حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المخرجون الأجانب في أرض العجائب

تصوير الأفلام الغربية اختلف من بلد عربي إلى آخر

هوليوود: محمد رُضا

«لأجل التصوير في أي بلد أجنبي»، قال ريدلي سكوت في حديث خاص: «على البلد أن يتمتع بثلاثة شروط: الجغرافيا، والخبرة، ورخص اليد العاملة. إذا لم تكن هناك هذه الشروط الثلاثة مجتمعة، فإن الفيلم الذي سيتم تصويره هناك لن يتمتع بالمواصفات المطلوبة وقد لا يتمتع بأي شيء آخر».

موضوع الحديث كان ردّا على سؤال حول السبب الذي من أجله يقوم المخرج الأميركي المعروف بتصوير أفلامه الكبيرة هناك وما إذا كان يجد عملية التصوير تستحق الإجهاد والغربة الاجتماعية والثقافية، وكان رده بالإيجاب على كل هذه النواحي، مضيفا أن رخص التكلفة له أثر فعال: «لو صورت غلادياتور كله في إيطاليا لارتفعت تكلفة الفيلم نحو 30 في المائة. في هوليوود 50 في المائة. أضف إلى ذلك التكلفة التي نسميها فوق الخط (تكلفة أصحاب الأسماء الكبيرة من الممثلين والمخرج والمنتجين) تجد أن الفيلم الذي قد يكلف خمسين مليون دولار حين يتم تصويره في المغرب سيرتفع إلى ضعف ذلك إذا ما تم تصويره في الغرب».

حين باشر ريدلي سكوت اعتماد المغرب مكانا للتصوير، بدءا من عام 2000 حين أخرج «غلادياتور» كانت المغرب تعيش فورة نشاط كبيرة. منذ عام 1988 ارتفع عدد الإنتاجات الأميركية التي بدأت تتجه إلى مواقع تصوير غنية بالمشاهد ومتنوعة المناخات. قبل ذلك، كانت غالبية الإنتاجات المصورة هناك أوروبية وغالبها فرنسي، من دون أن يعني ذلك أن الأفلام الأميركية لم تكن تعرف الطريق إلى المغرب، لكن النتيجة التي حصل عليها مارتن سكورسيزي حين قام بتحقيق فيلمه «كاندون» سنة 1997 ساهمت في لفت أنظار الاستوديوهات إلى تلك البقعة من العالم. وكان سكورسيزي صور قبل تسع سنوات على ذلك الفيلم «العشاء الأخير للمسيح» لكن حركة التصوير في المغرب ارتفعت وتيرتها بعد فيلمه الثاني هناك، وشهدت، فيما شهدت قيام ستيفن سومرز بتصوير «المومياء» (1999) ثم «المومياء تعود» بعد عامين. في سنة 2000 أخرج ريدلي سكوت أول أفلامه «غلادياتور» ليتبعه بعد ذلك بثلاثة أفلام أخرى صوّرها هناك وهي: «بلاك هوك داون» (حيث لعبت المغرب دور الصومال) و«مملكة الجنة» بميزانية بلغت 140 مليون دولار، حيث حلت مكان الأراضي المقدسة سنة 2005 و«كيان من الأكاذيب» الذي لعبت فيه شخصية الشرق الأوسط في العصر الحديث وذلك سنة 2008.

لائحة الأفلام الأميركية التي تم تصويرها في المغرب تزيد عن خمسة عشر فيلما في السنوات الثماني الأخيرة، ومنها «بابل» لإلياندرو غونزاليز إياريتو و«هيلداغو» لجو جونستون و«لعبة جاسوسية» لتوني سكوت (شقيق ريدلي) و«الإسكندر» لأوليفر ستون. وآخر الأفلام الكبيرة التي تم تصويرها هناك فيلم من بطولة جايك جيلنهال وبن كينغزلي وألفرد مولينا تحت عنوان «أمير الفرس» للمخرج البريطاني مايك نيوول.

ولا بد من إضافة فيلمين للمخرج بول غرينغراس، فقد صور سنة 2007 فيلم الأكشن «إنذار بورن» وأنجز نهاية العام الماضي تصوير فيلمه الذي انطلق للعروض قبل أسبوع وهو «منطقة خضراء»، حيث لعبت الرباط ومحيطها وبعض ضواحيها شخصية مدينة بغداد.

الدخل القومي الناتج عن تصوير كل تلك الأفلام في المغرب لا يقل عن خمسمائة مليون دولار بينها نحو مائة مليون دولار نتيجة أفلام ريدلي سكوت الأربعة وذلك بتقدير ما تم صرفه داخل البلاد وليس بتقدير الميزانيات ذاتها.

لكن هناك أشياء أخرى تنضوي في كنف تلك الإنتاجات الغربية التي يتم تصويرها في البلاد العربية. أشياء ليست حكرا على الجغرافيا والخبرة وسعر اليد العاملة، بل تتعداها لتدخل باب التعامل مع مقتضيات اجتماعية وبيئية وثقافية معينة يحاول كل طرف فيها لقاء الآخر في منتصف الطريق. في السابق، كان الجانب العربي يجد نفسه لم يتقدم كثيرا. في السنوات الأخيرة بات الأمر أفضل على صعيد التعامل والتعامل المعاكس بحيث لم يعد يُعتبر التصوير في بلد عربي استغلالا أو استهلاكا بل خدمة مدفوعة، بل ومجزية الدفع، للجانب العربي.

من ناحيتها ما زالت المغرب هي الرقم الأول في المعادلات الإنتاجية الغربية بين الدول العربية. قربها من أوروبا وتمتعها بمساحة طبيعية واسعة (عدا عن أنها خلابة) وتضاريس مختلفة من الصحراء إلى البوادي ومن الواحات إلى المدن قديمة أو حديثة، جعل الإقبال على التصوير فيها موغلا في القدم. فيها صور المخرج جوزيف فون شتينبرغ فيلمه الشهير «المغرب» مع مارلين ديتريتش في البطولة عام 1930 وفيها قام المخرج الأميركي أورسن ولز بتصوير «عطيل» سنة 1949 الذي تم تقديمه لمسابقة مهرجان كان الفرنسي باسم المغرب في الواقع. والأمثلة تتابع من بعد ذلك قبل وبعد التحولات السياسية التي أصابت العالم العربي وعلاقة العالم العربي بالغرب خلال الستينات وإلى اليوم.

وتونس هي البلد الثاني في عدد الإنتاجات الغربية التي تم تصويرها هناك خصوصا منذ السبعينات حين قامت شركة «تونتييث شنتشري فوكس» بتصوير فيلميها «الفرسان الثلاثة» و«الفرسان الأربعة» على نحو متتابع حتى اعتقد الممثلون أنهم يمثلون فيلما واحدا كما نشرت التحقيقات الصحافية آنذاك.

أخرج هذين الفيلمين ريتشارد لستر الذي عاد إلى تونس ليشترك في إنتاج «سوبرمان» ثم إنتاج وإخراج الجزء الثاني «سوبرمان 2».

في الثمانينات قام المنتج التونسي طارق بن عمار المقرب من الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ببناء استوديوهات تصوير حديثة مستفيدا من ذات التضاريس الثرية وأماكن الطبيعة المختلفة التي تتمتع بها تونس أيضا. في واقع الأمر بنى لجانب الاستوديوهات مدينة للعيش فيها ليتم إسكان السينمائيين الغربيين حين يأتون إلى المكان وذلك في منطقة موناستير الساحلية. وبسبب موقعه الأوروبي، كمنتج وصاحب شركة توزيع، استطاع الاعتماد على سيل من الأفلام الفرنسية من شتى الميزانيات. لكن عينه كانت دائما على الإنتاجات الأميركية التي تؤمنها الاستوديوهات الكبيرة.

ما ساعد طارق بن عمار على نجاح خطوته في إعداد تونس لتصبح ملجأ للأفلام الكبيرة الباحثة عن أماكن طبيعية هو قيام شركته «قرطاغو فيلم» بتبني مهمة تأمين الخدمات الإنتاجية لفيلم جورج لوكاس الخيالي العلمي «ستار وورز» سنة 1977 الفيلم الذي تغير عنوانه رسميا بعد ما قام لوكاس بإنتاج ثلاثية جديدة تعود حكاياتها إلى ما قبل الثلاثية الأولى التي كان «ستار وورز»أولها.

لوكاس عاد إلى تونس وخدمات طارق بن عمار الرخيصة والصحراء التونسية حين أنتج الجزء الثاني من ذلك المسلسل، ثم حين أنتج، سنة 1981، الحلقة الأولى من فيلم المغامرات المعروف «إنديانا جونز» المعنون بـ«تابوت العهد المفقود» الذي قام ستيفن سبيلبرغ بإخراجه.

خلال هذه السنوات الأخيرة، أخذت حركة الإنتاج السينمائي في بعض الدول العربية تتمتع باختلافات في المنابع والمصادر والاهتمامات. كانت مصر سبقت في استقبال عدد لا بأس به من الإنتاجات الكبيرة. شركة «باراماونت» قامت بتصوير «الوصايا العشرة» للملحمي سيسيل ب. دميل في مصر سنة 1956، وهو فيلم تمتع بدعم معنوي واسع من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر حينها. بعد ذلك ببضع سنوات قامت شركة «فوكس» بتصوير «كليوباترا» في مصر أيضا من إخراج جوزيف مانيوفيتز. وكان دميل قبل ذلك أنجز كل أفلامه الملحمية التي تدور في إطار ديني مستوحى من الإنجيل والتعاليم المسيحية في هوليوود ذاتها شأنه في ذلك شأن الأفلام الكبيرة حين كان التصوير في هوليوود أرخص من التصوير خارجها.

لكن إذ سبقت مصر محيطها العربي القريب في استقبال الأجانب ورفع يوسف شاهين النسبة حين صدر أعماله المصرية - الفرنسية إلى الغرب وعاد منها ببعض عقود لأفلام قدمت فيها شركته («مصر العالمية») الخدمات الإنتاجية، تلكأت في الاستفادة من طبيعتها وخدماتها ورخص الأيدي العاملة فيها حيث أدركت السينمات الغربية أنه إذا ما كان لا بد من التصوير في مصر - سواء بسبب النيل أو بسبب الأهرامات أو بسبب مدينة القاهرة ذاتها - فإنه من الأفضل جلب كل العناصر المطلوبة لتنفيذ الأعمال بما فيها تلك التي تستطيع المغرب أو تونس توفيرها.

لكن هناك ما يمكن مناقشته في هذا التباين. الرقابة المصرية التي تجيز تصوير الأفلام من عدمه، لم تكن، على سبيل المثال، لترضى بتصوير أفلام تسيء إليها أو للعالم الإسلامي أو العربي كما حدث حين تم تصوير «جوهرة النيل» و«تابوت العهد المفقود» و«ثلّة من الأفلام التي لم يكن للرقابة التونسية أو المغربية رأي فيها. وبصرف النظر عن موقف المرء السياسي من هذا الوضع، فإن أكثر ما تتحاشاه هوليوود حين يحمل مندوبوها سيناريوهاتهم بهدف معاينة احتمالات التصوير في بلد ما (عربي أو غير عربي) هو أن تتدخل الرقابة في ذلك البلد لتطلب تغييرات كشرط مسبق قبل التصوير. المنظر من بعيد يرى أن طارق بن عمار لم يجد داعيا للتدخل في الصورة التي رسمها لوكاس/ سبيلبرغ للمصريين في «تابوت العهد المفقود»، كذلك فإن المركز الوطني للسينما في المغرب، وافق على تصوير «جوهرة النيل» و«رولأوفر» و«المومياء» من دون التدخل في النص بصرف النظر عن توجهاته. والنتيجة، هي أن هوليوود ارتاحت للمغرب وارتاحت لتونس وصورت فيهما معظم أفلامها قياسا بباقي الدول العربية.

هذا الوضع الرقابي تكرر في الإمارات العربية المتحدة قبل ثلاثة أعوام حين حمل ريدلي سكوت سيناريو فيلمه «كيان من الأكاذيب» وانطلق به إلى إمارة دبي التي كانت في طور تأسيسها لاستوديوهاتها الكبيرة الجاهزة اليوم للعمل.

هدفه كان الاستفادة من المعطيات والتعرف على احتمالات فنية جديدة خصوصا أن سيناريو ذلك الفيلم الذي قام ليوناردو ديكابريو ببطولته كان يسمح بالانتقال من المغرب إلى بلد شرق أوسطي تبعا لأحداثه.

لكن مسؤولي مدينة الإعلام في دبي خشوا من أن يكون السيناريو فخا للمساس بمسلمات عربية كونه يتعامل والتعاون المخابراتي بين الولايات المتحدة والأردن في مواجهة الإرهاب. وسواء كانت تلك المخاوف ناتجة عن عدم قراءة صحيحة للسيناريو (لأن الفيلم في نهاية مطافه أدان المخابرات الأميركية ورفع من شأن تلك الأردنية) أو عن حساسية زائدة فإن المخرج انطلق بعمله إلى المغرب حيث صور فيلمه بين الدار البيضاء والرباط ومناطق أخرى مقررا أن ما تعرفه أفضل مما ستتعرّف عليه وأضمن، خصوصا أنه، كسواه، لا يستطيع المخاطرة بعشرات الملايين من الدولارات إذا لم يكن متأكدا من القدرات المحلية على تحمل متطلبات العمل. لكن في حين أن إمارتي دبي وأبوظبي استطاعتا قبل وبعد تلك التجربة استقبال عدد، ولو محدود جدا من الإنتاجات الأميركية والهندية والأوروبية، فإن كسب السباق في صناعة الخدمات الإنتاجية وجلب هوليوود للتصوير يحقق في السنوات الأخيرة وجودا ملموسا هو الأردن.

فيلم الأوسكار هذه السنة، «خزنة الألم» تم تصويره بالكامل في الأردن. المخرجة كاثرين بيغيلو وفريق الإنتاج صرفوا سبعة ملايين دولار هناك خلال شهري إقامة. وكما هو معروف، فإن فيلمها هذا يدور حول أحداث تقع في بغداد وبعض الأنحاء العراقية الأخرى. بيغيلو كانت، حسب مصادر أردنية، في سبيلها للحاق بالعدد الأوفر من التجارب وتصوير فيلمها هذا في المغرب، لكنها عدلت عن ذلك بعد زيارتها للأردن وتعرفها على التسهيلات اللوجستيكية التي وعدت «الهيئة الملكية الأردنية للأفلام» بتقديمها. وبينما خرجت كاثرين سعيدة بالنتائج، وعبرت عن سعادتها تلك بالكلمة التي ألقتها حين تسلمت إحدى أوسكاراتها، انبرى بطل الفيلم جيريمي رنر للتصريح بأن أكثر ما جذبه إلى المكان تلك البيئة الروحية التي غمرته خلال التصوير: «في البداية كان الأذان كل نحو أربع ساعات يستوقفنا متعجّبين كوننا نجهل سببه. لكني من الذين أحبوا هذا النداء فيما بعد حال عرفت كلماته. لقد سطا عليّ. كان ساحرا».

لم يكن «خزنة الألم» الفيلم الغربي الأول الذي تم تصويره في الأردن. لكن من أيام «لورنس العرب» لديفيد لين سنة 1962 الذي صور بالكامل تقريبا فوق التراب الأردني، لم يتم إنجاز إلا أفلام قليلة جدا في المملكة وهذا جزئيا مرده أن المغرب وتونس في المقارنة لديهما صناعتان سينمائيتان محليتان مما يعني أن الخامات الفنية كانت متوفرة طوال العقود الطويلة السابقة وهي التي هيأت الدولتين لتجذبا معظم ما تم تصويره فوق الأراضي العربية من أعمال حتى الآن.

الشرق الأوسط في

19/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)