في كل فيلم من أفلامه،
يثير مارتن سكورسيزي الدهشة والصدمة. العمق الإنساني. التحليل النفسي
والتشريح
الروحي. تأثيرات اللاهوت والعقيدة المسيحية. مصائر البشر. الشخصيات
المركّبة
والمعقّدة. التعاون مع ممثل مفضّل لديه. مع تقنيين وفنيين. أمورٌ متداخلة
في ما
بينها، صانعة عالما سينمائيا جذّابا، وإن لم تُرض أفلامه كلّها النقّاد
والمشاهديين
جميعهم.
آخر أفلامه: «جزيرة شاتر»، عن تحرّ يُحقّق، داخل سجن/ مسشفى للأمراض
العصبية والعقلية، في قضية اختفاء امرأة. لكن الجزيرة المغلقة على نفسها
وعلى
المقيمين فيها، مفتوحة على حالات وخلفيات وتفاصيل. وبمناسبة إطلاق عروضه
العالمية،
إثر تقديمه للمرّة الأولى في الدورة الأخيرة (شباط 2010) لمهرجان برلين
السينمائي،
ضمن الاختيار الرسمي (خارج المسابقة الرسمية)، نشرت المجلة السينمائية
الفرنسية «بروميير»،
في عددها الصادر في شباط الفائت، حواراً مع سكورسيزي، أجراه جيرار
دولورم. هنا مقتطفات مترجمة منه.
ردّاً على سؤال تقليدي يطرحه صحافيون ونقّاد
سينمائيون عديدون، متمثّل بـ«ما الذي حرّضك
على إنجاز هذا الفيلم: الكتاب أو
السيناريو؟»، قال مارتن سكورسيزي: «في
الواقع، عندما اقتُرِح عليّ النصّ السينمائي
الذي وضعته لايتا كالوغريديس، لم أبحث في مسألة التنبؤ بالخاتمة. أحياناً،
يكون
الأمر بديهياً. يحاول البعض البحث عن الخاتمة منذ البداية، ويبلغها. لستُ
هكذا.
عندما أقرأ، أتصوَّر النصّ بصرياً. هذه المرّة، تركتُ نفسي أسير النصّ.
تفاجأت
كثيراً بالخاتمة. لم أقرأ الكتاب إلاّ لاحقاً. ما جعلني أقرّر، كامنٌ في
طريقة
تطوّر شخصية تيدي (ليوناردو دي كابريو) في الحكاية. امتحنت تطابقه مع
الغير، حتى
الانكشاف الأخير. بما أن كل شيء متعلّق بالإحساس الخاصّ إزاء العالم، فإن
كل لحظة
يصعب حلّ رموزها. قمت بالرحلة معه. هذا ما فتح أمامي أبواب الجانب البصري
للفيلم».
وعمّا إذا كانت كتابة دنيس ليهان (مؤلّف الرواية) سينمائية، أجاب بـ«نعم»،
معتبراً
أنه استخدم التقطيع في ثنائية المكان والزمان، تماماً كما يحدث في صناعة أي
فيلم: «لكنه
يفعل هذا في النصّ المكتوب. عمله مدهش إلى حدّ كبير، مع خصوصية مهمّة جداً:
لكلماته سلطة الإيحاء، التي تتخطّى ما هو مكتوب على الصفحة. مثلاً، هناك
لحظة في
البداية متمثّلة باستقبال تيدي في مكتب الدكتور جون كاولاي (بن كينغسلي).
مهمته
تقضي بالعثور على راشيل (إيميلي مورتيمر)، السجينة الهاربة. يُقدّم الطبيب
صُوَر
هذه المرأة له، توقظ فيه ذكريات داشو (معسكر اعتقال نازي لليهود أثناء
الحرب
العالمية الثانية). لماذا؟ هل لأنها تشبه سجينة في المعسكر؟ هل لأنها، في
إحدى
الصوَر، تظهر مأخوذة إلى الملجأ؟ هل بسبب صورة التقطها زوجها؟ بقراءتي
الكتاب
للتأكّد من كيفية وصف ليهان هذه الصوَر، اكتشفتُ أنه لا يقول شيئاً. كنتُ
مقتنعاً
بأنه فعل هذا. أستطيع أن أقسم إنه خطّ في مخيلتي رؤية تشبه تفصيل المشهد في
النصّ
الأصلي. بتعابير أخرى، استنتجتُ أن صورة راشيل يُفترض بها أن تُقدّمها
نحيلة.
والحال هذه، فإن النصّ لم يُحدِّد شيئاً من هذا. الكتاب مليء بأمور من هذا
النوع».
من ناحية أخرى، تناول دولورم مسألة العلاقة بين السيناريو والرواية، سائلاً
المخرج عن التغييرات التي أحدثها: «الاستعادات (فلاش باك) كانت أكثر ظهوراً
في
الكتاب. بمحاولتي تقديم هذه الاستعادات (أو هذه الأحلام)، اكتشفتُ أنه
كلّما قلّلت
منها، سارت الأمور بشكل أفضل. في الفيلم، نرى فوراً وجه دولوريس (ميشيل
ويليامز)،
زوجة تيدي. مع روبرت ريتشاردسون (مدير التصوير)، اخترنا الـ«كوداكروم»
للاستعادات
لجعلها أكثر حيوية، وللتخفيف من وطأة ازعاجها. لوصف داشو، درسنا أفلاماً
صوّرها
جورج ستيفنس بكاميرا 16 ملم «كوداكروم» أثناء تحرير معسكرات الاعتقال.
تساءلنا،
أيضاً، عن كيفية العبور من الحلم إلى الوعي، والعكس. في النهاية، لجأنا إلى
القطع
أثناء التوليف. هل كان (لهذه الطريقة في العمل) تأثير على المستويين النفسي
والانفعالي؟ ما هي المعلومات التي يجب إعطاؤها للمُشاهد عندما يبدأ الحلم؟
ما الذي
يحتلّ المرتبة الأولى: وعي الفكرة، أو الفكرة نفسها؟ لاحقتنا هذه الأسئلة
طوال فترة
العمل في المونتاج. أردنا أن تنسلّ الصوَر كالموسيقى». لكن الموسيقى، في
الكتاب،
قليلة الحضور، بينما تلعب دوراً حاسماً في الفيلم: «الموسيقى الوحيدة
المذكورة في
الكتاب متمثّلة بمقطع لماهلر. استخدمناه. بالنسبة إلى الباقي، مع روبي
روبرتسون،
الذي أشرف على الموسيقى التصويرية، استمعنا وجمعنا عشرات الساعات الخاصّة
بموسيقى
سمفونية معاصرة. على هذه المرافقة الموسيقية أن تُترجِم ليس عقلية تيدي، بل
طريقة
اكتشافه هذا العالم الذي هو عالمه، والذي لا يتوقّف عن التبدّل. على
الموسيقى أن
تكون متعدّدة المعاني أيضاً، كما لو أنها تخدم الفيلم كتأثير صوتي. النوتات
الأولى
التي استمعنا إليها تشبه صُوَراً ضبابية. لمقطوعة «فوغ تروبس» لإنغمار
مارشال نغم
شبحي، وفي الوقت نفسه تمارس إغواء غريباً. ما الذي يجذب تيدي إلى هذا
العالم؟
الصوَر الضبابية؟ البحر نفسه؟ صراخ النوارس؟ كل شيء موسيقى. لا أريد أن
أقول أموراً
كثيرة لأولئك الذين لم يقرأوا الكتاب ولم يُشاهدوا الفيلم، لكن عندما وقف
تيدي أمام
المرآة في المركب، وغسل وجهه بالماء قائلاً بضرورة السيطرة على نفسه، أثارت
الموسيقى منذ البداية شعوراً بأنه على شفير الانهيار العصبي».
وماذا عن
الممثلين، هل فكّر سكورسيزي بممثلين معينين عند قراءته السيناريو؟ منذ
بداية
القراءة، «عرفتُ أن الدور الأول سيكون لليو (ليوناردو دي كابريو). كنا، هو
وأنا،
نبحث عن مشروع مشترك بيننا منذ عامين. بالتأكيد، أكبره بثلاثين عاماً،
لكنّي أظنّ
أننا ننظر إلى العالم بالطريقة نفسها. يشبه دي كابريو الشخصيات التي منحتها
لروبيرت
دي نيرو وهارفي كايتل عبر السنين. لم يخشَ مواجهة بعض المواضيع، ولديه
طريقة مهمّة
في البحث عن الأدوار. لا أقول هذا من دون تفكير: في البداية، لم نعرف،
حقيقة، إلى
أين سيأخذنا هذا المشروع (...). يجب الانتباه كثيراً عند البدء بتفصيل
الوجوه
المختلفة لشخصية ما».
السفير اللبنانية في
06/05/2010
كتــاب
يوتكيفيتش: «شكسبير
والسينما»
ليست المرّة الأولى
التي يتناول فيها نقّاد وباحثون تلك العلاقة القائمة بين شكسبير والفن
السابع.
ولعلّ «شكسبير والسينما» يوتكيفيتش (ترجمة نديم معلا) لا يختلف عن سابقيه
واللاحقين
به، إلاّ على مستوى التحليل النقدي المعتمد في معالجته القائمة على ثنائية
الامتحان
الثقافي (الدلالات الدرامية والإنسانية والتاريخية في مسرحيات شكسبير)
والبنى
التقنية التي ارتكزت عليها النتاجات السينمائية والمسرحية. ولم يكن غريباً
على
يوتكيفيتش أن يُطلق العنان لرحلته داخل عوالم الكاتب المسرحي من تلك القامة
الإبداعية التي شكّلها لورنس أوليفييه. وبين أوليفييه و«الأمير الدانماركي
ثانية»،
غرفت ريشة الكاتب (بدت الفصول أقرب إلى مقالات نقدية منها إلى بحث متكامل)
من
العوالم البديعة التي صاغها مزيج الصورة والفضاء المسرحي معاً.
السفير اللبنانية في
06/05/2010 |