حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

على هامش "الموعد الثاني عشر مع السينما الفرنسية"

فنسان يحب اللبنانيين وفريديريك ينزلق على الجليد

هوفيك حبشيان/ باريس...

انتهت مساء الاثنين الفائت الدورة الثانية عشرة لسلسلة اللقاءات التي تعقد في باريس مطلع كل عام بين صحافيين أجانب وصنّاع السينما الفرنسية. طوال اربعة أيام شهدت أروقة "الفندق الكبير" في منطقة الأوبرا، الذي يؤوي هذا الحدث من تنظيم "أونيفرانس"، زحمة من الممثلين والمخرجين والمنتجين والموزعين والنقاد، وايضاً وخصوصاً صحافيين من ايطاليا وكندا وانكلترا وسويسرا والنمسا، ولبنان، المتمثل في "النهار"، الصحيفة العربية الوحيدة التي تمت دعوتها لتغطية هذا الحدث.

نحن أمام لقاء سينمائي هادف، فرنكو - فرنسي الطابع، يتيح للصحافة معرفة من هم الذين يقفون خلف صناعة سينمائية يقال عنها انها الوحيدة تتصدى، في عقر دارها، الى الغزو السينمائي الأميركي، مشاكِسةً النموذج الاوحد للإنسان المتناقل من خلال تلك السينما الواسعة الانتشار. هذا الحدث جعلنا ندرك هذه السنة ان 2009 لم يكن عاماً عظيماً للسينما الفرنسية، إن من حيث النوعية او الايرادات. وجود افلام كبيرة مثل "نبيّ" لأوديار أو "الأعشاب المجنونة" لرينه أو "في الأصل" لجيانولي، أو "فتاة قطار الـ RER" لتيشينه أو "هاديفيك" لدومون، لم يستطع رفع المستوى العام الذي بدا أكثر ميلاً الى ما هو عادي. أما في ما يخص الايرادات، فعدم تكرر ظاهرة "أهلاً عند شعب الشْتي" لداني بوم الذي تجاوزت ايراداته الـ20 مليون مشاهد في فرنسا، جعل عائدات السينما الفرنسية تتراجع قليلاً.

تبدأ اللقاءات بين السينمائيين والصحافيين في الساعة العاشرة صباحاً لتنتهي في السابعة مساء. "أونيفرانس" تأخذ على عاتقها الترويج للسينما الفرنسية، وتفضل ألا يُجري الصحافي الذي تستضيفه مقابلات الا مع اصحاب الأفلام التي ستُعرض في البلاد التي يأتي منها هذا الصحافي، فقط لا غير، وذلك حفاظاً على مصلحة الترويج لها واستقطاب المشاهدين، علماً ان هناك دائماً استثناءات وقفزاً فوق أسوار القواعد العامة المعمول بها في هذه الشركة التي احتفلت هذه السنة بعيد مولدها الستين. لكن، يجب اقناع المسؤولين احياناً انه يفترض الأخذ في الاعتبار أن في بلد مثل لبنان حيث لا موزعين يهتمون بأفلام غير أميركية، ينبغي أحياناً انتظار أكثر من عام ليؤتى بفيلم فرنسي ما، كان حقق نجاحات جماهيرية ساحقة في فرنسا وسواها من البلدان الأجنبية.

وعليه، ثمة عروض ايضاً للأفلام المقترحة تجري في صالتي "غومون" القريبتين من الفندق. هناك ايضاً خدمة الـ"دي في دي". لكن الأهم من هذا كله، أن المقابلات تجري في ظروف تحترم خصوصيات المهنة، اذ يُمنَح لكل حوار 20 دقيقة حداً أدنى، خلافاً لمدة الحوارات في المهرجانات الدولية (لا سيما ما يسمّى جانكيت)، التي لا يتعدى البعض منها كونها "مرحباً، الى اللقاء"، بين الفنان والطرف المحاور. نتيجة هذه الساعات الطويلة من الحكي، شاهدنا بعض السينمائيين في ساعات متأخرة من النهار، يشكون التعب الشديد الذي اصابهم، نتيجة الاجابات المتكررة عن أسئلة هي بدورها كانت متكررة. للسبب نفسه، ما كان من الممكن محادثة الممثل الفرنسي فنسان لاندون، الذي قدّم أداء طيباً في "أهلاً" لفيليب ليوريه، لولا معرفته بأنني قادم من مكان عرف منه اشخاصاً "أوادم"، كما قال، قبل أن يمضي في مديح مستفيض لبلاد "لا يزال يخرج منها أناس مميزون على رغم كل ما اصابها".
خلافاً لما قيل عن تقليل الموازنات المتخصصة في فرنسا للقطاع الثقافي، لم تكن الامكانات المطروحة لإنجاح هذا الحدث قليلة، بدءاً من النشاطات الموازية وصولاً الى نوعية استقبال الضيوف في فندق "سكريب"، وهو المكان الذي عرض فيه الأخوان لوميير أول فيلم في التاريخ عام 1895. أما اللقاء الديبلوماسي الذي سرعان ما أخذ بُعداً طريفاً، فكان في وزارة الثقافة، صحبة الوزير فريديريك ميتران الذي رحب بالضيوف بحماسة فائقة قبل ان يمضي في جلسة تهكم من أحد ملوك فرنسا ثم من خاله ميتران. وأخيراً، عندما لم يعد يجد من يسخر منه، وجد ضالته في الجليد الذي أنزلق عليه قبل بضعة أيام وكسر بسببه يده. هذا كله، بعيداً من لغة الوزراء والسياسيين في مثل هذه المناسبات.

النهار اللبنانية في

21/01/2010

 

ج. ك. لا يترك دماغنا على الأرض!

محمد رضا 

سيناريوات جيمس كاميرون ليست جوفاء. دائماً هناك قصّة مهمّة تقع ضمن طيّات أحدث التقنيات والمؤثرات البصرية المستخدمة. إنه يكتب للكاميرا، لكنه يكتب للمضمون أيضاً. وفي "أڤاتار" يفعل ذلك على نحو أفضل مما فعله من قبل. يدمج الإنساني بالثراء التكنولوجي ليخلق حالة متجانسة (ولو غريبة في تجانسها): طرح ذهني في مقابل ثرى بصري.

جاك مشلول لا يمشي، لكن ذلك لا يعوق عملية نقله من الشكل الآدمي الى الشكل الخاص بالمواطنين الأصليين لكوكب باندورا. الهدف من تجنيده هو التجسس على هؤلاء لتوسل الطريقة المثلى لإقناعهم بالنزوح عن أراضيهم، والسبب هو رغبة هذه القاعدة والبشر الواقفين وراءها في استخراج ثروات من تحت الأرض يفوق ثمنها الذهب على الأرض.

في شفافية واضحة تستطيع أن تعتبر شعب الـ"ناڤي" كل شعب تعرّض للتهجير (والقتل إذا أراد الممانعة) في سبيل الحصول على ثروة. تستطيع أن تستبدل الناڤي بالسيوكس او بالأباتشي او بكل القبائل الهندية التي سكنت القارة الأميركية.

قلت إن جاك كسيح. لكنه كسيح في حياته البشرية. حين يصل الى القاعدة لاحظ كيف يبدو مثل معتوه. شاة لا قول لها في كيفية التعامل معها في المسلخ. المسؤولة عنه هي العالمة غرايس (سيغورني ويڤر) التي تعامله بجفاء برمجته أيامها واقتناعاتها. الفيلم في هذا التمهيد لا تبدو عليه بعد "آثار" الرسالة اليسارية التي سيحملها بعد قليل. بل هو، حتى ذلك الحين وما بعد بقليل، من المنظور ذاته الذي تميّز به احد أفلام كاميرون السابقة، "أليانز"، الذي آثر البقاء في ذلك التغليف معظم الوقت. هنا تتفتّح الحقيقة حين يبدأ جاك بالدخول الى شخصيته الحقيقية والخروج منها الى شخصية المخلوق الشبيه بشعب الناڤي، مع ملاحظة أنه حين يفعل ذلك، لا يكتشف حقيقته فقط، بل يحقق ما يتمنّاه كل من لا يستطيع الحركة.

الحياة الجديدة تمكّنه من المشي، وهو الكسيح خارجها.

تغيّره الداخلي ناتج من إدراكه، لكنه ناجم أيضاً عن حبّه لنايتيري وحبّها له. في هذا النطاق، تستطيع أن تقارنه بالكابتن سميث (كولن فاريل) في فيلم تيرينس ماليك "العالم الجديد" (2002)، وعلى الأخص مقارنة نايتيري ببوكاهونتاس (كما لعبتها الهندية الأصل كوريانكا كيلشر) في الفيلم نفسه. بعد قليل، حينما يتقبّل جاك هذا التغيير، تستطيع مقارنته بدنبار في "رقصة مع الذئاب" لكافين كوستنر (1990). ثم لاحقاً، وفى حمى المعركة الكبيرة قبيل نهاية الفيلم، من الممكن جداً رسم خط بين رئيس القوّة العسكرية الأميركية (ستيفن لانغ) الذي يواجه القبيلة المحاربة بقوّاته المحصّنة بدبّاباتها وطائراتها، وبين دور جورج أرمسترونغ كاستر، كما أدّاه روبرت شو في "كستر الغرب" لروبرت سيودماك (1967). المشترك بين هذه الأفلام الثلاثة السابقة هي أنها جميعها من "الوسترن" وهذا طبيعي طالما أن النيّة ليست طرح مستقبل الإنسان بمعزل عن ماضيه.

بعض المسارات القصصية في الفيلم تضعنا أمام المتوقّع، مثل قصّة الحب والجفاء ثم إدراك الحقيقة والوقوع في الحب مرّة أخرى، ومثل رحلة الكشف عن مدارك جديدة لجاك، تجعله يتعرّف الى الحقيقة. لكن هذه ليست محطّات مهمّة يمكن التوقّف عندها للنيل من الفيلم. إذا كان هناك أمر واحد عملياً رديء او ضعيف في هذا الفيلم، فأنا لا أعرفه. كل شيء يبدو ناجحاً في عالم الفيلم الذي يشيّده، وما يشيّده محسوب بالثانية والكادر لإنجاز العمل على نحو مثير ومشوّق. المهم أنه ليس فيلماً خالي الوفاض من المضمون ذي الرسالة. والى ما سبق وروده هنا، ثمة ذلك الرصد لعملية ارتباط الشعوب ذات الحضارات غير المادية او الصناعية، بالروحانيات على نحو شديد. كاميرون يقول إنه لا يكترث بأي دين يعتنقه البشر طالما أنه ليس دين عداء وسفك دماء وقهر. ويقدّم مشاهد من تآلف شعوب الـ"ناڤي" مع الطبيعة التي تدفع، في مشاهد لاحقة، ثمناً باهظاً حين تهاجم القوّة العسكرية ذلك الشعب وتدمّر، خلال ذلك، تراثه وطبيعته (مشهد آسر وحزين لتدمير شجرة عملاقة يبلغ طولها طول ناطحة سحاب في دبي او نيويورك).

في ذلك كله، "أڤاتار" فيلم فاتح للبصر وللمدارك، ويستخدم السرد غير العاكس للذات لكي يعكس الذات في ذلك الوقت. بمعنى أنه ليس فيلم تأمّلات، لكنه ينجح في إثارتها على كل حال. تجلس لترى الفيلم فتفاجأ بأنه يسحبك معه في رحلة من التشويق الفاعل من دون أن تضطر الى ترك دماغك على الأرض.

النهار اللبنانية في

21/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)