي لفن التمثيل وفن الإخراج السينمائيين. والحال
انه، في
استثناء بعض القواعد الفنية القليلة، لم يعد ثمة وجود ملحوظ لأي أثر من
آثار
المدرسة القديمة. لقد هزمت المبادئ العتيقة تماماً... ما فتح
الأعين على المدرسة
الأميركية، كما فتح عيون هذه المدرسة نفسها».
>
بقي أن نذكر أن لي بارجي اختفى تماماً بعد ذلك، إذ لم يعد له
ذكر في تاريخ
السينما الفرنسية، أما شريكه في الإخراج اندريه كالميت، فإنه، وإن ظل حياً
حتى
العام 1942، لم يذكر بعد ذلك إلا خلال سنوات قليلة اشتغل خلالها مع شركة
«أفلام
الفن» نفسها وحقق ثلاثة أفلام يمكن ذكرها هي «عودة أوليس»
(1908) و«ماكبث» (1909)
و«مدام سان - جين» (1911).
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
10/12/2011 |