حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المخرج مصور الأعراس

عدنان مدانات

لبّت الصورة الفوتوغرافية حاجة قديمة عند الإنسان الحاجة لأن يستمتع بتأمل نفسه لا فقط الآن وأمام المرآة، التي ترسم صورة وقتية زائلة، بل صورته أو بالأحرى صوره العديدة في مراحل حياته المختلفة ونشاطاته المختلفة منذ الطفولة، صوره المثبتة في الزمان والمكان تلك حاجة لم يكن متاحا تلبيتها في الماضي إلا للحكام والسادة الذين يقفون أمام المصور الرسام ساعات وأياماً طوالاً، بصبر ومثابرة في انتظار اللمسة الأخـيرة للريشة التي ثبتت صورتهم بالألوان الزيتية في أبهتهم وعز جلالهم

عممت الصورة الفوتوغرافية هـذا الامتياز على الجميع، ومنحت فرصة الاسـتمتاع برؤية صورة الذات الشخصية للسادة والعامة، سواء بسواء حققت الصورة الفوتوغرافية بذلك نموذجها الخاص للديمقراطية لمشاهدة الصور الفوتوغرافية متعتها الخاصة صور محفوظة في علب من كرتون تمزقت أطرافها لكثرة مـا أُخرجت الصور منها وأعيدت إليها، صور منسقة في ألبومات خاصة، صور مؤطرة مختلفة الأحجام معلقة على الجدران، بعضها كلح لونه مـع الزمن، صور يحتفظ بها بعضهم فـي محفظة يحملها في جيوبهم
صار من عادة الناس أن يتأملوا الصور الفوتوغرافية، صورهم وصور غيرهم، أقرباء كانوا أو غرباء

يطيب للناس أن يتأملوا صورة الرجل المصمود أمام الكاميرا مصفف الشعر مبتسم الوجه

يطيب لهم أن يتأملوا صورة الفتاة الجميلة تطل من داخل الإطار بكل حيويتها، أو صورة الجدة العجوز وقد كانت صبية شعرها ضفائر مجدولة يطيب لهم أن يستعرضوا الصور المختلفة لأناس في أوضاع وأمكنة وأزمنة مختلفة، في مناسبات مختلفة في حفلة عرس، في رحلة، أثناء دعوة غذاء أناس مختلفون وكلهم سعداء راضون متفائلون ومتفاهمون في ما بينهم، تفيض المحبة المتبادلة من قلوبهم وتشملهم روح الصداقة برعايتها

يطيب لي أحيانا أن أراقب كيف تُصنع بعض الصور التي تصبح تذكارا في ما بعد مثلا، أقف في الشارع قريبا من المصور الشمسي وأتطلع إلى علبته الخشبية المزينة بالصور الصغيرة التي أنتجتها أنتظر إلى أن أرى رجلا يقترب من بعيد وهو ينوء تحت وطأة الحقيبة التي يحملها ويتأفف من حرارة الشمس التي تجعل عرقه يتصبب والغبار يملأ شعره ويتسلل إلى مجاريه التنفسية أراه يحمل قدميه المتعبتين لكثرة ما جرهما في الطرق متنقلا ما بين الدوائر الحكومية العديدة الموزعة في أنحاء العاصمة ألاحظه يسأل الناس فيدلونه على موقع المصور الشمسي، الذي بدوره يسارع نحوه وقد اكتشفه بغريزة الرادار الذي التقط الموجة فورا ويرحب به ويُجلسه على الكرسي الخشبي تحت لفح حرارة الشمس أراه يجلسه ثم يمسد له شعره الذي بعثرته الرياح الخماسينية ثم يمشطه بمشط قذر أراه يبتعد عنه قليلا ثم يحرك رأسه نحو اليمين ويعود ويرفع له رأسه قليلا والآخر مستسلم يراقب الآلة الخشبية التي ستجعل منه إنسانا آخر، ثم يبتسم بمقدار، كما أشار إليه المصور، قبل أن يأمره أن يتجمد في تلك الوضعية تماما، متجاهلا دقات قلبه المتسارعة

وفي النتيجة: صورة يتأملها صاحبها راضيا مطمئنا

أراقب حالة أخرى أراقب كيف تصنع صورة في عرس يلتّم الجميع حول العريس والعروس ويتطلعون نحو الكاميرا ويبتسمون كلهم سعداء سعيدة هي أم العروس التي بكت طوال الليلة الفائتة لأن أهل العريس لم يقوموا بالواجب سعيد هو والد العريس الذي تشاجر مع ابنه لأن المدعوين من عائلة العروس أكثر من المدعوين من عائلته سعيد والد العروس الذي كاد يترك الحفل لأن أنسباءه لم يبذخوا كما يليق بالمقام سعيدة هي العروس التي وافقت على الزواج مرغمة

قبل التقاط الصورة كانت جميع الاستعدادات للعرس قد اكتملت

الجميع موجودون: العريس والعروس والأهل والضيوف فقد حانت لحظة الإنجاز واكتمال المراسيم
لكن المصور لم يصل فأي عرس وأية زفة من دون المصور! وكيف يمكن من دونه تخليد هذه اللحظة المهمة وتوثيق هذا الاحتفال البهيج؟

جاء المصور أخيرا وشرع فورا بالتصوير: فيديو وفوتوغراف بعد ذلك انطلق الموكب ركب الجميع سياراتهم وأطلقوا زماميرها وسط لعلعة زغاريد النساء 

في الطريق تعطلت سيارة المصور التي تتقدم الموكب وصار لا بد من الانتظار طويلا ريثما يتم تشغيل السيارة وانتظر الجميع بفارغ صبر ولكن بإذعان فالعرس من دون المصور لا معنى له

يثبت المصور لحظة الفرح والاحتفال هذه بكل ألقها، يثبتها خالية من الشوائب واحتمالات منغصات ومشاكل الزواج في المستقبل إنها لحظات صافية بحد ذاتها، لحظات أنموذجية، لحظات لا تفقد قيمتها مع الزمن ويمكن أن تستعاد صورها وقت الحاجة للذكرى أو وقت الحنين

دور المصور إذن، أساسي ومرجعي لكننا نكتشف أن دور المصور أكبر من ذلك بكثير إنه لا يثبت زمن الفرح بالزواج فقط، أي أنه ليس مجرد وسيلة لخدمة الذاكرة، إنه صانع للفرح يشكله كيفما يشاء

في لحظة ما سيصبح المصور معلما، أستاذا للعلاقات والعواطف، مرشدا للزوجين يدلهما على كيف يحب أحدهما الآخر، يدربهما على إجراءات الالتحام الأولى، العناق في أبسط أشكاله بما هو اقتراب بين جسدين وتلامس بالأيدي

يشرع المصور أخيرا بالتقاط الصورة التذكارية لزوجي المستقبل، الصورة التي لا يشاركهما فيها أحد، الصورة التي ستوضع في إطار ذهبي وتتصدر مكانا بارزا في منزل المستقبل صورة أو أكثر، بحسب همة المصور لكل صورة وضع يفصح عن الزواج السعيد ويشهد على الملامسات الأولى بين من سيصبحان زوجين

لكن هذه الملامسات التي سنراها في الصور التذكارية لا تنبئ عن أية عاطفة ولا تظهر أية حرارة بين الزوجين إنه اقتراب بين زوجين على نحو آلي، كما لو أنهما إنسانان آليان يحركهما جهاز تحريك عن بعد اقتراب غير تلقائي ولا إرادي اقتراب يحدد أوضاعه المصور يلقي المصور بتعليماته إلى الزوجين، وهما ينصاعان له بإرادة مشلولة وبإحساس فارغ ولا يكتفي المصور بإسماع تعليماته، بل يمارس صلاحياته بشكل ملموس، يميل رأس الزوج بيده قليلا، يلاحظ أن ذراع الزوجة أدنى من مستوى الكتف بقليل فيرفعه بنفسه

يتعامل المصورون مع أوضاع محددة لصورة الزوجين إنها ثلاثة أو أربعة أوضاع متداولة ومتكررة وصارت مثل القوالب الجامدة التي لا يمكن إبدالها وضع أمامي مباشر ووضع جانبي وآخر من الخلف مع التفاتة من الرأسين وهي أوضاع مشفوعة بابتسامة محددة، باردة، بلا روح، ابتسامة شكلية، ابتسامة واجب لا تحلو أوضاع صورة العريسين من دونها ابتسامة يحددها المصور وكما يريد أن يراها ولا يشعر بها صاحبها بعد سنوات ستخفت ذكرى مراسم العرس عند الزوجين مع غرقهما في دوامة الحياة ومشاكل العيش اليومي لكن الصورة ستبقى

الناس في الصور التذكارية عادة متشابهون في وقوفهم أمام الكاميرا وفي تعاملهم مع الحالة التي يتم فيها تثبيت الزمن وتجميده وعزله عن ما سبقه وما يتلوه وتسجيل لحظة من التاريخ الإنساني هانئة سعيدة، كما يمكن للشخص المعني أن يتمناها، لحظة يشعر المرء وهو يراقبها أنها لحظة أزلية خالدة لا مثيل لها

غريبة هي المشاعر التي تسبق التقاط الصورة يتهيأ المرء ثم يتهيب ينسى هموم الماضي ومشاغل الحاضر وأحلام المستقبل ويجمد أعصابه ويقف ولا يتحرك يكاد لا يتنفس عيناه لا تطرفان وجفناه يرمشان خلسة أما في داخله، فإن التوتر يتصاعد فتنشحن أعصابه وتكاد تنفجر ثم يكبس المصور على الزر فتسترخي الأعصاب وتتحرك الأعضاء ويتنفس المصور الصعداء

غريبة هي هذه الخاصية السحرية التي تمتلكها سلطة الصورة والأكثر غرابة هو هذا الاستعداد النفسي الكامل للخضوع في سبيلها لكل ما يطلبه المصور ولكل ما يفعله بمن يقف أمام العدسة أو بمجموعة طالبي الصورة يتحول الناس ومن دون اعتراض إلى دمى متحركة تنصاع لأوامر المصور وتوجيهاته مهما كانت شاذة

يفضح مثل هذا النوع من الصور مدى تعلق الإنسان بقشة الوهم والقدرة على خداع النفس حتى بالسعادة اللحظية الزائفة كما أن هذه العلاقة مع الصورة تكشف في الوقت نفسه عن قدرة الصورة على الخديعة والتزوير وإخفاء حقيقة اللحظة

الرأي الأردنية في

27/08/2010

 

وجهة نظر

محمد فوزي... نابغة الفن الشامل

محمد بدر الدين 

إلى جانب فريد الأطرش، محمد فوزي أحد أبرز المجددين في الاستعراض والأوبريت الغنائي في السينما المصرية والعربية. وعلى رغم مشواره الفني القصير (28 أغسطس 1918   20- أكتوبر 1966) أسس فوزي مدرسة في الغناء والموسيقى والألحان لم يستطع أن يجاريه فيها أحد.

كانت حياة هذا الفنان صاخبة وزاخرة بالفن والعطاء، مع أن المرض ثم الموت حرما الجمهور من فنه مبكراً، إذ لم تزد رحلته الإبداعية عن 48 عاماً ولم يتجاوز مشواره السينمائي الـ 22 عاماً، إلا أنه ترك لنا ثروة فنية تضمنت حوالى 36 فيلماً سينمائياً و400 لحن... ما جعله بحقّ إحدى علامات السينما المصرية وزمن الفن الجميل والإبداع الأصيل.

خطا فوزي خطواته الأولى على طريق النجومية عندما اختاره يوسف وهبي لأداء دور ثانوي في فيلم «سيف الجلاد» (1944) بطولة يوسف وهبي وعقيلة راتب، هكذا بدأ مشواره ولم يكتفِ بالتمثيل بل أدى أغنيتين من تلحينه في الفيلم.

شهدت تلك الفترة رواجاً للفيلم الغنائي في مصر والبلدان العربية الأخرى، فانخرط الفنان الشاب في هذه الموجة وانهالت عليه العروض، ومع أن دوره في «سيف الجلاد» كان ثانوياً، إلا أنه لفت إليه الانتباه وكان بمثابة جواز مرور إلى أدوار البطولة، إذ اختاره المخرج محمد كريم لبطولة فيلم «أصحاب السعادة» أمام المطربة رجاء عبده.

زخرت السينما آنذاك بعمالقة الغناء على غرار محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، ليلى مراد، فريد الأطرش، أسمهان وغيرهم... لذا كان على محمد فوزي أن يثبت موهبته في هذا المجال، فقدم الأغنية الخفيفة والرومنسية العاطفية وأغاني الأطفال... ونالت إعجاب قطاع واسع من الجمهور المصري والعربي.

عام 1947 اتجه فوزي إلى الإنتاج السينمائي وأصبح اسمه مرادفاً للنجاح، فأسس شركة سينمائية باسمه وكان فيلم «العقل في إجازة»، إخراج حلمي رفلة، باكورة إنتاجه، وسرعان ما تحوّل إلى أحد أهم المنتجين في مصر، ثم أسس شركة «مصر فون» لإنتاج الأسطوانات فكانت أول شركة للأسطوانات على مستوى العالم العربي، إضافة إلى استوديو لتسجيل الأغاني.

نافست أفلام فوزي أفلام ليلى مراد وأنور وجدي، وكانت تحقق إيرادات أعلى أحياناً، فإلى جانب صوته العذب كان فوزي يجيد التمثيل والتلحين.

تميزت شخصيته بخفة الظل، وبوسامة جعلت منه بطلاً متألقاً في الأعمال الفنية، فأدى أدوار البطولة أمام أشهر نجمات السينما المصرية من بينهن: مديحة يسري في «قبلة في لبنان» (1945) من ثم قدمها في ستة أفلام بعد زواجهما أهمها: «فاطمة وماريكا وراشيل» (1949) و{بنات حواء» (1954)... صباح في ستة أفلام: «عدو المرأة» (1946)، «صباح الخير» (1947)، «الآنسة ماما» (1950)، «الحب في خطر» (1951)، «فاعل خير» (1953)، «ثورة المدينة» (1955). كذلك كوّن ثنائياً ناجحاً مع شادية في: «العقل في إجازة» (1947)، «الروح والجسد» (1948)،  «صاحبة الملاليم» (1949)،  «الزوجة السابعة»، «بنات حواء»...

ظهر فوزي مع نور الهدى في فيلمين: «مجد ودموع» (1946)، و{قبلني يا أبي» (1947)، ومع ليلى مراد في «المجنونة» (1949)، و{ورد الغرام» (1951)، ومع فاتن حمامة في «دايماً معاك» (1954)، وفي آخر أفلامه «كل دقة في قلبي» (1959) قدم المطربة نازك.

محمد فوزي فنان كبير متفرد وظاهرة لا تتكرر من حيث شمولية مواهبه الفنية، وهو قيمة رفيعة وقامة سامقة سواء في فن الغناء أو فن السينما.

الجريدة الكويتية في

27/08/2010

 

خالد يوسف:

أفلام العشوائيات نقلت الواقع وتمردت على الكوميديا

القاهرة - دار الإعلام العربية  

»بين الهندسة والسينما صلة نسب«، هكذا وصف المخرج الشهير خالد يوسف وضعه عندما تحول من مهندس في قسم الكهرباء ليس له علاقة بالفن السينمائي إلى مخرج سينمائي مشهور همه تقديم صورة واضحة للواقع على شاشة السينما.

فهو مخرج مبدع بكل المقاييس استطاع أن يكسب ثقة البسطاء والأغنياء، وأصبح علامة من علامات السينما المصرية في وقت قصير، وعرف عنه أنه مخرج مثير للجدل لقبه البعض مؤخراً بمخرج العشوائيات.يؤكد دائماً أن يوسف شاهين هو أستاذه الأول، وله تأثير كبير في حياته، وقال عنه »إن جو« هو الذي بناني كفنان له رؤية خاصة، وتعلمت منه فنون السينما والإخراج والتمثيل.خالد يوسف فلاح بسيط من كفر شكر تربى وترعرع فيها ورغم غياب ما يسمى بمسرح المدارس هناك فإنه قرر أن يبدأ حياته الفنية منذ صغره حتى أصبح عضواً مهماً في مسرح كلية الهندسة جامعة بنها.

له نظرة خاصة لحقوق المرأة في المجتمع، فتربيته القروية خلقت بداخله حباً شديداً للدفاع عن حقوق الآخرين في مصر، فهو يرى أن المرأة نالت حقوقها منذ عهد الفراعنة، وكانت عنصراً رئيسياً من عناصر الإنتاج في المجتمع المصري، إلا أنه بمرور الوقت قلت هذه الحقوق، ولذلك جعلها فكرته التي ينوي تحقيقها كما فعلها قبله قاسم أمين، لكنه قرر أن يكون هذا الدفاع من خلال الأفلام السينمائية. يؤمن خالد يوسف بأن النجاح يكون في التقاء ثلاثة أشياء الموهبة والدأب في العمل والتوفيق من عند الله، وحتى ينجح الفنان لابد أن يبدأ بأفلام حزينة حتى يصل بمشاعره للجمهور، لذلك بدأ بفيلم »أنت عمري«.

ويوضح أن أكثر اهتماماته المشي في الشوارع والبحث عن إنصاف المظلومين، حتى إنه رشح نفسه نقيباً للسينمائيين في الدورة الأخيرة سعياً وراء خدمة زملائه. وحول السينما في حياة خالد يوسف والتحولات التي تشهدها، كان ل(الحواس الخمس) معه التوقفات التالية التي تحدث فيها بجرأته المعهودة.

الأزمة الأولى

(الرقابة ستظل هي العائق أمام النجاح السينمائي في مصر، فمنذ اختراع قوانين الرقابة وتدخل الأزهر والكنيسة ووزارة الداخلية في الرقابة أصبحت تمثل لدى المجال السينمائي أرقاً في الإبداع الفني المتميز).

يعترف المخرج خالد يوسف بأن العقبة الأولى أمام العاملين في المجال السينمائي التي أدت إلى التراجع الشديد في مستوى السينما المصرية، وبالتالي أزمة السينما العربية هي الرقابة، فهي في مصر لم تعد مقصورة على الهيئة التابعة لوزارة الثقافة المسماة »هيئة الرقابة على المصنفات الفنية«، بل امتدت إلى رقابة الدين الممثلة في الأزهر الشريف، والكنيسة.

وكذلك المجتمع، ولذلك عندما أدخل أي فيلم تواجهني خلافات تصل إلى ثلاثة أشهر مع الهيئات، وأنا أزعم أنني مخرج مهتم بقضايا المجتمع أكثر من اهتمامي بذاتي، وأفاجأ بآراء آخرين تقود السينما إلى الاندثار في التراب، فما الفائدة منها إذن أي السينما، إذا كانت تسعى للحد من المواهب والإبداع؟!

تيار الكوميديا

(زيادة الأفلام الكوميدية هي السبب وراء قلة عدد الأفلام التي يتم إنتاجها بل تعد السبب الرئيسي وراء التراجع الواضح للسينما المصرية بشكل عام، وأصبحت تياراً مزعجاً يعتمد على الاستسهال والمبالغة).

وعن قلة الأعمال السينمائية وتراجعها أمام الدراما، قال يوسف: عانينا طويلاً منذ التسعينات من قلة عدد الأفلام وتقلص سوق الفيلم المصري، ففي حينها لم تكن هناك قنوات فضائية تشتري الأفلام.

كما أن دور العرض نفسها لم تكن كافية مثلما هو الحال اليوم، ناهيك عن منافسة الفيلم الأميركي، وكان العائد كله من السوق الداخلية فقط، وفي هذا التوقيت جاء فيلم »إسماعيلية رايح جاي« من إخراج كريم ضياء الدين وبحسب كلام خالد يوسف، كانت قبلة الحياة للسينما المصرية التي كادت تحتضر.

لكن للأسف فإن المنتجين آثروا الاستسهال وقدموا عشرات الأفلام الكوميدية التي تضمن أموالهم بدلاً من المخاطرة في فيلم جاد، وهذا ما صنع الأزمة وجعل 09% من الأفلام كوميدية، وبالتالي ظلت السينما المصرية لا تعبر عنا لفترات طويلة.

الأعمال التاريخية

(أحب الأفلام التي تنقل الواقع المصري؛ لذلك أهوى بشدة الأفلام التاريخية التي تحكي قصة تاريخية لمجتمع ما ولكن الأزمة أن هناك غياباً شبه كامل للتاريخ في السينما المصرية).

يحب يوسف الأفلام التاريخية، ويرى أنها واقع اجتماعي، ويقول: الأفلام التاريخية فتحت الطريق أمام السينما المصرية، ولكن أنا حزين لأن هناك مفارقة مذهلة في أن يكون لدينا تاريخ مثل تاريخ القدماء المصريين.

ولا تنتج السينما المصرية في مائة عام إلا فيلما واحدا هو »المهاجر« وأثار ضجة رهيبة وقت عرضه وترشيحه لجوائز مهرجان كان، وهو يعكس تصوراً مختلفاً لقصة نبي الله »يوسف« التاريخية من بطولة خالد النبوي الذي يجسد دور »رام« الذي يعيش مع أبيه العجوز في قبيلة فقيرة على أطراف مصر.

ويرفض الفقر الذي تعيشه قبيلته فيقرر الهجرة إلى مصر لتعلم فنون الزراعة، ويستطرد يوسف: هذا الفيلم أوضح كيف كانت مصر ـ الفراعنة هي محور الحضارات أجمع، فكيف لا يكون لدينا فيلم تاريخي واحد عنها؟

وفي ظني هذا التقصير يعود إلى غياب مؤسسات ثقافية كبيرة كان من المفترض أن تدعم هذه النوعية من الأفلام، فالمنتج الفرد لا يستطيع أن يتحمل صناعة فيلم تاريخي تكون تكلفته أربعة أو خمسة أضعاف تكلفة الفيلم العادي. لماذا يغامر بأمواله في فيلم من هذه النوعية؟!

الحل الوحيد هو أن تسهم الدولة بجدية في دعم هذه الأفلام سواء بالإنتاج المباشر أو بفتح منافذ جديدة وسوق جديدة للفيلم التاريخي بخلاف السوق التقليدية، لكن الدولة لا تقوم بهذا ولا ذاك، لأنها لا تعتبر السينما مجالا جادا يستحق الدعم، بل تريدها مجرد ملهاة ليلية للتسلية. وأشير للستينات مرة أخرى، حين كانت الدولة تقدر قيمة السينما وقدرتها على تجاوز الحدود الإقليمية الضيقة، كان الاهتمام موجودا وجادا.

التأثير المتميز

(السينما لا تؤدي إلى ثورة، بل الثورة هي التي تؤدي إلى سينما حقيقية، فالوضع المزري الذي وصلت إليه السينما يتطلب من الممثلين العودة إلى إنتاج أفلامهم بأنفسهم للقضاء على هيمنة رجال الأعمال).

يرى خالد يوسف أن السينما فقدت رونقها وسحرها، فلم يعد الجمهور يذهب إلى السينما ليشاهدها ويتأثر بها وتؤثر فيه، فالأفلام التي عرضت أيام الملكية كانت سبباً رئيسياً في قيام ثورة يوليو، وكانت السينما وقتها تؤثر، ويتذكر يوسف فيلم »فتاة من فلسطين« الذي أنتج في نهاية الأربعينات، ويقول:

في هذا الوقت كان الوطن العربي كله يغلي بسبب ما تقوم به العصابات الإسرائيلية من فظائع ضد الفلسطينيين، وكانت المظاهرات في مصر تغطي كل شبر فيها، مطالبة بالتدخل السريع إنقاذاً للبلد المقدس.

حيث القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين، وقد انفعل محمود ذو الفقار الممثل والمخرج بهذه الأحداث، وراعه ما يحدث للفلسطينيين، فقرر إنتاج فيلم يقوم ببطولته وأمامه وجه جديد يمثل فتاة فلسطينية جاءت إلى مصر، بحثاً عن أقاربها بعد أن فقدت أهلها في غارة إسرائيلية على قريتها.

ويشير إلى أن الإقبال على الفيلم كان شديدا، وقدمت فيه سعاد محمد عدة ألحان ممتازة وجدت طريقها سريعاً إلى قلوب كل مستمع عربي، خاصة أنشودتها في الفيلم. هذا هو التأثير المتميز للأفلام، أما الآن فقد فقدت سحرها ورونقها.

أفلام العشوائيات

(الأعمال التي تتحدث عن العشوائيات وتنقل واقع المجتمع من الأفلام المهمة لما تنقله من قضايا مجتمعية، وفيلمي »حين ميسرة« و»أمريكا شيكا بيكا« هما اللذان فجّرا الظاهرة التي تسمى موجة أفلام العشوائيات).

يؤكد يوسف أن فيلم »حين ميسرة« استطاع التمرد على اقتصادات السوق السائدة ومعه بالطبع منتج أفلامه كامل أبوعلي، ويواصل قائلاً: هذه النوعية من الأفلام التي بدأت ب»أمريكا شيكا بيكا« الذي أنتج في أوائل التسعينات وقدمه محمد فؤاد وشويكار وإخراج خيري بشارة.

وكان يحكي عن العوامل التي تجعل الشباب يلجأون للهجرة غير الشرعية، وأكملتها ب»حين ميسرة« الذي أنتجته منذ عامين، وشرحت من خلاله أزمات أطفال الشوارع والعديد من القضايا المتواجدة في المجتمع التي يخاف الكثيرون من التطرق لها ـ أعدت فيها السينما إلى روح الحارة المصرية، لأن هذه النوعية من الأفلام أبعدت المقاولات التي سيطرت على السوق فترة طويلة، والمنتج كامل أبوعلي أخذ وقتاً طويلاً كي يقتنع بفيلم »حين ميسرة« لأنه صادم، وهذان الفيلمان موجودان دائماً في مكتبتي الخاصة.

ولا أنسى فيلم »هي فوضى« وهو آخر أفلام أستاذي الراحل يوسف شاهين، وهو أيضاً فيلم يحكي عن الواقع المرير في المجتمع المصري، وقدمه خالد صالح ومنة شلبي، فأنا أشعر بأني إنسان من الشارع المصري، وواجب عليّ أن أقدم تلك الأفلام التي تناقش قضاياه.

السينما الأميركية

(السينما الأميركية الآن لا تحاكي الواقع الأميركي كما كانت، وهو ما يفسر نجاح أفلام الخيال العلمي والأكشن أكثر من الأفلام الاجتماعية أو السياسية لهذه النوعية من الأفلام، وهذا أيضاً ما وصلت إليه مصر).

يؤمن خالد يوسف بأن السينما الواقعية هي الأقرب لقلب الجمهور الذي تابعها، ولذلك فقدت السينما الأميركية سحرها في التأثير على الجمهور، فأصبحت مشاهدتها من أجل المتعة البصرية التي تعتمد على التكنولوجيا، والمشكلة أيضاً أن حوالي 20 في المائة فقط من المنتج السينمائي في مصر هو الذي يعبر بصدق عن الشخصية المصرية.

والباقي مجرد أنماط استهلاكية مثل السينما الأميركية، صحيح أن الأفلام الحقيقية زادت بشكل واضح أخيراً، لكن هذا ارتبط بعودة مجموعة من كبار مبدعينا للعمل السينمائي، في تقديري سيشهد نهضة سينمائية.

البيان الإماراتية في

27/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)