منذ 25 يناير، كنت أرى المخرجة ماريان خورى فى ميدان التحرير تمسك
بالكاميرا، وتحاور المتظاهرين وتلتقط هذا الخيط السحرى بين السينما
والثورة، وحتى الآن أترقب ما الذى سوف تصنعه بتلك اللقطات.. مرحلة التأمل
التى يعيشها المبدع قبل إنجاز العمل الفنى هى التى تبث روح الصدق فى
تفاصيله.. قبل عشرة أيام كنت قد اطلعت على جدول عروض مهرجان بانوراما
السينما الأوروبية فى دورته الرابعة، الذى تقيمه ماريان بمبادرة شخصية..
إنها من المرات القليلة التى يتاح للجمهور المصرى أن يرى أفلاما أجنبية غير
أمريكية.. وضعت الخطة، واخترت الأفلام، وجزء كبير منها كنت قد شاهدته من
قبل، إلا أن بعض الأفلام يشعرنى بالحنين لكى أشاهده أكثر من مرة.
السبت الماضى تبدد كل شىء بعد أن توجهت الطلقات، وألقيت قنابل الغاز
القاتل على المصريين، وجدت أن مكانى هو التحرير.. اعتقدت أيضا أن ماريان
خورى سوف تلغى المهرجان، لأن هناك أحداثا قومية تعيشها البلاد تفرض على
الجميع أن لا يكتفوا بدقيقة حداد وقراءة الفاتحة، ولكن الإلغاء أسوة بما
فعله مثلا الموسيقار عمر خيرت الذى أعاد ثمن التذاكر إلى الجمهور تضامنا مع
الثورة.. ربما يرى البعض أننا ينبغى أن نعلن للجميع أن الحياة فى مصر
طبيعية، إلا أن الموقف هذه المرة مختلف، مصر تعيش لحظة فارقة فى تاريخها.
كان ينبغى أن أذهب مساء أمس إلى التحرير فى نفس توقيت افتتاح
البانوراما، أشاهد مصر وهى تنتزع حريتها.. فى الأيام السابقة كنت أفضل
الذهاب ظهرا، لكن هذه المرة ذهبت ليلا.. النظام مستتب.. الهدوء أكثر.. لا
وجود لبائعى الأعلام المنتشرين هم بائعو الكمامات، كنت كعادتى اشتريت واحدة
من صيدلية فى المنيل، يصر صديقى صاحب الصيدلية على أن يتبرع بواحدة، أمنحها
لأول شخص أراه فى الميدان.. الكمامة بالنسبة إلىّ مثل الكرافت لكاتبنا
الكبير نجيب محفوظ الذى لم يكن يستطيع ارتداءها، إلا أن للضرورة أحكاما..
أحاول عبثا أن أجد تفسيرا علميا لتلك الحالة من الإغماءات، حيث أرى طابورا
من عربات الإسعاف يقف بالقرب من الميدان، وهناك عيادات منتشرة داخل الميدان
للإسعافات الأولية، وأيضا داخل الكنيسة خلف جامع عمر مكرم مركز طبى..
النداء الذى يتكرر بقوة: «الشعب يريد إسقاط المشير»، والفضائيات لا تتوقف
عن إذاعته، ولا يمكن الفصل بين المجلس الأعلى والمشير، ولكن بالتأكيد الجيش
المصرى لا يمكن اختزاله لا فى المشير أو المجلس الأعلى.. درع مصر ستظل درعا
لها تحميها فى مواجهة الأعداء.
الناس لا تريد للجيش أن يتورط فى دور سياسى، هو غير مؤهل له.. المشير
مثلا من خلال الخطاب ليس هو القادر على مخاطبة الناس، أتذكر أننى قبل نحو
أكثر من شهرين بمناسبة إصبع اللواء الفنجرى الذى توعد من خلالها الناس
بالويل والثبور وعظائم الأمور، طلبت من المشير أن يتدرب على لغة الجسد
وفنون الخطابة، ولو راجعت التسجيل ستكتشف أن المشير لم يكن يدرى فى كثير من
الأحيان، رغم أن الكلمة مسجلة، متى يكمل العبارة وكيف ينتقل إلى جملة أخرى،
والفارق بين سكتة الجملة والفقرة، كما أن من الواضح أن من أشرف على التسجيل
لم تكن لديه الدراية الهندسية الكافية.. خسر المشير كثيرا رغم أن عديدا من
القوى السياسية تنظر فقط تحت قدميها وتبحث عن وسيلة لالتقاط الثمرة، حتى
ولو كانت ملطخة بالدماء من تحت أقدام الثوار.
الوفد يصر على إقامة الانتخابات فى موعدها.. الإخوان وفلول الحزب
الوطنى المنتشرون هنا وهناك يطمعون فى الثمرة الدموية.. كيف نجرى انتخابات
فى ظل هذا التوتر الأمنى؟ رجال الأمن مستنفذون تماما والثقة بينهم وبين
الناس وصلت إلى ما تحت الصفر ولكن الكل يطمع فى الثمرة.
هل يرحل المشير ويعيد كتابة سيناريو جديد للأحداث؟ المؤكد أنه يعلم أن
الأمر يبدأ بتكرار النداء «يسقط.. يسقط حكم العسكر»، ولن يستغرق الأمر
كثيرا.. هل يُلقى بيانا جديدا؟ لا أعتقد أنه سيفعلها.. ربما ما نراه هو
بلغة الدراما «climax
anti» ما بعد الذروة.. كانت الذروة فى البيان الذى لم يحسن المشير صياغته
ولا أداءه هذه هى بانوراما الثورة التى رأيت أحداثها فى ميدان التحرير ولا
مكان لبانوراما أخرى.
التحرير المصرية في
25/11/2011
فى انتظار محمد عبده!!
طارق الشناوي
November 21st, 2011 9:12 am
لا أحد من الممكن أن يضع خطا فاصلا بين الدين والدنيا، وليس معنى أننا
ننشد قيام دولة مدنية أن تخاصم هذه الدولة الأديان.. فصل الدين عن الدولة
هو القانون الوضعى الذى ندافع عنه، إلا أن حياة الناس يظل فيها مزج -شئنا
أم أبينا- بين تعاليم الأديان من ناحية، وسلوك الناس من ناحية أخرى.. حتى
من لا يحرص على أداء فرائضه مسلما أو مسيحيا لا يعنى ذلك أنه يخاصم الدين،
ولهذا أرى أننا نتوق إلى رجل دين متفتح مثل الإمام محمد عبده، الذى لولا
فهمه لصحيح الدين لما كانت لدينا كلية فنون جميلة ولا سينما ولا مسرح ولا
غناء ولا موسيقى.. الإمام محمد عبده فى عام 1903 شرع النحت وصناعة
التماثيل.. مفتى الديار المصرية الشيخ على جمعة الذى يحلو للكثيرين أن
يصفوه بالمستنير بعد أكثر من مئة عام يعلن أن صناعة التماثيل مخالفة
شرعية.. لو عدت إلى تحليل، لا أقصد الحلال والحرام، ولكن التحليل الفنى
للإمام محمد عبده للنحت، ستقرأ أنه يعتبر النحت شعرا مرئيا، وعلى الجانب
الآخر يعتبر أن الشعر نحتا مسموعا.. هل رأيتم توصيفا مكثفا ورائعا أكثر من
هذا، وهكذا أباح الرجل هذا الفن، وكان القدر رحيما بمصر أن منحنا هذا الشيخ
لأنه واكب فى تلك السنوات بدايات فن السينما فى العالم وبدايات العروض
السينمائية فى مصر ولو لم يكن هناك تشريع دينى فى ظل مجتمع ينظر بريبة إلى
كل ما هو جديد، لكان من الممكن أن نظل إلى الآن مثل دول بجوارنا نسأل بعد
أكثر من مئة عام: هل السينما حلال أم حرام؟!
عندما اقتحم أحد السلفيين حفلا لهشام عباس، متعللا أن الغناء حرام،
وفى محاولة له لكى يثنى المطرب الذى قدم بصوته الرائع أسماء الله الحسنى،
عندما اقتحم هذا السلفى الحفل مهما كانت بعد ذلك التبريرات حتى من المطرب
نفسه الذى حاول التقليل من الحدث، فإن هذا الفكر المتزمت لا تزال له قوته
وسطوته فى الشارع.. مع الأسف المؤسسة الدينية الرسمية ليس لديها هذا
الانفتاح الذى يبيح لها أن تواجه هؤلاء المتزمتين الذين يحرمون ما أحله
الله.. لقد دخل الإمام محمد عبده فى سجال طويل مع تلك العقليات، وكانت لديه
حججه المستمدة من الشريعة الإسلامية عندما قال لهم لو أن هذه التماثيل تصنع
لكى تعبد فهى محرمة ولكن عندما ننظر إليها من زاوية جمالية فما الحرام؟!
التزمت ليس فقط توجها إسلاميا، أحيانا أجد فى بعض عظات قداسة البابا
شنودة شيئا من التزمت فى ما يتعلق بالفن.. سبق وأن صرح بأنه لا يبيح الغناء
رغم أن البابا كتب الشعر فى شبابه كما سبق قبل نحو عامين أن أشار إلى تحريم
النحت.. الغريب أن بعض أساتذة الفنون الجميلة قرأنا لهم تصريحات مماثلة،
مما أدى إلى تضاؤل التحاق الطلبة بهذا القسم، وتم أيضا تحريم الاستعانة
«بالموديل» فى الرسم!!
أن يحكم تيار إسلامى أو له توجه إسلامى، لا أتصوره مأزقا سوف يعانى
منه المجتمع لو كنا بصدد مجتمع بناؤه الفكرى سليم فلا مجال للخوف.. حزب
النهضة فى تونس لن يكبل الفن لأن المجتمع التونسى لديه قناعاته الفكرية
التى سوف يدافع عنها ولا يمكن لحزب أو فكر أن يغلق النوافذ ويجب حتى نتفهم
الدين أن نعود إلى الظرف الزمنى الذى من أجله كان هناك ميل مثلا لتحريم نوع
من الفن.. المعروف أن الفن الإسلامى ابتعد عن التشخيص لأسباب متعلقة بالظرف
التاريخى للرسالة المحمدية، حيث إنها جاءت لتقضى على عبادة الأصنام، فكان
رد الفعل المبدئى هو أن التجسيد صار غير مستحب.. أما الديانة المسيحية فإنك
دائما تجد الصور والتماثيل فى كل الكنائس نرى العذراء والسيد المسيح عليهما
السلام، وهناك صور للقديسين، فكيف يتم تحريم النحت وصنع التماثيل فى
المسيحية.. سألت القس البروتستانتى د.إكرام لمعى أستاذ علم مقارنة الأديان،
عن حقيقة ذلك، فأجابنى لدينا تحف فنية فى الكنائس لمايكل أنجلو الذى رسم
آدم وحواء فى الجنة ولا يسترهما سوى ورقة التوت.. إننا نتوق إلى رجال دين
منفتحين يصالحون الناس على الدنيا!
يا خارجة من باب الحمّام..
طارق الشناوي
November 20th, 2011 10:32 am
اكتشفت فى واقعة هروب رئيس التليفزيون صلاح الدين مصطفى مستعينا بباب
سرى فى الحمّام الملحق بمكتبه أن للحمّامات فائدة أخرى غير تلك التى
خلّدتها تحية كاريوكا فى أغنيتها الشهيرة «يا خارجة من باب الحمّام وكل خد
عليه خوخة».. كان أهل تحية كاريوكا وهم مارى منيب وعبد الفتاح القصرى وعزيز
عثمان فى فيلم «لعبة الست» يستقبلونها على باب الحمّام بزفة من الحب!
بينما كان رئيس التليفزيون فى استقباله زفة أخرى قوامها أكثر من 500
مخرج ومساعد وموظف، والغضب يطل من أعينهم، ليطالبوه بمستحقاتهم المالية،
فلجأ إلى باب الحمّام.
هذا الحمّام الملحق بالمكتب لم يُخترع فى عهد صلاح الدين مصطفى ولكنه
كان معدا لمثل هذه المواقف خلال أكثر من 40 عاما وتعاقب عليه أكثر من رئيس،
إلا أنه لم يحدث أن اضطر أحد منهم إلى استخدام هذا الباب للهروب الاضطرارى
إلا هذه المرة، وأتصورها هى الأولى والأخيرة أيضا لأن الجميع تتبعوا هذا
المنفذ السرى ولم يعد بإمكان رئيس التليفزيون اللجوء مجددا إلى الحمّام!
حيلة الباب السرى تبدو مثل عود الكبريت يشتعل مرة واحدة، ولهذا كان
وزير الإعلام أسامة هيكل أكثر حصافة عندما وضع بينه وبين العاملين فى
ماسبيرو قضبانا من الحديد حتى لا يضطر للهروب من باب الحمّام، وأتصور أن كل
القيادات فى هذا المبنى سوف يلجؤون قريبا إلى إقامة مثل هذه القضبان!
الحال فى ماسبيرو ينذر بمخاطر أكثر، الصورة تبدو شائكة فى اللحظة التى
تنظر فيها خارج المبنى المحاط هو أيضا بالأسلاك الشائكة وبعدد من الجنود
والمدرعات كأننا بصدد ثكنة عسكرية لا مبنى للإعلام والثقافة. الشاشة تتراجع
بنفس القدر الذى تتراجع به المصداقية فى الشارع للمجلس الأعلى للقوات
المسلحة الذى أصبح يلعب على المكشوف مع الشعب، فهو لن يرحل عن السلطة
والشعب ليس أمامه لو لم يرضخ سوى الرحيل عن الوطن.
مبنى ماسبيرو يبدو هو الجانى والضحية القاتل والقتيل لو قلنا مثلا إن
70% ممن يعملون سواء أمام الكاميرا أو خلفها من أصحاب الوسايط وأنهم
يفتقرون إلى المهنية، لهذا عندما انطلقت القنوات الفضائية فى داخل أو خارج
الحدود استعانت فقط بالموهوبين منهم، وبالطبع ليس كل الموهوبين لأن العدد
أكبر من طاقة كل الفضائيات، ولهذا تَبقّى قسط وافر من الموهوبين، لا تنسَ
أننا نتحدث عما يربو على 40 ألف موظف فى هذا المبنى، هؤلاء يشعرون أن
ماسبيرو هو بيت النفاق، وهم غير متحققين أدبيا أو ماديا.
الدور الذى كان يلعبه التليفزيون فى الماضى، وهو الدفاع عن النظام، لم
يتغير، ولكن تغيرت فقط ملامح النظام.. العاملون يطالبون بحقوق فئوية، وسوف
يزداد سقف المطالب والشاشة تغيب وتختفى بينما المطالب تزداد إلحاحا.
من الذى يملك أن يعيد الثقة للإعلام؟ المؤكد أنه ليس تلك الأفكار
العقيمة التى لا يزال يلعب بها وزير الإعلام مثلما شكّل لجنة من بعض
المؤلفين والملحنين للنهوض بالأغنية فوجدنا أعضاء هذه اللجنة وقد اتجه
بعضهم إلى الدرج وأخرجوا أغانيهم بحجة أن جحا أولى بلحم طوره، وكل جحا،
أقصد عضو لجنة، كان لديه طور أو اثنان، أقصد أغنية أو اثنتين، قرر أن
يسوقها على حساب اللجنة.. المبنى صار يحضّ على استغلاله أو التظاهر ضده، لا
شىء من الممكن أن يجبر أحدا على انتظار شىء سوى المكافأة المادية.. كل
الاختبارات التى تعرض لها التليفزيون وآخرها مذبحة ماسبيرو أثبتت فشله
الذريع فى التعامل مع الأحداث بمهنية تتواكب مع منطق الإعلام الحديث، أقصد
ما بعد انتشار الفضائيات.. لا شك أن الإعلامى عندما تحيله الأجهزة إلى موظف
لا يجد أمامه شيئا سوى البحث عن العلاوة والحوافز، وبالمناسبة قبل الثورة
بأكثر من عامين شاهدنا لأول مرة احتجاجا ومظاهرة وقفت أمام الباب الرئيسى
لماسبيرو، كانت لهم مطالب معيشية ولم يتوقف أحد وقتها أمام خطورة ثورة
الإعلاميين الذين كانت الأجهزة تتصور وقتها أنهم محصنون ضد التظاهر..
الثورة اشتعلت وقتها ضد رئيسة التليفزيون ورغم ذلك لم تلجأ إلى الحمّام!
بالمناسبة، لقد أصدر مؤخرا العاملون فى ماسبيرو البيان رقم واحد إلى
رئيس التليفزيون: «لا تفكر فى الهرب.. الحمّام محاصر»!
فى عيد ميلاد النجم الأسمر!!
طارق الشناوي
November 19th, 2011 9:52 am
أمس أكمل أحمد زكى، 62 عاما، لم نتعود أن نحتفل بعيد ميلاد من رحلوا
عن الحياة إلا فقط مع عبد الحليم، عندليب الغناء.. ما رأيكم أن نطفئ أيضا
الشموع فى عيد ميلاد عندليب التمثيل!!
فى تاريخ فن الأداء الدرامى عبر شاشة السينما لا يمكن إلا أن نتوقف
بدهشة ممزوجة بالإعجاب أمام النجم الأسمر أحمد زكى، فهو أهم موهبة فى فن
الأداء ظهرت فى الثلاثين عاما الأخيرة.. أحمد لم يكن فقط فنانا مبدعا، بل
يشكل علامة فارقة فى تاريخ الأداء الدرامى لأنه أهم موهبة ظهرت فى العقود
الثلاثة، وكان مؤثرا على كل الممثلين الذين ظهروا بعده وتستطيع أن ترى
تأثيره أيضا على من بدأ قبله.
لو أمعنت النظر ستكتشف أن منهج أحمد زكى قابع بداخلهم، ليسوا بالضرورة
صورا منه لكنه الأستاذ الذى لم يلقنهم الدرس داخل الفصل الدراسى وإنما عبر
الشرائط السينمائية القادرة عند عرضها على أن تؤكد أن الأستاذ لا يزال يمنح
التلاميذ شفرة فن الأداء.
أحمد زكى ممثل ملهم للمخرجين، لا شك أن أحمد لم يكن مجرد الممثل
الملائم فى الأفلام التى أخرجها له عاطف الطيب ومحمد خان وخيرى بشارة،
ولكنه كان أيضا الملهم لهم فى اختيار الفكر السينمائى الذى يتحمسون له!!
ما سر أحمد زكى؟ نستطيع أن نقرأ مفردات الصورة ونمسك بكل جوانبها من
خلال سيمفونية إبداع خماسية الأوجه والمقاطع.
سعاد حسنى.. التمثيل.. الزمن.. الجمهور.. النقاد.. مفردات تبدو لى
وكأنها ترسم خطوطا لملامح هذا الفنان لتعزف لنا تلك السيمفونية.
سعاد.. المقطع الأول.. إنها الحلم الذى تمنى أن يقف أمامها بطل وضاع
عليه اللقاء الأول فى «الكرنك» عام 75، وجاء له بعد ثلاث سنوات «متولى»،
حيث لعبت سعاد دور «شفيقة» فى ملحمة «شفيقة ومتولى» لمخرج «الكرنك» على
بدرخان.. سعاد وأحمد وجهان لعملة إبداعية واحدة!!
التمثيل.. المقطع الثانى.. يريد أحمد زكى أن يقدم كل الأدوار.. موهبته
تفيض على أى قيود من الممكن أن يحاول أحد أن يضعه فيها، إنه ليس نهرا ولا
بحرا أو محيطا له شاطآن، فهو يتمرد على أى شاطئ يرسو عليه.. إنه أرض شاسعة
بلا نهاية، والسماء فوقها مفتوحة بلا نهاية!!
الزمن.. المقطع الثالث.. يكبر أحمد زكى.. لم يعد هو الفتى الأسمر الذى
عرفناه منذ السبعينيات وحتى الثمانينيات.. امتلأ الوجه قليلا منذ
التسعينيات وتغير لون البشرة إلى درجة أفتح كثيرا، واكتشف أحمد زكى فجأة
أنه يحمل على أكتافه سنوات تربو على الخمسين وبدأ الشعر الأبيض يكتسب أرضا
جديدة، وكان أحمد لا يزال يشعر بنهم لتمثيل كل الأدوار، طفل، عجوز، قديس،
عربيد، رجل، امرأة، كل الشخصيات تشتعل بداخله بينما السنوات تتسرب سريعا من
بين يديه، وقبل أن ينفد رصيده من الحياة بأيام قلائل قرر أن يتحدى الرحيل
فتعاقد على أن يلعب بطولة خمسة أفلام!!
الجمهور.. المقطع الرابع.. لو كان ممكنا لفعلها إنه يريد أن يجلس إلى
70، بل قل 300 مليون ناطق باللغة العربية.. إنه يتمنى من كل واحد منهم جلسة
صداقة خاصة، حتى يتأكد مباشرة أنهم يصدقونه ويصادقونه.. وآه لو اكتشف أن
هناك واحدا فقط من بينهم ليس على الموجة.. إنه يضيع عليه بهجة الـ300
مليون!!
النقاد.. المقطع الخامس.. شد وجذب، فهو قارئ نهم لكل ما يكتب عنه وعن
غيره.. علمته الأيام أن يتسامح مع كل الآراء ولم يكن كذلك فى بداية
المشوار، وليس معنى التسامح أن تقبل الرأى الآخر ولكن أن تتقبله.. وهكذا
كنت أراه فى السنوات الأخيرة أكثر مرونة وتقبلا لكل الآراء.
سعاد.. التمثيل.. الزمن.. الجمهور.. النقاد.. خمسة محاور أو مقاطع
رسمت ملامح أحمد زكى إبداعيا.. إنه شاعر المطحونين وترمومتر الموهوبين فهو
الوجه الذى يتوحد مع البسطاء والمهمشين، وهو أيضا النجم الذى تقاس من خلاله
كل المواهب الأخرى فى فن الأداء بمدى اقترابها وابتعادها عن مؤشر أحمد زكى
الإبداعى وحتى الآن.. إنه الفنان الذى رأى فيه الناس ملامحهم على الشاشة
ولا يزال أحمد يعيش بيننا، منحته الفضائيات عمرا دراميا لا يعرف الغياب،
فلقد كان معنا ونحن نطفئ شموع ميلاده!!
حتى إشعار آخر!
طارق الشناوي
November 18th, 2011 9:40 am
قبل نحو سبعة أشهر أمسكت نقيبة الفنانين السوريين فاديا خطاب بالمصحف
الشريف وأقسمت أمام أجهزة الإعلام مؤكدة أن بشار سيظل رئيسا أبديا.. هذه
الأيام وفور صدور قرار جامعة الدول العربية بتعليق عضوية سوريا فى الجامعة
أصدرت بيانا باسم النقابة تشجب فيه قرار جامعة الدول العربية وكالعادة أكدت
النقابة التفافها حول الأسد ولم تكن هذه هى أول «التفافة» أرجو أن لا
يقرأها أحد بسوء نية، فأنا بالفعل أقصد أنها لم تكن أول التفافة -من
الالتفاف لا شىء آخر- حول الأسد الصغير الذى كلما ازداد عليه الخناق لجأ
إلى طوق نجاة، وهم الفنانون والمثقفون الذين عادة ما يضعون أمامهم هدفا
واحدا وهو حساب المكسب والخسارة وحتى الآن لا تزال كفة الأسد هى الراجحة،
فهم معه حتى إشعار آخر. قبل يومين شاهدنا مثقفا سوريا ضرب ضيفه بكرسى على
الهواء فى البرنامج جزاء له لأنه نعت بشار بالكاذب.. إنها رسالة يتم
إيصالها إلى القائد الأعلى تقول «نحن معك» وأنا أُضيف من عندى و«حتى إشعار
آخر»!
كانت أول المواقف السورية للفنانين قد انطلقت مع بيان صدر خارج
النقابة وقعه بعضهم باسم «تحت سقف الوطن» دعوا فيه الجميع للوقوف خلف بشار
لكى يعبر بالوطن من محنته.. صحيح أن الفنانين طالبوا بالحرية للشعب ولكن
مَن قال إن الطغاة خصوصا فى لحظات مصيرية مثل تلك التى تعيشها سوريا لم
يعدوا شعوبهم بالحرية؟!
ما أشبه الليلة بالبارحة، مع بعض الفروق. أما البارحة فهو ما حدث يوم
27 يناير بعد الثورة المصرية بيومين فقط عندما اجتمع الفنانون المصريون فى
نادى نقابة الممثلين وكان الجزء الأكبر، وبخاصة الشباب مع الثورة ووقّعوا
على بيان مؤيد للشعب، بينما القيادات فى النقابات الفنية كانوا قد أصدروا
بيانا آخر قالوا فيه إنهم مع الحرية ومع الرئيس. دائما هناك تيار يؤيد
الحاكم خصوصا من المسؤولين الذين تلعب الدولة دورا فى دعمهم للبقاء فى
المنصب، وبالتأكيد فى سوريا قبضة الدولة أشد ضراوة وأكثر إحكاما ورغم ذلك
وجدنا عددا من الفنانين قالوا «لا» مثل الممثلة السورية مى سكاف ومعها
آخرون، وسوف يقفون غدا أمام القضاء السورى للنظر فى مشاركتهم فى التظاهر
مؤيدين للثوار دون الحصول على إذن مسبق من السلطات السورية. هؤلاء يمثلون
الندرة الآن وحتى إشعار آخر!
الأغلبية من الفنانين السوريين، وخصوصا النجوم، مؤيدون لكل قرارات
الأسد، وأقصى ما يمكن أن يعلنوه هو الصمت أو اتخاذ موقف ضبابى لا تستطيع أن
تعتبره لا مع الثورة ولا هو ضدها. مؤخرا قرأت حوارا للممثلة سولافة معمار
قالت إنها سوف تكتفى بالصمت ولن تتحدث حتى لا يساء فهمها. جمال سليمان صار
أيضا يفضّل الصمت. جومانة مراد تقول دائما إنها تتمنى الاستقرار لسوريا،
لاحظ أنها لم تقل إنها مع أو ضد الأسد إلا أن المقولة السائدة فى سوريا
الآن هى أن الاستقرار يساوى بشار، وحتى إشعار آخر. مجد القاسم قدم أغنية عن
الشهداء وترك الباب مفتوحا، ولم يحدد ماذا يقصد بالشهداء هل هم مَن يعتبرهم
النظام السورى شهداء وهم فقط رجال الأمن والجيش والشبيحة؟!
الصورة فى سوريا تبدو ضبابية وانتقلت الضغوط إلى لبنان الذى لا تستطيع
أن تعزله عن المعادلة السورية.. مصير لبنان السياسى والأمنى فى جزء منه
تابع للقرار السورى وفى جزء آخر متمرد ورافض.. القسط الأكبر من اللبنانيين
أيضا إما هم صامتون أو مع الأسد، وحتى إشعار آخر!
هل يصدق الناسُ الفنانين كما يعتقد عدد منهم؟ من الواضح أن ثورات
الربيع أدت إلى حالة من الفرز لدى الكتلة التى ينعتونها بالصامتة والتى
تخشى المواجهة مع النظام، ولا يعنى ذلك أنهم ليس لديهم رأى أو لا يملكون
موقفا، إنهم لديهم قناعاتهم ولكنهم لا يملكون الجهر بها، هؤلاء يتابعون
ويفرزون.
لقد صارت الأمور لا تحتمل الوقوف على الحياد ولا تزال الأغلبية من
الفنانين والمثقفين فى سوريا تقف ما بين الجنة والنار ولم تتعلم الحكمة من
شاعر سوريا الكبير نزار قبانى الذى قال إنه لا توجد منطقة وسطى ما بين
الجنة والنار، فجبن أن لا تختاروا.. فهم مع الثورة ومع الأسد، وحتى إشعار
آخر!
«سلفى» يبحث عن «شو»!
طارق الشناوي
November 16th, 2011 9:37 am
القاعدة الإعلامية التى يحفظها طلبة كلية الإعلام هى «إذا عض كلب
إنسانا فهذا ليس خبرا.. لو إنسان عض كلبا أصبحنا بصدد خبر مثير يستحق مساحة
من الاهتمام». مع مرور الزمن إذا تكرر أن البشر يعضون الكلاب فلن يعد هذا
هو الخبر الذى يستحق النشر ويصبح فى هذه الحالة العكس هو الخبر!
الإثارة فى جزء منها تحمل المفاجأة والندرة ولهذا تابعت الصحافة حكاية
هالة سرحان عندما اشترط أحد الشيوخ السلفيين أن يحاورها عبر جدار، ومذيعة
الإسكندرية إيمان الأشراف عندما اشترط سلفى آخر أن ترتدى الحجاب قبل أن
تحاوره!
لقد فرضت برامج التوك شو والتى تبث إرسالها فى نفس الفترة الزمنية،
على صناع هذه البرامج أن كلا منهم صار يهتم بضربة البداية. يجب أن تضمن أن
يتابعك المشاهد فى هذه اللحظة وإلا سوف يذهب إلى واحد من العشرين أو
الثلاثين برنامج توك شو التى تنافسك، يجب أن تكون الضربة ساحقة ماحقة..
والسلفيون المنتشرون الآن فى الشارع والفضاء يستطيعون تحقيق تلك الضربة.
على الجانب الآخر أصبح الأمر يشكل صراعا داخليا لدى الضيف السلفى فهو
ليس الوحيد الذى يمثل هذا النوع فكيف يضمن أن برامج التوك شو تتخطفه دونا
عن أقرانه السلفيين فيصبح هو النجم الأول وينتقل من قناة إلى أخرى وكما
قالت ريّا «ماحدش بيكالها بالساهل» فإن تحقيق هذا الغرض ليس أيضا بالساهل
ولهذا لا بأس من إضافة بعض البهارات بدعوى أن هذه هى الشريعة وبعدها تتخطفه
الفضائيات!
إنها نفس نظرية شعبان عبد الرحيم فى التعامل مع الإعلام. شعبان صاحب
صوت ردىء ليس هو فقط الذى يتمتع بهذه الرداءة ولكنه فى مرحلة ما كان هو
الورقة الرابحة فى الفضائيات وكان حريصا على ذلك فهو دائما يصدّر للجمهور
باختياره الإجابات والملابس على أنه شخصية مختلفة لها شطحات فى كل شىء
ولهذا كان يستضيف صناع هذه البرامج شعبان الذى كان يحقق لهم رواجا. بعد ذلك
انتهى مفعول شعبولا وصاروا يبحثون عن شطحة أخرى!
لو تصورنا أن الشيخ السلفى الذى طلب إقامة جدار فاصل بينه وبين
المذيعة قد كرر نفس الطلب، هو أو سلفى آخر فى قناة منافسة لن يفتح هذا
الطلب شهية أحد للمتابعة ولكن من الممكن أن يفتى شيخ آخر بأن إقامة الجدار
بين الرجل والمرأة حرام شرعا، وأن الصحيح هو حفر خندق بينهما وأن الشريعة
تسمح بهذا الفصل على اعتبار أن الخندق كان عنوانا لإحدى الغزوات الإسلامية.
فى هذه الحالة سوف يتم فى الاستوديو إقامة خندق فاصل عميق وفى أسفله تشتعل
النيران ومن يحاول عبوره سيسقط فى هوة عميقة ويلقى مصيره حرقا!
لا أستبعد كل ذلك خصوصا أن الكل لديه هدف مشترك وهو على رأى المخلوع
«خليهم يتسلوا».. أراها برامج بالفعل لتسلية المشاهدين وليست لإرهابهم
لأنها فى نهاية الأمر تصبح مادة صالحة للتفكه. هذا النمط من السلفيين
تحديدا هم الذين يشكلون الخطورة الأكبر على التيار السلفى وكلما أمعنوا فى
شطحاتهم سوف يزداد الناس بعدا عنهم. ولكن يبقى أن هناك حدودا لكل شىء، مثلا
السلفى الذى طلب من المذيعة أن تصنع له جدارا أو نفقا أو خندقا أظهرته هذه
الطلبات فى حالة غياب عن تفاصيل الحياة العصرية وهو المطلوب إثباته من هذه
المحطات، وفى نفس الوقت سوف يُصدّر للمشاهدين صورة ذهنية عن أفكار السلفيين
وهذا يؤدى إلى النفور من هذا التيار، إلا أن الباب ينبغى أن لا نفتحه على
مصراعيه.
لا يمكن مثلا للمذيعة بدعوى السبق الإعلامى أن توافق على ارتداء حجاب،
فلو طلب أو اشترط عليها سلفى آخر أن تقف على رأسها أو أن تضرب شقلباظ أو
تقلّد نومة العازب قبل أن يجرى الحوار.. هل يخضع المذيع أو المذيعة بدعوى
أنه يحقق سبقا أو أنه مجبر لملء ساعات الإرسال؟!
سيظل الأمر مرتبطا بالكثير من الاعتبارات، حيث إننا بصدد عامل رئيسى
أراه يسيطر على الجميع على الرغم من أنهم جميعا سينكرونه، وهو تقديم «شو»
مثير بدعوى أن هذا هو السبق وتلك هى المهنية.. الكل سيتحدث عن المهنية التى
أراها أحيانا تبدو هى الوجه الآخر للمهلبية!
تاج حلمى وسلطانية مكى
طارق الشناوي
November 15th, 2011 10:32 am
سألوا هند صبرى بعد إعلان جوائز مهرجان أبو ظبى لماذا لم تحصل على
الجائزة وكانت مرشحة لها بقوة؟ وجاء تعقيب هند أنها «أرزاق».
هذا التعبير صار هو الأشهر قبل نحو 14 عاما فى الحياة الفنية فى مصر،
خصوصا بعد تلك القفزة الرقمية التى حققها محمد هنيدى عام 1997 بفيلم
«إسماعيلية رايح جاى»، حيث وصلت إيراداته إلى 15 مليون جنيه، وهو ضعف ما
كان يحققه عادل إمام، كان تعقيب هنيدى «أرزاق».. وعندما ظهر محمد سعد بفيلم
«اللمبى» عام 2002، وتجاوز إيرادات هنيدى قال سعد «أرزاق».. وعندما سألوا
هنيدى كيف تراجعت عن المقدمة الرقمية؟ أجابهم «أرزاق».. ولو سألت نجمى
الكوميديا الآن حلمى ومكى عن الأرقام التى حققها الفيلمان «إكس لارج» و«سيما
على بابا» لن تجد سوى «أرزاق».
هل تتذكرون أوبريت «قِسَم وأرزاق» الشهير بـ«السلطانية»؟ سوف أنعش
ذاكرتكم: إنها قصة مرزوق العُتقى -الصرماتى- الفقير الذى تضيق به الحال،
وكان معه السلطانية التى اصطحبها بسبب غفلته معه، يرى سفينة يقفز إليها،
ولا يعرف أين المسير وتأتى رياح تطيح بها وبآماله ويضع السلطانية على رأسه
وينجو.. بداية كان ينبغى أن يتخلص من السلطانية حتى لا يغرق، ولكن لزوم
الأسطورة احتفظ بتلك السلطانية، التى كانت وش السعد لأن سكان هذه الجزيرة
كان زعيمهم يبحث عن تاج يليق به، فأنعم على صاحب السلطانية بكل الذهب
والياقوت المتوفر فى الجزيرة.. جاره الغنى محمد الخياط صاحب محل بيع
الأقمشة اكتشف حالة النغنغة التى صار عليها الصرماتى من مجرد سلطانية نحاس،
فقرر أن يذهب إلى الجزيرة، ومعه كل الملابس المزركشة التى يسيل لها لعاب
أهل الجزيرة، فلم يستطيعوا المقاومة، ومنحوه أعز ما يملكون تاج الجزيرة
السلطانية.. وهكذا يغنى فى نهاية الأوبريت الموسيقار محمود الشريف، وهو
التسجيل الوحيد الذى تحتفظ به الإذاعة بصوته «الدنيا دى أرزاق.. مسيرها
لفراق.. سبحان الرزاق».
هذه هى الحكاية «اجرى جرى الوحوش.. غير رزقك لن تحوش».. جميل ومطلوب
تلك القناعة، ولكن الأمر ليس عشوائيا، نعم الصدفة تلعب دورا فى حياة كل
منا، ولكن كما قال أحد الفلاسفة «الصدفة لا تأتى إلا لمن يستحقها».
لو تأملت هند صبرى السؤال لماذا لم تحصل على جائزة عن دورها أسماء،
ربما تجد أن فى طبيعة لجان التحكيم قواعد بعضها يخاصم المنطق مثل أن الفيلم
حصل على جائزتين، ماجد الكدوانى الذى يشاركها البطولة وعمرو سلامة المخرج
فصار من المحتمل أن يتم استبعادها على أساس أن الفيلم يكفيه ذلك لتحصل
أفلام أخرى على جوائز، وهذه القسمة غير العادلة مطبقة مع الأسف فى كثير من
المهرجانات العربية.. سوف تقول لى إذن صدفة، أقول لك بل هو سوء تقدير من
لجنة التحكيم.. قفز هنيدى إلى القمة الرقمية، وحقق فى 97 ضعف ما كان يصل
إليه عادل إمام، إنها إرادة الناس ورغبتها فى التغيير السياسى، ولأنهم لم
يملكوا القدرة على إحداث التغيير فى صندوق الانتخابات على المستوى السياسى
استطاعوا تحقيقه على الصعيد الفنى فى شباك التذاكر، وعندما لم يتطور هنيدى
وجدوا فى محمد سعد روح كوميديان أكثر إيجابية من هنيدى فى اللمبى، فهو
يشارك فى المعارك على عكس كل نجوم الكوميديا بداية من إسماعيل يسن إلى
هنيدى، الذين يؤثرون السلامة، ولكن سعد ظل خمس سنوات، وهو لا يثق إلا فى
محمد سعد يحتل الشاشة كلها يقدم أحيانا فى الفيلم الواحد 6 شخصيات درامية
ولا يمنح لأحد بجواره أى مساحة، ولهذا تراجع عن المقدمة.. بينما ظهر حلمى
وهو يرتكن إلى ذكائه وقدرته على أن يقرأ القادم من الأفكار، ولهذا اعتلى
عرش الإيرادات منذ 2006 ثم صعد مكى بعدها بثلاث سنوات، وهو يحيط موهبته
بذكاء، فصار منافسا شرسا له، وجاء النجمان فى مواجهة حادة هذه المرة، وتفوق
إبداعيا حلمى فى «إكس لارج» لأنه تمرد على الإطار التقليدى بذكاء، بينما
مكى فى «سيما على بابا» كان تمرده يعوزه الذكاء الفنى، وهكذا حصل حلمى على
التاج، بينما كانت السلطانية من نصيب مكى.. إنها معركة مخ، وليست كما يعتقد
نجوم هذا الجيل فقط «أرزاق».
على طريقة الشيخ حسنى
طارق الشناوي
November 14th, 2011 10:39 am
فى فيلم «الكيت كات» للمخرج داوود عبد السيد مشهد رئيسى احتل مكانة
خاصة فى الذاكرة البصرية للسينما المصرية وأظنه أيضا لا يغادر مشاعر
الكثيرين، إنه الشيخ حسنى «محمود عبد العزيز» فى نهاية أحداث الفيلم عندما
ذهب للعزاء، وبعد نهايته لم يلحظ أن الميكروفون لا يزال مفتوحا وأخذ راحته
فى إعلان رأيه فى أهل الحتة رجالا ونساء دون أن يغطى رأيه بأوراق سوليفان
ناعمة من الكذب الذى تعودنا أن نصفه بالأبيض!
شىء من هذا تكرر قبل بضعة أيام عندما نشر عدد من المواقع الإلكترونية
حالة الفضفضة فى نهاية قمة العشرين عندما باح كل من نيكولا ساركوزى وباراك
أوباما بحقيقة رأييهما غير الدبلوماسى فى بنيامين نتنياهو.. الأول يصفه
بأنه كاذب، والثانى يقول إنه مضطر إلى التعامل معه. الصراحة حلوة والصراحة
راحة، ولكنّ هناك بعدا أخلاقيا فى مهنة الصحافة والإعلام يمنع أن تنشر
أحاديث خاصة دون موافقة أصحابها، ولكن بالطبع فإن النهم الصحفى فى لحظات
يسيطر على من يعمل فى هذه المهنة، خصوصا أن الأمر لم يكن خاصا بين صحفى
ومصدر طلب منه عدم كتابة الرأى ولكنها كانت تسريبات صوتية علنية بل ومترجمة
إلى كل لغات العالم، والصحفى الذى قد يؤرقه ضميره المهنى ويتردد فى النشر
ما الذى يضمن له أن زميله فى الجريدة المنافسة نَقَح عليه أيضا ضميره!
ربما تصبح هذه القضية على المستوى المهنى مثار العديد من المناقشات،
وليس مجالها بالطبع هذا العمود، ولكن ماذا لو قرر كل منا أن يتحول إلى
الشيخ حسنى أو ساركوزى أو أوباما؟ هل نحن مستعدون لكى نذكر الحقيقة وأن
يستقبلها نتنياهو، أقصد الطرف الآخر، دون حساسية تبعا للمثل الشهير «يا بخت
من بكّانى ولا بكّى الناس عليّا» الذى من الممكن أن تجد له صلة قربى ونسب
عند بنت عمه المقولة الشهيرة «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية» أو
مقولة أرسطو «أُحبُّ سقراط ولكن حبى للحق أفضل» أو الحديث الشريف «صديقك من
صَدَقك لا من صَدَّقك» ومقولة السيد المسيح عليه السلام «ماذا لو ربح
الإنسان العالم وخسر نفسه»؟ ثم إنك لو أمعنت التفكير فى الوصايا العشر
واخترت واحدة فقط تعبر عنها سوف تجدها لا تكذب، ورغم ذلك فإن آفة الحياة هى
الكذب لو رأيت -مثلما أرى أحيانا بحكم المهنة- كم الأحضان والقُبلات التى
تنهال بها هذه النجمة على تلك التى لا تكف عن نعتها بأسوأ الصفات، بل إن
كتابا نُشر مثلا قبل نحو 15 عاما لأحد السَّحرة الذى كانت تلجأ إليه نجمات
الفن يبين أن الغرض الحقيقى من زيارات النجمات للساحر هو أن يحقق رغباتهن
فى أن يخسف بكل نجمة تنافس الأخرى الأرض وأن يضع فى طريقها كل العكوسات
الممكنة التى تحول دون بقائها لا فى الحياة الفنية فقط ولكن فى الحياة
كلها، وكان هذا الساحر يتعامل مع النجمتين فى نفس الوقت!
الوسط الفنى، رجالا ونساءً، ملىء بتلك الوجوه التى تقول شيئا فى
الإعلام الرسمى بينما الحقيقة فى الكواليس هى العكس تماما، فكثيرا ما يحدث
فى البلاتوهات تبادل فى توجيه الكلمات التى لها مذاق اللكمات، بل أحيانا
تصل إلى مرحلة اللكمات دون كلمات، ولكن ما تقرؤه بعدها مباشرة هو أن تجد فى
كل الصحف المانشيت يتكرر «أنا أحب فلانة وهى تحبنى وتساعدنى» ودائما سوف
يتم استخدام تعبير «السمن والعسل» رغم أن العلاقة بينهما كانت بصلا على
بصل.
ليس هذا الأمر مقصورا على هذا الزمن ولكن ما تعودنا أن نصفه كذبا
بالزمن الجميل والذى كثيرا ما يتناولونه باعتباره عصر الحب والوفاء والعطاء
كان لا يخلو من صراعات وضربات موجعة كان طرفاها مثلا أم كلثوم وعبد الوهاب
فى مرحلة، أو فريد وعبد الحليم، أو عبد الوهاب والسنباطى، أو أم كلثوم
ومنيرة المهدية، أو أنور وجدى وكمال الشناوى اللذين شهدت علاقتهما الكثير
من الضربات القاسية، وكذلك فاتن حمامة وماجدة الصباحى، وكالعادة تقرأ نفيا
لكل ذلك، مؤكدين أنها مجرد اجتهادات صحفية، وهو ما يمكن أن يعلنه بعد ذلك
ساركوزى وأوباما مؤكدين أنهما ونتنياهو «سمن على عسل» ولكنها الصحافة
الملعونة!
المملكة
طارق الشناوي
November 11th, 2011
10:00 am
تتابع الصحافة الفنية، بهمة ونشاط، الصراع الرقمى الذى وصل إلى الذروة
بين أحمد حلمى وأحمد مكى، وكما يبدو مما هو منشور، وأيضا من حال الفيلمين،
أن هذا هو موسم حلمى، وأن مكى عليه أن يستيقظ من مبدأ السيطرة على مفردات
الفيلم بالعمل تحت غطاء مخرج واحد فى كل أفلامه يسمح له بأن يهيمن من تحت
لتحت كمخرج على كثير من مفردات العمل الفنى من دون أن يتحمل مكى المسؤولية
الأدبية أمام الناس!!
الأفلام التى لعب بطولتها مكى تطل منها فى أحيان كثيرة روح مكى، بينما
حلمى مهما استشعرت تأثيره قبل تصوير الفيلم، ومهما أيقنت أنه صاحب بعض
اللمحات الأدائية والدرامية التى تراها على الشريط، فإنه فى النهاية يترك
ذراعيه للمخرج الذى يعمل معه ليضيف إليه نبضه خاصة عندما يصبح هذا المخرج
هو شريف عرفة.. صوت مكى صاخب فى أفلامه، بينما صوت حلمى هامس!!
لقد أخذ أيضا الصراع الشخصى بين غادة عبد الرازق وخالد يوسف مساحة من
الاهتمام.. التراشق اللفظى كان هو المسيطر على «كف القمر»، بينما الفيلم
ظلمه اختيار توقيت العرض فى العيد، وفى ظل احتياج الجمهور نفسيا إلى ضحكة،
فإن المخرج وبطلته التى كانت نجمته الأثيرة صارت هى عدوته اللدود، وتحولت
من «أثيرة» للمخرج إلى «أسيرة» ترنو لتحطيم قيودها!!
وبين هذه الأخبار الساخنة وغيرها ضاع أهم نجاح سينمائى حققته مصر فى
2011 قبل يومين فقط وهو فوزنا بجائزة أفضل فيلم وثائقى فى مهرجان «هوليوود»
لأفلام الطلبة فى دورته التاسعة.. الفيلم سيناريو وإخراج وتعليق الطالبة
جهاد سليمان.. كان الفيلم يتسابق بين 85 فيلما من مختلف أنحاء العالم، حيث
إن المهرجان متخصص فى أفلام طلبة المعاهد السينمائية.
كنت بالصدفة قبل نحو عام ونصف العام قد شاهدت هذا الفيلم مع عدد آخر
من الأفلام التى عرضها الإعلامى يسرى فودة، فى برنامجه عبر قناة «أون تى
فى»، وكانت المخرجة ساندرا نشأت هى التى تعلق على هذا الفيلم وغيره، بينما
كنت أعلق نقديا على أفلام أخرى.
سارعت بمشاهدة الفيلم على «اليوتيوب» للمخرجة جهاد سليمان الطالبة
بالسنة النهائية بكلية الإعلام قسم إذاعة وتليفزيون.
يقدم الفيلم القاهرة بين زمنين، القاهرة القديمة قاهرة المعز وقاهرة
هذه الأيام.. القاهرة التى كنت ترى فيها عراقة الزمن وروح المصريين
والقاهرة التى تعيش فى ظل تكدس سكانى يجعل السير فى شوارعها بالسيارة فى
أوقات الذروة هى أكبر حماقة يرتكبها المصريون.. المخرجة قدمت تعليقا صوتيا
يقطر ذكاء وخفة ظل، كما أنها منحته مسحة درامية.. كانت هناك بعض الملاحظات
المليئة بالدهشة عندما تنظر إلى سبيل المياه فى قاهرة المعز وترى كيف أن
هناك إرادة جمالية وراء إنجازه فهو يشبع عطش الأفواه وهو يشبع أيضا ظمأ
عيون ومشاعر الذين يبحثون بل يتوقون إلى مسحة من الجمال، وهو مع الأسف ما
أساءت إليه كثيرا قاهرة الشكمانات الخربة والهواء الملوث.. تضمن السرد
التاريخى كثيرا من المعلومات مثل تعبير «كوسة» الذى ارتبط بالواسطة والرشوة
فى مصر قبل قرون عديدة، عندما كانت القاهرة تغلق أبوابها مع غروب الشمس ولا
تستقبل أى خضراوات ترسل لها من خارجها، إلا أن تجار الكوسة لأنها أكثر
الخضراوات تعرضا للفساد كانت لديهم وسائلهم غير الشرعية للدخول.. ولا أدرى
أليست الطماطم معرضة أيضا للفساد؟ فلماذا فقط الكوسة ظلت تاريخيا عنوانا
للفساد واكتفت الطماطم بلقب المجنونة؟
الفيلم رحلة تعبر فيها المخرجة الحدود الزمانية والمكانية لنرى مصر
عميقة فى التاريخ تتنفس جمالا ونقاء، بينما فى المشاهد الأولى للفيلم كانت
القاهرة تتنفس هواء أسود.
استعدت على «اليوتيوب» الحوار الذى أجراه يسرى وساندرا مع جهاد
سليمان، وكان من الواضح أنها لا تملك حماسا وإصرارا لكى تكمل رحلتها فى
عالم الإخراج، ولكنى أتصور أن جائزة «هوليوود» من الممكن أن تغير من
المؤشر، خصوصا أن الفيلم بالفعل يشى بإحساس ونَفَس لمخرجة قادمة.
هل يستطيع الإعلام المصرى بجميع أطيافه أن يمنح هذا الانتصار المصرى
السينمائى نصيبه من الاهتمام، أم أن صراع حلمى ومكى والضربات المتبادلة بين
غادة وخالد ستظل مستحوذة على كل المساحة؟ ما رأيكم فى بعض الأوكسجين مع
فيلم «المملكة»؟!
الفنانون وخانة الديانة
طارق الشناوي
November 9th, 2011 11:02 am
لم أشعر بارتياح وأنا أقرأ فكرة البرنامج اليومى فى أيام العيد على
قناة «نايل سينما»، الذى يجمع فى كل حلقة بين فنان مسلم وآخر مسيحى لكى تصل
الرسالة أن المسلم والمسيحى إيد واحدة، وكأن هناك مشكلة تلوح فى الأفق داخل
الحياة الفنية بين المسلمين والأقباط.
الحقيقة أن مثل هذه البرامج التى تستضيف الفنان، وهى تنظر أولا إلى
خانة الديانة هى التى تؤجج بذور الفتنة داخل الوسط الفنى.. لا أتصور مثلا
أن المخرج داود عبد السيد أو المخرج محمد خان عندما يستعين أى منهما بممثل
أو مدير تصوير يلحظ ولا أقول يسأل أولا عن ديانته قبل التعاقد معه.. الحياة
الفنية قائمة طوال العهود على أن البقاء للأفضل، ومن يحقق إنجازا فنيا أعلى
أو إيرادات أكثر هو المطلوب، ومشاعر الناس لا تزال بمنأى عن النظر أولا إلى
خانة الديانة.
لا أنكر أن هناك من يعتقد أن الدين قد يشكل حاجزا بينه وبين مشاعر
الناس.. أتذكر ملحنا شهيرا قال لى إن الدولة لم تكن تستعين به فى تقديم
أغنيات وأوبريتات أكتوبر فى زمن الرئيس المخلوع لأنه مسيحى، وكانوا يفضلون
عليه الملحن المسلم.. قلت له هذا الملحن لم يكن تسند إليه هذه الأعمال لأنه
يظهر للمسؤولين هويته الدينية، ولكن كبار الموظفين فى الدولة لديهم مفاتيح،
وهو عرف كلمة السر، وأنت لم تعرف هذه الشفرة ولا أظنك ستكتشفها، فهى ليست
رشوة مادية بالضرورة، ولكنها قدرة خاصة تمكنه من الوصول إلى صاحب القرار،
ثم لماذا فقط هذا الملحن المسلم الذى احتكر تلك الألحان، يوجد عشرات من
الملحنين المسلمين ولم تسند إليهم أى أغنيات فى أكتوبر أو غيره؟.. أنت
موهوب وهو أيضا لا أنكر موهبته، ولكن إضافة إلى ذلك هو يملك موهبة فك
الشفرة.
قال لى ولكن هناك ظلما واقعا على الأقباط فى عديد من المناصب
القيادية، لا يحصلون على نسبة تتوافق مع نسبة وجودهم على أرض الواقع.. قلت
له حتى الآن لا تعلن الدولة نسبة الأقباط الرسمية بالقياس لمجموع السكان،
والأمر خاضع للاجتهادات لو سألت الكنيسة الأرثوذكسية ستقول 20%، ولو سألت
الإخوان سوف يهبط الرقم إلى 7% أنا سألت د.إكرام لمعى القس البروتستانتى
أستاذ مقارنة الأديان عن سر هذا التباين فقال لى بديهى أن كل طرف يغالى فى
الأرقام، ولكنه طبقا لما لديه من وثائق يرى أن النسبة 12%، ورغم ذلك فإن
المفروض أن الاختيار أولا للكفاءة ولا علاقة له بعدد السكان، وإلا أصبحنا
لبنانا آخر، الذى تجد فيه المناصب فى الدولة موزعة طبقا للأديان بل
والمذاهب داخل الدين الواحد، رئيس الجمهورية مارونى، ورئيس الوزراء سنى،
ومجلس النواب شيعى، وهناك عدد محدد لكل دين ومذهب للوزراء.. إنها تبدو حلول
مقيتة ورغم ذلك فإن ما عاشه المجتمع المصرى ولا يزال له بقايا ترتع بيننا
كان هو الأسوأ، وما قد يراه البعض فرزا طائفيا ربما من زاوية أخرى تكتشف
أنه يعبر عن مناخ فاسد.
قلت له فى مطلع الشهر الماضى فى أثناء إقامة مهرجان الإسكندرية
السينمائى جمعتنى جلسة مع يحيى الفخرانى حكى لى أنه فى مسلسل «زيزينا» وبعد
اعتذار آثار الحكيم عن عدم أداء الجزء الثانى من المسلسل، قرر هو ومخرج
المسلسل جمال عبد الحميد أن الأنسب للدور هالة صدقى، وفوجئا بأن الإنتاج
يريد تغييرها.. لم يجد المسؤول الذى أراد ذلك وقتها سوى حجة أن هالة
مسيحية، والمسلسل يعرض فى رمضان.. كان الفخرانى يعلم أن هذا ليس هو الدافع
الحقيقى، ولكن الإنتاج لديه فنانة أخرى، ولمصالح خاصة يريدون تلميعها
وتسويقها، وأصر بالطبع الفخرانى وجمال على هالة صدقى فى مواجهة فساد إنتاجى..
الدافع حتى لو رأيت فيه بعدا طائفيا ظاهريا، إلا أن العمق الكامن هو
الفساد، ولو كانت هالة مسلمة كان الإنتاج سوف يبحث عن أسباب أخرى
لاستبعادها.. المأزق الأساسى هو أن هناك من لديه دوافع يريد تحقيقها، وقد
يلجأ إلى استخدام سلاح الدين.
توصيل رسالة عبر التليفزيون الرسمى باستضافة فنان مسلم وآخر مسيحى
تشبه جلسات الصلح بين الشيخ والقسيس، التى تنتهى عادة وهما يتعانقان بينما
الفتنة مشتعلة.. من يريد أن يتصدى للجذور الحقيقية عليه أن يقضى أولا على
الفساد فى حياتنا.
اللعب على الحافة
طارق الشناوي
November 8th,
2011 10:59 am
الفنان السورى يبدو حائرا حيث تتعدد زاوية الرؤية من خلال الموقع الذى
تطل منه على هذا الفنان. أنا مثلا أرى أن موقف النجم جمال سليمان متراجع عن
طموح الشارع السورى فهو مع النظام لا يقترب بكلمة انتقاد واحدة موجهة ضد
بشار الأسد، أقصى ما يعلنه هو أنه يرى فى نداء الجماهير بالحرية والعدالة
الاجتماعية حقوقا تأخرت طويلا، ولكنه لا يقترب من الخط الأحمر وهو بشار
الأسد، بل إنه عندما يقال له إن بشار هو الذى قص شريط التوريث فى العالم
العربى فى مصر وليبيا وتونس واليمن وإنه اعتلى الحكم بتدليس وتزوير فاضح
للدستور السورى، يسارع بإعلان أنه يرى أن الناس اختارت بشار لأنه شاب ومثقف
ومؤهل لحكم البلاد لا باعتباره ابنا لحافظ الأسد.. كنت أظن حتى كتابة هذه
السطور أن جمال هو أحد خطوط الدفاع عن بشار لأن النظام القائم على دعامتين
هما سيطرة قوى طائفة العلويين وتغلغل القوى الأمنية فى المجتمع، يلجأ دائما
إلى النجوم لتبييض وجهه القبيح، إلا أننى اكتشفت مؤخرا أن جمال سليمان لا
يحظى بتلك الحماية التى توقعتها وأن النظام يريد منه أن يدفع أكثر، رغم
أننى أراه قد أعطى كثيرا ولم يستبق شيئا بل إننى تصورت أن الغاضبين عليه هم
الثوار لا النظام، هذا هو المفروض لأن من يدافع عن بقاء بشار فى السلطة
يدافع عن جزار أحل دماء شعبه!
إلا أن جمال بسياسة الوقوف على الحافة بين النظام والثوار قد ارتكب
مؤخرا معصية لا تغتفر فى حق النظام، هى أنه وافق على تلبية دعوة مهرجان
الدوحة ترايبكا السينمائى.. لم ينفِ جمال بالطبع حضوره فاعليات المهرجان
ولكنه حرص على تأكيده قبل أن يشد الرحال هو وعائلته الصغيرة عائدا إلى دمشق
أنه لم يتورط فى التسجيل لقناة «الجزيرة».
هل تنجح خطة جمال فى إقناع الطرفين، النظام والثوار، أنه يقف فى
الخندقين معا؟ فهو إرضاء للثوار طالب بالإفراج عن كل المعتقلين فى السجون
السورية، إلا أن ما قدمه للسلطة السورية أكثر، وهو دعم بقاء بشار على رأس
السلطة، وأتصور -أو كنت أتصور- أن هذا يكفى، إلا أن الدولة القمعية تطلب
مزيدا!
وطبقا لتركيبة النظام فإن حضور جمال مهرجان الدوحة هو الخطيئة الكبرى،
النظام لا يسمح بالوجود فى مهرجان مثل الدوحة تتبعه قناة «الجزيرة» المتهمة
من قِبل كل الأنظمة العربية بأنها لعبت الدور الأكبر فى إشعال ثورات الشعوب
ضد الطغاة من الحكام، ودائما ما تصب الدولة السورية شحنات الغضب ضدها. قد
تتسامح مع قناة «العربية»، ولكنها أبدا لا تفعل ذلك مع قناة «الجزيرة».
أعتقد أن مجرد مشاركة جمال أغضبت النظام، فلقد رأس لجنة التحكيم المخرج
المعارض السورى محمد ملص وعُرض فيلم المخرج الراحل المعارض عمر أميرلاى
«طوفان فى بلاد البعث»، كما أن من بين ما أغضب النظام السورى أن معارضا آخر
هو المخرج أسامة محمد رغم انتمائه إلى الطائفة العلوية التى تحكم البلاد،
فإن انتماءه الوطنى تجاوز انتماءه الطائفى، شارك بمحاضرة عن عمر أميرلاى.
كل من ملص وأسامة لا يشكل تخوفا كبيرا للنظام، حيث إن لكل منهما موقفه
المعارض المعلن قبل الثورة بسنوات بعيدة، بينما جمال لديه اسمه الجماهيرى
فتصبح خطورته أكبر وخطيئته أيضا عند النظام أفدح.
أعتقد أن جمال حريص على أن يُبقِى على شعرة معاوية، فهو مع النظام ومع
الثورة، فهو لا يلتزم بالمقاطعة السورية للمهرجان ولكنه يلتزم بعدم التسجيل
لقناة «الجزيرة»، ولكن حتى هذا لا يكفى فى شريعة النظام القمعى الذى منع كل
فنانيه السوريين وأيضا اللبنانيين من التسجيل فى برنامج «صولا» بسبب اسم
أصالة، لأنها تقدم البرنامج حتى بعد أن خففت من نبرة الهجوم على بشار،
واكتفت فقط بتأييد الثورة، فإن هذا لم يكفِ لتخفيف حدة الغضب.
النظام السورى القاسى والضعيف يزداد شراسة كلما ازداد ضعفا. جمال
يلاعب النظام والثورة بالوقوف على الحافة، يسافر إلى الدوحة لكنه لا يسجل
لـ«الجزيرة».. يقف مع الثوار ويطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسين، إلا
أنه لا يهاجم الأسد، بل يؤكد أنه صمام الأمان لسوريا… هل يستطيع جمال
الانتظار طويلا على الحافة؟!
جامع وسينما
طارق الشناوي
November 7th,
2011 10:55 am
وأنا فى طريقى إلى دار السينما لأشاهد أفلام العيد، كان الجامع
المقابل للسينما قد بدأ فى وضع السجاجيد الإضافية أمامه، كانت الساعة لم
تبلغ بعد العاشرة مساء، ولكن ليلة العيد والاستعداد لشعائر صلاة العيد تبدأ
مبكرا.. فى هذه الليلة ترى هذا التوحد بين مظاهر الدنيا والدين.
فى حى المنيل، حيث أقطن، توجد سينما «جلاكسى» والعروض فى الظروف
الاستثنائية تمتد حتى الثالثة فجرا، أى أن الفيلم ينتهى عرضه ومؤشر الساعة
يقترب من الخامسة، والجمهور الذى ذهب إلى الجامع كان قبلها بلحظات يضحك مع
نجمى الكوميديا حلمى ومكى.
رأيت جزءا كبيرا من جمهور السينما ينضم إلى صفوف المصلين، مرددا
تكبيرات عيد الأضحى «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله».
وقفز إلى ذهنى هذا السؤال الذى يتردد كثيرا فى الإعلام: ماذا لو وصل
التيار الإسلامى إلى الحكم مثلما هو فى تونس عندما انتصر حزب النهضة
الإسلامى وحرص على إعلان أنه لن يعادى الفن ولن يفرض الحجاب ولن يغلق دور
العرض؟ واحترم التوانسة المناهضون للحزب رأى الأغلبية، وأنا أرى أن أى تيار
إسلامى يخاطب الجماهير سياسيا يقدم كثيرا من التطمينات المتعلقة بالاتهام
الذى يلوح فى الأفق، وهو التشدد ومعاداة الفن والثقافة والمرأة والأقباط..
اللعبة السياسية تجعل مثلا الحزب اليسارى يؤكد انفتاحه على اليمين، والعكس
صحيح، سوف يعلن اليمين أنه سوف يحافظ على الأمن الاجتماعى ومحاربة الفوارق
بين الطبقات، والإسلامى سوف يقدم ثلاث رسائل: أولا رسالة للأقباط وأحقية
القبطى فى تولى الحكم، الثانية للمرأة التى سوف يمنحها حريتها كاملة، لن
يفرض الحجاب على الشارع. النموذج الإيرانى الذى يطبق بقوة قانون الحجاب على
الشارع مستحيل الاقتراب منه فى مصر. النموذج التركى فى فصل الدين عن الدنيا
هو الأقرب.. ليس معنى ذلك أن تخاصم الدنيا قواعد الدين، ولكنها لن تتحول
إلى قوانين ملزمة فى الحياة.. زوجة أردوجان ترتدى الحجاب، ولكن الحجاب ليس
زيا رسميا فى تركيا.
أنا لا أخشى من إرادة الناس فى الاختيار ولهذا لا أجد مبررا لمن يقول
لو جاء الإسلاميون سوف أغادر البلاد.. منتهى السلبية.. عليك أن تفرض
إرادتك. من يتبنى هذا الحل الانسحابى، مسلمين وأقباطا، هم الذين يمهدون
لحكم الإخوان.. أكبر ضربة تنتظر التيار الإسلامى هى أن يحصل على الأغلبية
فى مصر مثلما حصل عليها فى تونس، سوف تنهال عليه الضربات من الداخل قبل
الخارج. المتشددون فى كل الاتجاهات دينية كانت أم فكرية عادة هم الأشد عنفا
والأعلى صوتا، هؤلاء لن يجدوا فى ما هو مطروح على الساحة على لسان تلك
القيادة ما يرضى طموحهم قبل اعتلاء سدة الحكم، وسوف يعتبرون أن أى موقف به
قدر من المرونة يحمل بداخله خيانة للمبدأ!!
لا أجادل كثيرا الآراء الدينية المتشددة التى نتابعها بين الحين
والآخر فى «الفيسبوك» وبرامج «التووك شو» مثل من يعلنون إلغاء الأقباط من
الحياة وفرض الجزية عليهم ومن يعتبرون المرأة عورة إذا غنت أو تكلمت أو
خرجت من بيتها، هؤلاء لا تناقش آراؤهم، إنهم الفخاخ المشتعلة التى تشكل
خطورة على أى تيار إسلامى يتطلع لحكم مصر.. ودائما ما تسبقنا تونس، وهكذا
انطلقت الشرارة الأولى من هناك أطاحوا بابن على، وبعدها أطحنا بمبارك،
وسبقونا فى الانتخابات النيابية وسوف يسبقوننا أيضا عندما نرى أن الضربات
الموجعة الموجهة لحزب النهضة تأتى ممن ينتمون إليه!!
فى مصر يتحدثون كثيرا بتوجس عن الشركات الإنتاجية الإسلامية، التى
بدأت فى الإعلان عن مشروعاتها وقواعدها الإسلامية رغم أن عددا من الأعمال
الفنية قدمت قبل سنوات، طبقا لتلك الشروط، ولم تسفر عن أى تواصل جماهيرى..
أتذكر فيلم «كامل الأوصاف» الذى فرض قواعد الحجاب الذى ارتدته بطلة الفيلم
«حلا شيحة»، كذلك مسرحية «الشفرة»، بالإضافة إلى ما عرف بمسلسلات المحجبات،
مثل سهير رمزى وسهير البابلى، ولم تسفر التجربة عن نجاح جماهيرى ينبئ مثلا
عن تيار فنى متزمت قادم.. لا أخشى من سيطرة محتملة من تيار إسلامى متشدد،
ولكنى أرى أن علينا أن لا ننسحب من الميدان.
المشهد كان رائعا ليلة الوقفة.. الجمهور يخرج من دار السينما ليردد
تكبيرات العيد، وأتصوره فى المساء قد عاود الذهاب إلى السينما مشاهدا أفلام
حلمى ومكى وخالد يوسف
رد أصالة
طارق الشناوي
November 6th, 2011
10:11 am
أستاذ طارق أنا «أصالة وحابة أوضحلك موقفى، وهو من البداية لغاية
يومنا هذا وإلى آخر يوم فى حياتى مع الثورة.. ما ذكرته فى المؤتمر (تقصد
المؤتمر الصحفى الذى أقامته بغرض الإعلان عن برنامجها الجديد صولا) كان
توضيحا لحقيقة شكك البعض بدوافعها، وهى أننى أُكن مشاعر كراهية لشخص الرئيس
بشار أو لمن حوله، رغم أن موقفى هذا كان بسبب الثورة الشريفة لأحبتى وأهلى
هناك.. وقد سبق أيضا وتناول -تقصد طعن- الإعلام فى وطنيتى وسمعتى وكرامتى
بسبب موقفى، وحللوا ذلك بأننى أتقاضى مقابل هذا من بعض دول فى الخليج..
المهم أننى لم أنج من تعليقات الصحافة، ولا من الذين يدعمون الثورة والثوار
أمثال حضرتك، لعدم الاكتراث بدقة المعلومة، أو لعدم الاهتمام بى أنا
بالذات، ولم أنج أيضا من الطرف المقابل الذى يرى فى إيذائى مجاملة للنظام
الذى يسعى بقلمه لمحو دماء شهدائنا والتمثيل بكرامات أهلنا وأحبتنا.. وحرصا
منى على عدم تشويه موقفى أؤكد لحضرتك ولكل من يهتم بالحقيقة أنى لم أتراجع
عن موقفى ولا لحظة، رغم أنى تعرضت للكثير من التهديدات التى قد تخيف البعض
ولست أنا من بينهم.. سأبقى ما حييت مع كل صاحب حق، والثوار على رأس أولويات
ضميرى وكرامتى، ولن يثنينى عن ذلك شىء ولا حتى مصالح عملى الذى تضرر كثيرا
بسبب ذلك.. وأختم كلامى بأنى أقسم بالله العظيم لو أن والدى وهو أغلى ما
عندى كان مع النظام فى أيام مثل هذه الأيام لما تغير موقفى فى شىء إلا زاد
عنه ألمى وخسارتى والدى.. النصر للثوار الذين لا يملكون إلا حلما مبعثرا،
لم يقدروا ليومنا هذا أن يفتحوا أعينهم خوفا من صدمة الواقع الجبان
الظالم.. أنا كما كنت دائما أنا مع الكرامة والحق لذلك أنا مع الثورة
والثوار».
انتهت الرسالة على الموبايل التى تلقيتها من أصالة، بعد مكالمتين
الأولى من زوجها الصديق المخرج طارق العريان، والثانية من أصالة.
وبالتأكيد من حق أصالة أن ترد على الالتباس الذى حدث بعد المؤتمر
الصحفى الذى أقامته قبل نحو أسبوع، للإعلان عن برنامجها القادم «صولا»،
الذى سوف يعرض على قناة «دبى» مع مطلع العام الجديد، والحقيقة أننى عندما
أعلق على رأى ذكره فنان فى مطبوعة أحرص على العودة إلى الفنان للتأكد مما
قاله، لأنى أخشى من عدم الدقة، ولكن ما دعانى إلى الكتابة مباشرة هو أن هذه
التصريحات المنسوبة إلى أصالة لم تأت فى سياق حوار ولكن كان مؤتمرا صحفيا،
وأن كل الزملاء الحاضرين مع اختلاف جرائدهم أجمعوا على ذلك.. كما أن أصالة
فى حوارى معها أكدت بالفعل أنها تراجعت عن طرح أغنية «الكرسى»، لأنها ترى
أن الأمر متجاوز الكرسى.. من حق أصالة بالطبع أن تختار الأغنية التى تقدمها
فى التوقيت الذى يحلو لها، ولكن لأن الأمر ارتبط بموقف سياسى به قدر كبير
من الغموض، بالإضافة إلى أن أغلب النجوم السوريين واقعون بالفعل تحت قبضة
النظام، فإن الموقف الذى يبدو عاديا لو أقدم عليه فنان فى ظرف عادى لن يمر
بنفس البساطة فى ظرف آخر.
أنا أرى على عكس أصالة أن قضية «الكرسى» محورية، وأن الأسد الصغير
يعلم جيدا أنه لو فقد الكرسى سوف يفقد كل شىء!
هل خفت حدة أصالة فى الهجوم على بشار، لأن الإعلام السورى التابع
للدولة كان يمشى على خطى أخيه فى الرضاعة الإعلام المصرى، وأقول «أخيه فى
الرضاعة» لأن الإرسال التليفزيونى عرفته مصر وسوريا فى نفس التوقيت 21
يوليو 1960 فى أثناء الوحدة، وكان الهدف هو حماية النظام، وظل الهدف إلى
يومنا هذا هو توفير تلك الحماية.. النظام السورى أشد عنفا وانغلاقا وبطشا،
خصوصا أن ولاء الجيش السورى أو الأغلبية منه هو ولاء لبشار.
الرسالة التليفونية التى بعثتها أصالة أجد فيها تأييدا مطلقا للثورة
والثوار، وفى نفس الوقت تجنيب أى هجوم مباشر على بشار.. لا أستطيع أن أقول
إن بشار ترضيه كلمات أصالة، ولا أستطيع فى نفس الوقت أن أقول إنها تؤيده..
هى مع الثورة، ولكنها تتركنا نحن نكمل الجملة، ونقول إنها بالضرورة تطالب
بإسقاط بشار، ولكنك لن تجد هذه الجملة فى ردها، أنا أكتبها على مسؤوليتى
الشخصية!
أصالة وكرسى بشار!!
طارق الشناوي
November 5th,
2011 10:00 am
لماذا تراجعت «أصالة» عن موقفها الرافض للأسد حيث صرحت مؤخرا أنها لا
تكره «بشار» ولهذا منعت تداول الأغنية التى سجلتها باسم «آه لو الكرسى
بيحكى»؟!
بعد أيام قليلة من هذا التصريح الذى أعلنته فى المؤتمر الصحفى للترويج
لبرنامجها «صولا» عادت فى أكثر من جريدة وتراجعت عن التراجع حيث قالت أنها
ستظل مؤيدة للثورة ولكنها لن تطرح الأغنية للناس وظلت على موقفها من «بشار»
لا تهاجمه ولا تبايعه.. فقط تحبه!!
من الممكن أن تلمح ضغوطا مورست على «أصالة» عندما أيدت الثورة فكانت
هى النجمة السورية الكبيرة التى قالت لا للطاغية.. لا أحد من صالحه أن يحكى
بالتفصيل عما جرى لا «أصالة» ولا الأجهزة التى هددت وتوعدت إلا أن ما يتبقى
فى الأذهان هو الموقف المتردد لأصالة التى قررت أن تقف فى المرحلة الرمادية
مؤيدة للثورة ولبشار.
هل لم تستطع أصالة مجابهة الغضب السوري؟ لم يكن الأمر قاصرا فقط على
الأجهزة عدد من الفنانين السوريون واللبنانيون هاجموا «أصالة» حيث أنه من
المعروف أن قبضة النظام تمتد إلى لبنان.. كانت أشرس المهاجمات ابنة بلدها
«رغدة» وجاءت كلماتها متجاوزة كل الحدود فى برنامج «طونى خليفة» الرمضانى
«الشعب يريد».. لم ترد «أصالة» مباشرة ولكنها سخرت وقتها من موقف الفنانين
المؤيدين لبشار واعتبرت أن ما نراه فى الإعلام السورى الرسمى مجرد تمثيليات
والنجوم يؤدون أدوارهم إما خوفا بطش السلطة أو طمعا فى مكاسبها؟!
الكل اتفق على تلك اللعبة المكشوفة وهى أن تقول نعم أنا مع الشارع
ومطالبه ولكن فى نفس الوقت مع الاستقرار الذى أصبح فى المفهوم السورى يساوى
بقاء «بشار» على الكرسى.. الوجه الآخر للانحياز لمطالب الشعب عند هؤلاء لا
يعنى سوى الخضوع لـ «بشار».. هل من الممكن أن تركب حصانين فى نفس الوقت؟
«بشار» قال أيضا إنه يقف مؤيدا ومباركا لمطالب شعبه وسوف يحققها مطلب مطلب
فقط هو يريد من الشعب أن يحافظ على هيبة الرئيس وكرسى الرئيس.. «أصالة»
أيضا تؤيد الثوار وتعلن عن حبها لبشار ولن تقترب من انتقاد الكرسى لا كلاما
أو غناء!!
هل تحب «أصالة» قاتل يسفك دماء مواطنيه؟ أقصى ما يمكن أن يسمح به
النظام السورى للفنان هو أن يعلن أنه يريد لسوريا الخير والاستقرار ويترحم
على الشهداء مع الأخذ فى الاعتبار أن الجيش والأمن والشبيحة التابعين
للنظام يتلقون بين الحين والآخر طعنات وضربات ولهم أيضا ضحايا يصفونهم
بالشهداء!!
أغلب الفنانون السوريون تم تدجينهم منذ تولى «الأسد» الكبير ومن بعده
الصغير.. تلك القوى الناعمة تحركها فى نهاية الأمر بوصلة مصالحهم.. النظام
السورى كثيرا ما تدخل لإنقاذ المنتجين من بوار مسلسلاتهم وحدث أكثر من مرة
أن صدرت أوامر رئاسية من النظام بشراء المسلسلات السورية التى لم يستطع
منتجوها تسويقها.. كما أن السيطرة الأمنية على أنفاس السوريين تجعل الفنان
مثل أى مواطن واقع تحت القهر يفكر ألف مرة قبل أن يعلن غضبه ضد النظام.
الكل يعلم أن «الأسد» استند فى حكمه إلى نظام طائفى أمنى ولهذا عندما
وقفت «أصالة» ضد «بشار» ولحنت أغنية «آه لو الكرسى بيحكي» كانت تنحاز للحق
وكعادة الأنظمة لها أسلحتها فى السيطرة فتم احتواء «أصالة».. لا أصدق أن
الفنانة التى وصفت فى بداية الثورة ما يجرى فى سوريا من محاولات لتبييض وجه
النظام بأنه مجرد تمثيليات يؤديها عدد من النجوم تقول الآن بصوت عال إنها
تحب «بشار».. لا أصدق أن من لحنت وغنت «آه لو الكرسى بيحكى» هى التى تقرر
الآن أن تمنع أغنيتها وتتبرأ منها رغم أنها لأول مرة فى حياتها تمارس
التلحين بعد إنفعالها بالكلمات ثم ترفع الآن شعار ممنوع الاقتراب من كرسى
الرئيس.. لا أصدق أن تتراجع «أصالة» عن كل مواقفها وأن تقدم كل هذه
التنازلات ثم بعد ذلك تتحدث عن الشعب والثورة وتعلن أنها لم ولن تتخلى عن
الثورة!!
فى المواقف المصيرية لا يجوز أن نمسك العصا من المنتصف ونصبغ آراءنا
باللون الرمادى.. أصالة تحدت فى بداية الثورة «الأسد» والآن صارت تخشى
زئيره وتُلمع له الكرسى؟!
الشوان أم الهوان؟!
طارق الشناوي
November 4th,
2011 10:21 am
رحل البطل المصرى أحمد الهوان، الشهير بجمعة الشوان، الرجل المثير
للجدل الذى قدم لمصر الكثير، وواجه من التجاهل والتعنت الكثير على مستوى
أجهزة الدولة.. لا تستطيع أن تحدد على وجه الدقة لماذا كان رأفت الهجان،
واسمه الحقيقى رفعت الجمال، يحظى بمساحة أكبر من التقدير على المستويين
الأدبى والجماهيرى. هل لأن مسلسله مثلا عرض بعد رحيله عن الحياة فلم يشعر
بنشوة النجومية؟!
أتصور أن المأزق الذى عاشه الهوان، بدأ فى اللحظة التى عرض فيها مسلسل
«دموع فى عيون وقحة» الذى يعرفه الناس باسم «جمعة الشوان»، كان الشوان هو
أول من هاجم المسلسل بعد أيام قليلة من عرضة، وذلك قبل أكثر من ربع القرن،
ولم تكن أجهزة الإعلام تستطيع أن تتحرك بحرية خارج إطار النظام، خصوصا أننا
نتحدث عن عصر ما قبل ثورة الفضائيات.. لقد كان الهوان ممنوعا حتى من إعلان
غضبه، وكانت أجهزة الدولة تتدخل وتحذف أى حوار له يتطرق بالنقد السلبى
للمسلسل.. كان المسلسل قد عرض فى بداية نجومية عادل إمام، واختلط الأمر على
الشوان، عندما اعتقد أن تلك النجومية هو الذى صنعها لعادل، الحقيقة أنه لعب
دورا فى تحقيقها، ولكنه ليس صانعها.. كان الهوان يرى عادل نجما، فأراد أن
يصبح نجما موازيا له. عادل نجم على الشاشة، وهو نجم فى الشارع، إلا أن
الدولة، لأسباب متعلقة ربما بتركيبة رجل المخابرات، لم تمكنه من تحقيق ذلك.
كان ينبغى لرجل الظل أن يواصل الحياة بعيدا عن الضوء.
عادل إمام كان يتجنب لقاءه. المرة الوحيدة التى أشار إليها «الهوان»
الأصل فى لقائه مع «الشوان» الصورة، هى تلك التى كانا موجودان فيها معا
بالصدفة فى إحدى الكافيتريات، وعندما قال الهوان للشوان: أنا جمعة الشوان،
أجابه عادل: أنت الهوان وأنا الشوان. تبدو ربما كلمة عابرة، ولكن الحقيقة
هى أن عادل أراد أن يقول له إنه ليست له علاقة بتلك الشخصية التى جسدها فى
المسلسل.
المعروف أنه فى فن كتابة المسلسلات التى تستند إلى وقائع لا تستطيع أن
تقول وأنت مطمئن إن هذا هو ما حدث بالضبط، لا شك أن هناك مسافة ما بين
الواقع والخيال، فى تلك المساحة نسج الكاتب الكبير صالح مرسى تفاصيل
المسلسل ورسم ملامح أخرى للشوان.
ما رأيناه على الشاشة الصغيرة ليس هو بالضبط حياة الشوان.. منذ عرض
المسلسل والهوان كان حريصا على أن لا يغيب عن الإعلام، وعاش لديه قناعة بأن
عادل إمام عليه أن يظل مدينا له بالشهرة التى حققها.. ولم ينس الشوان أبدا
أن يثأر لنفسه فى كل اللقاءات التى أتيحت أمامه، ويؤكد تجاهل عادل إمام له
رغم أنه -كما يعتقد- هو صانع شهرته!!
مرت السنوات والكل شاهد على الفضائيات الهوان، وهو يطلب العلاج على
حساب الدولة، وفى حلقة مؤثرة قدمتها دينا عبد الرحمن فى برنامجها «صباح
الخير يا مصر»، كانت التبرعات تنهال على البطل المصرى قبل أن يتدخل المجلس
الأعلى للقوات المسلحة ويأمر بعلاجه.
كان بطلا ولا شك، ولكنى اختلفت معه عندما أعلن فى الصحف أنه تزوج
عرفيا من سعاد حسنى، وهذه القصة المختلقة وجدت صدى لدى الناس لأن سعاد أيضا
جاء اسمها فى سياق آخر مرتبط بجهاز المخابرات.. كنت أرى وقلت ذلك وكتبته
أكثر من مرة أن الهوان أراد أن لا تغيب عنه الأضواء، فاختار الزواج من
سعاد، ولم يطالبه أحد بإظهار العقد العرفى، فلا يوجد عقد لديه، ولكن الأمر
حقق له فى النهاية ترديدا لاسم الهوان، وكذبه على بدرخان الذى كان زوجا
لسعاد فى تلك السنوات، ولا يمكن لأحد أن يتصور أن سعاد تجمع فى نفس الوقت
بين زوجين!!
جمعة الشوان كان هو نقطة الضعف التى أصابت أحمد الهوان عندما عبر الخط
الفاصل بينهما، فلم يكن يدرى فى لحظات هل هو الشوان أم الهوان.. رحم الله
البطل المصرى أحمد الهوان الذى لعب دورا فى تاريخ المخابرات العسكرية وقدم
روحه فداء للوطن، حتى لو كانت بداخله لحظات ضعف إنسانية، فمن منا الذى عاش
ومات دون تلك اللحظات؟!
التحرير المصرية في
04/11/2011 |