تجملت هند صبري بالسينما المصرية وتألقت تحت شمسها، وأصبحت ورقة رابحة
وعلامة مميزة على نجاح أي فيلم أو مسلسل تلفزيوني تشارك فيه، حتى نسي
الكثير من المصريين أنها فنانة تونسية، اكتشفتها قبل سنوات المخرجة إيناس
الدغيدي وقدمتها في فيلمها «مذكرات مراهقة». في هذا الحوار مع «الشرق
الأوسط» من القاهرة، فضفضت هند صبري بما يجيش بصدرها وتحدثت عن أحدث
أعمالها الذي اعتبرته نقلة فنية على حد قولها، كما تحدثت عن همومها الخاصة،
ورؤيتها للواقع الفني في تونس ومصر، بعد أن دشنتا ربيع الثورات العربية.
وفي ما يلي نص الحوار.
·
ماذا عن فيلم «أسماء» الذي تم
عرضه بنجاح في مهرجان أبوظبي؟
- الفيلم استغرق وقتا طويلا في كتابته، نحو 4 سنين، وقام بكتابته
المؤلف عمرو سلامة، وهو يتحدث عن فكرة تشغل كل العالم، وهي «مرض الإيدز»،
وهو يدور في إطار درامي اجتماعي حول قصة حب بين بطلة العمل «أسماء» وزوجها،
حيث تصاب بهذا المرض اللعين، ونرى من خلالها كيف يتعامل معها المجتمع
ونظراتهم إليها، وكيف تتصدى لذلك، والعمل لا يتناول فقط فكرة المرض، بل
نركز كفريق عمل على فكرة الخوف.
·
لماذا كل هذا الوقت في كتابة
سيناريو هذا الفيلم؟
- بصراحة، الموضوع صعب، فالتطرق إليه كان يحتاج إلى بحث كبير، وفكرة
الإيدز موضوع له حساسيته، خصوصا في العالم العربي، وعمرو سلامة قام بالكثير
من الجلسات مع مصابي مرض الإيدز، لكي يستقر على تجربة واقعية يتطرق إليها
العمل، وأن نبتعد عن الأفلام الوثائقية، لأننا أردنا أن نخرج العمل بشكل
درامي خارج عن تعريف المرض.
·
هل اعترضت على أي مشهد أو جزء في
السيناريو أثناء قراءته؟
- بالتأكيد ليس كل ما جاء في السيناريو وافقت عليه، ولكن في النهاية
تم تنفيذ ما أراده المخرج لأن لديه رؤية معينة للعمل ككل، وقد أقنعني بها،
وكان لدي وجهة نظر في بعض المشاهد وأقنعته بها، إضافة إلى أن عرض الفكرة
جاء عن طريق المؤلف عمرو سلامة بعد الشروع في كتابة سيناريو الفيلم بسنتين
تقريبا، وقد قمت بدراسة الموضوع معه بعد ذلك وتبادلنا الآراء حول الفيلم،
وسألته عن كل ما يتعرض له الفيلم وكل ما يدور في مخيلتي عن الفكرة، وهذا ما
جعلنا نتفق.
·
كيف وثقت في مؤلف لديه تجربة
سينمائية واحدة في التأليف مع أنك تختارين أعمالك بعناية؟
- بالعكس، المؤلف عنده مواهب كثيرة منها الكتابة، وأنا لا أحكم على
الإنسان من خلال عدة أعمال، فمن الممكن أن يقوم مؤلف بعمل واحد ويكون عنده
مؤشرات نجاح جيدة، وهذا ما حدث مع سلامة.
·
ما الحوار الذي دار بينك وبين
«أسماء» على الورق؟
- عقدت الكثير من جلسات العمل مع المؤلف عمرو سلامة الذي عاش كل
تفاصيل القصة، قلت له أنا غير مهتمة بالمرض بقدر اهتمامي بامرأة عربية
لديها أحاسيس ومشاعر قبل المرض، ثم أصيبت بالمرض، وأركز على نظرة المجتمع
إليها بعد إصابتها بالمرض، وعن مرض الخوف من مريض الإيدز في العالم العربي
بالكامل.
·
هل تقصدين أن «أسماء» أصبحت رمزا
للتناقض الذي نراه في مجتمعاتنا؟
- بالضبط.. فشخصية «أسماء» رمز للكثير من التناقض الذي يعيش فيه
البعض، فهي امرأة عارفة حقوقها ولا تستطيع أن تأخذها مع محاولتها المستمرة
في الدفاع عن مرضها، وهناك أيضا أشخاص لا يعانون من أي مرض ولهم أيضا حقوق
ولا يستطيعون أن يأخذوها ولا يدافعون عنها.
·
في «برومو» العمل الذي يتم عرضه
الآن على الإنترنت قلت جملة وهي: «كنت زمان بنام في النور وبخاف من الضلمة،
لكن دلوقتي مبعرفش أنا غير الضلمة، وبخاف من النور». ماذا تقصدين بهذه
الجملة؟
- هذه الجملة تعبر فعلا عن كل الخوف بداخلنا، الذي نخاف أن نواجهه ولا
نعرف كيف نخرجه للنور، والقلق من رد فعل المجتمع، وهذا ما يدور في الفيلم
بالتحديد ومن الممكن أن يجعلنا نموت.
·
مرض الإيدز منطقة محظورة لدى
المجتمعات العربية، ألا تخشين من رد فعل الجمهور البسيط؟
- بالتأكيد قلقة جدا، فهذا المرض ليس إنفلونزا أو أي مرض عادي،
والمشكلة أننا في الوطن العربي ليس لدينا خبرات سابقة في التعامل مع هذا
المرض ونعتبره وصمة عار كبيرة، لكني قررت أن أعمل الفيلم وأنصفهم بعيدا عن
الأحكام الأخلاقية أو السؤال التقليدي: «كيف جاء لهم المرض؟»، فهذه ليست
مشكلتي، أيا كانت طريقة نقل المرض فلا يجب أن يتم الحكم عليه، فمن منا ليس
بلا خطيئة؟ وليس معنى ذلك أن كل الإصابات بالمرض تتم بطريقة غير شرعية، لكن
يوجد طرق كثيرة للإصابة، منها نقل الدم داخل المستشفيات. يجب أن نبتعد عن
التفتيش في النيات، فهذا ليس دورنا، لا بد أن نحاول أن نقترب من الناس
المصابين بهذا المرض، فبالتأكيد سوف نبرز هذه الظاهرة ونتعرف عليها بشكل
أقوى، «مش خايفة» لأنني مؤمنة بهذه القضية جدا.
·
هل جلست مع مرضى مصابين بمرض
الإيدز؟
- بالتأكيد.. ويكفي أنهم قرروا أن يسقطوا القناع أمامي وأن يتحدثوا في
كل شيء، وكان من الممكن أن يرفضوا مقابلتي وأن لا يذكرون أسماءهم.. جلست مع
مرضى إيدز من كل الأعمار ومن كل الطبقات الاجتماعية المختلفة، ورأيت كيف
يتعامل بعضهم مع بعض، وكيف يتجمعون في مجموعات واحدة ولديهم أشياء خاصة
بهم، فرغم أنهم يعلمون أنهم سوف يموتون في أي وقت، فإنهم مع ذلك يعيشون
بشكل طبيعي ويحاولون أن يبنوا مستقبلا لهم في العتمة، كما هو واضح في
الفيلم، وإن المرض ليس هو الذي سوف يقتلهم، ولكن الخوف من المجتمع والجهل.
·
هل تقصدين بكلمة «الجهل» أننا
ليس لدينا توعية كافية كمجتمعات عربية بهذا المرض؟
- بالتأكيد.. هناك قلة وعي كبيرة، ونحن يجب أن نتخلص من الفزع من كلمة
«الإيدز»، يجب أن نراهم بطريقة مختلفة بعيدا عن هذا الفزع. وللأسف شارك
الإعلام في هذا الفزع، لأنهم كلما تناولوا هذا الموضوع تناقشوا بطريقة تدين
مرضى الإيدز، حتى الأطباء، حيث يتعامل أغلبهم مع المرضى بشكل سيئ جدا،
فهناك جهل عندهم، وهذا ليس له علاقة بالدراسة العلمية التي درسوها سبع
سنوات وإنما له علاقة بمفاهيم خاطئة عاشت بداخلهم منذ سنوات، ويتوارثونها
من جيل إلى جيل.
·
لماذا تم اختيار حالة «أسماء»
تحديدا؟
- اختيار موضوع الفيلم هو اختيار المؤلف عمرو سلامة، وشخصية أسماء هي
تجميع لحالات كثيرة ولكن أسماء كان عندها نصيب الأسد أن تأخذ أكبر قدر من
الأحداث، وللأسف أنا لم أقابلها لأنها توفيت قبل كتابة الفيلم، ولكن كما
كان يقال عنها إنها شخصية من طبقة اجتماعية متدنية وعانت كثيرا، وكان لديها
كاريزما عالية. ونحن قللنا من الدراما والحزن خوفا من أن لا يصدق الناس
القصة، واختيار عمرو للشخصية لأنها أثرت فيه كشخص طبيعي، خصوصا أننا قابلنا
أولادها، ورغم المعاملة السيئة التي كانوا يتعاملون بها معها، فإنهم يندمون
الآن على هذه المعاملة.
·
هل كان هناك صعوبة في إنتاج
الفيلم من قبل المنتجين؟
- طبعا التجربة لم تكن سهلة، وكل شركات الإنتاج كان خائفة من هذا
الموضوع، وأيضا البطلة فنانة، فالعرض لم يكن مغريا لأي منتج والموضوع فيه
مغامرة كبيرة من المنتج الذي يقوم بإنتاج مثل هذا العمل، فهي مجازفة من
وجهة نظرهم، لكن الحمد لله أن العمل ظهر للنور بمساعدة شركتي الإنتاج
القائمتين على العمل، وأوجه لهما رسالة شكر.
·
لكنّ المنتجين يعلمون أنك نجمة
شباك، وهذا يكفي لكي يتحمسوا لإنتاج هذا الفيلم مع فنانة مثلك.
- لا، المسألة ليست فكرة نجومية فقط، فالحمد لله النجومية موجودة
ولكني أرى أن السينما أصبحت ذكورية، وصعب للفنانات أن يأخذن فيلما كهذا،
وأرى أن الفنانات مظلومات في هذه الجزئية، وبصراحة ليس كل يوم سيعرض علي
فيلم مثل فيلم «أسماء»، فمعظم السيناريوهات تكتب للفنانين، والمرأة تأتي
كسنيدة للبطل، وهذا ما قمت به من قبل وأفخر بذلك في كثير من الأفلام مثل
«عمارة يعقوبيان» و«إبراهيم الأبيض»، ولكني كنت محظوظة لاختياري لأداء فيلم
«أسماء».
·
الفيلم تم عرضه في مهرجان
أبوظبي، ودائما الأفلام التي تعرض في المهرجان تصنف على أنها أفلام
مهرجانات، ولا تحقق رواجا جماهيريا.
- طبعا هناك مشكلة في أفلام المهرجانات، وأنا لا أؤيد هذه التسمية،
فهي أعمال من وجهة نظر المؤلف، وهي أفلام من نوع خاص لا تخاطب الجمهور بشكل
مباشر، فصناع العمل يتحدثون عن وجهات نظرهم دون النظر إلى ذوق الجمهور،
ويطلق عليها الأفلام النخبوية، ولكني أرى أنهم لا بد أن يتقبلوا العمل
التجاري والفني في نفس الوقت، فأنا لست ضد فيلم المهرجانات، كالتوليفة التي
حدثت في فيلم «عمارة يعقوبيان»، وكذلك فيلم «الجزيرة»، لم يتوقع أحد أن
يأتي بمثل هذه الإيرادات، فهو فيلم لم يكن تجاريا وفيه كثير من العنف وكان
قصة جديدة ومضمونا جديدا، ولكنه أعجب الناس، وأتمنى أن نتخلص من أن يصنف
فيلم المهرجان على أنه فيلم غير تجاري، ففيلم «أسماء» ليس به عناصر جذابة
كثيرة ولا أعلم إذا كان سوف يحقق نجاحا جماهيريا كبير أم لا، ولكني أتمنى
أن يدخل الجمهور الفيلم ويرى العمل من خلال الصدق الذي قمنا بعمله داخل
الفيلم.
·
فيلم «أسماء» هل من الممكن أن
يتشابه مع فيلم مثل «جنينة الأسماك» الذي حصد جوائز كثيرة ولكنه لم ينجح
جماهيريا؟
- لا، الفيلمان مختلفان، فيلم «جنينة الأسماك» حصل على إشادة بالغة من
النقاد، ولكنه عندما وصل إلى دور العرض لم يحقق الجماهيرية المطلوبة لأن
الناس لم تفهم الفيلم، واللوم هنا يرجع إلى المخرج يسري نصر الله صانع
الفيلم لأنه عمل فيلما من وجهة نظره، ولكني قبلت الفيلم لخصوصيته، وأرى
أننا لا نستطيع أن نحكم على ذوق الجمهور، ولكن لا بد أن نعمل فنا جيدا وليس
«بيزنس» وأن يكون له مقاييس فنية وتجارية معا.
·
هل ترين أن دور يسرية في فيلم
«أحلى الأوقات» يتشابه إلى حد ما مع شخصية أسماء من حيث الشكل الخارجي؟
- أرى أن يسرية وأسماء فيهما 80% من حيث الشكل الخارجي، أو الست
المصرية، أي من الشخصيات التي عندما تنزلين إلى الشارع تجدينها متداولة بين
الناس، غير شخصية ليلى في «لعبة الحب» وحورية في «إبراهيم الأبيض»، ولكن
الفرق بين الاثنتين أن يسرية في طبقة أعلى من أسماء التي هي من الطبقة
الكادحة.
·
لماذا أغلب أدوارك تدور في خط
الست المصرية الكادحة؟
- من الممكن أن يكون هذا قريبا من تفكيري، وأنه ليس صدفة وموجود في
اللاوعي عندي، فأنا بالفعل أحب هذه الأدوار وأحب تجسيد الطبقة المهمومة
والمشغولة دائما بتربية الأولاد، وكذلك الهموم اليومية تكون أرضا خصبة
للدراما، على عكس الشخصيات المرفهة، تتعب كثيرا عندما تخلق منها دراما،
ولكن الحزن والكبت هما من يخلق الدراما.
·
علق بعض النقاد على «أسماء» في
مهرجان دبي وقالوا إن هند صبري حملت العبء الأكبر في الفيلم.
- هذا شرف كبير جدا، أن تقال هذه الجملة عني، وبعضهم حدثني عبر الهاتف
وأشاد بي وقال إنها خطوة جيدة في تاريخي الفني ونقطة فاصلة في مشواري، وهذا
الكلام يجعلني أخاف من القادم والجديد الذي سوف أقدمه. وأنا أجسد شخصية
أسماء كنت أعلم أنه لن يأتي لي دور مثل ذلك، و«أسماء» جعلني أعيد حساباتي
في اختياراتي مرة أخرى.
·
لماذا أنت بعيدة عن السينما
التونسية، رغم أنك قمت بالكثير من الأعمال في تونس وكانت ناجحة؟
- أنا أعتقد أن الفنانين في تونس يخافون مني لأنهم رأوا أن اسمي كبر،
وهذا يتطلب ميزانية كبيرة لي وللفيلم الذي أقوم به، لكن أتمنى طبعا أن
أشتغل في أعمال تونسية في بلدي على الرغم من ركود السينما هناك وقلة دور
العرض وقاعات السينما، حيث لا يوجد أي اهتمام من النظام السابق بالفن،
فالجمهور نفسه ابتعد عن الأفلام التونسية لأنها لا تمثله ولا تتحدث عن
قضاياه، فكانت الأفلام التي تنفذ تأتي عن النخبة التي تملك المال، وكذلك
التوزيع الخارجي غير موجود في تونس، لكني متفائلة في الفترة القادمة أن
يكون هناك نهوض في السينما التونسية وأن نبني قاعات جديدة حتى نخرج من هذه
الأزمة ويكون هناك رواج في السينما التونسية.
·
لو عرض عليك عمل يتحدث عن
الثورات العربية هل تقبلين أم تخافين أن تحسبي على تيار بعينه؟
- أنا قمت بعمل فيلم عن الثورة في مصر اسمه «18 يوم» مع المخرجة مريم
أبو عوف، وعرض في مهرجان أبوظبي، والفكرة أعجبتني جدا لأنها تحمل كل
المعاني من فرح وخوف وحزن، ولكن فيلم عن الثورات بشكل خاص أتصور أن هذا ليس
وقته، لأننا لم نكوّن فكرة نهائية عن أي ثورة من خلال بدايتها ونهايتها.
·
نفيت شائعات اختيارك لتجسيد
شخصيتي سوزان مبارك وليلى الطرابلسي. لماذا؟ وأيهما تفضلين أن تجسديها؟
- الجرح ما زال مفتوحا والتاريخ لا يزال يكتب والناس ما زالت «تعبانة»،
وأرى أن هذه الأدوار مغرية جدا لأي ممثلة، ولكني لا أعلم فكرا معينا عن هذه
الشخصيات الآن، وإذا أردت أن أقوم بدور واحدة منهما فبالتأكيد ستكون ليلى
الطرابلسي لأن هناك شغفا عند التونسيين لمعرفتها وماذا كانت تفعل في البلاد
أثناء فترة حكم زوجها.
الشرق الاوسط في
11/11/2011
المخرج نبيل المالح: «عالشام عالشام» يجسد إرهاصات الثورة
السورية
قال لـ «الشرق الأوسط» : لدي فيلم عن الأجواء
التي تقود الشعوب إلى الثورات
أشرف شرف
شرف المحاولة لدى المخرج السوري نبيل المالح لا ينتهي، فمنذ سنوات
طويلة يواجه الإقصاء والمنع وحالة من الخناق إلا أن قلبه ينبض بالرفض. في
رأي المالح أن القمع متوارث في الأنظمة العربية منذ قديم الأزل، وكانت
السينما السورية واحدة من ضحايا قمع النظام السوري، لذا فهو يعتبر أن
السينما السورية «تصالحية»، لكونها تتحدث عن كل شيء إلا المواضيع التي
تستحق الحديث عنها.
في حواره مع «الشرق الأوسط» من القاهرة يتحدث المالح عن ثورات «الربيع
العربي»، وسقوط الأنظمة العربية، ويكشف عن أن لديه فيلما يتحدث عن
الإرهاصات والأجواء النفسية والفلسفية التي تقود الشعوب إلى الثورات.. وهذا
نص الحوار:
·
نبيل المالح الأديب والمخرج
السوري، كيف يصف المشهد السياسي العربي الآن؟
- من وجهه نظري فإن المشهد السياسي العربي في حالة مخاض عسير، لأن
الأمور لم تنته بعد بل في مرحلة البداية، كما أننا ننتظر ظهور ملامح لهذه
الثورات أو مقدمة للحوار الديمقراطي، وكذلك نوعية التوجه الذي ستسفر عنه
الثورات، هذا في رأيي ملخص بسيط للمشهد السياسي الحالي في الوطن العربي.
·
دائما تقول إن الأنظمة القمعية
لا تحتمل حرية الطائر، فهل ما زلت عند رأيك؟
- طبعا، لأن القمع متوارث في هذه الأنظمة منذ قديم الأزل، كما أنها لم
تكن تعرف أي طريقة أخرى سوى القمع.
·
لديك مشوار طويل من الكفاح، فهل
ما زلت تعاني من التضييق والخناق حول أفكارك؟
- هذا حقيقي، لذا أصررت على الرحيل من دمشق والإقامة في دبي كي يتسنى
لي أن أتنفس بعيدا عن هذا الخناق.
·
هاجمت النظام السوري في عز
عنفوانه، وتحدثت عن فساد مؤسسة السينما.. هل ترى أن هذا الفساد كان سببا في
تضييق الخناق حولك؟
- قلت من قبل إن المؤسسة العامة للسينما هي مجرد نموذج لما يجري في
مؤسسات أخرى، عندما يفضح أحد الفاسدين، فهذه حالة استثنائية. الجميع يعلم
أن سوريا تحوي كما هائلا من الفساد، وهو السبب الأساسي والمرجعي للحراك
الشعبي الحقيقي الذي يحدث اليوم، هناك أيضا نوع من الحماية للمفسدين، فلا
نجد أحدهم يعاقب أو يفصل. والسينما واحدة من الضحايا، لذا أعتبر السينما
السورية تصالحية لأنها تتحدث عن كل شيء إلا المواضيع التي تستحق الحديث
عنها، كما أن مديري مؤسسة السينما يتم تعيينهم من قبل أجهزة المخابرات ولم
يتغير في الأمور شيء، فمثلا المدير الحالي للسينما قال بعد تعيينه إنه جاء
من خلال ضابط مخابرات كبير، وكأن ذلك رسالة إنذار للجميع ولمن يحاول
مهاجمته، والغريب أنه كان يتحدث عن ذلك بفخر كبير.
·
وما الجديد حول فيلمك الممنوع من
العرض «عالشام عالشام»؟
- هذا الفيلم يعد واحدا من المعالم السينمائية في سوريا، وبعدما
انتهيت من تصويره تم منعه من العرض، وتم تشكيل لجنة كبيرة للبت فيه لكنها
رفضت عرضه. ومن يشاهد هذا الفيلم سيرى إرهاصات الثورة السورية فيه، فهو
فيلم بسيط يطرح وجهة نظر لماذا يهرب الشباب من الريف إلى المدينة، وأؤكد في
هذا الفيلم أن أسباب الهجرة اقتصادية، كما أنه يرصد الانتهاكات التي تم
ممارستها ضد سكان المناطق التي تعيش تحت خط الفقر.
·
بعد مقتل الرئيس الليبي معمر
القذافي، كيف تصف الربيع المقبل؟
- سقوط الأنظمة العربية أمر حتمي وثابت تاريخيا على مدار آلاف السنين،
ومن وجهة نظري فإنه لن يستطيع نظام ديكتاتوري الاستمرار وهو يمارس الظلم
اليومي لشعبه، فمن المؤكد سيأتي يوم ويلفظه ويرفضه، وللأسف أن معظم هذه
الأنظمة العربية جاءت من خلال انقلابات عسكرية، ولم تأت من خلال الشعوب،
لذا ليس لها شرعية. وسقوط القذافي نوع من سلسلة سقوط هذه الأنظمة
الاستبدادية، وموت الطاغية جزء من الحل، لكن المهم ماذا سيفعل الشعب فيما
بعد، فهذه الثورات هي من صنع الشارع العربي، وكي تصبح هذه الثورات ناضجة لا
بد من أن تتخطى حدودها للبحث عن مجتمع عربي واحد ومتكامل مدني وديمقراطي.
·
وسط هذا الغليان السوري الحالي،
كيف ترى مستقبل وطنك الآن؟
- أنا دائما متفائل، كما أن كلمة «لا» تعني أن المجتمع السوري متفاعل
وحي، وسيستطيع أن يحقق أغراضه.
·
تردد في بداية الأحداث السورية
أنه تم اعتقالك وتوجيه عدة تهم إليك، ما صحة ذلك؟
- هذا الكلام غير صحيح بالمرة، فأنا موجود منذ فترة في دبي، وحينما
انتشرت شائعة القبض علي لم أكن موجودا في دمشق، لكن المشكلة ليست في هذا
الخبر بل في أن بعض المثقفين الذين أبدوا آراء ضد النظام تم تخوينهم.
وأعتقد أنه من غير اللائق اتهام المثقفين بالخيانة لمجرد أنهم معارضون.
·
ألم تفكر في كتابة وإخراج فيلم
يرصد الحالات السياسية التي مرت على الوطن العربي مؤخرا؟
- في الحقيقة لدي فيلم يتحدث عن الإرهاصات والأجواء النفسية والفلسفية
التي تقود الشعوب إلى الثورات، لكن قبل الحديث عن هذه الثورات لا بد من
الحديث عن مجتمع عربي ديمقراطي يضع الوطن العربي على الخريطة التاريخية،
وهذا الكلام يحتاج إلى سنتين أو ثلاث وليس الآن.
·
في أحد أفلامك الذي يحمل اسم
«وليمة صيد»، طرحت فكرة أن الضحية سيحاكم الجلاد، هل كنت تتوقع أن تشاهد
ذلك المشهد في الوقت الحالي؟
- طبعا، ويجب أن يحاكم الجلاد محاكمة تاريخية وعادلة وحضارية لأننا
لسنا في مرحلة انتقامية بل في مرحلة يجب أن تكون هناك فاتورة حساب لجرائم
هذه الأنظمة المستبدة.
·
هل الحراك العربي كان مفاجأة لكل
مفكرينا ومثقفينا؟
- هذا حقيقي، لأنه كان هناك إحساس بأن هذه المنطقة من الخليج إلى
المحيط هي منطقة المستنقع الراكد، لكن ثبت العكس وأثبتت الشعوب العربية
بطولة استثنائية، وأن لديها قدرة على المثابرة والاجتهاد من أجل مزيد من
التضحيات. أنا دائما كنت أفخر لأنني عربي، لكن أنا أفخر الآن لأن الشعب
العربي خرج كي يقول كلمته، وأرجو من الله أن نرى مجتمعا مدنيا عربيا
ديمقراطيا ويضع المنطقة العربية على الخريطة من جديد، ليس على أنها منطقة
ركود بل على أنها منطقة تعيد بناء نفسها داخليا.
·
في بداية الثورات العربية هناك
مقولة ترددت أن مصر ليست تونس، ثم ليبيا ليست مصر، ثم سوريا ليست ليبيا، ما
تحليلك لهذه المقولات؟
- هناك نقطة مهمة جدا ألا وهي أن هذه الأنظمة متشابهة على الرغم من
اختلاف أدواتها، كما تتشابه في طرق مجابهتها للثورة، كما أن هذه الأنظمة
لديها القرابة الفكرية والإجرائية. كما أن ما يدفعه الشعب السوري الآن كان
من الممكن تلافيه في بدايات الأحداث من خلال حوار وطني، لكن الآن انفرط
العقد والشعب السوري تقدم على النخبة وأصبح يرفض الحوار لأنه لم تتوافر
لديه القناعة بأن النظام يرغب في الحوار حقا بل يرغب في الاستقرار.
·
صرحت مؤخرا بأن الحراك السوري
تأخر كثيرا، فلماذا؟
- أقصد تأخرت الأحداث، لأن المشهد السوري صار معقدا الآن، فمثلا حينما
سقط النظام في مصر أو تونس كانت هناك مناطق محددة مثل ميدان التحرير في
مصر، والحبيب بورقيبة في تونس لكن في سوريا الوضع مختلف، هذه نقطة، ثم
الجيش في مصر وتونس وقف على الحياد وهذه نقطة مضيئة في حياة هذه الشعوب،
لكن في سوريا الموقف مختلف، لأن هناك مناطق مختلفة وكذلك مصالح مختلفة،
والتنوع العرقي والطائفي والثقافي سبب آخر في تلك المأساة.
·
ظهر في مصر وسوريا تصنيف
للفنانين، مثل قوائم بيضاء وسوداء، وقوائم الشرف والعار، فهل أنت مع هذه
التصنيفات؟
- أنا ضد هذه التصنيفات، لأن أوائل الأشياء التي تحملها الثورات هي
الحرية والكرامة.
·
دائما ما يكون المثقفون والنخبة
هم من يتقدمون الصف في الثورات، لكن ما حدث كان العكس لأن الشارع هو الذي
تقدم هذه المرة، فلماذا من وجهة نظرك؟
- المثقفون والنخبة السياسية الموجودة في سوريا مثلا على مدى عقود
طويلة هم شرفاء ولا يوجد بينهم وبين النظام أي تواطؤ، لكن أفكارهم كانت
تواجه بالإقصاء أو بالسجن أو بالمنع، هذا الجانب يعطي المعارضة السورية
نوعا من الاحترام والتقدير، والشارع السوري كان أسبق في الاستمرار
والمثابرة، لكن الشارع لا يستطيع أن يستمر لأنه لا بد من وجود منظور سياسي
واضح خلال الفترة المقبلة، وهذا ما تحاول النخبة السياسية أن تصنعه، وإلا
فستحيد الثورة عن مكانها وأهدافها.
الشرق الاوسط في
11/11/2011 |