في وقت أصبحت الثورات التي تشتعل في
شتى أرجاء العالم العربي هي المحور الذي يستقطب اهتمام الإعلام، وعلى رأسه
شبكة "قنوات
الجزيرة الفضائية"، أود في هذا المقال أن أسلط بعض الضوء على التجربة
السينمائية لأحد أهم السينمائيين التسجيليين الثوريين في تاريخ
السينما وهو المخرج
الكوبي سانتياجو ألفاريز Santiago Alvarez (1919- 1998).
درس "ألفاريز"
السينما في الولايات المتحدة وعاد في الأربعينيات الى كوبا حيث عمل لفترة
مشرفا على
الأرشيف الموسيقي في التليفزيون الكوبي، وعندما أعلن "فيدال كاسترو" نضاله
ضد نظام
الديكتاتور "باتيستا" في أوائل الخمسينيات، التحق "ألفاريز" بقوات "كاسترو"
وتولى
مسؤوليات اعلامية وأصبح بعد انتصار الثورة الكوبية عام 1959 وسقوط نظام "باتيستا"،
الأب الروحي للسينما في كوبا، والمؤسس الأول لمؤسسة السينما الكوبية الذي
يطلق
عليها "معهد الفن والصناعة السينمائية في كوبا"، ومنها تخرجت أجيال من
السينمائيين
العظام الذين أثروا الفن السينمائي بأفلامهم البارزة طوال الستينيات حتى
الثمانينيات قبل أن تبدأ سنوات الجفاف في السينما الكوبية
لأسباب عديدة.
يمكن القول أيضا أن "سانتياجو ألفاريز" هو أحد كبار
التجريبيين في عصرنا، فقد اشتغل على الشكل السينمائي للفيلم
التسجيلي، ولم يعتبر
نفسه قط "مخرجا تسجيليا" بل "صانع منشورات سينمائية".
ولم
يكن ينظر الى ما
يخرجه من أفلام عديدة في ظل ظروف عسيرة، محكوما بمساحة زمنية ضيقة للغاية،
على أنه
يصنع أفلاما للتاريخ، أو لكي تصمد في وجه الزمن ويمكن مشاهدتها بعد سنوات
وسنوات من
قبل النقاد والمؤرخين، بل كان يرى أن مهمته كسينمائي "ثوري" هي
ما يمكن أن تحدثه
أفلامه من تأثير فوري الآن والآن فقط، من أجل تزويد الجماهير
بالوعي الثوري.
وكانت أفلامه تعتمد على تجسيد التناقضات الجدلية بين الصوت والصورة، وبين
الهجائية السياسية (خصوصا للسياسة الأمريكية تجاه كوبا والعالم
الثالث) والمتعة
البصرية، وبين الطابع التعليمي (من خلال تقديم المعلومات وأحيانا كتابة
البيانات
على الشاشة) وبين الطابع الشخصي الذي يجعله يتمكن من تقديم "رؤيته" الذاتية
الساخرة
أيضا، وهو أمر مدهش ونادر في هذا النوع من السينما التي يعتقد البعض أنها
تندرج في
إطار "الدعاية" السياسية.
لم يبدأ "سانتياجو ألفاريز" الإخراج
السينمائي إلا بعد أن بلغ الأربعين من عمره، وتمكن من إخراج نحو 600 فيلم
تسجيلي،
برز في هذه الأفلام جميعها، أسلوبه المميز الذي كان يعتمد على الاستخدام
المكثف
للصور الفوتوغرافية ولقطات من أفلام هوليوود، والموسيقى القوية
والأغاني المعبرة في
سياق بصري يتمتع بالانتقالات السريعة في المونتاج، على الطريقة السائدة في
الإعلانات التجارية التلفزيونية ولكن في سياق يؤدي إلى رسالة معاكسة تماما،
بل إن "ألفاريز"
يرى فعلا أن الإعلانات التجارية التي تعرض في التلفزيون في الغرب "أقوى
من المنتجات التي تعلن عنها".
وكان "ألفاريز"
يرى مثلا أن سر جاذبية مشروب الكوكا كولا يكمن في أن زجاجة الكوكا كولا
صممت على شكل امرأة حتى أصبح الناس في كوبا يصفون المرأة الجذابة بـ"الكوكا
كولا"!
ويعتبر "ألفاريز" تلميذا مخلصا للسينمائي الروسي
الرائد "دزيجا فيرتوف"
Vertov
صاحب منهج "سينما الحقيقة" الذي كان يعتمد على اقتناص
اللحظة الحية والحدث المباشر وتسجيله وعرضه بحيث يصبح مساهما في "نقل"
الواقع
والأحداث الجارية إلى المشاهدين.
وهو شكل أقرب إلى ما يسمى بالجريدة السينمائية
التي برع "ألفاريز" في إخراجها.
وكان "ألفاريز" يفخر بقدرته على مواكبة الحدث
مباشرة، وكان يردد عبارته الشهيرة "من يضرب أولا يضرب مرتين".
وقد أخرج فيما
بعد، في أوائل السبعينيات فيلمه الشهير "النمر قفز وقتل.. لكنه حتما سيموت..
سيموت.. سيموت" عن المغني والشاعر الشيلي
الكبير "فيكتور هارا"
Jara
الذي قتل على
أيدي العسكر بعد انقلابهم الشهير على حكومة الوحدة الاشتراكية في شيلي
بزعامة
سلفادور اليندي عام 1973.
وفي هذا الفيلم البديع يستخدم أغاني "هارا" الثورية
الرائعة كخلفية لنضال الشاعر الذي دفع حياته ثمنا لموقفه من
الفاشية في
بلاده.
وقد أخرج "ألفاريز" هذا الفيلم بعد اغتيال "فيكتور هارا" مباشرة في 16
سبتمبر 1973.
ومن أفلامه المباشرة التي أخرجها مباشرة بعد وقوع الحدث فيلمه عن
"تشي جيفارا" الذي أعقب الإعلان عن مصرع "جيفارا" في غابات بوليفيا على
أيدي قوات
الحكومة وبمعرفة خبراء في المخابرات المركزية الأمريكية عام 1967.
ولم يبرع "ألفاريز" فقط في العمل تحت ضغط المساحة
الزمنية الضيقة (كان يتعين عليه أحيانا الانتهاء من عمل الفيلم
خلال 48 ساعة فقط)،
بل وبميزانيات ضئيلة للغاية أيضا، وباستخدام الكثير من اللقطات
(المقرصنة) أحيانا
من أفلام هوليوود.
ومن أقوال "ألفاريز" الشهيرة "إعطني صورتين وموفيولا وبعض
الموسيقى وأنا أصنع لك فيلما".
ومن حسن حظ الأجيال الجديدة من هواة السينما
ومخرجيها أن أصبح الكثير من الأفلام البارزة التي أخرجها
"ألفاريز" متوفرة اليوم
عبر موقع "يوتيوب" على شبكة الانترنت.
من هذه الأفلام "الآن" (1965) الذي يعكس بصدق منهج
وأسلوب "ألفاريز" في العمل، في الاستخدام المؤثر للصور
والموسيقى والمونتاج، وهو
فيلم يكشف العنصرية التي كانت في أوجها في تلك الفترة، بالولايات المتحدة
والتي
وصلت إلى ذروتها العام 1968 باغتيال "مارتن لوثر كنج".
ويقوم الفيلم أساسا على
الاستخدام العبقري للصور التي حصل عليها ألفاريز من الجرائد السينمائية
الأمريكية،
على خلفية بارزة لأغنية المغنية الأمريكية (من أصول سوداء)
"لينا هورن" Lena Horn،
وكانت هذه الأغنية ممنوعة وقتذاك في أمريكا.
ومشاهدة هذا الفيلم اليوم تعطينا
فكرة واضحة عن براعة أسلوب "ألفاريز" وقوة تأثيره على الشاشة، وموهبته
الكبيرة في
تحليل الصور واللقطات، واستخدامه الذكي للأغنية.
وهناك فيلمه الشهير "ل ب ج" LBJ
الذي أخرجه عام 1968،
وتشير الأحرف الثلاثة في العنوان، إلى اسم الرئيس الأمريكي ليندون ب .
جونسون، الذي كان وراء توسيع الغزو الأمريكي لفيتنام في منتصف الستينيات،
وقد اتخذ
منه "ألفاريز" هدفا له في عدد من أفلامه، للتعريض به والسخرية منه.
ويتكون
الفيلم من ثلاثة أقسام، القسم الأول تحت حرف "ل" ويرمز إلى مارتن لوثر كنج،
والقسم
الثاني تحت حرف "ب" ويرمز إلى بوب كنيدي (روبرت)، والثالث تحت حرف "ج"
ويرمز إلى
جون كنيدي.
ويتهم "ألفاريز" الرئيس جونسون بإغتيال الشخصيات الثلاث، كما يصوره
في صورة الكابوي الأمريكي المتطرف باستخدام الرسوم
الكاريكاتورية الساخرة.
والطريف أن المخرج الأمريكي / أوليفر ستون (وهو من
المعجبين كثيرا بالتجربة الكوبية واللاتينية عموما في مقاومة الهيمنة
الأمريكية)
عاد بعد ذلك بنحو 25 عاما لكي يوجه اتهاما
مشابها إلى ليندون جونسون بالضلوع في
اغتيال كنيدي في فيلمه الشهير "ج ف ك" JFK
ولعله ليس من قبيل المصادفة أن يستخدم
ستون ثلاثة أحرف هي اختصار اسم الرئيس كنيدي متأثرا بما فعله "ألفاريز" في
فيلمه عن
الرئيس جونسون، وكان صاحب موقف متشدد من كوبا، الأمر الذي دفع أوليفر ستون
إلى
اتهام جونسون (في فيلمه) بالضلوع في عملية اغتيال كنيدي
بالتعاون مع المخابرات
الأمريكية، تحديدا بسبب موقف كنيدي "الناعم" تجاه كوبا كما يتردد في الفيلم).
وفي فيلم "79 ربيعا" 79 Springs
يخرج "ألفاريز"
فيلمه الأكثر شاعرية، والذي يعكس رؤيته الشخصية كمبدع، تجاه شاعر وقائد هو
الزعيم
الفيتنامي هوشي منه، مباشرة بعد وفاته عام 1969 وكان في التاسعة والسبعين
من عمره
وقتذاك، وهو مغزى عنوان الفيلم.
هذا الفيلم قصيدة شعر سينمائية في استخدام
المونتاج للربط بين اللقطات في سياق بصري أخاذ، للتعبير عن عبقرية هوشي
منه، وحبه
الكبير لشعبه.
ويستخدم "ألفاريز" أيضا طريقة تفتيت الصورة، والكتابة على
الشاشة، واللقطات التي تتجمد فجأة، والاختفاء التام للصورة في
الظلام، ثم العودة
بشكل مفاجيء في النهاية مع إعادة تجميع عنوان الفيلم بعد تفتيته،
والاستخدام الخلاب
لموسقى باخ، وطلقات الرصاص التي يظهر على خلفيتها عنوان يقول لنا أن
"الأمريكيين
ستحل بهم الهزيمة".
كان هذا عصر الثورة في العالم، خلال حقبة
الستينيات، وكان "سانتياجو ألفاريز" ابنا لهذه الثورة التي اجتاحت أمريكا
اللاتينية، ولذلك لم يكن يصنع أفلامه فقط للجمهور في كوبا، بل للجمهور في
عموم
القارة اللاتينية.
ولذا كان يرى أن من الضروري، الربط بين ما يتابعه من أخبار
متعاقبة في جرائده السينمائية التي ولد من رحمها الكثير من
الأفلام التسجيلية
الخلابة، وبين الأخبار التي سبقتها في عموم القارة، منها يستمد صوره
ولقطاته، ومن
خلال قدرته الخاصة في العمل على الصور فوق طاولة المونتاج، كان يتشكل
الفيلم
بايقاعه المميز المؤثر. وكان تأثير الصور التي يصنعها
"ألفاريز" كبيرا، وأظنه
لايزال كذلك، رغم أن البعض يمكن أن يعتبر أن الزمن قد تجاوز أفلامه اليوم.
إلا
أن من يشاهدها سيجد أنها لاتزال تتمتع بالقدرة على الصمود للزمن، وإلهام
الكثير من
صناع السينما التسجيلية خاصة ونحن نعيش عصر الثورات العربية.
ومن الطريف أن المخرج الأمريكي "ترافيس ويلكرسون"
كان يصور فيلما في كوبا عام 1994، وقد أصر على ضرورة القيام بزيارة إلى "ألفاريز"
وكان يحتفل وقتها بعيد ميلاده السابع والسبعين.
وبعد أن جلس واستمع لهذا
العبقري قرر اسقاط مشروع الفيلم الذي جاء إلى كوبا لتصويره وتصوير فيلم عن
"ألفاريز" نفسه.
واشترط عليه "ألفاريز" أن يشاهد أفلامه أولا، فقضى أسبوعين
يشاهد بلا توقف عشرات الأفلام التسجيلية التي أخرجها "ألفاريز".
وقد منحه "ألفاريز"
عددا من النسخ السينمائية من أفلامه قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة
لعرضها على من يهتمون هناك بدراسة أعمال هذا المخرج.
الجزيرة الوثائقية في
14/07/2011
"ماري والعالم الجديد"
الجمال المتفجر للطبيعة في مواجهة قُبح وقسوة
الحياة
أمل جمل
هناك في بلد يعوم على بحر من النفط تضطر امرأة شابة
إلى التقاط رزقها من بين أكوام القمامة. تقوم بتجميع الزجاجات وعلب الصفيح
الفارغة
لتعول نفسها وتُسدد احتياجات ابنتها المراهقة. إنها "ماري" بطلة الفيلم
الفنزويلي "ماري
والعالم الجديد" للمخرج "جورج ووكر توريس" الذي حاول فيه أن يرتاد أماكن
مغايرة بحثاً عن أناس سقطوا في بحر النسيان لاعتبارات شتى قد تكون سياسية
أو ثقافية
أواجتماعية أو دينية أو حتى إقتصادية.
ربما لذلك وربما لأسباب آخرى في مقدمتها
الإحساس القوي بتلك المرأة الشابة وبمأساتها المفجعة جاء هذا الشريط
الوثائقي من
بين أهم الأفلام التي شاهدتها في الآونة الأخيرة.
مخرج الفيلم هو كاتب السيناريو، وهو ذاته المصور
والمنتج، درس الإخراج السينمائي في مدرسة "لا فيميس" في "باريس"؛ نال منحة
دراسية
للحضور في معهد الفيلم الأمريكي في "لوس أنجلوس" لدراسة كتابة السيناريو،
أخرج وكتب
العديد من الأفلام القصيرة، واختيرت أفلامه لعدة مهرجانات سينمائية حيث نال
مختلف
الجوائز: "ماري والعالم الجديد" هو أول أفلامه التسجيلية. من أفلامه كمخرج
"لا
بيير" 1997، و"أثناء الطريق" 1997، و"الليل الدائري" 2000.
في بداية الفيلم
نسمع صوت امرأة تقول في سعادة: انظروا كم هى جميلة.. أترون كم تبدو وكأنها
قطعة من
الجنة.. إنها قطعة من "فنزويلا"، ومن "ألمانيا" أيضاً، أترون
الكنيسة والمقابر،
والخضرة والجبال.. إنها قطعة من السماء، قطعة من الجنة." ثم يأتي صوت راوي
الفيلم
ليخبرنا أن هذه لقطات مُصورة بكاميرا منزلية للهواة في عام 1991؛ ثم يبدأ
في حكي
قصة آخرى.
قصة مجموعة من "الألمان" دفعت بهم بلادهم في الشمال لكي يُهاجروا إلى
أقصى جنوب الكرة الأرضية وتحديداً "فنزويلا" سنة 1843.
هناك في تلك المنطقة
النائية من الجبال أقام 369 ألمانيّا، وعدهم المسئولون في بلادهم بأن الجنة
موجودة
هناك في تلك القطعة من فنزويلا، بأنهم سيجدوا هناك بيوتاً
ومزارع وحياة موسومة
بالرفاهية، لكنهم عندما وصلوا إلى تلك القطعة النائية المعزولة من
"فنزويلا"، لم
يجدوا سوى الغابة.. حاولوا أن يعيشوا.
بعد سنة لم يبق منهم سوى 130 فرد، ماتوا
جوعاً وبرداً؛ رغب الناجون في العودة إلى "ألمانيا" لكن زعيم الجيش جاء
وأرغمهم على
البقاء بالقوة؛ لمدة 100 سنة لم يكن هؤلاء الألمان قادرين على الإختلاط
بأحد من أهل "فنزويلا"،
حتى نجحوا في إقامة طريق وشوارع فبدأوا في ممارسة وامتهان التجارة.
كان هؤلاء الألمان يأملون في حياة
أفضل لذلك جاءوا إلى "فنزويلا"، لكنهم تُركوا في الجبال. عاشوا هناك،
منعزلين عن
العالم الخارجي.
ظلوا مرتبطين ببعض فقدروا على أن يستمروا ويُواصلوا.
..
أليست قصة مثيرة.. ألمان نُسيوا في الغابة، ليعيشوا متمسكين ببعضهم،
بلغتهم،
بماضيهم، وبقطعة من الأرض.. كان ذلك هو الماضي.
هذا ما عرِفه الراوي في زيارته لبعض
هؤلاء الألمان عام 1991. بعد خمسة عشر عاماً من ذلك التاريخ عاد الراوي
لزيارة
المكان مرة ثانية لكنه لم يجد الألمان المُسنين الذين تحدث معهم من قبل،
لقد
ماتوا.
وجد كل شيء وقد تغير؛ في طريق العودة رأي شيئاً آخر.. وجد "ماري" على
حدود القرية. امرأة تعيش على جمع الأشياء مثل الزجاجات الفارغة وأي شيء قد
يكون له
قيمة من "القمامة" ثم تقوم ببيعه.
"ماري"
تلك المرأة الفنزويلية ليس لديها
مكان تعيش فيه سوى كوخ من الصفيح بجوار مقلب القمامة الضخم الذي تتجمع فيه
كل زبالة
البلد؛ تكد في عملها حتى تسطيع أن تحصل على مكان تعيش فيه مع ابنتها
المراهقة التي
تركتها تعيش مع صديقتها، لكن "ماري" لم تنجح في ذلك حتى الآن؛
ترفض "ماري" أن تعيش
مع أمها البديلة التي قامت بتربيتها حتى لا يتحكم فيها أحد.
حكاية "ماري" مع
الأم البديلة لها قصة أخرى، قصة تُروى بوجهتي نظر، لكن الأهم أن الإشارات
الجسدية
لكلا الطرفين وتعبيرات الوجه والعيون تحكي المخبأ خلف السطح
وتفضح المشاعر
الحقيقية.
طوال الفيلم يبدو التناقض صارخاً بين قسوة وقبح الحياة وبين جمال
ورقة الطبيعة الساحرة. يبدو التناقض فجاً بين حب الأم ورغبتها
ومساعيها الحثيثة
لتقيم مع ابنتها وبين مشاعر الإبنة التي لا تحبها بل وتخجل من أمها، بين
فخر الأم
بفلذة كبدها وعملها باجتهاد لتُوفر لها ما تحتاج إليه من نقود وبين تجاهل
الإبنة
وإنكارها لأمها. يبدو ذلك جلياً في النظرات الصامتة لكلا
الطرفين، في الالتفاتات
الصغيرة في نبرات الصوت، في الغضب المكتوم.. في الحزن الدفين للأم.. وفي
الشرود
العميق.. في الضغط على الشفاه لكتم الألم.. في التنفيث عن الضيق أثناء
ترتيب
الأشياء أو تقطيع البطاطس.. في الإنفعالات وتهدج الأنفاس أو
الضحك العصبي المفتعل،
في التقاط أنفاس من السجائر متتالية.
يبدو التناقض أيضاً جلياً بين الماضي
والحاضر، بين ما وصل إليه الألمان المقيمين في "فنزويلا" من حياة الرفاهية
والبذخ
وبين مستوى معيشة السكان الأصليين، بين الرفاهية الشديدة للألمان وبين
الفقر
المُدقع لأهل البلد.
الجزء الأكبر من جمال هذا الفيلم يُنسب الفضل فيه
للتصوير البديع الذي قام به مخرج الفيلم "جورج ووكر توريس" تصوير الطبيعة
المتفجرة
بالحياة جنباً إلى جنب مع قبح الحياة نفسها.
ينبع جمال الفيلم أيضاً من قدرة
مخرجه على الغوص أسفل جلد هذه المرأة الشابة ليُخبرنا ويُشعرنا بما يعتمل
في
أعماقها دون خطب، ومن قدرته على كشف العلاقة المعقدة بينها وبين ابنتها،
ومن قدرته
على أن يُخرج للسطح تلك التيارات التحتية بينها وبين طفلتها،
وبينها وبين أمها
البديلة، بينها وبين المجتمع، بينها وبين زوجها وأخواتها، بينها وبين
صديقتها،
بينها وبين زملائها في العمل في مقلب القمامة، بينها وبين ماضي هؤلاء
الألمان
المنسيون في الغابة.
الجزيرة الوثائقية في
14/07/2011
رموز: المُخْرج الفرنسي "لوك مولي"
الهادي خليل
بَدَأَ المُخرج الوثائقي الفرنسي "لوك مولي" مسيرته كناقد في مجلّة
"كرّاسات
السّينما" (Les Cahiers du Cinéma)
الشّهيرة. وُلد بفرنسا سنة 1937 وعاشر كثيرا
أهمّ رموز مَا عُرِف بـ"الموجة الجديدة" الفرنسية
(La Nouvelle Vague)
وخاصّةً
المخرج "جان لوك غودار" (Jean-Luc Godard)
الذي كان زعيم هذا التيّار السّينمائي.
"غودار" مُعْجب كثيرا بأعمال "مولي" الوثائقيّة ويعتبره أهمّ سينمائيّ
فرنسيّ في
هذالمجال.
أنجز "لوك مولي" أفلامًا وثائقيّة طريفة وعجيبة تمحورت أغلبها حول
ظاهرة الطّبخ والأكل وما تتميّز به من طقوس ومن عادات. كلّنا
يعرف شغف
السِّيمِيَائِي الفرنسي "رولان بارت"
(Roland Barthes)
بدلالات الطّعام وبتعبيراتها
وتجلّياتها المتعدّدة من حضارة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر. دوّن
"بارت" ملاحظاته
الدّقيقة عن الطّعام في ثقافات الشّعوب الاستهلاكيّة في كتابه الشّهير "ميثولوجيات" (Mythologies)
الذي أصدره في أواخر الخمسينات. "لوك مولي" هو صِنْوُ "رولان بارت"
في الميدان السّينمائي، إذْ تتميّزُ جلّ أفلامه بنزعته التوّاقة إلى رصد
العلامات
النّاتئة التي تتعلّق بالأشياء وبالبشر. قاسمه المشترك الآخر مع "بارت" هو
اهتمامه
بالطّعام من خلال كلّ أصنافِهِ.
أوّل فيلم وثائقيّ صوّره "لوك مولي" سنة 1960
هو شريط قصير بعنوان "طبخ غير مُسْتَوٍ لشريحة لحم"
(Un Steak trop cuit).
يُدَقِّقُ المخرج، من خلال هذا الفيلم، عن أساليب
النّاس في الأكل وعن حركات
الأفواه والأيادي وكأنّه يريد استنطاق ماهيّة الجسد بالتّركيز على نهم
النّاس وعلى
شهواتهم وهم يلتهمون شريحة لحم. ما نلاحظه جليّا في هذا الفيلم هو اعتماد
المخرج
على النّكتة والسّخرية في تصوير أفواه النّاس والمعالق
والسّكاكين التي يستعملونها
لتيسير عمليّة قطع اللّحم قطعة بقطعة. ولإبراز هذه السّلوكيّات المأدبيّة،
يلجأ
المخرج مراراً إلى اللّقطات الكبيرة التي بفضلها نتبيّن ما يكتنف فعل
الطّعام من
حركات تبدو مقرفة وقبيحة. تتجلّى أناقة شخص ما أو همجيّته من خلال طريقته
في الأكل:
هذا ما أراد أن يقوله المخرج في هذا الفيلم
الاستهلالي.
الشّريط الذي عرّف بـ"لوك مولي" دوليًّا والذي مكّن النّقّاد والمهتمّين
بالشّأن السّينمائي والجمهور العريض ككلّ من اكتشاف فنّان ثاقب النّظرة
وطريف
الإحساس والتّمشّي هو عمله المأثور الذي صوّره سنة 1979 واختار
له عنوان "تشريح
أكلة" (Genèse d’un repas).
يطرح المخرج، في مشهد فيلمه الافتتاحي، سؤالا بسيطًا:
من أين يأتي سمك التنّ والبَيْض والموز الذي يُوَشِّحُ صَحْنِي؟ ينطلق من
هذا
السّؤال لكي يحقّقَ في دواليب الصّناعة الغذائيّة، وذلك ابتداءً من التّاجر
الذي
يتزوّد منه يوميًّا بالخضر والغلال واللّحوم. عماد السّينما
الوثائقيّة التي
يُحبُّها "لوك مولي" هو التّحقيق الدّؤوب الذي ينفذ إلى تفاصيل الأشياء
البسيطة
واليوميّة التي لا نتفطّن لها إطلاقا. يقوم المخرج بتفكيك اقتصاد غذائيّ،
مُقْتَفِيًا كلّ محطّاته من بلد إلى آخر ومصرًّا على كشف مصادر
الأكلات والوجبات
التي نتناولها يوميًّا.
أراد "لوك مولي" أن يجعل من فيلمه "تشريح أكلة" فحصًا
دقيقًا للعلاقة الشّائكة وغير المتكافئة بين المائدة الغربيّة
المهيمنة ودهاليز
العالم الثّالث الغذائيّة. بكثير من التّأنِّي والتّروِّي والذّكاء يتمكّن
المخرج
من فضح غطرسة الشّركات الرّأسماليّة التي تتحكّم في نظامنا الغذائي والتي
لا تتوانى
في بثّ سمومها في شعوب العالم الثّالث. ما يثير الانتباه حقّا
في هذا الفيلم هو
حضور المخرج كطرف أساسيّ في هذا التّحقيق المضني، وبذلك نتبيّن أنّ
السّينما
الوثائقيّة بالنّسبة إلى المخرج الفرنسي هي سينما ذاتيّة في جوهرها وفي
روحها،
تُصَاغُ من قِبَلِ "أنا" حاضرة ومتوقّدة لا تكتفي بمعاينة
المظالم وفضحها بل أيضا
تُبْرِزُ مدى التصاقها بالفوضى العارمة التي تُميّز العالم.
يقول "لوك مولي" في
هذا الصّدد: "لا أريد أن أكون سيّد القصّة التي تستهويني وأحرص على
تصويرها. ما
يهمّني هو توريط نفسي كفرد في انشقاقات هذا العالم وتناقضاته، أي أنّ
الفيلم
الوثائقي ليس بالشّيء المسطّر مسبقا بل هو فُتحة على الصُّدَف
المتتالية".
الجزيرة الوثائقية في
14/07/2011
السينما الإفريقية تلتقي مجددا بـ"خريبكة"
أحمد بوغابة - المغرب
بدأ مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة يستقبل زواره السينمائيين
القادمين من عمق إفريقيا وكذا أفلامهم قبل الإعلان عن انطلاقه
يوم السبت 16 يوليو/
تموز الجاري حيث يمتد طيلة أسبوع إلى حدود السبت 23 من نفس الشهر.
بعض من
المسيرين له الحاليين قد واكبوه منذ انطلاقه سنة 1977 في عنفوان شبابهم، من
خلال
النادي السينمائي المحلي، ومازالوا على عهدهم صامدين وكأن
الزمن لم ينل منهم،
ويعاملونه كجزء منهم ومن كيانهم ووجودهم.
لقد تحوَّل مع الزمن إلى قطعة من
ذاتهم؛ ومن هذه الأسماء البارزة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: "الحسين
ندوفي"
و"عز الدين غريرن" و"عبد المجيد تومرت" وغيرهم كُثُر...
ولا بأس من التذكير بأن
مهرجان السينما الإفريقية بـ "خريبكة" هو أقدم مهرجان سينمائي في المغرب
الذي مازال
صامدا (كان أول مهرجان سينمائي تأسس في مغرب الاستقلال سنة 1968 بمدينة
طنجة حول
سينما أقطار المتوسط الذي تم وأده قبل دورته الثانية).
إذا كانت هذه التظاهرة السينمائية الإفريقية قد عرفت عدة محطات، وقاومت
عواصفا
فكرية وسياسية وتنظيمية وعقليات منحرفة فعاشت مدّا وجزرا، حسب
الظروف التاريخية
التي امتحنتها، إلا أنها بقيت وفية لعمقها الإفريقي ولونها السينمائي.
إن أيام "قرطاج"
السينمائية بتونس تجمع مع القارة ذراعها العربي؛ أما "خريبكة" فلم تعمل على
تجاوز الخريطة الإفريقية، وهذا ما يميزها.
تكمن قوة مهرجان السينما الإفريقية بـ "خريبكة"
في قدرته على تطوير كيانه وهياكله من خلال تصحيح مساره عند كل منعرج أو
هفوة أو سقوط في خطأ ما، بتقييم كل محطة من محطاته بعد دراسة علمية
لتجربته، وهو ما
مكنه من أن يستمر في الوجود وبأقوى مما كان عليه.
ينطبق على هذا المهرجان
أسطورة الفينيق الذي ينبعث كل مرة من رماده؛ وبالتالي فهو أسطورة ليس
بالمفهوم
الخرافي وإنما بما حملته من مضمون إبداعي باعتبار الأسطورة كنه
الخيال في الإبداع
علما أن السينما تعتمد على الخيال والمتخيل الذي يتطلب الذكاء في تجسيده
على أرض
الواقع خاصة إذا كان هذا الواقع متعنتا وغير لَيِّن لاحتضان ما هو جدي
ومثمر.
مهرجان المقاومة والصمود
انطلق مهرجان السينما الإفريقية قبل
ثلاثة عقود ونصف (بالضبط سنة 1977) بلقاء محلي - بين النادي السينمائي
لمدينة "خريبكة"
والجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب في عصرها الذهبي - كحلقة
دراسية في السينما الإفريقية، بمعنى التركيز الأساسي على
التكوين السينمائي ليتطور
بعد ذلك كملتقى ثم يضيف مسابقة رسمية ليتحول بعد سنوات من ذلك إلى مهرجان.
لم يكن هذا
الانتقال سهلا بل عرف مخاضا متعدد الألوان كنتيجة لصراعات حامية. إلا أن
قيمتها
الإيجابية (أي في تلك الصراعات) تجسدت في لقائها جميعا على
رغبتها في الحفاظ
عليه.
وهذه الرغبة (الذاتية والموضوعية) هي التي سمحت للمهرجان بأن يخلق إطارا
يجمع الجميع فتتحد فيه المفاهيم، سينمائية كانت أو تنظيمية،
وكذا إستراتيجية العمل
المنظم لعدم تكرار أخطاء الماضي وهفواته التي كانت جهات كثيرة لا علاقة لها
بالسينما على الإطلاق تتعمدها بغرض تحوير هدفه وتحويل اتجاهه وتوظيفه في ما
لا
يحتمله في جوّ سياسي متوتر.
رغم كل ذلك نجح في غرس جذوره عميقا في تربة "خريبكة"
المدينة العمالية المناضلة مثله مثل شجرة "باو باو" الإفريقية التي تواجه
كل أشكال
الجفاف والعنف البشري وتبقى راسخة في الأرض ومتجهة نحو السماء باخضرارها
وكأن "القدر"
هو الذي زرع السينما الإفريقية في مدينة "خريبكة" لتشابه الطقس وعفوية
سكانها.
دينامية هذه الحركية السَّلِيمَة والوجيهة يقودها
مؤسس التظاهرة منذ أن رأت النور في منتصف السبعينات من القرن الماضي وهو
الناقد،
المفكر،السيناريست، والمنتج نور الدين الصايل (المدير العام الحالي للمركز
السينمائي المغربي ورئيس مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية).
لا نرمي الورود على
هذه الشخصية السينمائية أو نمجد صورتها بقدر ما هو واقع مشهود بها داخل
المغرب
وخارجه، إذ أنه أشهر إسم سينمائي يتداول خارج التراب المغربي
بما أسداه للسينما
المغربية وقدرته على إثارة انتباه الجميع إليها وإيجاد لها أمكنة في عالم
ضيق ولا
يُسمح ولوجه بسهولة.
فالأستاذ نور الدين الصايل ليس في حاجة مني لتأكيد ذلك ولن
يُضيف له شيئا ما حاليا بعد مسار سينمائي غني يمتد امتداد نصف
قرن؛ فما أورده هنا
هو تحصيل حاصل نسوقه بمناسبة حديثنا عن مهرجان سينمائي كان هو رائده بدون
منازع
ومازال، مثلما هو رائد الثقافة السينمائية بكل تجلياتها.
وصل المهرجان إلى دورته 14، لكن مسيرته
السينمائية طويلة وغنية بما نقلناه إليكم في هذا النص بحيث بدأ مع ناد
سينمائي ثم
نازعته مؤسسات محلية لا علاقة لها بفنون السينما لكي تحوله إلى صالحها عوض
أن تهتم
بما هو من اختصاصها في الشأن العام للمواطنين وأن تكتفي بدعم
التظاهرة بحكم أن كل
نشاط ناجح وإيجابي بمنطقتها هو لصالحها، خاصة إذا لم تكن هي صاحبته.
ونجح
المناضلون السينمائيون المحليون والوطنيون من استرجاع هوية المهرجان إلى
قاعدته
الأصلية في إطار جمعية التي تبين صعوبتها في المكون الذي تدور
فيه لتكون المحطة
الأخيرة هي تأسيس مؤسسة مستقلة خاصة بالمهرجان تدير شؤونها إدارة قائمة
الذات.
ومن لقاء كان يُقام حسب الإمكانيات المتاحة إلى تظاهرة كل سنتين وفي
الأخير أصبح مهرجانا سنويّا مع مؤسسته المُشار إليها سابقا.
وعليه، فإن مهرجان
السينما الإفريقية في "خريبكة" هو مهرجان ينمو، يتطور، يتقدم، يتحسن،
يتفاعل مع
محيطه المحلي في المدينة وعلى الصعيد الوطني.
ناهيك عن علاقته بالقارة
الإفريقية بخلقه جسورا مع كثير من المهرجانات وبمؤسسات سينمائية لتوطيد
تعاون ملموس
في الإنتاج والتوزيع.
وسنرجع إلى هذا الموضوع في نص مستقل لتبيان حيثياته
والدور الذي سيلعبه مهرجان "خريبكة" في المستقبل القريب والذي ستكون له
انعكاسات
إيجابية على المستوى البعيد بعد أن استرجع الأستاذ نور الدين الصايل صحبة
فريق ناشط
وحيوي زمام الأمور في قيادة هذه التظاهرة وإدارتها.
أفلام المسابقة والجوائز
تحمل الدورة 14 مشاركة متنوعة مجسدة
في 13 فيلما قادمة من الموزمبيق، وبينين، وساحل العاج، مرورا بمالي،
وبوركينا فاصو،
ومصر، وصولا إلى الأقطار المغاربية: تونس، الجزائر، والمغرب كلها حديثة
الإنتاج رغم
ما تعاني القارة من فقر في الإنتاج السينمائي بسبب الأزمات
الاقتصادية والحروب
الأهلية أو بين الأقطار على أكثر من حدود مشتركة.
فلو كانت قارتنا السمراء في
وضع سليم كان بالإمكان أن يكون الاختيار أكثر صرامة وربما يمتد المهرجان
إلى أكثر
من أسبوع باعتبار وجود 54 دولة حسب الأمم المتحدة.
هذه لائحة الأفلام ومخرجيها
التي تحتويها المسابقة الرسمية: "انتظار التصويت" للمخرج ميسا بيبي، و"ثقل
القسم"
للمخرج كمولو دي صانو، كلاهما من بوركينا فاصو، و"غزوة سامانيانا" للمخرج
سيدي
دياباتي من مالي، و"الرجل المثالي" للمخرج أويل براون من ساحل العاج،
و"الطيران
الأخير للبجع" للمخرج ريبيرو جوواو من الموزمبيق، و"خطوة إلى الأمام: خبايا
الفساد"
للمخرج سيلفيستر أماسو من بنين، و"النخيل الجريح" للمخرج عبد اللطيف بن
عمار من
تونس، و"سفر إلى الجزائر" للمخرج عبد الكريم بهلول من الجزائر، و"لكل
حياته" للمخرج
علي غانم من الجزائر، و"ميكروفون" للمخرج أحمد عبد الله، و"6، 7، 8" للمخرج
محمد
دياب، وكلاهما من مصر؛ ويشارك المغرب في المسابقة الرسمية بفيلمين هما
"الوتر
الخامس" للمخرجة سلمى بركاش، و"ماجد" للمخرج نسيم عباسي.
وقد خُصصت للمسابقة
الرسمية 8 جوائز مالية مهمة ومُشجعة تتوزع كالآتي:
الجائزة الكبرى التي تحمل
إسم المخرج السنغالي الراحل عصمان سمبين (وهذا الإسم له دلالة كبيرة في
سينما
القارة الإفريقية باعتباره أحد مؤسسي فنها السابع برؤية ملتزمة
وأحد مراجعها فضلا
عن كونه أنتج وأخرج مجموعة من الأفلام بتعاون مع كثير من الأقطار الإفريقية
منها
المغرب طبعا).
وكذا جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة الإخراج والسيناريو وأفضل
دور نسائي ودور رجالي وأفضل دور ثاني نسائي ورجالي.
إعادة الاعتبار للنقد
السينمائي بالمغرب
يترأس لجنة التحكيم، هذه السنة، أحد الأسماء
البارزة في الحقل السينمائي المغربي، وهو الناقد والباحث والقاص
والسيناريست
الأستاذ مصطفى المسناوي الذي واكب بدوره حركة النقد بالمغرب، منذ
السبعينات،
بالكتابة والتنظير والمشاركة الفعالة. كما يتمتع بنزاهته
الفكرية واستقلاليته في
مواقفه إذ جمعتنا مناسبات عمل كثيرة حيث اختبرت الرجل عن كثب فأعلم ما أقول
وأكتب.
وبالتالي سيحضر النقاش السينمائي ومرجعياته
بكثافة بين أعضاء لجنة التحكيم. علما أن
الأستاذ مصطفى المسناوي شخصا منفتحا على جميع الأفكار وليس
متزمتا تُجاه الآخرين
مهما اختلف معهم ولا يفرض رصيده المعرفي عليهم.. يعشق النقاش والجدل المثمر
للفكر
السليم، وسترافقه في لجنته أسماء من أقطار مختلة تمثل مختلف الحساسيات
السينمائية
في الإخراج والإنتاج والتمثيل.
إن اختيار ناقد سينمائي على رأس لجنة التحكيم هو
إعادة الاعتبار لهذا الفعل السينمائي الذي ميعه البعض، ورسالة من رئيس
مؤسسة مهرجان
السينما الإفريقية والمدير العام للمركز السينمائي المغربي والأب الروحي
للثقافة
السينمائية بالمغرب الأستاذ نور الدين الصايل بضرورة التفكير في دعم هذا
الجانب
ليواكب ديناميكية السينما المغربية بما لها وما عليها.
إذ أن الناقد والصحفي
المتخصص والمؤرخ السينمائي والباحث العلمي ركائز أساسية في إنتاج المعرفة
السينمائية وتداولها من خلال الأفلام أساسا وتأثيرها على
تحولات المجتمع ضد كل
تزمُّت ضد الصورة.
إنها هدية جميلة يقدمها الأستاذ نور الدين الصايل إلى النقاد
من خلال مصطفى المسناوي ويعبر عن مدى احترامه لهم. فمن يا تُرى
سيفهم مضمونها
ويلتقط هذه الإضاءة في سماء السينما المغربية ويعمل على ترجمتها بالرقي
بالفكر
النقدي المغربي؟
يحتوي برنامج المهرجان على أنشطة لا تقل أهميتها
عما سبق. نذكر منها الندوة المركزية حول السينما الإفريقية من خلال تجربة
المركز
الإفريقي للسينما والسمعي البصري بدكار (السنغال)؛ وهذا تأكيد جديد حول ما
قلناه
بالتفكير الإفريقي في روح المؤسسة الجديدة المنظمة لمهرجان السينما
الإفريقية.
يشارك - في الندوة - سينمائيون وأطر تنتمي للمركز وللمؤسسات الرسمية
والمدنية كوزارة الثقافة السنغالية، وسيديرها الأستاذ نور
الدين الصايل بصفته رئيس
مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية بـ "خريبكة" والمدير العام للمركز
السينمائي نظرا
لما لهذه الندوة من أهمية في التعاون الإفريقي أو بصيغة السياسة التعاون
"جنوب –
جنوب" سيسفر عن صورة إفريقية جديدة مستقلة
عن ضغوطات إنتاج الغرب وشروطه المجحفة
أحيانا.
وبنفس الروح والقوة والعزيمة سيتم تكريم المخرج / إيدريسا ويدراوغو من
بوركينا فاصو، الذي زار مدينة "خريبكة" مرارا وشارك بأفلامه
الجميلة، ليعترف له
سكان المدينة بالجميل؛ وسيُكرم أيضا المخرج والممثل المغربي / حكيم النوري
بحيث
سيتم عرض بعضا من أفلامهما.
وككل سنة، ينتظر شباب المدينة ونواحيها وأيضا
القادمون من مدن بعيدة لحظة انعقاد المهرجان بكثير من الشوق حتى يتسنى لهم
مشاهدة
الأفلام طبعا، ولكن أساسا للمشاركة في ورشات التي تتيح لهم إمكانية
الاقتراب أكثر
إلى فنون السينما واستيعابها بتأطير من محترفين في المجالات المقررة وهو ما
يترك
لديهم انطباعا جد إيجابي فيتورطون ورطة جميلة في عشق فن السينما.
وإلى جانب هذه
الفقرات نجد أيضا عروضا موزعة على فضاءات أخرى للمدينة ومعرضا فوتوغرافيا
سيُقام
طيلة مدة المهرجان، يؤرخ لهذه التظاهرة من خلال ملصقاتها
ورؤساء لجن تحكيمها
والأفلام الفائزة في الدورات السابقة وكذا بعض الوجوه السينمائية التي
رافقته في
إحدى محطاته أو جميعها من بينهم كل من "عصمان سمبين" و"الطاهر شريعة".
كما يحتضن
المهرجان جلسات حول الإصدارات السينمائية الجديدة سواء التي تنشرها
الجمعيات أو
الأفراد وهي جلسات احتفائية وتعريفية أكثر مما هي قراءات نقدية
ودراسات فيها هي
نفسها؛ فمن الأفضل أن يتم تطوير هذه الفقرة في شكلها ومضمونها إذ تحولت إلى
لحظة
جامدة وهامشية في فعاليات المهرجان ولا تضيف له جديدا يُذكر خاصة وأنها لا
تتناول
السينما الإفريقية.
أما اللحظة القوية في المهرجان والممتعة فيه فتتجلى في
لياليه السينمائية التي تمتد إلى ساعة متأخرة في الليل أو بعبارة أصح إلى
صباح
اليوم الموالي حيث النقاش الحرّ حول السينما بعفوية مُنظمة وبحضور
السينمائيين
ومختلف الفئات.
لسوء الحظ لم تنته بعد المعارك النضالية التي
يخوضها المناضلون السينمائيون الحقيقيون في مهرجان "خريبكة" للسينما
الإفريقية إذ
بمجرد ما يحققون انتصارا ما يجدون أمامهم أو على هامشهم من يسعى للنيل منهم
بشتى
الأشكال عوض المساهمة بالرقي بالمهرجان من داخله كإرث سينمائي
مشترك خاصة وأنه
يتطور نحو الأمام وليس جامدا أو يتخلف إلى الوراء.
لا يأتي إزعاج فعاليات مهرجان
السينما الإفريقية من خارج محيطه فقط بل أيضا من عمق نفس الفضاء بحيث
تستفيد من
النجاحات التي حققها المهرجان للمدينة لكي تجعل منها انتصارا لها وتستغل
أيضا
إلتباسا في إسم المدينة والسينما وصفة المهرجان حتى تسرق
أضواءه أو تقتات منه؛ وهذا
في حد ذاته يستحق موضوعا مستقلا لمناقشته بالنقد والقراءة.
الجزيرة الوثائقية في
14/07/2011 |