أكد الفنان عزت العلايلى، أن محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك تعتبر رفع
لقيمة وشأن مصر أمام العالم، وأضاف العلايلى لـ"اليوم السابع"، أن المحاكمة
تمر بشكل حضارى مثقف ويجب علينا أن نصفق لدولة القانون ونرفع لها القبعة
لأنها رفعت شعار العدل أمام الجميع.
وأضاف أنه لا أحد يستطيع أن يعترض على شكل المحاكمة اليوم لأنها تقدم
نموذجا حضاريا يسعد الأمة العربية، وما يحدث الآن درس فى التحضر والرقى
لجميع طوائف العالم.
وعن الاشتبكات بين المؤيدين والمعارضين للمحاكمة قال العلايلى، يجب على
الجميع الهدوء لعدم خدش الصورة الحضارية، وأرجو أن الهدوء يسود وبالعدل
والانضباط والقانون نتجاوز كل الأزمات لأن مصر الآن تقدم مائدة محترمة فى
المنظومة الفكرية والسياسية.
من جانبه، قال الفنان يوسف شعبان، اليوم فقط شعر المصريون بكرامتهم بعد
إهدارها على مدى ثلاثين عاما، ولم يتوقع أحد على الإطلاق أن يأتى هذا اليوم
الذى يمثل فيه الرئيس السابق وأبناؤه أمام العدالة ولكن القدر يعمل
بالمرصاد.
وأضاف شعبان تلك المحاكمة تدل على نزاهة القضاء المصرى، وكلنا نعلم أن
القضاء تعرض لاحتكاكات من جانب النظام السابق لنزاهته وشرافته، وعلينا الآن
أن نهدأ ونحقق كل مطالبنا بالقانون.
وطالب شعبان القضاء أن لا تأخذهم رأفة أو رحمة بالرئيس السابق حسنى مبارك
حتى يبرد دم الشهداء وتهدأ ثورة أهاليهم، مؤكدا أن حكم الإعدام هو القصاص
لأسر الشهداء وللمصريين جميعا.
وأعرب المخرج محمد فاضل عن تفاؤله بمحاكمة الرئيس السابق قائلا ليس من حق
أحد الآن أن ينصب نفسه قاضيا للمحاكمة لأن العدالة ما زالت تأخذ مجراها.
وأضاف فاضل، المحاكمة تطمئن الشعب المصرى عموما وليس ثوار التحرير وأسر
الشهداء فقط لأن الظلم كان ملحق بالجميع فى ظل حكم الرئيس السابق.
وأكد فاضل، أنه يجب علينا الصمت والانتظار، لأن القضية منظورة أمام المحكمة
وعلينا جميعا أن ننتظر ما تقضيه العدالة.
اليوم السابع المصرية في
03/08/2011
فيصل ندا:
محاكمة مبارك دليل على انتصار الثورة
كتب العباس السكرى
عقب ظهور الرئيس حسنى مبارك فى قفص الاتهام، سادت حالة من الاطمئنان لدى
الأوساط السينمائية من الكتاب والمبدعين، معبرين عن سقوط دولة الظلم وقيام
دولة العدل من جديد.
وصرح الكاتب الكبير فيصل ندا لـ"اليوم السابع" أنه اليوم فقط آمن أن الثورة
لنتصرت وبدأت تسير فى طريقها الطبيعى، وأكد فيصل أن محاكمة حسنى مبارك وضعت
حداً للشكوك والتساؤلات الكثيرة التى كانت تملأ صدور المصريين والعرب
والأجانب، والمحاكمة تعتبر شهادة نجاح حقيقية للثورة.
وأضاف ندا أن الثورة فعلت جملة "سيادة القانون"، وهذه الجملة كان يتشدق بها
النظام السابق دون أن يعمل بها، لكن الثورة طبقت دولة سيادة القانون، وهذا
يعتبر إنجازا كبيرا يحسب للثورة المصرية.
من جانبه يرى الكاتب الكبير يسرى الجندى أن المحاكمة أتت فى إطار تحقيق
العدل والمساواة بين أبناء الشعب المصرى، قائلا لا يمكن أن نعلق على
الأحداث الآن إلا بعد نهاية المحاكمة، وكلنا ثقة فى القضاء المصرى العادل.
ووصف كاتب السيناريو والمؤلف بشير الديك المحاكمة بالمشهد الهائل، والأكثر
من ممتاز، قائلا نحن أول شعب عربى يستطيع أن يحاكم رئيسه وأركان نظامه
الفاسد الذى نهب وجرف وقزم الدولة، لكى تكون على مقاس ابنه القزم، وأضاف
الديك يكفى تدليلا على صهيونية المدعو حسنى مبارك شهادة العدو الصهيونى "بن
آلى عاذر" فى حقه اليوم الذى عبر عن حزنه وأسفه الشديد لما يتعرض له مبارك
من محاكمة الآن، زاعما أنه كان يساعد على الاستقرار فى المنطقة.
وأوضح الديك أن تلك الشهادة تثبت أن مبارك كان جاسوسا لدى إسرائيل بحجة
الاستقرار والسلام، وأشاد الديك بالفضل لشباب الثورة وشهدائها الذين قدموا
أنفسهم قربانا لهذا الوطن العظيم.
وقال المؤلف الدرامى عبد الرحيم كمال: "الشعب المصرى الآن يشعر براحة
لامتناهية دون التعاطف مع الرئيس السابق، والمحاكمة ساهمت فى عودة روح
التفاؤل والأمل فى الحياة"، وأضاف كمال أن الجدل الذى يحدث خارج قاعة
المحاكمة بين مؤيدى ومعارضى حسنى مبارك نتيجة عواطف طبيعية ناتجة عن فقدان
أسر الشهداء لأبنائهم، وعلى الجانب الآخر مؤيدى الرئيس السابق لكن فى
النهاية سيتحقق العدل.
وأكد كمال أنه لابد من الإيمان والثقة فى رجال القضاء المحاكمين للرئيس
السابق، حتى لا يكون هناك ردود أفعال سيئة من جانب الشعب المصرى.
اليوم السابع المصرية في
03/08/2011
"الديفو":
فن محاكمة رؤوس النظم الفاسدة في السينما
أحمد رزق
الله
هل
سيُحاكَم حقاً أم لن يطيل الله في عمره (أو ربما عمرنا) حتى نشهد هذه
اللحظة؟ سؤال لازال يشغل بال كثير من المصريين منذ بدء "مسلسل" محاكمة حسني
مبارك.
كانت
مفاجأة للجميع حين صدر أمر النائب العام المصري بالتحقيق مع الرئيس المخلوع
مبارك وما تلا ذلك من صدور قرار بحبسه على ذمة هذه التحقيقات.. مفاجأة ليس
للمصريين فقط ولكن أيضاً لجميع أوساط العالم العربي (الذين ربما شعروا
بالصدمة أكثر من الإحساس بالمفاجأة) والعالم الدولي أيضاً الذي خرجت وسائل
إعلامه لتعلن في صدارة أخبارها عن صدور أمر بتوقيف أول رئيس عربي على قيد
الحياة. وجدت نفسي مع سماعي للخبر وقتها أندفع تجاه مكتبة أفلامي باحثاً
وسط مجموعة الدي في دي عن فيلم واحد فقط وبعينه."الديفو"
Il Divo..
هذا الفيلم الإيطالي لمخرجه صاحب القدرة الهائلة على صنع صورة بديعة
ومختلفة باولو سورينتينو
Paolo Sorrentino.
كنت قد
لاحظت أنه - ومنذ تخلّي الرئيس المصري السابق عن الحكم في أعقاب اندلاع
الثورة، وبدء القبض على رجال النظام الواحد تلو الآخر- وهذا الفيلم يخطر
ببالي كثيراً حتى أصبحت مع الوقت تواقاً لمشاهدته لمرة جديدة (قد يلزم
التوضيح أنه سبق لي مشاهدة هذا الفيلم حوالي أربع أو خمس مرات من شدة حبي
له، كانت إحداها في عرضه العالمي الأول بدورة عام 2009 لمهرجان كان وأخرى
أثناء عرضه بمهرجان دبي السينمائي في نهاية نفس العام).
غير أنني
استغربت هذه المرة من الإلحاح الداخلي الشديد الذي ظل مسيطراً علىّ لفترة
طويلة لمعاودة مشاهدة الفيلم - والذي استسلمت له أخيراً- في نفس الوقت الذي
لم أجد في نفسي -وسط متابعة نشرات الأخبار والبرامج السياسية المتلاحقة- أي
رغبة حقيقية في التركيز مع أي فيلم سواء في السينما أو حتى التليفزيون.
حسبت قد
يكون وراء لهفتي تلك إنحيازي الشديد لسينما هذا المخرج الأربعيني المدعو
سورنتينو، خاصةً وأنني كنت قد عدت لتوي من الدورة الأخيرة لمهرجان كان حيث
شاهدت له فيلمه الأحدث
This must be
the place(من
بطولة الأمريكي شون بين) وهو الفيلم الذي أعتقد أنه ظلم كثيراً بعدم فوزه
بأي من جوائز المهرجان. غير أن مع اللحظات الأولي لتشغيلي لـ"Il
Divo"
تأكدت أن إعجابي بـ"سورنتينو" ربما يأتي في مؤخرة أسباب اندفاعي لاستعادة
هذا العمل.
مع
المشاهد الأولي للفيلم أدركت أن التشابه الشديد بين فساد الحياة السياسية
الإيطالية - والذي يفضحه الفيلم - والفساد العفن الذي عشناه في مصر طوال
الثلاثين عاماً الماضية والذي تفجرت فضائحه مع سقوط الرئيس السابق هو أحد
أهم عناصر الربط التلقائي بين "Il
Divo"
والأحداث التي عايشناها طوال الأشهر السابقة. فالفيلم الذي يوثق حياة واحد
من أهم السياسيين الإيطاليين وهو جيوليو أندريوتي – الذي تولى منصب رئيس
الوزراء لسبع فترات - يقدم نموذجاً فنياً وسينمائياً لكيفية تناول حقبة
سياسية هامة في تاريخ الشعوب وعرضها بأسلوب ممتع غير مبالغ فيه ومن زاوية
كاشفة لمختلف أركان هذه الفترة.
عن فسادنا
وفسادهم
رسم
سورنتينو بكاميرته وبفضل مدير التصوير المميز والمفضل لديه "لوكا بيجازي"
أجواء الحياة الإيطالية المعتمة بالفساد بشكل يصعب على من يشاهد الفيلم
منّا مقاومة المقارنة التلقائية التي تنطلق بداخله بين ما يدور أمامه على
الشاشة وما عشناه على أيدي النظام السابق.. فالأجواء ليست غريبة علينا..
نفس الجو القاتم الأسود الذي سيطر على حياتنا لثلاثين عاماً.. فساد منتشر
في كل أرجاء الحياة السياسية أدى إلى سرطنة المجتمع بأكمله.
منذ
لحظاته الأولى يقدم الفيلم توثيقاً للعناصر التي أدت إلى هذا الانهيار
السياسي.. عناصر إن لم تتطابق فهي بلا شك شديدة القرب من عناصر فساد النظام
السياسي في العصر المباركي. فاختار سورنتينو أن تبدأ أحداث فيلمه مع بداية
الفترة السابعة لـ"أندريوتي" في منصب رئيس الوزراء (وهو المنصب الأهم في
إيطاليا في إطار النظام البرلماني الذي تكون سلطات الرئيس به محدودة) وبعد
حصول حزبه على الأغلبية البرلمانية، في إشارة إلى أن الفساد السياسي هو
تطور طبيعي ونتيجة حتمية لطول فترة الحكم واستتباب مقاليد السلطة في يد حزب
أو شخص واحد لعقود كما لو لم يخلق الله غيره (علماً أن أندريوتي تولى رئاسة
الوزراء لسبع سنوات فقط مقسمة على ثلاث مراحل وليس لثلاثين عاماً على مرحلة
واحدة).
وفي لوحة
رائعة يقدم سورنتينو - في مشهد لا يخلو من السخرية الواضحة - الحاشية التي
تحيط بـ"أندريوتي" والتي تشاركه في إفساد الحياة السياسية من أجل مصالحهم
الخاصة. نفس الخليط الذي كبس على أنفاسنا.
أحدهم
المحرك الرئيسي للحزب الديمقراطي المسيحي الذي ينتمي إليه أندريوتي
والمسيطر على الحكم (استمرت سطوة الحزب لحوالي خمسين عاماً حتى صدر قرار
بحله عام 1994 لإفساده الحياة السياسية). والآخر هو المسئول عن تسيير شئون
الرئاسة (بالإضافة إلى موقعه القيادي بالحزب). الثالث رجل أعمال مرموق ذو
نفوذ واسع بامتلاكه لدار نشر تصدر عنها عدة جرائد إيطالية، فالسلطة الفاسدة
لا يمكن أبداً أن تنفصل عن عالم الأعمال والإعلام. وبالطبع لن تكتمل الصورة
دون وجود رجل دين لإعطاء شرعية لهذا الفساد.
هو
التشكيل العصابي نفسه يتمحور هذه المرة حول رجل تبدو من ملامحه أنه لا يملك
من الأسلحة سوى قدر كبير من الدهاء (تلك الملامح التي أبدع سورنتينو في رسم
تفاصيلها الداخلية والخارجية بالمشاركة – بالنسبة للشق الخارجي- مع مسئوليّ
الماكياج واللذان ترشحا لجائزة الأوسكار عن إبداعهما في تحويل الممثل توني
سيرفيو إلى نسخة شبه الأصل من أندريوتي).
يقدم
الفيلم أندريوتي شخصاً هادئاً لا يتحدث كثيراً وحين يفعل يستخدم كلمات
قليلة ينطقها بنبرة منخفضة ولكن حادة بشكلٍ كافٍ لترهيب من يحاول الوقوف في
طريقه. اعتناءه الشديد في اختيار ألفاظه والحركات الجسدية التي يستخدمها
أثناء حديثه كانت كفيلة جداً وبدون أي مباشرة في توضيح شخصية أندريوتي
الفريدة والذي لم يكن ينطق كلمة هباءً ودون أن تكون حاملة لرسالة ما. فهو
ديموقراطي يحب الاجتماع كثيراً برجالاته والدخول معهم في أحاديث طويلة لا
بأس أن يلقي فيها بعضاً من النكات.. يستمع إلى أرائهم في شئون تسيير الحزب
ولكنه في النهاية ينفذ ما يراه هو صحيحاً ويصعب أن يعترض على ذلك أحد.
وفي مقابل
هذا برع سورنتينو في إلقاء الضوء على الجانب الآخر من شخصية أندريوتي. هذا
الجانب الذي لا يمكن التعرف عليه في إطار الحياة السياسية فهو لا يظهر إلا
في العالم الخفي لهذا السياسي المحنك من خلال علاقاته الإنسانية مع أقرب
الناس إليه. تعمّد "سورينتينو" إضافة لمسة واضحة من البرودة على تعامل
أندريوتي مع عائلته والدائرة الصغيرة المقربة إليه الخاصة ولكن دون إغفال
مدى تعلّق هؤلاء به وخاصةً ممن يعرفون شخصيته جيداً كزوجته ومساعدته
الخاصة.
استخدم
سورنتينو هذا المحيط الضيق لوضع تفاصيل صغيرة تظهر ملامح من شخصية
"أندريوتي" لا يظهرها في نطاق عمله مثل ضعفه أمام زوجته ومشاركته إياها في
الكثير مما يشغله من أمور عمله وإطلاعها أثناء رحلاته الخارجية على تفاصيل
يومه عبر مكالمة في نهاية الليل، بالإضافة أيضاً إلى كشف الغطاء عن بعض
التصرفات الغريبة لأندريوتي مثل استمتاعه بسماع لدغة زوجته في نطق حرف
الراء وطلبه المتكرر لها بنطق كلمات تظهر هذه اللدغة على مسامعه ليتلذذ
بها، وهي تفصيلة صغيرة ولكن تشير إلى الاضطراب النفسي والعادات الغريبة
التي يتصف بها دائماً السياسيون الشموليون أو الفاسدون.
الفساد
الذي يعتبر الخط الدرامي الرئيسي للفيلم لم يُقدم بشكل فج ومباشر كما سبق
تقديمه في مئات الأفلام ولكن "سورنتينو" نجح بذكاء شديد في تحقيق ربط داخل
أذهان المشاهدين بين مشاهد أحداث القتل والاختطاف التي تلحق بمنافسي وأعداء
سورنتينو وحزبه الديموقراطي المسيحي وبين مشاهد اجتماعات هذه "العصابة"
واحتفالاتهم.
النجاح
الأكبر هو تقديم هذه الصراعات وهذا الفساد في قالب ممتع سواء بحركة
الكاميرا المستمرة في إيقاعات مختلفة والزوايا المدهشة التي استخدمها
المخرج كثيراً للتحقير من رؤوس الحزب الحاكم أو إظهار مدة جبروتهم، كما
استخدم الأخير زوايا مميزة لحوادث القتل (مثل حادث سقوط سيارة بصاحبها من
أعلى سفح جبل) لكسر حدة هذه الحوادث البشعة.
إضافةً
إلى ذلك استعان سورنتينو بموسيقى مغايرة تماماً للجو القاتم للفيلم تتسم
بالخفة مما أضفي نوعاً من الهزلية والسخرية على مشاهد الفساد السياسي كما
لو كنا أمام مسرحية لشخصيات كاريكاتورية.
هذه
الكاريكاتورية والدعم الكوميدي لم يوظفا من خلال الموسيقى فقط ولكن
باستخدام عناصر أخرى مساعدة مثل الإضاءة وحجم الكادر والاستعانة بعناصر غير
متماشية مع مكان الحدث (مثل وجود قطة ضالة داخل مجلس الوزراء ومواجهة
أندريوتي لها بمنتهى الهدوء والثقة في مشهد مضحك) وغيرها.
الاستخدام
الذكي أيضاً للقطات البطيئة (slow
motion) كان أحد أهم أسلحة سورنتينو في تقديم إيقاع جديد ومفاجيء
لفيلم سيرة ذاتية يفترض أنه يدور حول العلاقات المشبوهة بين حزب حاكم
وعصابات مافيا وما بينهما من صفقات لسحق أي قوى معارضة لهما. كما وظّف
"سورنتينو" بحرفية صوت "أندريوتي" كراوي للأحداث في أحيان كثيرة لخلق إيقاع
يوزاري نبرة "أندريوتي" الهادئة والحذرة.
درس في
السيرة الذاتية
هذا
التناول المختلف هو في حد ذاته نموذج يجب أن يُدرّس للسينمائيين المصريين
حول كيفية تقديم أفلام السير الذاتية في إطار درامي ممتع بعيد عن السرد
والسذاجة التي لا تخلو منها أبداً أفلامنا التي تتناول حياة أشخاص حقيقيين.
فمع عرض فيلم "الفاجومي" في دور العرض السينمائي في بداية موسم أفلام الصيف
المصري (المضروب هذا العام) ظهر "الديفو"
Il Divoمرة أخرى كشبح يطارد خيالي السينمائي.
ظهر ليفضح
ضحالة الفكر السينمائي المعشش لدى أغلب من صنعوا أفلاماً لتوثيق فترة هامة
في تاريخ مصر أو لتخليد شخص ما فإذا بهم يصنعون مسخاً ويحولون هذا الحدث أو
تلك الشخصية إلى بضاعة يتصرفون فيها كما يحلو لهم وحسب هواهم وحبهم أو
كرههم لما يتناولونه.
فالفكر
المسيطر عند صنع فيلم سيرة ذاتية في السينما المصرية يدفع إلى تأليه هذه
الشخصية المقدمة بالفيلم (فكرة التأليه ليست غريبة عننا في أغلب المجالات
بصفة عامة) بحيث تصبح شخصية بلا أخطاء (ناصر 56) أو حتى عند امتلاك جرأة
نقد أحد تصرفات الشخص الذي يتم تناول سيرته الذاتية فيجب إيجاد أعذار له
بطريقة ما في الفيلم أو إظهاره كمن أخطأ في حساباته دون عمد (أيام
السادات). ناهيك عن اتسام أغلب أفلام السيرة الذاتية التي مرت على السينما
المصرية برداءة الإيقاع سواء كان بسبب المطّ والتطويل أو بسبب اختزال
العالم الذي تدور به أحداث الفيلم على عالم الشخصية الرئيسية دون اهتمام
بربط هذا بأي عناصر خارجية قد تكون مؤثرة في شخصية وتصرفات هذه الشخصية
نفسها.
ولكن – في
رأيي - أن الخطأ الأكبر الذي أدى لفشل أغلب أفلام السيرة الذاتية في
السينما المصرية هو غياب الإبداع والجرأة في التناول فالملاحظ أن القالب
السينمائي واحد كما لو كان مخرجو هذه الأفلام يتبعون دليلاً واحداً لا يصدر
منه حتى طبعات جديدة لـ"كيف تصنع فيلم سيرة ذاتية" فيكون المنتج النهائي في
أكثر الأحيان شبه متطابق (ربما باستثناء أفلام سيرة يوسف شاهين التي قدمها
عن نفسه).
أفلام
سردية شبه تسجيلية ذات موسيقى ملحمية عالية.. وأحداث بطيئة لا يجد المخرج
وسيلة للحاق المشاهد قبل أن يصاب بالضيق والملل سوى قطعها ببعض مشاهد
الفلاش باك كحيلة عقيمة لإضفاء ريتم آخر على الفيلم.
أما
سورنتينو فقد قدم في الـDivoمثالاً
لكيف يجب أن يكون فيلماً ينتمي لهذه النوعية فلم يتعامل مع الشخصية كما لو
كان مالكاً لها وصاحب الحق في تقييمها أو جلدها بل قدم كل مساوئ "أندريوتي"
بشكل يخلو من المباشرة ومن الطابع التسجيلي (الذي لا غبار عليه عند صناعة
الأفلام الوثائقية) فوضع كل خطاياه في قالب درامي ممتع صانعاً من أحداث
حقيقية حدوتة ذات إطار سياسي عن رجال وظيفتهم السياسة ولكنهم في نهاية
الأمر بنى آدمين يعيشون وسط الناس وليس في عالم خيالي.
وطعّم هذا
القالب بفنيات سينمائية بسيطة استطاع بها تحويل هذه القصة التي في ظاهرها
جادة إلى شريط سينمائي يمزج بين القيمة والاستمتاع مستعيناً بأدوات المخرج
المتمكن من تكوينات بصرية وزوايا وحركة كاميرا وموسيقى بالإضافة بالطبع إلى
ممثلين متميزين.
عن
المحاكمات
إلا أنني
أعتقد أن أهم رابط حمسني لمشاهدة
Il Divoهذه
المرة هو الجزء الأخير منه والذي يتناول أمراً جديد علينا نحن في العالم
العربي و(ربما قد) نشهده لأول مرة في التاريخ الحديث ألا وهو محاكمة رأس
نظام سياسي بسبب فساده وما خلّفه من دمار أثناء فترة حكمه. فالقسم الأخير
من الفيلم نقل فيه "سورنتينو" وقائع محاكمة "أندريوتي" بدءاً من الضجة التي
أثيرت وانتشار الأقاويل حول تورط رئيس الحكومة مع عصابات المافيا الإيطالية
والاستعانة بهم في التخلص من بعض أعداء الحزب الحاكم من سياسيين وصحافيين
في مقابل عدم التعرض لهم وتسهيل أعمالهم، مروراً بكيفية استقبال "أندريوتي"
وعائلته لأخبار اقتراب محاكمته ثم كيفية مواجهة الرجل نفسه للصحافة
والإعلام الإيطالي عند سؤاله عن هذه القضية، وأخيراً بدء نقل المحاكمة
نفسها.
غير أن
سورنتينو – مرةً أخرى بذكائه- لم يقع في فخ التقليدية فلم يهتم بنقل ما دار
في المحاكمة من توجيه التهم إلى سماع الشهود والدفاع وغيره وإنما اكتفي
بمشاهد متتابعة وسريعة لإجراءات تأمين القاعة وتوافد الصحفيين والمصورين
لنقل وقائع المحاكمة بالإضافة إلى عدد من شهادات العالمين ببواطن الألمور
عن المحاكمة. كل ذلك كان كافياً جداً لتوضيح المأزق الشديد الذي يواجهه "أندريوتي"
وأيضاً لكشف الاهتمام الكبير الذي تلقاه محاكمته.
وبعد ذلك
اختار سورنتينو أن يقصر نقله للمحاكمة على مشهد دخول أندريوتي إلى قاعة
المحكمة ونداء القاضي عليه ولكنه عمد إلى الإطالة في هذا المشهد مستعرضاً
بحركة مستمرة للكاميرا جميع جوانب القاعة ومستخدماً زوايا وأحجام كانت
كفيلة بنقل إحساس الرهبة التي يشعر بها أندريوتي (وإن أوحت ملامح وجهه
الجامدة بغير ذلك) وبهول ما هو مقبل عليه من اتهامات ليس من السهل الخروج
منها سالماً. أنهى سورنتينو الفيلم بهذا المشهد وأردفه بسرد الأحكام التي
صدرت في حق كل المتهمين والمصائر التي وصلت حياتهم إليها وذلك كتابةً على
الشاشة مصحوباً بموسيقى النهاية.
ومع
اقتراب موعد محاكمة الرئيس المصري السابق يوم 3 أغسطس يلح فضولي علىّ مرة
أخرى بسؤال حول مدى إمكانية مشاهدة الواحد في يوم من الأيام فيلم عن هذه
المحاكمة وعما دار داخل العائلة المباركية حينما علموا بخبر تحويلهم
للمحاكمة وكيفية استقابلهم لذلك واستعدادهم له. ولا أعني بذلك فيلماً من
الأفلام الرخيصة التي يصنعها المخرجون عديمي الموهبة والمنتجون التجاريون
بحثاً عن "أكل العيش" على حساب الأحداث التاريخية التي نشهدها في هذه
الفترة (مثل الأفلام التي انطلقت واحداً وراء الآخر في محاولة لتوثيق
الثورة مع انتهاء خطاب التنحي –أو التخلّي- وقبل حتى التأكد من نجاح الثورة
واكتمالها)، بل أقصد فيلماً ينقل بموضوعية هذه المحاكمات ليس للتشفي من هذه
العائلة الفاسدة بل من أجل تحويل حدث استثنائي كهذا إلى عمل (بل وعشرات
الأعمال) درامي ممتع على شاكلة
Il Divoوخلافه.
أعتقد أن
إجابة سؤال مثل هذا تصعب الآن ليس فقط لضرورة معرفة مدى النضج السينمائي
والإدراك السياسي الثقافي الذي يتمتع به صناع السينما في مصر لصنع فيلم
بهذا الشكل ويتناسب مع ضخامته وثرائه (فنياً وليست بالضرورة إنتاجياً) قبل
الإجابة، ولكن الأهم هو استكشاف ما سيئول إليه مصير "مسلسل" هذه المحاكمات
المزعومة لنعرف هل ستتحول إلى واقع أم اننا جميعاً أمام مسلسل يضع له
السيناريو المجلس العسكري (ويعطي حقوقه حصرياً للتليفزيون المصري خلال شهر
رمضان) ويستخدمنا نحن الشعب كأبطال للمسلسل دون أن ندرى على غرار فيلم "Truman Show".
موعدنا 3 أغسطس.
عين على السينما في
03/08/2011 |