قبل أن نقول شيئا ، ومهما كان يحمل في طيّاته هذا الشيء، سوف نمرّر فرضية
مفادها أن الفيلم الفضائحي لـ / ميشيل بونيف سوف يقود جمهورا غفيرا إلى
الصالات حتى من دون أن يكون مرتبطا بقيمته ومستواه الفني الهابط .
ببساطة، فإن الإنتاج البلغاري – الايطالي المشترك زاد الصخب كثيرا من حوله
في الآونة الأخيرة، لارتباطه بسلسلة من الفضائح والاتهامات التي ستدفع بجزء
كبير من المشاهدين لمعرفة ما يدور من حوله، أو كما يقال بطريقة مداورة هنا
إن " أسوأ إعلان هو الإعلان نفسه".
(
وداعا
ياأمي) فيلم ثقيل ومكرب، وعاطفي جاف، ولكنه استفزازي بامتياز، وصعب أن
يترك
مشاهديه غير مبالين، ومن المؤكد أنه سيقسم رأي الجمهور فيه بسهولة بين ما
هو سلبي
وما هو ايجابي أو العكس؛ ولكن ثمة احتمال 1 % أن يكون من بين هذه الآراء
من هو
محايد تماما. الفيلم يسلط الضوء بقوة على الصراع الحتمي بين الأجيال، وهو
يدرس
العلاقة بين الآباء وأبنائهم ( الأم وابنتها في هذه الحالة )، وربما سار كل
شيء على
ما يرام، لو أن ( وداعا يا أمي) انتمى إلى السينما التقليدية التي تنتقل من
الخير
إلى الشر بطروحاتها بسهولة ويسر.
ولكن هذا ما لا يتوافر عليه الفيلم، فالشخصية
الرئيسة فيه هي "ميشيل بونيف" ( تلعب دور
الأم )، وهي تظهر هنا على أنها نقيض مطلق
لتصوراتنا عن الأهل، وهي تجمع بداخلها صفات على غاية في السلبية لا يمكن أن
نتصورها
في العالم الواقعي.
هنا يمكن أن نشير بهدوء إلى مشهد معين من الفيلم تعود فيه
فتاة لم تفطم بعد من مدرستها بعلامات
منخفضة، فتقوم الأم بتعريتها، وتعرضها لمياه
دوش بارد، وتتركها على الشرفة عارية تتعرض لأحقاد فصل الشتاء طوال الليل
كعقاب لها
على تقصيرها في واجباتها المدرسية.
في ملمحها على الشاشة ليس ثمة ما يدل على
عاطفة أو حب إنسانيين، أو أي عاطفة ايجابية
يمكن لها أن تدفع بقبول فيلم ( وداعا يا
أمي )، أو تعطينا إمكانية التسليم بكونها قصة عادية .. يكفي أن تكون قد
رويت من قبل
في كلاسيكيات "فيكتور هيغو"، أو باعتبار أننا نتحدث عن نتاج بلغاري –
إيطالي مشترك،
فنتلمس لها عذرا في أدب "ادموند دي اميتشيز".
نعم في نهاية المطاف، نحن هنا
أمام فيلم ينطوي على سيرة ذاتية لمخرجته وممثلته الرئيسة،
بالتزامن من خيار "ميشيل
بونيف" التي فضلت أن لا تؤدي الشخصية
المنوطة بها، بل شخصية أمها، وهو ما يمنع
ويزعج حين نقف أمامه مضطرين ونشعر بأننا مجبرين على فعل ذلك.
ومن المؤكد أن كل
الأسماء الواردة فيه من "تاتيانا لولوفا"، "مارتا يانيفا"، "ناديا
كوناكتشييفا"،
"يوليان فيرغوف"، كانت رائعة على مستويات الأداء،
وهذا ينطبق بقوة على "ميشيل
بونيف" إلى حدّ كبير، ولكن حتى المشهد النهائي لم نتمكن من التخلص من
الانطباع بأن
القوة الدافعة الرئيسة فيه تكمن ليس في إنشائه كقيمة سينمائية، بقدر
الشياطين التي
تقيم وتهجع في روح طفلة لم تفهمها أمها أبدا
.
وإذا ما تمكن مشاهدو هذا الفيلم
من الانعتاق من أي تحيز مرتبط بسيرة "ميشيل بوينف" الذاتية،
فعلى الأغلب، إن
(
وداعا يا أمي) سوف يهزهم من الداخل ويعجبهم، أو العكس تماما،
ولكنه في مطلق الأحوال
لن يتركهم غير مبالين.
ميشيل بونيف : أنا ممتنة
لـ"بيرلسكوني"
مقارنة بشهرتها في إيطاليا حيث تقيم وتعمل منذ سنين،
اليوم تقف "ميشيل بونيف" بين أكثر الشخصيات
شهرة في بلغاريا بعد أن كانت اسما
مجهولا حتى وقت قريب
.
في أواخر العام 2010 ذاعت فضيحة تمويل مشروعها الإخراجي (وداعا
يا أمي) و شملت سفر وفد من طاقمه الفني لعرضه في مهرجان فينيسيا، وأن
"
تثمينه " من المهرجان جاء تقديرا لجهود امرأة فيه، وبدا واضحا حينها أن
علاقات "بونيف" مع رئيس الوزراء الإيطالي "سيلفيو بيرلسكوني" هي السبب في قبول
عرضه في
المهرجان، الأمر الذي ما دفع إلى إقالة
رئيس المركز السينمائي البلغاري "ألكسندر
دونيف" الذي صرف مبلغ 300 ألف ليفة ( العملة المحلية ) عليه بالرغم من أن
الشريط لم
يحصل على التأهيل الفني الضروري من أجل حصوله على التمويل .
وزير الثقافة
الإيطالي "ساندرو بوندي" الذي حيّا بإسم الحكومة الايطالية "بونيف" وعد
أيضا
بالاستقالة من منصبه بسبب اتهامات طالت فيلم (وداعا يا أمي)
وقيامه هو شخصيا بتأمين
صرف مليون يورو من الخزانة الحكومية بغية
تحقيقه.
يذكر أن الفيلم انطلقت عروضه
قبل شهر في الصالات البلغارية، وهو يحكي كما بات معروفا عن
الجانب السيئ في علاقة
أم بإبنتها، أو كما تعترف هي في نهاية
المطاف بأن الفيلم يحكي في الواقع مأساتها
الشخصية.
(وداعا
يا أمي) فنّ هابط
كتب "بوجيدار مانوف"
في صحيفة ( 24 ساعة) اليومية البلغارية عن الفيلم قائلا إنه نموذج متطرف
وصارخ
للفن الهابط، وأضاف إنه يأمل ألا يشكل هذا التعبير إهانة إلى بعض الانجازات
الصادقة
لهواة الفن، فالفيلم عموما لا ينتمي حتى إلى بعض نتاجات الموسيقى الشعبية،
فهي
مهنية حتى حين تكون هابطة.
وقال "مانوف"
بوصفه عضوا في اللجنة الفنية المركز السينمائي البلغاري، إنه أوصى برفض
المشروع
جملة وتفصيلا حين تقدمت به "بونيف"، حتى أن اللجنة المؤلفة من تسعة أشخاص
من نفس
المركز أوصت أيضا برفضه، وبعد ذلك قامت لجنة من التلفزيون
البلغاري بالمطالبة بعدم
تنفيذ المشروع .
بيرلسكوني.. بيرلسكوني
أراد "بيرلسكوني" من وزير ثقافته شخصيا أن يحصل فيلم (وداعا يا أمي)
للبلغارية "ميشيل بونيف" على جائزة ما في مهرجان "فينيسيا"..كتبت صحيفة "الغارديان"
البريطانية.
وهو الأمر الذي دفع بالسلطات الايطالية لاحقا لتعقب "بيرلسكوني"
نفسه في قضية المخرجة والممثلة البلغارية "بونيف.
وهذا
التعقب الجنائي يجيء على
خلفية صرف مبلغ 400 ألف يورو من المال
الحكومي بغية استضافتها هي والوفد المرافق
لها (40 ممثلة وممثل وفني بالإضافة إلى وزير الثقافة البلغاري) وحصولها
على جائزة
خاصة بها كما أشارت الصحيفة البريطانية.
أساس هذا التعقب كما تقول الصحيفة مبني
على مكالمة هاتفية بين "بيرلسكوني" ووزير
ثقافته دار من حول السينما، وتحديدا حول
بونيف وفيلمها (وداعا يا أمي).
و"بونيف" التي توصف بصديقة شخصية لـ "بيرلسكوني"
حصلت حينها على جائزة بمناسبة الذكرى الستين
لتأسيس الاتفاقية الأوروبية الخاصة
بالدفاع عن الحقوق الأساسية للإنسان. وقامت
محطة ( راي ) التلفزيونية بشراء حقوق
عرض الفيلم مقابل مبلغ وصف بالطائل والكبير.
الجزيرة الوثائقية في
11/07/2011
الجزائر تعطي إشارة الإنطلاق لـ"الأيّام السينمائية
الضاوية خليفة - الجزائر
افتتح ''فيلم أيام قليلة من الراحة'' للمخرج
الجزائري المغترب "عمور حكار" فعاليات الأيام السينمائية في دورتها
الثانية
بالجزائر العاصمة التي سجلت حضور عدة شخصيات في عالم الفن والنقد
السينمائي من
الجزائر وخارجها.
وفي كلمة الافتتاح أكد المخرج الجزائري "أحمد بجاوي"
-
ممثل وزيرة الثقافة الجزائرية - أمام ضيوف الجزائر، على ضرورة منح
الفرصة للشباب
بعد أن أثبت جدارته وأحقيته في الحصول على فرص أكثر ودعم أكبر لإبراز
إبداعاته
مؤكدا أن الوزارة الوصية ترعى كل المشاريع وتشجع المبادرات السينمائية
كمبادرة
جمعية المخرجين الأحرار" لنا الشاشات" التي تُشرف وللعام
الثاني على التوالي على
تنظيم الأيام.
من جهته أشاد "سليم عقار" رئيس الجمعية بالدعم الذي لقيه
أثناء تنظيمه للتظاهرة أو كما يسميه البعض المهرجان المصغر
الذي يسعى لخلق حركية
سينمائية بالعاصمة بعدما تمركزت بعض المهرجانات رغم قلتها بولايات أخرى غير
العاصمة، و بغية تحسين المستوى الفني والتنظيمي للحدث السينمائي ارتئ
المنظمون هذا
العام توزيع إسثماره على الجمهور ليقيّم بشكل يومي مستوى الأفلام ومن ثمّة
يختار
أحسنها ويمنح جائزة الجمهور في اختتام الفعالية التي ستعرف
تقديم 32 عملا سينمائيا
19
فيلما قصيرا، وخمسة أفلام طويلة، و تسعة أفلام وثائقية؛ فضلا عن
برمجة ثلاث
ندوات أولها ستناقش علاقة السينما التركية بالعالم العربي، مكانة النقد
السينمائي
في العالم العربي، ومستقبل السينما العربية بعد الثورات الشعبية التي
شهدتها البلاد
العربية مؤخرا، وكذا وضعيّة السينما المتوسطيّة.
كما
تميز افتتاح الدورة الثانية بتقديم أعضاء لجنتي تحكيم مسابقة السيناريو في
فئتي
الأفلام القصيرة برئاسة المخرج السينمائي "إلياس سالم"،
والأفلام الوثائقية تحت
إشراف المصور الجزائري "رشيد بن علال" المسابقة التي حُدّد موضوعها حول ''
الشباب والاستقلال '' كون الأيام
السينمائية تتزامن وإحتفال الجزائر بالذكرى
التاسعة والأربعين لعيدي الاستقلال والشباب .
"قناة
الجزيرة أطفال"
تهب الأيّام السينمائيّة أفلامًا
وتطبيقا لعقد الشراكة المبرم بين
جمعية "لنا الشاشات" و" قناة الجزيرة للأطفال" سيتم عرض ثلاث أفلام قصيرة
كانت قد
منحتها إدارة الجزيرة أطفال للقائمين على الأيام بشكل مجاني ويتعلق الأمر
بفيلم ''في انتظار زيدان'' للمخرج الجزائري / أحمد
راشدي، ''مازن و النمل'' للبناني
/
برهان علوي، و''ضربة جزاء'' للتونسي / نوري بوزيد، وكذا الوثائقي ''أقرزام ''
للمخرجة / هالة مراد و هو إنتاج سوري
إماراتي مشترك، وكذا الوثائقي المعنون
بـ"أقرزام" للمخرجة / هالة مراد وههو إنتاج سوري إماراتي
مشترك؛ وجلها إنتاجات تحمل
بصمة كبار المخرجين العرب.
"عمور
حكار" صاحب البيت الأصفر الحاصل على
حوالي ثلاثين جائزة يعتبر السينما فضاء للبحث عن التساؤل
والمجهول فبعد العرض الذي
قدم لأول مرة بالجزائر دافع "حكار" عن ''أيام قليلة من الراحة'' وعن
الحكاية التي
يسردها من خلال شخصية الأستاذ الجامعي ''محسن'' وصديقه المصور ''حسن''
اللذان يفران
من إيران ليدخلا الأراضي الفرنسية بطريقة غير شرعية خشية تنفيذ عقوبة
الإعدام في
حقهم في مجتمع لا يتسامح ولا يسمح بالعلاقات المثلية حيث يتوقف الفيلم في
محطات قد
يعيشها كل لاجئ لوطن غير وطنه بطريقة لا شرعية و بعد أن تلقي الشرطة
الفرنسية القبض
على الأستاذ الجامعي "محسن" يختار المصور "حسن" أن يكون لهما
نفس المصير، وفي آخر
الفيلم تظهر لافتة تقول ''حسن ومحسن شنقا بعد أربعة أشهر''.
للإشارة فإن فيلم ''أيام قليلة من الراحة '' وهو إنتاج جزائري
فرنسي مشترك كان قد رشح مؤخرا لمهرجان
السينما المستقلة - سندانس - بالولايات المتحدة الأمريكية وكان
الممثل الوحيد
للسينما الجزائرية في هذا المهرجان المعروف بإلتزامه بالقضايا الإنسانية.
الجزيرة الوثائقية في
11/07/2011
تتويج فيلم "سارق الضوء"
أحمد بوغابة – المغرب
حصل فيلم "سارق الضوء" على الجائزة
الكبرى في مهرجان الرباط لما يُسمى بـ "سينما المؤلف" سلمتها له في الأسبوع
الماضي
لجنة تحكيم ترأسها المخرج التونسي رضا الباهي.
ويُعرض الفيلم منذ الربيع الأخير
من السنة الجارية في الأقطار الأوروبية بعد مشاركته في فقرة "أسبوعي
المخرجين"
بمهرجان "كان" الفرنسي في السنة الماضية ثم في عدد من المهرجانات التي حصل
منها على
جوائز مثل مهرجان "أميان" ومهرجان "البيئة" بباريس وغيرهما.
يحمل الفيلم جنسية "كيرخيزستان" حيث ينتمي روحا وفكرا وشكلا لذلك البلد
الواقع
في آسيا الوسطى والذي كان يخضع لمنظومة الاتحاد السوفياتي سابقا.
تمكن هذا
الفيلم من رؤية "الضوء" بفضل دعم مادي فرنسي وألماني وهولندي إذ أن
السيناريو
استغرق في كتابته المخرج نفسه طيلة تسع سنوات وهي المدة التي تطلبت من
صاحبه أن يجد
له تمويلا من هنا وهناك ويجمعها بصعوبة كبيرة.
وكان الكاتب السيناريست/ المخرج/
المنتج/ الممثل يستغلّ الزمن الضائع أثناء بحثه عن التمويل بإدخال تعديلات
وإضافات
في السيناريو والتدقيق فيه، وفي ذات الوقت البحث عن أمكان
التصوير والتفكير في
الديكور والحوار والموسيقى وكل تفاصيل الفيلم، بحيث كتب له الإخراج أيضا،
إلى حد
أنه حفظه عن ظهر قلب كما صرح لبعض وسائل الإعلام في مهرجان "كان" عند عرض
فيلمه.
وهذه السنوات التسع من الكتابة والإعداد، على جميع المستويات، أهلته لكي
يصوره في شهر واحد فقط (نعم خلال شهر واحد فقط) حسب ما جاء في
ذكر كلامه حين حصل
على الدعم.
مدة الفيلم ساعة و16 دقيقة يؤدي فيه المخرج نفسه الدور الرئيسي لأنه
يعلم أدق تفاصيل السيناريو الذي قضى 9 سنوات في كتابته كما سبق
القول حتى لا يضيع
الوقت أكثر.
"سارق
الضوء" هو ثالث فيلم للمخرج، وهو أول فيلم يوقعه باسمه الجديد "أكتان
أريم كوبات" بعد أن وقع فيلْميْه السابقين باسم "أكتان أبديكاليكوف"؛ فقد
احتفظ باسمه الشخصي "أكتان" وأضاف إليه إسمين لأبويه تكريما لهما فـ "أريم"
هو إسم
لوالده البيولوجي و"كوبات" هو إسم لأبيه بالتبني، وبذلك جعلهما معه في إسم
واحد
تقديرا لهما واعتزازا بهما.
يتمتع الفيلم بالشاعرية الفنية وبالحكمة في مضمونه
حيث نجح في الجمع في آن واحد بين التفاصيل والاختزال الذي يتيحه فن
المونتاج.
فلم يكن غارقا في التفاصيل المحلية إلا إذا أراد التأكيد على هويتها التي
تندثر
حاليا ويلتجئ للاختزال في المشاهد/ المواقف المعروفة دراماتوجيتها في
السينما والتي
سنشير إليها تباعا في هذا العرض.
يضعنا الفيلم منذ البداية – من خلال
عنوانه – أمام "تهمة" بيِّنة وهي "السرقة" لشيء غير ملموس وهو "الضوء"وبهذه
تَفْتَتِحُ "التهمة الوهمية" المشاهد الأولى في الفيلم.
لكن قبل أن
نشاهدها، يُسمعنا المخرج هزيع الريح على شاشة سوداء مظلمة خلال الجنريك
الأول.
وهذين المعطيين هما بمثابة عمودين اللذين يرتكز عليهما سيناريو الفيلم
ويتداول في شأنهما الحوار بشكل مباشر أحيانا أو بلقطات ومشاهد
أحيانا كثيرة، وهما: "الريح"
و"الضوء"، وسينمائيا: "الصوت" و"الصورة".
إسم الشخصية الرئيسية التي "تسرق
الضوء" هو "السيد النور"، لم يطلعنا الفيلم إطلاقا هل هو إسمه الحقيقي أو
مجرد نعت أطلقه عليه سكان القرية إلا أن إسمه اقترن بالضوء والسلوك الحسن
المنير،
وهذه الشخصية هادئة ومسالمة وتحب الخير للجميع وتتعاطف مع الأطفال.
وبالتالي فهو
"نور" القرية وسكانها، فهو إسم على مسمى؛ إن المرة الوحيدة التي انتفض
فيها "السيد
النور"، وخرج عن سيطرة نفسه، حين أراد الدفاع عن الفتاة خلال الحفلة التي
تحولت
فيها إلى بضاعة لجلب الاستثمار الصيني لكن صدمته الكبرى كانت هي أن الفتاة
نفسها هي
التي تصدت له وطالبته بالمغادرة.
مباشرة بعد جنيريك البداية الذي نسمع خلاله
الريح على السواد نشاهد أول لقطة لطاحونة الهواء و"السيد النور" يمرّر
"الضوء" إلى
بيت أحد العجزة، ثم هوائي للتلفزيون الذي يتحرك على الشاشة ليتبين لنا
إمرأة مسنة
تنتقل به، وتجيب المرأة رجال شركة الكهرباء، الذين يتابعون عبر الراديو
الأخبار
المتوترة في العاصمة، وهؤلاء المستخدمين يتهمونها بـ "سرقة
الضوء" فأجابتهم بأنها
لا تضع "ضوءهم" في جيبها.
وعليه فـ "الضوء" بقدر ما هو محسوس وملموس بالرؤية
غير موجود كمادة في نظر الناس مثل الريح تماما الذي يحسون به
دون أن يقبضوا عليه إذ
هو في متناول الجميع.
وهذا التناول الذكي للملكية الجماعية التي تمّ الاحتواء
عليها لإعادة بيعها والاتجار فيها يصبح لها بعدا سياسيّا واقتصاديّا في
النظام
الجديد حول توزيع الثروات دون أن يلجئ المخرج إلى الخطاب المباشر بل اعتمد
على
تجسيدها بالصورة السينمائية.
وبما أن الفيلم يدور حول الضوء، فإن المخرج اشتغل
جيدا في إضاءة فيلمه خاصة في مشاهده الداخلية مع مراعاة الديكورات
والإكسسوارات
واللباس.
يتوزع التشكيل الضوئي في إطار الصورة نفسها وهو ما أعطاه تلك الجمالية
البصرية إذ كانت بعض المشاهد بمثابة لوحات تشكيلية تتكون من
تعدد سُلَّم الإضاءة
ودورها الدرامي في تحديد نفسية الشخصية ومحيطها كجواب على عُمق معاناته
لتحقيق
أمنيته بتوزيع الكهرباء على الجميع مجانا مادامت القرية توجد في موقع
استراتيجي
تهبّ عليها الرياح القوية طيلة السنة وهو ما سيسمح لها بإنتاج
الكهرباء والاكتفاء
الذاتي.
مشاهد كثيرة في واجهة اللقطة أو في عمقها تبين لنا – طيلة الفيلم
–
بوجود الأرياح (تحرك الأشجار والأغصان والغسيل وبالونات الأطفال
وطاحونة الهواء...)
تقنعنا بنظرية "السيد النور" لصنع
éoliennes
محركات الريح لتوليد الكهرباء إلا أن
الشركة لا ترغب في استغلال الريح الطبيعي الموجود بكثرة ومجانا
حتى تحتكر إنتاج
الكهرباء وبيعه للمواطن وكثيرون منهم لا يقدرون على أداء فواتيرها.
وعليه،
فالمخرج ينتقد سياسة اقتصادية واجتماعية دون خطاب فج مباشر من خلال حوار
ممل بل
يفضل أن يعتمد على الصور، اللقطات، والمشاهد ممزوجة بأصوات
الريح ومعاناة السكان مع
الخصاص في الكهرباء.
ويربط المخرج هذا الواقع بسيادة مافيا
العقار والفساد في وسط الفئة السياسية بالبلاد المُنتخبة ونموذجها المصغر
في
القرية.
كما تطرق للمشاكل الاجتماعية كالفقر والهجرة والأمية من خلال نماذج
لشخصيات تحكي عن ذوات أخرى من خلال ذواتها؛ ومن المشاهد الذكية
في الفيلم نتوقف عند
توظيفه للمونتاج المتوازي بحيث وظف التلفزة التي كانت تحمل أخبار
الاحتجاجات
بالعاصمة حيث كان يُمارس فيها العنف بين الخصوم السياسيين، وكان "السيد
النور"
يشاهد ذلك صحبة أحد نماذج المرتشين بالقرية والذي يبتسم ابتسامة استهزاء
لما يجري
هناك في العاصمة على التلفزة؛ وهذا المشهد يأتي بعد وفاة عمدة القرية الذي
وصلنا
خبر وفاته دون معرفة أسبابها ودفنه بسرعة لنجمع بين ما تبثه
التلفزة من عنف سياسي
وموت العمدة الذي كان قد رفض الرضوخ لهذا التعسفي، بل هذا الأخير فرض أحد
رجالاته
على القرية كعمدة مستغلا المأتم؛ وبالتالي فإن العمدة الذي كان قريب من
أهالي
القرية قد ذهب ضحية تصفية من طرف المافيا المحلية فوجدت طريقا
سالكا أمامها.
وسيتعرض "السيد النور" لنفس المصير بتصفيته ورميه في بحيرة في أحد المساءات
وبذلك تم إطفاء كل بصيص من "النور" و"الضوء" بالقرية.
لم يكن "السيد النور" يعمل
فقط على "سرقة الضوء" لصالح الفقراء بإدخاله إلى بيوتهم وإنما يستمع
لهمومهم أيضا
وينصحهم ويساهم في حل مشاكلهم لأنه "نور" القرية وضميرها ورمزها الإيجابي
كما أشرنا
إليه أعلاه؛ وهو ما سيؤكده العمدة قبل "تصفيته" (غير المعلنة) حين كان
يُجالس "السيد
النور" على حافة البحيرة قائلا له "آه لو كانوا يشبهونك في طيبتك ستتحسن
كثير من الأشياء" كانت الكاميرا حينها تصورهما من فوق ويبدو ماء البحيرة
نقيا جدا
كإحالة لنقاء "السيد النور" على لسان العمدة..وهذا المشهد لا يمكن إلا أن
يكون
مُفكرا فيه من قبل ليكون مضمون المشهد يتماشى مع الحوار الذي نسمعه بالصوت
الخارجي
(voix-off)
باللغة السينمائية.
وعلى ذكر الصوت الخارجي سنتوقف عند الشريط الصوتي
للفيلم الذي هو الطرف الثاني في المشاهدة السينمائية من خلال الاستماع لما
يبثه من
أصوات كالحوار والموسيقى وغيرهما من المؤثرات حيث في هذا الفيلم إن بطل
الشريط
الصوتي هو الريح وليس الموسيقى كما هو في كثير من الأفلام.؛ إن
اعتماده أحيانا على
الموسيقى كان لضرورة فنية وليس لملء فراغ ما.
كما اعتمد أيضا على الصمت لتبيان
الفراغ الذي تعيشه القرية، فقد اشتغل على الصورة والتشخيص بنفس مستوى
اشتغاله على
الأصوات.
يبقى المشهد الأخير في الفيلم له أكثر من دلالة في اللغة السينمائية إذ
بعد لحظات من السواد مباشرة بعد رمي "السيد النور" في البركة،
حين تمت تصفيته على
طريقة الرياضة التي تُمارس في تلك المنطقة الآسيويّة مع الحيوانات، تظهر
لنا
الدراجة الهوائية تحركها الأرجل تشبه لـ "السيد النور" لكن لن نجزم
بذلك ما
دام المخرج لم يعرفنا بأصحابها بقدر ما ركز على استعمال الطاقة الذاتية في
تحريك
العجلات والتقدم نحو الأمام وبذلك يؤكد لنا بصفة قطعية على أهمية وجود
منتوج طبيعي
هو الريح..وربما المشهد الأخير إحالة بوجود شخص آخر سيستأنف مسيرة "السيد
النور" في
نشر "النور".
الجزيرة الوثائقية في
11/07/2011 |