هذه تظاهرةٌ سينمائيةٌ فرنسيةٌ أخرى
تكشف عن الخصوصية التي تتمتع بها، والتنوّع الذي يُزين المشهد المهرجانيّ
الفرنسيّ،
والأوروبيّ بشكلٍ عام.
هنا، وعلى الرغم من كثرتها، لا تتنافس المهرجانات فيما
بينها، صغيرةً، أو كبيرةً، معروفةً، أو مجهولةً، ولا ينتابها هوس التسميّات "العالمية"،
أو "الدولية" ولا يفكر أحدٌ بتأسيسها بحثاً عن منافع معنوية، أو مادية،
لا يوجد "بزنس" مهرجانات، ولا تبادل دعوات، أو اتفاقات شراكة فارغة
المحتوى، ولا
سباقاتٍ محمومة على الأفلام، ولا تتباهى بمن بدأ هذه المبادرة قبل الأخرى،
ولا
تتكاسل في البحث عن أفكار جديدة تعفيها من النقل، والنسخ من
مهرجاناتٍ مجاورة،
وتتخلى عن أخلاقياتها المهنية، والاحترافية، وأكثر من ذلك، تدّعي بأنها
الأولى على
كلّ المستويات، وتزوّر التاريخ، وحتى تُعاند في معرفة الحقيقة.
أهداف المهرجانات
الفرنسية، والأوروبية حقيقية، تُظهرها النتائج بوضوح، هي في العموم ثقافية،
سينمائية، تربوية،.. ولا تخجل من رغبة الترويج للمدينة،
المنطقة، والبلد، ولكن،
بدون مبالغاتٍ، إدعاءاتٍ، وحماقات.
كلّ مهرجان يسعى إلى تحقيق طموحاته في إطار
خطته البرمجية، والتيمة التي تخصص فيها، وحتى تلك المهرجانات التي تُعلن
"دوليتها"
تعتمد على برمجةٍ مختلفة عن بعضها.
عندما يكون هناك مهرجان متخصص بالسينما
العربية، سوف نجد بجانبه واحداً آخر يهتمّ بالسينما البرازيلية، وهكذا،...
لن يفكر
مهرجانٌ بالركض خلف مخرج، أو منتج فيلم عربي، أو أجنبي كي ينال شرف العرض
الأول،
ولن يعتمد على أيّ نوعٍ من الإغراءات المكشوفة، أو المُقنعة كي
يستقطب الأفلام عن
طريق صناديق الدعم الشبحية، أو الأرقام الخيالية للجوائز، وتوزيعها على
معظم
المُشاركين تحت مُسمياتٍ فضفاضة، والمُغالاة في الدفاع عن هذه السياسة
الانتحارية
.
أشكّ كثيراً
بأنّ هذه المهرجانات "المُتلونة" تدافع فعلاً، وبإخلاصٍ عن السينما
العربية،
وبالتحديد عندما أجدها قد تحولت إلى مراكز للتسوّق، سوبر ماركت، وأماكن
مضاربات،
وتقترب في الشبه من البرامج التلفزيونية التي يلهث فيها
المُتسابقون للحصول على
المليون .
رُبما من الأفضل، بأن نترك هذه المهرجانات السينمائية العربية
"الدولية"، و"الدولية جداً" في حالها تتنافس، وتتناطح، ويركض مبرمجوها،
وخبراء
العلاقات العامة فيها خلف سينما عربية لا تحتمل كلّ هذا الحبّ المُتأخر،
والسخاء
المُفاجئ المثير للدهشة بحجة الدفاع عنها، ودعمها، "زقها" إنّ صحّ التعبير،
كي
تتراكم الشحوم، والدهون فيها، وتصل، بدون قصدٍ، إلى حالةٍ من الإفساد،
ويتحول
الجميع إلى "رجال أعمال" أكثر منهم مخرجين، باختصار، إرساء
مفهوم "بزنس" دعم
السينما العربية الجادة، وحتى منحه الشرعية، والنظر إلى
الموضوع برّمته من فتحة
صنبور المكاسب المادية، والمعنوية التي يُحققها كلّ من تورّط في هذه
"الفوضى
السينمائية المُرتقبة" من أجل لقمة عيشٍ هانئة أكثر منها شغفاً سينمائياً
ظهر
فجأةً، وصدفةً.
من الأفضل إذاً بأن نحكي عن مهرجاناتٍ، تظاهراتٍ، ولقاءاتٍ
سينمائية نقية في أهدافها، ثرية في برمجتها، صادقة في نشر الثقافة
السينمائية
باحترافيةٍ مهنية، وأخلاقية، والأهمّ، بدون إدعاءاتٍ مكشوفة.
ونحتفي في هذه
المساحة الصغيرة بواحدةٍ منها (اللقاءات السينمائية) التي انعقدت خلال
الفترة من 16
وحتى 27 نوفمبر 2011 في "سن سان دوني"، هذه المنطقة الإدارية
المُحاذية تماماً
للعاصمة باريس، وتعتبر الأكثر نشاطاً في مجال الترويج للسينما، وثقافتها،
وتفخر
بشبكةٍ من الصالات السينمائية النشيطة، تُديرها الجمعيات الأهلية، والبلدية
والتي
أسّستها، أو استثمرتها البلديات المحلية في الثمانينيّات، وهي مُدرجة في
قائمة
صالات الفنّ، والتجربة، وتحرص على التنشيط الثقافي، وتكوين
الجمهور، وتطوير تذوقه
للصورة، والسينما بشكلٍ عام، وتتضمّن هذه الشبكة 21 قاعة بمجموع 38 شاشة،
تقدم
برمجةً متواصلة تعتمد على فكرة الاكتشاف (أو إعادة الاكتشاف)، وتهتمّ
بتنظيم
الأحداث السينمائية، وتشارك في ثراء الحياة الثقافية المحلية،
وتنظم عدداً من
المهرجانات، والتظاهرات السينمائية، ويكفي الإشارة بأنه في عام 2008 تخطى
عدد
المتفرجين في هذه الصالات إلى المليون متفرج.
ومنذ عشرين
عاماً وحتى اليوم، مازالت (اللقاءات السينمائية) في "سن سان دوني" تظاهرةً
سينمائيةً غير تنافسية، ترتكز على انتشارها في أكثر من مدينةٍ واحدة، حيث
تتوزع
العروض في 20 صالة بلدية (أيّ في عشرين مدينة/ضاحية)، ويعتمد
محتواها على الاحتفاء
بشخصياتٍ سينمائية فرنسية، أوروبية، وعالمية، وعرض مختاراتٍ من أعمالهم،
وتنظيم
لقاءاتٍ، وندواتٍ معهم، وعنهم، بالإضافة إلى ورشات العمل المختلفة.
وهكذا،
اختارت الدورة الثانية والعشرين الأخوين "جان بيير"، و"لوك داردين" من
بلجيكا ضيفا
شرف، هما اللذان يقدمان أفلاماً مكثفة، ملتزمة، ومتجذرة في الواقع
الاجتماعي، وعرضت
لهما (الوعد 1996، روزيتا 1999، الابن 2002، الطفل 2005، صمت
لورنا، 2008، صبي
الدراجة 2011)، وأفلاماً تسجيلية عنهما.
كما احتفت بضيف شرفٍ ثالث هو السينمائي
السنغالي الراحل "عثمان سَمبان"، واحدٌ من أوائل السينمائيين الأفارقة،
ومرجعٌ
سينمائيّ مُعتبر، في عام 1987 حصل على جائزة من مهرجان كان عن فيلمه
الروائي الطويل
Yeelen
وقدمت (اللقاءات) بعض أفلامه الروائية الطويلة (الفتاة الشابة 1975،
العمل 1980، الريح 1983، الضوء 1987، الوقت 1995، قلّ لي من
أنت 2009)، و"المغنون
الشعبيون في جزيرة سيشيل" فيلمٌ قصيرٌ من إنتاج عام 1978، كما قدمت أفلاماً
تسجيلية
عنه.
وفي إطار إعادة اكتشاف سينمائيّ غير معروف، أو منسيّ، فقد تمّ اختيار "هال
هارتلي"، مخرجٌ، كاتب سيناريو، وموسيقيّ، ويعتبر من أحد الوجوه
الرئيسية للسينما
الأمريكية المُستقلة فترة الثمانينيّات، والتسعينيّات.
أما "مسارات ممثل"، فقد
اختارت (اللقاءات) لدورتها الأخيرة "إيزابيل كاريه"، هذه الممثلة الفرنسية
القادرة
على أداء كلّ الأدوار، وقد حصلت في عام 2003 على السيزار لأفضل ممثلة،
وجائزة
موليير في المسرح لأفضل ممثلة في عاميّ 1999 و2004 على التوالي.
كانت "مسارات
عاشق السينما" مخصصة للمخرج الفرنسي "بول فيكيالي" هذا المعجب بالسينما
الشعبية
فترة الثلاثينيّات، وأحد رموز الموجة الفرنسية الجديدة، يتأرجح حبه بين
سينما
"روبير بريسون"، "جان غريميّون"، و"ماكس أوفولس"، وأسلوباً تجريبياً
يختلط بسيرةٍ
ذاتية.
وكانت "مسارات الاكتشاف" مخصصة للفرنسية "كاتي سيبا"، ممثلة، مخرجة، كما
عملت مصورة سينمائية، ومساعد تصوير مع بعض كبار المخرجين، مثل "أنطونيوني"،
"برتران
مانديكو"، "ميشيل كوندري"، و"سيدريك كلابيش".
ولم تنسى (اللقاءات) ـ والمهرجانات
الفرنسية لا تنسى أبداً ـ الجمهور من الأطفال، والشباب، حيث منحت كارت
بلانش
للمخرج، والمنتج الفرنسي "آرنو دوموانك" مؤسّس "شركة أفلام الشمال"
المُتخصصة في
إنجاز أفلام التحريك.
الجزيرة الوثائقية في
30/11/2011
السينما تنتظر دايفيد لينش
أضاف إلى مسيرته ألبوماً جديداً
في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، تحوّل فنان يقدّم أعمالاً غريبة،
بسحر ساحر، إلى اسم لامع.
ففي فيلم
Blue
Velvetومسلسل
Twin Peaks،
أضفى لينش وقع السوريالية على القصص المخيفة، بل الغامضة والمشوقة في آن،
ملهماً بذلك مخرجين كثراً راحوا يقلدونه ومشجّعاً التلفزيون على عرض أعمال
دراميَّة طويلة.
بينما راح متذوقو الأعمال الفنية يثنون على أفلام دايفيد لينش كافة،
والجمهور ينظر إليها بعين الريبة، استمرّ هذا الفنان في اللحاق بملهمته في
الأروقة المظلمة والخانقة.
لم يرَ المراقبون العاديون مسار لينش الفني الغريب سوى في دور السينما، حيث
لاحظوا ملامح من فيلم
Wizard of Oz في فيلم التسعينياتWild
at Heart، وحيث لاحظوا أن التحولات المحيّرة في فيلم
Lost Highway الصادر في عام 1997 قد أدّت إلى الفيلم المنفر
Inland Empire.
لكن في موازاة ذلك كله، عمل لينش في مجالات أخرى غير السينما. بالتالي، لا
يجب أن يثير مشروعه الأخير، وهو ألبوم غنائي بعنوان
Crazy Clown Time،
العجب لدى الجمهور.
ألَّف هذا المخرج الموسيقى لعقود عدّة، أقله منذ عمله على تأليف موسيقى
مسلسل
Twin Peaks التصويرية الرائعة. إلا أن غالبية أعماله، التي تمخّضت عن جلسات
ارتجال في المنزل والإستوديو وعن تجارب متفرّقة، صدرت من دون أن تثير ضجة
إعلاميَّة كبيرة، ربّما لأن أعماله غريبة للغاية ولا تتماشى مع ذوق الجمهور
العام. وإذا كان هذا الألبوم والأغنية التي سبقته وصدرت العام الماضي، قد
حظيا بتغطية إعلامية كبيرة فذلك بقرار من شركة الإنتاج الفني.
قال لينش المقيم في لوس أنجليس إن شركة الإنتاج الموسيقية خاصته
Sunday Best Recordings في بريطانيا «وراء هذا العمل، والسبب في جعله أكثر من مجرّد إصدار
ذاتي متواضع».
رسم ونحت
ينشط هذا المخرج في مجالات عدّة غير مجال الأفلام «بصورة علنية» نوعاً ما،
نذكر منها: المشاركة في معارض رسم ونحت تشمل أحياناً عناصر غير متوقّعة مثل
النمل الحيّ؛ رسم صور للصحيفة الهزلية
The Angriest Dog in the World
التي تبقي في صفحاتها الرسومات نفسها إنما تغيّر التعليقات؛ وافتتاح ناد
ليلي فخم من تصميم لينش نفسه، مؤلف من ستّ طبقات ومبنيّ تحت أرض العاصمة
الفرنسية باريس؛ وتأسيس مؤسسة للترويج للسلام في العالم عن طريق التأمّل
التجاوزي؛ وإصدار نوع من القهوة العضوية التي تحمل اسمه، المعلومات حولها
متوافرة على الموقع الإلكتروني التالي:www.javadistribution.com
من جملة نشاطاته أيضاً، وضع صوته على إحدى الشخصيات الكرتونية في مسلسل
The Cleveland Show المستوحى من مسلسل
Family
Guy.
في الإطار عينه، يقوم لينش بنشاطات على شبكة الإنترنت، إذ بقي موقع
DavidLynch.com لفترة بوابة تسمح للمشتركين بمشاهدة أفلام قصيرة غريبة، وإيجاد
واجهات تشبه لعبة «البازل»، وإجراء محادثات مباشرة على الإنترنت مع الفنان.
إلا أن هذه الخدمة توقفت في الآونة الأخيرة. يعترف لينش قائلاً: «أعتقد
أنني تعلّمت بعض الدروس، فالإنترنت مثل التلفزيون: وسيلة جشعة للغاية تأخذ
من الإنسان الكثير من الوقت كي تعمل وتبقي مواكبة للمستجدات».
لكن، ما زال لينش يستعمل موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، علماً أن غالبية
كتاباته المنشورة على هذا الموقع ذات هدف ترويجي.
فلسفة
ولّى زمن عام 2009 عندما كان من الرائج أن يعرض المرء «الأفكار التي تتوارد
إلى ذهنه» ويحدِّثها يوماً بعد يوم بدءاً بالرؤى العادية ووصولاً إلى
الأخبار غير السعيدة. يظهر هذا المزج بين الفلسفة والحماقة في أغنية
Strange and Unproductive
Thinking التي وردت في ألبوم
Crazy Clown Time والتي يقوم فيها شاب عصري ومثقف إنما غريب الأطوار بالتفكير في
العلاقة القائمة بين نظافة الأسنان وصحته والصحة العاطفية.
في هذه الأغنية ومعظم الأغاني، يبدو صوت لينش رديئاً على نحو كبير. يلاحظ
أنه في مختلف الأغاني ومن بينها
Thinking
التي يتحدّث فيها بواسطة جهاز لتنقية الصوت وSpeed
Roadster التي يغنّي فيها مثل شخصية
Elmer Fudd الكرتونية، لا يستخدم لينش صوته العادي. كذلك قام بالأمر عينه في
مسلسل
Twin Peaks،
فالعميل الفدرالي الذي أدى لينش دوره، والذي كان شبه أصمّ، كان يصرخ أثناء
الكلام.
لما سُئل لينش عمَّا إذا كان صوته الطبيعي مثيراً للاهتمام، صرخ فجأة:
«ماذا؟!»، ثم صمت لبرهة. بعد انتهاءه من دعابته هذه، شرح أن الصوت الجاف
(والجامد) كارثي، وعلى غرار الآلات الموسيقية كافة في يومنا هذا، يحتاج
الصوت إلى التعديلات، ما يجعل التلاعب بالأصوات سيّد الموقف».
يولي لينش للمؤثرات الصوتيَّة أهمية كبيرة في موسيقاه وأفلامه حتى لتلك
المؤثرات التي قد لا يلاحظها المستمعون والمشاهدون. صحيح أن عالمه مليء
بالإيقاعات الإلكترونية والألوان الفلورية، إلا أن الأصوات تعطي الأثر الذي
يريده لينش، وقد وصل الأمر به إلى إرسال رسائل شخصية إلى القيّمين على
المسرح ليطلب منهم «رفع الصوت أكثر من العادة»، وتسجيل مقدّمات على أقراص «دي
في دي» والطلب من معجبيه عدم مشاهدتها على أجهزة الكمبيوتر.
رنّات إلكترونيَّة
قد يصبح ألبوم
Crazy Clown Time متوافراً على شكل رنّات إلكترونية، إلا أن لينش
يتمنّى كثيراً أن يعمد الجمهور إلى شراء ألبومه بشكل قرص مدمج أو مضغوط. في
هذا الإطار، قال عن رداءة نوعية الصوت الذي يقدّمه برنامج تسجيل الصوت
MP3: «إنه لأمر محزن للغاية، فبعض
التكنولوجيات الجديدة يقدّم نوعية جيّدة، مثل أشرطة فيديو عالية الوضوح.
لكن في النهاية، نجد أن الناس يعمدون أكثر وأكثر إلى سماع الموسيقى بواسطة
الكمبيوتر حيث مكبّرات الصوت صغيرة، والصوت رديء، وعامل الإثارة والتشويق
والحيوية منعدم. ما يجري جنون بجنون!».
يتساءل المرء ما إذا كان لكثرة الابتكارات التكنولوجية دور في غياب لينش عن
عالم صناعة الأفلام الذي لم تطأه قدمه منذ فيلمه
Inland Empire
وعلى رغم أن الصحافيين يعتقدون أنه لا يرغب في صناعة فيلم جديد، يؤكد لينش
أنه «يحاول استيحاء الأفكار» لمشروع جديد.
راهناً، يعمل لينش على تصوير فيلم وثائقي عن حياة ماهاريشي ماهيش يوغي الذي
اخترع تمارين تأمل بدأ هذا الفنان بممارستها منذ سبعينيات القرن الماضي.
لا بد من أن نأخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن لينش سجلّه الموسيقي الشهير
بموسيقى الروك أند رول. في حين أن البعض قد يشك في إمكان أن يحقّق ألبومه
الموسيقي إيرادات عالية، تجد أن لينش يبقى هادئاً كلما يُسأل عن الطريقة
التي يتوقّع أن يتفاعل بها الجمهور مع الألبوم.
«إذا أخذنا بعين الاعتبار رد فعل الجمهور على أعمالي السابقة»، يصمت لينش
قليلاً ثم يستدرك: «ستكون ردود الفعل متنوّعة».
الجريدة الكويتية في
30/11/2011
كريستين دانست تؤكِّد موهبتها
فيMelancholia
عندما اتصل المخرج لارس فون ترير بالممثلة كريستين دانست، بداية بواسطة
البريد الإلكتروني ومن ثم عبر برنامج
Skype
الإلكتروني، ليحدّثها بشأن دور لها في فيلمه الجديد
Melancholia، وافقت دانست فوراً على المشاركة في الفيلم.
استرجعت كريستين دانست لحظات حصولها على دور في فيلم
Melancholia
قائلة: «كان الأمر ممتعاً، فعندما عرض عليّ لارس فون ترير دوراً في عمله
الجديد لم أكد أعرف أي شخصية يريدني أن أؤديها. إذ يوجد في الفيلم فتاتان.
لكن لم أسأله عن الأمر، بل وافقت مباشرة». تبيّن لاحقاً أن المخرج لارس فون
ترير كان يريد من دانست أن تؤدي دور جوستين، عروس تتأخر عن القدوم إلى
زفافها وتروح تتجوّل في القاعات الفسيحة والداكنة من قصر عائلتها في حالة
من الهدوء الميال إلى الصدمة.
وصف فون ترير، المخرج المثير للجدل الذي طرد من مهرجان «كان» السينمائي في
مايو (أيار) الماضي لتصريحاته الصحافية الغريبة عن اليهود والنازيين، فيلم
Melancholia بـ{فيلم جميل يتحدّث عن نهاية العالم».
فعلاً، بينما راحت مختلف العائلات والأصدقاء يتجمّعون لحضور الحفلة، ظهر
كوكب جديد في السماء وراح يقترب أكثر وأكثر من الأرض. كانت الكارثة في
طريقها إلى الوقوع. لكن يمكن القول أيضاً إن هذا الفيلم سيمفونية مرئية
رومنسية ضخمة (في الموسيقى التصويرية مقطوعة
Tristan und Isolde
للمؤلف الموسيقي
Wagner)
ونظرة تأملية عميقة في مرض الاكتئاب.
سواد وتشاؤم
في الفيلم، تكون كريستين دانست غارقة في عالم من السواد والتشاؤم. أوضحت في
هذا الشأن: «قال لي أحدهم إن شخصية جوستين تشبه شخصية الشابة
Lux،
أي المراهقة المصدومة والغريبة الأطوار التي جسّدتها دانست في فيلم
The Virgin Suicides
الذي كان أحد أول أفلام المخرجة صوفيا كوبولا في عام 1999. أضافت دانست:
«إلا أن جوستين امتداد للوكس، فهي تظهر ما سيحصل للوكس عندما تكبر».
فيلم
Melancholia الذي شارك فيه أيضاً كل من جون هيرت، وشارلوت رامبلينغ، وألسكندر
سكارسغارد، وكيفر سوثرلاند، سمح لدانست بالفوز بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان
«كان» السينمائي. كان أداء دانست رائعاً، إذ تقمّصت الشخصية تماماً وأدتها
بمهارة عالية. في المقابل، قال فون ترير في مقابلة نشرت على موقع فيلم
Melancholia:
«أعتقد أنها ممثلة ماهرة. إنها أكثر مهارة مما ظننت، وقد ساعدتها إصابتها
بالاكتئاب في حياتها الحقيقية بتجسيد هذا الدور على نحو أفضل».
كان خبر إصابة دانست بالاكتئاب مادة دسمة للصحافة الصفراء التي راحت
تلاحقها بعدما دخلت إلى مركز علاج في أوتاه في عام 2008. تعترف الممثلة
التي لا تحبّ الحديث عن «تجربتها الخاصة» بأن أحد الأسباب الكامنة وراء
رغبتها في العمل في هذا الفيلم تمثلّ في «أنها تستطيع تجسيد حياتها الشخصية
النفسية في هذا الفيلم».
أما السبب الآخر فكمن في أنها وجدت أعمال فون ترير مثلBreaking the
Waves وDancer in the Dark
وDogville،
أفلاماً مهمة، ما أثار في نفسها رغبة في المشاركة في أعمال هذا المخرج.
قالت دانست: «أتذكر أيضاً في فيلم
Antichrist
المشهد الذي يقع فيه الطفل من النافذة. كم كان جميلاً! أظهر فون ترير
المشاهد التراجيدية والكئيبة بطريقة جميلة للغاية. إنه أحد أفضل المخرجين
في عالم السينما».
كانت زميلة دانست في
Melancholia الممثلة جاينسبورغ قد فازت بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان «كان» قبل
عامين عن دورها في فيلم
Antichrist لفون ترير، لكن هذه المرّة كان دور دانست في الفوز بهذه الجائزة عن
عمل حمل توقيع ترير مجدداً.
في هذا السياق، قالت دانست خلال مشاركتها في مهرجان «تورونتو السينمائي»
لإطلاق فيلم
Melancholia: «تعني لي كثيراً الجائزة التي نلتها في مهرجان «كان». إنها مرموقة
للغاية. طالما كنت أتابع من يفوز في هذا المهرجان وأقول لنفسي إنه عليّ
مشاهدة الأفلام الرابحة. حملت الجائزة باعتزاز كبير، وشعرت بالفخر لأني
أصبحت جزءاً من ذلك التاريخ وإحدى النساء الفائزات».
صدمة
خلال مؤتمر «كان» وبينما راح مخرج الفيلم الجالس بالقرب من دانست يتكلّم
بصورة غير رصينة عن «كيف أنه أراد أن يكون يهودياً وكيف أنه اكتشف لاحقاً
أنه نازي حقيقي»، ظهرت على وجه دانست علامات امتعاض تلتها ابتسامة عريضة.
قالت دانست: «تفاجأت بتطرّقه إلى هذا الموضوع. أردت إيقافه، لكني لم أستطع
التدخلّ… أعتقد أنه كان يحاول الإجابة عن سؤال خارج الإطار السينمائي، لا
سيما ذلك المتعلّق بوالده البيولوجي، بروح الدعابة من خلال قوله: كنت أعتقد
أنني يهودي، لكن سرعان ما اكتشفت غير ذلك. حاول أن يضفي روح الدعابة على
سؤال فظّ وظلّ يتابع كلامه على رغم عدم تفاعل أحد معه، وظلّ يتكلّم
ويتكلّم… فعلاً كان الوضع كارثياً».
أضافت دانست: «حتى إنني لا أتذكر ما الذي قلته بعد انتهاء المؤتمر، فقد كنت
في حالة صدمة من كلامه». لكن على رغم انصراف فون ترير لتوضيب حقائبه
ومغادرة المهرجان السينمائي، لقيت دانست والفيلم الذي شاركت فيه ترحيباً
حاراً. صحيح أنه لم يُعجب البعض، إلا أن دانست تقبّلت الأمر بصدر رحب،
وقالت مفسّرة: «نظر الناس إلى الفيلم بطرق مختلفة. إنه عمل قابل لتأويلات
عدّة، وحتماً سيلقى أصداء إجابية وأخرى سلبية، وهذا ما أحبه فيه».
أضافت دانست: «أعتقد ان الفيلم الجيّد هو الذي يسترعي انتباه الناس سواء
أحبوه أم لا، فأي رد فعل أفضل من الوقوف على الحياد».
الجريدة الكويتية في
30/11/2011 |