حينما عرض الفيلم الروائي الاستعراضي «قصة الحي الغربي» حصد (10) جوائز
اوسكار، من اصل (11) ترشيحا، من بينها افضل فيلم وممثل ثانوي وممثلة ثانوية
وازياء وموسيقى، الفيلم من اخراج روبرت وايز.
وقبل كل هذا، علينا ان نشير الى ان الفيلم يستند الى معالجة استعراضية
لمسرحية وليم شكسبير الشهيرة «روميو وجوليت» ولكن مع احداث كم من التغييرات
وسط ذلك المناخ تتشكل ملامح عصابات تسيطر على ذلك الحي، ومنها عصابة
«الطائرات البيضاء» بقيادة (ريف) وايضا اصابة «اسماك القرش المبورتوريكي»
بقيادة برناردو كراهية وشجارات وخلافات تتفجر على اتفه الاسباب، حتى تصل
الامور الى لحظات من التفجر، وعدم القدرة على المعايشة، حيث يغيب التفاهم..
والحوار.
وسط ذلك المناخ، تنشأ علاقة بين «توني» وهو صديق «ريف» زعيم العصابة، وصبية
جميلة هي ماريا شقيقة برناردو- زعيم عصابة اسماك القرش.
علاقة تبدا في حلبات الرقص، حيث تتطور تلك العلاقة الى حب جارف.. ولقاءات
سرية... ورقص مشترك مشبع بالاحاسيس التي تفضح ما يدور بينهما من علاقة
حميمة، رغم غليان الرفض والمواجهة.. والعنف.
على النص الاصلي، فقد تم نقل الاحداث من فيرونا (ايطاليا) الى نيويورك، وتم
تحويل خلاف العائلات في فيرونا، الى خلاف للعصابات التي تسيطر على نيويورك.
حيث المواجهات بين المهاجرين من اميركا الجنوبية وسكان الحي الاصليين.
ولو تأملنا مجموعة الاغاني، سواء تلك التي قدمت في الفيلم او تلك التي قدمت
في الاعمال الاستعراضية التي قدمت على مسارح يرودواي نكتشف مشاعر الكراهية
والرفض والبغض التي كان يحملها كل طرف للطرف الاخر، ولكن وسط كل ذلك البغض
والرفض والكراهية تنشأ قصة حب تنمو، تتطور.. وتشكل المحور.
تجرى الاحداث، هنالك في الحي الغربي من مدينة نيويورك، حيث المزيج بين
الاطياف البشرية، السكان الاصليين الذين يفتخرون باصولهم وانسابهم، وفي
مقابلهم المهاجرون من اميركا الجنوبية، واغلبهم ينطق الاسبانية، او
اللاتينية.
لاشيء يستطيع ان يوقف ذلك الحب، وتلك العلاقة الانسانية التي لم تعرف
الفوارق، والخلافات.
بل ان هذا الثنائي العاشق، يبدأ في التفكير جديا بالهروب وترك المنطقة..
التي لم تعد تصلح الا للعنف والجريمة.
حتى ان ماريا، تطلب من توني، ان يبادر الى فتح حوار ومحاولة ايقاف ذلك
العنف وتلك المواجهات بين شباب الحي، الذين ينخرطون في تلك العصابات.
عنف لايمكن مواجهته حتى ذلك الحب الكبير، وتلك الاحاسيس الفياضة، لا تستطيع
ان تسيطر على هذيان العنف الارعن.. والمتطرف الذي راح يستشري بقوه.
كم من التصفيات والجروح.. والقتلى، ومن قبلها الالم النفسي، والحزن.. وذلك
الحي الذي تحول الى باحة حرب.
وتتصاعد الاحداث بقوة، حتى ان الحبيبين لا يعرفان ما حدث، الا بعد ان تتكشف
اسرار تلك المواجهات الدموية القاتلة، والمفجعة.
قصة حب، منذ اللحظة الاولى، محكوم عليها بالفشل.. واذا كانت عوائل فيرونا -
ايطاليا، قد رفضت ذلك الحب بين ابناء طبقتين مختلفتين، فها هي نيويورك،
تكرر ذات المعادلة، مع ذات النص، الذي حول الاسر الى عصابات ذات اصول
مختلفة.
الفشل كارثة... وهو حصاد حتمي للجريمة.. والعنف الضارب بقوة.
الفشل حصاد غياب الحب.. والحوار.. والتضحية..
- روميو وجولييت - مدينة نيويورك 1950، بعصاباتها المتناحرة.. حيث علاقة
بين توني وماريا، تلك العلاقة التي تواجه الرفض من الطرفين.. ولكنهما يصران
على المضي في مشوار علاقتهما.. ولكن الحي وعصابته كانوا يذهبون الى
المواجهة المدمرة.. حيث الفاجعة.
كل ذلك التفاعل الدرامي، يتم من خلال كم من الاستعراضات، التي تجمع بين
ابناء العصابات، او بين توني وماريا، التي كانت تواجه بالرفض دائماً من قبل
شقيقها (برناردو)
وتمضي الاحداث، حب يحاول النمو.. يحاول الصمود.. والبقاء وعنف ارعن يدمر كل
شيء.. حتى اللحظة التي يسقط فيها توني مضرجاً بدمائه بين يدي ماريا.
ان الحب ضحيته العنف.. والعصابات.. والخلافات الاسرية.
واذا ما انهى شكسبير «روميو وجوليت» بالانتحار، فإن فيلم استعراض، قصة الحي
الغربي، انهى تلك العلاقة بالموت.. وهو نتيجة حتمية لخلل في العلاقات
الانسانية.
الفيلم كتبة، ونقصد الكتابة والمعالجة السينمائية لارنست ليهمان وارثر
لورنتس، اعتماداً على النص الاصلى، روميو وجوليت.
اما الاخراج فهو من توقيع روبرت وايس «او روبرت دايز» مع الاعتماد على
جيروم ويتر الذي قام بتصميم جميع الاستعراضات، ونستطيع ان نقول، ان الفيلم
هو استعراضات.
يعتبر روبرت وايز، من صناع العصر الذهبي للسينما، بدأ مشواره، حينما استعان
به العبقري اورسون ويلز لمونتاج فيلم «المواطن كين» ومن هناك قدم للسينما
عدداً بارزاً من التحف الخالدة، كمخرج، ومن ابرز اعماله «صوت الموسيقى»
1965، وقصة الحي الغربي 1961 وحرب الكواكب 1979 وعدداً احزن التحف التي
رسخت حضوره كمبدع، وحرفي من الطراز الاول.
في دور ماريا، كانت هناك النجمة الجميلة «نتالي وود» (1938 - 1981) التي
تعتبر واحدة من نجمات هوليوود بشعرها الاسود الفاحم وعينيها السوداوين، ومن
اعمالها فيلم «المرشح» والسباق العظيم» وغيرها.
بينما جسد شخصية توني. النجم ريتشارد بيمر، وضمن اداء رفيع المستوى، كان
حضور ويز تاميلين من خلال شخصية «ريف» وفي مقابلة جورج شاكيرس والذي بدأ
مشواره كمغن وكراقص.. وهو احد العلامات الاساسية في هذا الفيلم، لأسلوبه في
الغناء.. وايضاً الرقص الذي يصل إلى حد التوحش.
بلغت كلفة انتاج الفيلم يومها 6 ملايين دولار، وجمع بعد ثلاثة اشهر من
العروض المتواصلة «43» مليون دولار، وهو انجاز في ذلك الوقت.
تم الاستعانة بأكبر عدد من الراقصين الاستعراضين، على صعيد العصابات
المنفردة، او على مستوى المواجهات بين العصابات، مما تطلب ايضاً كماً من
الازياء والاحذية والاكسسوارات والسلالم، لاعتماد تصوير المشاهد بين تلك
السلالم في عدد من المشاهد الخلفية.
وامام الانتاج السينمائي الاستعراضي، لابد من التوقف مع اسم الموسيقار
ليونارد برنستون، الذي صاغ لغة موسيقية عالية الجودة، تمتلك تلك الايقاعات
المتفردة، وايضاً المشهديات الموسيقية، التي تحولت الى فعل استعراضي ثري..
بل ان خلود الفيلم، من خلود تلك الموسيقى التصويرية، التي تجسد الحالات
الدرامية التي تعيشها شخصيات الفيلم، بين الدفاع عن الحب.. الى رفضه،
ولايزال الموسيقار برنستون يمتلك المقدرة على الحضور في الذاكرة رغم رحيله
عام 1990، الا ان رصيده واخلاقه ونتاجاته، تظل خالدة.. كخلود الموسيقى.
ونعود الى «قصة الحي الغربي» التي ربما تكون قصة اي حي، واي مجتمع، واي
مدنية، حينما يغيب الحب.. وتتحول العلاقات الانسانية الى رفض وصراعات..
وعنف..
في قصة الحي الغربي، يموت الحب.. ولكن تظل ذكرى عامرة بالقلوب، لانها ذكرى
الحب الذي، يرفض الكراهية.. والعنف.
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
24/08/2011
صناع السينما نجوم الزمن الجميل
شكري سرحان.. ابن النيل
القاهرة - أحمد الجندي
إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون
أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف
بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن
العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو
التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية
متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة
المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته
وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة
الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى
بالشعبية.
ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها
ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم
التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم
ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع
السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن
أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال
والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن
وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.
يعد الفنان الكبير شكري سرحان من أكثر فناني جيله من نجوم السينما تنوعاً
في أدواره وشخصياته فعلى مدار ما يقرب من «45» عاماً هي مشواره السينمائي
الحافل الذي قدم خلاله ما يزيد على «150» فيلماً لم يكرر شخصياته مطلقاً
ونادراً ما تراه في دور مشابه لدور آخر قدمه من قبل.. فهو تارة الرومانسي
ابن الذوات وتارة أخرى الرومانسي ابن الشعب.. وتجده أيضاً ذلك الفلاح
المأخوذ والحالم بالمدينة فتصدمه بقسوتها وعنفها.. وتارة تجده القروي
الساذج الذي يقع في براثن امرأة مجربة فيخضع لرغبتها.. وهو أيضاً الشاب
الثوري أو المتعلم المستنير أو المتشرد الساخط.. وهو أيضاً القاتل السفاح
المظلوم المطارد أو.. الفلاح المضطهد بسبب فقره وبساطته وقلة حيلته..
وأحياناً تجده الأب المتسلط العنيف.. أو الابن المتمرد.. وغيرها.. وغيرها
من عشرات الأدوار والشخصيات التي برع في تقديمها هذا الفنان والنجم الكبير.
وكانت قدراته الفنية الهائلة هي التي تمكنه من التنقل بين كل هذه الشخصيات
والأدوار ببساطة وسهولة واقتدار وهذا ما جعله هدفاً لكبار مخرجي السينما
المصرية وتعاون معهم جميعاً.. كما كانت ملامحه المصرية الأصيلة وأخلاقه
العالية وسلوكياته الرفيعة وشهامة «أولاد البلد» التي تظهر في كل تصرفاته
سبباً في أن يلقبونه بـ«ابن النيل» بل أن بعض النقاد أطلقوا عليه لقب
«ماستورياني» المصري قاصدين تشابه مكانته مع مكانة نجم السينما الايطالية
الكبير «مارسيليو ماستورياني» الذي كان نموذجاً للشباب والرجل الايطالي.
ولم يكن الحرص على التنوع في الأدوار. السمة الوحيدة التي ميزت شكري سرحان.
فيحسب له أيضاً الحرص الهائل على جودة أفلامه والتزامه بالمستوى الرفيع لها
دون تنازلات. وهذا ما جعله النجم السينمائي المصري الأول في قائمة أفضل 100
فيلم في تاريخ السينما المصرية حيث كان صاحب النصيب الأكبر من الأفلام في
القائمة.. من هذا ارتبط اسمه دائماً بالأفلام العالية المستوى. لذلك ستظل
أفلامه شاهدو على براعته وعلى مكانته الرفيعة كأحد أهم النجوم الكبار في
تاريخ السينما المصرية.
اسمه الحقيقي «محمد شكري الحسيني سرحان» ولد في 12 مارس سنة 1924 بمحافظة
الشرقية بدلتا مصر وهو الشقيق الأصغر للفنان صلاح سرحان.. والشقيق الأكبر
للفنان سامي سرحان وينتمي الى أسرة متوسطة ولم يعيش الكثير من طفولته وصباه
في الشرقية فسرعان ما انتقل مع أسرته الى القاهرة وبالتحديد في حي «السيدة
زينب» الشعب العريق.. وفي هذا الحي تفتح وعبه وبدأ يسير في مشواره الدراسي
المعتاد ولكنه أدرك في سن مبكرة ميوله الفنية من خلال مشاهدته للأفلام في
سينما «الشرق» العريقة التي تقع في نفس الحي الذي يقيم به. وأثناء دراسته
الثانوية تبلورت موهبته أكثر وأحس أن الفن والتمثيل بالتحديد هو العالم
الذي يجد فيه نسفه فشارك مع فريق التمثيل بالمدرسة والتحق في هذه السن
المبكرة بالعديد من فرق الهواة المسرحية وقدم معها بعض العروض المسرحية.
وعندما أتسم دراسته الثانوية كان قد قرر طرقة بالفعل وتأكد أن عالم الفن
والتمثيل هو العالم الذي ينتمي اليه. ولاشك أن شقيقه الأكبر الفنان صلاح
سرحان الذي سبقه الى هذا العالم كان له تأثير الى حد ما في أن يتوجه مبكراً
الى الفن وان يكتشف هواياته في سن مبكرة لكنه كان يريد أن يسلك الطريق بشكل
صحيح ولم يتردد كثيراً التحق بالدراسة بمعهد التمثيل الذي قد أنشأ حديثاً
في ذلك الوقت وأثناء دراسته بالمعهد لم يتوقف عن المشاركة في عدد من
المسرحيات في العديد من الفرق المسرحية وبعد تخرجه في أول دفعة للمعهد عام
1947 انضم على الفور «للفرقة القومية للتمثيل والمسرح» وهي «المسرح القومي»
الآن ومع هذه الفرقة التي تعد الأكبر في مصر وقتها قدم شكري سرحان عدداً من
المسرحيات الناجحة لفتت اليه الأنظار كممثل موهوب يبدأ أول خطواته
الاحترافية ومن هنا كان ترشيح يوسف وهبي له ليشارك معه في فيلم «كرسي
الاعتراف» 1949 وكان الفيلم من تأليف واخراج بطولة يوسف وهبي ومعه فاتن
حمامة.
قبل هذا الفيلم كان شكري سرحان قد وقف أمام كاميرات السينما من خلال عدة
أفلام سابقة قدم فيها أدوراً صغيرة وذلك أثناء دراسته بمعهد التمثيل لكن
يعد فيلم كرسي الاعتراف هو البداية الحقيقية له في السينما حيث كان الدور
الأكبر ومساحته اعرض ولم يكن «كرسي الاعتراف» هو الفيلم الوحيد لشكري سرحان
خلال نفس العام 1949 الذي كان عاماً سعيدا جداً بالنسبة له لأنه شهد
البداية الحقيقية له في السينما فقد فيلمين آخرين. هما «نادية» مع المخرج
فطين عبد الوهاب. أما الفيلم الثاني فكان «لهاليبو» من تأليف واخرج حسين
فوزي وكان دور شكري في هذا الفيلم دولا بطولة تقريباً أمام نعيمة عاكف التي
كان هذا هو فيلمها الثاني مع مكتشفها التي أطلق نجوميتها المخرج حسين فوزي
الذي كان أيضاً زوجها.
ويبدو أن هذا الفيلم كان فألا حسناً على شكري سرحان فقد اقتنع المخرج حسين
فوزي تماماً بامكاناته وهذا ما جعله يعطيه البطولة المطلقة في العام التالي
مباشرة من خلال فيلم «بابا عريس» أما نعيمة عاكف أيضاً وشاركتها البطولة
كاميليا وحسن فايق وفؤاد شفيق.. لذلك يدخل شكري سرحان حقبة الخمسينيات وهو
بطل سينمائي وينضم الى قافلة أبطال السينما في ذلك الوقت عماد حمدي- أنور
وجدي - حسين صدقي - كمال الشناوي - يحيى شاهين - محسن سرحان - وان كان
هؤلاء يسبقونه في الدخول الى عالم السينما الا أنهم بعد ذلك أصبحوا زملاء
جيله من نجوم السينما في الخمسينيات والستينيات باستثناء أنور وجدي الذي
رحل مبكراً في منتصف الخمسينيات.. بالاضافة الى نجوم الطرب والغناء الذين
كانوا من نجوم ذاك العصر أيضاً أمثال فريد الأطرش ومحمد فوزي وعبد الحليم
حافظ.. وبالطبع كان معهم فريد شوقي بعد أن ودع ادوار الشر وأصبح بطلاً
ونجماً لأفلامه.
فيلم آخر قدمه شكري سرحان خلال نفس العام 1950 مع المخرج نيازي مصطفى
«أفراح» الذي شاركه بطولته محسن سرحان ونور الهدى.. لكن في العم التالي
1951 يدخل شكري سرحان الى عالم النجومية ويصبح بالفعل واحداً ليس فقط من
أبطال السينما لكن من نجومها وذلك من خلال فيلمين من أهم أفلامه خلال هذه
الفترة وهما «ابن النيل» 1951 مع المخرج يوسف شاهين الذي كان هذا الفيلم
نقطة انطلاقه كمخرج أيضاً.. وفي هذا الفيلم يقدم شكري سرحان واحداً من أهم
أدواره وهو الفلاح الصعيدي الشاب المغرم بالمدينة والذي يتوق الى الذهاب
اليها زاهداً في عمله كفلاح وفي بيئته وعندما يذهب الى القاهرة تصدمه
المدينة بقسوتها وزمامها وعنفها وتتغير حياته وتنقلب الى النقيض وقد شاركه
في بطولة هذا الفيلم فاتن حمامة ويحيى شاهين.. أما الفيلم الثاني فكان «أنا
بنت ناس» 1951 مع المخرج حسن الامام وفاتن حمامة.
وخلال حقبة الخمسينيات ينطلق شكري سرحان كواحد من أهم نجوم السينما المصرية
ومن أهم كلاسيكياتها.. ورغم نجوميته الا انه كان في غاية الحرص على تنوع
واختلاف وتباين شخصياته وأدواره التي يقدمها على الشاشة كما كان حريصاً على
ظهوره دائماً في الأفلام الجيدة ولم يبتذل نجوميته مطلقاً.. ومن أهم أفلامه
خلال هذه الحقبة «ريا وسكينة» 1953 مع صلاح أبو سيف وأنور وجدي وفريد شوقي
وسميرة احمد ونجمة ابراهيم - «درب المهابيل» 1955 مع المخرج توفيق صالح
وبرلنتي عبد الحميد وتوفيق الدقن وحسن البارودي «شباب امرأة» 1956 مع صلاح
ابو سيف والنجوم تحية كاريوكا وشادية وسراج منير وعبد الوارث عسر- «أحنا
التلامذة» 1959 مع المخرج عاطف سالم وتحية كاريوكا وزيزي البدراوي وعمر
الشريف ويوسف فخر الدين - «امرأة في الطريق» 1958 مع المخرج عز الدين ذو
الفقار والنجوم ذكي رستم ورشدي أباظة وهدى سلطان.. وهنا لابد وان نشير الى
سلسلة أفلامه الرومانسية الرائعة التي قدمها مع عز الدين ذو الفقار خلال
حقبة الخمسينيات ووضعته في مقدمة نجوم الرومانسية على شاشة السينما المصرية
وهي أهم أفلامه الرومانسية مع شاعر السينما عز الدين ذو الفقار «موعد مع
الحياة» 1954 والبطولة أمامه لفاتن حمامة التي شاركته أيضاً بطولة فيلم
«طريق الأمل» 1957 - «بورسعيد» 1957 -.. ويعد فيلم «رد قلبي» درة أفلامه
الرومانسية خلال هذه الفترة بل أن هذا الفيلم الذي قدم عام 1957 هو واحد من
أهم الأفلام الرومانسية التي قدمت في السينما المصرية رغم احداثه السياسية
والاجتماعية المهمة التي كان يطرحها وينشأها بالاضافة الى فيلمه الرومانسي
«الطريق المسدود» 1958 مع المخرج صلاح أبو سيف.
ولم تكن الرومانسية وحدها هي التي قدمها شكري سرحان في حقبة الخمسينيات بل
وكما ذكرنا نوع دائماً في أدواره وأفلامه لنراه يقدم بطلاً لعدد من الأفلام
الغنائية الاستعراضية مع المخرج حسين فوزي نذكر منها «جنة ونار» 1952 -
«احبك يا حسن « 1957 - «عفريت عم عبده» 1953 - «المليون جنيه» 1953 وشاركته
بطولة هذه الأفلام نجمة الاستعراض الأولى في السينما المصرية «نعيمة عاكف»
وقدم عدداً من الأفلام الاجتماعية المهمة مع المخرج حسن الامام ومنها «قلوب
الناس» 1954 - «بائعة الخبز» 1953 - «حب من نار» 1958 «اغراء» 1957.. ويقدم
أيضاً الكوميديا الاجتماعية الخفيفة في أفلام مثل «الدنيا لما تضمك» 1953 -
«كدبة ابريل» 1954 - «الستات ما يعرفوش يكدبوا» - «بين قلبين» 1953 واخرج
هذه الأفلام المخرج محمد عبد الجواد.
ومن أفلامه المهمة أيضاً خلال حقبة الخمسينيات «شريك حياتي» 1953 من اخراج
الهامي حسن - «علشان عيونك» 1954 من اخراج احمد بدرخان - «أهل الهدى» 1955
من اخراج السيد زيادة - «زنوبة» 1956 - «نهاية حب» 1957 - «حبيبي الأسمر»
1958 والأفلام الثلاثة للمخرج حسن الصيفي - «حسن ومرقص وكوهين» 1954 من
اخراج فؤاد الجزايرلي - «ربيع الحب» - «الجريمة والعقاب» والفيلمان عام
1956 ومن اخراج ابراهيم عمارة - «الهاربة» 1958 من اخراج حسن رمزي -
«شياطين الجو« 1956 مع المخرج نيازي مصطفى - «أمريكاني في طنطا» 1954 من
اخراج احمد كامل مرسي - «أحلام البنات» 1959 للمخرج يوسف معلوف - «طريق
السعادة 1953 من اخراج كامل حفناوي - «ارحم دموعي» 1954 من اخراج بركات -
«ليلة رهيبة» 1957 من اخراج السيد بدير - «شاطئ الذكريات» 1955 للمخرج عز
الدين ذو الفقار - «وهبتك حياتي» 1956 مع المخرج زهير بكير -«المجرم» 1954
من اخراج كمال عطية - «رحلة غرامية» 1957 مع المخرج محمود ذوالفقار - «سجن
العذارى» 1959 للمخرج ابراهيم عمارة -«قبلني في الظلام» 1959 من اخراج محمد
عبدالجواد - «انا حرة» 1959 من أخراج صلاح أبوسيف.
ونأتي الى حقبة الستينيات لنرى أن شكري سرحان استمر خلال هذه الحقبة
محافظاً على نجوميته من خلال استمراره في تنوع وتباين شخصياته وأدواره ومن
خلال حرصه الشديد على مستوى الجودة والقيمة الفنية العالية لأفلامه لنراه
أيضاً خلال هذه الحقبة يقدم عدداً من أفلام السينما المصرية من أشهر
كلاسيكياتها.. وقد بدأ شكري سرحان هذه المرحلة الفنية من مشواره السينمائي
بفيلم «بين أيديك» 1960 مع المخرج يوسف شاهين. وهو من الأفلام الاجتماعية
المهمة التي طرحت قضية الفوارق بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع المصري
الذي اتجه نحو الاشتراكية وجسد شكري شخصية «شاب شعبي يعمل نجاراً» يقع في
حب فتاة من الطبقة الارستقراطية ويواجه مشاكل عديدة بسبب هذا الحب وقد
شاركته بطولة هذا الفيلم الفنانة ماجدة.. بعدها يقدم مع سعاد حسني واحداً
من أفلام الكوميديا الاجتماعية وهو فيلم «السفيرة عزيزة» 1961 مع المخرج
طلبة رضوان وشاركها البطولة عبد المنعم ابراهيم وعدلي كاسب.
ونعود الآن لنستعرض لأفلامه التي شكلت علامات في تاريخ السينما المصرية
التي قدمها خلال الستينيات لنجد في مقدمتها «صراع الابطال» 1962 مع المخرج
توفيق صالح وشاركته البطولة سميرة احمد وصلاح نظمي وزوزو حمدي الحكيم..
وقبلها بعام كان قدم مع سميرة احمد واحداً من الأفلام الاجتماعية المهمة
«رجل في حياتي» 1961 وأخرجه يوسف شاهين.. وفي عام 1962 يقدم مع المخرج كمال
الشيخ والنجوم شادية وكمال الشناوي وصلاح منصور وعدلي كاسب وفاخر فاخر
واحدا من أهم أفلامه وهو «اللص والكلاب» المأخوذ عن واحدة من أشهر روايات
عميد الرواية العربية نجيب محفوظ والتي حملت نفس الاسم وجسد شكري في هذا
الفيلم شخصية «سعيد مهران» الذي يتهم بارتكاب عدد من جرائم القتل وتطارده
السلطات على انه «سفاح» رغم انه يعاني من الظلم الاجتماعي الشديد الذي يؤدي
به في النهاية الى انه يموت مقتولاً برصاص السلطات.
ونواصل استعراض أفلامه الرائعة خلال نفس المرحلة لنرى فيلم «قنديل أم هشام»
المأخوذ عن قصة للأديب الكبير يحيى حقي والذي أخرجه كمال عطية عام 1968
وشاركته بطولته سميرة احمد. وهنا يجسد شكري سرحان شخصية طبيب درس في الغرب
ويعود لمصر وللحي الشعبي الذي نشأ فيه ليجد أن عليه أن يواجه بالعلم العديد
من الخرافات والتقاليد البالية التي سببها الجهل. ويناقش الفيلم الصراع
الدائم بين العلم والخرافة. العلم والجهل.. وقبل هذا الفيلم بعام واحد كان
شكري قدم مع المخرج صلاح أبو سيف واحداً من أهم الأفلام في تاريخ السينما
المصرية وهو «الزوجة الثانية» 1967 والمأخوذ عن قصة للأديب رشدي صالح
وشاركته البطولة سعاد حسني ومعهم صلاح منصور وسناء جميل ويطرح الفيلم الظلم
الاجتماعي في الريف المصري والمشاكل والقهر الذي يواجهه الفلاحين البسطاء
من جانب السلطة المقترنة بالثروة.. ويقدم شكري في هذا الفيلم شخصية «أبو
العلا» الفلاح الفقير الذي يواجه قهراً وظلماً غير مسبوق من جانب «عمدة
القرية» المستبد الذي يمثل السلطة والذي تسانده قوة وسلطة أعلى منه.
وعلى ذكر هذا الفيلم لابد ان نشير الى أن شكري سرحان وسعاد حسني شكلا دويتو
سينمائيا شهيرا خلال الستينيات وقدما معاً عدداً من الأفلام الرائعة التي
تنوعت ما بين الأفلام الاجتماعية والكوميدية وأفلام الحركة والتشويق أيضاً
فبالاضافة الى الأفلام التي ذكرناها هناك أفلاماً أخرى مثل «لماذا أعيش»
1961 من اخراج ابراهيم عمارة- «اعز الحبايب» من اخراج يوسف معلوف -
«الأشقياء الثلاثة» 1962 اخراج حسام الدين مصطفى - «سر الهاربة» 1963 من
اخراج حسام الدين مصطفي - «حكاية جواز» 1964 للمخرج حسن الصيفي - «الست
الناظرة» 1968 - «التلميذة والأستاذ» 1968 والفيلمان لأحمد ضياء الدين كما
قدما أيضاً فيلم «غرباء» 1973 من اخراج سعد عرفة.
ومن الأفلام المهمة أيضاً لهذا الفنان الكبير خلال حقبة الستينيات «بقايا
عذراء» 1962 لحسام الدين مصطفى - «رجل بلا قلب» 1960 من اخراج سيف الدين
شوكت - «لا تطفئ الشمس» 1962 لصلاح أبو سيف - «سنوات الحب» 1963 لمخرج
محمود ذو الفقار - «جسر الخالدين» من اخراج محمود اسماعيل ومع نفس المخرج
فيلم «طريق الابطال» 1961 - «بنت الحتة» 1964 للمخرج حسن الصيفي - «هارب من
الحياة» 1964 من اخراج عاطف سالم - «اللهب» 1964 مع المخرج عبد الرحمن شريف
- «الحقيبة السوداء» 1964 مع حسن الصيفي -«المظ وعبده الحامولي»1962 مع
المخرج حلمي رفلة -» وداعاً أيها الليل» 1966 مع المخرج حسن رضا.. وفي
نهايات هذه المرحلة يقدم واحداً من أهم الأفلام في مسيرته السينمائية ومن
أهم أفلام السينما المصرية وهو فيلم «البوسطجي» 1968 مع المخرج حسين كمال
والمأخوذ عن قصة «دماء وطين» للأديب يحيى حقي وهو دراما اجتماعية دامية
وتدور احداثها في صعيد مصر.. ويجسد خلالها شكري سرحان واحداً من أهم أدواره
وشخصياته السينمائية وشاركه بطولة الفيلم صلاح منصور وزيزي مصطفى.
ونأتي الى حقبة السبعينيات لنرى أن شكري سرحان مازال أيضاً حريصاً وحافظاً
على تنوع أدواره وجودة أفلامه وبالتالي على مكانته كواحد من أهم نجوم
السينما المصرية.. رغم انه خلال هذه الفترة قد بدأ من خلال احساسه وصدقه
الفني مع نفسه مع جمهوره أن يدخل الى مناطق جديدة في الشخصيات التي يقدمها
بحيث تتناسب مع المرحلة العمرية التي يمر بها فقد شعر أن ادوار الشباب
والشقاوة والرومانسية بمفهوم الشاعر المتأججة والانطلاق لم تعد تصلح له
فكان يقدمها في أطار ناضج وأيضاً بدأ يقدم شخصية الأب في عدد من أفلامه
خلال هذه المرحلة والتي اذا القينا نظرة سريعة على ما قدمه خلالها سنجد
أفلاماً مهمة ورائعة في مقدمتها «شيء في صدري»1971 مع المخرج كما الشيخ وهو
من الأفلام الاجتماعية الرائعة التي دارت أحداثها في أطار سياسي وجسد
خلالها شكري سرحان واحداً من أروع أدواره على الشاشة وشاركه بطولة الفيلم
رشدي أباظة وهدي سلطان وخلال نفس العام أيضاً 1971 يقدم مع المخرج عاطف
سالم واحداً من الأفلام الاجتماعية المهمة «بنات في الجامعة» وشاركته
البطولة سهير المرشدي - زيزي مصطفى- عادل أمام- توفيق الدقن - نور الشريف.
وكان في بدايات مشواره السينمائي.
ومن أفلامه المهمة أيضاً خلال حقبة السبعينيات نرى أفلاماً مثل «زائر
الفجر» 1975 وهو واحد من أهم الأفلام السياسية في السينما المصرية والتي
تناولت ما سمى بـ«مراكز القوى» في مصر أثناء فترة حكم عبدالناصر.. والفيلم
أخرجه ممدوح شكري وشارك في بطولته ماجدة الخطيب - عزت العلايلي - يوسف
شعبان - مديحه كامل - تحية كارويكا- سعيد صالح. ويكرر شكري سرحان التجربة
مرة أخرى في فيلم أخر يتناول «مراكز القوى» وما أحدثته من فساد وقهر داخل
المجتمع المصري وذلك في واحد من أهم الأفلام السياسية في السينما المصرية
أيضاً بل هو الأكثر جرأة وقسوة وهو فيلم «وراء الشمس» 1978 مع المخرج محمد
راضي وقد أوقفت الرقابة على المصنفات الفنية عرض الفيلم ومنعت عرضه في
سنوات عديدة وأيضاً منعت تصديره للخارج. لكن أفرج عنه بعد ذلك وكان أسباب
الموقف الرقابي المتشدد أن الفيلم يقدم بجرأة وقسوة بالغة أكثر ما تعرض له
الشعب المصري من قهر وظلم على أيدي السلطة الحاكمة في الستينيات من خلال
مراكز القوى التي سيطرت على أقدار الناس. وجسد شكري سرحان في هذا الفيلم
شخصية رجل شرطة داخل السجن الحربي يشاهد ما يحدث من قهر وتعذيب لرموز الفكر
والثقافة المسجونين لكنه لا يملك شيئاً ولا يستطيع أن يساعدهم ويصيبه هذا
بآلام نفسية رهيبة وشارك في بطولة الفيلم حشد كبير من نجوم السينما المصرية
منهم رشدي أباظة - نادية لطفي - صلاح نظمي - محمد صبحي - محمود المليجي -
هياتم.
وفي عام 1975 قد شكري سرحان مع المخرج يوسف شاهين دوراً أخر رائعاً حيث جسد
شخصية أب مسيطر مستبد قاس على أولاده وأخوته وعائلته وذلك من خلال واحد من
أهم أفلام يوسف شاهين واهم الأفلام الاجتماعية والسياسية في السينما
المصرية وهو فيلم «عودة الابن الضال» وشارك في بطولة الفيلم هدى سلطان -
سهير المرشدي- محمود المليجي.. بالاضافة الى هشام سليم واللبنانية ماجدة
الرومي وكانا في بداية مشوارهما الفني.. ومن الأفلام الاجتماعية المهمة
الجديرة بالذكر أيضاً لهذا النجم الكبير خلال هذه الحقبة.. «لا لا يا
حبيبي» 1970 مع المخرج احمد ضياء الدين - «المطلقات» 1975 مع المخرج
اسماعيل القاضي - النداهة 1975 مع المخرج حسين كمال والنجوم ماجدة وشويكار
وايهاب نافع. وأيضاً فيلم «مرحلة داخل امرأة» 1978 مع المخرج اشرف فهمي
وشارك في بطولة الفيلم نبيلة عبيد - نور الشريف - توفيق الدقن - نادية شكري
- حسين الشربيني - عايدة عبد العزيز.
وفي الثمانينيات هبت على السينما المصرية موجة عاتية من أفلام المقاولات
والجنس والمخدرات وأغرقت هذه الموجة السينما بأفلامها الرديئة والسيئة وهنا
هرب شكري سرحان من السينما حفاظاً على تاريخه الفني الطويل وفضل ان يركز
جهوده في الدراما التلفزيونية الجديدة مما لا يتسع المجال هنا للحديث عنها
لذلك خلال هذه المرحلة لم يقدم من الأفلام الا عددا محدودا للغاية نذكر
منها فيلمين الأول «صراع العشاق» 1981 مع المخرج يحيى العلمي - والثاني
«ملائمة الشوارع» 1985 مع المخرج حسن الصيفي. وكان أخر أفلامه السينمائية
على الأفلام فيلم «الجبلاوي» 1991 من تأليف فيصل ندا واخراج عادل الأعصر
وشاركه في بطولته كمال الشناوي وسهير البابلي وصابرين والفنان جمال عبد
الناصر.
وعن سبب ابتعاده التام عن السينما خلال السنوات الأخيرة من مشواره الفني
قال في احد حواراته الاعلامية وقتها «أنا لم أتوقف بارادتي عن السينما لكني
لن اعمل الا مع ما يتوافق مع تاريخي السينمائي الطويل خصوصاً وأنا اشعر أن
السينما لم تعد هي السينما التي عرفتها طوال مشواري ولا أجد فيها ما
يناسبني من كل أفلامها التي تقدمها الآن. حتى أسلوب التعامل نفسه بين صناع
السينما اختلف.. لقد قبلت أن أشارك في احد الأفلام بعد أن عثرت بالكاد على
دور مناسب عرضه على مخرج الفيلم وفي بداية التصوير فوجئت به يقول لي «احنا
عاوزين نخلص الفيلم بسرعة وفي كام يوم يا أستاذ اختصاراً للوقت والنفقات
وعلشان الموزع مستعجل. وفوجئت بأنهم يختصرون أجزاء كاملة من سيناريو
الفيلم. فتوقفت واعتذرت وقررت الا أعود الى السينما الا عندما ينصلح
حالها.. ووجهت نداء لوزير الثقافة طالبته بالتدخل لانقاذ سمعة السينما
المصرية فليس من المعقول أن تقدم هذه السينما العريقة هذه النوعية من
الأفلام الرديئة».
انتهى ما قاله النجم الكبير وليس لدينا أي تعليق سوى أننا نحاول أن ندلل
على الأجواء التي بسببها ابتعد عن السينما وفضل الدراما التلفزيونية.. لكن
لابد من الاشارة هنا وفي ختام هذه الحلقة عن مشواره السينمائي.. الى تجربة
شكري سرحان في السينما العالمية وبالتحديد في السينما الايطالية فقد شارك
في بطولة فيلمين ايطاليين.. الأول هو «قصة الحضارة» وهو فيلم في ثلاثة
أجزاء قام باخراجه المخرج الايطالي الكبير ومن رواد الواقعية في السينما
الايطالية «روبرتو روسيلليني» ولم تحدد أي مصادر تاريخاً قاطعاً لانتاج
الفيلم وان كان التاريخ الأرجح له في نهاية الخمسينيات وقد لعب شكري سرحان
في هذا الفيلم دور المهندس المصري القديم الذي قام بتصميم «الهرم الكبير»
أما الفيلم الثاني فهو «ابن كليوباترا» وأخرجه الايطالي «فردينا دوايزالدي»
عام 1965 وشارك به من مصر بالاضافة الى شكري سرحان عدد أخر من فناني
السينما المصرية منهم يحيى شاهين وليلى فوزي وحسن يوسف وسميرة احمد.
وخلال مسيرته السينمائية الطويلة التي امتدت لما يقرب من 45 عاماً قدم
خلالها ما يزيد عن 150 فيلماً حصل شكري سرحان على عدد هائل من الجوائز
والكريمات والأوسمة أهمها وسام الجمهورية من الطبقة الأولى في الفنون من
الرئيس جمال عبدالناصر عام 1964 وأهمها أيضاً جائزة «أفضل ممثل في تاريخ
السينما المصرية» التي حصل عليها عام 1996 أثناء الاحتفال بمرور «100» عام
على عرض أول فيلم سينمائي في مصر عام 1896 وذلك في الدورة الـ«20» لمهرجان
القاهرة السينمائي الدولي ويعد شكري سرحان الفنان والنجم المصري الوحيد
الذي حصل على هذه الجائزة لأنه صاحب أكثر رصيد من الأفلام في قائمة أفضل
الأفلام في تاريخ السينما المصرية.. وبعد هذه الجائزة بشهور قليلة
وبالتحديد في 19 مارس 1997 يرحل هذا الفنان والنجم الكبير عن الدنيا بعد أن
ترك لنا تاريخاً وسجلاً سينمائياً حافلاً سيبقى خالداً ما دامت السينما وما
دام هناك جمهور للفن الجيد الرفيع.
النهار الكويتية في
24/08/2011 |