حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بعضها تجاري يفضل الترفيه

السينما المؤنثة تخطف الأضواء

محمد رضا

بخروج صوفيا كوبولا بجائزة السعفة الذهبية من مهرجان فينيسيا في الأسبوع قبل الماضي عن فيلمها “مكان ما”، وبصرف النظر عن نوعية فيلمها واستحقاقه أو عدمه، تنجز المخرجة نصراً يوازي النصر الذي أنجزته قبلها المخرجة كاثرين بيغلو عن فيلمها “خزنة الألم” حين فازت بأوسكار أفضل فيلم في مطلع هذا العام، ولو أن فيلمها مرّ مرور الكرام حين عرض قبل ذلك في المهرجان نفسه .

إلى ذلك، فإن فوز كوبولا وبيغلو يُلاحظ من زاوية مهمّة أخرى: هناك عدد متزايد من المخرجات اللواتي بتن قادرات على انتزاع الجوائز أو على الأقل إنجاز أفلام تجذب إليها إعجاباً طاغياً . لا يعني ذلك أن الأفلام التي أخرجتها النساء سابقاً لم تشكّل أي أهمية، لكن سنوات مرّت على آخر مرّة بدا فيها أن هناك ظاهرة من المخرجات الجديرات أنجزن أفلامهن في فترة متقاربة ما يشكّل ذلك من حضور واضح ومهم .

في مهرجان فينيسيا نفسه هذا العام دار الحديث حول فيلم و”سترن” مختلف شكلاً ومضموناً بعنوان “انقطاع ميك” للمخرجة كيلي رايهارت . وكان مسك ختام الدورة، إذ قدّمت المخرجة جولي تايمور فيلماً لافتاً بعنوان “العاصفة” مأخوذاً عن مسرحية وليام شكسبير .

ومهرجان فينيسيا هذا العام شهد مبارزة كبيرة بين الممثلات أيضاً، فقبل أن تفوز أريان لَبد بجائزة أفضل ممثلة عن الفيلم اليوناني “أتنبرغ”، سطعت الممثلة الإفريقية ياهيما توريس عبر فيلم عبداللطيف كشيش “فينوس سوداء” على الرغم من أنها لم تظهر على الشاشة من قبل (خلفيّتها الفنية مسارح باريس) وقبلها تحدّث المحتشدون من اليوم الأول عن نتالي بورتمن مرشّحة رئيسة لجائزة أفضل ممثلة، وحتى كاترين دونوف، التي شبعت جوائز وتقديرات، وجدت نفسها تتطلّع إلى احتمال أن تفوز هي بالجائزة .

كل هذا يسهم في تشكيل سنة ثرية من الإنجازات النسائية في السينما . ففي الأشهر الاثني عشر الماضية تابعنا أعمال عدد متزايد من المخرجات ومعظمهن جديدات في المضمار . هناك لون شرفيك التي قدّمت الفيلم البريطاني “تعليم” والأرجنتينية لوكرسيا مارتل المسؤولة عن فيلم “امرأة بلا رأس”، والروسية التي تعمل في الولايات المتحدة ليزا شولودنكو التي عرضت في مهرجان “كان” فيلمها الثاني “الفتيان بخير”، ثم نيكول هولوفسنر صاحبة فيلم “الرجاء امنح” الذي عرضه مهرجان برلين .

والأساليب التي تروي من خلالها المخرجات أفلامهن تختلف كما تختلف أساليب كل مخرج رجل عن الآخر . على ذلك، هناك مظلة تلتقي المخرجات تحتها، وهي محاولة تجاوز عراقيل صناعة يديرها الرجال وينصرف معظم من فيها من المنتجين لتحقيق أفلام جماهيرية عادة لا تثير رغبة المخرجات في تقديمها.

على ذلك، نلاحظ كيف أن كاترين بيغلو صاحبة “خزنة الألم” تؤم سينما “الأكشن” كما يفعل الرجل وتتفوّق على عدد من المخرجين الذكور في هذا المجال . أما صوفيا كوبولا فتعمد إلى المواضيع الناعمة عادة .

كما الحال في “مفقود في الترجمة” و”مكان ما” . أما جولي تايمور فهمّها تقديم موزاييك فني كبير وتنجح كثيراً في ذلك كما فعلت في “تايتوس” الذي انصرفت فيه الى واحد من أعمال شكسبير الأقل انتقالاً إلى السينما من معظم ما كتبه، و”فريداً” وصولاً الى فيلمها الحالي “العاصفة” .

والاختلاف كان دوماً صفة لازمة بين العديد من المخرجات أيضاً . سينما الفرنسية أغنيس فاردا تختلف عن سينما كلير دنيس (وكلتاهما أنجزتا جديداً في العام الماضي) .

كذلك القول بالنسبة للمخرجة النيوزلاندية جين كامبيون التي قدّمت في العام الماضي “نجمة ساطعة”، لكنها سابقاً حققت فيلماً أفضل منه هو “البيانو” .

من أوروبا الشرقية، لا تزال الراحلة لاريسا شوبتكو من بين أفضل من وقف من المخرجات وراء الكاميرا، والمخرجة البولندية أغنييسكا هولاند تليها في تصميم أعمال متميّزة، ومن الهند ميرا ناير وديبا مهتا وغوردينر شادا والثلاث حققن أفلاماً متوسّطة إلى مقبولة، لكن اللافت أنهن خرجن من قلب صناعة الفيلم الهندي إلى العالمي .

والقائمة تطول، حتى لو اكتفت بذكر من هن ناشطات اليوم في هذا المجال، فهناك إلى جانب من ذكرن جودي فوستر وسوزان باير وكاثرين بريات وكاسي ليمونز وربيكا ميلر وجيليان أرمسترونغ وآن فونتين . وكما أن هناك لامعات وجادات، هناك المخرجات التجاريات اللواتي يقدّمن الترفيه وعلى نحو رديء مثل نورا أفرون وبينيلوبي سفيريز وآمي هكرلينغ وبيتي توماس .

 

سحر عبداللطيف كشيش ينقلب عليه

لن يمر فيلم عبداللطيف كشيش مرور الكرام أمام المهرجانات التي ستعرضه من الآن وحتى نهاية هذا العام، فهو بقدر ما يطرح نقاط نقاش، بقدر ما يُثير أخرى ربما لم يقصد طرحها . وبقدر ما يوجّه بوصلته صوب نقد نوع من الممارسات العنصرية التي تتعرّض إليها بطلة الفيلم، بقدر ما سيثير حنق الذين سيرون في منواله موقفاً عنصرياً مضاداً .

الفيلم هو “فينوس سوداء” الذي يتناول شخصية حقيقية لامرأة، تحمل اسم ساراك وتكنّى أحياناً باسم سارا، تم شحنت من جنوب إفريقيا إلى لندن عام ،1810 حيث عرضت على خشبة مسرح صغير للعموم من نساء ورجال وأطفال جاؤوا “يتفرّجون” على ذلك المخلوق الأنثوي، “المتوحش” كما يقول مقدّم البرنامج، وهو يمسك بالسوط ويضرب الأرض كما يفعل اولئك الذين يوجّهون النمور في السيرك . وهو سيرك بشري ذاك الذي يقدم في الفيلم ومهين يفرض علينا المخرج متابعته حتى نهايته (ويعود إليه في مقتطفات فيما بعد) . بطلة الفيلم في نهاية الأمر هي الضحية وليس المشاهد طبعاً . إنها تُعامل كحيوان وتؤدي “نمرة استعراضية” مهينة لها وليس هناك من يمنحها حق التعامل كإنسانة . تعيش في رتابة تدمن خلالها على شرب الخمر لكي تنسى وتتحرّك بصعوبة لتؤدي ما يطلب منها من دور لتسلية جمهور لا يكن لها سوى نظرته للغريب والمستهجن . كشيش لا يلوم الجمهور، بقدر ما يلوم أصحاب “البزنس” المتاجرين بها . نراها تنتقل من عهدة ذلك الرجل الأول الذي يدافع عن نفسه في محكمة بتأكيد أن ساراك ليست عبدة أو رقيقة بل شريكة في عمله، الى عهدة رجل آخر أكثر توحّشاً ينزع عنها آخر ما تبقّى من حقوقها إنسانة . هذا قبل أن تلجأ، وقد أصبحت في باريس، إلى دخول “بزنس” آخر هو العمل المنافي في منزل “مدام” فرنسية يضم نساء من أماكن عديدة، ثم إلى المهنة ذاتها تلتقط زبائنها من على الشارع إلى أن تموت في دارتها الصغيرة . هنا ننتقل مجدّداً إلى البروفيسور الذي يحصل على الجثّة ليكمل أبحاثه التي لم يستطع إكمالها حين طلب إلى ساراك خلع كامل ملابسها فرفضت حين كانت لا يزال متاحاً لها قدر من الكرامة .

إنها قصّة حزينة مأخوذة من الواقع لا ترفع سوطها عن ظهور الإنسان الأبيض، ومع كل ضربة تظهر القدر الكبير من الحس والفعل العنصريين اللذين سادا معاملته لحقب تاريخية مختلفة . هذا كله جيد ومثير للاهتمام ويصنع فيلماً لا يمكن التغاضي عما يوعزه من قوّة تأثير وحدّة نقد . لكن هذا كله لا يعني أن الفيلم عمل سينمائي جيّد .

وكان المخرج عبداللطيف كشيش (وهو فرنسي من أصل جزائري) حصد جوائز عدّة من فيلمه الأخير “كُسكُس بالسمك”: الذي دار حول حياة مهاجر جزائري من الجيل الأول سيفتتح مطعماً يقدّم هذا الطبق خصيّصاً فوق مركب راسٍ في ميناء مرسيليا، حيث يعيش وعائلته المترامية ومن بينها مطلّقته وعشيقته. تسوده مسحة حزن من مطلع الفيلم لها دوافعها ومبرراتها، ويؤسس أسلوب المخرج له صرحاً من الحضور الإنساني والواقعي المهم كيفما نظرت إليه، لكن هذا الإعجاب بالفيلم السابق غالباً لن يتكرر مع الحالي .

إحدى أهم المشكلات التي تعتريه أن هذا الكم من النقد للمفهوم العنصري للإنسان الأبيض ظهر في الدقائق العشر الأولى من الفيلم، تلك التي أمضيناها في صحبة البروفسور وتلامذته . ثم تأكدت في الاثنتي عشرة دقيقة الأخرى التي تابعنا فيها التقديم اللا إنساني الأول على المسرح . بعد ذلك، سيعاود المخرج تكرار المفادات جميعاً مرّة بعد مرّة من دون وجود مادّة قصصية فعلية .

على صعيد آخر، فإن اتهام الأوروبيين بالعنصرية سيثير ضدّه التهمة ذاتها ولو من باب الدفاع عن النفس بالهجوم بالسلاح نفسه . الى هذا، فإن البعض أثار خلال عرض الفيلم في مهرجان فينيسيا مؤخراً أنه يعرّض بطلته الأفريقية الى ما تعرّضت اليه الشخصية التي تمثّلها، ما يعني أنه أخفق في التعبير عن الموضوع بطرق فنية . إنه، بكلمات أخرى، مثل أن يعادي فيلم ما العنف بتصوير العنف المباشر ما يزعج المشاهد بسبب تجسيده عوض الإيحاء به .

 

علامات

كلود شابرول

السينمائي الفرنسي الراحل مؤخراً كلودشا برول كان من بين رواد السينما الفرنسية الجديدة، لكنه خط لنفسه طريقاً منفصلاً عنها، ولو أن العديد من النقاد العالميين التزموا بربطه بتلك الموجة ارتباطاً وثيقاً .

وُلد سنة 1930 ودخل جامعة باريس ليدرس الصيدلة ثم التحق بمدرسة للعلوم السياسية، وهذا غريب إلى حد حين ملاحظة أنه اختلف عن أشهر أترابه، مثل جان-لوك غودار وفرنسوا تروفو وآلان رينيه وجاك ريفيت في أنه لم يكترث للتطرّق الى مواضيع سينمائية حين أصبح مخرجاً سنة ،1958 بعد خبرة في العمل في قسم ترويج الأفلام في فرع شركة “فوكس” في باريس . مال إلى العمل السينمائي ناقداً في البداية واشترك في تحرير مجلة “الكاييه دو سينما” لجانب غودار وتروفو وإريك رومير . واشترك مع رومير في وضع كتاب كبير عن سينما ألفرد هيتشكوك، كما اشترك معه في حب تلك السينما غودار، ولو الى حين، وفرنسوا تروفو .

كتب وأنتج وأخرج ومثّل في أوّل فيلم له وهو “سيرج الجميل” ومن حينها اعتاد تحقيق أفلامه بسرعة بمعدّل فيلمين إلى ثلاثة في العام (ثم أقل من ذلك لاحقاً) . كونه أحد أعضاء تلك المجموعة قاده إلى الاشتراك في بعض الأعمال معها مشرفاً على الشؤون التقنية لفيلم غودار الأول “نفس لاهث” أو كسيناريست لأحد أفلام جاك ريفيت، الطريق سريعاً ما باعدت بينه وبين الجماعة ليس فقط لانشغاله، بل لعمله على صياغة أسلوب يتوجّه به إلى شرائح مختلفة من الجمهور الفرنسي عوض أن يمثّل التوجّه الانتقائي لمخرجي الموجة الجديدة .

أفلامه حتى عام 1986 لم تكن ذات قيمة فنية أو موضوعية عالية، بل في أحيان كثيرة كانت تتنفيذية لما يوكل إليه، وأحد هذه الأفلام نسخة مقلّدة لمغامرات جيمس بوند الذي انطلق بنجاح كبير حينها، وعنوانه “الشيفرة: نمر” سنة 1964 . وتبعاً لنجاحه داخل السوق الفرنسية أطلق جزءاً ثانياً بعد عام، ومنذ عام ،1967 أمسك المخرج بزمام مستقبله بإحكام محققاً أفلاماً تتميّز بالتشويق النفسي- البوليسي التي تكشف عن مدى تأثّره بأفلام هيتشكوك، لكنها تستطيع، في الوقت ذاته، أن تتحدّث بلغتها المنفصلة . من هذه الأفلام “فتيات سيئات” و”الجزّار” و”خيانة امرأة” و”قبل حلول الليل” و”الجريمة هي الجريمة” .

هذا المنوال من الأفلام الجيّدة التي تكشف عن أفضل ما لديه استمر حتى مطلع الثمانيات من القرن الماضي بنتائج متفاوتة . بعد هذه المرحلة، عمد إلى المزج فنفّذ أفلاماً عادية أحياناً ثم اعتلى القمّة الفنية في أفلام أخرى وذلك طيلة سنوات مهنته التي انتهت بفيلم عنوان “بيلامي” لم يوزع خارج فرنسا. قبل ذلك حقق “كوميديا السلطة” (2006) وهو من بين أفلامه الجيّدة الأخيرة .

في العموم، حظيت معظم أفلامه بتقدير جيّد ونصيب كبير من النجاح الجماهيري وهو استحق ما ناله من جوائز دولية عن “فيوليت نوزييز” و”مدام بوفاري”، “صرخة البوم” وسواها . وأنجز أيضاً بضعة أفلام وثائقية (آخرها في العام الماضي) وبعضها يتمحور حول أصدقاء وزملاء الأمس إذ أخرج فيلماً عن فرنسوا تروفو سنة 1993 تبعه مباشرة بفيلم عن المخرج جان رنوار في العام نفسه .

لم يكن كلود شابرول أبا الموجة الجديدة لأن تلك الموجة كان لها عدّة رؤوس شاركت في إطلاقها، وكان هو أحد هذه الرؤوس، كذلك لأنه، وكما ذكرنا، انفصل بأسلوبه عن منوال سينما الذات وسينما المؤلّف التي ميّزت أعمال أترابه . لكن سواء أكان تابعاً أو قائداً أو منفصلاً، كان من بين الأسماء الأكبر في تاريخ السينما الفرنسية وسيبقى .

م.ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

19/09/2010

 

صالة لواحد

خارج العالم في حفر صغيرة

محمد رُضا 

قبل حين تساءلت هنا: "إذا بعد 121 سنة على ميلاد الفيلم الأول لا زالت السينما العربية عبارة عن بضعة إبداعات والكثير من اللاشيء ... فهل هناك مستقبل لها؟

أفضل مراحل السينما العربية، كما يشهد التاريخ القريب، لم يكن تاريخ بداياتها الأولى ولا الفترة التالية مباشرة لتلك البدايات، كما هي ليست الفترة الحالية على الإطلاق، بل تلك الفترة الوسيطة التي بدأت في الستينات واستمرّت طوال السبعينات، ثم الى جزء من الثمانينات قصير.

هي الفترة التي كانت السينمات كلها، حول العالم، تمر بتغييرات عديدة لصالح المخرج- المؤلف، والتي كانت السينما تواكب المتغيّرات السياسية العريضة الحاصلة، تتمرّد هنا وتواجه هناك وتنتقد في كل الحالات تحت كل النظم يسارية كانت او يمينية. سينما تقول لا ولا تخشى المنع او البتر او دخول السجون. في تلك الفترة بدأ الوعي العام بحقيقة القضية الفلسطينية لكن هذا هو جانب واحد من جوانب المرحلة. ما هو أعم منها وأشمل أن دولاً عربية أدركت أن السينما ثقافة وقررت أن تساعدها. أنجح تلك التجارب كانت في مصر لأن هذا العون، وإن كان يتبع الخطوط الرسمية العريضة، لم يفرض أفلام الطاعة والولاء كما أثمر عن مخرجين جدد مُنحوا الفرص الأولى ومكّن المتمرّسين والمحترفين من تحقيق بعض أفضل أفلامهم. أما في الدول الأخرى فإن النتائج كانت متفاوتة النجاح لكنها كانت ضرورية وأثمرت عن أعمال جيّدة لم تقدم عليها السينمات العربية على نحو مكثّف فيما بعد.

فكّرت بهذا الوضع وأنا أقرأ  ما قد يبدو موضوعاً بعيداً تماماً عن هذا التمهيد في مهرجان تورنتو المقام حالياً استلم المنتج إريك نلسون رسالة هاتفية تقول له: "حضّر نفسك لسهرة طويلة الليلة".  إريك كان انتج فيلماً جديداً للمخرج الألماني فرنر هرتزوغ  بعنوان «كهف الأحلام المنسية» يدور حول كهوف شوفيه بونت دارك القابعة في جنوبي فرنسا والتي اكتشفت فيها أولى إبداعات الإنسان الفنية: رسومات على جدران الكهف كشفت عن البذرة الأولى لفن إعادة صياغة الحياة بشخوص وأحداث وقصص. تلك الجدران حملت قصصاً مرسومة بمواقف متدرّجة أبطالها شخصيات أساسية وأخرى ثانوية وحيوانات. بذلك كانت سابقة لفن الكرتون وفن المسرح وفن السينما معاً. أكثر من ذلك، اكتشف الباحثون أن هذه الرسومات كانت تُرسم لجمهور حاضر.  هرتزوغ شغفته المسألة وحقق عنها  هذا الفيلم وانتقل معه الى المهرجان الكندي حيث قابل المنتج وسارا معاً من الفندق الى الصالة القريبة حيث تابعاً قدراً من عرض الفيلم. بعد العرض توافد سينمائيون يهنئون الاثنين بهذا الإنجاز. لكن الرسالة التي استلمها المنتج كانت تعني شيئاً مختلفاً : كانت تعني أن صنارة بيع الفيلم غمزت وأن هناك سمكاً سيشتري ليوزّع الفيلم.

المواعيد توالت، يقول تقرير من هناك، وآخرها كان في الرابعة والنصف صباحاً حيث أبرم العقد بين المنتج وشركة توزيع معروفة أسمها اندبندنت فيلم تشانل.

لماذا لا يحدث هذا مع سينمانا؟

لماذا لا يوجد فيلم واحد قادر على كسر الجدار؟ النفاذ من الباب الفولاذي؟ اختراق سقف الوهم؟

ليس أن هذه الاسئلة عامّة ولا يمكن الإجابة عليها الا بالتنظير، بل هي اسئلة واضحة يمكن الإجابة عليها ولو عبر الرجوع الى جذور الوضع الذي تعيشه السينما العربية.

في الأساس، ليس لدى أي من العاملين في الميدان السينمائي الشاسع على اختلاف حرفهم أي فكرة عن كيفية البحث عن مواضيع كذلك الذي اختاره هرتزوغ لفيلمه الوثائقي الجديد.

لا يوجد أي اهتمام من أي نوع لا بتاريخ البشرية ولا بتاريخ المجتمعات ولا بالشؤون الثقافية والفنية والإبداعية العربية او العالمية.

ليس لدينا أي اكتراث لكيف بُني هذا العالم وكيف تطوّرت الحضارات وكيف نشأت الشعوب وماهية الحضارات وكيف تواكبت ولا حتى الرغبة في إثارة الجوانب الحقيقية للإنسان العربي لا عبر الماضي ولا عبر الحاضر ... أما المستقبل فهو منفى حتى قبل وقوعه.

لا نفكّر كما يفكّرون ولا نكترث لما يكترثون له ولا نخشى ما يخشونه ولا يحب ما يحبّونه. نعيش منفصلين إلا حين نتعامل والعالم من خلال الاقتصاد والسياسة. حينها، وحينها فقط، نريد من العالم أن يحسب لنا حساباً، علماً بأن هذا الحساب هو الأسوأ نوعاً والأرخص شأناً. أما التعامل القائم على الإبداعات الإنسانية، أدبية وثقافية وفنيّة، هي التي من شأنها تغيير المواقف وإعلاء الشأن وتنمية المعرفة والذوق وهي التي تضعنا في الموكب الحضاري نفسه وهي من تستطيع ردم ما تم هدمه بفعل الأحداث السياسية والمشارب والاتجاهات الدينية التي تعصف بنا من كل جانب.

رجالاتنا الذين أثّروا في مجري التاريخ منسيون منّا قبل سوانا: إبن سينا، إبن خلدون، أبن الهيثم، أبو ريحان بيروني، إبن رشد،  وسواهم من مفكّري ومبدعي العرب والمسلمين لا يعنونا لا من قريب ولا من بعيد. والجهات الثقافية قبل سواها، وهي الجهات التي عليها أن تنشر الثقافة وترفع من قيمة الوجدان والفكر العربيين، بمنأى كامل وسنوات ضوئية كثيرة عن الاكتراث بجانب من السينما هدفه نشر المعرفة والثقافة ولعب دور في تعريف العالم بكم أنجبنا وكيف أثّرنا.

لكن هذا التناول لعلمائنا ليس سوى نذر يسير مما نستطيع فعله. هناك مواضيع آنية حالية ليس من الضروري أن تدور حول العرب والعروبة ولا حول القضايا المثارة على طاولات البحث السياسية. كم أتمنّى لو أن هناك منتجاً فذّاً واحداً يؤم المهرجانات بحثاً عن مبدعين من كل صنف وهوية ومشرب لكي يسهم في تمويل أفلامهم. سيعود عليه بالنفع، كذلك على الوطن الذي جاء منه.

كم أتمنّى لو أن هناك منافسة بين شركات توزيع على شراء فيلم عربي واحد. او تحلّق حول مخرج او كاتب او ممثل. كم أتمنّى لو نخرج من حالة الوهم والكذب المزيّف لنعترف أنه لو كنا سنصل لكنا وصلنا، ولو أن التغيير لا زال ممكناً.

الجزيرة الوثائقية في

19/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)