حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

آخر فيلم عن حرب العراق

محمد رضا

That's All Folks تقول العبارة التي كانت تظهر بعد كل فيلم أنيماشن قصير من إنتاجات هوليوود مثل «توم وجيري» أو «بغز باني» او «هيكل اند جيكل» و«رود رانر»، وهي العبارة التي يمكن أن نسمعها تتردد في ردهات الاستديوهات الهوليوودية هذه الأيام، لكن ليس إيذاناً بختام مثل تلك الأفلام (فهي انتهت منذ مدّة بعيدة) بل إعلاناً عن عدم رغبتها بتحقيق أي فيلم آخر عن حرب العراق. 

«منطقة خضراء» سيكون منطقة معزولة مع إغلاق الحنفية على تلك الأفلام التي اعتقد منتجوها أن الجمهور الكبير ينتظرها على أحر من الجمر، لكي يطّلع على ما تود طرحه من آراء او تكشفه من مواقف او على ما تحوّله الى فرجة ترفيهية. لكن، منذ أن تطرّقت هوليوود الى تلك الحرب قبل ثلاثة أعوام في موجة من الأفلام الدرامية والعسكرية، وهي تواجه حلقات فشل ذريعة. بعض تلك الأفلام، مثل «أسود كحملان» كلّف نحو 90 مليون دولار ولم يجلب أكثر من مليونين. بعضها الآخر كلّف قليلاً ولم يستردّه بعد. و«خزنة الألم» سُحب من العروض القليلة التي أتيحت له في مطلع العام الماضي (بعد أشهر من افتتاحه في مهرجان فنيسيا الإيطالي) قبل أن ينقلب حصاناً أسود في سباق الأوسكار ويفوز.

من ناحيته، «منطقة خضراء» أنجز منذ عدّة أشهر، والحديث هنا عن أن الشركة المنتجة يونيفرسال، أجّلت تحديد موعد عرضه بحذر بعد الإخفاقات الملحوظة للأفلام التي تناولت الحرب العراقية. لكن حين دخل فيلم كاثرين بيغيلو ترشيحات الأوسكار تشجّعت وقررت رصد الشهر نفسه التي ستعلن فيه الجوائز، فلعله يستفيد من اهتمام مفاجئ.

الى ذلك، فإن المقدّمة التي عرضت على الإنترنت وفي صالات السينما لا تركّز على الموضوع العراقي، بل على الأكشن من ناحية (وهناك مشاهد أكشن من أوّله الى آخره) وعلى التعاون بين المخرج بول غرينغراس والممثل مات دايمون على أساس نجاح تعاونهما السابق في فيلمين من سلسلة «بورن» («سيادة بورن» و«إنذار بورن»)، فقد جاء هذا التعاون مفيداً على صعيد النتائج التجارية من حيث حيوية كل منهما في العمل ونجاحه في توفير شروط الخط الساخن للأحداث.

أسلحة الدمار الشامل

قبل كل شيء، وبصرف النظر عن الحرب العراقية وكيف ينظر هذا الفيلم اليها: هذا فيلم أكشن من النوع الممتاز. يتحدّث عن الضابط ميلر (مات دايمون) المنوط بعمليات البحث عن الأسلحة المدمّرة التي ردّد البيت الأبيض بناء على استخبارات ملغومة أراد ان يسمعها ويصدّقها أنها موجودة في العراق وأن صدّام حسين أخفاها. يبدأ الفيلم بثالث عملية بحث تُسند الى ميلر: يتقدّم وفريقه من مبنى اعتلاه قنّاص وينجح في اقتحامه ليكتشفوا أن المكان مهجور منذ زمن بعيد.

في مؤتمر صحفي للقيادة يُثير هذه النقطة مع مسؤوليه، ذاكراً عملية سابقة حيث «قال لنا المصدر أن الأسلحة المدمّرة موجودة هناك لكن المكان كان مصنعاً للمراحيض». على ذلك يرد أحد رؤسائه عليه بالقول: «لا عليك من هويّة المصدر. افعل ما يُطلب منك».

في طريقه لتنفيذ المهمّة الرابعة يتوقّف عند مرأى رجل عراقي فقد ساقه في الحرب مع إيران اسمه فريد ويُكنّى بفريدي (خالد عبدالله)، الذي يرشده الى بيت التقى فيه أحد كبار مساعدي صدّام حسين، واسمه الراوي (عقال نور) مع عدد من مساعديه. يقتحم الضابط وجنوده المكان وتقع معركة قصيرة لكن الراوي يفر. وأحد مساعديه (سيد حمزة) لديه دفتر عناوين يصبح مصدر صراع بين الضابط وبين كلارك (كرغ كينير) مسؤول العمليات في البنتاغون وبي مارتن (برندَن غليسون) أحد كبار رجال السي آي أيه في العراق.

كلارك يطلب من أحد الضبّاط العسكريين (جاسون إيزاكس) استخراج مكان اختفاء الراوي ممن تم إلقاء القبض عليهم، وهناك مشاهد لبعض العنف الممارس عليهم، وأخرى، فيما بعد، للضرب المبرح الذي تعرّضوا له. لكن هذا الفريق يريد الراوي ميّتاً لأنه كان حذّر الحكومة الأميركية من أنها سوف لن تجد اسلحة دمار شامل لأنها غير موجودة، بينما عميل السي آي ايه وميلر يريدان سلامة الراوي لكي يشهد بذلك. هذا على خلفية شخصية مستوحاة من الواقع لعراقي عاش في الغرب طويلاً ولفّق بدوره تهمة أسلحة الدمار الشامل ليعود مدعوماً من ق.بل البيت الأبيض ولو الى حين.

المعركة الأخيرة

المعركة الأخيرة، بين ميلر وبيغز (جاسون أيزاكس)، وما يحدث خلالها من دخول وخروج أطراف مختلفة وعلى صعيد تصميمها العام والمطاردة الطويلة التي تقع فيها، بالغة الأهمية كتابة وإخراجاً وبعداً، وفيها تتصارع كل الأطراف مع وجود هدف مختلف لكل طرف مثير للاهتمام بحد ذاته.

كيفية دخول وخروج كل عنصر (ممثل، موقع شخصية، خط درامي) في كل لقطة بارع كلغة سينمائية وهذا ليس حكراً على الفصل الأخير من المشاهد المصوّرة ليلاً والدائرة في حي سكني ضيق الطرق (تم التصوير في المغرب) على أهمية مستوى تنفيذ ذلك الفصل، بل في كل الفيلم.

من اللقطة الأولى وحتى الأخيرة هناك تلك الطاقة الحيوية التي مارسها المخرج غرينغراس في أفلامه السابقة وأكثر منها. الكاميرا محمولة بطبيعة منهجه لكن ليس اعتباطاً. المقصود بها أن تؤدي دور الحاضر في رحى الحرب عوض تأسيس الفيلم كما لو كان نظرة بعيدة عنها او تصميماً أعيد إنشاؤه للغاية. طبعاً، هو مكان يُعاد إنشاؤه في كل الأحوال (إذ لم يتم تصوير الفيلم في بغداد ذاتها) لكن سياسة التصوير منتمية الى سياسة المخرج الفنية التي تؤسس لكاميرا تنتمي الى داخل الموقع والمكان ولا تطل عليه من الخارج.

«خزنة الألم».. اختلاف وتشابه

في السياق العام للكيفية المختارة لسرد الفيلم، يلتقي «منطقة خضراء» وما حققته كاثرين بيغيلو في «خزنة الألم». كلاهما بالوتيرة نفسها التي تخلقها تلك الكاميرا المحمولة، خصوصاً ان الفيلمين يتقاسمان مدير التصوير نفسه باري أكرويد. لكن الكاميرا في كل منهما مختلفة الاستخدام. في فيلم بيغيلو هي هناك لالتقاط الحدث بنفس تسجيلي، ريبورتاجي، بينما تعامله هنا روائياً خالصاً. لكن كليهما يختار الحكاية التي لا تخرج بالفيلم عن مسار الجندي الأميركي ومتاعبه في رحى المعركة. المكان يصبح عالمه كلّه. علاقته مع الغرباء المحيطين به هي حدوده.

فيلم بول غرينغراس أكثر انضباطاً وإثارة من فيلم بيغيلو لكونه يقع في رحى يومين متتابعين ضمن عقدة محددة: يكتشف ميلر أن مهامه مقصود بها أن تكون فاشلة ويبحث ويستنتج ويصل الى نهاية ومفاد.
في الفيلم الآخر، «خزنة الألم» الوظيفة التي يمارسها بطل الفيلم هناك «جيريمي رَنر» هي ثابتة لا تحوّلات منها بل مناسبة لإظهار أحداث متوالية تنطلق منها وتعود اليها. الى ذلك، هناك في فيلم «منطقة خضراء» في إطار جغرافي محدود داخل المدينة وكونه يستخلص من عناصر العمل التقنية قدراً أعلى من التشويق.

كذلك فإن همّ «خزنة الألم» تقديم نموذج غير مُسيّس للوضع في العراق، ولو أن السياسة في محيطه، بينما يعمد «منطقة خضراء» الى الحديث في السياسة، بل يتّخذ منها موقفاً نقدياً واضحاً ضد أكاذيب السياسة التي عمدت إليها السياسة الأميركية بغية تبرير احتلالها للعراق. هذا في الوقت الذي لا يطلب منك اعتبار الفيلم أكثر من قصّة تُروى.

وجوه مختلفة للعراقيين

العراقيون هنا متعددون ومختلفون، ليس من بينهم أشرار بل أصحاب وجهات نظر. وهناك مساحة تعبير جيّدة عن الجانب العراقي بعضها يتمثّل في خطبة للعراقي الذي ينبري لمساعدة الضابط ميلر تحمل معاني مهمّة وكلمات كاشفة، وذلك حين يرفض مبلغاً من المال لقاء مساعدته، ويؤكد للضابط أن ما يقوم بما يقوم به هو لمساعدة وطنه «لمَ لا تصدّق أن هذه حقيقة؟».

للفيلم طروحاته حول الديموقراطية المستغَلّة والانتقائية والخدعة الكبيرة حول أسلحة الدمار الشامل وكيف كانت غطاء للتدخل، وعن دور الإعلام ومشاركته فعل التغطية (تجسّد دورها شخصية هامشية تؤديها آمي رايان) وعن دور السي آي ايه (الذي يحيّده الفيلم عن الخطأ ويمثّله هنا برندان غليسون)، وهذه الطروحات من تلك التي سيتمحور حولها النقد العربي الذي يحب (عند البعض) تفضيل الحديث في المضامين على الفيلم كعمل سينمائي. وهي طروحات تعكس قدراً كبيراً من قناعات العاملين في هذا الفيلم (مواقف الممثل وكاتب السيناريو والمخرج معروفة في هذا الصدد) لكنها ليست مصوغة هنا لكي تتحول الى منبر او منشور.

كل ما ينجزه المخرج غرينغراس هنا هو استخدام القواعد اللغوية للسينما لسرد حكاية، وعوض أن تكون حكاية فارغة يضمّنها ما تحتاجه من دلالات وأفكار، ما يزيد الفيلم قيمة.

بطاقة الفيلم

• الفيلم: منطقة خضراء Green Zone

• إخراج: بول غرينغراس

• تمثيل: مات دايمون، خالد عبدالله، آمي رايان، كرغ كينير، جاسون إيزاك، عقال نور

• النوع: حرب العراق

• إنتاج: الولايات المتحدة (2010)

 

أوراق ناقد

كنز مفقود

نحب، كمشاهدين عرب، الأفلام ذات الإنتاجات الكبيرة، تاريخية مثل «الرسالة» و«غلادياتور» او فانتازية خيالية جانحة مثل «سيد الخواتم» و«أاتار»، فإذا كنّا نحبّها ونعجب بمشاهدتها فلم لا ننتجها؟

لماذا، وأنا أكتب هذه الكلمة وعيني الأخرى على فيلم ديفيد لين «لورنس العرب» (الذي شاهدته من قبل أربع مرّات على الشاشتين الكبيرة والصغيرة)، لم نكن نحن من صنع هذا الفيلم؟ ولمَ لسنا نحن الذين صنعنا من قبله «الوصايا العشر» او «كليوباترا»؟.

الجواب السهل هو الإمكانات. الجواب الصعب (والحقيقي) هو الطموح.

طموحنا نحن كسينمائيين عرب ليس كبيراً: نقيس الأمور بما هو مُتاح وليس بما يمكن إنجازه. نعرف أن السينما ثروة قومية لكننا نهملها. نعلم أن العالم العربي مؤلف اليوم من أكثر من 350 مليون نسمة، لكننا نتناسى قوّة مليون واحد او مليونين فيما لو وصلت أفلامنا اليهم. ندرك أن عدد صالات السينما في العالم العربي محدود جدّاً لكننا نرضى بذلك. مع هذا كله، نقول انه لا يوجد جمهور ولا توجد صالات، قانعين بالحد الأدنى المُتاح: فيلم للكذا ألف مشاهد من النوع الذي ليست فيه لقطة واحدة يمكن أن تُخلد، ولا أداء واحدٍ يمكن أن يجاور أداء أي من ممثلي الأمس غير البعيد كثيراً.

نحن بالتالي ضد الطموح وضد أن ننجز الخطوة التي تنقلنا الى الأفضل. ولسنا معنيين بذلك أصلاً. إنه الطموح وحده هو الذي دفع مصطفى العقاد لإطلاق «الرسالة» أفضل فيلم عن الإسلام الى اليوم. الطموح وحده هو الذي جعل يوسف شاهين يصل الى العالمية. الطموح وحده هو الذي منح مارون بغدادي، وجوسلين صعب، وخالد الصدّيق، ورشيد بوشارب، ورضا الباهي، وسهيل بن بركة، وعبداللطيف قشيش، تجاوز الحدود الضيّقة والعمل في إطار إنتاجات عالمية ورفع راية بلدانهم وأصولهم العربية عالياً كلما سنحت تلك الفرصة وكلّما نالت أفلامهم الجوائز.

الطموحات ذاتها، ولو على نحو لا يخلو من الصواب في التفاصيل، هي التي تقف وراء إطلاق مهرجانات سينمائية كبيرة الحجم تفتح ذراعيها للسينمائيين العرب والعالميين على نحو لم يسبق للمهرجانات العربية أن فعلته بالحجم او المقدار ذاته.

لكنها طموحات متباعدة وفي مجال صنع الأفلام أكثر تباعداً، ومضطرة الى أن تنتظر اكتمال العناصر من حولها لكي تتقدّم او تحقق المطلوب من دون تنازلات.

أما معظمنا الآخر فهو مرتاح للوضع السائد. ليس فقط مرتاح بل ويعيش بلا هم.

وعلاوة على ذلك، هناك من ينتقد.

حين خرج «الرسالة» انتقدوه، وقبله حين خرج «لورنس العرب» انتقدوه، وحين خرج «معركة الجزائر» انتقدوه، وعندما قام يوسف شاهين بالتعاون مع الفرنسيين لإنتاج أفلامه انتقدوه. وحينما يحقق مخرج فلسطيني فيلمه من تمويل صندوق الدعم الإسرائيلي ينتقدونه. هات شركات إنتاج تتكفّل وصناديق دعم عربية منفتحة بلا سياسات مسبقة والقائمين عليها يفهمهون الفرق بين مشروع ومشروع. لا. لا شركات ولا صناديق دعم مفتوحة ولا متخصصين يفهمون فك السيناريو والحكم على المشاريع.

الإنجازات على قدر الطموحات. واليوم طموحاتنا بعمق نصف إصبع من الماء ونكاد نغرق فيها. لولا الديجيتال لما تم إنتاج معظم ما تم إنتاجه من أفلام خليجية في السنوات الخمس الماضية. لكن الديجيتال هو بدوره للسينمائي ذي الطموحات المحدودة وعذرا لمن يردد اسطوانة: ليس بالإمكان أفضل مما كان.

القبس الكويتية في

24/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)