الذهاب الى موضوع الحب فى السينما لا يمكن باي حال من الاحوال ان يجعلنا
نبتعد عن واحدة من التحف الخالدة في السينما العالمية حيث فيلم «دكتور
زيفاكو» فمن أين تكون البداية للحديث عن هذا الفيلم الكبير؟
سؤال ظل يحاصرني وانا احضر للكتابة عن فيلم «دكتور زيفاكو» هل ابدأ من
الرواية وكاتبها للروائي الروسي الكبير بوريس ليونيدوفيتش باسترناك، او من
المخرج البريطاني السير دايفيد لين، او من النجم العربي عمر الشريف. ولاننا
امام موضوع الحب و امام عمل سينمائي كبير، يأتي كشاهد حقيقي على مرحلة من
اكثر المراحل تغيراً في روسيا والعالم، حيث مرحلة انهيار القيصيرية الروسية
وظهور الاشتراكية من خلال الثورة البلشفية.
كما مثلت شخصية الكاتب باسترناك احد مفاصل المعركة التي قادها المعسكران
الغربي والاشتراكي ابان الحرب الباردة، ولنا ان نشير لاستهلاك للحدث عن
الفيلم والرواية، الى ان المصادر التاريخية، تشير الى ان فوز باسترناك
بجائزة نوبل للآداب عن مجمل اعماله، وعن «دكتور زيفاكو» على وجه الخصوص جاء
اثر تهريب نسخة من الرواية عام 1958 الى ايطاليا، ونشرها هناك، وبعد ان
اعلن باسترناك قبوله للجائزة سرعان ما عاد الى التراجع عن قبولها بعد ضغط
الكرملين، الذي امر بنفيه، وعزله، حتى مات عام 1960 بسرطان الرئة..
فماذا حمل الينا باسترناك في تلك الرواية وماذا قدم لنا دايفيدلين في ذلك
العمل، الذي اراد له ان يكون «شاهدا» ووثيقة على مرحلة مهمة، وتقريراً
واضحا عن الاوضاع في الاتحاد السوفييتي سابقاً.
أحداث الفيلم تنطلق في عام 1917 مع اندلاع رصاصات الحرب العالمية الثانية،
وسط قصة حب هي الرومانسية بكل عذوبتها، على خلفية تلك المتغيرات وهذا ما
يذكرنا باحداث وتداعيات فيلم «ذهب مع الريح» ولكن الحرب كانت هناك بين
الشمال والجنوب الاميركي، اما الحرب هنا بين روسيا القيصرية، والبلاشفة
الشيوعيين.
وهو يدعونا الى الذهاب عبر تلك الرحلة الروائية، من خلال شخصية «دكتور
زيفاكو» التي تأتي محملة بالارث الثقافي والفكري والفلسفي، الذي يعيش
ازماناً عدة، من عظمة العهد القيصري الى مرحلة الاضطرابات السياسية التي
طغت على المشهد السياسي والحياتي، في روسيا والاتحاد السوفييتي لاحقاً، حتى
وان كان الفيلم يتجاوز حدود الرواية في الموقف الصريح ضد البلاشفة حتى
استطيع التأكيد على ان الفيلم تأتي وطأته جزءاً من تلك الحرب الباردة، ولكن
بصيغ فنية اقل ما يمكن وصفها بالتحفة الفنية الخالدة، حتى رغم اهدافها
السياسية الصريحة والواضحة.
تفاصيل الفيلم
ونذهب الى الفيلم حتى يروي احد الجنرالات تفاصيل الحياة والمتغيرات التي
احاطت بشقيقة الدكتور يوري زيفاكو الانسان والشاعر.
وتذهب بنا الحكاية الى يوري زيفاكو ذي الثمانية اعوام عن منغوليا، الذي ولد
في مكان ما، في منتصف آسيا ليس بعيداً عن منغوليا وقد تبناه صديق مقرب من
والدته ينتمي الى عائلة «غروميكوس» وهي احدى العائلات البرجوازية الثرية في
موسكو، ولتلك العائلة ابنة في مثل عمر يوري اسمها «تونيا».
ومع مرور الايام اصبح يوري طبيباً، يفضل دائماً ان يمارس حياته بشكل عام
مثل ممارسته للطب العام، عن التفرغ للدراسة والابحاث وكان عشقه للحياة،
يدعوه لكتابة الشعر ونشره.
ذات ليلة يشاهد يوري مداهمة عدد من الثوار الاشتراكيين احد المواقع التابعة
لقيصر روسيا، من خلال نافذة غرفته، بل انه بادر الى علاج المصابين لانه ليس
طرفاً في هذه الجهة او تلك، ما يعنيه هو الانسان والمحافظة على الانسان
ولكنه يواجه بالعنف ويجبر على العودة الى منزله من قبل الجنود، ما يؤثر به
سلباً ويظل مصدوماً وكأنه يستقرئ من ذلك الشهر العابر، ما هو قادم من
الايام في ذلك البلد، وما سيعصف به من احداث ومتغيرات وايضاً ضحايا.
وفي موسم الشتاء يعود يوري ليعيش ايامه وسط تلك الاجواء الارستقراطية حيث
يلتقي مع لارا الجميلة ولكن الاحداث تأخذه في اتجاه اخر، حيث يرد الجميل
لاهله، ولهذا فهو يبادر في عيد الميلاد لاعلان خطوبته على «تونيا» وان ظل
معلقاً مع لارا.
وبين حيرة القلب والواجب، وبين الرغبة العاصفة والحب الاسري وبين عاصفة
الذات والرغبة في الاستقرار وبين تلك العوالم التي تحمل الترقب، تندلع
الحرب العالمية الاولى.
مهنة التمريض
يلتحق يوري مع احدى الفرق في الجنوب الغربي بالقرب من اوكرانيا حيث تكون
لارا متطوعة كممرضة في المنطقة ذاتها، وعندها تتحرك العواطف وتتفجر
الاحاسيس بالذات حينما تفقد زوجها «باشا» في احدى المعارك.
وفي نهاية صيف 1917 ومع شهر اكتوبر اندلعت الثورة البلشفية حيث بدأت الفوضى
والمتغيرات من اجل نقل نظام الحكم من القيصر الروسي الى الاشتراكية
الشيوعية.
في تلك الفترة كان يوري يعمل الى جوار لارا، بل انهما يعيشان سويا في احد
الاماكن القديمة التي تم تحويلها الى مستشفى، ولكن عليهما ان يبقيا حبهما
وعواطفهما مكبوتة، بعيدة عن الاخرين.
الا ان بقاء الحال من المحال، حيث يعود الى موسكو، ويعلم بان والدته
بالتبني قد لقيت حتفها، وان منزل والده بالتبني، قد تم احتلاله من قبل 13
عائلة من الذين عصفت بهم الحياة والمتغيرات والتشرد في مشهديات سينمائية
عامرة بالوجوده والمرارة والحزن والالم.
عندها يكون البلاشفة قد سيطروا بالكامل على الحكم بالذات في المدن الرئيسة،
وبدأت مرحلة تشكيل التنظيمات، بينما موسكو لاتزال تعيش شيئاً من الاضطرابات
والخلل، بالذات حينما راح الجميع يشكو من قلة المواد الغذائية والوقود،
واشتعلت مفردات الفوضى، ومن اجل البحث عن الدفء يقوم يوري بحمل او سرقة بعض
الاخشاب، لحرقها والاستفادة من دفئها، ليتم القبض عليه من قبل الضابط
والمسؤول الحزبي يفغاروف، والذي كان يعرف يوري ويعرف شقيقه ويعرف اسرته
ولهذا تطورت العلاقة بينهما، الا ان بعض القصائد التي كان يوري قد كتبها
جعلت حياة يوري واسرته في خطر داهم.
لقد حركت قصائده كوادر الثورة ضده، وضد زوجته توينا وابنهما ساشا، ووالد
زوجته.
وقد ساعده يغفاروف وامن له الاوراق الرسمية ولافراد اسرته، من اجل مغادرة
موسكو التي اجتاحتها الفوضى والتصرفات والممارسات الشخصية والعدوانية
والتفسيرات التي تؤول الاشياء والامور وتصدر الاحكام التي اجلها الاعلام
بحجة انها «ضد الثورة» والويل لمن يقف ضد الثورة.
وتمضي رحلة تلك الاسرة الارستقراطية في سيارة هي اشبه بالصندوق الى ياريكن
المدينة الصغيرة بالقرب من فاركينو، التي لاتزال لم تصلها موجات العداء
التي تفجرت في المدن الكبرى، بين جميع طبقات المجتمع حيث الرغبة في القضاء
على كل الاثرياء والطبقات العالية من المجتمع.
وفي الطريق، يتم ايضا ركوب القطار، والذي يضطر لاحقا الى التوقف، امام
الحروب الاهلية التي اجتاحت بعض المناطق في الطريق، ما يدفع يوري لركوب
قطار اخر خاص بالجنود الشيوعيين.
وتكون المفاجأة ان يكون جنرال القطار، هو باشا زوج لارا، صديقة وحبيبة يوري
الا ان باشا قام بتغيير اسمه، الذي يقود الثوار من اجل محاربة وتصفية عناصر
ومؤيدي النظام السابق القيصري، وبات يحمل اسم الجنرال شيريلكف وهذا بدوره
يتعرف على يوري زيفاكو، ويبدأ كل منهما يخشى ان يكشف اوراق الاخر حتى يبلغ
يوري هدفه في الوصول الى المنطقة التي يريدها بعيدا عن نيران الثوار
وتصفياتهم وفوضى الحياة السياسية التي اجتاحت المدن الكبرى وموسكو على وجه
الخصوص.
حينما يصل موسم الربيع، تكون تلك العائلة، قد اعتادت على الحياة البسيطة في
ذلك المنزل المتواضع، وباتت تعتمد على قدراتها في زراعة الخضراوات وتهيئة
انفسهم ان هذه هي المحطة الاخيرة.
وتمضي الفصول حيث يمر الصيف مع كم التحركات السياسية وتصفية الاسرة
القيصرية.. ويعود الشتاء مجددا.
وفي الصيف التالي، يقرر يوري ان يقوم بزيارة الى يارتين، حيث تقيم لارا،
التي يلتقي بها في احدى المكتبات العامة، وتتفجر بينهما الاحاسيس والعلاقة
العاطفية بكل احاسيسها.
الا ان يوري يعي جيدا مخاطر البقاء هناك وايضا تلك العلاقة واهمية العودة
الى زوجته وابنهما خصوصا، وهو يعلم ان زوجته حامل من جديد، وهي تحبه بجنون،
وعليه ان يحترم تلك المشاعر الكبيرة التي تحملها له.
ولهذا يظل هاجسه ان يقطع علاقته مع لارا بحثا عن السلام مع الذات في ظل
المخاطر التي تحيط به وبالمجتمع الروسي بكامله في تلك الايام واللحظات
الكبرى. وفي طريق عودته الى بيته يتم اختطاف يوري من قبل مجموعة الجيش
الاحمر ويتم تقديمه للضابط الطبي المسؤول عن المجموعة.
وتمضي الايام مع قسوة الشتاء، وبعد عام ونصف تقريبا يستطيع يوري الفرار من
الحرس او الجيش الاحمر، ليعود الى يارتين، حيث تكون اسرته قد غادرت المنطقة
الى موسكو، وعندها لا يكون امامه سوى الذهاب الى المكان الذي يعرفه وهو
لارا وهو متعب ومريض وتساعده لارا على ان يعود الى صحته وتسلمه لارا رسالة
كانت قد وصلتها من زوجته تونيا، توصية ان يرى لارا ويعود تاريخ الرسالة الى
ستة اشهر مضت، حيث تكون تونيا قد علمت بعلاقته مع لارا.
وتعود اسرة يوري الى موسكو، وبدأ والتحضير من اجل هجرة روسيا بكاملها.
وتعلم لارا ان زوجها في الطريق اليها من جديد، ولهذا يتم التحضير مجددا، من
اجل هجرة جديدة، وهنا نلاحظ الربط الدائم بين الخلل العام والخاص، وبين
الحالة السياسية العامة، والحالة الاسرية الخاصة. وكان الكل يؤثر بالفرد،
والفرد يعكس اوضاعه على الكل.
وتقرر لارا ان تسافر الى اقصى الشرق الروسي، لتكون قريبة من السفر الى بقية
دول العالم، وهو امر ساعدها عليه كورموفسكي، الا انهما يرفضان في البداية،
ولكنهما يفضلان الانتقال الى منطقة اخرى ابعد، الى حيث منزل صغير ناء وهناك
تصلهما الاخبار ان زوج لارا تم القبض عليه.
وهذا ما يدفعها للموافقة على السفر، لان القبض عليهما سيكون قريبا، ويقرران
الذهاب الى منشوريا.
وتظل لارا بانتظار يوري، الذي واعدها على اللقاء في المحطة قادما من منطقة
قريبة كان قد زارها، ولكن القطار يأتي، ولا يأتي يوري، وهنا تبوح لارا بسر
الى كروموفسكي، بانها حامل من يوري.
وتقفز الاحداث، ثلاثة اعوام، حيث يتم العثور على يوري في موسكو في حالة
صحية سيئة، ودون عمل ويساعده يغفاروف على العودة الى الحياة والعمل من
جديد. وفي لحظة ذهابه الى المستشفى يعتقد انه شاهد لارا في الجانب الاخر من
الطريق ولهذا يحاول اللحاق بها جريا الا انه يصاب بازمة قلبية ويموت.
في مشهد العزاء، يكون الجميع هناك.
لنبدأ مهمة جديدة في بحث لارا عن ابنتها تونيا «من يوري» في مكان ما في
منغوليا، خلال الحرب الاهلية هناك. وتقوم لارا مع يغفاروف في مساعدتها في
كل الملاجئ ودور الايتام، ولكن لا يتم العثور، حيث تقول لارا انها خرجت ذات
يوم ولم تعدد.
وتنتهي المشاهد على تونيا ذات «18» عاما لا تعرف اي شيء عن ماضيها، واسرتها
ومستقبلها وكأن الرواية او باسترناك يصف حالة روسيا في تلك المرحلة حيث
الضياع التام.
وهنا نعود مجددا الى السؤال الذى انطلقنا منه، وهو من اين نبدأ، ولهذا فان
الرواية والفيلم هما البداية والنهاية، رغم حرفية المخرج دايفيد لين،
وابداعات نجوم العمل، بالذات النجم العربي القدير عمر الشريف بدور «يوري
زيغاكو - الطبيب والشاعر والانسان والعاشق» وجولي كرستي بدور «لارا»
وجيرالدين شابلن «تونيا» ورود ستايغر «كوموزفسكي واليك غينس «يغفاروف» وكم
اخر من الشخصيات وايضا الموسيقا الخالدة التي صاغها الفرنسي موريس جار..
تحفة سينمائية، تعتمد على نص روائي خالد يرفض الحرب، انها السينما والرواية
حينما تكونان شاهدين على العصر ويكون الحب هو الشاهد الاساسى لما لحق به من
دمار وفراق وموت وتضحيات كبرى وهكذا هو الحب فى زمن الحروب.
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
22/08/2011
صناع السينما نجوم الزمن الجميل
سعاد حسني.. السندريلا
القاهرة - أحمد الجندي
إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون
أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف
بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن
العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو
التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية
متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة
المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته
وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة
الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى
بالشعبية.
ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها
ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم
التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم
ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع
السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن
أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال
والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن
وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.
كانت أشبه بقطعة من الكريستال تشع ضوءاً وبريقاً.. كانت مرآة بلورية تعكس
كل الإحساس والجمال والبهاء الذي يتحول إلى عالم سحري جعلنا نشعر بالصفاء
والسمو.. نشعر بالراحة والبهجة. كانت بالفعل صانعة البهجة على الشاشة
الفضية.. أنها «السندريلا» ولا شيء غيرها ولا احد سواها. أنها سعاد حسني-
ولا شيء قبل ذلك أو بعده.. عندما بدأت مشوارها السينمائي كبطلة لأول
أفلامها وكان عمرها «16 عاماً» في نهاية الخمسينيات. بدت كأنها موهبة
عبقرية من نوع خاص.. اقتحمت شاشة السينما. قال عنها بركات مخرج أول أفلامها
«إنها البراءة والصدق والعفوية والحضور الطاغي والموهبة التي تدخل قلبك من
أسرع طريق».
وانطلقت سعاد سينمائياً لتصبح في غضون عام واحد نجمة السينما الأولى ثم
نجمة الشباك والإيرادات وأغلى النجمات أجراً مختلفة ما بين الكوميديا
والاكشن وأفلام المغامرات والأفلام الاجتماعية والسياسية والملكة المتوجة
للفيلم الاستعراضي.. ومن فرط موهبتها وحضورها الطاغي وإحساسها الذهبي بدت
كأنها خلقت لتكون ممثلة وفنانة ونجمة ولا شيء غير ذلك.
بدأت مشوارها مع الفن وكان عمرها «3 سنوات» وقدمت أغنيات في الإذاعة
المصرية وهي في هذه السن الصغيرة جداً وكان هذا دليلاً على موهبة عبقرية
قادمة.. كانت تريد أن تكون مطربة وعندما ذهبت إلى التمثيل والسينما أصبحت
نجمة تتوالى أفلامها وتحطم الأرقام القياسية في النجاح الجماهيري والفني.
عملت مع كل النجوم والمخرجين الكبار. وهي صاحبة رصيد هائل في قائمة «أفضل
مئة فيلم مصري» وقبل ذلك وبعده هي «سعاد حسني» أسطورة السينما المصرية في
كل العصور.
ولدت «سعاد محمد حسني البابا» وهذا هو اسمها كاملاً في «حي الفوالة» القريب
من «قصر عابدين» بوسط القاهرة أما تاريخ ميلادها فالمؤكد فيه هو اليوم
والشهر «26 يناير» أما السنة فهي محل خلاف فهناك من يقول إنها من مواليد
عام 1942 وهناك من يؤكد أنها ولدت بعد هذا التاريخ بعام واحد أي سنة «1943»
وعلى ما يبدو أن الأقرب للصحة هو هذا التاريخ الأخير ولذلك فان ميلادها هو
26/1/1943 ولعل الدليل على ذلك أن كل المصادر تجمع على أنها حين بدأت
مشوارها السينمائي كان عمرها «16عاماً» وهي بدأت عام 1959 وهذا تاريخ موثوق
ومؤكد لأول أفلامها في السينما.
أما أسرتها فهي لم تكن أسرة بعيدة عن الفن فأبوها محمد حسني كان واحداً من
أشهر فناني الخط العربي في الثلاثينيات والأربعينيات وكان مشهوراً باسم
«حسني الخطاط» ويقال انه ينحدر من أصول شامية لأسرة كان معظم أفرادها
يعملون في الفن والغناء والتلحين.
أما أخواتها فهم كثيرون حيث كان لها «17» أخاً وأختاً معظمهم غير أشقاء
لسعاد.. فقد أنجب الأب من زوجته الأولى 8 أبناء هم «سميرة ونجاة وخديجة
وعفاف وعز الدين ونبيل وفاروق وسامي» ثم تزوج الأب من «جوهرة» وهي «أم
سعاد» وأنجب منها ثلاث بنات «كوثر وسعاد وصباح» وبعد ذلك حدث الانفصال بين
الأبوين بالطلاق فتزوجت الأم بعد طلاقها ومن هنا انتقلت سعاد لتعيش في بيت
زوج أمها في حي شبرا وكان زوج الأم هو «عبدالمنعم حافظ» الذي كان يعمل
مفتشاً في وزارة التربية والتعليم.. ومن هنا عرف عن نشأة سعاد حسني في حي
شبرا وأنجبت الأم من زوجها الثاني 6 أبناء وبذلك يكون مجموع أخوة وأخوات
سعاد «17» منهم فقط شقيقان لسعاد من الأب والأم وتوفيت شقيقتها الصغرى صباح
في سن مبكرة ولم يتبق لها غير شقيقة واحدة من الأم هي «كوثر» ولم يتفوق في
مجال الفن سوى اثنين بخلاف سعاد الأولى هي «نجاة» التي أصبحت المطربة
الكبيرة والشهيرة و«عز الدين» اشتهر كموسيقي وملحن.. لكن باقي الأخوة
والأخوات لم يحققن نجاحاً كبيراً أو شهرة في المجالات الفنية التي عملن
بها.
ومع كل هذا العدد الكبير من الأخوة والأخوات ومع انفصال والديها وهي في سن
مبكرة عانت سعاد كثيراً في طفولتها. لكن رغم ذلك ولولادتها ونشأتها في بيت
رجل فنان كان يتردد عليه المشاهير من رجال الفن كان من الطبيعي أن ينشأ
أولاد «حسني الخطاط» وبداخلهم الميول الفنية لذلك لم يكن غريباً أن تظهر
مواهب سعاد في سن مبكرة للغاية حيث انضمت لبرامج الأطفال في الإذاعة وعمرها
«3 سنوات» وفي البرنامج الإذاعي الشهير «بابا شارو» الذي كان يقدمه الإذاعي
الكبير ورائد برنامج الأطفال «محمد محمود شعبان « تقوم سعاد حسني بالغناء
وهي في هذه السن الصغيرة جداً ومن شدة نجاحها في الغناء كانت الطفلة الأولى
التي تكتب وتلحن لها الأغنيات وهذا يدلل على موهبتها المتدفقة التي ظهرت
وهي في السنوات الأولى من عمرها.
وعندما بلغت سعاد حسني سن المراهقة زادت معاناتها بسبب التشتت في المعيشة
والإقامة بين منزل والدها ومنزل زوج أمها وقد اثر هذا التشتت على استكمال
دراستها لكن زوج أمها كان رجلاً طيباً وشهماً واعتبرها بمثابة ابنته
تتولاها بالرعاية واحضر لها الكتب والمدرسين في المنزل ليعوضها عما فاتها
من الدراسة ولم يقتصر في دور زوج الأم على هذا فقط بل كان أيضاً متحمساً
لموهبتها الفنية وكان يرى فيها مشروعاً لفنانة عظيمة.
وتأتي النقلة والمحطة الأهم في حياة سعاد حسني عندما رآها الكاتب والمخرج
والممثل «عبدالرحمن الخميسي» وكان مرتبطاً بعلاقة صداقة مع زوج أمها.. كانت
سعاد وقتها قد بلغت الـ15 عاماً من عمرها وأصبحت شابة ومراهقة جميلة تنضج
ملامحها بالرقة والموهبة.. وعلى الفور يقرر الخميسي أن يأخذها إلى عالم
التمثيل فقد اكتشف أن هذه الفتاة خلقت لتكون ممثلة وفنانة.. وكان في ذلك
الوقت يحضر مسرحية لشكسبير من خلال فرقته المسرحية التي كونها.. وكان يرى
أن المسرح هو الذي يستوعب طاقتها الفنية تمثيلاً وغناء واحضر لها مدرساً
ليعلمها الإلقاء.. وبدأت سعاد تحضر بالفعل بروفات المسرحية والغريب هنا أن
هذا المدرس الذي كان يعلمها الإلقاء كان اسمه «إبراهيم سعفان» الذي أصبح
فيما بعد واحداً من نجوم الكوميديا في مصر.
لكن بشكل مفاجئ تعطلت هذه المسرحية وتوقفت وانشغل عبدالرحمن الخميسي بكتابة
مسلسل للإذاعة عن القصة التراثية الشهيرة «حسن ونعيمة» وقامت الفنانة
«كريمة مختار» بدور نعمية وعندما حقق هذا المسلسل نجاحاً كبيراً كان
التفكير في تحويله إلى فيلم سينمائي عهد بإخراجه المخرج الكبير «هنري
بركات».. هنا أدرك الخميسي أنها فرصة سعاد الذهبية في عالم السينما خصوصاً
انه أيضاً مؤلف الفيلم. فقدمها إلى بركات وهو يرشحها البطولة في الفيلم
ولكي تجسد شخصية نعمية وكان الخميسي قد دربها على أداء الشخصية لمرات
عديدة. رفض بركات في البداية على أنها شابة صغيرة عمرها 16 عاماً ولم يسبق
لها التمثيل من قبل فكيف ستواجه كاميرات السينما في دور بطولة.. لكن مع
إلحاح وتصميم الخميسي وافق بركات بعد أن أجرى لها اختباراً أمام الكاميرا
نجحت فيه ببراعة وبدأ تصوير الفيلم الذي شاركها بطولته المطرب «محرم فؤاد»
الذي كان أيضاً في بداية مشواره الفني وقتها. ومعهم محمود السباع وحسن
البارودي.. وحقق الفيلم نجاحاً هائلاً عند عرضه وكتب النقاد وأشادوا بشدة
بهذه الممثلة الجديدة الموهوبة التي تعبر بصدق من خلال ملامحها المشرقة
البريئة وأدائها المتقن لدور نعيمة رغم أنها المرة الأولى التي كانت تواجه
فيها كاميرات السينما.. وكان هذا الفيلم عام 1959.
بعد نجاح هذا الفيلم وما حققته سعاد حسني من نجاح كممثلة وبطلة سينمائية
انطلقت بشكل هائل وكبير خلال حقبة الستينيات لتكون نجمة السينما المصرية
الأولى خلال هذه الحقبة كما وكيف حيث قدمت خلال الستينيات وحدها «54
فيلماً» من إجمالي أفلامها السينمائية التي قدمتها طوال مشوارها السينمائي
والذي امتد لـ»34» عاماً قدمت خلاله 83 فيلماً.. وهنا لابد وأن نتذكر جملة
قالها المخرج بركات عندما صورت مشاهدها الأولى في فيلم «حسن ونعيمة» قال :
ملامحها البريئة وجمالها وحضورها الطاغي وموهبتها يجعلانها تصل إلى القلب
مباشرة.. ومن هذا الوصف للمخرج الكبير بركات انطلقت سعاد حسني لشاشة
السينما لتكمل مشوارها السينمائي كله وهي متحفظة بكامل الحضور والجمال
والبريق والموهبة وذاد عليها النضج والخبرة مع توالي السنوات والأفلام
وتعدد التجارب.
ونعود لحقبة الستينيات التي شهدت انطلاقتها لنرى أنها من أخصب إنتاج
سنواتها كما وكيف وكما ذكرنا قدمت خلالها «54» فيلماً بدأتها بفيلم «البنات
والصيف» 1960 حيث شاركت في بطولة «القصة الثالثة» للفيلم مع عبدالحليم حافظ
وزيزي البدراوي.. والطريف أنها في هذا الفيلم لم تكن حبيبة عبدالحليم حافظ
بل شقيقته والإخراج لفطين عبدالوهاب.. في نفس العام أيضاً قدمت بطولة
سينمائية مطلقة في واحدة من أهم الأفلام الكوميدية في السينما المصرية وهو
«إشاعة حب» مع عمر الشريف ويوسف وهبي وعبدالمنعم إبراهيم والإخراج أيضاً
لفطين عبدالوهاب ومع النجاح الهائل لهذين الفيلمين يتأكد نجاح سعاد حسني
وتتأكد موهبتها وحضورها الطاغي على شاشة السينما.. ورغم أن سعاد كانت في
بدايتها السينمائية وكانت تنقصها الخبرة إلا أن الذكاء لم يكن ينقصها
فنراها خلال هذه الحقبة تنوع كثيراً من أدوارها وأفلامها فنراها تقدم
الكوميديا بعد فيلم «إشاعة حب» في أفلام أخرى عديدة مثل «الساحرة الصغيرة»
1963 حيث الكوميديا التي يمتزج بها الغناء والرقص والاستعراض وفيلم أخر
يحمل نفس الصفات هو «صغيرة على الحب» 1966 والكوميديا الاجتماعية في فيلمين
«العريس يصل غداً» 1963 و«لعبة الحب والزواج» و«شباب مجنون جداً» 1967
و«حواء والقرد» 1968 وتقدم الكوميديا السياسية في فيلم «جناب السفير» 1966
وهذه الأفلام جميعا مع المخرج نيازي مصطفى.. كما قدمت الكوميديا أيضاً مع
مخرجين آخرين مثل فطين عبدالوهاب في «عائلة زيزي» 1963 و«حكاية جواز» 1964
مع المخرج حسن الصيفي وغيرها من الأفلام.
ولم تكن سعاد حسني خلال هذه المرحلة هي نجمة الأفلام الكوميدية الخفيفة
والاستعراضية فقط بل كانت نجمة لبعض أفلام الحركة والمغامرات مثل سلسلة
الأفلام الشهيرة التي كانت تحمل اسم «الثلاثة» مثل «الأشقياء الثلاثة»
1962- «المغامرون الثلاثة» 1965 والفيلمان إخراج حسام الدين مصطفى-
و«العزاب الثلاثة» 1964 للمخرج محمود فريد- «الثلاثة يحبونها» 1965 مع
المخرج محمود ذو الفقار.. وهو واحد من أهم أفلامها خلال هذه الفترة وهو عن
قصة وسيناريو وحوار لأمين يوسف غراب وشاركها بطولته حسن يوسف ويوسف فخر
الدين ويوسف شعبان.
وما دمنا ذكرنا النجوم لابد أن نتحدث عن مشوارها السينمائي واهم أفلامها من
خلال نجوم عصرها الذين عاصروها وعاصرتهم في هذه الفترة التي كانت سعاد حسني
هي نجمتها الأولى بلا منازع وكانت نجمة الشباك رقم واحد أفلامها الأكثر
إيرادات وهي أصبحت الأعلى والأغلى أجراً.. ولم يكن ينازعها خلال الستينيات
سوى نادية لطفي وقد شارك الاثنان معاً في بطولة فيلم «السبع بنات» مع
المخرج عاطف سالم عام 1961.. ونعود للنجوم الرجال خلال هذه الفترة لنرى أن
سعاد حسني تأقلمت مع معظمهم في فترة قياسية وشكلت مع بعضهم ثنائيات ناجحة.
في مقدمتهم رشدي أباظة ومعه قدمت سعاد حسني «10 أفلام» تعد من أفلامها
الناجحة والهامة ويعد أهمها على الإطلاق فيلم «غروب وشروق» مع المخرج كمال
الشيخ 1970.. ومن أفلامها المهمة أيضاً مع رشدي أباظة «صغيرة على الحب»-
«الساحرة الصغيرة»- «جناب السفيرة»- «بابا عايز كده»- «مبكى العشاق» 1966
مع المخرج حسين الصيفي.. وكان فيلم «الحب الضائع» 1972 الذي يعد من
كلاسيكيات السينما المصرية وهو مأخوذ عن رواية لعميد الأدب العربي د.طه
حسين وأخرجه هنري بركات من الأفلام التي توجت تعاون هذا الثنائي رشدي أباظة
وسعاد حسني.
أما مع شكري سرحان فقدمت معه سعاد عدداً من أفلامها المهمة والرائعة وكونت
معه ثنائياً فنياً قدم للسينما المصرية أفلاماً لا تنسى في مقدمتها «الزوجة
الثانية» 1967 مع المخرج صلاح أبوسيف والذي يعد من أهم كلاسيكيات السينما
المصرية.. ومن خلال 11 فيلماً جمعت بين الاثنين نرى أفلاماً أخرى مهمة مثل
«السفيرة عزيزة» 1961 من إخراج طلبة رضوان- «اعز الحبايب» 1961 للمخرج يوسف
معلوف- «الأشقياء الثلاثة»- و«سر الهاربة» 1963 للمخرج حسام الدين مصطفى-
و«حكاية جواز» ثم «الست الناظرة» 1968 مع المخرج احمد ضياء الدين وفي نفس
العام ولنفس المخرج قدما فيلم «التلميذة والأستاذة».
مع احمد رمزي قدمت سعاد حسني عدداً من الأفلام خلال حقبة الستينات أيضاً
أهمها «السبع بنات»- عائلة زيزي- شقاوة بنات- شقاوة رجالة- الريس يصل غدا-
أول حب- شباب مجنون جداً- شقة الطلبة- ثم واحد من أهم أفلامها «ليلة
الزفاف» مع المخرج هنري بركات عام 1969 وشاركها البطولة أحمد مظهر وشمس
البارودي.
ونأتي إلى حقبة السبعينيات لنرى أن سعاد حسني قدمت خلال هذه الحقبة 15
فيلماً فقط ونلاحظ أن أفلامها تراجعت كماً لكنها ارتفعت كيف.. وهذا يرجع
إلى أن سعاد بعد انتهاء الفترة الأولى من مشوارها السينمائي والتي قدمت
خلالها كما كبيراً من أفلامها «54 فيلماً» كما ذكرنا. قررت أن تقصر تواجدها
على الأفلام الجيدة فقط وان تختار أدوارها وأفلامها بعناية شديدة بعد عشر
سنوات من العمل المتواصل أصبح لديها الرصيد الهائل من الانتشار والشهرة كما
أن رصيدها من النجاح على تقديم الأدوار الصعبة المركبة قد أظهرته خلال
اثنين من أهم أفلامها «الزوجة الثانية» 1967 و«القاهرة 30» 1966 والفيلمان
للمخرج صلاح أبوسيف.. وقد نفذت سعاد قرارها بحسم كبير من هنا كانت هذه
الأفلام القليلة «15 فيلم» خلال السبعينيات لكنها الهامة للغاية في مشوارها
السينمائي.
بدأت سعاد السبعينيات بفلمين في غاية القوة هما «غروب وشروق» 1970 مع كمال
الشيخ وكانت قد قدمت معه عام 1969 واحداً من أهم أفلامها «بئر الحرمان»-
والفيلم الثاني هو «الحب الضائع» مع بركات وقد اشرنا إلى هذا الفيلم ونحن
نستعرض أفلامها مع رشدي أباظة..ومن أفلامها الهامة خلال السبعينيات فيلماها
مع يوسف شاهين «الاختيار» 1971 «الناس والنيل» 1972 ومع المخرج سعد عرفة
قدمت فيلم «غرباء» 1973 وفيلمين متتاليين مع المخرج سعيد مرزوق «زوجتي
والكلب» 1971 وهو من كلاسيكيات السينما المصرية.. والفيلم الثاني «الخوف»
1972 ومع حسن الإمام قدمت فيلمها القنبلة «خلى بالك من زوزو» 1972 وقد قدمت
الاستعراض خلال هذا الفيلم بشكل أكثر من رائع وهو واحد من أهم الأفلام
الاستعراضية ربما في السينما المصرية- وهو صاحب الرقم القياسي في مدة عرضه
حيث استمر يعرض بنجاح ساحق لمدة عاماً كاملاً.. فيلم استعراضي أخر قدمته
سعاد حسني مع حسن الإمام هو «أميرة حبي أنا» 1974 وهو أيضاً من أهم أفلامها
الاستعراضية الناجحة.
ونواصل استعراض مسيرتها الرائعة خلال السبعينيات لنرى أفلاماً أخرى هامة
مثل «المتوحشة» 1978 مع المخرج سمير سيف وهو من أروع أفلامها الاستعراضية-
ومع المخرج علي بدرخان قدمت فيلمين الأول «الحب الذي كان» 1973 والثاني هو
واحد من أهم كلاسيكيات السينما المصرية وواحد من أهم الأفلام السياسية التي
أرخت لحقبة سياسية هامة أيام مراكز القوى في الستينيات والفيلم هو «الكرنك»
1975 المأخوذ عن رواية رائعة لنجيب محفوظ ومع علي بدرخان قدمت فيلما ثالثاً
يعد من أفلامها السياسية الهامة هو «شفيقة ومتولي» 1978 وتعود لتلتقي مع
المخرج الكبير كمال الشيخ في واحد من أهم الأفلام السياسية في السينما
المصرية «على من نطلق الرصاص» 1975.. وتختتم سعاد حقبة السبعينات بواحد من
أهم أفلامها الاستعراضية «المتوحشة» 1979 مع المخرج سمير سيف والفنانين
محمود عبدالعزيز وليلى فوزي والفيلم كتب له السيناريو والإخراج الفنان
والشاعر الكبير صلاح جاهين كما كتب استعراضات الفيلم أيضاً.. وهنا لابد أن
نشير إلى علاقة الصداقة الحميمة التي جمعت بين صلاح جاهين وسعاد حسني..
كانت سعاد تعتبره ليس مجرد صديق مخلص بل اعتبرته أستاذها وأباها الروحي وقد
شملها جاهين برعايته فنياً وإنسانياً كما كان يشمل بنفس الرعاية عدداً من
الفنانين والنجوم في مقدمتهم أحمد زكي ويسرا وشريف منير وغيرهم وكل هؤلاء
اعتبروا صلاح جاهين بمثابة الأب الروحي لهم لذلك عندما رحل جاهين في
الثمانينيات أصيبت سعاد بالاكتئاب ومرت بحالة طويلة من حالات الحزن الشديد.
ونأتي إلى الفترة الثالثة والأخيرة في المشوار السينمائي لهذه النجمة
العبقرية وهي الفترة إلى بدأت من «1980 إلى 1991» وهو تاريخ أخر فيلم قدمته
للسينما «الراعي والنساء».. خلال هذه الفترة وصلت سعاد مسيرتها كفنانة
ونجمة صاحبة رؤية لأفلامها ورؤية لما يحدث في المجتمع حولها وهي رؤيتها
واختيارها لأفلامها عندما دخلت إلى حقبة السبعينيات.. في هذه الفترة
الأخيرة قدمت سعاد «13 فيلماً» وهو رقم أيضاً قليل من ناحية الكم لكنه عظيم
من ناحية الكيف إذا تأملنا هذه الأفلام التي بدأنها بفيلم «أهل القمة» 1981
مع المخرج على بدرخان وهو من أهم الأفلام السياسية التي قدمتها السينما
المصرية في السنوات الأخيرة واختير ضمن أفضل مئة فيلم مصري وهو عن قصة
لنجيب محفوظ وكان فيلمها الثاني «المشبوه» مع عادل إمام والمخرج سمير سيف
عام 1981 أيضاً وفي نفس العام قدمت مع المخرج محمد خان واحداً من أهم
أفلامه وأفلامها «موعد على العشاء» الذي شاركها بطولته احمد زكي ويعاودها
الحنين الكوميديا فتقدم فيلم «غريب في بيتي» مع المخرج سمير سيف ونور
الشريف وهو كوميديا اجتماعية راقية. ومن أفلامها المهمة خلال نفس الفترة
«الحب في الزنزانة» 1982 مع المخرج محمد فاضل وهو من الأفلام الاجتماعية
التي حملت مضموناً سياسياً وأيضاً فيلمها الرائع «الجوع» 1986 مع المخرج
علي بدرخان والمأخوذ عن حكاية من حكايات رواية «الحرافيش» لنجيب محفوظ وهو
ضمن قائمة أفضل مئة فيلم مصري كما قدمت مع المخرج شريف عرفة والسيناريست
ماهر عواد فيلم «الدرجة الثالثة» عام 1988 مع والمؤلف والمخرج يوسف فرنسيس
فيلم «عصفورة الشرق» عام 1986 وهو مأخوذ عن رواية توفيق الحكيم «عصفور من
الشرق». هنا لابد أن نشير إلى علامة فارقة في هذا المشوار السينمائي لهذه
النجمة وهو الاستعراض أو السينما الاستعراضية التي لم تجد من يشغلها بشكل
حقيقي بعد رحيل الرائعة «نعيمة عاكف» في سن مبكرة من عمرها في منتصف
الستينات.. وجد مخرجي السينما في سعاد مواهب متعددة تؤهلها لأن تعيد بريق
هذا النوع من السينما وبالفعل استطاعت سعاد ان توجد في أفلامها بما تملكه
من موهبة وحضور وصوت جميل هذه الروح الاستعراضية وتجلت في بعض أفلامها في
الستينات.. لكنها انطلقت أكثر في السبعينيات من خلال فيلميها الشهيرين «خلي
بالك من زوزو» وأميرة حبي أنا» ثم بعد ذلك في فيلمها الثالث «المتوحشة»
وكان سؤال النقاد وقتها كيف لهذه النجمة التي بدأت بالأفلام الخفيفة
والكوميدية وأفلام الحركة والمغامرات ثم أفلام القضايا الاجتماعية الهامة
ثم الأفلام السياسية.. كيف لها بعد ذلك أن تقدم السينما الاستعراضية بكل
هذه المهارة والبراعة والحقيقة؟ والإجابة تكون في أن سعاد بما تملكه من
موهبة أسطورية أرادت أن تقدم لجمهورها الكثير من ألوان السينما وان تثبت
لنفسها أنها قادرة على أداء كل الأدوار ومختلف الشخصيات وبلغ نجاحها في
السينما الاستعراضية أن أغنياتها التي كانت تقدمها في هذه الأفلام أصبحت
على كل لسان وتذاع في الإذاعة مثلها مثل أي مطربة وبهذا حققت سعاد حلمها في
أن تكون مغنية ومن هنا بدا سعاد أن تجمع المجد من كل أطرافه ولا تزال
أغنياتها خصوصاً التي كتبها الراحل العظيم صلاح جاهين ولحنها كمال الطويل
تعيش في وجدان وآذان الجمهور جيلاً بعد جيل تماماً مثل أفلامها الرائعة
التي لن تمحى من ذاكرة السينما المصرية فقط بل من ذاكرة ووجدان جمهور
السينما على مر الأجيال فسعاد حسني هي نجمة السينما لكل العصور. ولايزال
رحيلها في الحادث المؤسف يوم 21 يونيو عام 2001 يصيب جمهور السينما بالحزن
والحسرة.
النهار الكويتية في
22/08/2011 |