حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نجاحات

الرغبة المستترة والغايات الجادة في السينما الكوميدية

الحياة الزوجية غطاء للوصول إلى مآرب أخرى

هوليوود: محمد رُضا

 

الفيلم الجديد «ليلة موعد»، الذي تم افتتاحه هذا الأسبوع يتحدث عن زوجين يجدان نفسيهما في خطر. الفيلم يدور حول زوجين، فِل وكلير، يقفان على شفير الطلاق بعدما أصابهما الضجر من حياة زوجية مليئة بالروتين. من إخراج شون لي?ي وبطولة ستيف كارل وتينا فاي عن سيناريو مكتوب خصيصا أيضا للسينما بقلم جوش كلاوزنر. يتم التمهيد لحبكته بالتعرف إلى حياتهما الخاصة وما تعانيه على الرغم من حب كل منهما للآخر.

ذات ليلة ينطلقان في محاولة لتغيير روتين حياتهما: موعد رومانسي في مطعم يستعيدان فيه روح المناسبات المماثلة التي جمعتهما من قبل. المطعم الذي يقصدانه مزدحم وهما لم يحجزا فيه، لكن أحدهما ينبري بفكرة انتحال شخصيتين كانا حجزا طاولتهما ولم يحضرا بعد. إذ يفعلان ذلك ويشقان طريقهما بالفعل إلى تلك الطاولة، تبدأ الغاية الحقيقية من الفيلم حيث هناك شريران يكمنان بانتظار وصول الثنائي الذي لم يحضر، وإذ حضر فِل وكلير، فإن الشريرين يعتقدان أن فِل وكلير هما الثنائي الذي تم استئجارهما لقتلهما. هكذا، ليلة غرامية تنقلب إلى ليلة خطرة، وعلى الزوج وزوجته النفاذ بجلديهما بعدما فشلت المحاولة الأولى وأدركا أنهما مستهدفان.

ما ينجح فيه «ليلة موعد» هو ما يفشل فيه «صياد الجوائز»: كل ما لديه الفيلم الأول من حسنات يفقده الفيلم الثاني المضطر للشغل على الكليشيهات والخطوط المستوردة من أفلام أخرى وتكبير حجم المفارقة الواحدة لفرض إبهار الصورة والموقف على المشاهدين.

لكن حقيقة أن كليهما يتناول قصة زوجين في خطر يكشف عن مسائل أخرى تقف في خلفية هذين الفيلمين كمنوال على فانتازيا قوامها التشكيل الاجتماعي للعائلة الأميركية الذي يجد نفسه، دائما، في مواجهة طرف ثالث، عادة له خصوصية غير عائلية، مثل أن يكون روسيا أو إيطاليا أو أفرو - أميركي أو عربي أو لاتيني أو مجرد مجرم أبيض البشرة خطير الشأن. كل هؤلاء يلتقون في أنهم يشكلون مادة مخالفة للمنوال الصحيح في العلاقات (الرجل والمرأة)، وعليه فإن هذا المنوال الصحيح هو أميركا والمنوال الغريب الطامح إلى تعريضه للخطر هو أقل أميركية أو الغريب تماما. هذا المنوال الغريب يستحق التصدي له والفتك به قبل أن يفتك بالبطلين المتحابين.

هذه الأفلام، وسواها الكثير من قبل، تؤكد جنوح سينما اليوم للتأكيد على أن الخطر الخارجي كامن وهدفه النيل من الكيان الأميركي ذاته المتمثل في الحياة الزوجية. لزيادة التأكيد وحث المشاهد على اتباع الخيط الذي سيدل على مكمن الخطر الحقيقي، فإن الزيجات الثلاث المستعرضة في هذه الأفلام كلها تعاني التوتر قبل حلول الخطر الخارجي. الحياة الزوجية على شفير النهاية في «ليلة موعد». وكل واحد من هذه الأفلام ينص على عودة اللُّحمة قوية (أقوى مما كانت عليه أحيانا) بعد زوال الخطر الذي لا حل له إلا بالقوة.

على غرار ذلك موجود في أحد أكثر الأفلام تحديدا لمثل هذه العوامل والخطر فيه آت من شخصية لا تخطر على بال. في عام 1986، قامت الممثلة غلن كلوز بتأدية دور امرأة أسمها أليس تفرض نفسها على حياة رجل أعمال اسمه دان (مايكل دوغلاس) وزوجته بث (آن آرشر). الفيلم بعنوان «جاذبية قاضية». لقد سمح الزوج لنفسه بليلة غرامية مع هذه المرأة التي لم يكن يعرفها معرفة شخصية من قبل على أساس أنها علاقة ليلة واحدة ليكتشف أنها امرأة مهووسة لن ترضى بمعاملتها على أساس أنها طرف دخيل، بل تريد دخول الحياة الزوجية عنوة وتحويل علاقتها إلى فعل دائم.

المختلف هنا هو أن الطرف الذي يشكل خطرا على الحياة الزوجية وما ترمز إليه هو طرف مواز في عنصره الأبيض، وفي موقعه الاجتماعي. لكن هذا الاختلاف هو في حقيقته توسيع للدائرة وليس استثناء لها أو خروجا عن قاعدتها.

وربما ما يبدو غريبا في هذا الموضوع يكمن في أن الرسالة المذكورة تجد في نوع الأفلام الكوميدية غالبا منصتها لطرح ذاتها، في حين أن هذه الرسالة عادة ما تجد موقعها الطبيعي في أفلام الخيال العلمي وأفلام الرعب والفانتازيات الجادة أو الحادة. لكن الحقيقة هنا هي أن ما هو مطروح في نطاق الكوميديا هو بدوره فانتازيا ليس فقط على صعيد أن القصص خيالية، بل على صعيد أن المواضيع إنما تتعامل مع غرائز ونزوات وفانتازيات موجودة في رؤوس وصدور المشاهدين.

الحياة الزوجية هدف مثالي في أي مجتمع، والمشاهدون إما جزء من تلك الحياة أو أنهم يتوقعون لأنفسهم التحول إلى جزء منها حالما يجدون الشريك المناسب. تلك الأفلام تطرح في المقابل صورة تنطلق من عدم وجود تكامل عاطفي وتصوير الحياة الزوجية كورطة مفتوحة على احتمال كبير واحد هو الطلاق (او الانفصال على الأقل). وتتحدث على أن عدم وجود التكامل هو في نهاية أمره واقع لا بد من القبول به لأن التحدي الحقيقي يكمن في العنصر الذي سيحاول هدم الحياة الزوجية بأسرها. حال قبول المشاهد هذه الصورة، فإن لديه حافزا أقوى لتجنب العثرات ولتأكيد حبه، لأنه إذا كان ذكرا وضع نفسه في حذاء ستيف كارل أو غيرارد بتلر أو هيو غرانت أو مايكل دوغلاس، وإذا كان امرأة وضعت نفسها مكان أي من الزوجات: تينا فاي، جينيفر أنيستُن، سارا جسيكا باركر أو آن آرشر.

باحتلال موقع الممثل، وافق المشاهد، ذكرا أو أنثى، على الشخصية التي يوفرها الفيلم. وسنلاحظ أنه في هذه الحالات، وفي معظم الحالات المشابهة في سيل طويل من الأفلام الخفيفة التي ظهرت في السنوات العشر الأخيرة، أن موافقته تشمل قصور تلك الشخصية وأخطاءها. على فوضى حياة جنيفر أنيستن وخشونة غيرارد بتلر، وعلى توتر شخصية تينا فاي أو سذاجة شخصية هيو غرانت أو سارا جسيكا باركر وهكذا.

وباحتلالها، وافق بالتالي على أن الخطر كامن في تلك الشخصيات الدخيلة حتى ولو كانت أنغلو - ساكسونية ذكرا أو أنثى هي عدوه الحقيقي، وبما أنه يشكل المجتمع ذاك الذي اجتمع في قاعة السينما لمشاهدة الفيلم الواحد والذي يجلس مستقبلا يتشارك في قبول المفهوم الواحد، لا يخل عن هذه المشاركة إلا قلّة من التي لا تنضوي. هذه في الواقع قد تكون الطرف المعادي المشار إليه من دون أن يكون بالضرورة مجرما أو أسود البشرة أو من غير أهل الوطن. يمكن أن يكون رجلا عازبا أو شخصا مهمشا لا ينتمي إلى الغالبية التي تؤول إليها مهمة تفعيل الحياة الاقتصادية والفكرية والسياسية للبلد.

المرّات التي يخرج بها فيلم ما عن هذا النطاق المعهود ينقلب الحال رأسا على عقب أو يكاد.

فيلم سام بكنباه «كلاب من قش» (1971) يتحدّث عن أميركيين (دستين هوفمن وسوزان جورج) ينتقلان للعيش في الريف الإنجليزي، حيث تنقلب سعادتهما إلى بؤس شديد حينما يغزو رجال البلدة بيت الأميركي ويغتصبون زوجته. المفارقة هنا، التي خلقت فاصلا كبيرا بين الجمهور وبين الشخصيات، هي أن الزوجة لم تعترض كثيرا على فعل مغتصبيها. أخلاقيا، لا تستطيع المرأة التي تشاهد الفيلم الموافقة على ذلك. لكن في الوقت الذي خلق فيه ذلك فجوة كبيرة بين الفيلم (ورغبة مشاهديه) وبين الجمهور (وفانتازيّته) سجل الفيلم هدفه الذي تتضمنه تلك المفارقة، وهي أن الحياة الزوجية ذاتها قد تكون الخطر الماحق، وليس العنصر الخارجي سوى المناسبة المحيطة بها التي تنتظر الفرصة للقيام بدورها. كون الزوجة تعيش فانتازيا ربما لم يؤمّنها الزوج جعلها وإياه الخطر على الحياة الزوجية.

على أن صيانة تلك الحياة من الخطر الخارجي (وليس الداخلي كما في المثال المذكور) هو ما يسود معظم ما يتم إنتاجه من أفلام.

عبر قراءة الرغبة في صيانة الحياة الزوجية من الخطر الخارجي يمكن أن نقرأ أفلاما كثيرة مرت على الموضوع ولو عابرا. لنلاحظ مثلا فيلم «العرّاب» لفرنسيس فورد كوبولا ما غيره. إنه ينص ويحرص على العائلة الواحدة المتعددة والمتكاثرة وذات القواعد والمسالك الأخلاقية (بصرف النظر عن مجال أعمالها الخارجة على القانون) إلى حد أن العائلة فيه صلب موضوعه: الأب وأولاده وأحفاده وزوجاتهم ثم الجالية والمعارف والأصدقاء والأزلام. كلهم يشكلون العائلة الكبرى والرحبة حسب مواصفات مقاطعة صقلية التي ورد الآباء منها. حين يبدأ الخطر بالتشكل، فإن أحد أبرز عناصره وأولها يكمن في شخصية رجل عنيف وسفاح اسمه فيرجل سولوتزو (كما يقوم به الراحل آل لاتييري) لكن لقبه الذي يتوسط كلمتي فيرجل وسولوتزو هو «التركي»، مما يكشف عن جذور غير إيطالية.

هذه الصيانة تصل إلى حد ينقلب خطرا على فكر المتلقي إذا ما وافق على ما تحويه في بعض حالاتها القصوى كما الحال في فيلم غاري فلدر «لا تنطقي بكلمة» (2001)، حيث مايكل دوغلاس (مرة أخرى) يحاول استعادة ابنته من الخطف وحماية فتاة مصابة بعارض نفسي في الوقت ذاته. الخاطف وهو إرهابي بريطاني يريد إجبار الطبيب دوغلاس على فك عقدة المريضة لكي تدلي بمعلومات تفيد الإرهابي في عمله. في المقابل، سيطلق سراح ابنة الطبيب. لهذا الإرهابي أعوان من الأشرار أحدهم أسود البشرة.

الأكثر فداحة في وضعه هو «300» لزاك سنايدر (2006 المأخوذ عن فيلم مختلف في توجهه السياسي بعنوان «300 أسبرطي» لرودولف ماتي (1962). في نسخة سنايدر، فإن الشراكة الزوجية هي التي حققت النصر على الأعداء (حشود من العرب والصينيين والفرس والوحوش الخرافية) فبينما كان ليونيداس (غيرارد بتلر) يحارب برجاله على الجبهة العسكرية، كانت زوجته غورجو (لينا هيدي) تحارب في البرلمان. العدو ليس فقط تلك الجماعات الأقل «قيمة» التي تحاول احتلال أسبرطة، بل أيضا الأسبرطيين الضعفاء، فحسب الفيلم المشوّهون والضعفاء من الأسبرطيين هم أيضا خطر، تماما كما كانت النازية تعتبر الضعفاء والمشوّهين، حتى لو كانوا آريين، أعداء يعطّل المجتمع عن القوة التي هي عماد المجتمع المنشود.

وهناك صور متعددة كثيرة نجدها في أنواع مختلفة من السينما خصوصا في أفلام الخيال العلمي، حيث أهل الفضاء يهاجمون البلدات والمدن الصغيرة في أفلام الأمس، لكونها التعبير الأميركي الأنقى في الخمسينات والستينات. وحيث الحياة الزوجية هي بيت القصيد، كما الحال في فيلم «It Came From Outer Space» لجاك أرنولد (1953) حين يكتشف صبي أن مخلوقات فضائية استولت على شخصيات والديه وتسعى لتحويل البلدة جميعا إلى نسيج واحد من النسخ الشبيهة شكلا بأبنائها وذلك تبعا لمفكرة غزاة الفضاء الخاصة. مفكرة لم تبتعد عن تلك التي كانت هوليوود تواصل طرحها في أفلام تلك الفترة، حيث ذلك الخطر الخارجي يوازي خطر الشيوعية أيام الستالينية ومطلع الحرب الباردة.

لكن، إذا ما استخدمت أفلام الخيال العلمي في الخمسينات والستينات للتحذير من العدو الخارجي المقبل على تغيير ملامح الوطن الأميركي وتراثه، ما هو الاستخدام الذي تمارسه أفلام اليوم؟ من هم الأعداء فعلا في «ليلة موعد» و«صياد الجوائز» و«هل سمعت بآل مورغن»؟

في حياة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، فإن العدو صار مبهما. سابقا كان العدو الخارجي مرتبطا بمؤامرة واضحة المعالم: الأيرلنديون ينقلون صراعاتهم إلى الولايات المتحدة («ألعاب وطنية» بطولة هاريسون فورد)، العرب يريدون السيطرة على الوضعين السياسي والاقتصادي الأميركي («سلطة» بطولة رتشارد غير و«تقلّب» بطولة جين فوندا)، والروس يريدون غزوا إجراميا واسع النطاق («الفجر الأحمر» مع باتريك سوايزي). لكن اليوم هناك أقنعة كثيرة وغايات مختلفة، وكما في فيلم ستيفن سبيلبرغ «حرب العالمين» مع توم كروز، فإن العدو بيننا (كما أوحت العملية الإرهابية سنة 2001). بالتالي، فإن ما بوسع الأفلام الكوميدية تصويره منسوج من هذا الإبهام حول الهوية الأخرى. ما يبقى واضحا أنه إشكال اجتماعي أو سياسي أو مجرد أخلاقي يهدد الحياة الزوجية من ناحية، لكنه السبيل لتقويتها من ناحية أخرى.

الشرق الأوسط في

16/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)