حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الأفلام العربية في مهرجان كليرمون - فيران

صلاح سرميني/ كليرمون ـ فيران (فرنسا)

يمتلكُ أيّ مهرجانٍ سينمائيّ حقاً مُطلقاً في اختياراته، منهجيّتها، طبيعتها، وأسبابها التقنية، الفنية، الاجتماعية، السياسية، والفكرية،...

وهذا الحقّ بالذاتّ، يمنح المهرجانات تفرّدها، خصوصيتها، وثرائها، كما يقدم للمخرجين فرصاً إضافية لاختيار أفلامهم وُفق المعايير، والمُواصفات التي يُحددها كلّ مهرجانٍ على حدة.

وهكذا، فإنّ الفيلم الذي لم ينل استحقاق المُشاركة في مسابقة هذا المهرجان، سوف يجد آخر يُناسب الخطة التحريرية لمُنظمّيه، وأذواق أعضاء لجنة الاختيار.

ولهذه الأسباب، يلاحظ المُتابع للمهرجانات الأوروبية عدم تكرار الأفلام فيما بينها، وبالمُقابل، لن تُصيبه حالة من الملل، وخيبة الأمل لأنه شاهد معظمها في مناسباتٍ سابقة (كما يحدث عادةً في المهرجانات السينمائية العربية التي تتنافس على أفلامٍ عربية قليلة جداً).

عادةً، يقترحُ أيّ مهرجانٍ اختياراتٍ مُنتقاة من كميةٍ أفلامٍ يختلف عددها من واحدٍ إلى آخر وُفق حجمه، وأهميته (بلغ عدد الأفلام المُرشحة للمُسابقات الثلاثة لمهرجان كليرمون ـ فيران حوالي 6500 فيلماً).

وبعدها، يأتي دور لجان التحكيم، فتمنح جوائزها لبعض الأفلام التي ارتأت بأنها الأفضل، علماً، بأنّ الأفلام الفائزة نفسها ـ رُبما ـ لن تُثير اهتمام أحد عندما تشترك في مهرجانٍ آخر.

بديهيّ، بأنّ الإبداع السينمائيّ لا تحكمه قوانين رياضية، أو فيزيائية، أرقاماً، أو معادلات، الأذواق البشرية المُتنوّعة وحدها التي تستشعرُ المُستوى النوعيّ لفيلمٍ ما، ولكن، مجموعاتٍ احترافية صغيرة هي التي تُقرر مشاركة هذا الفيلم، أو ذاك في مسابقة مهرجانٍ، أو حتى حصوله على جائزة، وبالتالي، تُحدد مصير الفيلم، والمسيرة المهنية لمخرجه .

نظرياً، وعلى عكس السياسة، تمنحنا الأفلام السينمائية حرية إبداء الرأيّ بدون خوفٍ من عواقب مُحتملة، وتجعلنا نتمتع بديمقراطية التذوّق ـ إن صحّ التعبير ـ، حيث لا يستطيع أيّ مخرج سينمائيّ، مهما كانت عبقريته، أن يفرض علينا الإعجاب بفيلمه، والثناء عليه، إلاّ إذا كنا مُقتنعين حقاً بجودته، وأهميته.

ومع ذلك، وبعد كلّ مهرجانٍ نُتابع فعالياته، ونشاهد أفلامه، تفلتُ منّا التساؤلاتٍ، وعلامات الاستفهامٍ، والتعجب، وتتراوح ما بين الرضا، والاستياء الكليّ، أو الجزئيّ من اختياراته، ونتائج لجان تحكيمه، مشاعر، سلوكياتٍ، وردود أفعالٍ إنسانية يصعب التحكم فيها بسهولة، قولبتها، أو تقنينها.

إنها قوانين المهرجانات التي يتوّجب علينا قبولها، راضين، أو مُرغمين، بغضّ النظر عن مستوى أعضاء لجان التحكيم، مؤهلاتهم، إمكانياتهم، مصداقيتهم، إخلاصهم، أو محاباتهم.

في الحقيقة، وبالنسبة لي على الأقلّ، لا يوجد فيلمٌ جيدٌ، وآخر سيئ بشكلٍ مُطلق، إنها مسألة نسبية تتفاوت من متفرجٍ إلى آخر.

والأفلام العربية المُشاركة في المُسابقة الدولية للدورة الثانية، والثلاثين للمهرجان الدوليّ للأفلام القصيرة التي انعقدت فعالياتها في كليرمون ـ فيران(فرنسا) خلال الفترة من 29 يناير وحتى 6 فبراير 2010، جعلت هذه التساؤلات تطفو على السطح من جانب الصحفيين، والنقاد العرب القلائل الذين تواجدوا في المهرجان (وليس المخرجين المُبتهجين عادةً باختيار أفلامهم في أهمّ مهرجانٍ للأفلام القصيرة في العالم، "كان" الفيلم القصير كما يُقال عنه).

تضمّنت المُسابقة الدولية (79) فيلماً، منها (7) لمُخرجين عرب:

* القندرجي ـ عهد كامل ـ الولايات المُتحدة/المملكة العربية السعودية.

* أهلية بمحلية ـ جورج طربية ـ لبنان.

* فتاح ـ عبد النور زياني ـ فرنسا/الجزائر.

* الحبّ في زمن الكولة ـ إبراهيم عبلة ـ مصر.

* رغبة لفترة قصيرة ـ محاسن الحشادي ـ المغرب.

* رؤوس دجاج ـ بسام علي جرباوي ـ فلسطين/الولايات المُتحدة.

* الثلج يخفي ظلال أشجار التين ـ سمير نجاري ـ مقاطعة كيبك/كندا.

ويتضح من هذه الاختيارات المُلاحظات التالية:

تواجدت أفلامٌ من السعودية، لبنان، الجزائر، مصر، المغرب، وفلسطين(مُشاركة عددية معقولة جداً) من خلال الجنسيات الأصلية لمُخرجيها بغضّ النظر عن مكان إقامتهم، والإنتاج الأجنبيّ الخالص لبعضها، كما حصلت أخرى على جنسية بلد الإقامة بدون أن تكون جهة إنتاجية رسمية/قانونية.

بينما يُمثل "سمير نجاري"(بدون الإشارة إلى جنسيته السورية) مقاطعة كيبك الكندية بفيلمه (الثلج يخفي ظلال أشجار التين)، وهو بالمُناسبة أفضل الأفلام المُنجزة من قبل مخرجين عرب، والمُشاركة في المُسابقة الدولية .

من المُفيد الإشارة أيضاَ، بأنها الأفلام الأولى لمُخرجيها، ماعدا "سمير نجاري" الذي أنجز أربعة أفلام قصيرة خلال إقامته السابقة في فرنسا، والحالية في مقاطعة كيبك الكندية.

ولكن، الأكثر دلالة، وإثارة للتساؤلات عن السينما العربية، لم يحصل أي واحدٍ من تلك الأفلام على جائزة، تنويه، أو إشارة على الرغم من الجوائز الكثيرة التي يقدمها المهرجان، والمُؤسّسات الداعمة.

لماذا فضلت لجنة الاختيار إذاً فيلم "القندرجي" للسعودية "عهد كامل" عن الفيلم الأكثر جرأة "شروق/غروب" للسعوديّ "محمد الظاهري" الذي حصل مؤخراً على جائزة "الإتحاد الدولي للصحافة السينمائية/الفيبريسي" في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي السينمائي الدوليّ عام 2009 ؟

هل أصيب أعضاء لجنة الاختيار بالدهشة، وهم يشاهدون لأول مرةٍ في حياتهم ـ رُبما ـ فيلماً لمُخرجةٍ سعودية ؟

ولماذا استبعدت نفس اللجنة فيلم "سامية" الذي تقدّم به السوريّ "عمار البيك" للمُسابقة ؟

علماُ، بأنّ الأفلام السورية القصيرة نادرة المُشاركة في مهرجان كليرمون ـ فيران.

عملياً، لا أعرف فيما إذا كانت الأفلام التي تمّ اختيارها هي الأفضل من كلّ الأفلام التي تقدمت للمُسابقة الدولية، ولكنها، على أيّ حال، ماعدا (الثلج يخفي ظلال أشجار التين، وهو من إنتاجٍ كنديّ خالص) لا تُمثل نخبة الأفلام العربية التسجيلية، والقصيرة المُنتجة خلال عاميّ 2008/2009 (حيث يعود إنتاج  "الحبّ في زمن الكولة" لإبراهيم عبلة، و"فتاح" لعبد النور زياني إلى عام 2008) .

وعلى الرغم من الجوانب الإيجابية التي نعثر عليها في جميع الأفلام العربية المُشاركة، لا يمكن مقارنتها مع المُستويات الإبداعية التي تجسّدت في الاختيارات القادمة من جميع أنحاء العالم، ويمكن الإشارة، بدون تردد، إلى مستواها العاديّ الذي لا يترك أثراً كبيراً بعد مشاهدتها، ورُبما لن تجد مكاناً لها في مسابقاتٍ مخصصة للسينما العربية.

ولأنني أعرف فريق العمل منذ زمنٍ طويل، وأمتلك قناعة حقيقية بإخلاصهم، وأؤكد على خبرتهم الجادة، والجدية بالأفلام القصيرة، وأستشعر دائماً توجهاتهم الفكرية، والسينمائية، وأدرك حرصهم الدائم على إشراك الأفلام العربية في المهرجان، ...سوف أستبعد تماماً سوء النية نحوهم، وأتفادى التفكير بتعمّد اختياراتهم لأفلامٍ عربية قصيرة عادية بهدف منح الانطباع للجمهور المُتابع بالمُستوى المُتواضع للإبداع السينمائيّ القادم من بلادنا العربية بالتحديد (باستثناء الأفلام الأجنبية الإنتاج المُنجزة من قبل مخرجين عرب يعيشون في بلدان الهجرة)، والذي يؤدي إلى إقصاء هذه الأفلام تلقائياً من حصة الجوائز.

ومع استبعادي نظرية المُؤامرة على السينما العربية، ومحاربة الصهيونية العالمية لها،  وكلّ الحجج، والذرائع الجاهزة، والمُستحدثة، أعتقد بأنّ الإبداع السينمائيّ العربيّ نفسه في حالة عقم، وبالتوازي، أؤكد بأنّ هذا الحكم الصارم ليس تعميماً شاملاً.

الجزيرة الوثائقية في

15/02/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)