حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

3 أعمال الأكثر إثارة للاهتمام الإعلامي والسياسي

أفلام الحرب في مرمى نيران المحافظين الجدد

محمد رُضا

بات واضحاً أن الفيلمين الأكثر إثارة للاهتمام بين السينمائيين والإعلاميين في موسم الجوائز هذا هما فيلما كاثلين بيجلو “خزنة الألم” وجيمس كاميرون “أفاتار” . وعلى بعد قليل منهما يقف فيلم ثالث عنوانه “أولاد زنى مغمورون” للمخرج كونتِن تارانتينو . والواضح أن هناك أكثر من عامل مشترك بين الأفلام الثلاثة. إنها أعمال ممتازة ومتميّزة في آن معاً، ولكل رسالته الخاصّة التي تلتقي والرسالة الأخرى في محور مهم: الأفلام الثلاثة تتناول العنف الماثل في الحياة العسكرية وتصل في النهاية إلى رسالة مفادها انتقاد الحرب والتساؤل عمن يكتب التاريخ وكيف؟

بالنسبة لفيلم كاثلين بيجلو، فإن الموضوع الحرب العراقية، والزاوية التي تطل منها على تلك الحرب لا تشبه الزوايا التي قدّمتها السينما الأمريكية في نظرتها أو معالجتها للموضوع . ففي حين ذهبت معظم تلك الأفلام إما للحديث عن السياسة الخارجية الأمريكية التي أدّت إلى الحرب (كما الحال في “أسود كحملان”) أو للحديث عن الجنود الأمريكيين حال عودتهم من تلك الحرب (الساعي) فإن هذا الفيلم، من بين القلّة التي تحدّثت عن الأمريكيين خلال الحرب وفي ميدان القتال . مثله في ذلك مثل فيلم سابق للمخرج برايان دي بالما أنجزه سنة 2008 بعنوان “مُنقّح” . مثل فيلم دي بالما أيضاً، هو فيلم مُعالج بكاميرا رقمية لينقل حسّا تسجلياً عن الوضع الراهن، وكلاهما سقط في الميزان التجاري، كما غالبية الأفلام الأمريكية التي تناولت الوضع العراقي الراهن لكنهما يختلفان في أن فيلم دي بالما يتحدّث عن تأثير الاحتلال في العراقيين (المدنيين قبل غيرهم) بينما يتحدّث فيلم بيجلو عن تأثيره في الجنود الأمريكيين أنفسهم . عند نقطة معيّنة كلاهما يتّفقان على معاداة تلك الحرب وما تسببه لكلا الفريقين .

من ناحيته، فإن “أفاتار”، هو النقيض الكامل في كل شيء يجسّده “خزنة الألم” باستثناء أن رسالته أيضاً معادية للتدخل العسكري . في استعراضه المفحم والمضخّم لحكاية خيالية تقع على سطح كوكب بعيد في زمن آخر . الزمن ربما تغيّر، لكن العقلية التي يمارسها الإنسان والتي من خلالها يقتحم معاقل وأوطان الشعوب الأخرى لاستثمار واستعمار خيراتها ما زالت كما هي . ومع أن الفيلم لا يذكر أن الموقع العسكري المتقدّم على كوكب “باندورا” أمريكي، لكن القلّة من المشاهدين التي تدرك هذه الحقيقة أو تتعامل معها، بينما الغالبية لا تنظر إلى ذلك الإنسان الأبيض الا على أساس أنه أمريكي، وهي نظرة تؤيدها المفادات القريبة التي ينضح بها الفيلم .

العمل يتحدّث عن شعب يعيش في تناغم روحي وبثقافة خاصّة واستعداد فطري لمواجهة العدو، وعن مرتزقة بملابس عسكرية (وبلكنة أمريكية كاملة) تحاول قلع هذا الشعب من مكانه للاستيلاء على ثروته المطمورة . “أفاتار” بذلك، وبشكل محدد وسريع ينتقل من كيف اقتلع الإنسان الأبيض الهنود الحمر من أرضه واستعمرها وسلب ما وجده تحتها، إلى كيف وتحت أي مسمّيات احتل العراق ولأي غايات اقتصادية أيضاً .

بالنسبة لفيلم كونِتن تارانتينو فإن المخرج، الذي لم يكترث في حياته بتسجيل موقف سياسي، يدلف إلى السياسة من حيث لا يخطط: فيلمه “أولاد زنى مغمورون” يُعيد صياغة موضوعي الهولوكوست والنازية في قالب خيالي تدرك من بدايته أنه لم يحدث على هذا النحو، لكنك لا تملك الا القبول به، لأن المخرج لا يدّعي أنه حدث على النحو المعروض على الشاشة . بالنسبة إليه فإن الهولوكوست ليست عبارة عن ضحايا يهود، بل هي أفرزت أيضاً جلادين يهوداً . والنازية ليست، في المقابل، عبارة عن جلادين ألمان بل عن ضحايا للفرقاء مجتمعين (يهود، وفرنسيين، وبريطانيين وألمان) أيضاً . هذا ما أثار العديد من المعلّقين اليهود في الإعلام الغربي، وفي أمريكا على وجه التحديد، فلقد تعوّدوا، كما الجمهور، على أفلام لا يلعب فيها اليهود سوى دور الضحية التي لا ذنب لها، بينما يقدّم لهم تارانتينو، بحماسة، مجموعة من اليهود الذين دربوا لا على القتل فقط، بل على التمثيل بجثث ضحاياهم أيضاً .

محكمة اليمين الأمريكي المحافظ ما زالت منعقدة بالنسبة لفيلم كاثلين بيجلو، ذلك لأنه لم يحظ بذات الكم من الانتقاد الساخن الذي ووجه به فيلم جيمس كاميرون أو فيلم كونتِن تارانتينو، الذي وصل إلى حد اتهام المخرجين بأنهما ليسا فقط من اليسار الأمريكي بل شيوعيين يوظّفان السينما لأغراض ايديولوجية معادية لأمريكا . ذات النغمة التي أدّت في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي إلى هجمة اليمين على “هوليوود” وتكبيل الأيادي والأفواه لسنوات طويلة .

 

"كتاب إيلاي" رسالة إنسانية مع كوفية فلسطينية

في المشهد النهائي لفيلم “كتاب ايلاي” تقترب يد تحمل الإنجيل من رف كتب مصفوفة لتضع الكتاب عليه . إذا نظرت إلى يسار الشاشة، ستجد نسخة عربية من القرآن الكريم موضوعة بعناية فوق الكتب المصفوفة ذاتها . تتابع العين حركة الكاميرا المنصبّة على حركة اليد التي تحمل الإنجيل والمتقدّمة صوب رف المكتبة وترقب المكان الذي اختارته تلك اليد (ومن ورائها الإخراج) فإذا به وسط كتابين: القرآن الكريم إلى اليمين، والتلمود إلى اليسار . الإنجيل يوضع بينهما وينتهي الفيلم على الكتب الثلاثة تقف جنباً إلى جنب .

ومع هذه الرسالة الإنسانية العميقة ينتهي الفيلم الذي أخرجه الأخوان هيوز والذي، مثل أفلام أخرى ظهرت في الأعوام القليلة الماضية، يدور فوق كوكب الأرض بعد تدمير الحياة الحالية بالكامل . انهارت الحضارة المدنية والصناعية وكل أشكالها وبناءاتها الإنسانية، وتحوّل البشر الذين بقوا على قيد الحياة إلى مجتمعات صغيرة منقادة نحو المزيد من تدمير الذات . آخر هذه الأفلام كان “الطريق” لجون هيلكوت عن رواية كورماك مكارثي الذي يلتقي وهذا الفيلم في أن العالم فقد شمسه وماءه ونقاءه وتحوّلت سماؤه إلى رماد وأشجاره إلى ألواح عارية . كما يلتقي مع هذا الفيلم في أنه منطلق في رحلة . في “الطريق” هي رحلة لشخصين، رجل وابنه، في “كتاب إيلاي” هي رحلة لشخص واحد . اختلاف آخر ليس لصالح “الطريق” هو أن الغاية من الرحلة فيه غير واضحة، باستثناء السعي للبقاء على قيد الحياة، أما في الفيلم الجديد فهي رحلة لإيصال رسالة إلى بقعة مدنية وحيدة لا تزال تتنفّس قدراً من العلاقة الإنسانية وأسبابها . هذه البقعة (على أشلاء سان فرانسيسكو) هي التي سينتهي اليها الفيلم .

في جانب من جوانبه، فإن “كتاب إيلاي” هو فيلم “أكشن” على قارعة الطريق . يبدأ ببطله إيلاي (دنزل واشنطن)، يمشي (من ثلاثين سنة) ملتحفاً بالكوفية الفلسطينية (ومغزاها واضح) في طريقه من شرقي أمريكا إلى غربها عازماً الوصول إلى نقطة نهائية يسلّم عندها الكتاب الذي يحمله والذي سيحدد تعاليم يستطيع الإنسان، إذا ما اعتمدها، إعادة تعمير الحياة على أسس سليمة . من هذه الناحية، دنزل واشنطن، في دور البطولة، يحمل الإنجيل ويدافع عنه ضد قطّاع طرق وعصابات وآكلي لحوم بشر، لكن الفيلم ليس رعباً ولا توجد فيه مشاهد لأكل لحوم البشر (كما هو الحال أيضاً في “الطريق”)، بل إنه يحمل حتى مشاهد “الأكشن” التي فيه على نحو متمهّل ومحسوب . لا يضيف إليها المؤثرات الكبيرة ولا يحمّلها بالموسيقا والمؤثرات الصوتية المضجّة، بل يضعها في إطار لا يبتعد عن الموازاة الطبيعية مع الفترة التي تقع فيها الأحداث . بكلمات أخرى، لو أن السينما عاشت لتصوّر هذا الفيلم في حياة ما بعد موت الأرض، كما يفعل هذا الفيلم، لكانت ستطرح أفلاماً على هذا النحو القشيب بافتراض أن الاستديوهات الكبيرة دُمّرت أيضاً بفعل الكارثة التي أطاحت بمعظم أشكال الحياة .

حين يصل إيلاي الى بلدة صغيرة، يصطدم بزعيم لها يبحث عن الكتاب ذاته لكي يبني عليه إمبراطوريّته . إنه يريد أن يعرف الوسيلة، ليس اقتداء بالروحانيات والتعاليم الإنسانية بل لاستعارة المنهج التي أمكن للحياة الماضية أن تنشأ عليه . سريعاً ما يجد ايلاي نفسه ضد عصابة ذلك الزعيم تساعده فتاة (ميلا كونيس) التي تواصل حمل رسالته في ما بعد .

المشهد الأخير المشار إليه في مطلع هذا النقد رسالة تدعو للتواصل بين الأديان السماوية الثلاثة . ووضع الأخوان هيوز أيديهما على الرسالة المثلى في هذا العالم العنيف الذي نعيشه ودعياً إلى التآخي في الوقت الذي ينضم فيه عملهما هذا إلى سلسلة عريضة من الأفلام الحديثة التي أدركت أن الخيال العلمي والمستقبلي نسيجان جاهزان لتقديم مضامين وأبعاد بالغة الجدّية .

 

علامات

"سندانس" والإماراتيون

في الأسبوع الماضي انتقل إلى مهرجان “سندانس” للسينما المستقلة المقام حتى غد، وفد مؤلّف من عيسى المزروعي، رئيس المهام الخاصّة في وكالة أبوظبي السينمائية، وديفيد شبرد، رئيس الوكالة، وأربعة مخرجين إماراتيين وذلك تبعاً لاتفاق تعاون قائم بين الوكالة، وهي منبثقة عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث برئاسة محمد خلف المزروعي، وبين المهرجان . في الأساس الوكالة هي أحد رعاة مهرجان “سندانس”، وهذا بحد ذاته منفذ مهم للتعاون بين المؤسسات السينمائية العربية وبين أي مهرجان دولي مثل سندانس المتخصص بالسينمات الشابّة والمستقلة وذات النفحة المنعشة بين نتاجات المواهب الجديدة .

المخرجون الأربعة الذين انتقلوا إلى المهرجان البارد في كل شيء، باستثناء أفلامه، هم نواف الجناحي، وهو مخرج متقدّم في عمله أنجز بنجاح فيلمين “مرايا الصمت” والجيد “الدائرة”، وعلي مصطفى، المخرج الذي قدّم في مهرجان دبي في دورته الماضية باكورة أعماله الروائية الطويلة وهو “دار الحي”، وحنان المهيري التي أخرجت فيلماً وثائقياً عنوانه “حقّنا أن نمتطي الخيول” (العنوان مترجم عن الإنجليزية)، وماجد الأنصاري الذي له فيلم قصير بعنوان “ألوان” .

الخطوة رائعة على أكثر من صعيد وهنيئاً لمنظّميها . من ناحية أن المواهب العربية الشابّة عادة ما ترى الأفلام الأجنبية، إما على أسطوانات مقرصنة، أو منزّلة من على الكمبيوتر أو في بعض المهرجانات التي يُتاح لها أن تحضرها . هذا لا يعني أن كل مخرجينا العرب الشبّان أو حتى القدامى ينكبّون على مشاهدة الأفلام إذا ما حضروا مهرجانا عربياً- دولياً، بل وللأسف، كثيرون منهم يختارون من بين مئات ما هو معروض حفنة قد لا تزيد عن فيلمين أو ثلاثة وتكتفي بها .

الآن هذه المواهب، وغيرها في المستقبل، يتاح لها أن تشترك في أحد أهم المهرجانات في العالم فترى، لا فيلما أو فيلمين أو حتى عشرة، بل كل ما تستطيع حضوره، فهي أساساً جاءت لهذه الغاية  .

إلى جانب هذه الحقيقة، فإن ما يجعل هذه الخطوة ممتازة، هو أن الاشتراك ليس في مهرجان عام وشامل يعرض كل الأنواع، بل مهرجان متخصص وتخصصه هو ذات تخصص السينمائيين الإماراتيين ولو بالشكل العريض: الفيلم المستقل وذي المساحة التجارية المحدودة . السينمائي العربي الذي يحضر “سندانس” يجد نفسه أمام برنامج مزدحم في مدينة صغيرة ليس فيها أي شيء آخر سوى الثلج والأفلام وبين أن يقضي الوقت يلعب بكرات الثلج وبين أن يشاهد الأفلام ويستفيد من هذا الاحتكاك الفريد، فهو بالتأكيد سيقبل على الأفلام وستراه منتقلاً بين تجربة وأخرى تماماً كأي ناقد سينمائي جاد يحط رحاله في هذا المهرجان أو سواه . 

ومن ناحية ثالثة، فإن الاحتكاك وتبادل التجارب نظرياً وعلى طاولة النقاشات الفردية أو العامّة، وعرض الأفلام ومشاهدة عروض السينمائيين الآخرين يخلق لدى السينمائي الإماراتي (العربي إياً كان) معايشة كاملة وتضعه في الجو الذي لا يمكن الاستغناء عنه للتقدّم والتزوّد بالمعرفة من منبعها .

المرء يتمنّى لو أن برامج من هذا النوع منتشرة بين مهرجانات عربية وأجنبية أخرى . ما الذي يمنع مهرجان مراكش أن يعقد اتفاقاً مماثلاً مع مهرجان أوبرهاوزن للسينما القصيرة والوثائقية، أو مهرجان “كان”؟ ما الذي يمنع مهرجان القاهرة من أن يختار من بين طلاب المعهد السينمائي مجموعة مختلفة كل سنة يبعث بها إلى مهرجانات تورنتو أو فنيسيا أو نانت أو سواها؟ لا شيء سوى التنظيم والمال . والأول يؤدي إلى الثاني وليس العكس .

م .ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

31/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)