حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

وفرة الأعمال المتنافسة أبرزت القواسم المشتركة

نظرة مختلفة للأجناس في الأفلام المرشحة لـالأوسكار

محمد رُضا

مساء اليوم، الأحد، سينتهي مسلسل التشويق الذي استمر بضعة أشهر وتوزع جوائز الأوسكار السنوية في دورتها الثانية والثمانين. ترتفع هامات وتنخفض أخرى ويهرع بعض الموجودين الى المنصّة ويبقى البعض الآخر في أماكنه يستقبل خبر فشله علانية، لكنه يصفّق للفائز على أي حال، ان لم يكن من باب القبول بالأمر الواقع فمن باب الدبلوماسية الواجبة.

النظرة الأخيرة قبل اعلان الجوائز تُفيد ما هو معتاد في الدورات السابقة من تفاوت مستويات بعض الأفلام، علماً بأن غالبيّتها هي بالفعل أفضل ما قدّمته “هوليوود” خلال عام. انه أمر طبيعي تعود أسبابه الى دوافع مختلفة تكمن في أكثر من ستة آلاف عضو هم أنفسهم ما ينتمون الى أساليب ومدارس واتجاهات تتصادم صمتاً فيما بينها مبلورة الاتجاه السائد الذي سيحظى بدعم غالبية المقترعين.

مع رفع عدد الأفلام المتسابقة الى عشرة، بدل خمسة، بات من الممكن ايجاد قواسم مشتركة لم تكن متاحة بهذه الوفرة في ما مضى، اتجاهات في التفكير السائد وأساليب التعبير تجمع بين عدد غالب من الأفلام وما تبقّى يجد صداه في أفلام أخرى ولو على صعيد آخر.

هذا القاسم المشترك يكمن في أن معظم الأفلام المرشّحة توفر حكايات ومواضيع تتعامل وعناصر وأجناس بشرية مختلفة آدمية كانت أو غير آدمية.

فيلم جيمس كاميرون “أفاتار” يمكن وضعه في هذا الاطار كونه يتعامل مع عنصر حياة غريب يقع على كوكب آخر. وهو لا يتعامل معه كتعامل جورج لوكاس في سلسلته (الباهتة في المقابل) “ستار وورز” أو “حرب النجوم” مع غربائه وأجناسه، بل بجدّية تحملها رسالة مفادها معاد للتدخل الأمريكي (من دون ذكر الكلمة) في حياة ومصائر الشعوب الأخرى. شعب “أفاتار” يريد أن يعيش فوق أرضه وضمن طبيعته وليست لديه نوايا عدائية تجاه أحد، لكن العنصر الآدمي (الأبيض غالباً) يحاول قلب حياتهم رأساً على عقب واقتلاعهم من أراضيهم والاستيلاء على ثرواتهم. قارن بين هذا التلخيص وبين ما قامت به القوى الكبرى عبر التاريخ من ممارسات على هذا الصعيد، تجد أن الفيلم هو أكثر بكثير من مجرد مؤثرات بصرية أخّاذة.

وحتى ولو رأى الأعضاء المصوّتون أن فيلم جيمس كاميرون يستحق الأوسكار لهذه المؤثرات وحدها فإن الاعتراض لن يكون بحجم فاعل لسببين: الأول أن المؤثرات المستخدمة ليست عابرة كجزء من الفيلم بل هي الفيلم كلّه وتقديره على هذا النحو لن يكون افتعالاً. الثاني، هو أنه يتعامل مع ذلك الموضوع السياسي بقدر ما يتعامل “خزنة الألم”، وهو الفيلم- النقيض الكامل من النواحي الانتاجية الصرفة، مع الموضوع السياسي. “أفاتار” في الخيال و”خزنة الألم” في الواقع.

فيلم كاثرلين بيجلو هو بدوره عن شعب آخر، ولو أن شخصياته هي أمريكية. لو أراد “أفاتار” فتح فصل في حكايته عما كان يقع على الأرض بينما كان الانسان يقود معارك فضاء، فإن “خزنة الألم” مناسب في هذا النطاق: خبراء المتفجّرات الأمريكيون يواصلون فك الألغام وتعريض حياتهم للخطر. الفيلم يرصدهم هم وليس العراقيين، هذا صحيح. لكن البعد الماثل هو أن هذه الحرب في نهاية مطافها فاتورة سياسية يدفع ثمنها الأمريكيون كما الآخرون. كون الفيلم لا يُتيح الحديث عن الجانب العراقي من المأساة ليس أمراً ناتجاً عن اغفال او عدم اكتراث، بل عن مشروع اقتصادي لن يروج تجارياً اذا ما تحدّث عن الآخرين وأهمل الجانب الأمريكي كما قد يطلب البعض منّا.

حديث العناصر والأجناس يتوالى في فيلمين هما أضعف أفلام المسابقة: “بريشوس” و”الجانب الأعمى”.

كلاهما عن شخصيات أفرو-أمريكية. كلاهما ضعيف فنيّاً ويملك مشاكل في السرد والتعبير ما يجعل فوزه بالأوسكار أمراً بعيد الاحتمال.

مثل “أفاتار” يحتوي “الحي 9” عناصر غير آدمية على الانسان أن يتعامل معها وعلى الفيلم صياغة رسالة من هذا التعامل، وفي هذا النطاق يجد المخرج نيل بلوكامب أن هذا التعامل عنصري اليوم، كما كان تعامل النظام السابق في جنوب أفريقيا عنصرياً تجاه الأفريقيين. لا عجب أن أحداث “الحي 9” تدور في جنوب أفريقيا.

حين التطرّق الى “أنذال مغمورون” فان المخرج كوينتين تارانتينو يقدّم صورة غير متداولة عن اليهود. هذه المرّة هم ليسوا جنوداً يحاربون النازيين ولا حتى شرذمة من المقاتلين في سبيل قتل الجنود الألمان انتقاماً للهولوكوست، بل شخصيات عنيفة ودموية تبرر عنفها بما حدث لها من آثام. انها صورة لا تقل ادانة عن ادانة النازية ذاتها. وفي حين أن فيلم الأخوين جوول وايتان كووَن يتحدّث عن العنصر اليهودي وحده تحت عنوان “رجل جاد”، الا أنه ليس حديث دعاية او ترويج لفكرة اليهودي المميّز عن سواه، بل يقدّم شخصيات غارقة في اغترابها ضمن نظرة المخرجين المتعالية المعتادة التي تتبدّى في كل أفلامهما.

حتى فيلم التحريك “فوق” الذي من المستبعد أن يفوز بالأوسكار كونه مرشّحاً أيضاً لأوسكار أفضل فيلم كرتوني وسيفوز هناك، يمكن النظر اليه على أنه يتعامل مع عناصر وأجناس بشرية. بطلاه في نهاية الأمر رجل أبيض وصبي من أصول آسيوية.

 

مخبولون” بلا سبب

مع أن نسخة 1973 من فيلم “المخبولون” لم تكن واحدة من أفضل أفلام ذلك العام، ولا عملاً توقّف عنده الكُثر من هواة سينما الرعب، الا أن حقيقة أن الفيلم كان من أعمال المخرج جورج أ. روميرو الذي طالما أراد استخدام فيلم الرعب كمناسبة للحديث عن الحكومة والمجتمع وانهيار النظم المدنية الغربية، بفعل الفساد السياسي والعسكري، ميّزه عن سواه من أفلام تلك الفترة. في ذلك الفيلم، عمد المخرج المعروف بسلسلة “الأحياء- الموتى” التي تدور حول زومبيز يعيشون على أكل لحوم البشر بعد انهيار العالم الذي نعرفه، الى استخدام خط قصصي بسيط: شاحنة عسكرية محمّلة بالكيماويات تنقلب قرب بلدة في الغرب الأمريكي لينتشر من حمولتها وباء يحوّل البشر الى قتلة من دون سبب ظاهر. روميرو لم يهتم بالسبب لأنه كان يرغب في ادانة العسكر والنظام كذلك صوّر المصابين من دون ماكياج خاص. التحوّلات التي تصيب المرضى نفسية وداخلية ولا تظهر على الجلد كقروح أو تشويهات. ربما هذا كان من بين الأسباب التي لم يشهد الفيلم رواجاً بالاضافة الى أنه جاء أقل انجازاً على الصعيد الفني أيضاً.

بعد تسع وثلاثين سنة، يقوم المخرج برَك آيزنر (“صحراء” مع بينيلوبي كروز) باعادة صنع ذلك الفيلم لسبب مجهول، أو ربما من دون سبب على الاطلاق باستثناء أن “هوليوود” أرادت تحقيق فيلم رعب كلاسيكي آملة في الوصول الى جمهور هذا النوع من الأفلام بعمل يحمل اسم المخرج السابق والذي له أتباع كُثر بين هواة سينما الرعب  ولو كمصدر اقتباس. آيزنر، من ناحيته، لا يحمل ثقلاً جماهيرياً وفي  أفضل حالاته، مخرج يتبع شروط الصياغة الصحيحة للفيلم الذي يحققه لكنه لا يصنعها كاملة وفيلمه الجديد هذا يدل على ذلك بوضوح.

في نسخة آيزنر التي تكلّفت  نحو 12 مليون دولار ويقوم ببطولتها كل من تيموثي أوليفانت ورادا ميتشل، نتابع شريف بلدة صغيرة في ولاية ايوا وزوجته الحامل التي تعمل طبيبة في المستشفى الوحيد في تلك البلدة. ظواهر عارضة تبدأ بالوقوع يجمع بينها رغبة أشخاص بقتل آخرين من دون مبرر على الاطلاق. في البداية، يتقدّم رجل يحمل بندقية من الفريق الرياضي المحلّي. يحاول الشريف اقناعه بالتخلي عن سلاحه، لكن حين يستعد الرجل لإطلاق النار يتصرّف الشريف سريعاً ويقتله. الى هنا، والمسألة تبدو فعلاً منفرداً لا يتكرر، لكن سريعاً من بعد تقع جرائم أخرى من هذا النوع وبعضها فيه تمثيل بالجثث قبل أن يكتشف الشرطي وزوجته ومساعده الشاب أن السبب في هذه التصرّفات الغريبة، هو انتشار فيروس كانت تحمله طائرة عسكرية هوت في الماء التي يشرب منها أهل البلدة. فجأة تحط القوّات العسكرية النظامية المكممة وتأخذ باختبار الناس لمعرفة ما اذا كان الاشعاع النووي المصاحب أصابهم، هذا قبل أن يبدأوا بقصف البلدة والبلدات المصابة الأخرى بالقذائف بغية تدميرها وقتل كل من يعتقد أنه مصاب.

القصّة هي أكثر اثارة هنا مما كانت في الفيلم السابق والشخصيات المصابة تتشوّه وهناك مواقف تشويقية منفّذة جيّداً ولو بحدود متعارف عليها، لكن ما يغيب عن الفيلم دائماً هو السبب. صحيح أن طائرة عسكرية سقطت والجراثيم انتشرت، لكن لماذا يُصاب بها البعض دون البعض الآخر؟ والأهم، ما الذي يحاول الفيلم طرحه؟

طبعاً بمجرد إقحام العسكر يُصبح الهدف اعتبار المؤسسة مذنبة، لكن في حين أن هذه النظرة تبعت منهجاً سياسياً في الفيلم السابق، نراها هنا تحصيلاً حاصلاً فارغاً من المضمون الأوسع والعسكر في النهاية انما يقومون بواجبهم بحماية الأصحّاء.

في مرحلة لاحقة من الفيلم تتمحور القصّة حول أبطاله الثلاثة، لكن في حين أن الشريف وزوجته لا زالا متمتّعين بالصحة الكافية، الا أن مساعده أخذ يعاني من شهوة القتل التي هي دليل اصابته. ما يحدث في هذا الاطار يفشل في أن يكون مهمّاً. على عكس “الطريق” أو “كتاب ايلاي”  أو “غزاة ناهشو الجسد”، فان العمل لا يجسّد مستقبلاً مثيراً للقلق. يبقى ضمن معطيات الفيلم الذي له حل شبه سعيد في النهاية. فيلم بلا سبب حول مخبولين بلا سبب أيضاً.

 

علامات

بدرو ألمادوار

أحدهم مازح بفكرة أن المخرج الإسباني يحمل اسماً عربياً هو بدر المدوّر وأضاف “من يدري، ربما كان أصله عربياً، فهو إسباني”،لكن الى جانب أن كلمتي “بدر المدوّر” تعنيان القمر في اكتماله أيضاً من دون أن يعني أن القمر عربي أو غير عربي، فإن المسألة الأساسية هي أن المخرج الإسباني المعروف انما ينجز أفلاماً تحمل هويّته وثقافته الإسبانيّتين.

ولد قبل ستين سنة واشتغل في شبابه في أعمال لا علاقة لها بالأفلام اذ كان عاملا في شركة هواتف لحين، وكاتباً لمجلات محظورة في زمن الجنرال فرانكو. في عام 1974 حقق فيلماً بكاميرا “سوبر 8” حمل طابعه التغريبي عن المجتمع. أفلامه طيلة ذلك العقد ولسنوات عدّة قادمة هي ممارسات في احداث الصدمة سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً. كونه مثلي التوجّه اعتبر السينما التي يريد تحقيقها كناية عن تعبير حر عنه هو، لكن من ضمن ما تعبّر ضدّه هو التزمّت والكنيسة الكاثوليكية وحكم الجنرال فرانكو. لاحقاً، في منتصف التسعينات وما بعد، بدأت أفلامه بالاندراج والانضباط تحت وجهة أكثر تحكّماً. لغته أصبحت أقل وبهرجة وأكثر نضجاً مستعيناً بذخيرة من الأفلام الأوروبية والأمريكية التي أثّرت فيها خصوصاً تلك الأفلام المعروفة ب “الفيلم نوار” ولسبب جلي: ألمادوار كان دائماً ما تجذبه الممثلات القويّات في الأفلام التي تتحدّث عن المرأة القاضية بسحرها وجاذبيّتها. كان يرى نفسه تلك المرأة من دون مكوّناتها فيحاول اقتباسها أو إعادة تكوينها في أفلامه. أما عنصر الجريمة في الأفلام التشويقية والبوليسية السوداء فلم يكن طاغياً الا كخط سير لشخصياته اذا ما تطلّب الأمر. بكلمات أخرى، اقتبس المخرج من تلك السينما، كما تؤكد أفلامه الأخيرة “كل شيء عن أمي” و”تعليم سيئ” و”فولفر” وفيلمه الأخير “وعناقات محطّمة”، الحكايات الأنثوية. حكايات ربّات البيوت بأجواء تلفزيونية كما “السوب أوبرا” حيث الحديث هو عن العلاقات العاطفية ومن فعل ماذا مع من.

استلهام هذه الأجواء لا يعني انه اكتفى بنقلها. في الأساس هو مخرج نسائي الحاشية. يحب المرأة كإلهام ويعتبر أن ممثلاته المفضلات الثلاث فكتوريا أبريل، وكارمن مورا وبينيلوبي كروز ملهماته. وفي الوقت الذي ابتعد فيه عن أفلام الصدمة لأجل الصدمة، استكمل مساره في تقديم حكايات يريدها اعلان موقف منه حول العلاقة بين الرجل والمرأة والرجل أو المرأة مع الرجل أيضاً.

ضعف في معظم أفلامه، اذا ما نظرنا اليها من دون تحبيذ غربي يؤيده كظاهرة كما من زاوية تأييده النتاجات الفنية والثقافية التي يقوم بها مثليون، يكمن في العناصر ذاتها التي يعتبرها البعض مصدر قوّته. نظرته التي لا تعترف بالتقليد والعرف تنضوي على امتهان للعلاقات السوية. مثل كثير من المخرجين أمثاله، فإن العلاقة الزوجية، اذا وُجدت، ليست سليمة ولا يمكن الاستمرار فيها الى ما لا نهاية.

لجانب ذلك، فإن دراسة أفلام ألمادوار تكشف سريعاً عن أعمال محدودة في آفاقها الفنية . بصرف النظر عما يتناوله، فإن كيفية هذا التناول لا تنجز له المكانة التي تجيز اعتبار أفلامه مساوية لأفلام كبار السينمائيين حول العالم. ليس لأنها ليست فنية لكنها ليست فنيّة مبهرة، بل ترتفع حسناتها وتهبط حسب قدراته على التحكّم بعواطفه المتدخّلة في صياغة أفكاره.

م.ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

07/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)