تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

إيران تعيد صياغة التاريخ الإسلامي علي مذهبها

كتب مها متبولى

أخيراً وضعت إدارة القمرين الصناعيين نايل سات وعرب سات حداً للتوغل الإعلامي الإيراني عبر الفضائيات، وذلك من خلال قرارها بوقف بث قناة العالم الإيرانية لما لها من انعكاسات سلبية علي المواطن العربي لأنها بلا شك تخالف قوانين البث الفضائي التي تحظر علي القنوات ذات التردد علي القمر الصناعي المصري أو العربي أن تسهم في إثارة البلبلة حول إحدي الدول الشقيقة أو تتطاول عليها، ولكن هذه القناة لم تلتزم بهذا الميثاق وأصرت علي أن تمارس دورها في إرسال المد الشيعي إلي الشعوب العربية، وبقدر تحمسي لهذا القرار كانت أيضاً دهشتي لعدم احتوائه علي إيقاف قناة المنار التي توجه رسالتها الإعلامية المسممة ليس للشيعة في جنوب لبنان والعراق فقط وانما للسنة في العالم العربي.

فمن خلال متابعتي لبعض برامجها لاحظت أنها تتعمد التلاعب بالحقائق وتحويرها من أجل الترويج الإعلامي لحزب الله وإيران، ولا أعرف لماذا لم تتخذ الخطوات الإيجابية ضد هذه القناة بعد أن تقدم محام مصري إلي مجلس الدولة ليرفع دعوي قضائية برقم 34834 لسنة 63 يطالب فيها بوقف بث القناة علي النيل سات لأنها تتعمد تشويه صورة وبث أخبار غير حقيقية عنها، وكل ذلك يمكن تداركه في المستقبل القريب لكن ما لا يمكن تداركه هو اتجاه إيران لاستخدام الفنون بكل أنواعها كوسيلة للتسلل إلي قلوب وعقول الشعوب العربية الذين يتابعون القنوات الفضائية دون أن يعرفوا هويتها أو توجهاتها، فالملايين من المحيط إلي الخليج قد تابعوا المسلسل الإيراني المدبلج يوسف الصديق كما أن الأفلام الإيرانية باتت تعرض دائماًً علي الفضائيات ومن خلال الدراما والسينما تسعي إيران لتحقيق مد شيعي جديد.

الدراما الإيرانية

لاشك أن التليفزيون الإيراني يركز في إنتاجه للمسلسلات علي نوعين لا ثالث لهما، الأول هو المسلسلات التاريخية ليعيد صياغة التاريخ العربي وفق منظور شيعي يتوافق مع توجهاته السياسية والثاني هو المسلسلات الدينية التي تناقض المذاهب السنية بشكل خفي وغير مكشوف وانما يضع السم في العسل علي نحو دقيق، وقد تم دفع عجلة إنتاج هذه المسلسلات في الفترة الأخيرة لبثها علي الفضائيات لتبسط سيطرتها علي العقول من خلال دبلجتها، وهذا ما حدث مع مسلسل يوسف الصديق الذي تم عرضه علي قناة الكوثر الإيرانية وقناة المنار التابعة لحزب الله وقناة الحرية العراقية، إلا أن ما قدمه من محتوي فكري وفني يستحق وقفة لأنه يسلط الضوء علي التاريخ الفرعوني ويدعي أن امنحوتب الثالث هو الملك المصري بينما يزعم أن خوفو هو كاهنه مما يعكس نوعاً من الخلط والتشويه للتاريخ المصري القديم ويقلبه رأساً علي عقب دون أن يحمل ذلك نوعاً من المراجعة أو التدقيق بل إن المسلسل وإن كان يدور في إطار الماضي إلا أنه يلقي باسقاطاته علي الحاضر ليعكس صورة اجتماعية مهزوزة عن المصريين والمفاجأة الكبري أن هناك أكثر من 20 مؤلفاً قد شاركوا في إعداد هذا المسلسل وتأليفه وهم يستندون إلي مقولة تجعل المشاهد يسلم بكل ما يردد في المسلسل وهذه المقولة هي أن القصة من قصص القرآن الكريم ولكن مع متابعة الأحداث تكتشف أن ذلك غير صحيح.

أما علي الجانب الديني فإن المشاهد السني يصطدم بوجهات نظر مغايرة عن مذهبه الديني حيث يتم تجسيد الأنبياء يوسف ويعقوب بل يظهر علي الشاشة سيدنا جبريل مما يؤدي إلي نوع من البلبلة الممزوجة بالدهشة، والتفكير في نقاط الاختلاف والتشابه بين المذهبين السني والشيعي من حيث طريقة التعامل مع الفنون.

المشكلة أن هناك عدداً كبيراً من المسلسلات الدينية تمت صناعتها علي هذا الإطار وتحمل أسماء عديدة مثل أهل الكهف والنبي أيوب وهي لا تخلو من بذور الغزو الفكري، وليست بعيدة تماماً عن شبهة التلاعب بالثوابت الدينية والتاريخ، وهناك توجه عام لدي بعض الفضائيات التي تضم بعض الأقليات الشيعية وخاصة في الخليج إلي دبلجة بعض هذه المسلسلات وعرضها علي الفضائيات خاصة أنها تلقي ترحيباً من الجمهور، ولكن ألا يعلم المسئولون عن هذه القنوات أنهم يساعدون الإعلام الإيراني علي استخدام الفن كوسيلة لفرض النفوذ؟ لقد حصدت هذه الفضائيات مبالغ طائلة من بث المسلسلات التركية المدبلجة لكن الوصول إلي محطة المسلسلات الإيرانية لا يمكن أن نقف أمامه مكتوفي الأيدي أو عاجزين بل يجب أن نرفع صفارات الإنذار لأنها تضخ أفكاراً وتوجهات مختلفة عن روح التسامح وتقدم نمطاً أخلاقياً مغايراً لثقافة تحاول أن تبحث لنفسها عن مكان ووجود.

المسلسلات الإيرانية تحظي بدعم الجهات الرسمية الإيرانية ويتم الانفاق علي إنتاجها ببذخ شديد، ويكفي أن نعرف أن المسلسل الواحد تصل تكلفته الإنتاجية إلي 6 ملايين دولار، وترسم له خريطة عرض لضمان تركيز بثه علي المشرق العربي ودول الخليج.

أخطر ما في الموضوع أن إيران تحاول أن تستخدم طابورها الخامس في الدول الخليجية ولبنان من أجل وقف انتشار الفن المصري، وفرض حائط صد ضده يرفض شراء المسلسلات المصرية بينما يفتح المجال علي مصراعيه أمام الدراما السورية والتركية والإيرانية علي وجه التحديد.

السينما الإيرانية

دخلت السينما الإيرانية إلي مضمار فرض النفوذ الفني الإيراني علي شعوب المنطقة لأنها أصبحت عنصراً حاضراًَ في المهرجانات السينمائية سواء بالنسبة لنوعية الأفلام المعروضة أو عن طريق لجان التحكيم، وقد ظهر ذلك بوضوح خلال مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي وكان المخرج عباس كيارو ستامي هو رئيس لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة بينما كان الفيلم الإيراني البحث عن إيلي هو أحد الأفلام التي تنافس بقوة علي جوائز المهرجان، وكان تفوق الفيلم الإيراني مثيراً للمقارنة بين السينما الإيرانية ذات العمر الفني القصير والسينما المصرية التي يمتد تاريخها لأكثر من مائة عام، ومن خلال هذا التوجه أدركت أن السينما الإيرانية ليست بعيدة تماماً عن توجهات صانعيها لأنها تستعين بكل شيء يمكن أن يلفت اعجاب المشاهدين وتأكد لي ذلك من خلال النظر بعين النقد لتاريخ أكبر المخرجين الإيرانيين وهو محسن مخملباف وهو حاصل علي جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان عن فيلم قندهار وهو فيلم يتناول حياة الأفغانين في فترة حكم طالبان إلا أن هذه الابعاد تتضح عندما نعرف أن محسن مخملباف قبل دخوله مجال الإخراج السينمائي كان مسجوناً في قضية طعن ضابط شرطة بعد اتهامه بالانتماء لإحدي الجماعات المتطرفة خلال حكم الشاه، ولا أعتقد أنه يقدم أفلاماً منزهة وبريئة عن التوجه السياسي الذي يراه.

لقد قادتني الصدفة البحتة أن أشاهد فيلماً سينمائياً علي قناة المنار مأخوذاً عن قصة الكاتب الفلسطيني مروان كنفاني عائد إلي حيفا وتدور أحداثه داخل الأراضي الفلسطينية واحتلال إسرائيل للمدينة من خلال حياة طفل رضيع يربيه رجل وامرأة من اليهود إلا أن جدته الفلسطينية تحاول أن تكون بجانبه حتي يكبر، وتتر الفيلم النهائي يثبت اشتراك وزارة الإعلام الإيرانية وحزب الله في الإنتاج والتمويل ولكن ما أدهشني أن الفيلم بكامله قد غيب دور المصريين في الدفاع عن فلسطين خلال حرب 1948 وكأنه لم يكن له أي وجود، لتظهر إيران وحزب الله وكأنهما انصار الحق الوحيدون.

إن مد السينما الإيرانية يتزايد في المنطقة العربية بشكل ملحوظ فما إن أطلع علي لجنة تحكيم مهرجان مغربي أو غيره حتي أجد مخرجاً إيرانياً أو فيلماً ، بينما تغلق السينما المصرية علي نفسها كل الأبواب بحثاً عن السوق المحلي وحجم الإيرادات، لا أحد يفكر في أن الانسحاب إلي الداخل يمكن أن يتيح فرصة ذهبية للأفلام الإيرانية أن تتقدم لتعلن عن وجودها في بعض المهرجانات.

يجب أن تكون لنا سياسة إعلامية وقومية تفرض حضورها علي الصعيد العربي لأننا نواجه غزواً فكرياً من نوع خاص، لا يجدي معه إنتاج فيلم فلسفي عقيم مثل المسافر ولا يوقفه إنتاج أفلام الدادة دودي وكباريه وإبراهيم الأبيض بل يجب أن تكون لوزارة الثقافة رؤية أعمق وأشمل لمواجهة ما يعترض طريقنا من تحديات فالغزو الإعلامي الإيراني يهب كالرياح من كل الاتجاهات، ولذلك كنت أتمني أن يتم وقف بث قناة المنار وغيرها من القنوات الشيعية التي أصطدم بها علي النيل سات وعرب سات.

روز اليوسف اليومية في

08/11/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)