بعض الأفلام لا يمكن الإكتفاء بمشاهدتها مرّة واحدة فقط للإحاطة بها وبكل
ما تتضمنه من إشارات، ورموز، وإيحاءات، ومعان، وصور، قد تبدو متعارضة أو
متناقضة أو ربما توجد في سياق لا يسهل تفكيكه بصريا للوهلة الأولى، أو من
المشاهدة الأولى.
من هذه الأفلام الفيلم الحائز على "السعفة الذهبية" في "كان" والذي كنا
ننتظره منذ سنوات، وهو فيلم "شجرة الحياة"
The Tree of Life
للمخرج الأمريكي/ تيرنس ماليك.
وقد شاهدت الفيلم للمرّة الأولى عند عرضه في مسابقة مهرجان "كان"
السينمائي، ولكني عدت لمشاهدته مرة ثانية في اليوم الأخير من أيام المهرجان
حينما يعاد عرض جميع أفلام المسابقة في مواعيد محددة لمن فاته مشاهدة البعض
منها؛ وفي المشاهدة الثانية، أمكنني أن أتأمل، وأغوص في أعماق الفيلم،
وأتمكن ولو بشكل ما، من تفكيك بعض عناصره، والأهم من هذا الاستمتاع به
وبإيقاعه الموسيقي الذي يقترب من إيقاع السيمفونية بل هو أقرب إلى البناء
السيمفوني ولكنه هنا، بناء بصري، مركب بدقة وبحيث يعبر عما يدور داخل عقل
وقلب ووجدان ذلك السينمائي الأشهر الذي لم يخرج سوى خمسة أفلام فقط خلال ما
يقرب من 40 عاما، وهذا الفيلم هو خامسها.
يتعين علي الاعتراف بأن "شجرة الحياة" من الأفلام
التي يطلق عليها البعض "أفلاما صعبة" أي مركبة في بنائها ودلالاتها، فليس
من الممكن
قراءة واستيعاب كل ما تتضمنه من معالم وإشارات، من المستوى الأولي الخارجي،
بل لابد
من الغوص قليلا في أعماقها لكي يتمكن المشاهد من الاستمتاع بها.
"تيرنس
ماليك" ليس كسائر المخرجين الأمريكيين، فهو
ينتمي إلى فصيلة "أورسون ويلز"، أي أنه لا يخضع للمواصفات
السائدة التي تفرضها
استديوهات هوليوود على المخرجين الأمريكيين وغير الأمريكيين في العمل، بل
يعبر عن
رؤيته الخاصة للعالم، من خلال إعادة تشكيل الأدوات التي يستخدمها في
التعبير عن تلك
الرؤية.
هذه الرؤية تجنح عادة في كل أفلامه، إلى الميتافيزيقي والروحاني
مضمونا، وتميل في "شجرة الحياة" بوضوح، إلى السيريالي شكلا.
هنا نحن أمام شخصية رئيسية هي شخصية "جاك" الذي
نراه في البداية بعد أن أصبح رجلا في الخمسين من عمره أو ما
يزيد، يعمل في أحد
مكاتب الهندسة المعمارية في نيويورك، لكنه وهو ينشغل بالتطلع الى التصميمات
الهندسية على شاشة الكومبيوتر، يسرح ببصره إلى النوافذ الزجاجية الضخمة
التي تحلق
على غابة ناطحات السحاب في المدينة المتوحشة، يتطلع إلى الماضي، ويعود
بذاكرته إلى
نشأته وهو بعد صبي، في بلدة من ولاية تكساس في خمسينيات القرن
الماضي. وهكذا يعبر
بنا "تيرنس ماليك"، من الحاضر الذي لا يعيره عادة اهتماما كبيرا ويعتبره
مرادفا
للتفكك والانهيار الروحي والأخلاقي والاجتماعي والإنساني، إلى الماضي الذي
يعبر من
خلاله في كل أفلامه السابقة، عن نزعة "ماضوية" بالمعنى الفلسفي، أي باعتبار
الماضي
مرادفا للبراءة، للبدايات، لتفتح الوعي على مكونات الدنيا والعالم، لطرح
التساؤلات
الصعبة عن معنى الوجود، ومغزى تلك الحياةعلاقة الإنسان بالطبيعة، وما يفعله
بنا
فراق الأحبة بالموت، بل ومغزى الموت نفسه..
كل هذه المعاني لها ما يعادلها
بصريا في سياق هذا الفيلم الذي قضى مخرجه نحو ست سنوات قبل أن يتمكن من
الشعور
بالرضا عنه، وجاء في ساعتين و18 دقيقة.
"جاك"
يمرح مع شقيقيه في المزارع المحيطة ببيت
الأسرة، ولكن ما هو أهم من الشقيقين والأكثر تأثيرا على حياة
"جاك" وشقيقيه، هما
الأب والأم، وهما شخصيتان مفصليتان في الفيلم: الأب يدعى مستر "أوبريان"
دون أن
نعرف اسمه الأول (يقوم بدوره ببراعة نادرة الممثل براد بيت ربما في أهم
أدواره على
الإطلاق حتى الآن).. وهو رجل حائر ممزق بين ميوله الفنية
الموسيقية في الماضي التي
لم تتحقق، وما يمكن أن يكون قد نتج عن ذلك من "إحباط"، وبين دوره الحقيقي
الآن
كموظف في شركة أو مصنع قريب للمواد الزراعية في تلك المنطقة الريفية التي
تتميز
بغاباتها ومزارعها الشاسعة الخلابة.
إنه يعزف على آلة الأورج، وعلى البيانو في
المنزل، ويدير أسطوانة السيمفونية الرابعة لبرامز خلال العشاء، لكنه أيضا
يتمتع
بروح "عملية" تهتم بالبيئة حقا ولكن على أسس منفعية مباشرة، وهو يربي
أولاده بطريقة
خشنة، جافة، رغبة منه في تنشئتهم أقوياء، وهم لذلك يشعرون بالخوف أمامه،
لكنهم
يحملون له أيضا الحب: إنه شكل أقرب إلى مزيج من الاحترام
والهيبة، والتقدير
والعرفان والارتباط بقوة أكبر، يمكنها أن تمنح الشعور بالأمان، لكنها تفرض
شروطا
معينة من الانضباط السلوكي في مقابل ذلك.
أما الأم فهي على النقيض من ذلك الطابع
الجاف المهيمن، إنها امرأة متدينة شديدة التعمق في تأملها الصوفي الذي
يجعلها تربي
أبناءها على عدم اغضاب أحد، وهي تتمتم بآيات من الإنجيل قبيل تناول الطعام،
إلا
أنها تصاب بصدمة هائلة تتعرض لها الأسرة كلها أيضا، بل وتفجع
بتلقي خبر وفاة ابنها
الغائب، على الأرجح في الحرب الكورية، فنحن نشاهد عسكريا شابا يأتي
لابلاغها بالنبأ
المحزن قبل أن يختفي بسرعة.
الأم تخوض في رحلة روحية تلغي الحدود بين الواقع
والخيال، اهتمامها بأبنائها يصل درجة الهوس خوفا عليهم ورقتها مبالغ بها،
في
التعامل معهم على النقيض من الأب (أوبريان) الذي يمثل نوعا من الرمز الذي
يجمع بين
القوة والجبروت والرقة، وبين الفن والروح العملية، وبين
الخشونة الذكورية،
والالتزام بالتقاليد الأسرية.
أما بطلنا "جاك" فهو ذلك المتأمل الذي نسمع صوته
على مقاطع من الفيلم يروي لنا جوانب من تلك التجارب الأولية
التي تركت تأثيرها
القوي عليه، في حين يسحبنا "تيرنس ماليك" خارج هذه العائلة التي يعتبرها
أصل
المجتمع الدنيوي وأساسه، بعد حوالي 20 دقيقة من بداية الفيلم، في رحلة "أوديسية"
سيريالية تتشكل الرؤى فيها من لقطات عديدة تتشابك وتتعاقب في تشكيلات لونية
مذهلة،
شديدة الجمال، تمتزج بالموسيقى الكلاسيكية فتصبح تعبيرا روحيا عن ذلك الأفق
الأوسع
الذي يصبح فيه العقل البشري أدنى مما يعتقد، وأقل من أن يحيط ويستوعب:
تشكيلات لصور
من النباتات والأشجار والسحب والمحيطات والحشرات، ولنهر يعرج على احدى
ضفتيه
ديناصور جريح بينما يقترب منه ديناصور آخر، صحراء قاحلة
برمالها الناعمة التي تنعكس
عليها أشعة الشمس الحارقة، مجموعات من الكواكب والنجوم تدور في مجراتها..
إنها عودة
إلى أصل الحياة، أصل الكون، الوجود: ما الذي يجعله يستمر، ما معنى الحياة
نفسها،
كيف يستمر الإنسان رغم الموت، ما الذي يمكن أن يسلب الإنسان
الحياة. تساؤلات غير
مباشرة تدور تحت جلد الصور دون أن ترتبط بالضرروة ارتباطا "دراميا" بمسار
الفيلم.
هذه
اللقطات السيريالية تستغرق نحو 18 دقيقة على دفعتين، وقد استعان المخرج في
تنفيذها
بخبير المؤثرات البصرية الشهير "دوجلاس ترومبل" المسؤول عن المؤثرات
المشابهة التي
استخدمها "ستانلي كوبريك" في فيلمه الأشهر "2001.. أوديسا الفضاء" وهو ما
جعل البعض
يقارن بين "شجرة الحياة" وبين فيلم كوبريك، من حيث علاقة الفيلمين بعالم
الميتافيزيقا، وبالبحث الشاق عن أصل الوجود.
وعلى الرغم من الصور الخلابة،
والاستخدامات المحسوبة بدقة لحركة الكاميرا (وهي تتحرك كثيرا في هذا الفيلم)
والاختيار الدقيق لزوايا التصوير بحيث تصبح
العلاقة بين الشخصيات والمكان، بين
الإنسان والعالم، علاقة عضوية وثيقة ذات مغزى في السياق، ورغم
أن خمسة من
المونتيرين عملوا على التحكم في مسار الفيلم، وحساب الانتقالات بين مشهد
وآخر، وبين
التجسيد المباشر، إلا أن الفيلم يعاني من بعض الاستطرادات والتكرار خاصة في
المشاهد
التجريدية للطبيعة والكون، والانفجارات الكونية، كما يفتقد
الفيلم إلى الرابط بين
ظهور جاك (شون بن) في النهاية وبين الشذرات التي شاهدناها من حياته..
إن المدخل
الدرامي للفيلم، أي شخصية جاك تضيع وتضل في النهاية عندما يظهر وهو يسير
على شاطئ
يغوص بقدميه مرتديا بذلته الرسمية وربطة عنقه، داخل المياه مبتعدا تدريجيا
دون أن
نعرف على ما استقر ضميره أو انتوت نيته. لكن المؤكد أنه لم يصل قط إلى
اليقين.
من البديع أن نجلس لنشاهد ونتأمل كل ذلك السحر الذي
يكمن في مشاهد "شجرة الحياة"، نرتد إلى أصل الخلق، وأصل الحياة، نحاول أن
نفهم سر
وجودنا ووجود الكون والعالم، لكن الأهم في رأيي، ولعله من أهم ما نخرج به
من هذا
الفيلم الكبير، أننا نخرج ونحن أكثر حبا للطبيعة ولجمال الحياة، وأكثر
تقديرا وحبا
للخالق العظيم الذي صنع كل هذا الجمال في الكون، وكل ذلك التوازن، في
الحياة، وفي
الفن أيضا!
الجزيرة الوثائقية في
07/07/2011
"أميرلاي" حاضر بمهرجان الأفلام الفرنسية العربية
يامن محمد
دورة جديدة لمهرجان توقف لسنوات، في
المركز الثقافي الفرنسي في دمشق تحت عنوان "مهرجان الأفلام الفرنسية
العربية"
ليتابع هذا المركز دوره في ملء ثغرة كبيرة في خارطة النشاط السينمائي...
بدأ
المهرجان - حيث لم يظن أحد أن بإمكانه البدء- باندفاعة زاد في وهجها مشاركة
مجموعة
من الأفلام طال انتظارها وطال غيابها، عن شاشات البلد، وعن
أبصار جمهور السينما
فيها ولكن بكل تأكيد ليس عن بصائرهم.
لم يمضِ وقت طويل على الوعد؛ قد يبدو
الوقت طويلاً وقد جرى فيه ما جرى، أما إذا حسبنا من وقت انتهاء مهرجان أيام
سينما
الواقع "دوكس بوك" المنصرم وحتى الآن فنحن أمام أقل من أربعة أشهر جابهت
سنين طويلة
من المنع الذي كان من نصيب الأفلام المقصودة، ومن نصيب صاحبها "عمر أميرلاي".
من
بين الأفلام السبعة عشر التي سيعرضها المهرجان توجد ثلاثة
أفلام لـ"أميرلاي"، الذي
غادرنا في شباط الماضي، برزت كأنها الحامل الأساسي للمهرجان والجاذب الأكبر
لجمهور
ملأ صالة العرض كما ملأ الأجواء لسنين ماضية سؤالاً واستفساراً وبحثاً عن
أفلام
يشعر أنها تمثله، وأنه يفتقد لأمثالها...
تلك الأفلام الثلاثة التي سيعرضها
المركز الثقافي الفرنسي تحت تسمية "بدايات عمر" كتحية خاصة له
لا تمثل في الحقيقة
"بدايات عمر" فقط، ولا تخص عمر فقط، بل هي وبشكل خاص تهم وتشكل هاجساً
لدى غالبية
السوريين الشاعرين بانقطاع ما أصاب تاريخهم، وذاكرتهم، وعلى وجه الخصوص
الشباب
منهم.
أفلام
أميرلاي الأولى المعروضة في المهرجان؛ "محاولة عن سد الفرات" 1970 مدّتها
الزمنيّة
لا تتجاوز الإثني عشرة دقيقة، وفيلم "الحياة اليومية في قرية سورية" العام
1974
مدّته ساعة و25دقيقة، وفيلم "الدجاج" 1977..هذه الأفلام التسجيلية ربما
شهدت بصدق
كما لم يشهد أي شيء آخر في هذه البلاد على واقع "وقع" في تلك السنوات
"الغابرة" تحت
وطأة كل النوازع السياسية - وربما الذاتية- في كل الاتجاهات، بحيث بقي "التسجيلي"
بعين عمر الأكثر شفافية وقرباً من المقاربات السينمائية الأخرى للواقع
في الروائي، ومن المقاربات غير السينمائية أيضاً.
عندما وثق "عمر" تلك الأيام
برفقة الكاتب المسرحي "سعد الله ونوس" لم يكن يتوقع – كما يمكننا أن نخمن-
أنه بذلك
يسجل ويشهد، يدين ويعري، لتصبح الوثيقة مادة تاريخية خطرة وممنوعة كالمواد
المصورة
التي أصبح الشباب العربي في أيامنا هذه يجابهون بها فوهات
البنادق والدبابات
والسيوف والجمال، لكن "عمر" كان يتفوق في سلاحه على شباب اليوم، بنيته
"الفنية"
المبيتة، وبسخريته تلك، ومزاجيته الخاصة جداً وقد أصبح الواقع أمامه بنقاط
علامة
مثار جدل وتحليل عميق، لتكون المجابهة عينها في الصراع عينه ولكن على مساحة
واسعة
سعة الثقافة عينها.
إذاً ها هي بالنسبة إلى الكثيرين وقد أفرج عن بعض أفلامه
فرصة استكمال المشهد المخفي، المشهد الكبير الغائر في ذاكرة سنين ماضية،
كان بقي
منه بصيص ضوء مخبأ في أشرطة سينما لا ينتظر إلا "عجلةً تدور" لتضع المشهد
بكامل
إضاءته على شاشة سينما كبيرة أمام أعيننا.
بدأ المهرجان في الثالث من تموز
الجاري ويستمر حتى الثامن عشر منه بالأفلام التالية بالإضافة إلى أفلام "عمر":
"بشر
وآلهة" للمخرج / كزافييه بوفوا. "التجلي الأخير لغيلان الدمشقي"
لهيثم حقي، و"ميناء الذاكرة" لـ"كمال الجعفري".
"احكي
يا شهرزاد" لـ"يسري نصر
الله"؛ والفيلم التونسي - الفرنسي"حيرة" لـ /نجوى إمام سلامة. "ثلاثون"
لفاضل
الجزيري، "براق" لمحمد مفتكر، "حرائق" لدوني فيلنوف، "الزمن الباقي" إليا
سليمان،
"بوسطة" اللبناني لفيليب عرقتنجي، "ميلودراما حبيبين" لهاني طمبا،
"ميكروفون" لأحمد
عبد الله، الفيلم السوري "روداج" لنضال الدبس، "مطر أيلول"
لعبد اللطيف عبد الحميد،
تعرض الأفلام في مدينتي "حلب"، و"اللاذقية" بالإضافة إلى "دمشق".
الجزيرة الوثائقية في
07/07/2011
"بين النسيان والغياب"
محمد اشويكة - المغرب
-1-
يحضر المُكَوِّن الوثائقي بشكل مكثف في تجربة المخرج "داوود أولاد
السيد" سواء في فيلميه الروائيين القصيرين "الذاكرة المغرة" و"الواد"
اللذان تكاد
تتحطم الفواصل فيهما بين ما هو وثائقي وما هو روائي، أم في
أفلامه الروائية
الطويلة.
يَعْمَدُ
المخرج إلى سَبْكِ أسلوب جمالي يحاول تجاوز صيرورة الوقائع
والأحداث المباشرة عبر إدخال عنصر الدراما، وهي طريقة تتوافق
مع اختياراته
للموضوعات التي يتناولها وكذا مع أسلوبه في التصوير والإخراج الذي يعتمد
شبكة تجعل
من الرمز عالما من التصورات غير المباشرة .. وكتجديد للتوازن الحياتي ..
فالخيال
الرمزي هو نفي حيوي فعال، نفي الفناء الذي يمارسه الموت والزمن
.
إذا كان المكون
الوثائقي في فيلم "الذاكرة المغرة" يعتمد على توظيف الصور الفوتوغرافية،
فإن فيلم "بين
الغياب والنسيان" يقوم على استثمار بعض حيثيات الواقع المعيش: واقعُ صيادي
السمك بوادي أبي رقراق الذي تَمَّ تناوله بطريقة نوستالجية عميقة جعلت أحد
عمال
الخزف (مصطفى منير) بمنطقة الولجة بسلا يعثر على صورة (بورتريه)
أحد الصيادين،
فيقرر أن يخوض رحلة بحث عن صاحبها، وهي مسيرة استغلها المخرج لعرض مشاكل
وأحلام
وإحباطات الصيادين التقليديين، والوقوف على تفاصيل حياتهم الحياتية
والمعيشية.. لقد
كان هذا الشخص الذي يقوم بدور المُقْتَفي لآثار الصياد أحد أهم أركان
الدراما في
هذا الفيلم الوثائقي.
حاول "داوود أولاد السيد" أن يوظف عدة تقنيات من أجل جعل
الفيلم دراميا، أولها إسناد الدور الرئيسي إلى ممثل محترف كي
يضع حدّاً "فاصلا/واهيا"
بين قراءة الفيلم وتفسيره كوثيقة، الشيء الذي أَبْعَدَ المُشَاهِد
وأوهمه وأنساه الواقع الماثل أمام عينيه.
استثمر المخرج أيضا تمويها فنيا آخر –
له أهمية قصوى – في تكسير وثائقية الفيلم، والإصرار على اختراق الدراما له،
ويتجلى
في عنصر الذاتية، فلا نكاد نعرف هل الممثل هو الذي يقود سير خط الأحداث أم
أن
"المؤلف – المخرج – المبدع" هو الذي يتحكم فيه وفق رؤيته الذاتية
للموضوع ومعرفته
المسبقة بعوالم شخوصه؟
مهما يكن الأمر، فإن السياق التاريخي والثقافي
والاجتماعي، مؤشرات دالة على القيمة الوثائقية للمكونات البصرية (مشاهد،
لقطات،
صور...) لفيلم "بين الغياب والنسيان".
اشتغل المخرج "داوود أولاد السيد" في هذا
الفيلم الذي يمكن اعتباره دراما وثائقية
"Doc fiction"
لأنه يمزج بين الصورة
الوثائقية كما هي في الحياة العادية، وبين الصورة الدرامية
عندما يُدْخِلُ عليها
عنصر الترتيب الدرامي من خلال شخصية تنقب وتنبش في سيرة بَحَّارٍ مات منذ
مدة.
يشير "تيودور أدورنو" و"هانس إيزْلَر" إلى أن الحركة البصرية السينمائية
تمتلك، دائما، خصائص الحكاية، أي غياب الانتظام وعدم التناسق؛ إذ تقدم هذه
الحركة
نفسها كتصوير للحياة، ولذلك يحاكي كل فيلمٍ خصائص الفيلم
الوثائقي .
وإذا ما
أردنا توضيح تلك الفكرة بشكل أكثر، فإن الممثل مصطفى منير كان واسطة درامية
للربط
بين عناصر الواقع (ما يحيط بالوادي من عناصر وعلامات حيث يلتقي
بالصيادين، وأصحاب
القوارب، والقريبين من الوادي.. ويخلق معهم لحظات تتيح تطوير السير الدرامي
والحركي
للفيلم، وتلك كانت التقنيةُ الأساسُ التي تبنتها كتابة سيناريو الفيلم ككل.
وبما
أن المخرج "داوود أولاد السيد" قادم من عالم الفوتوغرافيا الذي لا يخلو،
فإنه قد
اعتمد على المزج بين ما هو درامي وما هو وثائقي كعناصر أساسية يعتمد عليها
الفيلم
من حيث جوهره؛ إذ وظفهما من أجل تمثل الواقع والتعبير عنه في
قالب فني يجعله أكثر
إيحاء ورمزية.
حاول الفيلم أن يشكل بيئة بصرية ذات بعد أنثروبولوجي مركزا على
التفاصيل المهنية والاجتماعية في حياة الصياد، وتسليط الضوء
على نمط عيشه، طموحاته
وانكساراته، طريقة التعايش بين الصيادين داخل البحر وخارجه..
نقف عند آثار
وملامح هذه الطريقة البصرية في تناول المواضيع المنبعثة من صميم الحياة
المعيشة لدى
المخرج الفرنسي جون روش "Jean Rouch"
الذي يعتبر رائد الأنثروبولوجيا البصرية.
-2-
من بين أهم الخصائص التي يمكن استنتاجها بعد مشاهدة فيلم "بين الغياب
والنسيان"، والتي تجعل منه فيلم دراما وثائقية بامتياز، نسجل
ما يلي:
-
البصمة
الخاصة للمخرج، وتتمثل في قدرته على تحويل الواقع إلى بحث بصري درامي
متماسك
البنيان، مُرَتَّب بطريقة تخييلية معقولة؛ فقد برز بالملموس أن
الأقوال التي أوردها
في الفيلم لم يتم التعامل معها كشهادات توثيقية، وإنما كبنيات حكائية أعطت
للدراما
بُعْدا آخر يظهر أنه زاد من حجم المغامرة والتأثير على المُشَاهِد،
فالمغامرة هي
روح الدراما وقد تجلت في الفيلم من خلال المغامرات
الحاضرة/الغائبة للصياد المبحوث
عنه ومسارات الباحث أيضا.
-
تخلق الدراما الوثائقية حركة خاصة ضمن المحيط الذي
تشتغل فيه، بمعنى أنها لا ترمي إلى تقديمه، بل تتبلور من
داخله؛ فقد حاول فيلم "بين
الغياب والنسيان" أن يتشكل من رَحِمِ عالم الصيد البحري التقليدي الذي
ينطلق من
ملتقى (مصب) الوادي بالمحيط، وكأنه يلج باب المغامرة من فم الغول المفتوح!
وبالتالي
فالأحداث تنطلق من خلال زاويةِ معالجةٍ أقرب إلى وجهة نظر الصياد الذي يحكي
عن ذاته
ويشهد على واقعه وزمنه. يصنع المخرج الحركة عبر الكاميرا،
ويفعل في الواقع من خلال
الكاميرا فتتحول لعبة "الحركة - كاميرا" و"الواقع - كاميرا" إلى فيلم درامي
بمقومات
واقعية.
إذن، يخلق المخرج الحركة في العالم من خلال حركة الصيادين.
-
يضيف
نص السيناريو عدة مكونات درامية وحكائية إلى الفيلم؛ إذ يتحول، بفعل إرادة
المخرج
وقدراته وإضافاته الفنية، إلى بنية بصرية غنية ومتماسكة. وذلك
ما تحقق في فيلم "بين
الغياب والنسيان" حيث انطلق السيناريو الذي أنجزه الراحل أحمد البوعناني من
فكرة
وثائقية درامية واضحة المعالم، ارتكزت، في العمق، على توليد شخصية من رحم
شخصية
أخرى: حِرَفِيٌّ يبحث عن مصير حِرَفِيٍّ آخر.
أصبح الممثل هو الباحث،
المٌقْتَفِي، المتكلم، الشاهد، المغامر، المُسَائل، المثير للموضوع، المحرك
للسرد
الفيلمي..
لقد كان الواسطة التي تذهب بنا صوب الوضعية "الواقعية/الدرامية". لم
يعد الصياد مجرد شخص عادي، بل هو الذي يحكي ما وقع، وما يتصور
أن يقع.. وهنا تكمن
قوة الفيلم:
في الحكي حَذْفٌ لما لم يُحْكى.. فتحٌ لأفق الدراما.
في فيلم "بين الغياب والنسيان" لا تكمن الدراما في النص فحسب، وإنما في
المشروع
ككل: مشروع الصيد التقليدي، مشروع الحِرَفي، مشروع البحر.. فما هو ممكن
ومتاح في
الواقع، يغذي البعد الدرامي ويقويه، وما هو محبوك في السيناريو يساهم في
سيولة
المكون الوثائقي ليتشكل البعد الدرامي، والعكس بالعكس: يتبادل
المكونين اللعب فيما
بينهما.
إن أفقا كهذا قد أتاح لفيلم "بين الغياب والنسيان" أن يقدم نموذجا
متميزا في التوليف الفني البصري بين المُكَوِّن الوثائقي
والمكون الدرامي وفق قالب
مشوق كَسَّر الحدود والفواصل بين الأنواع الفيلمية، وأعطى لـ / داوود أولاد
السيد
تميزا أسلوبيا جليا منذ بداياته الأولى في مجال السينما، بل جعل الأساس
الفوتوغرافي
للمخرج خادما مهما لرؤيته الجماليّة في مجال السينما، فمع
"داوود" لا يمكن أن نتحدث
عن فيلم وثائقي أو درامي خالص، وإنما عن مزج فني بين عدة مكونات سينمائية
تختلف
جرعاتها من فيلم إلى آخر سواء في أفلامه الروائية القصيرة أم
الطويلة.
[1][1] - جيلبير دوران؛ الخيال الرمزي؛ ترجمة: علي المصري؛ المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر والتوزيع؛ بيروت؛ 1991؛ ص: 113.
[1][1] - المرجع السابق؛ صفحة: 113.
[1][1]
-
المرجع السابق؛ صفحة: 113.
[1][1]-
Theodor W. Adorno, Hanns Eisler; Musique de cinéma; Arche; collection:
«Travaux»; Numéro 17; Paris; 1972; P: 17.
الجزيرة الوثائقية في
07/07/2011
كاميرون دياز:
تحرّرتُ من الأدوار التقليدية
بعد 17 عاماً على نجاح كاميرون دياز في عالم التمثيل واستحواذها على قلوب
رواد السينما بطول قامتها (1.80 متر) وبثقتها الكبيرة في نفسها وبضحكتها
الغبيّة، يبدو اليوم أن دياز، إحدى أجمل فاتنات هوليوود، قد اكتفت بهذا
القدر من الأدوار المثيرة.
في فيلمها الجديد
Bad Teacher، تؤدّي دياز دور إليزابيت هالسيي، مدرِّسةٌ تفتقر إلى الذوق والأخلاق
ولا تتردّد في القيام بتصرّفات معيبة كالسرقة، الغش، الكذب، النوم في الصف،
تدخين الحشيشة في مرآب المدرسة، التحدّث بطريقة سوقية تشبه أسلوب سائقي
الشاحنات، حتى أنها تتقاعس في أداء واجبها المهني فتعمد غالباً إلى وضع
ملاحظات تكتبها بلون أحمر وبخطّ غير مفهوم على أوراق طلاب المدرسة المتوسطة
التي تدرّس فيها. بعد تخلّي صديقها الثري عنها، تقرِّر إليزابيت جني ما
يكفي من المال لإجراء جراحة لتكبير ثدييها علّها بذلك تجد لنفسها عريساً
ثرياً يُعيلها. وفي الفيلم، يؤدي جاستين تمبرلايك دور زميل إليزابيت الغني
الذي تسعى إلى الفوز بحبّه والذي يتمتّع بطبع هادئ مخالف تماماً لطبعها
الجامح.
تقول دياز إنها بعد أن قرأت سيناريو الفيلم الواقع في 30 صفحة، فكّرت في
البداية برفض الدور. لكن عوضاً عن ذلك، وافقت عليه لأنها أرادت تجربة دور
جديد لم تؤدّه سابقاً. وفي هذا السياق، تقول دياز: «يقضي عملي كممثلة أن
أجسّد شخصيات يحبني الناس فيها. تضيف وهي تلعب بخصل شعرها وترتشف حليب
الصويا في أحد مطاعم بيفرلي هيلز: «عندما رحت أقرأ سيناريو الفيلم، قلت في
قرارة نفسي إن حياة هذه الفتاة بائسة للغاية. فهي تقوم بأعمال كثيرة تنمّ
عن قدر كبير من الأنانية والنرجسية والانطواء على الذات. بالتالي، كيف لها
أن تعوِّض عن صفاتها السيئة؟».
تجمع دياز (38 عاماً) في شخصيّتها الحيوية وحب الحياة والحذر والتروّي في
آن. كذلك تحب كثيراً استعمال كلمة «رائع». فإن سألتها كيف وجدتِ السيناريو؟
تجيب بأنه سيناريو رائع. وكيف تجدين الممثلين الذين يشاركون في الفيلم؟
جميعهم رائعون. وكيف تجدين طاقم العمل؟ رائعون. وكيف تجدين شراب حليب
الصويا الذي تشربينه؟ ستجيبك على الأرجح بأن طعمه رائع. لكن على صعيد آخر،
تعتبر هذه الممثلة التي لا تفارق الضحكة وجهها أن أداء دور إليزابيت، بما
يشمله من تصرّفات رديئة وغير لائقة، قد ساعدها في التحرّر من أدوارها
الاعتيادية وتقديم شيء جديد إلى الجمهور.
في هذا الإطار، تقول دياز: إليزابيت شخصية تحتقر الحياة وتكرهها. وأنا
بطبعي شخص محبّ للحياة، وقد وجدت متعةً كبيرة في تجسيد شخصية تنظر إلى
الحياة نظرة قرف وتشاؤم».
ولما كان من المفترض أن نكره دياز في دورها الجديد، تجدنا نعجب بها أكثر.
فأداؤها دور شخصية تفتقر إلى الأخلاق الرفيعة جعلنا نحبّها أكثر فأكثر.
وهذا ما أراد تحقيقه بالضبط مخرج
Bad
Teacher
جايك كاسدان.
يقول كاسدان: «قد تكون دياز الممثلة الوحيدة بين ممثلات جيلها التي يتحرّق
الناس شوقاً الى رؤيتها تتصرّف على نحو طائش. حماسة الجمهور هذه جزءٌ من
العلاقة المميّزة التي تربط دياز بمعجبيها الذين يعتبرونها امرأة جميلة
قادرة على أن تكون مثيرة. في الواقع، يحبّ كلّ من النساء والرجال دياز حباً
حقيقياً ويرغبون بشدّة في التواجد برفقتها».
وُلدت دياز في سان دييغو وعملت خلال مراهقتها كعارضة أزياء. لكن لم يلمع
نجمها إلا في التسعينيات بعدما أدت أدواراً مثيرة وبريئة في عدد من
الأفلام. وفي سنّ الحادية والعشرين، ظهرت دياز في المشهد الأول من فيلم
The Mask
مرتديةً فستاناً أحمر ضيّقاً جعل الممثل جيم كاري يتلعثم في كلامه ويحدّق
فيها فاغراً فاه، فحقّق لدياز شهرة كبيرة وأكسبها أدواراً في أفلام
مستقلّة.
في عام 1998، أدت دياز في فيلم
There’s Something About Maryدور
فتاة يقع في حبّها بين ستيلر أيام المدرسة الثانوية ويبدأ بالبحث عنها بعد
سنوات طويلة. ويُعتبر هذا الفيلم الكوميدي الرديء الفيلم الذي مهّد الطريق
لأفلام تافهة مثل
The
Hangover
و
The American Pie، وقد أدّت فيه دياز مشاهد اتّسمت بالسذاجة
والغباء كان أبرزها المشهد الذي وضعت فيه على رأسها غسولاً للجسد بدلاً من
أن تضع «جيل» للشعر.
في هذا الإطار، تقول دياز: «اتسمت شخصية ماري خصوصاً والفيلم عموماً بشيء
من البراءة. لكن شخصية إليزابيت تختلف حتماً عن شخصية نساء حقبة
التسعينيات. تصرّفاتها ودوافعها مختلفة. كانت الكوميديا وستبقى دوماً
المرآة التي تعكس الأمور التي قد تضحكنا على أنفسنا. تقوم روح الدعابة على
قول الحقيقة، لكن لتصل إلى الجمهور يجب معرفة الحقيقة التي يريد أن يعرفها
الجمهور والتي تختلف باختلاف الأزمان».
اليوم، يبدو أنه حان وقت الأفلام الكوميدية التي تؤدي فيها الممثلات دور
البطولة. في الواقع، يسير
Bad Teacher على خطى فيلم
Bridesmaids من بطولة كريستين ويغ الذي حقّق في شباك التذاكر إيرادات بقيمة 124
مليون دولار والذي أثبت أن الجمهور يحب مشاهدة أفلام كوميديا الكبار التي
تدور أحداثها حول عصابة من النساء المؤذيات. وفي شهر سبتمبر (أيلول)
المقبل، سيخضع نوع جديد من الأفلام الكوميدية لتقييم الجمهور الذي سيشاهد
فيلم
What’s Your Number
من بطولة أنا فارس التي تؤدي دور امرأة لعوب تتساءل عن عدد الرجال الذين
تستطيع ممارسة علاقة معهم.
بحسب مجلة «فوربس»، فإن
Bad Teacherالذي
تولّى كتابته كلّ من جين ستوبنيتسكي ولي إيزينبرغ اللذان سبق أن كتبا
سيناريو مسلسل
The Office الذي عرضته شاشة «إن بي سي»، كلّف ما لا يزيد على العشرين مليون
دولار وهو المبلغ الذي كان ليغطّي أجر دياز وحدها في فيلم
Charlie’s Angels: Full Throttle.
في الواقع، اضطرت الممثلة الى تخفيض أجرها إلى حدّ كبير حتى يبدأ تصوير
Bad Teacher الذي مثّل فيه إلى جانب دياز كلّ من جايسون سيغيل (
Forgetting Sarah Marshall)
الذي يؤدي دور أستاذ رياضة يناسب شخصية دياز أكثر من الشباب الأغنياء الذين
تلاحقهم؛ ولوسي بانش (Hot Fuzz)
التي تؤدي دور الصديقة التي تجلب لإليزابيت الحظ العاثر؛ وفيليس سميث (The Office)
الذي يؤدي دور صديق معجب بتبجّح إليزابيت المتهوّر.
في هذا الصدد، يقول سيغيل: «غالباً ما تُكتب الشخصيات التي تشبه إليزابيت
ليؤديها ممثلون وليس ممثلات. لقد وصلنا إلى زمان تستطيع فيه النساء أخيراً
أن يكنّ ممثلات كوميديات بارعات. إنه أمر لطيف أن تكون ممثلاً قادراً على
التصرّف بطريقة غير لائقة من دون أن تتحمّل عواقب ذلك. إذ كانت كاميرون
دياز قادرة على التفوّه بأي نكتة تخطر على بالها من دون أن تقلق بشأن ما
إذا كان سيحبّها الآخرون».
في المقابل، لم تكن أدوار دياز جميعها مرحة. ففي فيلم
In Her Shoes،
أدت دور حفيدة تعيش على نفقة جدّتها المسنة، وفي فيلم
My Sister’s
keeper
أدت دور أمّ غير متعاطفة ترفع إحدى ابنتيها دعوى ضدها للتحرّر من وصايتها
وسلطتها عليها. وخلال مسيرتها المهنية، كانت تعمد دياز إلى إبراز جمالها في
بعض الأفلام وإلى إخفائه في أفلام أخرى. ففي
Charlie’s Angels،
بدت دياز مثيرةً وجذابة في حين أنها لم تبرز مفاتنها في فيلم
Being John Malkovich الذي ظهرت فيه مرتديةً شعراً مستعاراً أشعث
وثياباً بشعةً.
وفي
Bad Teacher، تستخدم دياز جسدها الهزيل والبالغ طوله 1،80 متر كسلاح يساعدها في
أسر قلوب الرجال. إذ في أحد مشاهد الفيلم، تخطف دياز أنظار الموجودين
بدخولها إلى مغسل سيارات المدرسة بسروال قصير للغاية. كذلك، تظهر في مشهد
آخر وهي تجول في الصف بين طلابها البالغين من العمر 12 عاماً بكعب طوله 10
سنتمترات وبتنورة قصيرة وضيّقة على الجسم. بتعبير آخر، تجسّد دياز في هذا
الفيلم صورة المدرّسة التي تثير التخيّلات في نفوس طلابها والتي تلقى منهم
في الوقت عينه انتقادات سخرية وتهكّم.
يقول كاسدان في هذا الإطار: «كاميرون تعي قوة المرأة المثيرة. تفهم كل هذه
النكات. إنها مثل الرياضي المحترف. فهي تتحكّم على نحو كبير بمفاتنها
الخارجية».
وفي ما قد يُعتبر أغرب مشهد لهذا العام، تظهر دياز وتيمبرلايك في مشهد
غرامي في غرفة نوم أحد الفنادق من دون أن يخلعا ثيابهما. تقول دياز عن
تيمبرلايك: «الوجوه التي قلّدها تيمبرلايك جريئة. فأي شاب قد يقبل بأداء
هذه الوجوه؟ حتى أن الأصوات التي قلّدها كانت جريئة أيضاً. كان يبذل
مجهوداً كبيراً لأداء الوجوه والأصوات. في حين أني لم أكن أريد حتى معرفة
ما الذي يجري في موقع التصوير».
تقول دياز: بما أنني وتيمبرلايك كنا حبيبين سابقاً، سهّل هذا الأمر عليّ
عملية التصوير. وتضيف: «لكان الأمر غريباً نوعاً ما لو أني مثلت هذا الدور
مع شخص لا أعرفه ولا أثق به. لو مثلت الدور مع شخص آخر لما عرفت التصرّف
معه، لكننا نعرف بعضنا وبالتالي نعرف كيفية التصرّف مع بعضنا البعض.
في الوقت الراهن، تعمل دياز على تصوير فيلمها المقبل بعنوان
Gambit الذي تظهر فيه مرتديةً سروالاً آخر من السراويل القصيرة التي تشتهر
بها. لكن هذه المرّة تؤدي دور راعية بقر تفيض بالطاقة والحيوية. يشاركها في
بطولة الفيلم الممثل كولين فرث.
تقول دياز إنها بعدما أدت دور إليزابيت الكارهة للبشر، سيكون دورها في
Gamblit، الذي كتبه جويل وإيثان كوين، الدورَ الذي يلقي الضوء على شخصيتها
المرحة والمحبة للحياة، «فالشخصية التي أجسّدها في الفيلم مرحة واجتماعية
وبريئة في آن. وهي تعتبر أن كل شيء في الحياة أشبه بمغامرة تستحق أن يُخاض
غمارها».
بعد
Gamblit، ستظهر دياز في
What to Expect
When You’re Expecting،
فيلم كوميدي يسرد مراحل حمل المرأة بشكل مشاهد قصيرة متداخلة على غرار
فيلمي
Love Actually وValentine’s Day.
تقول دياز إنه بعد أدائها أدوراً كئيبة وغير مرحة، لن تقبل بعد الآن بأداء
أدوار عاطفية على نحو مبالغ فيه.
وفي هذا الصدد، تقول دياز: «عندما أشاهد أفلاماً كوميدية رومنسية تنتهي
بنهاية سعيدة، تصيبني القشعريرة لأني أشعر بأنه لا وجود لنهايات سعيدة في
الحياة. فالبحث عن السعادة عملية مستمرّة. وهذا ما أحببته في شخصية
إليزابيت. لقد أحببت حقيقة أن بحثها عن السعادة مرحلة في حياتها وليس محور
حياتها كلّها. وهي لم تنجح في تحقيق ذلك. لكن في المقابل، كان نضوجها هو
المكافأة التي فازت بها. ففي نهاية المطاف، لقد ازدادت حكمةً ووعياً».
الجزيرة الوثائقية في
07/07/2011 |