تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الدراما العراقية.. كم كبير وتغيير طفيف

اتسم أغلبها بالكوميديا والهجينية في كل شي

لندن: حميدة العربي

أفرزت حصيلة الدراما العراقية في شهر رمضان المبارك هذا العام، كما هائلا من المسلسلات، زاد على الحاجة عند البعض، فتم تأجيلها إلى ما بعد رمضان أو تم إلغاء البرامج العادية لإفساح المجال أمام تلك المسلسلات. وأكدت هذه الحصيلة أن الدراما العراقية ظلت كما هي ولم يحدث تغيير واضح رغم ذلك الكم الكبير، واتسم أغلبها بالكوميديا، والهجينية في كل شيء، لكن الملاحظة المهمة في أعمال رمضان الحالي، هي أن الكتاب الذين تصدوا للوضع الحالي في العراق، بإسراف ومبالغة، وخصوصا سلبياته ومساوئه، واستغلوا مأساة المواطن العراقي وجعلوا منها سلما يصلون به إلى غاياتهم وتوطيد مكانتهم وصنع أسمائهم، تراجعوا هذا العام وعادوا إلى الماضي، وأن موجة الاهتمام بالحاضر كانت مرحلية، رافقت موجة العنف التي ضربت البلاد، دون الاهتمام بما في هذا الحاضر من تغييرات، إيجابية أو سلبية، فبدت الدراما وكأنها دراما مناسبات أو مراحل، تتأثر بالمرحلة وتغرق في عرضها وشرحها ثم تهجرها إلى مرحلة أخرى، وليست دراما قائمة بذاتها وغير خاضعة للتغييرات والتقلبات السياسية، مما أثر على مسيرة الدراما المحلية، وأفقدها فرصة الثبات والنضوج، وبالتالي التطور، واستلهام الماضي هذه المرة، ليس من باب التهرب من الحاضر أو التشفي به، أو الخوف منه، كما كان يحدث سابقا، وإنما لمقارنة ذلك الماضي مع الحاضر الآني عند البعض، أو التهجم على بعض الجهات والأحزاب، عند البعض الآخر، فالكتاب لا يتناولون أحداث الماضي من بعدها التاريخي الموضوعي، وإنما من وجهة نظر شخصية، فيمجدون من يريدون ويهزأون بالآخرين أو يقللون من شأنهم، وهذا ينطبق على الماضي القريب والبعيد، وعرضت مسلسلات تتناول حقبا زمنية قريبة، ما زال الناس يتذكرونها، مثل النخلة والجيران، عن أربعينات القرن الماضي، والمأخوذة عن روايتين للكاتب الراحل غائب طعمة فرمان هما «النخلة والجيران» و«القربان» ولم تتم الإشارة إلى ذلك، بل ظهر أنها مأخوذة عن النخلة والجيران فقط، ولم يهتم أحد بالأمانة الأدبية.

وقد تصرف المعد على هواه، فغيّر وشطب وأضاف وحشر، والاهم أطال زمن المشاهد وعددها، لتناسب القياسات والشروط المطلوبة! مما جعل نسيج الروايتين متهرئا، كالقماش الذي يتعرض للسحب والتمطيط فتبدو نقوشه باهتة، شاحبة الملامح، غير واضحة الخطوط، ومما ساهم، بشكل واضح، في زيادة ترهل العمل، الأسلوب التقليدي للمخرج، بعيدا عن الحداثة، فصنع مسلسله بإمكانيات وأساليب الأربعينات! ولم ينقذ المسلسل وجود جمهرة من نجوم الصفين الأول والثاني، والغريب، أن الشخصية التي تدور حولها رواية القربان، هي فتاة قاصر «أي دون الثامنة عشرة» إلا أن الدور أسند إلى ممثلة تجاوزت الثامنة عشرة قبل ربع قرن! ويصرون أنها قاصر. المسلسل الآخر هو «الدهّانة» وتدور أحداثه في الستينات والسبعينات، وهو عمل مليء بالتشويه والمغالطات والمعلومات الخاطئة، يتناول موضوعة الثأر، إلا أن المؤلف أقحم السياسة عليه، فكانت النتيجة ميلودراما وفبركة بوليسية غير متقنة، ولكن تحسب للمخرج «علي أبو سيف» قدرته على شد المشاهد بحركة كاميرته الانسيابية واختيار الزوايا وفنية الكادر والإضاءة، وكذلك الحضور المتميز لغالبية فريق العمل، وهناك استرجاع لأحداث الثمانينات في مسلسل «الحب والسلام»، وقد أرادت إحدى الفضائيات الدينية، أن تنافس زميلاتها، فدخلت معمعة الإنتاج، وأنتجت مسلسلا شعبيا، رصدت فيه مساوئ النظام السابق وسلبياته، إلا أن أغرب ما فيه أن القائمين على هذا المسلسل، رحّلوا كل مساوئ وسلبيات الحاضر إلى النظام السابق وأضافوها إلى سجله، رغم أنه لا يبعد عنا سوى ست سنوات! فكيف سيثق المشاهد بما تقدمه له تلك الفضائيات من دراما وبرامج، وكيف سيصدق أحداث الماضي البعيد، إذا كان الماضي القريب محرّفا بهذه الصورة؟

إن تقليب صفحات الماضي دون تجرد أو حيادية، يفقد الكاتب الموضوعية والمصداقية، التي يفترض أن يتسم بها الأدب عموما. ويبدو أن الفضائيات تتعامل على أساس الأسماء ورنينها، فيكفي أن يكون النص لكاتب معروف، فهذا يعفيه من الفحص والتدقيق والمساءلة، مما جعل الكاتب، المعروف، يستسهل العملية، فلا يبحث ولا يراجع ولا يحكّم ضميره دائما، المهم إنتاج أكبر كمية من الأعمال، دون الاهتمام بالنوعية، لتأكده أن كل ما يكتبه مقبول في كل الاتجاهات.

ولأن الإنتاج ما زال مقصورا على الفضائيات التي تنتج ما يناسب توجهاتها، وبسبب الانعدام التام للرقابة، وإنتاج أغلب الأعمال خارج العراق، فقد فسح هذا المجال أمام الكثير من التحريف ومغالطة الحقائق وتشويه الآخر، المختلف فكريا أو اجتماعيا، وقد أفرزت أعمال السنوات الأخيرة ظواهر جديدة على الدراما العراقية، بدأت تترسخ شيئا فشيئا، وقد تصبح تقاليد عمل ثابتة، لعل أبرزها: تقلص المسافة الفاصلة بين الفن الجاد والعمل التجاري، الاستهلاكي، ولعل أسباب ذلك تعود إلى حالة الفوضى والتهريج التي اجتاحت الدراما بعد 2003، وشدة المنافسة بين الفضائيات، وحاجتها إلى ملء ساعات البث الطويلة، فوجدت الكثير من الفضائيات ضالتها بأركان ما يسمى بالمسرح التجاري في التسعينات، فاحتوتها وأعادت لها النشاط، مع ظهور جيل من الشباب، مستعد للقيام بأي شي من أجل الظهور والوصول، وهكذا تمحور إنتاجها على نوع جديد من الأعمال هي عبارة عن خليط غث، من التمثيل والغناء والرقص والتطبيل، على نفس الموسيقى والإيقاعات، تحشر بين فقراتها عبارات عن الوضع في العراق، لمنحها صفة نقدية، وهذا مخالف لمفهوم النقد، فالنقد ليس السخرية من الشيء أو التقليل من شأنه، بل هو تقويم وإصلاح وتذكير، هدفه وضع عملية ما، في مسارها الصحيح والتنبيه إلى الأخطاء والنواقص وجوانب التقصير وضعف الأداء، وما تعرضه الفضائيات من هزل، ليس له علاقة بالنقد أو الكوميديا، وللأسف انحدر بعض الفنانين، الجادين، مع هذه الموجة التي تحولت إلى ظاهرة في السنتين الأخيرتين. وللإنصاف فإن قناة «البغدادية»، ربما تكون الوحيدة التي نأت بنفسها عن موجة التهريج وتميز إنتاجها الدرامي، بشكل عام، بالرصانة والجدية، بغض النظر عن المستوى الفني. وتراوحت الأعمال الأخرى من أقصى الجدية إلى أقصى التهريج، وما زادها مللا، أن الكثير من أبطال المسلسلات ظهروا كمقدمي برامج، على أكثر من شاشة، بنفس الوقت وبنفس الأداء، مما أثر سلبا على حضورهم الفني، ودرجة المتابعة والاهتمام! ظاهرة الهجينية في الحوار: يعتبر الحوار من أهم عناصر تكوين النص الدرامي، كونه الوسيلة الأساسية لإيصال الفكرة وتطورها، ودفع الأحداث إلى الأمام، ومن خلاله يتم التعريف بالشخصيات وأفكارها وأهدافها، وصراعاتها، وموقفها مما حولها، وإذا كان الحوار مدروسا، فاعلا، سلسا، جاء بناء الشخصيات محكما واضحا، والعكس صحيح. والحوار أسوأ وأردأ عنصر في الدراما العراقية، الحالية، وباستثناء بضعة أعمال، فإن أغلب المسلسلات تمتلئ بالكلام السطحي، الساذج، المحشو، دون فكر أو هدف، ضمن مشاهد طويلة مملة، ولا يخلو بعضها من المفردات السوقية، هدفها إطالة زمن المسلسل، مما يفقد الشخصيات ملامحها وبعدها الدرامي، فتبدو إما كاريكاتيرية وإما فارغة، بدون عمق ولا تأثير، وكثيرا ما ينسى الكاتب بعض الشخصيات فتختفي لعدة حلقات، ثم يتم إحضارها لتراوح بنفس المكان وتعيد نفس الحوارات، في دائرة مفرغة، أو يقفز على الأحداث فينقلها إلى مرحلة متقدمة دون أن يوضح للمشاهد كيف ولماذا، إضافة إلى الخليط العجيب، من اللهجات المحلية، جنوبية وغربية وبغدادية، على لسان شخصية واحدة، والأدهى من ذلك، هو إقحام مفردات وعبارات غير عراقية وشطب وإلغاء للمفردات والعبارات المميزة للهجة العراقية.

إن محاولة طمس المفردة المحلية واستبدالها بأخرى مستوردة، سيؤدي بعد سنوات إلى اختفاء هوية اللهجة المحلية وتفردها وشطب ما يميزها من مفردات صارت ما يشبه الهوية للعراقيين، وسبب ذلك يعود إلى أن أغلب الكتاب يقيمون في بلدان المهجر، وتأثرهم بالبيئات الجديدة، أنتج لديهم لهجات جديدة، بدأوا بتسريبها وفرضها على الدراما، فإن فعلوا ذلك بقصد فهذا تآمر على اللهجة المحلية، ومحاولة لطمسها، وإن فعلوا ذلك بدون قصد، فسيكون هذا قصورا منهم في إدراك أهمية اللهجة المحلية لما تحويه من موروث شعبي وتميز اجتماعي، والأغرب أن الكثير من الكتاب، ومنهم مخضرمون، يخطئون بالأمثال الشعبية والأقوال المأثورة، الشائعة، ولا يبدو أن هناك اهتماما أو متابعة من أحد بذلك، مجرد «يسلقون» المشهد ويذهبون.

الظاهرة الجديدة، اللافتة للانتباه، هي وجود ممثلين عرب في أغلب الدراما العراقية المحلية، ربما تماشيا مع التوجه العام للدراما العربية بالعمل المشترك، ومن أجل ضمان التوزيع والانتشار، وهو هدف مشروع، بشرط ألا يتم فرض أو افتعال شخصيات غير عراقية، أو التعمد بجعل الأحداث تدور في بلد عربي من أجل استضافة ممثلين من ذلك البلد، ولفرض واقع جديد على الدراما، كما حصل في مسلسل «الساعة الثانية بعد الظهر» و«جريش ومريش» وغيرها.

الظاهرة الإيجابية الوحيدة، في رمضان هذا العام، هو التغيير الطفيف في عقلية الوسط الفني العراقي، الذي تجسد في تقدم بعض الممثلين من الخط الثاني إلى الأدوار الرئيسية، التي كانت حكرا على وجوه وأسماء معينة، ففي الماضي كان الممثل الذي يبدأ مشواره الفني بدور ثانوي، يظل أسير الأدوار الثانوية طوال حياته، مهما بلغت موهبته وإمكانياته، ورغم وجود المحسوبية والمنسوبية والواسطات وهيمنة العوائل الفنية على مجمل النشاط الفني، فإن حتمية التغيير فرضت نفسها، وغيرت من عقلية البعض، ولعل مرد هذا التغيير الإيجابي إلى توجه الدراما العربية، عموما، بهذا الاتجاه، واحتكاك الفنان العراقي بالأوساط الفنية العربية، رغم أنها الأخرى تعاني من نفس السلبيات، ولكن بدرجة أقل، لكثرة عدد الفنانين وتعدد الجهات المنتجة، إلا أن هذا التغيير لم يشمل النظرة إلى العنصر النسوي، فقد ظلت المرأة تحت تأثير نفس الشروط التقليدية، المزمنة، أن تكون جميلة، أو من عائلة فنية، أو لديها واسطة قوية، ومهارة في العلاقات العامة، أما الموهبة والإمكانية، فهي آخر الشروط المطلوبة، وقد لا تكون مطلوبة عند البعض.

الشرق الأوسط في

23/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)