من أجمل واقرب الأفلام إلى قلوب المشاهدين في دورة مهرجان كان
السينمائي الـ64 فيلم "الهافر"
Le Havre للمخرج
الفنلندي الشهير أكي كوريسماكي
Kaurismaki..
هذا المخرج الذي يواصل تقديم الأفلام المثيرة للإعجاب، كونه يجمع بين
طابع سينما المؤلف، أي السينمائي الذي يملك رؤية خاصة للعالم وهي سينما
"نخبوية" عادة، وبين طابع الفيلم الشعبي، الذي يتميز ببساطته، بوضوح رؤيته،
بحميميته، وبموضوعه الإنساني القريب من القلوب.
هنا في هذا الفيلم الجديد، يخرج كوريسماكي عن حدود هلسنكي، عالمه
الأثير، ليقدم عملا من الإنتاج المشترك مع فرنسا، يصوره في الميناء الفرنسي
الشهير الذي يحمل الفيلم اسمه، ولكن دون أن يتنازل، أو يتقاعس عن تقديم
رؤيته الخاصة، مجسدا من خلالها عالمه الخاص الأثير إلى نفسه، عالم الشخصيات
الهامشية الوحيدة التي تشعر بغربتها في العالم، وحاجتها الى التعاضد
الانساني، قدرتها رغم ذلك على السخرية، وعلى التحلي بروح متفائلة.
هذا العالم الخاص هنا يتمحور بين الواقع والخيال، ما يحدث فعلا وما
يمكن أن يحدث، وما نتمنى أن يحدث، تعقيدات الواقع التي تتبدل تدريجيا مع
اكتشاف أن البشر في معظمهم أنقياء وأوفياء وعلى استعداد لتقديم ما ينتظر
منهم وقت الضرورة، كبشر يتضامنون معا بغض النظر عن حواجز الدين والجنس
والهوية القومية، وقسوة الواقع الذي يمكن ان يفقد فيه الانسان حياته لأي
سبب، أو يصبح ضحية للحواجز المفروضة بقسوة، والسجون الكبيرة التي تقام لكي
تحد من حرية البشر في الانتقال والعمل رغم كل ما يقال عكس ذلك.
سيناريو متقن
فيلم كوريسماكي يعتمد كعادته، على سيناريو متقن، يجسد أزمة الفرد في
المجتمع، ولكن عندما يكتشف أن تحققه يمكن ان يأتي من خلال توحده مع
الآخرين، وعلى أداء تمثيلي محكوم، وعلى أسلوب إخراج، صحيح أنه يعكس طريقة
صاحبه في التعبير، لكنه يبدو أيضا في هذا الفيلم تحديدا، متأثرا بأسلوب بعض
المخرجين الفرنسيين الذين يهيم هو بهم وباعمالهم من فترة الواقعية الشعرية
مثل مارسيل كارنيه على وجه الخصوص.
بطل الفيلم "ماكس"، رجل في خريف العمر، مهاجر فنلندي متجنس بالجنسية
الفرنسية يعيش مع زوجته المعتلة صحيا "أرليتي"، فهي مصابة بمرض خطير، لكنها
تخفي الأمر على زوجها وتتشبث بمعجزة الشفاء التي قد تأتي في نهاية الأمر..
من يدري!
وماكس فنان كان ذات يوم في الماضي، مرموقا ثم تدهور به الحال واضطر
الى العمل كماسح للأحذية على أرصفة ميناء الهافر وأمام مقاهيه.
يسوق القدر إليه ذات يوم طفلا افريقيا من المهاجرين غير الشرعيين
الذين تقبض عليهم السلطات وتضعهم في معسكر كبير للمهاجرين تمهيدا لترحيلهم.
هذا المعسكر المعروف الذي ذاع صيته عبر نشرات الأخبار خلال الفترة الأخيرة،
ويعرف باسم "الغابة" وتمت تصفيته بقسوة وفظاظة من قبل السلطات الفرنسية.
دور الكلبة
الطفل "إدريسا" يتمكن من الهرب من الشرطة، ويلجأ الى منزل ماكس الذي
يأويه ويمده بالرعاية ويخفيه عن عيون الشرطة، في غياب زوجته المريضة في
المستشفى، وبمعاونة كلبته الأليفة الذكية "لايكا"، وهي في الحقيقة الكلبة
التي يصفها بعض النقاد بـ"الكلبة الأكثر شهرة في السينما الأوروبية"، فهي
تظهر في معظم أفلام كوريسماكي وترتبط به.
لكن ضابط الشرطة المخضرم المفتش مونيه يشك في وجود الصبي في منزل
ماكس، ويحاول استدراجه للاعتراف. ولكن هذا الضابط القاسي الملامح، الجامد
من الخارج سنكتشف قرب النهاية أنه يخفي قلبا شديد الطيبة لا يقل في طيبته
عن جيران ماكس جميعا واصدقائه الذين يساعدونه بتوفير احتياجاته من المواد
الغذائية بمن فيهم البقال الجزائري الأصل المتزوج من فرنسية، وعامل القمامة
الصيني الأصل، وجارته الفرنسية الطيبة صاحبة المخبز التي تزوده بالخبز
يوميا.
يبدأ الجميع في جمع التبرعات من أجل دفع تكاليف تهريب الصبي "إدريسا"
على متن سفينة تعبر الى الساحل البريطاني لكي يلتحق الصبي بأمه التي سبقته
في التسلل الى بلاد الانجليز وتقيم في لندن.
وفي اللحظة التي توشك الخطة التي يشترك فيها الجميع على النجاح، يظهر
المفتش مونيه، ولكن لكي يحمي تهريب الصبي من مطاردة رجال شرطة الهجرة،
ويقدم يد المساعدة للآخرين.
مزيج من الواقعية والحلم، تسيطر على أجواء الفيلم بحيث أننا أحيانا
نتخيل اننا نشاهد فيلما من الأفلام الفرنسية في الأربعينيات تلك التي تميزت
بما يعرف بـ"الفيلم- نوار".. أي بأجواء الغموض، والسرية، والتوتر، والظلال
القاتمة، وفي أحيان أخرى، نشعر أننا نشاهد "كوميديا" من تلك التي تعتمد على
المفارقات المشهدية لا على المبالغة في الأداء أو المفارقات المصطنعة.
وبين الطابعين تتلون المشهدية، من الاضاءة الناعمة ذات الألوان
الواضحة: الأزرق والأحمر بوجه خاص، وينتقل التصوير من الداخل الى الخارج،
وبالعكس، دون أن يفقد التتابع حيويته وهدوئه مع المحافظة على إيقاع رصين لا
يخرج عن المسار باستثناء ربما في المشهد الذي يستعين فيه ماكس بمغني معتزل
لأغاني البوب من جيل الستينيات، ويقنعه باقامة حفل محلي لجمع لصالح تمويل
رحلة "إدريسا" إلى لندن.
عن الأداء
الأداء كالعادة في أفلام كوريسماكي، محسوب بدقة، والحوار قصير ومختصر
ولكنه يعبر عن كل شخصية بأقل الكلمات، كما يعبر حوار بطلنا "ماكس" عن
خلفيته المثقفة مع لمسة فلسفية أيضا، ولاشك أن "ماكس" الذي يحمل فلسفة
كوريسماكي نفسه، هو شخصية "مخترعة" أي سينمائية أساسا، وكذلك معظم الشخصيات
التي تأتي كما أشرت في السابق، متآلفة، إيجابية، تسعى للخير، رغم ما يكمن
في الواقع من قسوة شديدة نلمحها في المشهد الأول عندما يقتل أحد زبائن ماكس
في تصفيات بين عصابات الأشقياء فيما يبدو، وأيضا في المشهد شبه التسجيلي
الذي صوره كوريسماكي داخل معسكر ايواء اللاجئين المعروف بـ"الغابة"، أثناء
بحث البطل عن أحد يمكنه أن يرشده الى مكان والدة ادريسا.
وينهي كوريسماكي الفيلم بخروج زوجة ماكس تخرج من المستشفى بعد ان شفيت
من مرضها العضال فعلا، لكي تكون بمثابة المكافأة له على موقفه النبيل.
"الهافر" في النهاية، رغم عدم حصوله على جوائز في مهرجان كان بينما
كان كثيرون يتوقعون له "السعفة الذهبية" لا أقل، يمثل خطوة الى الأمام في
مسيرة مخرجه الطويلة، ونقلة تتجاوز كثيرا ما حققه في فيلمه السابق "أضواء
في الغسق" الذي عرض في مسابقة كان عام 2006.
جدير بالذكر أن كوريسماكي من مواليد 1957، وقد أخرج حتى الآن 28
فيلما، ما بين طويل وقصير وتسجيلي. وفيلمه السابق مباشرة هو فيلم تسجيلي
صوره في الشيشان ويحمل عنوان "برزخ"
Barzakh.
عين على السينما في
07/11/2011
"فى الوقت المحدد"..
فيلم تحريضى ضد الرأسمالية الجشعة!
محمود عبد الشكور
كان السؤال الذى ظل يلح على ذهنى طوال مشاهدتى الفيلم الأمريكى الجيد
والمثير"In Time"
هو:ماذا كان يمكن أن يحدث لمؤلف ومخرج الفيلم أندرو نيكول لو قدّم فيلمه
هذا فى فترة بداية الخمسينيات من القرن العشرين، وفى عزّ سطوة المكارثية؟
الإجابة بلا تردد: كان سيتم اتهاما صريحا بالشيوعية، وكان سيجلس فى
منزله جرّاء هذا الإتهام المبرّر تماماً فيما أظن.
فيلمنا الذى عُرض تجارياً فى الصالات المصرية تحت عنوان "فى الوقت
المحدد" لا يكتفى فقط باتهام الرأسمالية بالجشع والسرقة والنهب وكأنه
يتوازى مع حركة احتلال وول ستريت، ولكنه يدعو الى إعلان الحرب عليها.
يقول الفيلم المتقن، الذى يتنكّر خلف قالب سينما الخيال العلمى فيما
هو يقدم مضمونا سياسياً بامتياز، إن على "المنهوبين" أن يردّوا على السرقة
بسرقة مضادة، كما يؤكد على أن الثورة ضد الرأسمالية قادمة ومُبررة
أخلاقياً، وأن تقسيم الثروة سواء كانت مالاً أو وقتاً أمر حتمى، ولا مفر
منه على الإطلاق.
هذا فيلم يمكن مقارنته فى إدانته للرأسمالية وفى مغزاه السياسى بأفلام
مثل "بونى وكلايد" أو"إنهم يقتلون الجياد أليس كذلك"، بل إن هناك استدعاءً
مقصوداً لمغامرة بونى وكلايد فى السطو والسرقة فى مشاهد متعددة لثنائى
فيلمنا وهما الشاب"ميل" والفتاة "سيلفيا".
من مزايا فيلم "فى الوقت المحدد" أيضاً أنه عمل ممتع فنياً، مخرجه
يعرف النوع الذى يقدم فيه فكرته السياسية الأعمق، لدينا فكرة برّاقة جداً
على مستوى أفلام الخيال العلمى تصلح كجسر لنقل الأفكار الصعبة حول آليات
ووسائل توحّش النظام الرأسمالى ، ثم طرق مواجهته بالثورة، لا أقل من
الثورة.
شراء العمر
يتخيّل الفيلم أن الإنسان تم تعديل جيناته وراثياً بحيث ينتهى عمره فى
سن الخامسة والعشرين، فإذا رغب فى أن يعيش فوق هذا العمر المحدد، فإن عليه
أن يشترى وقتاً وعمراً إضافياً بالدقائق والساعات والأيام والشهور والسنوات
والقرون لو استطاع.
الصراع لن يكون من أجل الثروة ولكن من أجل الحياة نفسها، وتعمل هذه
الفكرة فى اتجاهين: الأول خيالى يعود بالإنسان الى عصر الصراع من أجل
البقاء، وكأننا فى غابة معاصرة، والثانى سياسى واقعى بالإسقاط على الصراع
بين الفقير والغنى فى مجتمع رأسمالى متوحش، وبدلا من الحرب من أجل المال،
فإن الصراع هنا حول الوقت أصل الثروة. ولا ننسى أبداً أن شعار أى رأسمالى
هو "الوقت يساوى المال".
بسبب هذه الفكرة، فإن الرأسمالية فى فيلمنا لن تكون فى موقف سرقة
الثروة المادية، ولكنها ستصبح حرفياً فى موقف سرقة أعمار الفقراء أنفسهم،
إنها لا تحصل من العمال والفقراء على "فائض القيمة" كما يشرح ماركس، ولكنها
تحتكر فائض الأعمار أيضاَ.
المساواة فى الحياة بين البشر (كل البشر) بحيث لا يتجاوزون سن الخامسة
والعشرين، تعود بنا الى حالة المساواة بين البشر قبل التفاوت فى الثروات،
هذا هو المعنى المقصود من البناء كله، والثروة هنا هى عمرنا الإضافى الذى
يحاول كل إنسان أن يحصل عليه بعد سن الخامسة والعشرين.
تلامس الأذرع
طريقة نقل الساعات والشهور والسنوات من شخص إلى آخر لا تزيد عن تلامس
الأذرع، وعلى كل ذراع ساعة العمر بالأرقام وكأننا أمام مؤشر العداد فى أى
محطة بنزين. فى أقل من أربعين ثانية من بداية الفيلم ، نسمع صوت بطلنا "ويل
سالاس" (جاستن تمبرلاك)، وهو تقريبا يلخّص فكرة الفيلم كله، ومع ذلك لا
تستطيع أن تترك مقعدك حتى المشهد الأخير.
السرّ فى ذلك سببه امتزاج الفكرة الخيالية بالمغزى السياسى، فسرعان ما
سنكتشف مثلاً أن المجتمع منقسم بصرامة الى "الناس اللى فوق" الذين يمتلكون
أعماراً فوق سن الخامسة والعشرين بسنوات بل وبقرون، و"الناس اللى تحت"
الذين يعيشون "يوماً بيوم" بالمعنى الحرفى لا المجازى، بمعنى أن عدّاد
العمر المرسوم على أذرعتهم يقترب من نهايته الصفرية، فيحاول كل فقير أن
يحصل على عمر يوم أو شهر أو سنة على قدر الخدمة التى يؤديها للشخص الذى
يحصل منه على الوقت الإضافى.
ينتقل المغزى الى مستوى سياسى أوضح عندما نعرف أن سكان الجانب الثرى
من المدينة حصلوا على أعمارهم الإضافية بسرقة الفقراء، سرقوا أوقاتهم
وصنعوا منها بنوكاً لإقراض الفقراء، تقريباً نحن أمام إعادة تحليل لآليات
الراسمالية ولكن من زاوية فكرة خيالية مبسطة ولكن عميقة وواعية.
على سبيل المثال: الفقير قد يموت من الجوع لأنه لا يجد مالاً لشراء
الطعام، ولكن والدة "ويل" ستموت لأن عمرها نفد، ولأن ابنها لم يستطع أن
يعود إليها بالعمر الإضافى الذى يجعلها قادرة على الإستمرار.
رسم ملامح العالم الفقير والعالم الغنى يتم بلمسات إنسانية نابضة،
الفقراء يتحوّلون الى لصوص يسرقون الوقت ليستمروا على قيد الحياة،
والأغنياء الذين لديهم فائض من الوقت يشعرون بالملل، ما الذى يجعلك تفعل
الأشياء فوراً إذا كان لديك فائض من العمر يمكن أن يجعلك تعيش ألف سنة؟
حراس الوقت
تكتمل منظومة التحليل بظهور "حرّاس الوقت" الذين يعملون فى خدمة الجزء
الغنى، دورهم أقرب الى دور "حرّاس الثروة" فى أى نظام رأسمالى، إنهم
يطاردون لصوص الوقت، ويمتلكون خرائط كاملة يراقبون من خلالها تركز ثروة
الوقت بحيث تظل دوماً مع الناس اللى فوق، واللافت أن حراس الوقت ينتمون
اقتصادياً للناس اللى تحت، ولا يحصلون إلا على الفُتات.
فى هذا الجو الخانق يولد الثائر"ويل". سنعرف فيما بعد أن والده الراحل
كان أيضاّ باحثاً عن العدل. الصدفة وحدها ستقود ويل للتعرف على رجل قادم من
عالم أثرياء الوقت، رجل يشعر بالملل لأن لديه وقتاً أطول مما يجب لكى يعيش،
إنه ملل التخمة من الثروة، يقرر أن يمنح عمره الإضافى للفتى ويل، وينتحر
الرجل رفضاً لحياة أصابته بالملل.
يدخل ويل عالم الناس اللى فوق، يتعرف على الرأسمالى الأكبر فيليب وايز
وابنته الجميلة سيلفيا، ولكنه يظل مهدداً طوال الوقت ومطارداً من حرّاس
الوقت مرة لاتهامه بسرقة الرجل الثرى الذى التقاه صدفة، ومرة لأخرى لاتهامه
باختطاف سيلفيا بينما هى التى أحبته وهربت معه.
يتحوّل موقف سيلفيا عاشقة المغامرة فى اتجاه الاقتناع بمنطق ويل الذى
يقول بصراحة إن سرقة الشئ المسروق ليس بسرقة، العبارة يمكن ترجمتها سياسياً
بأنها تحريض علنى على سرقة الرأسمالية التى لا تسرق الثروة فقط، ولكنها
تسرق الأعمار والأحلام، والتى ترفع شعاراً صريحاً يردده فيليب وايز هو:
"لكى يعيش قليل من الناس لابد أن يموت الكثيرون".
مع اقتناع سيلفيا وحبها لصديقها ويل، يقترب الفيلم متعمداً من مشاهد
الثنائى الأشهر بونى وكلايد سواء فى السطو على البنوك أو فى مطاردتهما
المستمرة، الفارق فى أن ويل وسيلفيا سيسطوان على مخزون فيليب وايز من
السنوات الإضافية، ألف عام كاملة كان يحتفظ بها الرأسمالى العتيد فى
خزانته، يعيدونها من جديد الى الفقراء الذين يموتون فوراً بعد سن الخامسة
والعشرين.
ورغم شراسة المطاردة، ينتهى الفيلم بالنسخة العصرية من بونى وكلايد
وهما يتجهان الى بنك آخر يختزن فيه الرأسماليون مخزونا من ثروة الوقت
والعمر لا يحتاجون إليه.
التمرد الفردي
لن يثور حى الفقراء بأكمله على حى الأغنياء، سيظل التمرد فردياً على
طريقة بونى وكلايد اللذين كانا الثمرة المُرّة للأزمة الإقتصادية فى
الثلاثينات من القرن العشرين فى حين نستطيع اعتبار ويل وسيلفيا من أصداء
أزمة أوائل القرن العشرين بعد انهيار البنوك الأمريكية.
مع ذلك يظل معنى الفيلم تحريضياً تماما لأنه يطالب بانتزاع الحقوق لا
انتظارها، ولأنه يحلّل بوضوح صعود الرأسمالية باعتباره درجة من درجات
السرقة، وهو تحليل مأخوذ رأساً من الماركسية.
ولكن قيمة فيلمنا الكبرى أنه يقول كل هذه الرسائل بطريقة فنية ممتعة،
هناك أولا هذا المزج سالف الذكر بين الفكرة الخيالية ومغزاها السياسى
الواقعى، وهناك ذلك التحدى الطريف بأن يكون كل أبطال الفيلم شباباً من حيث
المظهر (سن الخامسة والعشرين) حتى لو حصلوا على عمر إضافى، ولذلك تظهر
والدة ويل وكأنها شابة فى مثل سن ابنها على أن تنقل للمشاهد إحساس الأمومة
بالأداء فقط، وينطبق ذلك أيضاً على والد سيلفيا.
وهناك ثالثاً إدارة الصراع بشكل جيد وفى مستويات متعددة سواء صراع
الفقراء ضد الموت بالحصول على عمر إضافى، أو صراع ويل ضد حرّاس الوقت،
أوصراعه هو وسيلفيا ضد عالم الأثرياء.
خيال خصب
هناك دوماً ذلك الخيال الخصب الذى يجعل الإنسان يدفع ثمن كل خدمة
خصماً من عمره (المعنى واضح بالطبع)، تخيّل مثلاً أن تركن سيارتك مقابل أن
تدفع لصاحب الجراج شهراً يأخذه هو من عمرك. الفيلم حافل بمشاهد المقايضة
الطريفة التى تعطى دلالة أقوى بكثير من المال عن امتصاص الأغنياء لأعمار
الفقراء.
ظل إيقاع الفيلم مشدوداً دائماً، واستخدمت المطاردات بشكل جيد لتحقيق
المزيد من الإثارة، كانت الصورة حاضرة بقوة فى التعبير عن الثراء أو الفقر،
وجاءت المحصّلة مرضية تماماً أخذاً فى الإعتبار صعوبة الفكرة الخيالية أو
جفافها على المستوى السياسى.
وربما كان أهمّ ما فى الحكاية كلها أن السينما الأمريكية مازالت قادرة
على تقديم فيلم ممتع لا ينتقد الرأسمالية فقط ولكنه يحرّض ضد مسلكها الجشع
وبصورة لا تقل قوة عن أى فيلم كان يمكن أن يخرج من العالم الشيوعى (البائد)
فى سنوات الحرب الباردة.
عين على السينما في
07/11/2011
المخرج أحمد حسونة بين الروائي والتسجيلي
مربع داير: فيلم المشهد الواحد
بقلم: ممدوح شلبى
يدوم فيلم مربع داير نحو 12 دقيقة، ويتم تصويره بأكمله داخل شقة
سكنية، حيث يتعامل المخرج احمد حسونة مع هذه البيئة المغلقة بمهارة وخبرة
اكتسبها عبر مشواره السينمائى فى اخراج وكتابة الافلام منذ عام 1997 عندما
قدم فيلمين أحدهما بعنوان "جريتا" ومدته 4 دقائق، عن جريتا جاربو، اشهر
ممثلة سينما على مستوى العالم، تللك التى فتنت جيلها بسحرها الاسطورى، وقد
استخدم احمد حسونة لقطات ارشيفية من أفلامها وصورها.
وقدم ايضا فى نفس العام فيلم "حكاية الحب والكراهية" اثناء دراسته
للسينما فى نيويورك، وقد استعان فى هذا الفيلم بممثلين امريكيين ومديرة
تصوير فذة، استطاعوا جميعا ان ينقلوا رؤية المخرج التى بدت سريالية (ربما
مثل الفيلم السريالى كلب اندلسى).
لكن فيلم "مربع دائر" يختلف شكلا وموضوعا عن مقدمات هذا المخرج الذى
يتنقل بين مدارس الاخراج فى كل فيلم يقوم باخراجه سواء كان فيلمه تسجيليا
او روائيا.
فيلم "مربع دائر" ينتمى لنوعية فيلم المشهد الواحد، حيث يتم تصوير
الفيلم كله فى مكان واحد وزمان متصل واحد، تماما كما لو كان احمد حسونة
يتقيد بوحدات ارسطو الثلاث عن المسرحية الانموذج فى عصره وتعليقا على
ابداعات ايسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس.
لكن الوحدة المكانية والزمانية عند احمد حسونة تأتى فى اطار سعى هذا
المخرج نحو استكشاف عوالم الفيلم السينمائى وبيئاته المختلفة وطبيعة كل
عالم وافضل طريقة لايجاد الحل السينمائى لهذ البيئات.
فى هذه البيئة الواحدة والزمان الواحد، نجد ان المخرج يستخدم اللقطات
المتوسطة منذ بداية الفيلم، وهذه ليست فقط حرفية اسلوبية ولكنها ضرورة
تفرضها حقيقة ان الكاميرا لا تستطيع ان تكشف المكان فى حدود اللقطة العامة
لصعوبة ذلك عمليا وخاصة فى الاماكن الضيقة مثل المطبخ والحمام، لكننا لا
نشعر ابدا بغياب هذه اللقطة العامة، لأن الهدف منها هو تأسيس المكان وهو ما
يقوم به احمد حسونة ضمن تتابع اللقطات المتوسطة وقطعات المونتاج حيث نتعرف
على اجزاء هذه الشقة تدريجيا الى نعرفها تماما.
ان اكبر لفطة فى هذا الفيلم هى اللقطة الكاملة التى تكشف الشخص من
رأسه الى اقدامه، والفيلم يحتوى على القليل جدا من هذه اللقطات الكاملة
التى تظهر احيانا نتيجة لامتداد باب مفتوح لاحد الغرف او فى الحمام او فى
الصالة او فى البلكونة ، لكن هذه اللقطات الكاملة ايضا تحمل احساس التقيد
والاقتراب من الاشخاص تماما مثلما يتحقق ذلك فى اللقطات المتوسطة باحجامها
المختلفة .
فى فيلم "مربع داير" نجد أن أحمد حسونة يستخدم المفاجأة الدرامية
ويبنى عليها فيلمه بصورة تبدو مُصطنعة أو متكلفة، ولولا أننا نعرف تجاربه
السينمائية السابقة مثل فيلمه السريالى الأول، لظننا أننا أمام احد عشاق
الفيلم الميلودرامى، لكنه لا يقدم هذه المفاجآت الدرامية فى موضوع
ميلودرامى، فنحن لا نتعاطف مع شخوص فيلمه، ولكننا نراقبهم عن قرب - ليس
توحدا معهم - ولكن لان المخرج ربما اراد ان يضعنا قريبا جدا من هذه الشخوص
المريضة.
المُفاجأة الاولى عندما نكتشف ان الشقيقتين تآمرتا على قتل زوج
الشقيقة الكبرى الذى يُحضر نفسه للسفر الى الولايات المتحدة الامريكية بعد
ساعات قليلة بصحبه زوجته التى تبدو عاشقة له، وهى وليست على علم بدونية هذا
الزوج الذى يتحرش جنسيا باختها.
والمُفاجأة الثانية عندما نكتشف ان هذه الزوجة رتبت هذا الموضوع مع
عشيقها الذى يأتى الى الشقة بعد عملية القتل لكى يُرتب طريقة التخلص من
الجثة ، ويبدأ على الفور فى استخدام السكين لتشويه وجه الزوج المقتول بهدف
اخفاء ملامحه للاحتيال على اجراءات التحقيق البوليسى لاحقا.
والمُفاجأة الثالثة عندما يقوم هذا العشيق بقتل هذه الزوجة بعد
مَضاجعتها ، ثم يحاول ارضاء مشاعر الغيرة عند الشقيقة الصغرى .
والمُفاجأة الرابعة عندما نكتشف ان الشقيقة الصغرى هى حبيبة هذا
المجرم وانها هى التى اتفقت معه على ترتيب كل شى لكى يفوزا بالثروة
ويسافران الى الخارج .
والمُفاجأة الخامسة عندما نكتشف ان هذه الفتاه هى المدُبرة الكبيرة
لهذه الجريمة الكبرى التى راح ضحيتها اختها وزوجها ، ثم تقوم هذا الشخصية
باغلاق باب الشقة على العشيق ، فينتهى الفيلم على رد فعله لهذ التصرف الذى
معناه تورطه فى القتل وادانته بالجريمتين .
ولعلنا نتأمل ايضا فى دلالة هذه الدراما المكثفة التى تبدو انها ذروة
فيلم روائى طويل استطاع المخرج ان يختصره فى 12 دقيقة فقط ، وان نتأمل فى
الفلسفة العدمية لشخوص فيلمه الثلاثة ، فثلاثتهم مجرمون ومُدانون فى عالم
يعيشونه ، ذلك الذى اجتاحته الرأسمالية الاحتكارية وضيقت الخناق على البشر
حتى تحولوا الى قتلة ومجرمون لكى يستطيعوا العيش فى هذا العالم المجرم.
نحن نفهم الفيلم جيدا لاننا ابناء هذا العصر وعشنا قبل ثورة 25 يناير
ازمة اختناق انسانى حيث كانت الصحف ووسائل الاعلام تنقل لنا جرائم قتل
اسرية وانتحارات بسبب الازمات المالية، فالفيلم يُدين هذا العصر الاحتكارى
ويُعريه لنا برؤية نقدية من المخرج احمد حسونة الذى كتب السيناريو بنفسه
مثل كل اعماله.
نحن لا نفتأت على هذا المخرج ولا نُلقى تهمه التصنع على فيلمه "مربع
دائر"، فظل أفلامه الأخرى ماثل أمامنا مثل رائعته التسجيلية "عروس من
النوبة".
فيلم عروس من النوبة
ينفذ احمد حسونة فيلمه "عروس من النوبة" البهيج ضمن صيغة الفيلم
التسجيلى المعاصر، حيث تتداخل عناصر من الفيلم الروائى - متمثلا فى راوية
الفيلم - مع باقى عناصر الفيلم التسجيلى، فتللك هى العروس النوبية نجلاء
التى يتكرس الفيلم لرصد احتفالية الزواج النوبية من خلالها ومن خلال طقوس
زواجها على عريسها اشرف.
فقد تكونت علاقتهما من المرحلة الاعدادية عندما شاهدا بعضهما لأول مرة
اثناء لقاءهما العابر فى المعدية، ثم بدأت تفاصيل العلاقة تتضح عندما أوفد
اشرف اخته الى بيت نجلاء لتجس النبض، بعد ذلك جاءت والدة اشرف لطلب يد
نجلاء من اسرتها فوافقت نجلاء.
ان المخرج يلتقط لحظات خاصة حميمية تم تصويرها داخل غرف داخلية على
اضاءة مناسبة، حيث تقترب الكاميرا من الوجوه النوبية الطيبة وكأننا جزء من
الاسرة، فلا حاجز بيننا وبين شخوص فيلمه ، فثمة رقصات للنسوة تتصدرهم نجلاء
ومغنية تشدو وتردد وراءها البنات.
سنجد ايضا لقطات تفصيلية لعملية الحناء، فالكاميرا تكشف لنا تفاصيل
هذه العملية فى لقطات قريبة، بينما نستمع الى صوت نجلاء تشرح تفاصيل هذه
العملية وتقاليدها بينما هى نفسها موضوع هذه العملية فثمة فتاه ترسم على
قدمي نجلاء ويديها رسومات الحناء المخلوطة بالصبغة، ثم نرى استكمال العملية
بتعريض هذه الرسومات الى الدخان لكى تتثبت الحناء على الجلد.
فيلم "عروس من النوبة" لا ينسى أن يقدم البيئة الخارجية ضمن اصطحاب
الكاميرا لنجلاء سواء عند المعدية حيث يظهر خلفها نهر النيل ، او داخل
مكروباص مع بنات القرية تنشدن لها اغانى الفرح التراثية كما يحتوى الفيلم
على لقطات لشوارع القرية، اثناء مرور العروس على البيوت تدعو ناسها لحضور
زفافها، لكن هذه اللقطات الخارجية لا تأتى ضمن سياق مستقل مفصول، ولكن ضمن
بنية فيلمية متوازنة، فثمة ترابط وتداخل بين اللقطات الداخلية واللقطات
الخارجية، وهذا ملمح هام من فيلم عروس من النوبة، فاختيار صيغة الراوى الذى
تقدمه نجلاء بنفسها، وفر على المخرج صعوبات جمه كان سيضطر الى معالجنها
بصعوبة اذا لم يختر صيغة الراوى لتنفيذ فيلمه، لان صوت نجلاء او حديثها
المباشر لنا حقق للفيلم ذلك الترابط، ولم نفقد منطقية التابع رغم التداخل
المكانى بين الخارجى والداخلى.
ان عفوية احمد حسونة فى فيلم "عروس من النوبة"، لم تأت مصادفة او
كضربة حظ، فالفيلم يحتوى على مشاهد تُسجل جموع المهنئين سواء فى الزفة او
الفرح، فالحضور المكثف لهولاء الناس وتصوير طقسهم بلقطات من زوايا مختلفة،
ليس سهلا على الاطلاق، فهؤلاء الناس ليسوا كومبارسا تم استئجارهم لتصوير
هذه اللقطات ولكنهم اناس حقيقيون، لم نلحظ ابدا انهم دارون بالكاميرا التى
تكون قريبة جدا منهم فى بعض اللحظات.
ولا يحتوى الفيلم على موسيقى دخيلة ولكنه يوظف الاغانى النوبية
التراثية فى تسجيل مباشر من افواة المغنيين وترديدات المصاحبين كما يُسجل
الفيلم رقصات تراث نوبى يتعلق بالزواج.
لم ينس احمد حسونة أن يقدم شكره الى القرية النوبية التى صور فيها
فيلمهفلولا التعاون التام من اهالى قرية جزيرة الدهب فى اسوان لم يكن ليظهر
هذا الفيلم بهذا القدر من الجودة والجمال .
ويمكن مشاهد الفيلمين فى قناة احمد حسونة على موقع فيميو وهى تحتوى
على معظم اعماله وهو يقوم بتحديثها دوريا
http://vimeo.com/user5311039
عين على السينما في
08/11/2011
سيرجى أيزنشتاين: أسلوبه ومنهجه وأفلامه
الفصل الأول من فيلم "الإضراب"
اعداد: ممدوح شلبى
اسمه بالكامل سيرجى ميخايلوفيتش ايزنشتاين، وُلد فى 23 يناير عام 1898
فى مدينة ريجا– لاتفيا، وأصبح واحدا من اشهر صناع السينما فى النصف الاول
من القرن العشرين.
ينتمى نسبه من ناحية جديه الى اصول يهودية، وكان والده يعمل فى بناء
السفن حتى عام 1910، وهى السنة التى انتقلت فيها العائلة الى سانت بطرسبورج،
حيث كان لتدربه على فن العمارة والهندسة اثره الكبير فى عمله السينمائى
لاحقا.
تأثر ايزنشتاين بمفاهيم عصر النهضة عن المساحة والحيز، كما درس اعمال
ليوناردو دافنشى وتأثر بكتابة فرويد عن دافنشى.
وقد حاول أن يسد الفجوة فيما احسه من تشوه للمساحة والحيز الناتج عن
التكنولوجيا عبر سعيه الى تحقيق ذلك فى اخراجه للافلام.
حاول ان يفهم كيف أن الأحاسيس فى عصر الآلة يمكن ان تندمج مع اسلوب
عصر النهضة العظيم وكيف ان انسانية الماركسى يمكن ان يكون لها جذور فى روح
فن القرن السادس عشر فى ايطاليا، ذلك الفن الذى سُمى الكواتروسنتو.
تم تجنيده فى الجيش الاحمر، وتعاون فى تنظيم وبناء النظام الدفاعى،
وفى هذا العمل بدأ مشواره الفنى كسينمائى عبر انتاج افلام ترويحية للجنود،
ثم قرر ان الحياة العسكرية لا تناسبه.
وفى عام 1920 دخل مسرح البرولتكولت (مسرح العمال السوفيتى) فى موسكو
وعمل مهندسا مساعدا للديكور، وسرعان ما اصبح مخرجا ولكنه فى جميع اعماله لم
ينس ابدا مهامه السياسية وحتى عندما اصبح مخرجا سينمائيا مشهودا له فى
النظام الشيوعى.
المونتاج الذهنى او الدعائى
كان فيلم"اضراب"الثورى هو اول افلامه وقد تم انتاجه فى عام 1924 وتبعه
بنشر مقالته الاولى فى نظريات المونتاج فى مجلة (ليف) التى كان يرأس
تحريرها الشاعر العظيم ماياكوفسكى.
اسسأيزنشتايناسلوب مونتاج جديد، ذلك المعروف باسم المونتاج الذهنى او
الدعائى او التحريضى، وهو الاسلوب الذى يقول بضرورة الاختيار القصدى للقطات
بمعزل عن سياق الحدث، ضمن خلق كل ما من شأنه احداث التأثير النفسى فى ابلغ
صوره.
وعلى ضوء ذلك، فان المخرج السينمائى يجب ان يهدف الى تشكيل وعى
المشاهدين عبر العناصر التى تقودهم الى الفكرة التى يريد المخرج ان يوصلها
لهم، ويجب على المخرج ان يعمل لوضع الجمهور فى الحالة الروحية والموقف
النفسى وهذا ما يمنح الحياة لتلك الافكار، كما ان ايزنشتاين كان يرى ان
السينما نشاط مركب يجمع بين الفن والعلم.
هذه المبادئ هى التى استرشد بها ايزنشتاين طوال مشواره السينمائى، كما
كان لها تأثيرها على مخرجى السينما منذ ذلك الوقت وحتى الآن، نظرا
لاختلافها الجذرى عن الاسلوب الامريكى فى السينما والذى يعتمد على المونتاج
السردى.
أفلام ايزنشتاين
فى فيلم "اضراب" الذى يعيد تجسيد عملية القمع التى مارسها جنود مدينة
سار على المضربين، مزج ايزنشتاين بين لقطات للعمال يتساقطون تحت نيران
المدافع وبين لقطات لذبح الخراف فى المذبح، ونتج عن ذلك تأثير مُذهل رغم
تشويه الحقيقة الموضوعية.
وفى عام 1925 ومن اجل احياء ذكرى ثورة 1905 أشاد الحزب الشيوعى بفيلم
بوتمكن والمعروف ايضا باسم "المدرعة بوتمكن"، وقد تم تصوير هذا الفيلم فى
ميناء اوديسا على البحر الاسود، واختير الفيلم فى عام 1957 من خلال تصويت
نقاد السينما من جميع انحاء العالم باعتباره احسن فيلم فى تاريخ السينما.
والفيلم التالى لايزنشتاين كان فيلم "اكتوبر" الذى يدوم ساعتين وهو
معروف ايضا باسم آخر هو "الايام العشرة التى صدمت العالم" وهو يتعاطى مع
التحولات الثورية بين شهرى فبراير واكتوبر من عمر الثورة، حيث يظهر لينين
ويظهر الصراع بين البلاشفة وبين اعدائهم.
الفيلم الملحمي
وبعد عدة افلام مثيرة للجدل مثل فيلم "القديم والجديد" و"الخط
الرئيسى" و"المعنوية الشاعرية" و"رعد فوق المكسيك"، استطاع ايزنشتاين عمل
الفيلم الملحمى عن العصور الوسطى والذى اسمه "الكسندر نيفسكى"، متزامنا مع
سياسة ستالين فى تمجيد ابطال روسيا.
أنتج هذا الفيلم عام 1938 وهو يُظهر الروح الجماعية، ويستعين فيه
بموسيقى بروكوفيف، ذلك الموسيقار الروسى الشهير حيث يمزج بين الصورة
والموسيقى فى وحدة ايقاعية مترابطة.
وظل ايزنشتاين يسعى لنشر مهنة الاخراج السينمائى، كما استفاد من
اهتمامه المبكر بمسرح الكابوكى اليابانى ودراما (النوه) واسلوبهم فى
استخدام الاقنعة، حيث ظهر هذا فى فيلمه "ايفان الرهيب".
واثناء الحرب العالمية الثانية ، بدأ ايزنشتاين يعمل فى فيلمه الملحمى
الذى يدور عن ايفان السادس فى مدينة سار، وهو عن تللك الشخصية التى كانت
محل اعجاب ستالين، وقبل ان ينتهى من الجزء الثالث من هذا الفيلم وافته
المنية، بعد ايام قليلة من عيد ميلاده الخمسين، كان ذلك فى 11 فبراير من
عام 1948.
ان دوره كسياسى ربما كان محدودا، لكن انجازه فى نظرية السينما
والمونتاج لا يمكن ان يُنسى.
المدرعة بوتمكن
يتناول الفيلم حادثة تمرد بحارة المدرعة بوتمكن على ضباط المدرعة
والتى حدثت فى عام 1905، وكما اشرت من قبل فان هذا الفيلم تم اختياره افضل
فيلم فى تاريخ السينما العالمية طبقا لاقتراع نقاد العالم فى عام 1957 ،
وهو يُعتبر أيضا من اكثر الافلام الدعائية تأثيرا فى تاريخ السينما فى
العالم.
وينقسم هذا الفيلم الصامت الذى يستخدم العناوين، الى خمسة اقسام كل
قسم يحمل عنوانا هي:
1- الرجال والدود. حيث يحتج البحارة على اللحم الفاسد الذى يكشف عنه
طبيب المدرعة ويقٌول انه صالح للاكل.
2- دراما على سطح السفينة، وفيه يتمرد البحارة حيث يتم قتل
فاكولينشوك.
3- رجل ميت ينادى بالعدالة، وفيه نرى اهل مدينة اوديسا يشيعون جثمان
فاكولينشوف.
4- سلالم الأوديسا، اشهر مشهد فى تاريخ السينما ويتم الاشارة اليه
دائما فى ادبيات المونتاج السينمائى لتوضيح نظرية المونتاج الذهنى او
التحريضى، وفيه نرى المذبحة التى تعرض لها اهل مدينة اوديسا وهى من خيال
ايزنشتين.
5- لقاء مع الاسطول، وفيه يتم انهاء مهام المدرعة بدلا من تخفيض
مهامها، فيُهلل البحارة.
كتب ايزنشتاين هذا الفيلم ضمن نوعية السينما الدعائية الثورية، كما
اختبر فيه نظريته عن المونتاج الذهنى او التحريضى، وهى النظرية التى
اختبرها مخرجو السينما السوفييت فى مدرسة كوليشكوف، بهدف التأثير على
الجمهور من خلال المونتاج.
وقد حاول ايزنشتاين ان يُمنتج الفيلم بنفس الطريقة لكى يُحقق اكبر
تأثير عاطفى على الجمهور، وذلك بجعل الجمهور يتعاطف مع بحارة المدرعة
بوتمكن الثائريين، وان يصبوا جام غضبهم على سادتهم، على غرار كل الافلام
الدعائية، التى تهدف الى شحن الجمهور عاطفيا وتوجيههم الى الانحياز للجانب
التى يدعو لها الفيلم.
كان اسلوب ايزنشتين ناجحا فى هذا الفيلم، لكنه شعر بالاحباط نتيجة
لعدم اقبال الجمهور على هذا الفيلم، لكن الفيلم – من جانب آخر – تم توزيعة
فى بلدان شتى حيث كان استقبال الجمهور له ايجابيا، لكنهصدم الجمهور
السوفيتى وجمهور البلدان الخارجية، ليس بسبب مضمونه السياسي، ولكن بسبب
مشاهد العنف التى لم يكن الجمهور معتادا عليها فى ذلك الزمان.
ان هذا الفيلم تمت الاشادة به من قبل جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازى
فى ألمانيا باعتباره فيلما رائعا لا مثيل له فى السينما، فاى شخص يُشاهد
هذا الفيلم – طبقا لجوبلز- يمكن ان يُصبح بلشفيا حتى وان لم تكن له ميول
لهذه العقيدة السياسية.
سلالم الاوديسا
اكثر مشاهد الفيلم احتفاءا على صعيد النقاد فى العالم كله، هو مشهد
سلالم الأوديسا التى شهدت مذبحة مواطنى المدينة، وفى هذا المشهد نرى جنود
(سار) يصطفون فى طابور يبدو طويلا، بينما مظهرهم النظامى وحركاتهم تبدو
كآلة جهنمية، ويطلقون النار على الجمهور، بينما جزء من هؤلاء الجنود
يُحاكمون الحشود فى اسفل سلالم الاوديسا.
من بين الضحايا امرأة عجوز، وطفل رضيع مع امه، وطالب فى زى المدرسة
وتلميذة فى سن الصبى، كما ان احدى الامهات تدفع طفلا فى عربته الصغيرة، ثم
تسقط ميتة على الارض بينما عربة الطفل تتهاوى على سلالم الأوديسا بينما
الناس يهرعون هربا.
هذه المذبحة لم تحدث ابدا على سلالم الاوديسا، ولكن الحقيقة ان ميناء
الاوديسا على البحر الاسود شهد فعلا تظاهرات شعبية كبيرة من اهل المدينة
اثناء انتظارهم لوصول المدرعة بوتمكن، وافاد مراسل جريدة التايمز
البريطانية ان الجنود اطلقوا النار على الحشود وان اناسا - ليس معروفا
عددهم – قد قُتلوا.
ويمكن مشاهدة الفيلم على الرابط التالى :
http://www.youtube.com/user/Mamdoughshalaby?feature=mhee#p/c/6D44D0D26CC548F4/0/Bh2SuJrEjwM
مصادر المقالة
1 -
http://www.russianarchives.com/gallery/old/eisen.html
2-
http://en.wikipedia.org/wiki/The_Battleship_Potemkin
عين على السينما في
08/11/2011 |