في الحادي عشر من شهر سبتمبر/أيلول المقبل، وبينما يعيش البعض ذكرى
كارثة عام 2001 المؤسفة، يستقبل الناس فيلماً يبشّر بكارثة مختلفة . إنه
“مُعدٍ”، فيلم من إخراج ستيفن سودربيرغ وبطولة مجموعة لافتة من الأسماء
المهمّة مثل ماريون كوتيار، مات دامون، جود لو، لورنس فيشبورن، كيت وينزلت،
جنيفر إيل، غوينيث بالترو وإليوت غولد، إلى جانب الممثل المصري عمرو واكد .
يتوجّه الفيلم إلى مهرجان فنيسيا المقبل، ويطمح كذلك إلى البقاء في
بال أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية لدخول ترشيحات الأوسكار في
مطلع العام المقبل . وهو يدور حول السعال . ليس أي سُعال، بل ذلك المعدي
الذي قد ينتشر بين الناس عبر التنفّس واللمس . في هذه الدراما التي تشترك
مع أخريات في التبشير بأن زوال الحياة على الأرض له أكثر من وسيلة، تتحدّث
عن انتشار وباء شديد لا يعرف حدوداً ولا يوجد ما يوقفه عند حدّه، ليس قبل
انتهاء الفيلم على الأقل .
في حين أن أفلاماً عدّة تبارت في السنوات الخمس عشرة الأخيرة للحديث
عن نهاية الحياة على الأرض، فإن “مُعدٍ” يختلف عن سواه بأنه يخلو من
الفانتازيا التي صاحبت الأفلام الأخرى . يخلو من تضخيم المسألة لكي توفّر
المؤثرات الخاصّة التي سريعاً ما تصبح جوهر السبب الذي من أجله تم إنجاز
الفيلم . هذا كان واضحاً في أفلام الكوارث الطبيعية مثل “تويستر” و”بركان”
و”تأثير عميق” التي تحدّثت عن عاصفة عاتية وبركان متفجّر ثم زلزال يتسبب في
“تسونامي” هائل يبتلع المدن الأمريكية الساحلية.
مراقب هذه الأفلام يدرك أن تغييراً مهمّاً يفصل بينها وبين مثيلاتها
التي تدور حول نهاية العالم وخرجت تباعاً في السنوات الثلاث الأخيرة مثل
“كتاب إيلاي” و”الطريق” .
“كتاب إيلاي” تبلور عن رحلة حامل كتاب (دنزل واشنطن) في حياة ما بعد الدمار
الشامل، يواجه في سبيل الوصول إلى ما تبقّى من مدنية أشراراً وقطاع طرق،
لكنه يستمر في وجهته رغم المخاطر .
“الطريق” كان أكثر واقعية، إذ تناول حكاية رجل (فيغو مورتنسن) وابنه الصغير
الباحثين عن ملاذ بعد كارثة كونية خلفت دماراً شاملاً، ووسط خطر الوقوع بين
أنياب آكلي لحوم بشرية .
ما سيميّز “مُعدٍ” على نحو مشهود أنه يقع خلال الكارثة وليس بعدها .
وسوف يعتمد على قدر محدود للغاية من المؤثرات الخاصّة، وسيكون دراما
“تجارية”، علماً أن فيلم سودربيرغ السابق الذي تناول مسألة تجارة المخدّرات
من دون أن يدلف إلى سينما الأكشن والعصابات .
العامل الذي يحدو بفيلم سودربيرغ للنجاح قائم على إثارة مخاوف الناس،
كشأن معظم الأفلام الكوارثية الأخرى، إنما من خلال الواقع وليس الخيال .
العبارة التي بدأت تنتشر على ملصقات الفيلم في هوليوود، تقول: “لا تتحدّث
مع أحد . لا تلمس أحداً” . لكن مشاهدة الفيلم وحدها هي التي ستقرر كم قدر
الواقعية المعتمدة لإيصال هذه الرسالة التحذيرية، وعمّا إذا كان الفيلم-
رغم واقعيّته- هو خيال مؤلّفين أو “نبوءة” في زمن ترتفع فيه مخاوف الناس من
الآفات والحروب والأخبار المتحدّثة عن سنوات عجاف تصيب المحاصيل ومياه
الشرب وغيرها من أسباب ترددها وسائل الإعلام، إضافة إلى الحروب المستشرية
وأعمال العنف المختلفة .
في مهرجان فينيسيا المقبل، سيكون للفيلم وقع مختلف قليلاً على مشاهديه
خصوصاً . هؤلاء الذين عادة ما يواجهون الأفلام بسخرية مكبوتة وحس بأن لا
شيء من هذا كلّه يخرج عن المتوقّع في السينما. فإذا استطاع الفيلم إثارة
مخاوفهم (أو على الأقل إعجابهم)، فإنه بذلك سيكون قادراً على إنجاز مهمّته
النوعية بين المشاهدين في المدن المكتظّة والصالات التي يتجالس فيها
الغرباء جنباً إلى جنب .
وإذا جرت العادة سماع سعال بعض المشاهدين، ربما لكثرة التدخين، أو
تبعاً لنزلة برد خفيفة، فإن هذه العادة ستكون سبباً للقلق . ولا تستغرب إذا
ما وجدت حركة تنقّل من كرسي إلى آخر خلال العرض .
يتحدث عن مغامرة إخراج الأجزاء
الأخيرة منه
ديفيد ياتس: "هاري بوتر" تحدٍ
صعب
مع انطلاق فيلم “هاري بوتر والمقدّسات المميتة- الجزء 2” يكون المخرج
البريطاني ديفيد ياتس أنجز ثلاثة أفلام من هذه السلسلة التي بلغ عددها
ثمانية . ومع ملاحظة ذلك الرواج الكبير لكل أفلام السلسلة، لا يمكن سوى
ملاحظة أنه، على عكس سلاسل سينمائية أخرى، مثل سلسلة جيمس بوند، فإن نجاحات
“هاري بوتر” ارتفعت من جزء إلى آخر عوض أن تنحسر بالتدريج . ديفيد ياتس كان
اختياراً مثيراً في البداية، كونه- وعلى عكس مخرجي الأجزاء السابقة جميعاً
مثل مايك نيووَل، ألفونسو كوارون وكريس كولمبوس- أتى من خلفية تلفزيونية
محضة . قليلون توقّعوا أن ينجز النجاح الذي حققته الأجزاء الثلاثة الأخيرة
لكنه فعل، ونحن نحاوره عن إنجازه في هذا اللقاء .
* ما التحدّي الأصعب الذي واجهته منذ أن تسلمت مهمّة إنجاز “هاري بوتر”
قبل أربع سنوات؟
- مواصلة النجاح الكبير الذي كانت السلسلة قد حققته . في شكل عام، هناك
مبادئ وعناصر لا يمكن المساس بها مثل اتباع المنهج المحدد ذاته الذي مارسته
الأجزاء السابقة . لا يمكن لأي مخرج يتولّى مهمّة تحقيق أي جزء من هذا
المسلسل أن يتصرّف بمنأى عن النموذج الذي برهن على فاعليّته بالنسبة إلى
المشاهدين، أو أن يمنح الفيلم أسلوباً مغايراً . لكن هذا وحده لا يضمن
النجاح، ولا أعتقد أن النجاح في أي مرحلة هو أمر مضمون . دائماً هناك
احتمال بأن يقوم المخرج بتحقيق كل شيء حسب المنهج ورغم ذلك، ولسبب خارج
نطاقه وخارج نطاق الإنتاج، يقرر المشاهدون أنهم لا يريدون مواصلة المغامرة
مع هذه السلسلة . التحدي كان أن أنجز المتوقّع دائماً من ناحية، وترجمة
النص الأدبي إلى صور لا تتوقّف عن إثارة الاهتمام . من ناحية أخرى عملت حسب
المنهج لكنني حرصت على تأمين القدر المطلوب من الإيقاع والتتابع المشوّق .
* تعاملت مع أبطال الفيلم الثلاثة، دانيال ردكليف وإيما واتسون وروبرت
غرينت منذ سنوات، ما التطوّر الذي لمسته في أداءاتهم؟
- أحياناً من الصعب معرفة ذلك بمجرد النظر إليهم على الشاشة .
ليس ممكناً معرفة التطوّر الذي حققه كل منهم مرّة تلو الأخرى . حين
بدأت عملي على هذه السلسلة كانوا في الرابعة عشرة والخامسة عشرة من العمر،
والآن تجاوزوا العشرين . هذه خمس سنوات من الاحتكاك الدائم التي مكّنتني من
ملاحظة كم بات من السهل على أي منهم معرفة المقصود والإقدام عليه من دون
جهد يُذكر . لكني لا أنسى أنهم تآلفوا مع المشروع منذ أن كانوا في الحادية
عشرة من العمر عندما تم اختيارهم للبطولة سنة ،2001 وأعتقد أن “هاري بوتر”
بالنسبة إليهم كان مدرسة صقل المواهب . هؤلاء ممثلون موهوبون وطموحون عملوا
بجدية كبيرة وبذلوا جهداً خيالياً لأجل إنجاح هذا المشروع، وهم يستحقّون ما
وصلوا إليه من مكانة . لا تنسى أيضاً أنهم كانوا على احتكاك دائم مع كبار
الممثلين مثل ماغي سميث وروبي كولتران وألان ريكمان، ما منح كلاً منهم خبرة
مهمّة ليست في متناول معظم الممثلين من جيلهم .
* لماذا القرار بعرض هذا الجزء الجديد بالأبعاد الثلاثية في وقت بدأ
الناس يتخلّون عن هذا الخيار مفضّلين الفيلم ذا البعدين؟
- بالنسبة إلي، نظام الأبعاد الثلاثية يجب أن يكون خياراً ابداعياً وليس
تقنياً، عليه أن يثري القصّة ويمنح تجربة المشاهد مع الفيلم مستوى أعلى مما
يتيحه النظام العادي . هذا لا يتحقق في كل مرّة يتم فيها استخدام نظام
الأبعاد الثلاثية . بعض الأفلام جاءت ضعيفة وحاجتها إلى هذا النظام غير
مبررة . لكنني أعتقد أننا تجنّبنا هذا الأمر عبر التأكد من الدوافع الفنية
والإبداعية وراء الاتجاه إلى تقديم الفيلم بثلاثة أبعاد .
سينما بديلة
الفيلم الصافي
حينما وجدت السينما نفسها متّهمة بأنها نسخة مشوّهة لفعلي المسرح
والكتابة، كان من الطبيعي أن تبحث لنفسها عن خط دفاع ضد مثل هذه الاعتبارات
المتعالية . المسرحيون اعتبروها “إعادة تكوين” شكلي للمسرح، وكان لهم بعض
الحق في ذلك على أساس أن أفلام العقد الأول من القرن العشرين لم تكن أكثر
من كاميرا ثابتة تعرض ما يمر أمامها، أو ما يتم تأليفه من دراما تمر أمامها
. وبذلك كانت أشبه إلى عين مشاهد يجلس في الصف الأول من المسرح .
كتّاب النصوص النثرية اعتبروها أيضاً ناقلاً ثانوياً كوسيط وكأهمية
للمواد الأدبية . كيف يمكن لها أن تصوّر نصّاً لبودلير أو فصلاً لشكسبير؟
وإذا ما استطاعت، ما مستوى ما تقدّمه بالمقارنة مع مستوى المادة الأدبية
الأصلية؟
كرد فعل على هذه الاتهامات، وكرغبة في رفع شأنها لتتساوى مع باقي
الفنون، وُلدت النية لاعتبار إمكانية استحداث شيء اسمه “السينما الصافية”،
تلك التي تقوم على منح الصورة الاعتبار الأول على أساس أنها، في حقيقة
الأمر، السينما . وإذا ما كانت هناك فعلياً “سينما صافية” فهناك بالتالي
“فيلم صافٍ” على أساس أنه رقم في حالة يمكن أن تشمل أفلاماً كثيرة بدورها
تشكّل سينما .
هذه النظرية مثيرة لإعجاب هواة السينما الفعليين . عشّاقها والمؤمنون
بأهميّتها الفنية ودورها الاجتماعي أيضاً . لكنها نظرية صعبة القبول، ليس
لأن الفيلم ما زال صرحاً لفنون ووسائط ثقافية وتعبيرية أخرى فقط، كالموسيقا
والرسم (أو التشكيل الفني) والكتابة الدرامية والتمثيل، الى آخره، بل
أيضاً، وأساساً، لأنه إذا ما تم الاستناد إلى قوّة الصورة وحدها، فإن
الناتج قد لا يحمل أي قيمة فنية ذات مستوى قيّم .
لدينا أخيراً فيلم ترنس مالك “شجرة الحياة” حيث تسبح الكاميرا في
الأجواء وتعانق الفضاء والأزمنة وتلحظ تكوين الطبيعة الساحر وتلتقط
روحانياتها . ذلك في الوهلة الأولى قيمة فنية رائعة . لكن هذا لا يفصل
مكوّنات العمل عن باقي الفنون، ولا أعتقد أن هناك شيئاً يمكن له أن يفصل
عناصر الفيلم عن عناصر الوسائط الفنية والثقافية الأخرى، إلا إذا اعتبرنا
أن الكاميرا في حركتها هي الطرح الفني الصافي الوحيد . لكن حينها على
الفيلم بأسره أن يكون “صورة”، بينما هو في الواقع صورة وحكاية وتمثيل
وألوان وهندسة ديكور وموسيقا وسواها .
الخطر هو أنه إذا ما تم اعتبار الكاميرا عنصراً منفصلاً فإن قيمة
الصورة ستهبط كونها، نظرياً على الأقل، تخلّصت من العناصر الفنية التي تشكل
الجوانب والأبعاد الثقافية بالضرورة، في مقدّمة ذلك، النثر في شكل الحوار .
هذا كان حال فيلم جون فورد “العربة” سنة 1939 الذي يتركنا لليوم في
حالة تقرير مصير .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
14/08/2011
الطريق إلى الأوسكار يمر عبر بن لادن
تعتزم هوليوود إنتاج فيلم سينمائي عن العملية التي
خاضتها القوات الخاصة الأمريكية لاغتيال زعيم القاعدة أسامة بن لادن وذلك
بالتعاون
مع وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون. وهو ما أثار العديد من الاستفهامات
حول علاقة
السينما الأمريكية بدوائر القرار السياسي والعسكري في الولايات المتحدة
الأمريكية
والدور الذي تلعبه هوليوود في علاقتها بالسياسة الأمريكية ومدى استقلالية
إنتاجها
السينمائي.
الفيلم من إخراج كاثرين بيجيلو زوجة المخرج الشهير جيمس كامرون
الحاصلة السنة الماضية على 6 جوائز في مسابقة الأكاديمية البريطانية
للأفلام قبل أن
تحصد 6 جوائز أوسكار من بينها جائزة أفضل مخرجة وتصبح أول
امرأة تحصل على هذا اللقب
في تاريخ الأوسكار منذ 82 عاما. وقد تمكن فيلمها من سحب البساط تحت فيلم
زوجها"أفاتار" الذي لاقى رواجا استثنائيا وإيرادات قياسية في تاريخ
السينما ولكنه
فشل على أعتاب الأوسكار.
وتطمح
بيجيلو إلى أن يكتسح فيلمها عن بن لادن أيضا
جوائز الأوسكار. خاصة وأنها هذه المرة ستشتغل على وثائق تصنف
بأنها عالية السرية
والمتعلقة بالعملية المثيرة للجدل التي أدت إلى اغتيال عدو أمريكا الأول
وزعيم
القاعدة أسامة بن لادن في الأراضي الباكستانية.
سيكتب السيناريو رفيق دربها
الكاتب مارك بوال والذي سيجلس مطولا مع خبراء البنتاغون والدوائر العليا في
الاستخبارات الأمريكية مثل مايكل فيكرس الذي يشغل وظيفة نائب رئيس قسم
المعلومات في
وكالة الاستخبارات. ويرى بعض النقاد أن هذا الفيلم يصب في
الدعاية السياسية
للديمقراطيين الذين يعتبرون أنهم حققوا انتصارا سهلا على القاعدة عجز
أسلافهم
الجمهوريون عن تحقيقه رغم كل الحروب التي خاضها الرئيس السابق جورج بوش.
طرح هذا
الفيلم إشكالية العلاقة بين هوليوود ومصادر القرار في الولايات المتحدة.
فقد جرت
العادة أن يقع التعاون بين البيت الأبيض والمخرجين السينمائيين
لإنجاز أعمال لها
علاقة بصورة أمريكا وبقضايا سياسية وعسكرية فيتكفل البيت الأبيض بتوفير ما
يحتاج
المخرجون من مواد ومعلومات وضبط حدود ذلك.
هذه المرة كما في فيلمها "خزانة
الألم" الذي يحكي قصة أخصائي أمريكي في نزع الألغام إبان الحرب على العراق،
تنسق
كاثرين بيجيلو مع البنتاغون للحصول على المعلومات والمعطيات الخاصة لكتابة
السيناريو وهو ما أثار الجدل في الأوساط السينمائية الأمريكية.
وفي رد للناطق باسم
البيت الأبيض قال إن البيت الأبيض مشغول بملفات أكثر أهمية وآخر ما يفكر
فيه هو
مناقشة فيلم سينمائي. وأن المعلومات عن اغتيال بن لادن قد تم نشرها منذ
حصول
العملية.
الفيلم الآن في طور كتابة السيناريو ومن المفترض أن يخرج إلى القاعات
في أكتوبر 2012. وقد صرحت بيجيلو أن القصة ستمتد على حكم ثلاثة
رؤساء هم بيل
كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما. ومن المتوقع أن يزداد الجدل حول
الفيلم بين
الديمقراطيين والجمهوريين الذين يعدون للانتخابات الرئاسية ويعتبر قتل بن
لادن من
الأوراق القوية التي يلعبها الديمقراطيون للتجديد لأوباما. وبحسب
الديمقراطيين
سيكون للفيلم دور في تقوية هذه الورقة. فأيهما يخدم الآخر
السينما أم
السياسة؟؟
معلوم أن صعود نجم زعيم القاعدة كان سببا في الصعود السياسي لبوش
الابن بعد 11 سبتمبر حينها اجتاح أفغانستان والعارق والآن
يحاول أوباما أن يجدد
حياته السياسية بموت بن لادن وبالخروج من العراق.. فيبدو أن بن لادن الذي
خدم رجال
السياسة في أمريكا يخدم أيضا أهل السينما الطامحين إلى الأوسكار عبر الـ"الطريق
على
بن لادن".
الجزيرة الوثائقية في
14/08/2011
حضور ثقيل في الذاكرة.. وربما في المستقبل!
عن
الحضور الفلسطيني في السينما اللبنانيّة
بشار إبراهيم
في السينما
اللبنانية، وبصدد القضية الفلسطينية، توافق الإنتاج الروائي القصير
والطويل، مع
الإنتاج التسجيلي، كان ذلك خلال عامي 1968 – 1969، أي تماماً ومباشرة أعقاب
نكسة
حزيران 1967، واحتلال مدينة القدس التي تمثل أهمية قصوى، كما
للمسلمين كذلك
للمسيحيين، فربما باحتلال مدينتي القدس وبيت لحم، توضَّح للسينمائيين
اللبنانيين
الخطر الداهم الذي تمثله الصهيونية، وبما يتجاوز فلسطين ذاتها.. وهو ما
جعلهم أكثر
عناية بالقضية الفلسطينية، التي تم تجاهلها سينمائياً لبنانياً
طيلة عشرين سنة منذ
النكبة.
هكذا انطلق الإنتاج السينمائي اللبناني ذو العلاقة بالقضية الفلسطينية
إثر النكسة. وسيعتبر فيلم «القدس» الذي أنتجته «جمعية الخامس من حزيران» في
بيروت
عام 1968، ومن إخراج الفنان التشكيلي الفلسطيني اللبناني/ فلاديمير تماري،
فاتحة
الإنتاج السينمائي التسجيلي اللبناني، وذلك بالموازاة مع فيلم
«القدس في البال»
للمخرج اللبناني/ أنطوان ريمي، خلال العام ذاته.
وفي الوقت الذي يصور الفيلم
الأول القدس، مدينة، وأماكن دينية، وأثرية، ويظهر آثار التخريب
والدمار،
والاعتداءات الصهيونية عليها، فإن فيلم «القدس في البال» لريمي يرتكز على
مجموعة من
أغاني السيدة فيروز التي أنشدتها حول المدينة المقدسة السليبة.
وقد تناسب
هذا الفيلم، مع مرور أول عيد ميلاد بعد أن أصبحت مدينة "القدس" و"بيت لحم"
ترزحان
تحت الاحتلال.
كان احتلال القدس بدايةً، ومن ثم التفتت الأفلام التسجيلية
اللبنانية لتصوير التهديدات العدوانية الصهيونية للبنان، انطلاقاً من
استهداف
الجنوب اللبناني، تالياً، ذاك الذي برز في أفلام لبنانية كما
في فيلم «الجنوب في
براثن الأعداء» لـ/ سمير نصري عام 1970، الذي يمثل تلمساً مبكراً للنوايا
العدوانية
الصهيونية تجاه الجنوب اللبناني، هذا الجنوب الذي جرى النظر إليه باعتباره
يمتلك
مواصفات استراتيجية واضحة، إذ أن فيه خزان بشري لا ينضب، فضلاً
عن كونه مفتاحاً
للبنان، وخاصرة رخوة لسوريا، كما يرى البعض، وفيه بدأت المقاومة الفلسطينية
تجد لها
موقعاً استراتيجياً عملياتياً، ينطلق منه العمل الفدائي الفلسطيني الصاعد،
حينذاك،
بعد انقضاء مرحلة تواجده في الأردن منذ العام 1970.. كما سنجد فيلم «قصة
سرحان»،
وهو عمل جماعي أنجز عام 1974، لمجموعة سينمائية، يتحدث عن أول
شهيد لبناني، سقط
دفاعاً عن الجنوب، ربما في نبوءة مبكرة جداً لاستكشاف طبيعة السيرورة
التاريخية
التي سيذهب فيها الجنوب اللبناني وما يترصده من معاناة بسبب العدوان
الصهيوني.
وفي الواقع، سيتمازج موضوع الجنوب اللبناني مع الموضوع الفلسطيني
نظراً للامتداد الجغرافي الواحد؛ (شمال فلسطين وجنوب لبنان)، والبشري
المتداخل،
وسيزداد هذا التمازج لا سيما منذ النصف الثاني لسبعينات القرن
العشرين، عندما احتل
العدو الصهيوني أجزاء من الجنوب اللبناني إثر اجتياح 1978، بحيث بات يصعب
التمييز
بين هذه الأفلام، ليس فقط بسبب تحول الجنوب اللبناني إلى أراض محتلة، كما
فلسطين،
بل لأن الكثيرين من السينمائيين اللبنانيين، وفضلاً عن الدوافع
الأيديولوجية
اليسارية عموماً، وجدوا فسحة للعمل في إطار مؤسسات الثورة الفلسطينية، أو
تلقوا
منها أشكالاً من الدعم، لتحقيق أفلامهم.
هذه العوامل هي التي جعلت الموضوعات
اللبنانية والفلسطينية تتداخل بشكل مثير، ففي عام 1971 يقدم
كريستيان غازي فيلم «لماذا
المقاومة؟» الذي يحتوي أحاديث وريبورتاجات مع بعض القادة والمفكرين
العاملين
في الثورة الفلسطينية، ومن أبرزهم الأديب/ غسان كنفاني الروائي (الشهيد
فيما بعد)،
إضافة إلى د. صادق جلال العظم، الذي كان يعمل في الثورة،
حينذاك، وإبراهيم العابد..
ويتناول هذا الفيلم واقع الثورة عام 1971 إثر خروجها الدامي من الأردن.
كما
سيعتمد فيلم «24» لـ/ بهيج حطيط، وفيلم «مبعثرون في الهواء» لـ/ جاك ميدفو،
وهما من
إنتاج عام 1971، على الرسومات الفنية التشكيلية للفنانة "منى السعودي" في
الفيلم
الأول، وعلى مجموعات من رسوم الأطفال في الفيلم الثاني، واستكناه الدلالات
العميقة
لهذه الرسوم، وتعبيراتها المتأصلة في الوجدان، ومقدرتها
الفائقة في التعبير عن
الأحلام، وعن التوق العارم لدى الجميع، نحو حلول مناسبة آمنة.
وما بين نهاية
الستينات ومطالع السبعينات، من القرن العشرين، ستثير النظرة إلى الأفلام
الروائية
الطويلة في السينما اللبنانية حول القضية الفلسطينية إشكالية مفجعة، ففي
حين نجحت
السينما اللبنانية عبر الأفلام التسجيلية بأداء بعض دورها، وتقديم علامات
بارزة في
السينما العربية، فإن الأفلام اللبنانية الروائية الطويلة
بعمومها جاءت متهافتة،
قاصرة عن فهم القضية الفلسطينية، بأبعادها، أو التعبير الصادق ضمنياً
وفكرياً عن
جوهر القضية، الأمر الذي تجلى بالنفور النقدي، أو الاخفاق الجماهيري..
في
هذا المجال يذكر "حسان أبو غنيمة" أن "كريستيان غازي" قدم عام 1967 فيلماً
بعنوان «الفدائيون»
مقتبساً عن مسرحية بريخت «بنادق الأم كارارا» وذلك بإسقاطات رمزية بصدد
القضية الفلسطينية، في محاولة منه لصنع فيلم عن المقاومة
الفلسطينية، وذلك من خلال
مجموعة من الفدائيين التي تقوم بعملية فدائية استشهادية في الأرض المحتلة..
لكن "أبو
غنيمة" يرى أن هذا الفيلم «على الرغم من نبل مقاصده، وسمو طموحه، لم يستطع
تحقيق النجاح المناسب».. وكذلك الأمر، وإن في اتجاه آخر، بصدد
المخرج/ غاري
غاربيديان الذي قدم فيلمه «كلنا فدائيون» عام 1969، من بطولة الفنان
الفلسطيني "غسان
مطر"، واللبناني "جوزيف نانو"، وآخرين.. الفيلم يدور حول مجموعة فدائية
تدخل
الأرض المحتلة في سبيل تنفيذ عملية فدائية، ولكن المجموعة تستشهد بسبب
مهاجمة
القوات الصهيونية، بعد افتضاح أمرها، بوشاية من فتى إثر
تعذيبه؛ ويدرك هذا الفتى
فعلته الشنيعة فيما بعد، فيقوم هو بدوره في تنفيذ عملية مهاجمة مقرّ الضابط
الصهيوني، وينضم إلى صفوف الثورة.
وبصدد هذا الفيلم، ثمة من يقول: «لقد
انتهج المخرج غاربيديان في هذا الفيلم الأسلوب البوليسي في
صياغة فيلمه، مفعماً
بنزعة خطابية مدفوعة بروح وطنية، عالية الإحساس، محدودة العمق في وعيها؛
حيث لم
تخرج أبداً عما هو سائد في السينما التقليدية لناحية رسم صورة الفدائي
الفلسطيني من
جهة، والجندي الصهيوني من جهة أخرى، وتركيب الحوار المفتعل،
والأحداث المختلقة..
ومع ذلك فقد نجح هذا الفيلم بفضل الروح الوطنية المفعمة فيه، والمأساة التي
رافقته،
حيث ذُكر أن قنبلة انفجرت أثناء تصوير آخر المشاهد، فقضى بسببها 22 شخصاً
من
العاملين في الفيلم، بينهم المنتج والمخرج والمصور والممثل
الأول».
ثم جاء
فيلم «الفلسطيني الثائر» للمخرج السوري رضا ميسر عام 1969، وهو محاولة
لتناول
القضية الفلسطينية عبر فيلم روائي طويل، فهو وإن حاول تصوير ما يدور في
الأراضي
المحتلة، وممارسات الصهاينة، من تعذيب وإرهاب وعنصرية، ضد
العرب، والدعوة إلى الحل
الاستراتيجي في القضاء على الصهيونية، وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم، ولكن
كل ذلك
بقي في إطار النوايا، إذ لم يتجسّد سينمائياً، بل انتمى هذا الفيلم إلى
الأفلام
التجارية التي تستغل القضية الفلسطينية لأغراض تجارية. ومن
المعروف أن المخرج
السوري "رضا ميسر" احترف في لبنان الاشتغال على الأفلام التجارية.
الأمر
ذاته، يقوله بعض النقاد عن فيلمي «فداك يا فلسطين» لـ/ أنطوان ريمي عام
1969 الذي
يتكئ على حكاية امرأة فلسطينية عجوز تدفع بأبنائها للشهادة، وفيلم «أجراس
العودة»
لـ/ تيسير عبود في ذات العام، إذ تتمّ الاشارة إلى أن في كل من الفيلمين
«تم
الاعتماد على قصص ملفقة، أو اعتمد السذاجة والبدائية، في صياغة القصة
والشخصيات
والبناء الفني».
ربما كان التطلّب النقدي يروم أبعد مما في وسع السينمائيين
فعله، أو لعلها المؤثرات الإيديولوجية التي حكمت قسطاً من النقاد، الأمر
الذي دفعهم
إلى اتخاذ مواقف نقدية غاية في الصرامة تجاه المحاولات
السينمائية، التي لم تكن
تمتلك حينها إلا البسيط من الأدوات الفنية والتقنية، وتقتدي برغبات الجمهور
في
سينما تعوّض خساراتهم في الواقع بإنتصارات على الشاشة!.. وهي الآفة التي
أصابت عموم
السينما العربية التي شاءت تناول جوانب من القضية الفلسطينية،
باستثناءات محدودة،
ربما من أبرزها فيلم «كفر قاسم» الذي حققه اللبناني/ برهان علوية عام 1974،
بتعاون
ما بين مؤسسة السينما اللبنانية، والمؤسسة العامة للسينما السورية، بدعم
أوروبي
بلجيكي فرنسي.
مع الإشادة بفيلم «كفر قاسم»، وهي حق له تماماً، ينبغي لنا
الانتباه أن الحديث النقدي الأيديولوجي عن فيلم «مائة وجه ليوم واحد» لـ/
كريستيان
غازي، الذي نال جائزة النقاد السينمائيين في مهرجان دمشق الدولي الأول
لسينما
الشباب 1972، والذي اعتبره النقاد بمثابة «فيلم نظيف، يستند
على قصة عاملين
فلسطينيين، ينتظمان في صفوف الثورة الفلسطينية، ومن خلال قصتهما يدين
الفيلم
الشرائح البرجوازية، ويمجّد الطبقات الكادحة، التي هي بالطبع صاحبة المصلحة
الحقيقية في الثورة والنضال»، لم يوفر للجمهور فرصة واسعة
لمشاهدة الفيلم، على
الأقل كما حصل لفيلم «كفر قاسم» الذي نال النجاح النقدي، والجماهيري،
والمهرجاناتي
التي توجت بذهبية مهرجان قرطاج ذاك العام. وإن كانت مشاهدتنا لفيلم
كريستيان غازي
تشير إلى أنه تجريب سينمائي مبكر، كان من الصعب أن يجد إقبالاً
جماهيرياً، حتى في
أوساط النخبة التقليدية الثقافة.
ومع دخول لبنان في أتون الصراع الدامي، منذ
مطالع السبعينات، والذي امتد حتى منتصف الثمانينات، شرعت
السينما التسجيلية
اللبنانية، في رصد هذه المأساة المفجعة؛ وخلال هذه الفترة تمازج النضالان
الفلسطيني
واللبناني، وبدا ذلك جلياً خلال الاجتياحين 1978 و1982 وحصار بيروت، فكان
من
المنطقي أن يظهر الهمّان، في إهاب الهمّ الواحد، والمشترك..
منذ ذاك الوقت
بدأت السينما اللبنانية التطرق إلى موضوع الجنوب اللبناني بشكل واضح
ومباشر؛ وهي
أفلام رغم محدوديتها، إلا أن غالبيتها جاءت على مستوى فني جيد، ويعتبر فيلم
«بيروت
يا بيروت» لـ/ مارون بغدادي 1975 البداية المناسبة لما هو
لبناني في هذا الاتجاه،
رغم أنه لم يبتعد عن محورية وجود المقاومة الفلسطينية في الجنوب، حينذاك.
ومن
الجدير ذكره أن مارون بغدادي أنجز العديد من الأعمال حول الجنوب، نذكر
منها، على
الأقل، فيلمه «الجنوب بخير طمّنونا عنكم».. وسيمضي بغدادي في
تجربته، مؤسساً لسياق
سينمائي متميز على نحو لفت الأنظار إليه، عربياً، وأوروبياً.
وإذا كانت
المخرجة اللبنانية/ جوسلين صعب قدمت في العام 1982 فيلمها «سفينة المنفى»
الذي يرصد
السفينة التي نقلت الفدائيين الفلسطينيين، عقب اجتياح لبنان، ومحاصرة
بيروت، فسنجد
أنه في الفترة التالية لاجتياح 1982، وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان،
قد أخذت
السينما اللبنانية منعطفاً جديداً، حيث انغمست في دراسة الحرب
الأهلية، وانعكاساتها
النفسية والاجتماعية، على الأجيال السابقة، التي شهدت هذه الحرب، والأجيال
االتالية، التي نشأت في أتون هذه المعارك، أو على حوافها.
ويمكننا أن نعتبر
الكثير من الأفلام اللبنانية من هذا النسق سواء كانت تسجيلية أو روائية،
قصيرة أو
طويلة، أو تمازج بين الروائية والتسجيلية والوثائقية، غير بعيدة عن الهمّ
الفلسطيني
لأن ثمة تواشج كبير في هذا الشأن، فالفلسطينيون بدوا كاللبنانيين تماماً،
إذ دفعوا
أثماناً باهظة في هذه الحروب، والحروب التي تفرّعت عنها،
وتورّطوا كاللبنانيين
تماماً فيها، وعند قراءة ملابسات هذه الحرب وآثارها وانعكاساتها، لا بد من
حضور ما
للفلسطينيين في تفاصيل اللوحة..
وفي أصل اللوحة التي نحاول قراءتها، تبرز
تجربة المخرجة الفلسطينية "مي المصري"، وزوجها المخرج
اللبناني/ جان شمعون، حيث
مثّلا أبرز ثنائي سينمائي متميز، لبنانياً وعربياً، فمنذ أن أنهت "ميّ
المصري"
دراستها في أمريكا، وعودتها إلى لبنان، وزواجها من المخرج/ جان شمعون،
شرعا في
مسيرة سينمائية متميزة.
في العام 1982 بدأت المسيرة المشتركة، فيما بينهما،
والتي ضمَّت فيلم «تحت الأنقاض» الذي يتحدث حول حصار بيروت، والاجتياح
الصهيوني
للبنان، وما رافق ذلك من اعتداءات وحشية، واشتباكات عنيفة، بين
المقاومة الوطنية
اللبنانية والفلسطينية من جهة، وبين قوات العدو الصهيوني من جهة أخرى.
تجربة "جان
شمعون" و"ميّ المصري" تستحق دراسة واسعة، واهتماماً حقيقياً، ليس فقط
لاستثنائيتها في عالمنا العربي، بل لقدرة هذا الثنائي المتناغم على تحقيق
سينما
مختلفة، ومتميزة، يمكن من خلالها قراءة الموضوع اللبناني،
والموضوع الفلسطيني، كلّ
على حدى، كما بتداخلهما وتشابكهما، حتى لا يكاد للمرء العارف أن يتمكن من
إدراك
الحدود الفاصلة بين ما هو لبناني وما هو فلسطيني، في أفلامهما المشتركة، أو
أفلام
كل منهما بالتعاون مع الآخر.
وعن الملاحم البطولية التي سجّلها الشعب
اللبناني المقاوم، في الجنوب اللبناني، سينجز العراقي "قيس
الزبيدي" فيلمه «واهب
الحرية» 1989 من إنتاج «أنصار المقاومة اللبنانية»، فيكون
بمثابة تحية للمقاومة
الوطنية اللبنانية، كما يغدو هذا الفيلم وثيقة هامة للتاريخ والعالم، عن
نضال شعب
لم يقبل الذلّ ولا الهوان، ولم تكسره الممارسات البشعة.
فيلم «واهب الحرية» عمل
وثائقي يستعين بكل الوسائل السمعية والبصرية، في محاولة إعادة
سرد تاريخ نشوء وتطور
المقاومة الوطنية اللبنانية، ومن ثم المقاومة الإسلامية اللبنانية، مستفيدة
من تراث
وتجربة المقاومة الفلسطينية، ليؤكد جدلية العلاقة بين حركتي المقاومة
اللبنانية،
والمقاومة الفلسطينية.
وفي التسعينات سنجد ظهورا متعددا للجنوب اللبناني،
في غير فيلم، نذكر منها فيلم «الشريط بخير» لـ/ أكرم زعتري، وفيلم «قانا»
لـ/محمد
سويد، كما صوّر "جورج شمشوم" وثائق بصرية حول الميليشيات
العميلة للعدو الصهيوني،
وهي وثائق تصلح لصياغة أفلام هامة.. دون أن ننكر ظهور عدة أفلام أنجزها
مخرجون شباب
في الجامعات والمعاهد
والكليات اللبنانية، ممن بادروا لإنجاز أفلامهم ذات الهم
والاهتمام بالشأن اللبناني عامة، والجنوب خصوصاً..
ولكن
الأمر الأكثر أهمية في السينما اللبنانية سيكمن في تلك المراجعات التي قام
بها عدد
من السينمائيين اللبنانيين الذين لم يكتفوا بالعمل مع سينما الثورة
الفلسطينية، بل
انخرطوا في صفوف نضالاتها، وعاشوا أحلامها (هل نقول أوهامها؟)، فكانوا هم
أنفسهم
مشاريع شهداء، وها هم اليوم بعد مرور الكثير من المياه في النهر، يعيدون
قراءة ما
كانت عليه الثورة، وما كانوا هم عليه من أوهام، أو أحلام!..
كان ذلك في أفلام
متميزة من طراز «عندما يأتي المساء»، ولن ينتهي عند فيلم «ما هتفت لغيرها»
للمخرج
اللبناني/ محمد سويد، وكذلك في أفلام "ماهر أبي سمرا"، وفي مقدمتها فيلمه
«دوار
شاتيلا»، لنتبين في النهاية، أن الموضوع الفلسطيني لبنانياً كان أكثر من
ظاهرة
عابرة، ذات وقت، وارتقى إلى درجة أنه مسألة حياة وموت!.. ومن
حسن حظنا، وحظ السينما
الللبنانية أنهم نجوا، على الأقل ليقدموا لنا أفلام المراجعة الذاتية، التي
تكشف
الكثير مما كان، ومما كان من المحتمل أن يكون..
عموماً، إن الأفلام
اللبنانية الجادة وجدت في الموضوع الفلسطيني واحداً من مفردات الواقع
اللبناني،
لذلك لم تستطع القفز فوق هذا الموضوع، أو تتجاهله، وإن لم تتوغل في عمقه،
ففي فيلم
«أشباح
بيروت» لـ/ غسان سلهب 1999، مثلاً، سنجد محاولة دراسة الآثار والمنعكسات
النفسية، التي تركتها الحرب على أجيال متقاربة في العمر، متفاوتة في
التجربة. وفي
فيض بحث الفيلم هذا، وأسئلته القلقة المحرجة، يظهر الموضوع
الفلسطيني من خلال
حوارات هذه الشخصيات، وتفاصيل الواقع؛ ورغم أن الفيلم لم يذهب مباشرة نحو
الموضوع
الفلسطيني، كالذهاب إلى مخيمات بيروت، والشهداء، والمقاتلين الفلسطينيين،
في بيروت
الحرب، ومصيرهم في بيروت ما بعد الحرب، إلا أن الشأن الفلسطيني
حضر بصيغة من الصيغ:
فلسطين المحتلة، الثورة، العودة، الأحلام، التنظيمات.. والكارثة عموماً..
وهو ما
سنجده في الكثير من الأفلام اللبنانية، بدءاً من «بيروت الغريبة» لـ/ زياد
دويري،
مروراً بفيلم «طيارة من ورق»، لـ/ رندا الشهال، وصولاً إلى أحدثها؛ فيلم
«رصاصة
طايشة» لـ/ جورج هاشم.
هذه الأفلام اللبنانية، التي لم تستطع الإفلات من
الموضوع الفلسطيني، الذي ما زال ثقيلاً في الذاكرة، وفي الواقع، وربما في
المستقبل
اللبناني.
الجزيرة الوثائقية في
14/08/2011 |