حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

في حب صلاح أبوسيف

محمد رُضا

انتمى المخرج صلاح أبوسيف، الذي توفي قبل أربعة عشر سنة، الى حقبة من عمر السينما العربية مختلفة عن سواها من الحقبات والعصور وُصفت أحياناً بأنها أفضل الحُقب، والآن يتبدّى أن هذا الوصف صحيح أكثر مما تصوّر مرددوه آنذاك.

إنها فترة الخمسينات قبيل ثورة الزعيم جمال عبد الناصر وصولاً الى منتصف السبعينات، الفترة التي أخذ فيها المدّ  النوعي للحياة الثقافية في مصر وباقي دول العالم العربي بالانحسار لصالح المتغيّرات الإنتاجية والسعي لدخول عصور متلاحقة من الإجراءات الاقتصادية التي ستبعد مصر عن الاشتراكية وتفتت من عضد التلاحم الجماهيري بينها وبين باقي الدول العربية.

التقط ذات مرّة كتاباً عن الإخراج والتهم صفحاته، ثم قرأ سواه وأحب السينما وعرف أن المخرج هو من يطبع الفيلم بشخصه واهتمامه وثقافته التحق باستديو مصر من منتصف الثلاثينات ولعشر سنوات مارس المونتاج مؤسساً خلفية بصرية وإيقاعية ستصاحب كل أعماله مخرجاً عمل مساعد أول لكمال سليم حين قام ذاك بإخراج "العزيمة" سنة 1939 ثم سافر الى فرنسا لدراسة السينما لكن الحرب العالمية الثانية ومخاطر البقاء في عاصمة ستقع تحت الاحتلال عجّلا بعودته. في العام 1946 أخرج أوّل أفلامه "دايماً في قلبي" وبعد عامين وعلى ضوء ما كان يُحاك في فلسطين أخرج "مغامرات عنتر وعبلة" الذي ضمّنه رموزاً سياسية آمن بها طوال حياته وعاد إليها في كل فيلم تاريخي أنجزه بعد فيلم مغامرات آخر بعنوان "الصقر" (1950) بطولة سامية جمال، أقدم على أهم خطوة مهنية له في ذلك الحين وهي إخراجه فيلماً واقعياً داكناً بعنوان "لك يوم يا ظالم" سنة 1951. الواقعية هنا، كما يجب أن نستدرك، ليست التصوير في الشوارع والحارات (وهي لم تكن كذلك حتى حين صوّر أبوسيف اللاحقة) بل الابتعاد عن الميلودراما ومنح الشخصيات نَفَساً واقعياً والأحداث معالجة مُعاشة قابلة للتصديق. من هذا المنحى ذلك الفيلم مختلف عن أي من أفلام السينما المصرية آنذاك. رزين ومدروس كما لو أن المخرج خبر السينما لما لا يقل عن عشر سنوات.

فيلمه "ريا وسكينة" انتقل الى حكاية واقعية في حارة شعبية من حارات الإسكندرية ومع أن الفيلم يمر بمرحلة هزال تطال قرارات تصوير سريعة، إلا أنه تعامل مع موضوع له خلفية حدثية وواقعية. أيضاً أمر لم يكن منتشراً آنذاك. بدءاً من 1945 حين أخرج "الوحش" أمّ سلسلة من الأفلام التي تماثل ما كان روسيلليني وفيتوريو ديسيكا وباقي أتراب الواقعية الإيطالية الجديدة يقدمون عليه. تماثلها لكنها تبقى مصرية محضة، كما تلك ايطالية خالصة.

في أحاديث عديدة معه، كان حريصاً على لفت النظر الى أنه لم يخرج نمطاً واحداً من الأفلام، ومن يراجع قائمة أعماله  (التي حوت على 37 فيلم) يستطيع أن يدرك ذلك سريعاً. أبوسيف كان مخرج الدراميات العاطفية  ("هذا هو الحب") والأعمال الأدبية ("لا  تطفي  الشمس")  وله أكثر من فيلم كوميدي ذي ناصية اجتماعية ("بين السماء والأرض")  وأكثر من فيلم تاريخي ("فجر الإسلام") وقد عالجها جميعاً من الزاوية التي تضمن وجود قضيّة اجتماعية يريد لفت النظر إليها بصرف النظر عن النوع الذي ينتمي إليه الفيلم مرّة أخرى، صلاح أبوسيف إبن الفترة السياسية والثقافية المتلألئة في تاريخنا المعاصر. أثرته فأثراها، وهذا التبادل الوجداني هو الطريق الوحيد لصنع سينما تعني شيئاً للمبدع وللمتلقي وللوطن أيضاً.

الأولاد بخير لكن الفيلم ليس كذلك

قبل أيام قليلة صفّق الليبراليون حول العالم للحكومة الأرجنتينية قرارها بالسماح بزواج أبناء الجنس الواحد. النساء من النساء والرجال من الرجال. ليس هذا فقط، بل سيُتاح للمتزوّجين ببعضهم البعض تبنّي الأطفال. الأخبار لابد حلّت بتقدير شديد على صانعي فيلم "الأولاد بخير" فهو يتحدّث عن امرأتين تعيشان معاً ولديهما ولد وفتاة. كيف؟ ليس بالتبنّي بل بالتلقيح.

الأم الأولى، في "الأولاد بخير"،  أسمها  نك وتقوم بها الممثلة آن بانينغ. الأم الثانية هي جولز، وتؤديها جوليان مور. في الحياة الخيالية (تلك التي نعيش)  كلاهما ممثلتان مستقيمتان واحدة تعيش مع وورن بيتي منذ أن كانا لا زالا في سن يسمح لكل منهما الإعجاب بالآخر، والثانية متزوّجة من مخرج  أسمه بارت فروندليش حقق خمسة أفلام لا أعتقد أن أحداً شاهدها رغم أن آخرها كان من بطولة كاثرين زيتا-جونز.  لذلك أرجّح أن قلّة العروض في مثل سنيهما له دور في اختياراتهما هذه الأيام. محظوظة من تستلم عرضاً تعود به الى الشاشة. هذا يمعزل عن أن كليهما من بين المواهب الممتازة في الأداء. جوليان مور، على الأخص، لديها قدرة على رفع الدور لمصافها كما لاحظنا في أفلام مثّلتها مؤخراً من بينها "عمي" و"كليو."

إذاً لدينا امرأتين سحاقيّتين تعيشان معاً ولديهما فتاة وصبي مراهقين. كل شيء يبدو سعيداً وسعيداً سيبقى. تذكّر في أفلام تريد أن تحمل رسالة من النوع المؤيد لمثل هذه الحالات،  هناك ثلاث لاءات ضرورية: لا يمكن تخطئة الشاذ، لا يمكن الضحك عليه ولا يمكن أن يدفع من سعادته ثمناً لما هو عليه. لذلك السعادة ترفرف بجناحين ورديين فوق العائلة ولو أنه لا يبدو على الفتاة جوني تيمّنا بالمغنية جوني ميتشل  ربما (ميا واجيكو?سكا التي شاهدناها في "أليس في أرض العجائب") وشقيقها وأسمه لايزر، تيمّنا بالجهاز على الأرجح  (جوش هتشرسن) أنهما يعبآن او أن مستقبلهما سيتأثر بحياة والدتيهما العاطفية. لذلك يبدو غريباً أن يبدآ البحث عن الرجل الذي تطوّع بلقاحه المنوي للتعرّف عليه.

لابد من تفسير أنني من شدّة إعجابي بالفيلم وحماسي له سمحت لنفسي باستعادة  مشهد يضحكني كلما تذكّرته من فيلم للكوميدي الفرنسي جاك تاتي يدخل فيه الى دكّان ليشتري مضرب تنس لأول مرّة. وحين يبدأ اللعب ضد منافسيه يُضيف حركة يد من عنده لا لزوم لها، فلا يضرب الكرة الا من بعد تلك الحركة (حتى وأنا أكتب ما أكتبه أضحك الآن) التي تشبه تحريك  "?يتاس" سيّارة سيتراوان قديمة. حين عدت للفيلم الذي أمامي أدركت أنه فاتني إذا ما ذكر الفيلم علمياً كيف أن رجلاً واحداً يمكن له أن يكون متبرّع بلقاح واحد صالح للاستخدام مرّتين. مرّة مع  نك ومرّة مع جولز، او ربما هو لقاح واحد لجيل بكامله لا يزال يستفيد منه بينما الحكاية جارية.  لكن من يدري ربما الفيلم نفسه لا يعرف. وهو بالتأكيد لم يذكر شيئاً عن الدافع الذي يجعل الولدين يقرران أنهما يريدان البحث عن والدهما فجأة.

هكذا أراد السيناريو. كذلك أراد أن يصلا إليه بسهولة. إنه رجل بسيط ولطيف أسمه بول (مارك روفالو) يعمل في مجال المطاعم  وهو، مثل المشاهدين، يتساءل عن ذلك الدافع لكنه يستغني عن الجواب غير المذكور في السيناريو

سيصحب المراهقين والدهما للقاء كل من الماما نك والماما جولز. وقد تعتقد أذا ما شاهدت ما يكفي من أفلام، أن شيئاً مهمّاً سيقع في اللقاء الأول. ربما توتّر ما. موقف مستمد من موقف فيه شيء من الندم، او من الرفض. لكن كل شيء يمر وسط حفلة من الابتسامات الموزعة على وجوه الجميع. ماذا حدث لبعض التشويق النفسي او العاطفي او الدرامي او أي سواه؟ لماذا على الفيلم وقد مر منه نصف ساعة عقيمة أن يحافظ على برودته؟ الجواب هو أن المخرجة شولودنكو أرادت تفعيل بعض التوتّر لاحقاً حينما تبدأ جولي بالإعجاب ببول. هذا طبعاً سيتم على حساب نك (الذكر بينهما) ما ينجم عنه "زعل" بين المرأتين لكن ليس الزعل الذي سيفسد للود قضيّة.

اذ ينزلق التمثيل لما تحت مستوى أي من شخصياته الراشدة (الوحيد الذي يتعامل جيّداً من دوره هو الممثلة الشابّة ميا واجيكو?سكا) لا يبقى للفيلم الا تلك النظرات المتبادلة كما لو أن أحد الممثلين نسي ما يود قوله فانتظر أن ينقذه الآخر، الذي نسى ما يود قوله. كيف لا تتوقّع ذلك مع جمل حوار مركّبة  مثل "لم أرتفع الى نقطة الوعي لك"؟ او ساذجة مثل "لا أثق بقدرتها على قطف وردة"؟  والعبارة التي تضحك لسخفها هي التي تقول : "أعلم أنك ستحتاجين لوقت قبل أن تبدأي دفع عواطفك صوب ذلك" لكل ذلك وجدت نفسي أصر:Get Out of here.

الجزيرة الوثائقية في

25/07/2010

 

إفريقيا: من الكرة في جنوبها إلى السينما في شمالها

أحمد بوغابة : خريبكة (وسط المغرب

بعد اختتام مباريات العالم في كرة القدم التي تم الاحتفاء بها لأول مرة بالقارة الإفريقية وذلك بجنوبها كما يعلم الجميع، انتقل الاهتمام إلى لقاء إفريقي من نوع آخر يتجسد في السينما وذلك في شمال القارة وبالضبط بالمغرب حيث احتضنت مدينة خريبكة المغربية (وسط المغرب) الدورة 13 لمهرجان السينما الإفريقية طيلة أسبوع كامل. هذه إطلالة تاريخية، بتعثراتها ونجاحاتها، والتحولات التي عرفتها هذه التظاهرة طيلة ثلاثة عقود.

تُعد سنة 2010 محطة تحول إيجابية في تاريخ مهرجان السينما الإفريقية الذي تحتضنه مدينة خريبكة المغربية وبذلك وضع اللبنة الأولى في مساره الجديد نحو الاحترافية بعد سنوات من الفوضى والارتجال وسوء التسيير والتدبير في جميع الاتجاهات دون استثناء رغم أنه من أقدم التظاهرات السينمائية بالمغرب على الإطلاق حيث تأسس سنة 1977 كملتقى تؤطره الجامعة الوطنية للأندية السينمائية في سنوات عنفوانها، ولم يسبقه في الوجود إلا مهرجان السينما المتوسطية بمدينة طنجة (شمال المغرب) الذي ظهر سنة 1968 بالمدينة ليتم وأده قبل دورته الثانية في العاصمة بالرباط عند نقله إليها. كان المهرجان حينها نقطة ضوء في الثقافة السينمائية بمغرب الرصاص خاصة وأنه يُقام في مدينة عمالية ومناضلة بامتياز وهو ما كان يزعج السلطات التي عملت كل ما في وسعها لاحتلاله بصيغ مختلفة وهو ما كان لها في أواخر الثمانينات.

• من العنفوان إلى التدجين...

تعثر مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة مرارا وكاد أن يسقط نهائيا في جوف النسيان، خاصة وأن أطرافا عدة خارجة خريطة السينما – كما أشرنا قبل قليل إلى ذلك - استولت عليه و وضعت أخرى أياديها على قلبه لتتحكم في مصيره خدمة لأغراضها السياسية المرحلية للمرور إلى المؤسسات الرسمية بالمدينة ونواحيها. وبالتالي، كانت تتجاذبه كل جهة إليها وتعتبره ملكا خاصا بحكم موقعها في المدينة أو بقوة التاريخ عند الآخرين أو أيضا بسلطتها المالية عن جهات أخرى مما سبب في تأخير بعض دوراته إلى أكثر من أربع سنوات أحيانا، أو تحويل بعض من دوراته لسوق تسوده البهرجة المُفتعلة يستحيل للمدينة – حينها - استيعابه وغير ذلك من السقطات التي جعلت منه موضوعا للتنكيت في كثير من المجالس الخاصة بمفارقاته العجيبة بعد أن غيرت ملامحه الأولى المعتمدة على الإبداع السينمائي.

انتقلت تظاهرة السينما الإفريقية بخريبكة من ملتقى سينمائي حميمي، يعتمد على الثقافة السينمائية، إلى مهرجان يتضمن مسابقة حيث أرادت الجهة الجديدة التي أصبحت حينها تسيره أن يكون ضخما رغم أنف الواقع وكأنها تريد أن تدخله من عنق الزجاجة عنوة - كما يقولون - في محيط غير مؤهل أصلا لضخامة طموح أصحابه، ودون تهييئ شروطها الموضوعية والذاتية فسادت الفوضى التي سببت أيضا في الارتجال وهروب كثير من الأسماء والفاعلين منه.

ومن ملتقى يسيره النادي السينمائي المحلي بالمدينة والجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب إلى مهرجان يخضع للجميع، ويتحكم فيه الجميع، ويدلو كل طرف بدلوه فيه، فيضيع كثير من المدعوين بين مختلف الذاتيات وبالتالي يفقدهم المهرجان، وقد فقدهم حقا بصفة نهائية.

• عودة الروح...

ولإنقاذ المهرجان من عبثيته، تم في "العهد الجديد" تأسيس جمعية تشرف على تسييره، جمعت جميع الأطياف التي تعلن انتماءها إليه أو ملكيته التاريخية والجغرافية، إلا أنها لم تتخلص من إرثها الفكري والنفسي، فلم تفلح - هي أيضا - من وضع التظاهرة على سكتها الصحيحة بل لم تعمر طويلا حيث تم تقييم تجربة من موقع المسؤولية للخروج بنتيجة ملموسة تجسدت في تأسيس مؤسسة خاصة به تحمل إسم "مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة". تتكون من مكتب تنفيذي يترأسه الأستاذ نور الدين الصايل، وهو المؤسس الفعلي لهذه التظاهرة منذ انطلاقها سنة 1977 (نشير بين قوسين إلى أن بعض الأطراف بالمدينة استغلت ظروف اشتغاله في الخارج خلال سنوات التسعينات لاستيلائها على المهرجان وتحريف مساره). كما تتضمن المؤسسة الجديدة كتابة خاصة بالمهرجان، ولجن وظيفية حيث أصبحت المهام المنوطة بكل لجنة تتحمل فيها المسؤولية المطلقة للحد من تداخل المهام، وبالتالي الحد من سيادة الأخطاء والفوضى وهذا ما جعل الدورة الثالثة عشرة، التي اختتمت قبل أيام، من الدورات الأكثر احترافا وكأول دورة تُقام تحت الإدارة الجديدة بالمؤسسة الجديدة المُشار إليها والتي تضم كذلك أهم المؤسسات الوطنية في الثقافة والسينما والإعلام. ووجدت المؤسسات المحلية بالمدينة والجهة مكانها الطبيعي فيها بدور جديد وفعال، بكل ما يحمله من احترام لمكانتها في تطوير مجالها عن قرب يبرز قدراتها الحقيقية التي كانت تضيع سابقا في متاهات ذاتية بدون جدوى يُذكر في سيرتها.

لكن لا يعني أن المشاكل قد انتهت بصفة نهائية إذ مازالت بعض الأطراف تحن إلى ماضيها ولم تدرك الفرق بين واجبها في دعم التظاهرة بحكم القانون وحق الرقابة عليها. ولم تستوعب بعد بأن مساهمتها في خلق الظروف المواتية لمثل هذه التظاهرات لا يعطيها الحق في ممارسة مجال لا تفقه فيه شيئا كالسينما والذي هو من اختصاص المجتمع المدني في إطار دمقرطة المجتمع. ينبغي أن تعي "مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية" بأنه مازال لها خصوما يحاربونها ولن يتركوها تشتغل باحترافية خاصة وأن نجاح الدورة 13 أزعج الكثيرون الذين يكرهون النجاح عوض أن يمدوا أيديهم بروح وطنية لإنجاح صورتنا.

• رقم 13 فال خير...

لم تكن تظاهرة السينما الإفريقية بخريبكة تعرف، من قبل، معنى الالتزام والضبط الزمني بحيث تنعقد حسب أهواء من يسيطر علي التظاهرة حينها بمبررات في غالبها وهمية تلف وتدور حول نفسها في إطار صراعاتها الداخلية. لكن، مع المؤسسة الجديدة تم الإعلان على أن ينعقد سنويا وليس حسب الأهواء.

إذا كان "رقم 13" (وهو الرقم الذي تحمله الدورة الأخيرة) في الثقافة الأوروبية التقليدية رقما مشؤوما يحمل سوء الحظ فإنه كان حسن الطالع لمدينة خريبكة ومهرجانها الذي تدشن به مرحلة جديدة أثارت فعلا الانتباه بتحولاته نحو الأمام في مجمله، وبالإمكان أن يكون من أفضل المهرجانات المختصة في السينما الإفريقية بالقارة نظرا لما يتيحه المغرب من إمكانيات المشاهدة الجيدة وما يتوفر عليه من بنيات تحتية وقد تجلى ذلك في الإنتاجات المُشتركة مع عدد من الأقطار الإفريقية وجاء التأكيد من جديد على لسان رئيس مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة وهو في ذات الوقت المدير العام للمركز السينمائي المغربي كمؤسسة رسمية في كثير من المنابر الصحفية المحلية والإفريقية على ضرورة العمل المشترك ضمن خريطتها أو ما يُذكر في اللغة السياسية ب"الجنوب – جنوب" والاستقلال عن الغرب ومساعداته المشروطة والمُبهمة، وأن إفريقيا قادرة على رفع التحدي وترجمته على أرضها سواء تعلق الأمر بالإنتاج أو التوزيع. وهذه الرؤية الإستراتيجية الشاملة لواقع السينما في القارة السمراء هو الذي دفع بالمنظمين لتنظيم ندوة في نفس الموضوع كأرضية لتأسيس هذا البعد الجماعي لسينما إفريقية بملامحها المحلية الغنية والمتعددة في آن واحد.

كما كانت الدورة 13 فال خير أيضا على المهرجان والمدينة بحيث تم شراء شاشة كبيرة وآلة العرض السينمائي وتثبيتهما في المركب الثقافي بصفة قارة ونهائية بعد أن كان سابقا يتم اكترائهما بميزانية خيالية تأكل من مال المهرجان. وبعد أن تخلصت التظاهرة من قاعة الأفراح التي كانت تسيء للسينما والمدعوين والمخرجين وأفلامهم بشروط بدائية. وعليه فستبقى الشاشة الكبيرة وآلة عرضها مكسبا لسكان المدينة ولمختلف العروض السينمائية التي ستحتضنها مستقبلا، وطيلة السنة، وليس بعروض موسمية فقط تفرضها الحاجة، فقد حصلت عليهما بفضل مؤسسة المهرجان التي تتضمن كما سلفنا مختلف الهيئات المحلية والوطنية.

• فوز سكان خريبكة بالسينما...

ونعتقد أن جمهور مدينة خريبكة يستحق هذه الهدية السينمائية الجميلة والرائعة بعد سنوات من العزلة المفروضة عليه، خاصة وأنه أبان، خلال العروض السينمائية، على سلوك حضاري متقدم باحترامه قانون الفرجة حيث لم يكن هناك تشويش على الأفلام كالسابق بالتعليقات أو الحديث في الهاتف وسط القاعة أو غيرها من الممارسات السلبية التي أصبحنا نعاينها للأسف في المدن الكبيرة التي يدعي سكانها أنهم "أكثر حضارة "(؟؟؟؟)، بل أحيانا من لدن السينمائيين أنفسهم والنقاد والصحفيين الذين من المفروض فيهم أن يكونوا أكثر إلتزاما بقواعد الفرجة.

ظهرت في الدورة 13 "نشرة" خاصة بالمهرجان، وهي خطوة هامة في سياق التطور الذي تعرفه التظاهرة للارتقاء بالعلاقات التواصلية، وبذلك تتحول إلى وثيقة تُؤرشف لمحطات التظاهرة وتبقى ذكرى جد إيجابية، بغض النظر عن نواقصها في ملامسة الأفلام المُبرمجة سواء داخل المسابقة الرسمية أو الموازية لها لأن كل مهرجان في العالم تصنعه الأفلام وليس غيرها.

اختتمت دورة يوليوز 2010 من مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة بهذه الاستحقاقات المذكورة أعلاه فتكون المدينة نفسها هي الفائزة بدورتها الثالثة عشرة، وهي التي حصلت على الجائزة الأولى الرمزية قبل فوز الأفلام المشاركة إن لم نقل بأن المؤسسة الجديدة للمهرجان هي التي مهدت الطريق لنجاح التظاهرة وإيصالها إلى قمتها بتجاوز النقط السوداء التي سادت لسنوات طويلة ويريد البعض إرجاعنا إليها بحجج واهية.

• نتائج المسابقة...

عرض المهرجان أكثر من 25 فيلما من بينها 12 فيلما في المسابقة الرسمية تمثل جزء من الخريطة الإفريقية التي تبارت أمام لجنة ترأستها الفنانة الممثلة المغربية المقتدرة ثريا جبران (وزيرة سابقة في الثقافة) والتي حظيت أيضا بتكريمها في هذا المهرجان. أسفرت نتائج اللجنة على مايلي: الجائزة الكبرى للمهرجان، التي تحمل إسم المخرج السنغالي الراحل وأحد مؤسسي السينما الإفريقية بامتياز عصمان سمبين، من نصيب المخرج المغربي محمد مفتكر عن أول فيلم روائي طويل له وهو "البراق" الذي سبق له أن نال من قبل الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني بطنجة في دورته الأخيرة.

ونال الفيلم المغربي "فينك أليام؟" للمخرج المغربي إدريس شويكة جائزة لجنة التحكيم مناصفة مع المخرج أوليفيي هيرمانوس من جنوب إفريقيا عن فيلمه "شيرلي آدمس" بينما حصل الفيلم المصري "الفرح" لمخرجه سامح عبد العزيز جائزة الإخراج فيما نالت مواطنته المصرية مريم نعوم على جائزة السيناريو عن فيلم "واحد – صفر".

جائزة الدور الأول نسائي حصلت عليه الممثلة دينيس نيومن عن دورها في فيلم "شيرلي آدمس" من جنوب إفريقيا و ذهبت جائزة الدور الأول رجالي للممثل سيرجي هينري عن دوره في فيلم "إمرأة ليست كمثيلاتها" من بوركينا فاصو. أما الأدوار الثانية فقد كان الدور النسائي للممثلة المغربية مجدولين الإدريسي عن دورها في فيلم "البراق"، والدور الرجالي للممثل سامسون أوديومبو عن دوره في الفيلم الكيني "فتى الروح". ونوهت لجنة التحكيم بالفيلم التونسي "سينيسيتا" للمخرج إبراهيم لطيف

الجزيرة الوثائقية في

25/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)